عن انس بن ما لك رضى عنه ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول قال الله تعالى يابن ادم ، انك ما دعوتنى و رجوتنى غفرت لك على ما كان منك و لا ابالى ، يا ابن ادم ، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ، ثم استغفرتنى ، غفرت لك ، يا ابن ادم ، انك لو اتيتنى بقراب الارض خطايا ، ثم لقيتنى لا تشرك بى شيئا ، لاتيتك بقرابها مغفره . رواه الترمذى و قال حديث حسن .
هذا الحديث تفرد به الترمذى خرجه من طريق كثير بن فائد ، حدثنا سعيد بن عبيد ، سمعت بكر بن عبدالله المزنى يقول حدثنا انس ، فذكره ، و قال حسن غريب ، لا نعرفه الا من هذا الوجه . انتهي . و اسناده لا باس به ، و سعيد بن عبيد هو الهنائى ، قال ابو حاتم شيخ . و ذكره ابن حبان في ” الثقات ” ، و من زعم انه غير الهنائى ، فقد و هم ، و قال الدارقطنى تفرد به كثير بن فائد ، عن سعيد مرفوعا ، و رواه سلم بن قتيبه ، عن سعيد بن عبيد ، فوقفه على انس . قلت قد روى عنه مرفوعا و موقوفا ، و تابعه على رفعهابو سعيد ايضا مولي بنى هاشم ، فرواه عن سعيد بن عبيد مرفوعا ايضا ، و قد روى ايضا من حديث ثابت ، عن انس مرفوعا ، و لكن قالابو حاتم هو منكر . و قد روى ايضا من حديث ابى ذر خرجه الامام احمد من روايه شهر بن [ ص: 401 ] حوشب ، عن معديكرب ، عنابى ذر ، عن النبى صلى الله عليه و سلم يرويه عن ربه عز و جل فذكره بمعناه ، و رواه بعضهم عن شهر ، عن عبدالرحمن بن غنم ، عن ابى ذر و قيل عن شهر ، عن ام الدرداء ، عن ابى الدرداء ، عن النبى صلى الله عليه و سلم ، و لا يصح هذا القول . و روى من حديثابن عباس خرجه الطبرانى من روايه قيس بن الربيع ، عن حبيب بن ابى ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبى صلى الله عليه و سلم . و روى بعضه من وجوه اخر ، فخرج مسلم في ” صحيحه ” من حديث المعرور بن سويد ، عن ابى ذر ، عن النبى صلى الله عليه و سلم ، قال يقول الله تعالى من تقرب منى شبرا تقربت منه ذراعا ، و من تقرب منى ذراعا ، تقربت منه باعا ، و من اتانى يمشى ، اتيته هروله ، و من لقينى بقراب الارض خطيئه لا يشرك بى شيئا لقيته بقرابها مغفره . و خرج الامام احمد من روايه اخشن السدوسى ، قال دخلت على انس [ ص: 402 ] فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول و الذى نفسى بيده ، لو اخطاتم حتى تملا خطاياكم ما بين السماء و الارض ، ثم استغفرتم الله ، لغفر لكم . فقد تضمن حديث انس المبدوء بذكره ان هذه الاسباب الثلاثه يحصل بها المغفره احدها الدعاء مع الرجاء ، فان الدعاء ما مور به ، و موعود عليه بالاجابه ، كما قال تعالى و قال ربكم ادعونى استجب لكم [ غافر 60 ] . و في ” السنن الاربعه ” عن النعمان بن بشير ، عن النبى صلى الله عليه و سلم ، قال ان الدعاء هو العباده ثم تلا هذه الايه . و في حديث اخر خرجه الطبرانى مرفوعا من اعطى الدعاء ، اعطى الاجابه ، لان الله تعالى يقول ادعونى استجب لكم . و في حديث اخر ما كان الله ليفتح على عبد باب الدعاء ، و يغلق عنه باب الاجابه . لكن الدعاء سبب مقتض للاجابه مع استكمال شرائطه ، و انتفاء موانعه ، و قد تتخلف اجابته ، لانتفاء بعض شروطه ، او وجود بعض موانعه ، و قد سبق ذكر [ ص: 403 ] بعض شرائطه و موانعه و ادابه في شرح الحديث العاشر . و من اعظم شرائطه حضور القلب ، و رجاء الاجابه من الله تعالى ، كما خرجه الترمذى من حديث ابى هريره عن النبى صلى الله عليه و سلم ، قال ادعوا الله و انتم موقنون بالاجابه ، فان الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه . و في ” المسند ” عن عبدالله بن عمرو ، عن النبى صلى الله عليه و سلم ، قال ان هذه القلوب اوعيه ، فبعضها اوعي من بعض ، فاذا سالتم الله ، فاسالوه و انتم موقنون بالاجابه ، فان الله لا يستجيب لعبد دعاء من ظهر قلب غافل . و لهذا نهى العبد ان يقول في دعائه اللهم اغفر لى ان شئت ، و لكن ليعزم المساله ، فان الله لا مكره له . و نهى ان يستعجل ، و يترك الدعاء لاستبطاء الاجابه ، وجعل ذلك من موانع الاجابه حتى لا يقطع العبد رجاءه من اجابه دعائه و لو طالت المده ، فانه سبحانه يحب الملحين في الدعاء . و جاء في الاثار ان العبد اذا دعا ربه و هو يحبه ، قال يا جبريل ، لا تعجل بقضاء حاجه عبدى ، فانى احب ان اسمع صوته ، و قال تعالى و ادعوه خوفا و طمعا ان رحمت الله قريب من المحسنين [ الاعراف 56 ] . [ ص: 404 ] فما دام العبد يلح في الدعاء ، و يطمع في الاجابه من غير قطع الرجاء ، فهو قريب من الاجابه ، و من ادمن قرع الباب ، يوشك ان يفتح له . و في ” صحيح الحاكم ” عن انس مرفوعا لا تعجزوا عن الدعاء ، فانه لن يهلك مع الدعاء احد .