المشكلة التي سوف اعرضها عليكم هي تخص ابني ذا الخمس سنوات، تتمثل في انه يعاني
من الخوف من مقابلة الناس، او الخجل الشديد لدرجة انه يختبىء ورائي، او وراء امه
عند مقابلة الناس! واذا ما جلسنا في مكان فيه ناس اغراب عليه، فانه يبقى ساكنا،
عديم الحركه لدرجة التصلب، لا يتكلم الا همسا في اذن امه! وربما يمتقع لونه! كما
انه يصاب بالهلع اذا سمع صوتا قويا ومرتفعا، حيث يقوم بوضع يديه على اذنيه بشكل
هستيري!واذا سمع صوت صياح او عويل في التلفاز، يخرج من الغرفة، او يختبىء خلفي محاولا
عدم السماع!
علما انه لا يوجد منذ الطفولة من يحاول اخافته، بالعكس: هو مدلل ومحبوب، ونحاول انا
وامه شموله باقصى درجات الحنان والحب، كما انه يتمتع بذكاء ممتاز الا انه حساس. كل
هذه الصفات والحالات تختفي اذا كنا وحدنا، حيث يتحول الى طفل اخر فيه من الشقاوه
والمرح والتعابير السليمة والنبرة الواثقة، ويكون على احسن ما اتمنى!!
بقي ان اقول ان الاب وهو انا مصاب بالرهاب الاجتماعي، وما ينتج عنه من قلق
وتوتر وغيرها، حيث كنت منذ الطفولة خجولا ومنطويا؛ مما نتج عنه ما اعاني من مشاكل
الان.
ارجو منكم ان تساعدوني في ايجاد حل لما يعانيه ابني! حيث اني اصاب بالغم عندما
اراه على تلك الحالة! اخاف ان يصاب مستقبلا بما اصبت به من رهاب؛ لذا ارجو
ان تنصحوني ما هو المخرج؟ وكيف الحل!؟ فانا اتالم واتقطع من الداخل، وابكي بصمت! هل
الوراثة لها تاثير؟ قال الجاحظ: “هذا ما جناه علي ابي، وما جنيت على احد” اما
انا فجنيت على نفسي، وربما على غيري!
الاجابة
بداية ، نبدا بما انتهيت به، وهي ان مقولة الجاحظ ليست صحيحة، ويجب ان تؤخذ
فقط في نطاق انها من الشعر الجيد، من ناحية الصياغة لا من ناحية المحتوى او
المعنى.
اخي، اولا: من الواضح ان هذا الطفل يعاني مما يعرف بقلق ومخاوف الفراق، وربما يكون
مرد ذلك هو العطف والمودة الزائدة من قبلكم، والتي ادت الى ما يعرف ايضا بالالتصاق
الوجداني.
ثانيا: انت كانسان مصاب بالرهاب الاجتماعي، فربما تكون اكثر تدققا وخوفا على ابنك من ان
يصاب بنفس الشيء، وهذا ما يجعل اعراض ابنك تتجسد وتتضخم في ذات نفسك.
العلاج سهل جدا ، وهو يقوم على الترغيب والترهيب ، فيجب ان يشجع هذا الطفل
في كل وقت يبتعد فيه عن المحيط الذي تجلس فيه انت ووالدته، ويمكن استعمال طريقة
النجوم التي يمارسها المدرس مع التلاميذ، والتي تقوم بان يعطى الطفل نجوم كمكافئة له في
كل سلوك ايجابي، وتسحب منه النجوم ايضا مقابل كل سلوك سلبي، ويمكن ان تستبدل حصيلته
في نهاية الاسبوع بشيء يحبه في حدود المعقول .
الشيء الاخر، يمكن لهذا الطفل ان يعطى بعض الادوية البسيطة، والتي لم تؤثر عليه سلبا
ان شاء الله، ومن افضل الادوية التي تعالج نوعية هذه المخاوف في الطفولة، الدواء الذي
يعرف باسم تفرانيل، والجرعة هي 10 مليجرام فقط، بواقع حبة ليلا، لمدة ثلاثة اشهر.
لا نستطيع -يا اخي- ان ننكر ان الوراثة ربما تلعب دورا في حدوث المخاوف، فقد
وجد ان 30% من الاشخاص الذين يعانون من الرهاب لديهم تاريخ لحالات مماثلة في اسرهم،
او انهم كانوا يعانون من المخاوف، خاصة الذهاب الى المدرسة في اثناء الطفولة، علما بان
الدراسات التي اجريت على هؤلاء الاشخاص اثبتت انهم من اسر مستقيمة ومستقرة، ومعظم اعراضهم سوف
تختفي بعد بلوغ الثلاثين سنة من العمر، والشيء المبشر ان الذي يورث ليس هو المرض
في حد ذاته، انما هو الاستعداد له، اذا توفرت الظروف الاخرى، وفي مثل حالة ابنك
العزيز ارجو ان لا توفر له الظروف التي تساعد على حدوث المخاوف، وهي الدلال الزائد
في مثل حالته.
وبالله التوفيق.