حكم الزواج:
الزواج لا ياخذ حكما واحدا في جميع الحالات، بل يختلف حكمه باختلاف احوال الناس، لان
منهم القادر على تكاليفه والعاجز عنها، وفيهم من يحسن العشرة الزوجية ومن لا يحسنها، كما
ان منهم من اعتدل مزاجه فلا يخشى على نفسه الوقوع في الفاحشة، ومنهم من لا
يستطيع ضبط نفسه عنها اذا لم يتزوج، وتبعا لهذا الاختلاف يختلف حكمه فتعدد احكامه.
فتارة يكون مطلوبا محتما فيكون فرضا يثاب فاعله ويعاقب تاركه، واخرى يكون مطلوبا طلبا غير
محتم فيكون مندوبا اليه فيثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، وطورا يكون ممنوعا منعا
باتا فيكون حراما يعاقب عليه عقابا شديدا، وتارة يكون مكروها يعاقب فاعله عقابا اقل من
عقاب الحرام.
والاصل في الانسان ان يكون معتدلا، بمعنى ان يكون قادرا على تكاليف الزواج واثقا من
نفسه انه يؤدي حقوق دون جور او ظلم ولا يخشى على نفسه الوقوع في الفاحشة
اذا لم يتزوج.
لذلك جعل الفقهاء حالة الاعتدال هي الاصل في الزواج، واختلفوا في حكمها على اقوال.
ذهب الحنابلة في رواية عن الامام احمد: انه فرض عين.
وذهب بعض الفقهاء الحنفية الى انه فرض كفاية، فان فعله البعض سقط الاثم عن الاخرين.
وذهب بعض الشافعية الى انه مباح كالاكل والشرب.
وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية ووافقهم الحنابلة في المشهور عندهم وبعض الشافعية الى انه
سنة مندوب اليه، لان القران امر به، وحض عليه رسول الله في اكثر من حديث.
وقد يعرض للزواج ما يجعله فرضا او واجبا او حراما او مكروها.
فيكون فرضا: فيما اذا كان الشخص قادرا على تكاليف الزواج واثقا من نفسه ان يعدل
مع زوجته ولا يلحق بها الضرر، ويتيقن انه لو لم يتزوج وقع في الفاحشة ولا
يستطيع التحرز عنها باي وسيلة، لان ترك الزنى مفروض عليه والمانع من وقوعه فيه هو
التزوج فيكون وسيلة الى الفرض. ومن المقرر ان ما لا يتوصل الى الفرض الا به
يكون فرضا.
فالزواج في هذه الحالة فرض لا لذاته، بل لانه وسيلة الى ترك الحرام، فاذا لم
يتزوج كان اثما مستحقا للعقاب وهذا في حق الرجل.
اما المراة فانه يفرض عليها الزواج اذا عجزت عن اكتساب قوتها وليس لها من ينفق
عليها، وكانت عرضة لمطامع اهل الفساد فيها ولا تستطيع ان تصون نفسها الا بالزواج.
ويكون واجبا: فيما اذا كان قادرا واثقا من العدل وخاف الوقوع في الفاحشة اذا لم
يتزوج خوفا لا يصل الى درجة اليقين، فاذا لم يتزوج كان اثما مستحقا للعقاب لكنه
اقل من العقاب في الحالة السابقة.
وقد يكون حراما: اذا كان الشخص غير قادر على التكاليف او كان قادرا عليها لكنه
يقطع بانه يظلم زوجته اذا تزوج سواء كان ظلمها بالايذاء او بعدم القدرة على المخالطة
الجنسية. وذلك لان الظلم حرام فما يكون طريقا اليه ياخذ حكمه غير ان حرمته لا
لذاته.
ويكون مكروها: اذا خاف الوقوع في الظلم ان تزوج اما لعجزه عن الانفاق او اساءة
العشرة لشذوذ في خلقه او عدم قدرته على المخالطة الجنسية، فاذا خاف الوقوع في واحدة
من ذلك كره له التزويج كراهة تحريم ان تنزيه حسبما يخشاه من انواع الظلم.
بقيت حالة اخيرة يتعارض فيها ما يجعل الزواج فرضا وما يجعله حراما. وهي ما اذا
كان يقطع بالوقوع في الفاحشة ان لم يتزوج كما يقطع بظلم الزوجة ان تزوج.
وهذه الحالة يقرر الفقهاء فيها انه لا يتزوج دفعا للظلم، لانه العلاج المتعين لذلك لقوله
تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله)، وليس معنى هذا انه
يباح له الزنى، بل الزنى حرام لا يباح في حال من الاحوال.
وعليه بعد ان يترك الزواج ان يقاوم كلا المحظورين، فيحارب شهوته بشتى الوسائل ليتغلب عليها،
ويقوم نفسه ليخلصها من رذيلة ظلم الغير. وما يجده سهلا عليه يسير على ما يقتضيه،
فان سهل عليه محاربة الشهوة دون الاخرى بقي على كفه عن التزويج، وان استعصى عليه
محاربة الشهوة ووجد من نفسه ميلا الى ترك الظلم تزوج.
السؤال :
هل يجب على الرجال ان يتزوجوا ؟
الجواب:
الحمد لله
حكم الزواج بالنسبة للرجال يختلف باختلاف اوضاعهم واحوالهم ، ويجب الزواج على من قدر عليه
وتاقت اليه نفسه وخشي العنت ؛ لان صيانة النفس واعفافها عن الحرام واجب ، ولا
يتم ذلك الا بالزواج .
قال القرطبي : المستطيع الذي يخاف الضرر على نفسه ودينه من العزوبة لا يرتفع عنه
ذلك الا بالتزوج ، لا يختلف في وجوب التزويج عليه .
وقال المرداوي رحمه الله في كتابه الانصاف : القسم الثالث : من خاف العنت .
فالنكاح في حق هذا : واجب . قولا واحدا .. ” العنت ” هنا :
هو الزنا . على الصحيح . وقيل : هو الهلاك بالزنا . .. الثاني :
مراده بقوله ” الا ان يخاف على نفسه مواقعة المحظور ” اذا علم وقوع ذلك
او ظنه . وقال في الفروع : ويتوجه اذا علم وقوعه فقط . الانصاف ج8
: كتاب النكاح : احكام النكاح
فان تاقت نفسه اليه وعجز عن الانفاق على الزوجة فانه يسعه قول الله تعالى :
” وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ”
وليكثر من الصيام ، لما رواه الجماعة عن ابن مسعود رضي الله عنه ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : ” يا معشر الشباب ، من استطاع منكم
الباءة فليتزوج ، فانه اغض للبصر ، واحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم
، فانه له وجاء ” .
وقال عمر لابي الزوائد : انما يمنعك من التزوج عجز او فجور .
انظر : فقه السنة 2/15-18
ويجب النكاح على من يعصي ولو بالنظر او التقبيل لو بقي بلا زواج ، فاذا
كان الرجل او المراة يعلم او يغلب في ظنه انه ان لم يتزوج ارتكب الزنى
او ما في حكمه او ما يقرب منه كنكاح يده وجب عليه الزواج , ولا
يسقط وجوب النكاح على من عرف من نفسه انه لا يترك المحظور ولو تزوج لانه
مع الزواج يكون اقل عصيانا لانه يشغل عن المحظور ولو احيانا بخلاف ما اذا كان
متعزبا فهو متفرغ للمعصية في جميع حالاته .
والناظر في حال عصرنا وما فيه من الوان الفجور وانواع الاغراءات يقتنع بان الوجوب في
عصرنا هذا اشد واقوى من اي عصر مضى ، نسال الله ان يطهر قلوبنا ويباعد
بيننا وبين الحرام ويرزقنا العفة والعفاف وصلى الله على نبينا محمد .