اخراج الصلاة عن وقتها يحبط الاعمال
جاء الوعيد الشديد فيمن ترك صلاة العصر متعمدا حتى خرج وقتها ، فقد روى البخاري (553) عن بريدة بن الحصيب الاسلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من ترك صلاة العصر ، فقد حبط عمله ) ، وروى الامام احمد في مسنده (26946) عن ابي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من ترك صلاة العصر متعمدا ، حتى تفوته ، فقد احبط عمله ) ، وصححه الشيخ الالباني رحمه الله في “صحيح الترغيب والترهيب” .
قال شيخ الاسلام رحمه الله : ” تفويت العصر اعظم من تفويت غيرها ، فانها الصلاة الوسطى المخصوصة بالامر بالمحافظة عليها ، وهى التي فرضت على من كان قبلنا ، فضيعوها ” انتهى من “مجموع فتاوى شيخ الاسلام” (22/54) .
ثانيا :
اختلف العلماء رحمهم الله في الوعيد الوارد فيمن ترك صلاة العصر ، هل هو على ظاهره ، او لا ؟ على قولين :
القول الاول : انه على ظاهره ، فيكفر من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى خرج وقتها ، وهو اختيار اسحاق بن راهويه ، واختاره من المتاخرين الشيخ ابن باز رحمهما الله .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : ” صلاة العصر امرها عظيم ، وهي الصلاة الوسطى ، وهي افضل الصلوات الخمس ، قال الله جل وعلا : (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) ، فخصها بالذكر زيادة ، فالواجب على كل مسلم وكل مسلمة ان يعتني بها اكثر ، وان يحافظ عليها ، ويجب عليه ان يحافظ على جميع الصلوات الخمس بطهارتها والطمانينة فيها وغير ذلك ، وان يعتني بها في الجماعة الرجل ، وخصها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله صلى الله عليه وسلم : (من ترك صلاة العصر حبط عمله) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (من فاتته صلاة العصر ، فكانما وتر اهله وماله ) ، يعني : سلب اهله وماله ، وهذا يدل على عظمة شانها ، والصواب ان من ترك بقية الصلوات يحبط عمله ايضا ؛ لانه قد كفر ، على الصحيح ، لكن تخصيص النبي بذكر صلاة العصر يدل على مزية عظيمة ، والا فالحكم واحد ، من ترك الظهر او المغرب او العشاء او الفجر تعمدا بطل عمله ؛ لانه يكفر بذلك ، لا بد ان يحافظ على الصلوات الخمس كلها ، فمن ترك واحدة ، فكانما ترك الجميع ، فلا بد من المحافظة على الصلوات الخمس جميعا في اوقاتها من الرجل والمراة ، ولكن صلاة العصر لها مزية عظمى في شدة العقوبة وشدة الاثم ، وفي عظم الاجر لمن حافظ عليها واستقام عليها مع بقية الصلوات ” انتهى من “فتاوى نور على الدرب” .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : – عند شرحه لحديث (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله ) – : ” من فضائل صلاة العصر خاصة ان من تركها فقد حبط عمله لانها عظيمة ، وقد استدل بهذا بعض العلماء على ان من ترك صلاة العصر كفر ؛ لانه لا يحبط الاعمال الا الردة ، كما قال تعالى : (ولو اشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) ، وقال تعالى : (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ) ، فيقول بعض العلماء : صلاة العصر خاصة ، من تركها فقد كفر ، وكذلك من ترك بقية الصلوات عموما فقد كفر ، وهذا القول ليس ببعيد من الصواب ” انتهى من “شرح رياض الصالحين” .
القول الثاني : ان الوعيد الوارد في صلاة العصر ليس على ظاهره ، واختلف اصحاب هذا القول في توجيه الحديث على اقوال ؛ منها : ان الحديث محمول على من تركها استحلالا .
ومنهم من راى ان الحبوط خاص بالصلاة نفسها ، فمن ترك صلاة العصر حتى خرج وقتها ، فانه لا يحصل على اجر من صلاها في وقتها ، فيكون المراد بالعمل الذي حبط في الحديث الصلاة .
قال ابن بطال رحمه الله : ” باب من ترك العصر ، وفيه : بريدة : انه قال في يوم ذي غيم : ( بكروا بصلاة العصر ، فان نبي الله قال : من ترك صلاة العصر ، فقد حبط عمله ) . قال المهلب : معناه من تركها مضيعا لها ، متهاونا بفضل وقتها مع قدرته على ادائها ، فحبط عمله فى الصلاة خاصة ، اى لا يحصل على اجر المصلى فى وقتها ، ولا يكون له عمل ترفعه الملائكة ” انتهى من “شرح صحيح البخاري لابن بطال” (2/176) .
وقد ذكر ابن حجر رحمه الله اقوالا كثيرة في تاويل معنى الحديث – عند شرحه للحديث – ، فقال رحمه الله : ” وتمسك بظاهر الحديث ايضا الحنابلة ، ومن قال بقولهم من ان تارك الصلاة يكفر ، واما الجمهور فتاولوا الحديث , فافترقوا في تاويله فرقا .
فمنهم من اول سبب الترك , ومنهم من اول الحبط , ومنهم من اول العمل فقيل : المراد من تركها جاحدا لوجوبها , وقيل المراد من تركها متكاسلا ، لكن خرج الوعيد مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد ، كقوله “لا يزني الزاني وهو مؤمن ” ، وقيل المراد بالحبط نقصان العمل في ذلك الوقت الذي ترفع فيه الاعمال الى الله , فكان المراد بالعمل الصلاة خاصة , اي لا يحصل على اجر من صلى العصر ولا يرتفع له عملها حينئذ , وقيل المراد بالعمل في الحديث عمل الدنيا الذي يسبب الاشتغال به ترك الصلاة , بمعنى انه لا ينتفع به ولا يتمتع , واقرب هذه التاويلات قول من قال : ان ذلك خرج مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد , والله اعلم ” انتهى من “شرح البخاري” (2/31) .
والذي يترجح والله اعلم ان تارك صلاة العصر ، لا يخلو :
1. اما ان يترك الصلاة بالكلية ، بحيث لا يصلي مطلقا ، فهذا كافر ، وعمله حابط ؛ لكفره .
2. اما ان يترك الصلاة احيانا ، بحيث يصلي احيانا ، ويترك احيانا اخرى ، فهذا لا يكفر ، وان كان يحبط عمل اليوم الذي ترك فيه صلاة العصر .
قال ابن القيم رحمه الله : ” وقد تكلم قوم في معنى هذا الحديث ( اي : من ترك صلاة العصر … الحديث ) ، فاتوا بما لا حاصل له .
قال المهلب معناه : من تركها مضيعا لها متهاونا بفضل وقتها ، مع قدرته على ادائها حبط عمله في الصلاة خاصة ، اي : لا يحصل له اجر المصلي في وقتها , ولا يكون له عمل ترفعه الملائكة ، وحاصل هذا القول : ان من تركها فاته اجرها ، ولفظ الحديث ومعناه يابى ذلك ، ولا يفيد [ يعني: على هذا التاويل ] حبوط عمل قد ثبت وفعل , وهذا حقيقة الحبوط في اللغة والشرع ، فلا يقال لمن فاته ثواب عمل من الاعمال انه قد حبط عمله ، وانما يقال فاته اجر ذلك العمل .
وقالت طائفة : يحبط عمل ذلك اليوم لا جميع عمله ، فكانهم استصعبوا حبوط الاعمال الماضية كلها بترك صلاة واحدة ، وتركها عندهم ليس بردة تحبط الاعمال ، فهذا الذي استشكله هؤلاء هو وارد عليهم بعينه في حبوط عمل ذلك اليوم .
والذي يظهر في الحديث والله اعلم بمراد رسوله : ان الترك نوعان : ترك كلي لا يصليها ابدا ، فهذا يحبط العمل جميعه ، وترك معين في يوم معين ، فهذا يحبط عمل ذلك اليوم ؛ فالحبوط العام في مقابلة الترك العام , والحبوط المعين في مقابلة الترك المعين ” انتهى من ” الصلاة واحكام تاركها” (ص/65) .