الملخص ،،
==========
غير قادرة على تخليص نفسها من المازق على نحو
سوى، وجدت بيج نفسها ضحيه خطه بارعه لتزويجها
من الان فولر الذي كانت معجبه به ولكن دون حب
شغوف. وكانت المفاجاة ان ترى في حفله بقاعه
مزدحمه، قبل الزفاف بثلاثه ايام، رجلا كان له تاثير
مذهل على مشاعرها .. كوين الاخ الاكبر لالان.
كوين الذي اكتشف ان والد بيج كان يختلس
اموال مؤسسه ال فولر ،واعتقد ان بيج متورطه.
وعن يقين بان بيج قد اوقعت الان في شباكها عن قصد،
اخذ كوين بالثار .
***********************
==الفصل الاول==
((مع كوين .. لا احد يعرف شيئا ))
راته بيج جاروز , لاول مرة في الحفلة التنكرية الراقصة عشية عيد جمع القديسين كان
يستند الى جدار قاعة الرقص يراقب الشياطين وقططهم السوداء الرشيقة وهي تتقافز حول بعضها في
حلقات دوامية في دائرة الرقص المجنونة ، كان ذا مظهر خطير وقوة عضلية رشيقة لافتة
, وفجاة مر بخيالها المنهك ما فجر طاقته النائمة عندما رات فيه صورة اسد يكمن
في العشب الطويل ينتظر فريسته المنكوبة ..
لكن جاءها ما ايقظها من خيالتها التي سافرت بعيدا .. كان صوت والدتها يقول :
“(بيج) , بحق الله , اما زلت في مكانك بعد ؟ لا يمكننا ان نقضي
سهرتنا في وقفتنا هذه كاننا نسد مدخل القاعة !!”
اجفلت الفتاة ونظرت الى والدتها و ابتسمت بخفة وهي تقول :” اسفة ولكني احاول العثور
على (الن) , لا يبدو اني استطيع حتى ان …
اندفعت والدتها تقول وهي تنظر الى حلبة الرقص تلك :”من الطبيعي ان لا تستطيعي فهناك
ما لا يقل عن دستة من الشبان في زي روميو الليلة و كانه اخبرهم قبل
موته انهم موفقون لو انهم ارتدوا ثيابه في كل مرة يذهبون فيها الى حفلة تنكرية
!”
وتنهدت الام المنهكة وهي تزيح خصلة من شعر ابنتها الاشقر عن وجهها , واضافت :
“وطبعا هناك لا يقل عن دستة ونصف ممن يقمن بدور جولييت الليلة … ولكن ليس
لاحداهن مثل جمال ابنتي”
تبسمت (بيج) وقالت:” وطبعا لا يوجد روميو واحد في وسامة خطيبي .. لذا , سيسهل
العثور عليه ”
ولكن لم يحدث ذلك , قطبت جبينها خلف قناعها الفضي الرقيق وعيناها البنفسجيتان تجوب الحجرة
المزدحمة في محاولة اخرى للعثور على خطيبها الروميو .
ومن حيث تقف راتهم جميعا متشابهين جدا . ولكن (الن) كان شيئا خاصا فهو الرجل
الذي خطبت له وستتزوجه ولا بد ان يكون باستطاعتها تمييزه بين كل هذا الجمع .
مرة اخرى وقع بصرها على ذلك الرجل الذي راته قبل لحظات . وكان ينظر من
خلال الابواب الزجاجية المحيطة بالقاعة الى حدائق الملهى , وعرفته (بيج) رغم انه كان يعطيها
ظهره , لقد عرفت الهيئة الانيقة لكتفيه تحت بذلة السهرة ومظهر راسه الشديد الاباء .
استدار فجاة ومن خلف قناعه الاسود المحكم التقت العيون المتالقة ببعضها ..
القاعة ..
الموسيقى..
الراقصون..
الراقصات..
كل شيء تلاشى في دوامات سريعة
“(بيج) “قبض والدها على ذراعها وقال “(بيج) اليس هذا (الن)؟! ”
مرت لحظة كانها الدهر قبل ان تستطيع صرف بصرها عن ذاك الرجل وتستدير الى والدها
. سالته : “اين؟! ” اوما والدها باتجاه روميو قريب . قالت وقد اندفعت الدماء
الى وجنتيها : ” لا ادري ولكني لست متاكدة . ” وفكرت كم هو شيء
سخيف !
لقد ظلت تلتقي مع (الن) ما يقرب من عام. لا بد ان تستطيع التعرف عليه
حتى في الملابس التاريخية . نادت في تردد ” (الن) ؟! هل هذا انت ؟؟
”
احست بارتياح عظيم عندما استدار ذاك الروميو و ابتسم وبادلته الابتسامة وهي تقول في سرها
: اخيرا .
قال (الن) وهو يمسك بيدها :” ها انت يا عزيزتي . تبدين رائعة الجمال (بيج)
”
“انت ذاتك تبدو شديد الروعة (الن)”
وابتسمت مرة اخرى و اضافت:”هل هي تخيلاتي ام ان كل عيون القاعة ترتكز علينا ؟
”
ابتسم (الن) ابتسامة عريضة وهو يدس يده تحت ذراعه وقال :”ربما ” ثم اضاف :
“العمة (دوروثي) تسال عنك منذ دقائق قليلة هل تريدين رؤيتها ؟ ”
“ليس بعد .. ” . قالتها (بيج) بسرعة دفعت الجميع للضحك , نفضت الوالدة ذرة
خيالية من النسالة من على ثوب ابنتها وقالت : ” تشعر (بيج) بالقلق تجاه مقابلة
كل اقربائك دفعة واحدة ”
غمغمت (بيج):” بل كل ما في الامر انني لا ارى ان الظرف مناسبا لذلك فهذه
حفلة تنكرية راقصة تعج بكل هذا الزحام وهذه الحركة ”
تنهدت (جانيت) وقالت:” لا يوجد مجال اخر للاختيار وقد بقيت ثلاثة ايام فقط على الزفاف
”
غمز (الن) وقال لخطيبته :”زفافنا” ونظر الى (بيج) عندما ارتعد جسدها قليلا وقال :”هل تشعرين
بالبرد يا محبوبتي؟ ” و زلق ذراعه حول كتفيها وسالها مرة اخرى:” هل هذا افضل؟”
اومات خطيبته وقالت بلهجة باسمة:” كانت مجرد قشعريرة.”
وعندما استدار (الن) بوالدها وتبادلا حديثا في بعض امور العمل حادثت (بيج) نفسها
ثلاثة ايام .. ثلاثة ايام وتصبح السيدة (الن فولر) ..
كان ذلك يبدو مستحيلا, منذ شهر مضى كانت راضية تلتقي ب (الن) مثلما كانت تفعل
على مدى الشهور التي سبقت خطبتهما بشكل رسمي لبعضهما , كانت تصد عروضه تلك للزواج
التي كثرت حتى اصبح من المتعسر عليها ان تنتبه لها , ولكن في احدىالامسيات وضع
اصبعه على شفتيها قبل ان تتمكن من الرفض
توسل قائلا : “لا تقولي لا هذه المرة يا (بيج) ما رايك في شيء مختلف؟
فقط قولي انك ستفكرين في الامر حتى الغد”
قالت : “الا تذكر انني لن اكون هنا غدا؟ لن اعود قبل يوم الجمعة القادم
”
ابتسم (الن) ابتسامته العريضة وقال:” هذا افضل .. لدي اسبوع كامل من الامل بينما سيكون
لديك اسبوع كامل تفكرين كي لا تقولي “لا” ”
وقتها ابتسمت (بيج) و وافقت . برغم كل شيء كانت تكن له الكثير .. كان
وسيما ساحرا وكانت تعرف ان اي فتاة مستعدة لتقديم اي شيء مقابل اخذ مكانها .
كانت لقاءتهما تنتهي دائما على افضل ما يكون , مع تحية مساء رقيقة عند افتراقهما,
ولكن من جهة لم يزد رفضها المتكرر له صداقتهما الا خصوصية والفة و من جهة
اخرى كانه كان يزيده اصرارا على مطاردتها بعرض الزواج ذاك .. حسنا , ما الضرر
في ان تنقضي خمسة ايام قبل ان تقول له “لا” مرة اخرى ؟!
ولكن (بيج) عندما عادت في يوم الجمعة التالي من رحلة عملها , عانقتها والدتها وهي
قول لها بصوت يخالطه البكاء :” انا سعيدة لاجلك يا عزيزتي ولكن كان ينبغي ان
تخبرينا بنفسك ” . وبينما كانت (بيج) لا تزال تحاول ان تفهم ما يحدث برز
(الن) بوسامته المرتبكة متابطا ذراع والدها, معترفا لها في وقت لاحق بانه قد جرفته الحماسة
فذكر ما قالته له قبل سفرها ولكن فقط لوالديها و والديه .. و ل ..
سالته (بيج) في غضب مشتعل اوقد وجنتيها التفاحتين :” ماذا تقصد بانك ذكرت ما قلته
؟ انا لم ازد عن موافقتي لك في اقتراحك الصاروخي الرائع !! لقد طلبت مني
التريث لافكر في الامر لا ان …
لحظتها وافقها (الن) واعترف بانه كان يعرف ذلك .. ولكن , فيما كانت ستفكر؟ انها
تستلطفه منذ بداية تعارفهما.. وقد عاشا معا ايام المرح والسعادة.. بالاضافة انه مولع بها ,
وهذا ما سيوفر لهما حياة سعيدة معا ..
تمتم :” لا تغضبي مني يا عزيزتي ”
كانت سيماه تنطق بالاعتذار البالغ لدرجة ان غضبها تحول الى شفقة خجولة و انفعال مربك
. قالت في غيظ و هدوء : “انا لست غاضبة فقط انا …
مست اصابعها وجنته برقة و تابعت : “لا بد ان تعلم انني لا احبك يا
(الن)..حسنا , اقصد انني احبك ولكني لست متيمة بك هل تفهمني. انت تستحق من زوجتك
اكثر مما يمكنني ان اقدمه لك ” .
فهم (الن) مقصدها حال ان قالت ذلك .. لقد حدثت بينهما في الماضي العديد من
الامور -ان لم تتطور – ولكنه افهمها في كل مرة , ان كل شيء على
ما يرام بينهما .
“انا اريدك ” قالها ببساطة وهو ينظر في عينيها باسما و اضاف محاولا استمالتها: “مثل
اي شيء اخر سياتي هذا الامر في وقته وسترين ذالك ”
تخضبت وجنتاها ارتباكا ولكن لم تضطرب مطلقا وقالت :” و ما الحل ان لم افعل؟
ما الذي سيحصل ان لم اتمكن من ان احبك بالمقدار الذي تستحقه ؟ ماذا لو
…
اخبرتها نظرته انه لا يستطيع ان يتخيل ذلك حتى .
قال :” ساظل احبك بالطبع ” .. ثم ابتسم ابتسامة صبيانية عريضة وقال : “لا
خطر في ذلك لن اخذلك يا (بيج) وسترين ”
“(الن) ..
قالتها وهي تريد ان تخبره ان ما يشغلها ليس خذلانه لها .. انما خذلانها له
فيما لو لم تستطع مجاراته و التمكن حبه ذلك الحب الذي يدفعها الى الشغف به
. ولكنه اخذها بين ذراعيه متجها بها نحو باب الغرفة الذي انفتح اخيرا لتطل منه
والدتها .
قالت جانيت في اندفاع: “(بيج) نحن سعداء جدا , اقصد انا و ابوك , ارجو
ان لا تجدا باسا في ان اخبر عماتك بهذا الحدث السعيد عزيزتي ..”
وهكذا انتهى الامر .. او
بدا …
وبينما كان (الن) يقودها الى دائرة الرقص تذكرت (بيج) كيف حدث كل شيء بعدها بسرعة
كبيرة جدا لقد اراد والد (الن) ان يذهب ابنه لادارة اعمالهم في امريكا الجنوبية ومعنى
ذلك ان الزفاف الذي حدد له يونيو القادم سيتم تقديمه الى نوفمبر اما الخطوبة الطويلة
التي توقعتها (بيج) فقد اصبحت فترة قياسية جدا ..
ثلاثة ايام .. هكذا فكرت مرة اخرى وهو يزلق ذراعه حولها .. ثلاثة ايام ..
“هيه افيقي يا (بيج)”
نظرت (بيج) الى (الن) وهزت راسها وقالت :” متاسفة لقد كنت افكر فقط .. لا
استطيع تصديق ان يوم زفافنا قريب هكذا ”
تراجع (الن) وقال لها باسما : “لقد فات اوان التراجع , ماذا ستظن العمة دوروثي؟”
ردت (بيج) مبتسمة:” لا تكن سخيفا يا(الن) , لانها هي من سيقول عني سخيفة لو
تخليت عنك في هذا الوقت بالذات”
ضحكا معا وهو يديرها عبر ساحة الرقص ثم قال لها مداعبا:”و اني قد ضيعت عليها
فرصة حضور حفل العام … تصوري حبيبتي لقد امضت هي وامي نصف صباح اليوم وهما
تخططان للزفاف ! ”
“فقط نصف هذا الصباح؟ كنت اظن ان زفافنا يستحق اكثر من هذا ”
“فعلا لقد امضت العمة باقي الوقت تقدم لي خلاصة خبرتها و امضت البقية الباقية من
النهار في احصاء اعداد ضيفاتها المسنات ! ”
ضحكت (بيج) وقالت :” هل هي خبيرة؟”
“بطريقة ما” .. وجذبها اليه ثم اضاف: ” لقد تزوجت عمتي 3 مرات .. وايضا
ربما ينبغي ان انصت لنصائح اكثر من اخي الاكبر”
ضحكت مرة اخرى وهي تشعر ان قلقها قد بدا يتلاشى :” لا تقل انه قد
تزوج ثلاث مرات هو الاخر ؟!”
ندت عن (الن) ضحكة خافتة متعجبا :” من ؟ كوين؟! مستحيل , لن تستطيع امراة
ان تمسك به على الاطلاق ”
“مدهش” . . قالتها (بيج) باغاظة و اضافت : “و ما هي النصيحة التي يمكنك
الحصول عليها من شخص كهذا ؟”
“خطبة تبدا بقوله (لقد جننت لتفعل هذا يا رجل ) انت تعرفين القول المعتاد الذي
يقوله الاخوة الكبار دائما ( انا اكبر و اعقل و و و …”
سالته (بيج) وهي تجول بعينها في ساحة الرقص : “ومتى ساقابل هذا النموذج ؟” وامالت
راسها جانبا وابتسمت لخطيبها . “بمجرد ان يصل .. المفروض ان يصل غدا ولكن مع
كوين لا احد يعرف شيئا , ان …”
قاطعه صوت والدها الذي اصبح فجاة قريبا منهما :” (الن) انت لا تجد باسا في
ان ارقص مع ابنتي الوحيدة اليس كذلك ؟”
رفعت (بيج) بصرها بينما تركها (الن) بين ذراعي ابيها الذي قال قبل ان يسمع اعتراضه
:”اذهب ومتع نفسك بمشروب منعش ولا تنسى ان تجلب لنا كاسين .”
غمز (الن) بعينيه وهو يقول:” بالطبع يا سيدي .. (بيج) ساعود خلال دقائق يا محبوبتي
.”
تنحنح (اندرو) بينما استقرت ابنته بين ذراعيه وقال دون مقدمات :”ان والدتك قلقة بشانك لقد
ارسلتني لاعرف ان كان كل شيء على ما يرام ..”
نظرت (بيج) الى والدها بدهشة و سالته : ” ماذا تقصد يا ابي؟”
“انتما تتصرفان كما لو كان بينكما مليون ميل وقلت لنفسي ربما هي عصبية اللحظات الاخيرة
؟”. اومات (بيج) شاردة وقالت : “اظن ذالك .”
حدق والدها في وجهها وقال:”ان (الن) ملائم لك يا (بيج) انه شاب رائع لقد عرفته
خلال سنوات عملي مع والده و ..
انها نفس الخطبة التي يلقيها والدها على مسامعها منذ ان زل لسانها اول مرة وقالت
فيها ان (الن) قد تقدم لخطبتها . قالت في صوت رقيق: ” ابي لقد اخذت
بنصيحتك اخيرا .. وهاانا ذا ساتزوجه .”
نظر والدها اليها وقال:” كل ما في الامر انني اردت الافضل لنا جميعا”
ضحكت (بيج) وقالت :” لنا جميعا؟ انني انا التي ستتزوج وليس انتما”
“انه اسلوب مجازي في الكلام يا طفلتي انت تعرفين ما اقصد ان سعادتك تعني سعادتي
وسعادة والدتك” ثم اضاف الست سعيدة؟”
اومات بسرعة .. بالطبع كانت سعيدة .. ان (الن) -كما يصر والدها- شاب رائع وقد
احبته بطريقة ما اخيرا .. و اذا كان هذا ما يكفيه فهو اذن يكفيها ..
هكذا حادثت نفسها بينما ترقص “الفالس” مع والدها . كانت مولعة باللحن الذي يسميه الجميع
لحن الالم العظيم , وقد ادركت طبيعته نظرا للقصة التي يرويها .. كم من المرات
التي حاولت فيها ان تنقل احساساتها ل (الن) يوم خطبتهما لكنه لم يعطها فرصة ,
وكان على حق ايضا , ربما استطاع ان يتعلم قلبها كيف يحلق في الفضاء و
ان يرقص شعورها مع ملائكة السماء ولكن احساسها لم يتعلم بعد ان يغني معزوفة الحب
العطش .. حسنا سيكفيها هذا الان ..اما لاحقا فانها ستحاول ان تتعلم كيف تدير الامور
معه وستحاول ان …..
يا الهي ..
تراقصت قشعريرة على كتفيها ..
شخص ما كان يراقبها .. وهي عرفت ذلك دون سؤال تماما مثلما عرفت من هو
.. انه ذلك الرجل الغريب الذي راته منذ فترة .. لا بد ان يكون هو
.. كانت تستطيع ان تشعر بوجوده وتحس بقوته حتى قبل ان يظهر امامها ..
تقدمت (بيج) مقتربة من حضن ابيها الذي ابتسم لها .. ردت ابتسامته , ولكنها مسحت
القاعة بعينها . احتبست انفاسها في حلقها .. نعم .. نعم , كان هناك واقفا
على محيط دائرة الرقص المفتوحة , كانت سترته مفتوحة كاشفة عن قميص ابيض كشكاش وقد
التصق بصدره كما لو كان جلدا اخرا .. كان يضع يديه في جيبي سرواله وقد
وقف متزنا منفرج الساقين قليلا.. بينما مال راسه جانبا و ….كان يراقبها خلف قناع اسود
.. و كانت عيناه مثبتتان عليها .. متقدتان .. تفصل حنايا ثوبها الحريري الطويل ذي
الاكمام المتلالئة , تعثرت قدم (بيج) فشدد والدها ذراعيه حولها .
سالها فجاة : “(بيج). ماذا بك ؟”
قالت بسرعة : “لا شيء .. لا شيء ”
وانتزعت عيناها بعيدا بالقوة عن الرجل الى والدها واضافت : “مجرد انني …. لا بد
انني متعبة ”
اوما والدها وقال : “لقد مررت باسبوع حافل ” ونظر لعينيها وقد تغضنت جبهته و
اضاف :”هل تودين الجلوس ”
حادثت نفسها : “سياتي اليك لو انك فعلت ذلك , انت تعرفين انه سيفعلها …
سرت رجفة خلالها وردت متصنعة الهدوء :”لا .. انا في الحقيقة اود ان ارقص معك
ابي و …
ابتلعت ريقها و اجرت لسانها تبلل شفتيها الجافتين وقالت بهمس لاهث : “هذا الرجل ..
ترى هل تعرف من يكون؟”
سالها مندهشا : “اي رجل؟”
قالت بالحاح : “هذا الذي يقف هناك .” , واخذت بضع خطوات ليستدير والدها وينظر
في الاتجاه الذي كانت تواجهه و اضافت : “الرجل الطويل الواقف بجوار الدائرة ”
كرر والدها :” اي رجل اي بذله يرتديها ؟
قالت (بيج) “انه يرتدي بذلة تنكرية ونظرت من فوق كتفيها و تابعت : انه …”
لم يكون هناك . وطافت عيناها تبحث عنه من جديد ولكنه اختفى كانت دقات قلبها
متلاحقة كانها تجري لا ترقص .. و فجاة بدا من الصعب ان تلتقط انفاسها ..
قبض اندرو على كتفي ابنته بقوة : “ماذا حدث هل تشعرين بدوار ؟”
حادث نفسها مرة اخرى: لست ادري ما اشعر به .. اثارة .. بهجة .. روعة
…
جذبت (بيج) نفسا عميقا وقالت : “اظن انه من الافضل لو اذهب لاصلاح زينة جولييت
يا ابي “. و ابتسمت له ثم انطلقت بسرعة قبل ان يحاصرها بمزيد من الاسئلة
, ولكن التعبير الحذر على وجه ابيها انباها ان الابتسامة مصطنعة مثلما احست هي بها
.
سمعته قبل ان تخرج من الدائرة يقول لها :
“دعيني استدعي والدتك لتذهب معك ”
“لا”
قالتها بصوت حاد قاطع ثم عادت اليه قائله : “لا داعي لازعاجها ساعود خلال دقائق
معدودة . على اية حال انا اريد ان ابدو في افضل صورة امام اقارب (الن)”
“(بيج)”
انطلق صوت والدها في اثرها وهي تعبر ساحة الرقص .. و بينما هي تاخذ طريقها
خلال القاعة حادثت نفسها .. هذا هو جزاء النوم القليل .. والافراط في العمل ..
كانت تشعر بالدوار . ومن ذا الذي لا يصيبه دوار وهو يمر بيوم كهذا ؟
لقد استيقظت في الفجر الباكر لتتمكن والدتها من عمل بعض اللمسات الاخيرة لفستانها وقناعها الذي
صممته ليكون على شكل نصف قمر فضي .. ثم كان الغداء مع زميلاتها في العمل
.. ثم تناولت الشاي مع وصيفاتها , ورتبت اخر الترتيبات المتعلقة بزفافها .
” عفوا ..” قالتها (بيج) وهي تمر بين اثنين يرتديان زي قناعي ماري انطوانيت وشيطان
ضاحك .. واتصلت افكارها مرة اخرى , سيتفهم (الن) ذلك ان هي فعلت وطلبت منه
توصيلها الى المنزل . ستقابل اقاربه اولا , ثم العمة دوروثي , ثم الى المنزل
لتحظى بحمام دافئ ..
كانت قاعة الرقص قد اكتظت تماما .. وارتفعت اصوات الموسيقى , وصار الهواء ثقيلا ساخنا
.. ستمشط شعرها وتصلح من زينتها , ثم تعود لتلتقي الاقارب ..
و بعد ثلاثة ايام يمكنها ان تستريح .
ثلاثة ايام وينتهي كل شيء ..
ثلاثة ايام .. اوه .. يااااااااا الهي .. ثلاثة ايام ..
كان هناك طابورا طويلا في حجرة “التواليت” قالت في سرها “اريد فقط ان اصل الى
الحوض .. التقطت نفسا عميقا واستكانت تنتظر دورها بهدوء خلف فتاة ترتدي ثيابا اسلامية ,
و سيدة ترتدي ثياب قرصان .
وصلها صوت احداهن تقول بحماسة بالغة : “… ان مجرد طلب الزواج يشعرني بمدى اهميتي
عنده .. ومدت يدها اليسرى : ” اليس جميلا ؟ ”
نظرت السيدة الاخرى , ونظر معها الجميع الى الخاتم الذي يزين اصبع الفتاة و ابتسمن
كان الخاتم يحوي ماسة براقة اصغر بقليل من الماسة التي زين بها (الن) اصبع يدها
يوم خطبتهما , لكن (بيج) الان تسمع دقات قلب الفتاة وهي تتسارع كل ما نظرت
الى خاتمها الماسي البراق .. و تحس بانفساها التي تتلاحق كلما نظر اليها خطيبها الذي
تحبه , لكن هل حدث ان احست بصعوبة التقاط انفاسها اذا ما التقت عينا (الن)
بعينيها فتنكشف اسرارا لا تعرفها ؟
لم تشعر (بيج) بهذا الاحساس الذي يربكها لدى نظرة (الن) لها .. لم تشعر بمثل
ذلك في حياتها على الاطلاق .. ولا حتى خلال تلك العلاقة الغرامية الوحيدة والقديمة جدا
.. حتى لحظات خلت لم تكن تشعر بشيء ..
الى ان نظر اليها رجل لا تعرف اسمه من خلف قناع اسود !
صمتت الفتاة التي ترتدي ثيابا اسلامية عندما سمعت شهقة مكبوتة تخرج من حلق (بيج) ..
قالت “عفوا” وحاولت ان تبتسم .. و لكنها لم تستطع , فقط وجدت شفتيها تنفرجان
عن اسنانها في نموذج رديء للابتسامة , بينما استدارت واخذت طريقها وسط الحواجب المرتفعة والاوجه
الفضولية التي استدارت فجاة .
اخيرا عادت (بيج) الى القاعة مرة اخرى .. واستندت الى باب التواليت وهي تنظر حولها
, وخطر (الن) ببالها وتمنت لو يبدو امامها غير ان (الن فولر) لو كان احد
هؤلاء القريبين منها و اللذين يرتدون ثياب روميو لما عرفته ولا ما تمكنت من تمييزه
ابدا !
بدا صوت الموسيقى اعلى من ذي قبل وبدا الزحام يشتد. كان هناك رجلا بدينا يدخن
سيجارا ذا رائحة خنقت جوها مما اشعرها بالغثيان .. فكرت بالاندفاع خارجة من القاعة الى
الشارع , حيث يمكنها ان تستوقف احدى سيارات الاجرة و تعود للمنزل .
ولكن لم يكن هناك شارعا خارج ملهى “هانت” بل كانت هناك ساحة انتظار للسيارات فوق
جرف “كونكت كت” الذي يشرف على المحيط الاطلنطي .. ولن تستطيع مجرد السير قليلا في
الظلام .. ان هذا الامر لا بد وانه سيزعج والديها و(الن) , ثم ياتون للبحث
عنها ..
ماذا ستقول لهم عندما يعثرون عليها؟ هل يمكنها ان تقول: لقد رايت فتاة في حجرة
التواليت كانت سعيدة بخطبتها لدرجة جعلتني اود البكاء؟
هل يمكنها ان تقول مثلا: لقد رايت رجلا لم اره من قبل على الاطلاق ..
رجلا لم اعرف اسمه و انه قد جعلني اشعر بشيء لم يشعرني به (الن) و
انه قد ارعبني لدرجة ان اندفعت اجري مبتعدة ؟
شيئا فشيئا .. بدت القاعة كانها تهتز من حولها وهمست بصوت مسموع : الهي العزيز
..
و فجاة انزلقت ذراع حول خصرها .. شمت رائحة عطر قوية تخالطها رائحة ثياب جلدية
و احست باحتكاك النسيج الجلدي بوجنتها ..ثم برجل قوي بجوارها .
سمعت صوتا عميقا يقول : “ستكونين على ما يرام فقط استندي علي .”
قالت وهي تحاول ان ترفع عينيها اليه :” انا بخير …. فعلا بخير ”
ولكنها تركت نفسها تستند على صدره . قال بعد فترة :” سيغمى عليك لو لم
تستنشقي بعض الهواء النقي … خذي نفسا عميقا سيفيدك ذلك ”
فعلت (بيج) ما امرها به .. في الحقيقة لم يحدث ان اصابها الاغماء من قبل
.. ولكنها رات انه قد يكون على حق .
تحولت القاعة في ثواني معدودة الى دوامة سريعة الدوران .. وتداخلت الالوان الزاهية مع الالوان
القاتمة , وصارت الموسيقى صاروخ مدو .. اراحت جسدها على جسده و كانما تختبئ فيه
وهو يقودها خارج الزحام .. تراءت امامها الابواب المؤدية الى الحديقة وعرفت انه سياخذها الى
هناك ..
قالت في صوت ضعيف :” دعنا نذهب الى الخارج … لا اكاد احتمل هذه الضجيج
”
دفع هو الباب .. هب تيار من الهواء صافح وجهها و زاح من عقلها خيوط
العنكبوت التي بدات تلفه ..
حان الوقت لتوقفه وتشكره على مساعدته لها .. ويا حبذا لو تطلب منه ممتنة ان
يستدل لها عن مكان خطيبها ..
ولكنها لم تفعل ..
لانها رفعت عيناها الى وجهه وما كان يجب ان تفعل ..
لانها صدمت تماما في المحيا الذي صفع نظرها ..
لانه كان يجب ان تعرف من البداية ان هذا الرجل الذي يقف بجانبها ..
بل الممسك بها ..
المحتويها ..
ليس سوى ذالك الغريب الذي شاغلتها عيونه طوال السهرة ..
بل ان دقات قلبها اكدت لها ما لم يعد بوسعها ان تنكره ..
انها باتت الان امام الرجل الوحيد الذي بدات تخافه قبل ان تعرفه ويعرفها ..
وبقدر ما ان رغبت ان تاتي هذه اللحظة و بقدر ما املت في ذلك ..
عرفت بنفس القدر ان حياتها لن تعود مطلقا كما كانت قبل ان يضع يده عليها
….
*********************
==الفصل الثاني==
(( عديني ان تعودي .. ))
ارتعدت (بيج) عندما تارجحت الابواب الزجاجية منغلقة خلقها . اخر مرة جاءت فيها الى هنا
كانت بصحبة (الن)
كان الهواء معبقا باريج الزهور وكانت رائحة البحر واضحة في الهواء و صوت امواجه العالية
البعيدة مسموعة وهي تضرب رمال الشاطئ القريب بلا شفقة .. وتسللت نفحات الموسيقى خافتة من
القاعة المنغلقة لتختلط باصوات الامواج .. كان القمر بدرا ينير الشرفة التي يقفون عليها ..
ولكن عندما رفعت (بيج) عينيها لوجه الرجل الغريب , اندفعت سحابة كبيرة عبر السماء واغرقت
كل شيء في الظلام .
الحت عليها كل غرائزها ان تسحب نفسها من الذراع المحيط بخصرها و ان تركض عائدة
الى الدفء والضوء داخل الملهى . ولكن بدت قدماها كان جذورهما قد غاصت في الارض
.
احست ان موقفها يعد حماقة كبرى , واستدارت لتقول بانها ستذهب . و لكن سبقها
الرجل بالكلام .
”خذي نفسا عميقا ”
هزت (بيج) راسها , وقالت : ” انا بخير الان .. انا .. ”
احست بضغط يده وهو يقول لها بلهجة حاسمة : ” خذي نفسا .. هيا استنشقي
.. ”
كان امرا , وليس طلبا او نصيحة على الاقل , اومات وفعلت ما قال ,
وجذبت الهواء البارد الى رئتيها
”افضل؟ ”
اومات مرة اخرى , وقالت : ” نعم .. افضل كثيرا .. في الحقيقة شكرا
لك على … ”
قال باهتمام : ” لا تتحدثي .. فقط خذي نفسا اخرا ”
اخذت شهيقا اخرا و احست انه لا يوجد ما يدعوها على القلق .
كانت على يقين انها تحولت الى ورقة شاحبة في تلك القاعة المكتظة . ولقد لاحظ
ذلك , وهب لنجدتها. كان مجرد منقذ طيب وماعدا ذلك فهو من نتاج خيال جامح
متعب .
قالت في ارتباك : ” انا بخير الان و انا شديدة الاسف لكل ما سببته
لك من ازعاج ”
” لم يكون هناك ازعاج على الاطلاق ” ودفعها ضغط يده لان تستدير اليه ,
و اضاف : ” في الحقيقة يمكنك ان تقولي انك اسديت لي معروفا ”
سالت في اندهاش مكتوم : ” انا ؟ ”
هل كانت هناك ابتسامة في صوته ؟ فقط لو تستطيع رؤية وجهه .
ضحك برقة , و قال : ” لقد كنت دائما اتمنى ان انقذ فتاة واقعة
في خطب ما يا جولييت ” .
ولمست يده وجنتها , واضاف : ” هذا هو اسمك الليلة , اليس كذلك؟ ”
قالت (بيج) بسرعة : ” انا ؟ .. اه نعم, هذا صحيح .. و في
الواقع يجب ان ادخل الان , ان خطيبي .. ”
اطبقت اصابعه على يدها و قال ” اظن انني رايت شيئا يتلالا في اصبعك ..
اخبريني يا جولييت .. اين هو ؟ اقصد خطيبك ”
” انه … ينتظر في قاعة الرقص .. انه .. .. .. ماذا تفعل ؟!!
”
سالت رغم ان الاجابة كانت واضحة .. لقد تلوى خارجا من سترة بدلته وبسطها على
كتفيها .
قال دون اهتمام : ” انت تشعرين بالبرد ” , ورفع شعرها الاشقر المسدول عن
كتفيها و اسدله فوق السترة , و اضاف : ” يدك كالثلج ”
قالت بسرعة : ” لا انا بخير .. ”
جذب طيتي صدر السترة معا وهو يقول : ” لا تجادليني رجاء ” .
احست (بيج) فجاة انه لا يمكن لاحد ان يجادل هذا الرجل على الاطلاق .. نعم
لا يجرؤ احد على ذلك ..
حكت اصابعه جلدها برفق و مر باصبعي ابهامه في خفه على حلقها و تمهل فوق
التجويف الذي يعلو الترقوة . تساءلت في عجب عما اذا كان يشعر باندفاع الدم السريع
نابضا تحت لمسته , وسرت رعشة ببدنها .
اغتصبت ضحكة , وقالت : ” ربما اشعر بالبرد قليلا .. الجو بارد هنا ,
اليس كذلك ؟ اظن انه هواء المحيط رغم اننا في الخريف طبعا ” .
تبا .. انها تثرثر كالمجانين .. احست انها تبدو كطالبة مدرسية هلعة .. او كانها
مراهقة تخرج مع صبي لاول مرة ..
لكن الواقف بجوارها في الظلام رجلا وليس صبيا , رجل لا تعرف اسمه ..
ماذا تفعلين هنا يا (بيج) ؟!! , سالت نفسها بغيظ ..
قبض على يدها قائلا : ” سيري معي … ارجوك ”
ردت : ” لا استطيع ”
ولكنه كان يقودها بالفعل على الممر المحيط بالحديقة ..
توسلت له : ” ارجوك ”
” فقط لدقائق قليلة ”
احست كما لو انها في حلم من احلامها الوردية القاتمة .. و صلتها الوحيدة بالواقع
هي الموسيقى الخافتة المنبعثة من القاعة التي بداا يبتعدان عنها ..
لقد كان الرجل المجاور لها طويلا .. اطول مما ظنت .. حتى لو ارتدت اعلى
كعوب احذيتها فانها لن تصل الا لكتفه فقط ..
كانت سترته تنسدل حولها كانها عباءة .. تهدلت الاكتاف والاكمام وبدت كانها طفلة تلهو بارتداء
الثياب .. كان قد رفع الياقة عندما بسط السترة على كتفيها , ومس الصوف الناعم
للياقة بشرتها برفق , احست بالدفء وكان النسيج لا يزال يحمل درجة حرارة جسده ..
استطاعت ان تشم عطره .. نفس العطر الذي لاحظته من قبل .. وكان ممتزجا بشيء
اكثر وضوحا و احساسا .. ممزوجا برائحة رجالية صافية مميزة .
اغلقت (بيج) عينيها , وخفق قلبها وهي تستنشق الرائحة التي احاطت بها مع حرارة جسده
.. ثم رفعت اهدابها .. ماذا تفعل ؟ ..
تتسكع في الظلام مع رجل لا تعرفه .. متسارعة الخفقات , جافة الحلق , ولم
تفكر ولو لمرة واحدة في (الن) او في خاتم الخطوبة باصبعها او في قسم الزواج
الذي ستردده بعد ثلاثة ايام ..
اشتدت قبضته على يدها , وقال بتاوه : ” لا تخافي ”
اغتصبت ضحكة اخرى , وقالت : ” لا , انا لست خائفة انا فقط …
توقف و استدار لها قائلا : ” انت خائفة .. فقط انت خائفة ”
و مر بيده على باطن معصمها في خفة , وقال : ” يمكنني الاحساس بتسارع
نبضاتك . ان قلبك يدق كقلب ارنب مذعور ” .
تراجعت (بيج) في خطوة سريعة , وهمست : ” لابد .. لابد ان اعود الان
. شكرا على سترتك .. دعني ..
احكم قبضته على معصمها , وقال : ” لا تذهبي ” .. كان صوته خافتا
و مبحوحا .
ثقل لسانها في فمها وقالت بسرعة : ” ان خطيبي ..
هز راسه في تبرم , وقال في خشونة : ” الجحيم على خطيبك .. ابق
هنا معي ” .
احاطت يداه وجهها و اماله لاعلى . كان باصبعه خاتم .. خاتم عتيق تتوسطه ياقوته
. استقطب الحجر ذو اللون الاحمر الدموي ضوء القمر والهبه بنيران متالقة .
احست بدفء هذا الرجل من قبل ان يمسها حتى .. كان الظلام يلف المكان ويغلف
ملامحه .. لكن (بيج) عرفتها من قبل ان تراها حتى .. تماما مثلما ادركت انها
تعرف هذا الرجل منذ الازل .. و انها قد انتمت له في زمن اخر ,
وفي خلود اخر ..
اغمضت عينيها و اخذت تنتظر اوامر الرجل التالية .. تنتظر .. وتنتظر ..
سرى صوت ما في الظلام الصامت .. هل كانت الريح تحف اوراق الشجر ام كانت
موجة ترتفع ازاء الشاطئ تحتهما .. لم تكن متاكدة .. ولكن كان الصوت كافيا ليعيدها
الى رشدها ..
انتزعت نفسها مبتعدة عنه وهي تقول : ” يجب ان اعود .. انا ممتنة لمساعدتك
.. و .. حقا انا لا ادري ماذا حدث هناك لكن ….
ماتت الكلمات الوحيدة التي دفعتها شجاعتها ان تخرجها من حلقها الذي اصبح جافا الان عندما
تحرك نحوها ..
” انت تعرفين ما حدث هناك ..
كان هناك شيء ما في صوته .. احساس بالثقة لدرجة اثارتها و ارعبتها في ان
واحد , ادركت انه لم يقصد احساسها المفاجئ بالدوار .. كان يقصد تلك اللحظات الصامتة
من الخلود الذي تقاسماه .. ولم تكن هي للتحدث عن ذلك .. لا في هذا
الوقت ولا في اي وقت على الاطلاق .. وبالتاكيد ليس معه ..
قالت بسرعة : ” انت على حق .. لقد احسست بالاعياء وهذا كل ما في
الامر , كان الجو دافئا في قاعة الرقص وكانت مزدحمة و ..
شهقت عندما تحولت يداه الى كتفيها ضاغطا على لحمها البارد وقال : ” لا تكذبي
يا جولييت ..
لقد كنت اراقبك طوال السهرة ..
احست بوخز خفيف تحت اصابعه , وقالت بصدق : ” عن اي شيء تتحدث ؟!!
”
ضحك بتاوه وقال : ” هل سنلعب سويا ؟ انت تعرفين اني كنت اراقبك ”
احست بالحرارة تندفع وتغمر وجنتيها . وشكرت الله على هذا الظلام .
قالت : ” انت على خطا ”
اشتدت قبضته على يدها وجذبها اليه ببطء وهو يقول : ” و انت كنت تراقبيني
ايضا ” .
يا لا جراتك !! .. فكرت (بيج) بذلك في سرها ولكن انكارها لما قاله جاء
سريعا ..
” لم افعل .. انا لم الحظك على الاطلاق الى ان عرضت علي مساعدتك ”
.
مدهش .. هاهي الان بدات تكذب .. يا لهذا الرجل الذي يدفعها للكلام دون تفكير
..
رات بريق اسنانه البيضاء وهو يقول : ” عمن كنت تبحثين عندما دخلت الى قاعة
الرقص يا جولييت ؟ عن خطيبك ؟ ”
قالت بسرعة : ” نعم خطيبي ” تعلقت بالكلمة الامل .. كانها ستنقذها من كل
ما هو ات مهما كان . و اضافت : ” هذا صحيح و من المحتمل
انه يبحث عني الان .. لذا ..
” الجحيم كان يجب ان يصحبك طوال السهرة لا ان يتركك برفقة رجل غريب مثلي
”
و تحركت يداه على كتفيها , و اضاف : ” كنت سافعل لو انك تنتمين
لي” .
اندفعت تقول بقوة : ” انا لا انتمي لاحد .. ولقد كان ينتظرني ..اقصد انني
لم الحظه من اول وهلة”
ضحك بهدوء و قال ” : ولكنك وجدتني جذابا ام اني متوهم ؟ ” و
انزلقت يداه من كتفيها حتى وصلت معصميها وقال : ” وعندئذ تزاحم الحشد و افتقدت
مكانك . هل كان ذلك عندما عثر عليك خطيبك روميو ؟! ” .
احست الفتاة بجفاف في شفتيها وبحذر اجرت معه طرف لسانها فوقهما وهي تفكر شاردة فيما
يحدث لها الان ..
وبعد الان ..
و الى الابد ..
” نعم والان يجب ان اعود له .. انا ..
” والمرة التالية التي رايتك فيها , كنت ترقصين مع رجل كبير .. ” ورفع
يديها بين يديه و امسك بهما امام صدره , وقال : ” لم يكن روميو
” .
كان مجرد تقرير ولم يكن سؤالا , ورغما عنها ابتسمت (بيج) و تذكرت والدها وهي
تقول له :
” لا ” ..
اوما قائلا : ” والدك على ما اظن او خال اثير ..”
قالت بخضوع : ” والدي ,لقد رايتك تراقبنا هناك ”
كان الاعتراف قد خرج منها قبل ان تتمكن حتى من ايقافه ..
تبدى اي امل لها في ان مر هذه الزلة عندما سمعت ضحكته المنتصرة الهادئة من
بين الامواج ..
” لكنك قلت انك لم تلحظيني على الاطلاق يا جولييت ”
قالت في ياس : هذا ليس اسمي .. انه مجرد خيال .. ”
انزلقت ذراعاه حولها وهمس : هذه الليلة من الخيال .. ويمكن ان يحدث فيها اي
شيء ”
و ببطء جذبها قريبا منه وقال : ” يمكنك ان تبقي هنا وترقصي معي ”
.
كانت الموسيقى المتسللة من القاعة قد تحولت الى نغمات بطيئة حالمة ..
فرشت (بيج) يداها على صدره عندما بدا يتحرك هو على ايقاعها الرتيب , ثم توقفت
في تصلب بين ذراعيه .. والتقطت انفاسها قائلة : ” لا تفعل , ارجوك ”
كانت تقاوم رغبتها في ان تذوب بين ذراعيه .. انها ليلة من الخيال , كما
قال , وهذا ما يحدث , اليس كذلك ؟ .. مجرد خيال غير مؤذ .
اضغاث احلام اضطرب فيها قلبها ..
همست : ” حسنا .. رقصة واحدة فقط ” ..
رد ببساطة : ” رقصة واحدة . ثم نفعل اي شيء تريدينه . ”
سنفعل اي شيء تردينه ؟!
هل كان هناك تهديد في الكلمات البسيطة ؟! .. لا ليس تهديدا ..
كانت (بيج) تحادث نفسها .. عندما بداا يتحركان عبر المربعات الحجرية التي تغطي الارض .
كانت كلماته تحمل شيئا اكبر .. هل هي ثقة ام هو اقتناع بانه قد ادرك
اخيرا ما هي تريده رغم انها لم تعترف به لنفسها بعد ؟
فليفكر هذا الغريب فيما يشاء .. رقصة واحدة معه , هذا كل ما في الامر
, ثم ستعود ل (الن) ..
وستحكي له عن ذلك خلال اسبوع او اسبوعين , وستحكي عن ذلك القدر من الضئيل
من الحماقة التي تمكنت منها تلك الليلة .. قبل ثلاثة ايام ن زفافهما ..
سيضحكان بشان ذلك مثل ضحكهما بشان الحفلة التي يخطط اشابين العريس لاقامتها مساء الغد في
ملهى عرف بنادلات حانته القصيرات الثياب .. وذلك احتفالا بتوديع (الن) لحياة العزوبية !!
” انها احد طقوس الانتقال ”
هكذا يسميه (الن) .. وهذا ينطبق على ما يحدث الليلة .. اليس كذلك ؟ ..
هذه الرقصة مع غريب كانت فعلا اخر مذاق للحرية .. وسيبتسم (الن) عندما تحكي له
… و ….
مهلا ..
من الذي تخدعه ؟! ..
لن يمكنها اطلاقا ان تحكي ل (الن) ..
لن يمكنها مطلقا ان تحكي لاي انسان عن هذا الامر .. ان هذا جنونا ..
جنونا خطرا ..
لان هذا الامر لم يكن ملذة اخيرة .. او احد طقوس الانتقال ..
قربها الرجل منه اكثر .. وقال : ” هل عيناك فعلا بلون بنفسج الربيع ؟!
”
سرى صوته خلالها , ناعما مبحوحا , كانه حضن مخملي . وفي صمت الليل استطاعت
(بيج) ان تسمع دقات قلبها السريعة المضطربة ..
سالته و قد كتمت انفاسها : ” من انت؟ ”
ضحك بتاوه وقال : ” انت تعرفين من انا يا جولييت . . .
“…. انا الرجل الذي ظل طوال الليل يريد ان يعرفك ويسبر غورك ”
ذهب الاعتراف بانفاسها … تعثرت اقدامها … فضمها بقوة الى جسده القوي ..
همست : ” لا تفعل … ”
ولكنها احست بنفسها كانها طفله امامه تذوب .. وتذوب .. و تذوب …
انتشرت يداها على صدره مرة اخرى .. احست بضربات قلبه المكتومة تحت كفيها ..
” جولييت …
سمعا صوت الباب يصفق فجاة , ارتفعت صرخة ضاحكة .. اصوات اقدام على الممر المفروش
بالحصى .. وصوت حفيف ثوب يكاد يقترب من مكانهما .. وبسرعة عادت الى الواقع ..
تكورت يداها الى قبضتين ودفعته بقوة بهما ..
ثم قالت في همس يائس : ” دعني اذهب ارجوك ”
امسك بيدها وقال بصوت خافت : ” تعالي معي ”
” هل انت مجنون ؟ خطيبي …
” انا لا ابالي مقدار ذرة بخطيبك .. وكذلك انت لا تبال به , لو
كان الامر يهمه لما كنت الان معي ”
ارسلت كلماته رجفة خلالها , وقالت :” انت لا تعرف ما تقول , انه يعني
كل شيء لي ”
” اذن ليس لديك ما تخشين منه بمجيئك معي , اليس كذلك؟ ” , و
ادخل اصابعه بين اصابعها و اضاف : ” علاوة على ذلك , فاذا رانا احد
هنا قد يسيء الظن يا جميلتي ”
ودت ان تقول ان (الن) سيفهم , ولكن كن ذلك مجرد امل وليس يقينا .
اقترب وقع الاقدام والضحكات .. احس الرجل بترددها فقبض على يدها باحكام .
جذبها خلفه , وهو يقول : ” سننهي رقصتنا هناك , على الشاطئ ثم ,
اذا اردت ساعيدك الى روميو الخاص بك ”
كان جنونا ان تتبعه عبر الممر المفروش بالحصباء والذي يهبط الجرف .. احست (بيج) بذلك
وهي تسير بجانبه .. وكان جنونا ان تلقي بصندلها عندما لمست قدماها الرمال ثم تخطو
الى ذراعيه المنتظرتين .. ولكن خالجها احساس رائع في استنادها الى حضنه و تحركهما على
ايقاع الموسيقى الذي اصبح بعيدا نوعا ما ..
مرت اللحظات , واغلقت عينيها و اراحت راسها على كتفيه .. وعندما ازاحت يداه شعرها
.. بدا واضحا ان ليس لديها اي اعتراض ..
همس ” جولييت ..
و امتدت يده الاخرى الى اعلى ظهرها .. الى مؤخرة عنقها .. ومضى يجدل شعرها
..
و كرر : ” جولييت ..
هرب القمر من السحابة التي تلاحقه , وملات هي عيناها منه .. حدقت في ابتهاج
في الملامح التي لم تكن قد القت عليها حتى الان سوى نظرات خاطفة ..
كان ذا انف دقيق وفم محدد .. و ذقن مرتفع يرفع راية التصميم .. و
احلى ما فيه تلك الغمازة التي تزين وجنته اليسرى .. والتي تظهر حتى من غير
ان يتكلم ..
برقت عيناه خلف القناع النصفي .. زرقاويتان , ظنت ذلك بينما كانت دقات قلبها تصل
الى حلقها في اعصار مدو .. نعم , زرقاويتان او ربما خضراوتان ..
و كانما كان يقرا افكارها , مد يده و نزع البرنس ”القناع النصفي” الاسود من
وجهه .. تسارعت انفاسها عندما اماط القناع جانبا وحدق فيها .. كانت عيناه بلون الزبرجد
النقي . لون بحر الصيف عميقة الغور كثيفة الاهداب ..
غمغم قائلا : ” دورك ” .
ارتجفت (بيج) عندما مد يده اليها ..
اطبقت اصابعه على القناع الفضي , وكتمت انفاسها بين ذراعيه التي امتدت نحو وجهها ..
كانت نظرة عينيه وهي تتصفح وجهها اكثر دفئا من اي عناق جربته ..
يا الهي ..ماذا يحدث لها ؟!
ابتسم قائلا:” كنت اعرف ان عيناك بلون البنفسج” .
و اضاف بصوت عميق : ” انت جميلة يا جولييت ” ..
ترنحت (بيج) بينما اسدلت اهدابها على وجنتيها .. ما فائدة الكذب ؟ انها تريده ان
ياخذها بعيدا .. الى ذلك الخلود في عينيه .. والحقيقة في صوته .. كانت تعرف
ذلك .. وكان هذا لغريب يعرفه ..
لقد ظل يشاغلها طوال الليل .. بداية في قاعة الرقص .. ثم في الشرفة ,
والان …
الان سيعانقها .. لا بد انه سيعانقها .. ولا بد ان تنهي هذا العناق ..
وكل شيء .. ستنتهي هذا الخيال و تعود للواقع ..
ستضع نهاية لكل هذه الحماقات .. و سوف تعود ادراجها , وتعتذر لتركها الامور تخرج
من يدها و ….
مس فمه يدها برفق و خفة , كانت القبلة خفيفة كرذاذ متطاير من المحيط ..
همس بينما تلتف ذراعيه حولها : ” زهرة .. انت زهرة رحيقها كمذاق العسل ”
..
رباط اخير من الواقع جعلها تقول باصرار ضعيف : ” شكرا .. والان دعني اذهب
ل …
” الى اين تذهبين ؟ الى روميو المسكين ؟! ”
” نعم ”
وارتعدت عندما ضمها اليه بينما تضيف : ” انه خطيبي , وليس روميو تاريخي ,
ارجوك اريد ان ارحل ”
قال في رجاء ساخر : ” انت لا تريدين ان ترحلي .. انت تريدين ان
تبقي ”
”لا ”
حتى هي سمعت صوت الكذب الذي يملا كلمتها .. وتمنت ان تغفر لنفسها هذا الكذب
.. تمنت الا يسمعها احد غير المحيط .. ولكن كانت ذراعاه محكمتان حولها .. وبدات
النجوم تدور .. و القمر يرتفع في السماء اكثر .. ملقيا غلالة فضية على صفحة
الماء الداكن .. ولمعت ملايين النجوم في السماء .. لقد كانا اخر البشر على الارض
.. وكان الحب بينهما امرا حتميا ..
سرت رعدة خلالها وهمست : ” ارجوك .. ارجوك ”
قال : ” ارجوك ماذا؟ ” .. ” اخبريني بما تريديني ان افعله يا جولييت
”
و فجاة ..
ترامى الى مسامعها صوت تعرفه : ” …. هل انت على الشاطئ ؟ ”
ميزت الكلمات رغم اختلاطها بصوت الامواج المتكسرة على الشاطئ ..
وتصلبت (بيج) بين ذراعيه ..
” انها امي ” .
كانت همستها شديدة الاهتياج .. لم يقل شيئا .. و ظنت انه لم يفهمها .
ثم سمعت لعناته المكبوتة , و احست بالتوتر المفاجئ في عضلاته .
غمغم ازاء وجنتها : ” ابق هنا وستذهب بعيدا .. ”
همست هي : ” انها لن تفعل .. دعني اذهب .. ارجوك ”
توهجت عيناه وحدقت في عينيها , وقال : ” بشرط .. عديني ان تعودي لي
”
هزت (بيج) راسها , وقالت : ” لا . لا لا يمكنني انا ..
” … هل انت ؟ ” جاءها صوت امها .
قالت في همس يائس وهي تنظر في عيني الغريب : ” ستاتي الى هنا ..
دعني … اتوسل اليك ”
قيدت يداه حركتها وقال بغلظة : ” عديني ان تعودي ”
حدقت في وجهه بغباء وقالت : ” لا استطيع انا ..
بدا شبح امها عند اعلى الممر الهابط الى الشاطئ . قالت بانفاس لاهثة : ”
حسنا , حسنا ساعود ”
قبضت يداه على كتفها وغاصت في لحمها حتى اجفلت . وهمس في الحاح : ”
عديني بذلك . عديني بذلك و الا فساتي معك الان . و ساخبر امك و
روميو وكل العالم بانك لي الليلة , وكل الليلة .. و الى الابد ”
” لا استطيع ..
جذبها اليه حتى لاصق وجهها بوجهه و هو يقول بحدة : ” لا تخدعي نفسك
يا امراة , حتى انا لا افهم الامر , و لكنني متاكدا ان شيئا كالجحيم
قد حدث .. وستصيبني اللعنة اذا تركتك تخرجين من حياتي قبل ان افهم ذلك .
هل تفهمين ” .
انتفض قلب (بيج) بجنون . وهمست ” نعم ” و غمرها احساس بالسعادة الفياضة .
و كررت : ”نعم ” و عندئذ سمعت وقع اقدام امها على حصباء الطريق ..
مست وجنة الرجل .. وخطت سريعا الى الممر , ورفعت صوتها : ” انا هنا
يا امي ” ..
تقدمت والدتها خطوة باتجاهها . وقالت : ” بالله عليك يا عزيزتي .. اين كنت
؟ لقد اشرفنا على الموت قلقا عليك ”
حثت (بيج) خطاها خلال الياردات الباقية حتى وصلت لامها , وتابطت ذراعها ثم جذبتها عائدتين
باتجاه الحدائق و المبنى الساطع الاضواء .
” كنت .. كنت اسير على الشاطئ يا امي . انا اسفة لازعاجك ”
قالت (جانيت) بينما تتقدمان على الطريق المرصوف بالمربعات الحجرية : ” لست وحدي يا (بيج)
لقد اصابنا القلق جميعا .. ابوك و (الن) .. ماذا حدث لك ؟ هل كنت
وحدك ؟”
القت (بيج) نظرة من فوق كتفيها .. لم يكن خلفها سوى الظلام .. وقالت :
” نعم , بالطبع انا اسفة جدا .. مجرد انني اردت الاختلاء بنفسي قليلا قبل
الالتقاء بالعمة (دوروثي) ”
تباطئت خطوات الام قليلا قبل ان تتوقف , و تقول لها : ” هل انت
متاكدة انك بخير ؟ يبدو عليك شيئا ما هذا المساء ”
تجاهلت (بيج) سؤال امها , :” امي اين (الن) ؟ ”
” يبحث عنك بالطبع .. انه .. ”
اندفعت (بيج) قائلة : ” يجب ان اتحدث معه , يجب ان اخبره ان هذا
ال ..
احاطت (جانيت) خصر امها وقالت لها تهدئها : ان (الن) يفهم ذلك بالتاكيد انه يقول
انه قلق اللحظات الاخيرة و ..
” امي ارجوك .. دعوني اتكل ..
” عزيزتي .. عزيزتي كل العرائس يشعرن بنفس الاحساس ..ستكونين بخير يوم الزفاف .ستتلاشى هذه
العصبية وسينجلي هذا الخوف بمجرد ان تشاهدي وصيفاتك و الزهور و ابتسام المدعوين لك فيما
ينتظرك (الن) ”
توقفت (بيج) فجاة و همست : ” اسيحدث ذلك ؟”
ابتسمت (جانيت) و قالت : ” بالطبع ” ثم نظرت الى عيني ابنتها فتحولت ابتسامتها
الى عبوس قلق , وقالت : ” الا اذا كانت لك تحفظات حقيقية يا (بيج)
, هل لديك شيئا كذا ؟ حبيبتي ان لم تكوني متاكدة من ..
عضت (بيج) على شفتها السفلى , وقالت : ” نعم .. لا , يا الهي
..
” امي انا لا اشعر بذلك الاحساس المفروض تجاه (الن) , هل تفهمين ما اقصد
.. انا لا اشعر تماما بذلك الاحساس ..”
ارتفع حاجبا والدتها , وقالت : ” تقصدين ذلك الاحساس الذي شعرت به تجاه ذلك
الرجل في نيويورك ؟” كان صوتها جامدا مستهجنا , وتابعت : ” هل هذا ما
تقصدين ؟” .
التقت (بيج) انفاسها , وقالت : ” انا لا اقارن بين الموقفين يا امي ..
انا فقط لا ..
” اتمنى الا يحدث . لن يؤذيك (الن) يا (بيج) على الاطلاق .. يجب ان
تكوني سعيدة لهذا ”
فتح باب القاعة فجاة .. و احاطت بهما ضجة قاعة الرقص و دفئها المعبق بالدخان
. اطلق (الن) تنهيدة ارتياح عندما خطا الى الشرفة صوب السيدتان .
” ها انت هنا . ماذا حدث يا حبيبتي ؟ ”
” انا خرجت في الهواء قليلا يا (الن) ”
وضع ذراعيه حول كتفيها , وقال : ” هل انت على ما يرام ”
اومات (بيج) : ”انا بخير ”
” لقد بحثت عنك في كل مكان .. في التواليت .. في السيارة ..
قالت (جانيت) : انت لم تبحث في الشاطئ حيث كانت يا (الن) تريح اعصابها بالسير
هناك ”
تورد خدا (بيج) وقالت : ” امي , من فضلك ! ”
ابتسم (الن) ابتسامته العريضة وهو يقول : ” تذكري انني من يفترض ان يكون عصبيا
. هذا امتياز مقصور على العريس ”
التقطت (بيج) انفاسها وقالت : ” هل انت كذلك ؟ ”
سدد (الن) نظرة الى عينيها وقال بصوت رقيق : ” سنكون سعداء اعدك بذلك ”
حدقت الفتاة في خطيبها وحادثت نفسها .. سيكونا سعداء . بالطبع سيكونا كذلك .. ان
ما احست به منذ لحظات قليلة بين ذراعي رجل غريب , لم يكن سعادة ..
كانت تعرف مثل غيرها ..
ربما كان شيء افضل ..
لن تجده مع (الن) او غيره ..
شيء لن تجده سوى مع رجل غريب يحيط بوجه قناع نصفي اسود .. رقص معها
رقصة الحرية الاخيرة فوق شاطئ “كونكت كت” ..
قالت والدتها : ” لقد دعانا السيد والسيدة (فولر) لشرب القهوة في منزليهما يا عزيزتي
, ساستدعي والدك و اعود لكما ”
ابتسم (الن) عندما انطلقت والدة (بيج) وقال بلهجة مغيظة : ” ستتناولين القهوة و الكعك
مع كل ال (فولر) . تريد العمة ان تقابلك .. و سرب لا نهائي من
الاقارب ”
و احنى راسه وقبل خدها وهو يقول لها : ” انا سعيد لعثور امك عليك
يا حبيبتي , لا نريد ان نشعرهم بخيبة الامل اليس كذلك؟”
” بالطبع .. لا نريد ”
ابتسمت له ابتسامه سريعة وهو يقبض على يدها ويقودها خلال الملهى الى رواق المدخل الامامي
ذي الاعمدة .
كم سينتظرها ذلك الرجل على الشاطئ ؟ خمس دقائق ؟ .. عشرة ؟ ..
هل سيصاب بخيبة الامل ؟ .. ام سيغضب ؟ .. ام ..
” ها نحن يا اولاد . لم لا تطلب من السائس احضار السيارة ؟ ”
, كان صوت (اندرو) السعيد يرتفع في الهواء معلنا استعدادهم للمغادرة .
انتحت (جانيت) بابنتها جانبا , بينما تقدم الواد مع (الن) تجاه الرصيف . وهمست :
” كفي عن اظهار القلق . انها مجرد عصبية اللحظات الاخيرة . ثلاثة ايام من
الان وستصبحين السيدة (الن فلور) , وستضحكين عندما تتذكرين ما احسست به الليلة ” .
اومات (بيج) وتمتمت برد ملائم ..
ولكن عندما خطت الى سيارة خطيبها .. وتركت تعهدات و التزامات حياتها الجديدة تبتلعها.. ادركت
ان والدتها كانت على خطا .. و انها هي على خطا ..
و انهم جميعا على خطا مماثل .. و خطا كبير جدا ..
ستذكر هذه الليلة ..
ولكنها لن تضحك على الاطلاق ..
ستكون ذكرياتها حلوة جدا .. ومريرة جدا ..
ولكن ..
هكذا يكون الخيال في الغالب ..
***************************
——————————————————————————–
==الفصل الثالث==
((احتضنني اللهب في احلامك))
” (بيج) ؟ .. (بيج) , هل رايت غصن القرنفل الذي ساخيطه بتاج عرسك ”
كانت (بيج) تنقب في خزانة ثيابها عن الزوج الثاني من الحذاء الفضي الذي تمسكه بيدها
, جلست على عقبيها وتنهدت .
ثم رفعت صوتها قائلة : ” لا يا امي . ولكني لن اقلق بشانه .
فالتاج يبدو جميلا كما هو ”
دلفت الام الى حجرة ابنتها , وبحثت خلال قطع الثياب المزركشة المتناثرة فوق منضدة الزينة
.
تمتمت : ” هل خلطته مع هذه الملابس ؟ ” ثم تنهدت و اجابت نفسها
: ” لا , لا شيء هنا سوى الملابس المتبقية لجهازك ”
نظرت المراة الكبيرة نحو ابنتها , وقالت : ” الم تنتهي من حزم حقائبك يا
عزيزتي ؟ حفل الزفاف غدا . ويجب ان تذهبي انت و (الن) الى المطار في
الخامسة على اقصى تقدير ”
جثت (بيج) على قدميها و قالت : ” هناك فسحة كبيرة من الوقت يا امي
؟؟ ساقوم بالباقي الليلة , بعد ان نعود من بروفة الحفل ” .
ثم غضنت جبهتها , و اضافت : ” هذا اذا ذهبنا اساسا ”
و طوحت بالحذاء الفضي على الفراش قائلة : ” لا استطيع العثور على الزوج الثاني
لهذا الحذاء في اي مكان ” .
قالت والدتها : ” اليس هذا هو .. نعم , انه هو ” .. و
التقطت الزوج المفقود من ارضية الحجرة , ثم جالت ببصرها و هي تبتسم للحقائب و
الخزائن المفتوحة , وقالت بتاوه : ” هل سافقد كل هذا ؟”
ضحكت (بيج) وهي تدس قدميها في الحذاء , وقالت : ” ستفتقدين الى هذه الفوضى
.. اه يا امي .. اعرف انك .. انك تنتظرين بشق الانفس لدخول هذه الحجرة
وتنظيفها ”
ابتسمت (جانيت) و قالت : ” انت تعرفين ما اقصد يا عزيزتي . سافتقد فتح
الباب ورؤيتك هنا ”
و راقبت ابنتها و هي تمرر يدها على ذيل فستانها الازرق الطويل وتمعن النظر في
صورتها في المراة وقالت : ” من الصعب تصديق انك غدا ستكونين السيدة (فولر) ”
وللحظة صغيرة , اظلمت قسمات (بيج) النا عمة , ثم ردت الابتسامة .. ” انظري
للجانب المشرق يا امي . سيمكنك تحويل حجرة نومي الى حجرة ضيوف مرة اخرى ”
ضحكت المراة الكبيرة وقالت : ” لم تكن شيئا البتة سوى حجرة نومك يا (بيج)
, حتى عندما كنت تعملين في نيويورك ” . وخرجت من الغرفة .. ثم استدارت
و اطلت براسها من الباب , وقالت بصوت رقيق : ” هل انت على ما
يرام ؟ ”
اومات (بيج) براسها . احست بغصة مفاجاة في حلقها , فلم تحاول الرد باي بكلمة
. و ابتسمت و طيرت قبلة في الهواء لوالدتها ثم استدارت و جذبت كومة الملابس
المبعثرة من فوق المنضدة , ووضعتها في احدى الحقائب المفتوحة . وعندما رفعت بصرها في
لمحة سريعة مرة اخرى , كانت والدتها قد غادرت ..
اختفت الابتسامة المرتجفة و غاصت (بيج) في فراشها الذي صحبها منذ طفولتها ..
تعلقت الدموع باهدابها و طرفت عينيها في غضب لتبتلعها مرة اخرى ..
لا مزيد من الدموع .. لقد ذرفت من الدمع خلال اليومين الماضيين ما يكفيها باقي
حياتها ..
كل العرائس يكن عصبيات , هكذا يقولون لها طوال الوقت .. و احيانا يبكين ..
ولكن ما ذا ظنت بها عائلة (فولر) بعد تلك الليلة ؟
الله وحده يعلم .. لقد صافحت العديد من الايدي في منزل (الن) بعد ما تركوا
ملهى “هانت” , ولثمت العديد من الخدود , وكانت تتساءل اذا ما كانوا يشعرون بافتعال
ابتسامتها . و ظلت على هذا الحال حتى اعلن (الن) ان عروسه القادمة قد انهكت
, و اعادها للمنزل .
عندما وصلوا منزلها . سالها (الن) : ” هل انت على ما يرام ؟ ”
وقتها اومات (بيج) و ابتسمت شاردة مؤكدة له انها بخير و قالت :”مجرد انني مررت
بيوم حافل ”
ماذا بامكانها ان تقول ؟ هكذا فكرت وهي تجلس في حجرة نومها تحدق على نحو
غائم في الحائط المغطى بورقة تداخلت الوانه البيضاء والقرنفلية .. اكانت تخبره انها كادت تسلم
نفسها لغريب مجهول الاسم على شاطئ تذروه الرياح ؟
طوال وقت تبسمها لاقارب (الن) . كانت تفكر في الرجل , و تتساءل اذا ما
كان قلبه قد امتلا بالالم مثل قلبها .
اكان يلعن قسوة القدر الذي جمعهما ثم فرق شملهما ؟ ..
ام ان كل ما فعله ان عاد على الملهى و التقط امراة اخرى ذهبت عن
طيب خاطر لترقص معه ..
امراة همس لها و احتواها في احضانه ..
امراة بادلها اسراره .. و اسرار الحب مثلما فعل معها ..
هذا هو السيناريو الاكثر احتمالا .. لقد كان يبحث عن مغامرة عندما وجدها .. وقد
كانت حمقاء بتصرفها مع هذا الغريب .. ويجب ان تشعر بالامتنان لان الامر لم يتعد
قبلات قليلة و رقصة وحيدة في ضوء القمر ..
اذن لماذا يمتلئ قلبها بهذا الشوق , وتمتلئ احلامها لهذا الحد برجل ذي عينين بلون
البحر ؟ ..
” (بيج) ! ”
رفعت بصرها وحدقت مجفلة . قالت والدتها وهي تقف عند الباب :
” سيحضر (الن) بعد قليل , و لم تكملي استعدادك ”
ابتسمت ابتسامة مشرقة , وقالت : ” سافعل يا امي .. وسترين ”
ضحكت امها وقالت : ” هذا ما اعتدت ان تقوليه منذ كنت طفلة ”
و هرولت عبر الحجرة و ضمت ابنتها اليها في عناق سريع , ثم مست عينيها
برفق , وقالت :” سافسد زينتي لو اني ظللت على هذا الحال و ساضطر لاعادة
التزيين مرة اخرى مما سيجعل والدك يستشيط غضبا ”
وتوقفت لدى الباب قائلة : ” سنفتقدك عزيزتي , كان شيئا رائعا ان تعيشي معنا
خلال العام الماضي ” ..
شحبت ابتسامتها عندما تركت والدتها الحجرة و اوصدت الباب خلفها . ان والدتها تصور الامر
على ان عودتها من (نيويورك) الى (كونكت كت) منذ عام كانت بعفوية , لكن الامر
لم يكن بهذه البساطة , لقد عادت للبيت دون مقدمات , ومذاق الحرية لا يزال
لاذعا في فمها .
كانت قد استقلت سيارة اجرة من محطة السكك الحديدية في (جرينتسن) الى المنزل المكسو بالالواح
الخشبية الرمادية الذي نشات فيه .. لا تزال تذكر كيف اخرجت مفتاح الباب , ثم
في تردد , تذكرت انها لم تكن تعيش هنا على مدى الاعوام الاربعة الاخيرة ..
منذ ان اكملت العشرين وانهت مدرستها التجارية . وببطء اعادت المفتاح الى حقيبة يدها ,
و رنت جرس الباب .
فتحت امها الباب .. في البداية , ارتسمت على ملامح وجهها مفاجاة سعيدة تحولت الى
اهتمام قلق عندما رات ملامح ابنتها الشاحبة . ولكنها تصرفت كما لو ان حضورها لم
يكن سوى فرحة غير متوقعة .. فجردتها من معطفها سريعا وذهبت بها الى المطبخ حيث
اعدت مكانا لها بمائدة خشب البلوط العتيقة امام المصطلى .. واخذت تثرثر معها لتسري عنها
..
عاد والدها من المكتب في وقت متاخر . فوجئت (بيج) بانه يبدو كانه لاحظ وجودها
بالكاد ..
بالكاد القى التحية و اختفى .. كعادته
رفعت والدتها حاجبيها محذرة اياه من القائه اية اسئلة على ابنتهما الوحيدة وقالت : ”لقد
جاءت (بيج) في زيارة ”
ولكن بدا والدها غارقا في افكاره الخاصة لدرجة تمنعه من عمل اي شيء سوى التمتمة
بكلمات قليلة.
قال : ” هذا شيء رائع ” ثم ذهب لحجرته وتركهما بمفردهما .
سالت (بيج) والدته وقتها : ” هل هناك شيء على غير ما يرام مع والدي
؟”
قالت والدتها بتبرم :” لا شيء غير المعتاد : انت تعرفيه .. هناك خطة تملك
عليه تفكيره في ان يصبح مليونيرا فجاة ” .
هزت (بيج) راسها و قالت : ” والدي البائس .. ماذا حدث اخر مرة ؟
مناجم ذهب ام شيء اخر ؟”
ابتسمت السيدة (جارونز) بضجر , وقالت : ” شيء اخر . لا افهم مطلقا كيف
ان الرجل المسئول عن الامور المالية لمؤسسة كبيرة مثل مؤسسة (فولر) تكون ميزانيته الخاصة بهذا
السوء !! ” .
و تنهدت قائلة : ” بعد الكارثة الاخيرة جعلته يعدني بالا يمس مدخراتنا مرة اخرى
”
ابتسمت (بيج) وقالت : ” هل لا يزال يقول : لا مغامرة يعني لا ربح
؟”
ضحكت والدتها قائلة : ” نعم , وقد قلت له ان هذا صحيح طالما ان
باستطاعته تعويض ما يخسره من النقود في مغامراته . دعيه يبدد حتى اموال سجائره لو
كان ذلك يسعده . انه رجل طيب يا عزيزتي ولكنه يرى اننا نحتاج للمزيد ..
و يرى انه اقل من رجل , بطريقة ما , لانه لا يستطيع ان يحضر
لنا القمر من سمائه ! ” .
و عادت لتقول من جديد : ” اقصد ان الامر مختلف عما لو كان يشرب
او انه لا يحبني … ”و فجاة ارتفع حاجبا الوالدة عندما لاحظت تغضن وجه ابنتها
مع تقطيبه شاردة فوق جبينها , وسالتها : ” حبيبتي ما هذا؟ ”
هنا .. سردت لها (بيج) .. ليس كل شيء , فقد كان الامر جديدا ومؤلما
جدا , و لكنها حكت لها ما يكفي .. اخبرتها كيف انها قابلت احدهم متوهمة
انها تعيش معه قصة حبها الاول .. وطبعا استسلمت معه لعواطفها البكر .. ثم لتجد
بعدها خيبة الامل و المرارة بدلا من السعادة ..
و هكذا بسبب علاقة لم تدم الا قليلا .. فقدت ثقتها و سعادتها ورغبتها في
كل شيء ..
مست والدتها يدها برفق وقالت : ” ما ذا فعل بك ؟؟ ”
” لا شيء .. سوى انه نفض يده عن علاقتنا فجاة .. سعيا وراء ثروة
احدى الارامل المسكينات ” .
احاطتها والدتها بذراعيها , وقالت في قسوة : ” انس كل ما يتعلق بذلك الرجل
.. ان رجل كهذا..
ونظرت لها للحظة طويلة ثم ابتسمت و قالت : لدي فكرة رائعة … اممم …
لماذا لا تعودين لهنا لفترة معينة ؟ يمكنك السفر الى المدينة في حال انك مصرة
على الاحتفاظ بوظيفتك ”
و هكذا القت (جانيت جارونز ) بالاقتراح الذي قدر له ان يغير حياة (بيج) دون
ان تدري .
قالت (بيج) بسرعة: ” او ابحث عن اخرى هنا في جرينتش ” , وضحكت هي
و امها في ان واحد , ثم اضافت و الدموع تترقرق في عينيها : ”
كم تمنيت ان تطلبي مني البقاء ” ..
ربتت امها على يدها بحنان وقالت : ” هذا بيتك يا (بيج) .. بالطبع نحن
نريدك ان تعودي و تعيشي معنا من جديد .. وصدقيني ستضعين كل ذلك وراء ظهرك
, و سترين ”
و لقد حدث .. هكذا فكرت (بيج) و هي تحدق بنظرات جامدة الى المراة المعلقة
على جدار يقابل فراشها .. في البداية جاءت الوظيفة في احدى متاجر ”ماي ووك ”
.. ثم بدا والدها يلعب دور كيوبيد الحب فيدعو ابن مديره ,للعشاء في المنزل بينما
يحثها هي على قبول دعوات (الن) , خالطا مابين مناسبات العمل والمناسبات الخاصة .. و
هذا طبعا لكي تكون في رفقة (الن) دائما .. حتى و ان لم يكن بينهما
اتفاق على اللقاء .
ولكن (بيج) لم تحبه .. لا يوجد على الاطلاق ما يجعلها تكرهه ايضا ..
لكن من الصعب ان تقع يدك على شخصا ما يكره ((الن) فولر) .. (الن) بنظراته
وسحره . ولو انها لم تنفعل باي ومضات من ذلك عندما كانت تقابله .. لم
تكترث لاي مشاعر خاصة لانها لم تولد بينهما اصلا .. هكذا احست ..
ربما هذا افضل .. حسنا .. ماذا يمكن لها ان تفعل افضل مما فعلته .
.
ثم ان التوافق و الاحترام هما التربة التي ينمو فيها الحب .. و … الرغبة
!
لا ان الرغبة شيء يخص الافلام والروايات الخيالية .. انها شيء يحظى بتقدير مبالغ فيه
, وما جربته منها يكفيها ليدوم طيلة حياتها ..
لا .. انها منذ ليلتين .. تصرفت كانها .. و كانها امراة خليعة مع رجل
غريب ! .. و ربما هو الان قد اختفى في استار الليل دون عودة ..
احست بالامتنان لله وهي تمشط شعرها الاشقر في غضب .. على الاقل لن تضطر للقلق
بشان رؤية هذا الرجل مرة اخرى ..
و اما كل الاحاسيس التي اطلقت لها العنان معه .. فانها سوف تتعلم كيف تشعر
بها و باكثر منها مع (الن) .. هو من سيكون زوجها ويجب ان تتعلم انها
تريد منه احضانه و قبلاته و تلك المشاعر التي ترفعها في السماء ..
سمعت طرقة خفيفة على الباب . جاءها صوت والدتها في لهجة مشرقة : ” (الن)
هنا . جاهزة يا عزيزتي ؟ ”
اخذت (بيج) نفسا عميقا وقالت بصوت مسموع : ” نعم جاهزة ” ..
و همست لنفسها .. ” اخيرا جاهزة …
*************************
كانت البروفة ستقام مثل حفل الزفاف في منزل ال (فولر) . اعترضت والدتها في البداية
, وقالت ان عائلة العروس هي التي يجب ان تقيم الحفل .. ولكن والدة (الن)
كانت مصرة بشدة على ان يتم الزفاف في قصر عائلة (فولر) ..
في النهاية رضخوا جميعا لذلك , عندما حث (الن) خطيبته على مسايرة خطط والدته قائلا
في ابتسامة ساخرة : ” من الافضل لنا جميعا مسايرة امي عندما يبدا شيء ما
يستحوذ على تفكيرها ولا يكون هناك سبيلا للخلاص منه ! ”
ولكن في النهاية كان والد (بيج) هو الذي حسم الامر .
قال : ” دعي ال (فولر) يتكفلون بكل شيء , فهم اصحاب المال ” .
نظرت له (بيج) في دهشة فتكلم بسرعة بابتسامة بالكاد خففت من جفاف كلماته : ”
كل ما اقصده انه من السخافة ان نتجادل في موضوع منتهي ” .. وفي النهاية
وافقت هي و والدتها .
اما الان .. وهي تجلس في حجرة الجلوس المثيرة للاعجاب بمنزل ال (فولر) محدقة في
الحشد المزدحم .. احست (بيج) بالسرور لانها هي و امها قد وافقتا على ذلك !
بدا كان نصف سكان العالم قد حضروا .. او على الاقل كل سكان (كونكت كت)
و (نيويورك) .
همست (بيج) لوالدتها : ” اذا كان ال فولر قد دعوا كل هؤلاء الناس لحضور
بروفة الحفل .. تخيلي عدد من سيحضرون الزفاف غدا ؟! .. لا اظنني ساعرف عشرة
وجوه من الموجودين ! ”
” لا تقلقي عزيزتي . فقط ابتسمي و قولي ”شكرا” .. و ” لا ,شكرا
” , في المواضع المناسبة ” .
ضحكت (بيج) وقالت : ” بمجرد ان يظهر (الن) , لن ادعه يغيب عن نظري
”..
” يظهر .. حقا اين ذهب ؟ ”
” المطار .. لقد سمعت منه بوصول البعض في اللحظات الاخيرة , وقد سعد بهم
لدرجة ان قرر الذهاب لاحضارهم بنفسه ! ”
” ربما اخوه و زوجته ”
هزت (بيج) كتفيها بلا مبالاة , وقالت : ” ربما .. صدقيني , كل ما
اعرفه اني تركت هنا لاحمي الحصن .. سيتكفل (الن) ب … اوه .. يا الهي
….
كانت كلماتها الاخيرة عبارة عن همسة مكبوتة .. استدارت لها والدتها في دهشة ..
” (بيج) ماذا حدث ؟!! ”
” انا ؟ .. لا شيء . فقط انا …
وجدت (بيج) نفسها تتلعثم وتنطق بكلمات لا معنى لها .. لكنها حدقت عبر الحجرة المزدحمة
و هي تشعر بانها معجزة ان استطاعت الكلام اساسا ! ..
لقد كان هناك ..
الرجل الغريب ..
الرجل الذي تركته يبادلها الرقص وتلك المشاعر الغامضة منذ ليلتين ..
لقد كان هناك .. ضيف في منزل ال (فولر) .. ضيف في بروفة حفل زفافها
!! ..
كان يقف بالطرف البعيد من الحجرة .. لم يرها بعد , كان وحده ممسكا بكاس
في يده ..
راقبت شخصا يقف بجانبه .. امراة .. شابة , جميلة .. وقد امالت وجهها باسمة
له , اوما .. وقال شيئا , ولكنه لم يبتسم .
تكلمت المراة الثانية , قالت شيئا اخرا .. ولكن بدا انه لا يكاد ينصت لها
..
” (بيج) ارجوك اجيبيني .. ماذا حدث ؟ ”
بصعوبة صرفت نظرتها المحدقة عنه و وجهتها لوالدتها , وقالت بحذر : ” لا شيء
.. فقد ظننت اني رايت زميل دراسة , هذا كل ما في الامر … شخص
لم احلم .. لم احلم ان اراه مجددا ..
و همست لنفسها بغلظة ، ابتسمي .. ولكن عندما حاولت شعرت بشفتيها وكانهما ملتصقتين باسنانها
.
وضعت امها يدها على قلبها وقالت : ” لقد روعتني تماما يا عزيزتي . ظننت
انك رايت شبحا .. حسنا , لماذا لا تتجولي بين المدعوين وترحبي بهم ؟ ”
, وضحكت قائلة : ” ساذهب لارى السيدة (فولر) ربما يكونوا ضيوفنا القلائل قد وصلوا
.. وعسى ان لا نشعرهم انهم اقل عددا من ضيوفهم ”
” نعم حسنا .. ساراك خلال دقائق يا امي ” .
حادثت نفسها .. كان ينبغي ان افكر في عذر للمغادرة .. و لكن هذا سيؤجل
فقط من القدر المحتوم.
اذا كان هذا الرجل الغريب هنا الليلة فمن المحتمل ان يحضر الزفاف غدا.
ماذا تفعل ؟ .. ماذا تفعل ؟
ماذا لو ذهبت اليه و اعتذرت له عن سلوكها الزرى ؟ هكذا بكل بساطة ..
ماذا لو توسلت اليه كي يصمت , كي يفهم ..
اوه يا الهي ..
لقد راها . توقف قلبها عن النبض .. تلاشى كل شيء عندما تلاقت العيون ..
اكفهر وجهه وزم شفتيه ..
كانت المراة الملاصقة له لا تزال تتحدث وتبتسم .. و فجاة ..
دفع اليها بكاسه و دار خلفها بسرعة ..
كانت هي على يقين انه سيقصدها مباشرة .. كانت موقنة من انه لن يقبل اعذارها
ولا توسلاتها من اجل ان يفهمها ..
ولكنه اعقل من ان يثير الامر امام الجميع هنا .. و اجن من ان يتركها
تمر امام الجميع هكذا فقط !
لا لن يفعل ..
راقبته وهو يندفع بسرعة خلال الزحام و يصدم كتفه بفظاظة كل من لا يفسح له
الطريقة بالسرعة الكافية .. كانت عيناه مستقرتان على وجهها .. وكانهما بحيرتان جامدتان من النيران
الثلجية ..
استرجعت صورته اول مرة راته فيها .. و بدات نبضاتها تتسارع ..
الليلة .. ليست لدى الاسد اية نية في انتظار انثاه الوحشية ..
انه القناص .. وهي فريسته ..
كيف تخيلت انه لن يثير الامر امام كل الحاضرين ؟ ..انه قادر على كل شيء
..
وثب قلبها الى حلقها الجاف .. واستدارت في تهور لتنطلق وهي تعدو كالمجنونة ..
دوت خلفها العديد من الضحكات العصبية مخلفة ورائها الاوجه الذاهلة والعيون الشاخصة ..
و للحظة .. رات انه كيف صار من المستحيل ان تستطيع تفسير هذا الامر ل
(الن) فيما لو اثاره ..
فيما لو ؟؟!
فيما لو ؟؟!
حتما هو سيثير كل شيء ..
هو من الجنون ان يثيره .. وهي من الثقة من حدوث ذلك ..
لقد رات الوحشية في عيني ذلك الرجل الان .. و كل ما يهمها في هذه
اللحظة ان تهرب منه الى اي مكان ..
فرت من حجرة الجلوس الى ظلام المنزل , و هي تحاول تذكر طريق الخروج الذي
اصبح فجاة طويلا .. حتى وصلت الى الباب الخلفي ..
لحق بها وقد كادت ان تمر من الباب ..
حاولت صفق الباب في وجهه ..
ولكنه كان قويا جدا بالنسبة لها ..
طاش الباب مرتدا من كتفه , و اصبح الرجل خلفها .. و مد يديه ليقبض
عليها .. و تشبثت يداه بلحمها كانهما مخلبين ..
شهقت قائلة : ” دعني .. ” و تلوت محاولة التخلص منه ..
” اللعنة عليك … ”
و ركل الباب بقدمه فاوصده .. وقال بصوت خفيض مليء بالغضب : ” هل ظننت
حقا انك تستطيعين الهرب مني ؟ ”
” قلت لك دعني .. كيف تجرؤ على معاملتي بهذا الاسلوب ؟ انا …
” اصمتي .. ” , و زلق ذراعه حول كتفيها ..
قاومته عندما بدا يجذبها بعيدا عن المنزل , و سالته : ” اين ستاخذني ايها
ال ..
قاطعها بوجه متجهم : ” ساخذك الى المنزل الصيفي ! ”
كان يكاد ينتزع قدميها من على الارض ..
و اضاف : ” لا اريد ان اتعرض هنا الى النظرات اللعينة من الجميع ..
”
” الا ترى انك قد تاخرت قليلا في قلقك بشان ذلك ؟ قبل دقائق قليلة
…
” انت التي جريت …
و جذبها صاعدا الدرجات الخشبية المؤدية للمنزل الصيفي المقام على مبعده من مؤخرة مرج ال
(فولر) .
” بالطبع جريت ! كنت تبدو كانك .. كانك ..
قبض على كتفيها بخشونة جعلتها تشهق , وحدق فيها مدمدما : ” كاني ماذا ؟
”
ابتلعت (بيج) ريقها الجاف . كانت خطوط الانوار الملونة تمتد بين الاشجار المتناثرة في المرج
لاجل الحفل .. فاكتسى وجهه بنقاط ضوئية حمراء وصفراء وزرقاء ..
و اخيرا همست : ” كانك .. كانك تريد ان تقتلني ”
لوى شفتيه قائلا : ” صدقيني , فكرت في ذلك في تلك الليلة , عندما
اقنعت نفسي اخيرا بانك لن تعودي .. ”
” انظر بشان تلك الليلة ..
لاحت في عينيه نظرة عابسة , وقال : ” هل امضيت وقتا طيبا في لعبك
معي يا جولييت ؟ ”
تدفقت الدماء الى وجهها , وقالت مستهجنة بصوت كفحيح الافعى :
” انت رائع في حديثك عن الالعاب .. لم اكن انا من بدات الامور ..
كنت انت …
اختنقت الكلمات في حلقها عندما هزها و قال: ” لقد انتظرت ساعة على ذلك الشاطئ
الذي نبذته السماء .. اللعنة عليك ! و عندئذ عدت الى الملهى .. ولم تكوني
هناك ! ”
انزلقت يداه من على كتفيها .. وتسلل الضجر الى صوته , واضاف : ” لم
استطع ان اسال اي احد الى اين ذهبت .. الجحيم , انا حتى لم اعرف
اسمك .. ”
اجرت (بيج) لسانها على شفتيها , وهمست : ” انا اسفة لم اقصد ان ..
اجفلت عندما اندفع اتجاهها قائلا : ” لم تقصدي؟ اذن بحق الله لاي شيء كان
كل ما حدث يا جولييت ؟ ”
ثم قبض على ذراعيها وسدد نظراته الى عينيها , و اضاف : ” ام ان
هذا مجرد شيء تفعلينه عندما تذهبين الى الحفلات ؟ تشربين .. تاكلين .. تراقصين احدهم
.. ثم تخرجين مع رجل ما وتكادي تفقديه عقله رغبة في امتلاكك و ..
” لا تتطاول علي … ليس لك حق ”
” ليس لي حق ؟! لقد جعلتني انسانا احمقا .. انت …
” لقد حاولت ان اخبرك مرارا بانه لم يكن شيئا صائبا , ولكنك لم تنصت
. لقد ظللت اقول انني يجب ان اعود الى خطيبي .. ولكنك انت … انت
…
اصابها الرعب عندما احست بدموعها تملا عينيها ثم تنحدر على وجنتيها .. كان شيئا سيئا
الى حد بعيد ان يستغفلها في تلك الليلة . ويجب ان لا تدع هذا الرجل
يوصلها الى حد البكاء ..
وبسرعة , مسحت اهدابها بظهر يدها و اشاحت بوجهها بعيدا .. وهمست :
” دعني اذهب ” ..
” بحق الله الى اين تفكرين في الذهاب ؟”
” دعني ارجوك ”
تحركت يداه برقة على كتفيها , و ادار جسدها الجامد المتصلب اليه ..
قال بغلظة : ” لا تبك يا جولييت الصغيرة ” ..
رفعت (بيج) وجهها اليه , وكانت اهدابها مبللة بالدموع المتلالئة ..
و في لعنات هامسة .. جذبها بين ذراعيه و .. قبلها ..
كانت قبلة اخبرتها , بوضوح اكثر من الكلمات .. ابلغ من اي وصف ..
ان عذابه على مدى الايام الماضية .. كان ساحقا كعذابها ..
كانت قبلة تضم الحب .. والغضب و الرقة ..
ولكن وراء هذا كله ..
كانت على وعي تام .. ان قبلة واحدة لم و لن تكفي ..
غمغم قبالة وجهها : ” جولييت .. لماذا لم تعودي الي ؟ ..
انزلقت ذراعها فوق صدره ,و وهمست : ” لم استطع .. ولا استطيع ان ابقى
معك الان ”
اشتدت ذراعاه حولها , ودمدم : ” كفي عن هذا القول , لن ادعك تذهبين
هذه المرة ”
همست : ” بل يجب عليك .. ارجوك .. ان خطيبي ..
ضحك ملء فمه , وقال : ” هل ستتحدثين عنه مرة اخرى , اي نوع
من الرجال خطيبك هذا ؟ انت لا تريدينه يا جولييت ! انت تعرفين ذلك ”
اغلقت (بيج) عينيها و غمغمت : ” لا .. ليس بهذا الاسلوب . ولكن ..
” بماذا تشعرين في صحبته ؟ ”
ثم رفع يدها اليسرى الى شفتيه , وقال : ” مثل هذه الماسة التي ترتدينها
؟… و هل تحبس النار داخل الحجر البارد ؟! ”
” يجب الا تقول ذلك .. انه ..
انا فقط اخبرك بما نعرفه نحن الاثنان ”
و انزلقت يداه عن كتفيها حتى جانبتها ..
تراقصت انوار الحفلة على خاتم الياقوت الذي يرتديه و راته يستله من اصبعه , وقال
:
” اعطني يدك ”
مسحت عيناها وجهه .. وببطء , فعلت ما طلبه منها ..
اخذ يدها في يده و وضع الخاتم في كفها , و قال بتاوه :
” الرجل الذي يعطيك ماسة لا يريدك في الحقيقة يا جولييت ”
حدقت (بيج) في الخاتم . توهج الياقوت في كفها كانه قطعة فحم متقد ة ..
كان اطاره العتيق , رائع كثير النقوش ..
رفعت اليه بصرها .. وهزت راسها :
” انا .. انا لا افهم ! ”
قال بتاوه : ” انت مثل الياقوت الملتهب في هذا الخاتم ”
و احاط وجهها بيديه و اماله للاعلى .. وتابع : ” رائعة , ثمينة ,
تتقدين بالعاطفة ” ..
طرفت بعينيها عندما سدد نظراته اليها .. وعندما رفعها عنها , كانت عيناه غامضتين وهو
يقول لها : ” احتفظي بالخاتم , انظري اليه الليلة , الى البريق الملتهب المتوهج
بداخله . وفكري في , وكيف سيكون الامر عندما نكون معا ” ..
و اطبق يده على يدها , و احست هي بحرارة الياقوت تلفح كفها , و
قال :
” احتضنني اللهب في احلامك يا جولييت .. وغدا .. عندما اراك مرة اخرى ..
” غدا !! ”
كررتها كما لو كان يتحدث بلغة مجهولة ..
” الزفاف . ستكونين هناك .. اليس كذلك ؟ ”
” انا .. نعم , نعم .. ساكون هناك ”
ابتسم و قال : ” سنمضي اليوم معا .. سنفعل كل ما يفعله (الن)اس عندما
يلتقون لاول مرة .. سنتحدث ونتبادل النكات و …
غدا
قالت (بيج) بياس : ” ارجوك . يجب ان تنصت لي .. انا …
احكم ذراعيه حولها .. وضمها اليه قائلا :
” اذا قلت (لا) فساذهب بعيدا ولن تريني مجددا على الاطلاق ”
و اضاف بصوت هامس ازاء وجهها : ” ولكنك لن تفعلي .. لن تفعلي يا
جولييت ”
ظهرت الجدية على ملامح (بيج) و هي تقول له باصرار :
” انت لا تفهم .. ان غدا هو يوم …
سمعا صوت الباب يصفق .. ثم صوت صفير لشخص يشق سكون ليلهم ..
” هيه .. هل انتم هنا يا اولاد ؟؟ ”
الهي العزيز ! انه (الن) ..
بدا قلب (بيج) ينتفض , وقالت بصوت مرتجف : ” يجب ان نخرج من هنا
.. ارجوك ”
” (بيج) ؟ اين انتي يا حبيبتي ؟ ”
” الا تسمع ؟!! … اللعنة .. هذا (الن) .. خطيبي ”
اظلمت عينا الرجل , و ضاقت .. و صارت كانهما راس دبوسين من نيران الكوبالت
..
قبضت يداه على كتفيها ,, و انشب فيها اظافره حتى شهقت من الالم .. وقالت
له :
” حاولت ان اخبرك ان ..
اسكتتها نظراته القوية .. وقال بتاوه :
” لابد ان اقتلك .. يا الهي .. اريد ان اضع يدي حول عنقك و
….
كانت هناك قعقعة اقدام تصعد الدرج ..
ثم انزلقت ذراع حول خصرها ..
” هذه انت اخيرا يا حبيبتي ! ”
جحظت عينا (بيج) عندما رات (الن) يبتسم ويلقي بذراعه الاخرى حول عنق الرجل الغريب ,
وقال بسرور :
” رائع .. ارى انكما قد التقيتما بالفعل ..
حسنا ..
(كوين) .. ما رايك فيها ؟
ماذا سيقول اخي الاكبر عن عروسي الخجول ؟؟ ”
*****************************
——————————————————————————–
==الفصل الرابع==
((عزيزي اللورد كم اكرهك !))
المفروض ان تكون ايام العرس في كمال ما يحدث في الروايات : سماوات زرقاوات ..
شمس مشرقة دون سحابة في السماء .. وهكذا بدا هذا اليوم …
و هذا ما راته (بيج) وهي ترنو ببصرها من نافذة حجرة نومها.. ومضت الاوراق القليلة
الباقية على شجر القيقب العتيقة بالوان ذهبية وقرمزية ..
في صغرها كانت تهوي تسلق فروع الاشجار المنخفضة الملتفة .. و تقبع في حضنها الورقي
مختفية في امان عن كل العالم ..
ليتها تستطيع ذلك الان .. تتسلق الشجرة وتضع ذراعيها حول الخشب الاجر و الخشن وتختفي
هناك حتى ينتهي هذا اليوم الرهيب ..
ولكنها لم تعد طفلة ولم يكن هناك مهرب ..
تنهدت (بيج) و ارتشفت الرشفة الاخيرة المرة من فنجان القهوة الباردة ..
الامل الوحيد لديها الان , يتمثل في القليل من رقة (الن) ..
(الن) لم يتصل بها بعد .. ولكنه سيفعل بالتاكيد بعد ان يخبره كوين بكل شيء
..
بطريقة ما مرت من مازق الامس خلال اللحظة المرعبة بالمنزل الصيفي . فقد غمغمت ببعض
الكلمات بلا معنى لها عن مفاجاتها بلقاء (كوين) اخيرا , وكانت تنتظر هي في كل
لحظة ان يكذبها هذا ال (كوين) .. لكنه ظل صامتا , يرقبها في حدة مرعبة
.. ثم تمتم ببعض الجمل المهذبة المماثلة لما قالته ..
ابتسم (الن) ثم عادوا جميعا للمنزل .. وكان يسير سعيدا بينهم .. دون ان يدري
عن شيء ..
هبت والدة (بيج) لنجدتها عندما دخلوا حجرة الجلوس .
قالت : ” ان شعرك بحاجة لاصلاح تصفيفه ” و دفعت (بيج) الى حجرة التواليت
بالدور السفلي . وبمجرد اغلاق الباب , اندفعت تسال ابنتها : اي مكان على وجه
الارض كنت تنطلقين ؟”
حاولت (بيج) التمتمة مدعية عذرا لكن والدتها اوقفتها باشارة من يدها , وقالت : ”
لقد تصرفت بطريقة غريبة تماما يا (بيج) . وظللت اقول للجميع انها عصبية اللحظات الاخيرة
ولكن … هل انت على ما يرام ؟ ”
تذكرت (بيج) ان والدتها سالتها نفس السؤال مرات و مرات خلال الايام القليلة الماضية ..
وبالطبع كذبت مرة اخرى , وقالت , نعم , انها بخير .
اي شيء اخر كان يمكن ان تقوله ؟ ..
فكرت في ذلك وهي تحدق بعيون غائمة في شجرة القيقب العتيقة . لم يكن باستطاعتها
ان تخبرها بالحقيقة …
لتقول لها – بنفس هدوء حديثهما – ان (كوين) ربما قد اخبر (الن) بان خطيبته
كانت .. كانت ..
احدث فنجان قهوتها الفارغ دويا و هي تضعه على المائدة .
انعكس شعاع ضئيل من ضوء الشمس على الماسة باصبعها .. خاتم (الن) ..وقبضت يدها الى
صدرها .
كان خاتم (كوين) الياقوتي الاحمر الدموي يمس جدها دافئا متدليا من سلسلة ذهبية رقيقة ..
اي حماقة جعلتها تعلقه في السلسلة و ترتديه ؟
وقع بصرها على الساعة المجاورة لفراشها , باق على الزفاف ساعات قلائل . لماذا لم
يتصل بها (الن) ؟ لا بد ان (كوين) قد اخبره ..
طوال ليلة الامس كانت مشتتة مابين الرهبة و بين الترحيب باضطرارها للاعتراف بنفاقها .. ولكن
لم يحدث شيء ..
و (كوين) .. (كوين) يكمن في خلفية الصورة بوجه يغطيه قناع من الظلام , ويراقبها
و ..
” (بيج) ” ..
حدقت في الباب وهو يفتح : ” حان وقت ان ترتدي ثيابك يا عزيزتي !
”
” هل اتصل (الن) يا امي ؟ ”
هزت (جانيت جارونز ) راسها , وقالت : ليس من المفترض ان يفعل اليس كذلك
؟ ربما سوء حظ او شيء ما ” ..
ثم فتحت خزانة الثياب , وبعناية , سحبت فستان زفاف (بيج) الطويل الذيل .. وتنهدت
قائلة : “اليس جميلا ؟”
راقبت (بيج) والدتها وهي تبسط الفستان على السرير . رات ان الزركشات الجميلة الرقيقة اليدوية
الصنع تبدو مثيرة للسخرية !
” امي لست ادري .. لكن .. ماذا تعرفين عن ((كوين) فولر) ؟ ”
هزت امها كتفيها بلا مبالاة , وقالت : ” شقيق (الن) ” ..
ثم تابعت وهي مشغولة في ترتيب الفستان فوق سريرها : ” لا اعرف الكثير فقط
ما قاله السيد (فولر) لوالدك . انه يعيش مغتربا .. في لندن على ما اظن
. يبدو انه يمثل خيبة امل كبيرة لال (فولر) .. لقد رحل من هنا في
ظروف غامضة . لكنهما , اقصد هو و (الن) لا يزالان ملتصقان في علاقتهما ببعض
.. لماذا تسالين؟ ”
ابتلعت (بيج) ريقها . وقالت : ” لا سبب محدد فقد ظننت …
و تثاقلت كلماتها ثم تابعت : ” امي . ماذا لو .. لو حدث اي
شيء و جعلني لا اتزوج (الن) ؟ ”
ابتسمت والدتها وقالت بتاوه : ” اووه .. لن يحدث اي شيء يا ابنتي ..
”
” فقط افترضي .. ماذا لو غيرت رايي ؟ هل سيزعجك ذلك ؟ ”
بعد لحظة صمت قصيرة سالتها والدتها : ” هل غيرت رايك ؟”
هزت (بيج) راسها , وقالت : ” مجرد … مجرد سؤال ” ..
اجتازت (جانيت) الحجرة و وضعت ذراعيها حول ابنتها , وقالت : ” (بيج) يا عزيزتي
.. لكل عروس شكوك اللحظة الاخيرة ” .
” اعرف , ولكن ”
تابعت عينا والدتها عينيها , و سالتها بهدوء : ” هل تريدين الحديث عن هذه
الشكوك ؟ ”
هزت (بيج) راسه مرة اخرى و همست : ” لا ” ..
قالت والدتها دون ان تترك عيناها عيني ابنتها : ” هل يقول لك قلبك بان
هذا هو كل ما في الامر ”
تلالات الدموع في عيني (بيج) , وقالت بابتسامة سريعة : ” انت ام رائعة .
هل حدث ان قلت لك ذلك من قبل ؟ ” ..
اغرورقت عينا (جانيت) ايضا . وضحكت قائلة : ” ليس كثيرا ” , ثم قبلت
وجنة (بيج) و قالت بلهجة مبتهجة : ” والان .. دعينا نلبسك فستانك , هل
لنا ان نفعل ؟ الوقت يمر سريعا ” .
رنت كلمات الام لاحقا في عقل (بيج) وهي تقف وسط حجرة صغيرة بالدور العلوي في
منزل ال(فولر).
فعلا, لقد مر الوقت سريعا .. ترامت الى مسامعها الاصوات المبكرة لمهرجان الزفاف من ناحية
الدرج الخلفي :
همهمة الحديث بين متعهد الاطعمة ومعاونيه ..
صلصلة الاواني الفضية ..
نغمات خافتة من موسيقى (فيفا ليدي) ..
في اقل من ساعة سيمتلئ المنزل بالناس .. وستتحرك هي ببطء , هابطة الدرج الرئيسي
المزين بالورود .. فوق السجادة الطويلة الضيقة ذات اللونين القرنفلي والابيض .. والتي تمتد فوق
بساط الاوبوسون الجميل ….. وبجوارها (الن) ..
ولكن قد لا يحدث اي شيء من هذا .. في اي لحظة سيفتح الباب وسيواجهها
(الن) ..
(الن) و (كوين) ..
وهاهي بمفردها .. ومستعدة ..
لن يكون هناك متفرجين على عارها ..
لقد صرفت امها بقولها : ” اذهبي لترين ضيوفنا .. انت تعرفين السيدة (فولر) ..
ستبتلعهم احياء لو لم تكوني هناك ! ”
بدا والدها متحمسا لتركها , وقال تعليقه بطريقة كئيبة و ثقيلة : ” انت تبدين
رائعة ” .. لدرجة رسمت الابتسامة الوحيدة على وجه (بيج) على مدى اليوم كله ..
نظرت (بيج) الى ساعتها .. و احست بلحظة رعب , هل يمكن ل (كوين) ان
يكون قد غير رايه ؟! ..
هل قرر الا يخبر (الن) باي شيء ؟! ..
هل تبقى اقل من ساعة تصبح زوجة لرجل لا تحبه .. رجل لا تستحقه ؟!
لا .. هذا مستحيل .. لقد رات النظرة التي ارتسمت على وجه (كوين) لحظتها ..
لقد كرهها و احب اخاه .. لق ….
فتح الباب وصفق بشدة …
هل هو (الن) ؟ …
استدارت (بيج) الى الباب خافقة القلب . . و احست بالدماء تهرب من وجهها ..
لم يكن (الن) ..
لقد كان (كوين) .. وبمفرده ! ..
همست في هلع : ماذا تفعل هنا ؟ اين (الن) ؟! .. ”
” انفرجت شفتاه كاشفة عن اسنانه,وقال بهدوء : ” ياله من اسلوب ساحر لتحية شقيق
زوجك !”
كانت عيناه تمسحان جسدها بوقاحة : ” انت تبدين جميلة حلوة يا جولييت . شديدة
الصفاء و البراءة .. ”
احست (بيج) بالحرارة تلتهب في وجهها .. هل هناك طريقة للهرب من نظرة الاشمئزاز في
عينيه .. لا بد لها ان تجد طريقة .. غير انها لم تستطع ان تفعل
سوى ان تنصب قامتها و تدفع نفسها لملاقاة نظرته دون اجفال .
” هل ارسلك (الن) ؟ .. هل هو .. هل هو .. ”
غربت الابتسامة من وجهه , وقال : ” هو لا يعرف انني هنا .. انه
لا يعرف اي شيء يا (بيج) .. انت خدعت اخي الاصغر .. ”
” تقصد … انك لم تخبره ؟ .. لكن ..
قال (كوين) بصوت اجش : ” لن يصدقني (الن) اذا اخبرته انك مومس بابل حتى
… يعلم الله , انني حاولت .. لقد اخذته لتناول الشراب بعد انصراف الجميع بالامس
.. لقد بالغت و اخبرته انه يرتكب خطا كبيرا .. غير انه ضحك و لطمني
على ظهري وقال انه توقع ان احاول ان اقنعه بالعدول عن الزواج .. وعندما قلت
له انني لا اظنك ملائمة له , ضحك مرة اخرى وقال انني فقط اشعر بالغيرة
من حظه الطيب ” .
اكفهر وجهه و خفت صوته حتى اصبح همسا , و اضاف : ” انت لا
تعرفين كم لزمني من الجهد كي امتنع عن اخباره بان حظه هذا كان يمكن لاي
فرد ان يناله في المكان والوقت الملائمين ”
اصابها الاتهام في صميم قلبها , و همست : ” غير صحيح .. ما فعلته
معك …
لوى شفتيه احتقارا وقال : ” تذكري اني كنت هناك , هل كان جلدك يؤلمك
وكنت بحاجة لمن يحكه لك ؟ اهذا كل ما في الامر ؟! ” ..
شحب وجه (بيج) بينما تابع هو ساخرا : ” ما ذا هناك يا طفلتي ؟
اهذا شيء بذيء جدا لاذنك الرقيقة ؟ ” …
” لا يمكنك ان تتحدث لي بمثل هذا .. انت …
تحرك اتجاهها في تصميم حاد لدرجة انها تراجعت . ولكن لم يكن هناك مهرب !
.. حتى اصطدم كتفاها بالحائط في نفس اللحظة التي اطبقت فيها يداه على ذراعيها …
” ما الذي اوصلك لهذا (بيج) ؟ هل هي اسابيع من تمثيل البراءة على (الن)
؟ اظن ان ذلك لم يكن صعبا .. انه لم يثيرك , اليس كذلك ؟
لقد قلت لي ذلك صراحة .. ”
ترقرقت الدموع في عينيها و هي تقول له في خضوع : ” (كوين) ارجوك ..
لم يكن الامر بهذه الصورة …
جذبها اليه قائلا : ” اكنت انا من اثارك يا (بيج) ؟ ام استحوذت عليك
فكرة ان ياخذك رجل غريب ؟ ”
” ارجوك يا (كوين) .. اتوسل اليك ..
حدق فيها للحظة طويلة .. ثم دفعها عنه و تمتم .. ” يا الهي ,
انت بارعة فيما تفعلين .. لا عجب ان سقط (الن) تحت تاثيرك .. ذلك اللقيط
التعس ”
هزت (بيج) راسها , وقالت : ” انا لم اكذب على (الن) البتة .. لقد
اخبرته ان …
هز (كوين) راسه غير مصدق , وقال : ” ذلك الهراء المضلل الذي اضطررت للاصغاء
اليه ليلة الامس .. انا فهمتك الان سريعا , و اصبحت منه في ثقة الجحيم
يا جولييت . كل ما كان عليك ان مثلت الخجل .. و طرفت هذه الاهداب
الطويلة .. وقلت (لا) كلما حاول ان يمد يده اليك , وبذلك كان عرض الزواج
قد ضمن تقريبا ”
” لم اكن كذلك يا (كوين) .. لقد اخبرته مرارا بانني لا احبه ”
ضحك ساخرا , وقال : ” يالها من لمسة بارعة .. لقد كاد يذوب خجلا
عندما اخبرني انه كان يزمع تعليمك بعض الاسرار ” ..
و ثنى راسه تجاهها .. والكراهية تملئ عينيه .. و زمجر قائلا :
” لابد ان (الن) كان هبة من السماء .. فرصتك في زوج غني … و
عقد تامين لوالدك , كل ذلك في ضربة واحدة محكمة ”
تارجحت نظراتها المحدقة على وجهه , وقالت مندهشة :
” عن اي شيء تتحدث؟ ما دخل والدي بهذا ؟ ”
” لا تجربي هذه التمثيلية معي يا طفلتي . لن تجدي نفعا معي .. فانا
اعرف كل شيء ”
” و انا لا اعرف اي شيء .. حتى اني لا اعرف ما تتحدث عنه
يا (كوين) .. والدي ….
” لابد ان اعترف .. انتي ورجلك العجوز كنتما ماهرين .. لم يشك (الن) مطلقا
انكما كنتما تستغفلانه ”
تركها (كوين) و مشي ببطء عبر الحجرة . وقال :
” يا الهي , لقد حدثني عن مدى الامتنان الذي يكنه تجاه والدك .. وكيف
انه كان بحاجة على صهر عندما بدات انت و هو تخرجان معا , وكيف انه
لجا الى والدك ”
” ان والدي يحب (الن) .. انه …
دار على عقبيه , و واجهها صارخا : ” لا تكذبي علي ايتها اللعينة ”
التقطت انفاسها بسرعة عندما بدا يتحرك اتجاهها ببطء مرة اخرى . وقال : ” فكرة
من هذه يا جولييت ؟ فكرتك ام فكرة ابيك ؟ ”
انا لا اعرف ما تتحدث عنه !! ”
كان فمها جافا من الخوف …
” اللعنة .. لكنه كان ماهرا .. القاك والدك في طريقه , ثم لعبت انت
بجد لتنجحي .. و انزلق الغبي في الشرك تدريجيا ” ..
و مد يده فجاة و قبض على كتفيها , وتابع :
” وعندما وقع في الفخ .. تم حل المشكلة ببراعة لفريق الاب (جارونز) و ابنته
” .
قالت بكراهية : ” انت مجنون يا (كوين) اريدك ان تخرج من هذه الغرفة الان
”
تجاهلها و تابع : ” المشكلة الاولى :ماذا تفعل مع ابنة اقامت بعيدا بعض الشيء
؟ المشكلة الثانية: ماذا تفعل عندما تغوص يدك في خزانة النقود حتى مرفقك ؟ ما
الحل؟ الامر بسيط … تغلف بضاعتك التي فقدت بريقها بغطاء انيق من الطلاء .. وتزوجها
للرجل الذي كنت تسرقه , من الذي سيطالب بتوقيع عقوبات جنائية على احد اقاربه ؟
”
حدقت (بيج) فيه كما لو كان يتحدث بلغة بربرية , وقالت :
” عقوبات جنائية ؟! عن اي شيء تتحدث ؟!! ”
قال بلهجة حادة : ” انا اتحدث عن والدك انه لص حلت عليه لعنة السماء
”
قالت غير مصدقة : ” ابي ؟!! … انظر , قل ما تشاء عني يا
(كوين) .. انا اعرف ما تظنه بي ولا استطيع … لا استطيع ان الومك ..
و لكن والدي؟ لقد كان والدي كبير المحاسبين بمؤسسة (فولر) لسنوات . انه …
” لقد كان يسرق مؤسسة (فولر) لسنوات ”
ردت بسرعة : ” انت كاذب ” ..
كان صوتها حادا وغاضبا .. و اضافت : ” انت لا تعرف اي شيء عنه
.. ولا تعرف اي شيء عن مؤسسة (فولر) ايضا .. لقد هربت من عائلتك ومن
مسؤولياتك .. ”
اشتدت قبضة يده عليها حتى اخذت انفاسها صوت الفحيح بين اسنانها .. التوت محاولة الفكاك
منه , وقالت : ” انت تؤذيني .. دعني اللعنة , دعني و الا سوف
…
رفع يديه عنها بحذر زائد , وقال : ” و الا ماذا ؟ ” وضحك
قائلا :
” ستطلبين النجدة ؟ هل سترسلين في طلب الشرطة , سيكون شيئا مضحكا , اليس
كذلك ؟ ابنة المختلس و الشرطة ! ”
اجتذبت (بيج) نفسا قصيرا قبل ان تقول : ” مختلس ؟!! ”
” ما الامر يا (بيج)؟ هل ترين ان الكلمة قاسية جدا ؟ .. هذا ما
كان يفعله ابوك .. الجحيم .. لابد وانك تعرفين القصة افضل مني .. خذ قليلا
من هنا و قليلا من هناك .. هذا الحساب و تلك الحسابات المعلقة و بالطبع
, وباسلوب لا يشك فيه اي فرد على الاطلاق .. من سيمسك بك ؟ و
خاصة اذا كنت انت الرجل المسئول ؟ ”
قالت بسرعة : ” هذا مستحيل .. لو فعل ذلك اي انسان فلابد ان يعرف
(الن) و والده .. من انت .. متى تاتي من لا مكان و تدعي هذه
المزاعم !! ”
تلاشت ابتسامة (كوين) الساخرة . وفجاة بدت الحجرة باردة ..
” انا امتلك مؤسسة استشارية يا (بيج) . الم يخبرك (الن) ؟ مؤسسة كومبيوتر ,
اجهزة و برامج .. وتخصصي هو عمل النظم المحاسبية لمؤسسات مثل مؤسسة (فولر) ..”
وعادت الابتسامة مرة اخرى سريعة و باردة : ” عندما علم والدي بعودتي لحضور زفاف
(الن) , رمى لي بعظمه , قال (لدي ما يمكنك عمله لقسم السجلات بمؤسستنا) ..
ربما لم يتوقع الكثير .. لقد امضيت الايام القلائل الماضية اضع برنامج كومبيوتر ينقل مؤسستهم
من عصور الظلمة الى القرن الواحد و العشرين ” .
حدقت فيه (بيج) . لم تفهم ايا مما قاله , وقالت : ” ولكن ..
(الن) قال انك ربما لا تصل حتى …
” كان شديد الانشغال بكونه عريسا لدرجة انه لم يعرف بما يحدث .. لقد جئت
بالطائرة عشية الحفلة التنكرية الراقصة .. بالطبع لم يرني في تلك الليلة . ولم يرني
اي انسان .. وشكرا على تعذيبك المحدود لرغباتي على الشاطئ ” .
تخضب وجهها بالدماء و وضعت يدها على حلقها وهي تقول له خافضة النظرات : ”
لم يكن الامر كذلك ابدا .. انت يا (كوين) …
تجاهل مقاطعتها واكمل كلامه : ” منذ ذلك الحين .. امضيت تلك الايام اضع فيها
برنامج الكومبيوتر .. واكتشفت خطة والدك اول امس ” ..
و ارتسمت على شفتيه ابتسامه بسيطة وهو يقول : ” هل تريدين سماع نكتة حقيقية
؟ عندما ادركت ان .. والد ((بيج) جارونز) .. حاولت فيما يشبه الجنون ان اجد
طريقة لدفن ما وجدته .. لم ارد ان يعلم (الن) و عروسه الجميلة ان والدها
مختلس .. ليس قبل الزفاف مباشرة ”
و حدق فيها قائلا : ” اذا كنت لا تصدقينني , فابحثي عن والدك ,
و اساليه عما يسمى حساب (ميلينك) , و انظري لرد فعله ” .
كان كل شيء يقوله (كوين) يعد كثيرا على (بيج) المذهولة .. لا بد ان خطا
ما يتعلق بشان والدها مثلما (كوين) على خطا بشانها .. لابد ان يكون على خطا
.. والدها لص ؟؟ .. مستحيل .. لا يمكن ان يسرق …
(لا مغامرة يعني لا ربح) .
اقشعر جلدها .. كما لو كانت الاشباح التي تمخضت عن اتهامات (كوين) لها و لوالدها
تحتك بها ..
لقد تصادف اكثر من مرة ان استمعت في طفولتها لشجار بين والديها بعد منتصف الليل
. كان ذلك دائما لنفس السبب : تصميم والدها على عمل ربح كبير على نحو
مفاجئ و سريع . كانت والدتها تقول انه يطارد ذهبا وهميا .. ثم ينتهي الامر
بان يعم الاسرة صمت بارد لايام ..
ماذا لو خرجت خطط والدها من يده ؟ ماذا لو ان غرابة الاطوار اصبحت ادمانا
؟ …
تتابعت ذكريات الشهور الاخيرة تتداعى خلال عقلها .. فكرت في الطريقة التي القاها بها والدها
في طريق (الن) .. لم يترك ادعاء الا و اتى به . . ثم كانت
هناك التعليقات البغيضة المبهمة التي كان يلقيها خلال الاسابيع الماضية عن ال (فولر) و اموالهم
.. وتوقفت لتتذكر انه كان يتصرف بطريقة غريبة منذ عودتها الى المنزل ..
(كل ما في الامر انني اردت الافضل لنا جميعا)
الم يكن هذا ما قاله والدها غي تلك الليلة ؟ .. وقتها ضحكت واغاظته بسخريتها
من اختياره للكلمات . هل كانت زلة لسان ؟ هل كان تعبيرا عن ارتياحه اذ
سيرتبط مع ال (فولر) , ويحتمي بالزواج من حمل العار على الملا ؟ وربما هو
اسوا من ذلك ؟ …
عرفت فجاة انه من المستحيل البعيد ان يكذب (كوين) .. ان ما قاله لها كان
الحقيقة .. ملاها الرعب ..
- رجل خلف القناع روتيه
- روايات عبير رجل خلف قناع
- رواية رجل خلف القناع
- رواية ذو القناع الجلدي
- رواية انزلق شفتيه
- تحميل رواية رجل خلف قناع
- رجل خلف القناع روايات عبير
- رجل خال يغني صوته روعه لا تعترف
- تحميل رواية ماسة وشيطان
- رواية مترجمة خلف قناع الغيرة