.
بين حب الدين وحب الوطن
حب الوطن امر فطري ، لا ينازع فيه الا مكابر .. وقد قرن الله الاخراج من الديار بقتل الانفس حين قال تعالى: (ولو انا كتبنا عليهم ان اقتلوا انفسكم ، او اخرجوا من دياركم ما فعلوه الا قليل منهم ).. ولشده مفارقه الديار على النفس رتب الله الثواب العظيم للمهاجرين في سبيله الذين فارقوا اوطانهم واوطان اهليهم استجابه لربهم.. وجعل الله من عقوبه الزاني بعد جلده التغريب والابعاد عن وطنه.
ولما اخرجت قريش نبي الرحمه صلى الله عليه وسلم وقف بالحزوره على مشارف مكه ، والتفت الى مكه ، وبدا يخاطب اطلال الوطن الحبيب ويقول: اما والله اني لاعلم انك احب بلاد الله الي واكرمها على الله ولولا ان اهلك اخرجوني منك ما خرجت.
وفي هذا الكلام لفته نبويه من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الى ان هذه القيمه -اعني قيمه الوطن- قيمه غاليه ، لكنه صلى الله عليه وسلم ترك وطنه المحبوب مراعاه لسلم الاولويات بين القيم في الاسلام، ذلك ان قيمه الدين قيمه محوريه في حياه المسلم، وهي اعلى واسمى القيم، وبسبب هذه القيمه هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكه وهي اذ ذاك دار شرك الى المدينه دار الاسلام .
ولنا ان نتساءل: هل نعيش في هذه البلاد المباركه تعارضا بين هاتين القيمتين، قيمه الدين وقيمه الوطن؟.
ان الناظر المنصف يدرك انه لا تعارض بحمد الله بين القيمتين، لان هذه البلاد بحمد الله قائمه على الدين، وقد ربانا حكامنا على قاعده : الدين ثم المليك والوطن.. بل يحق لكل مسلم مواطن او غير مواطن ان يمتلا قلبه بحب هذه البلاد، ويضحي من اجلها، فهي قبله المسلمين، ورافعه رايه الدين، ومعقل الشريعه ، ومارز العقيده .. مع اننا لا ندعي الكمال والسلامه من الخطا والقصور لبلادنا ولا لانفسنا حكاما ومحكومين.
2. اليوم الوطني وحقيقه الانتماء
مع اتفاق الجميع على حب الوطن ونعمه توحيد البلاد على يد المغفور له باذن الله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن ال سعود، وقع خلاف فقهي فرعي في جواز الاحتفال باليوم الوطني، فعلماؤنا الكبار يرون التحريم لعله التشبه بالكفار واعيادهم وعلل اخرى، فيما يرى اخرون جواز الاحتفال من باب العادات دون ان يشتمل على محرم ودون ان لا يكون فيه مبالغات وتضخيم ترفعه الى منزله العيد وتضاهي به منزله الاعياد الشرعيه .. وعلى كل حال المساله فرعيه والمرجع في هذا الخلاف هو العلماء الكبار حفظهم الله.
وقد ذكر الزركلي في كتابه الوجيز في سيره الملك عبدالعزيز ص198 انه في شهر شوال من عام 1369ه كان بعض المسؤولين قد اعدوا العده لاقامه احتفال بمناسبه مرور خمسين عاما على دخول الملك عبدالعزيز مدينه الرياض، وقد وضعت الترتيبات بحيث تعطل المدارس والدوائر الحكوميه في الرابع من شهر شوال، ويفتح امراء المناطق ابوابهم لاستقبال المهنئين نيابه عن الملك، وتوزع الاطعمه والاكسيه على الفقراء احتفالا بالمناسبه . فصدر بيان من وزاره الخارجيه جاء فيه: “كانت الحكومه قد قررت الاحتفال بالذكرى الذهبيه لدخول جلاله الملك الى الرياض منذ خمسين سنه . وقد استفتى علماء الدين في ذلك، فافتوا بانه ليس من سنن المسلمين، ولا يجوز ان يتخذ المسلمون عيدا الا عيدي الفطر والاضحى. ونزولا من جلاله على حكم الشريعه امر بالغاء المراسم والترتيبات”.اه
ومع هذا، فالقول بجواز الاحتفال باليوم الوطني له وجهه وحظه من النظر، وربما يرى طالب علم انه الراجح نظريا، لكن الراجح عمليا ووطنيا هو قول علماء الوطن الكبار المعتبرين، لان الصدور عن رايهم هو الاصلح للناس ووحده الكلمه في البلاد وعدم زعزعه علاقه الناس بهم. ليس من مصلحه الوطن ان تفتي جهه الافتاء الرسميه بالتحريم ثم يقوم بعض المسؤولين او المستشارين بمخالفه هذه الفتوى.
وبعيدا عن هذا الخلاف الفقهي في هذه المظاهر الشكليه اقول: الوطن بحاجه الى الجوهر اكثر من المظهر.. ان الوطنيه ليست مجرد احتفالات ومظاهر شكليه ، وليست مجرد ماده دراسيه باسم “التربيه الوطنيه ” تحولت الى زائده دوديه في مناهج التعليم التي تعاني من التخمه .. ان الوطنيه عقيده فكريه وتربيه نفسيه تزرعها في نفوس ابنائنا.. ان العنايه بتعزيز الانتماء الوطني النفسي اهم من هذه المظاهر من اغاني وشعارات واعلام وعبارات.. ان ذكرى توحيد هذه البلاد تدعونا والله لتذكر نعمه، والتي من اجلها واعظمها اننا نعيش في وطن واحد امن في ظل شريعه سمحه وتحت قياده حكيمه .. وهي تدعونا لتعزيز الحب والانتماء لهذه البلاد وترجمه هذا الحب الى اقوال صادقه ، وافعال نافعه .. وهي تدعونا للحفاظ على الامن والاستقرار داخل الوطن ، وعدم السماح لاي عابث او دخيل بالاخلال بامن الوطن او المزايده عليه.
3. الوطنيه والاختطاف
عندما نتحدث عن الوطنيه فاننا نتحدث عن نسيج متكامل من القيم، منها ما هو جوهر ولب، ومنها ما هو فروع وقشور.. جوهر الوطنيه : بيعه في العنق، واداء للحق، وولاء وطاعه .. وعدم خروج على الجماعه .. وثمت فروع وقشور ربما تختلف فيها انظار العلماء، وربما يكون بعضها دخيلا على الوطنيه .
ان من الخطر ان تختطف الوطنيه ، وتبتدع لها معايير شكليه ، يفتن بها الناس ويمتحنون بها.. كيف تصبح مساله جزئيه كتعليق الصور او تحيه العلم الوطني او الاحتفال بيوم الوطن محكا للمواطنه الصحيحه ، فمن قام بها فهو المواطن المخلص، ومن تحرج منها فوطنيته مشكوك فيها، ولو كان امينا مخلصا مطيعا بالمعروف، ولو كان قد اخذ بفتوى علماء الوطن الكبار.. حتى كتب احد المسؤولين عباره : (تحيه العلم وحب الوطن).. تصفيه حسابات، وهل علماؤنا الكبار الذين افتوا بتحريم هذه المسائل الجزئيه ليس عندهم وطنيه او لا يحبون الوطن؟.. نعم ربما نترك بعض المظاهر الشكليه تاثما لفتوى تحرمها لا كرها او استخفافا، ويبقى حب الوطن في قلوبنا ونربي عليه ابناءنا.. بل نشهد الله ان في كثير من المواطنين الصالحين الذين ياخذون بفتاوى علماء البلاد الكبار في تحريم بعض المظاهر؛ ان فيهم من الحب للوطن ما لو نزلت نازله لبذلوا ارواحهم رخيصه دونه ودون ولاه امره ولم يفروا كبعض المرتزقه الجبناء الذين لا يعرفون من حق الوطن سوى الاغاني الوطنيه وتمجيد العلم.. وان في كثير من شيبنا وعجائزنا من الحب والدعاء لخادم الحرمين ما يغنيهم عن تعليق صورته، لانها محفوره في قلوبهم، وبيعه في اعناقهم.
وان من التناقض العجيب اتخاذ بعض العلمانيين والليبراليين والتغريبيين دعوى المواطنه وحب الوطن مركبا لتسويغ افكاره، ومحاصره وارهاب كل من يخالفه، ورميه بالارهاب والتمرد على الوطن، وينسى هذا المتعسف صاحب الارهاب الفكري انه هو اول من ينقض دعواه باطروحاته التي لا تخدم المصلحه الوطنيه ، ولا تتفق والاسس التي قامت عليها البلاد، واجتمع عليها شمل الوطن .
ان الواجب علينا جميعا ان نعزز قيم التعايش والعدل ونحذر من اتخاذ الوطنيه لتصفيه الحسابات والوشايه والتحريض، والاحتراب الداخلي الذي يفرح الاعداء المتربصين.
- خطبه عن الوطن
- خطبة عن الوطن
- خطبه عن الوطن قصيره جدا
- خطبه قصيره عن الوطن
- خطبه وطنيه قصيره جدا
- خطبة وطنية قصيرة
- خطبة قصيرة عن الوطن
- خطبة عن حب الوطن قصيرة جدا
- خطاب عن الوطن
- خطبه وطنيه قصيره