يقول العالم فترلنك في كتابه ( حياة النحلة ) :
” لو ان احدا من عالم اخر هبط الى الارض وسال عن اكمل ما ابدعه منطق الحياة ، لما وسعنا الا ان نعرض عليه مشط الشمع المتواضع الذي يبنيه النحل ” .
ويقول كريس موريسون – رئيس اكاديمية العلوم بنيويورك – بعد ان يستعرض وظائف الملكة والعاملات في خلية النحل ” لا بد ان يكون هناك خالقا ارشدها الى كل تلك الاعمال العظيمة التي تقوم بها باتقان بديع ” .
وفي حياة النحل اسرار عجيبة اكتشف الانسان في العصر الحديث بعضا منها ، ومازال هناك الكثير من تلك الاسرار التي اودعها الله في ذلك الكائن الحي الذي اوحي اليه .
قال تعالى :
” واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس ان في ذلك لاية لقوم يتفكرون ” ( سورة النحل : اية 68 – 69 )
ورايت في رحلة البحث في موضوع النحل والعسل لفتات تجعل المرء يسرح في عالم اخر فيه ملكة وعاملات .. وفيه نظام وانضباط .. وفيه تناغم واتساق .. وكلها مظاهر من عظمة الخالق المبدع الذي جعل من امة النحل مثالا يحتذى به في التعاون والنظام . الكل يعمل حسب سنه ودوره . المهندسات والبناءات يشيدن قرص النحل . والعاملات يقمن برحلات للكشف عن اماكن الرحيق . والكيميائيات يتاكدن من نضوج العسل وحفظه .
والخادمات يحافظن على نظافة الشوارع والاماكن العامة في الخلية . والحارسات على باب الخلية يراقبن من دخل اليها ومن خرج .. يطردن الدخلاء او من اراد العبث بامن الخلية . فمن علم هؤلاء كل هذا ؟ ومن اوحى لهن هذه الادوار ؟
انه رب العالمين الذي يقول :
” وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ” ( الانعام : اية 38 )
هل الملكة تحكم خلية النحل ؟
يقول كتاب Nature : ” رغم ان الملكة هي اهم فرد في مجتمع النحل ، الا انها لا تحكم خلية النحل على الاطلاق ، غير انها تنتج هرمونات تحدد مختلف نواحي سلوك النحل . فكيف تتحكم هرمونات الملكة بسلوك الاخرين ؟
ان العاملات وهن يقمن بتنظيف جسد الملكة يحملن هذه الهرمونات ويوزعنها بسرعة على باقي افراد الخلية من النحل . ويتم ذلك خلال تبادل الطعام فما لفم .
اما عمل الملكة الحقيقي فهو انتاج البويضات ، فالملكة هي الانثى الوحيدة المكتملة جنسيا، اما العاملات فلم تكتمل الاعضاء الجنسية لديهن . ولا تقوم الملكة برعاية ابنائها ، ولكنها تعتمد على العاملات اللاتي يحضن صغار النحل ويطعمهن الطعام .
اذن من يحكم خلية النحل ؟ انهن العاملات انفسهن . فهن اللواتي يقررن متى واين يجمعن رحيق الازهار . وهن اللاتي يقررن متي تستبدل ملكتهن ، وهن اللاتي يحددن متى يهاجرن في حشد كبير لتشكيل خلية جديدة ، فلا خلاف بين العاملات ولا صراع .
- هل ذكور النحل كسالى ؟
كانت نظرة الانسان الى ذكور النحل نظرة خاطئة . فكان يظن ان هؤلاء الذكور كسالى لا يحبون العمل . فوظيفة ذكر النحل في حياته كلها هو تلقيح الملكة . ولكن هل هو خامل بليد لا يحب العمل ؟
تشير الادلة العلمية الحديثة الى غير ذلك ، فما هو بخامل عن العمل .. انما خلقه الله غير قادر على القيام بما تقوم به العاملات . فليس في ارجله سلل يستطيع جمع رحيق الازهار فيها . ولسانه قصير لا يقوى معه على امتصاص رحيق الازهار . فهو في الحقيقة عاجز حتى عن تغذية نفسه ، بل انه يستجدي الطعام من زميلاته العاملات !!
فالكسل ليس من طباعه ، ولكنه لا يقوى على القيام بما تستطيع العاملات فعله . ولكن الله تعالى اناط به عملا هاما متى اداه مات وذهب الى عالم الفناء .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” اعملوا ، فكل ميسر لما خلق له ” ( رواه البخاري )
ولا يستطيع سوى عدد قليل من مئات الذكور انجاز مهمتهم في الحياة ، الا وهي تلقيح الملكة ، وتتسبب عملية التزاوج هذه في موت الذكر الذي يؤدي الى تلك المهمة .
والحقيقة انه لو لم يكن هناك ذكور لما امكن حدوث الاخصاب ، ولادى ذلك الى موت الخلية .
- 2. ماذا يعني موت الملكة ؟
عندما تموت الملكة تبدا شغالات الشمع بناء عدد من الخلايا الملكية وهي ذات شكل مميز شبيه باصبع القفاز . وتقوم الشغالات بتربية عدة يرقات ملكية في ان واحد بتلقيمها الغذاء الملكي .. وما ان يتم فقس اول بيضة عن ملكة ، حتى تبدا حملة قتل جماعية تستهدف جميع العذاري الملكات التي لم تنته من تطورها بعد . فالتشريعات في مملكة النحل تقضي بان لا يبقي في المملكة الواحدة سوى ملكة واحدة فقط .
مشاهد من الزفاف الملكي :
واول ما تقوم به الملكة الجديدة ضمن استعدادها لرحلة الزفاف ، وهو قتل منافساتها من الملكات . واذا تصادف ان خرجت ملكتان في ان واحد ، فانه يحدث بينهما نزال ينتهي بموت احداهما .
وبعد اسبوع من الاستعداد والتجهيز ، تبدا مراسم الزفاف الملكي . فتغادر الملكة الخلية وتحلق فوقها من جهات عديدة ، كي لا تخطئ طريق الرجوع بعد الانتهاء من عملية التلقيح . ثم تقوم ببث عطرها الملكي الجذاب المثير ، وترسل انغامها الرنانة المغرية .
ويبدا الطيران ، وتلحق بها الذكور بعزيمة ونشاط . وكلما اوشك احدهم على اللحاق بها، زادت سرعتها وارتفعت في الفضاء .
ويتساقط بعض الذكور واحدا تلو الاخر حين يعجزون عن اللحاق بها . ولا يبقى معها الا قلة من الذكور . وهنا تنطلق باقصى سرعة تستطيعها ، وترتفع لاعلى مسافة يمكنها بلوغها . ويظفر بها اقواها بنية ، واجلدها على تحمل المشاق . ويتم تلقيحها وتنتهي مراسم الزفاف الملكي بعد 15 – 35 دقيقة من بدئها .
وتعود الملكة العروس جارة خلفها تركة عريسها الفقيد ، الدالة على نجاح الزفاف . اذ ينفصل عضو التذكير ، ومعه جزء من احشاء الذكر المسكين فور الانتهاء من التلقيح . وينزف ذكر النحل المسكين حتى الموت . بينما تبادر الوصيفات الى تنظيف الملكة مما علق بها ، وتعم الفرحة ارجاء المملكة ، وتبدا العاملات بتجهيز عيون شمعية جديدة استعدادا لوضع البويضات فيها . ويقدر العلماء ان الملكة تضع حوالي 200 – 250 الف بويضة في الموسم الواحد ، وتترك وراءها قرابة مليون بويضة قبل ان تخطفها يد المنون .
- ما الحكمة من هذه الرحلة الخطرة التي تقوم بها الملكة ؟ ولماذا يستلزم الزفاف وجود مائتي ذكر ؟
والحقيقة ان احد الذكور المائتين سيكون ابا لجميع نحل الخلية التي ستظهر خلال سنوات اربع او خمس قادمة . فلو كان الذكر ضعيفا او ذا صفات وراثية غير جيدة ، لادى ذلك لانقراض المملكة خلال شهورها الاولى .
وقد يتساءل البعض : الا يمكن حصول التلقيح دون موت الذكر البطل ؟
والواقع ان ترك عضو التذكير وبعض احشائه دليل على حدوث التلقيح ، فان خرجت الملكة الى رحلة الزفاف ، ولم تجد الوصيفات هذه الامارة الواضحة تيقنت من فشل المهمة، وبادرت بالتجهيز لزفاف ملكي جديد .
” صنع الله الذي اتقن كل شيء ” ( النمل : اية 88 )
- ما هي وظائف الشغالات ؟
تتباين المهام التي تنجزها النحلة الشغالة منذ ولادتها وحتى موتها . فكلما زاد عمرها وشاخت ، حدث فيها تحولات فزيولوجية دقيقة تتوافق مع العمل الذي يتوجب عليها اداؤه . فبينما تكرس الشغالة النصف الثاني من حياتها لجمع الرحيق وحبوب الطلع ، تعمل الشغالة في الاسابيع الثلاثة الاولى من حياتها ضمن الخلية .
فخلال اليومين الاول والثاني التاليين لخروج النحلة الكاملة ، تقوم الشغالة الفتية بتنظيف خلايا الحضنة بدقة متناهية ، فتخصص كليا للقيام باعمال النظافة .
وبحلول اليوم الثالث ، تبدا الشغالة مهمة جديدة هي تغذية الحضنة ، فعندها يحدث تطور ملحوظ في الغدد المغذية التي تفرز الغذاء الملكي الذي يستعمل في تغذية جميع اليرقات الفتية واليرقات الملكية .
وعندما يحل اليوم العاشر ، تتدهور غددها المغذية وتضمر في الوقت الذي تصبح فيه الغدد الشمعية على اتم الاستعداد لاداء وظيفتها .
وبدءا من اليوم الحادي عشر ، تتجه الشغالات نحو مهنة جديدة ، هي مهنة البناء ، فتصنع الشمع وتبني الاطارات وتسد النخاريب التي تخزن العسل .
وهناك وظائف اخرى للشغالات . فمنها مختص بالحراسة تراقب فتحة الخلية وتمنع كل دخيل . ومنها من تقوم بتوفير التهوية ، وتحافظ على درجة حرارة قريبة من 35 م خلال الصيف .
وعندما يحل اليوم الحادي والعشرون تكون النحلة الشغالة قد انجزت جميع المهمات التي اوكلت اليها في الخلية . وعند ذلك تصبح على استعداد لانجاز اعمال اخرى خارج الخلية حيث تقوم بعمليات جمع الرحيق وغبار الطلع .
عيون النحل :
وللنحل نوعان من العيون :
- العيون المركبة : وهما اثنتان تقعان على جانبي راس النحلة ، وتتالف من بضعة الاف من الوحدات البصرية . وهي سداسية الاضلاع ، وتستخدم العيون المركبة في الرؤية لمسافات بعيدة عندما تكون النحلة خارج الخلية . ولها القدرة على تمييز ذات الالوان التي تميزها عين الانسان باستثناء اللون الاحمر . اضافة الى كونها حساسة للاشعة فوق البنفسجية . وتضم العين المركبة في الذكر ضعف عدد الوحدات البصرية التي تؤلف عين الشغالة . ولذلك يلاحظ ان عيني الذكر ضخمتان جدا ، وهذا ما يتيح للذكر امكانية متابعة الملكة خلال رحلة طيران الزفاف الملكي .
- العيون البسيطة : وعددها ثلاث تحتل اعلى الراس ، وتستخدمها النحلة في الرؤية القريبة والاضاءة الخافتة داخل الخلية . فليس لدى النحل نظارات كما يستخدمها الانسان للبعيد والقريب ، ولكن الله خلق فيها نوعين من العيون التي تستخدمها حسب الحاجة .
” هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه ” ( لقمان : اية 11 )
- 2. ماذا تعني النحل وهي ترقص ؟
ترقص العاملات فوق خلية النحل لتختبر زميلاتها بمكان الازهار . فالزاوية بين مركز الشكل الذي تتخذه في دوراتها فوق الخلية وبين الخط العمودي هي نفسها الزاوية التي تقع بين الشمس وبين المكان الذي توجد فيه الازهار ، وتعلم العاملات من هذه الزاوية الطريق الذي يجب ان تتجه به لتصل الى مكان الطعام .
فاذا كان الطعام على مسافة 300 قدم من خلية النحل او اقل ، فان النحلة تقوم برقص دائري . اما اذا كانت المسافة ابعد من ذلك فانها تتخذ شكل حرف 8 – حرف ثمانية بالانجليزية – .
فمن علم النحل على علم الهندسة والزوايا ؟ ومن منحها حسن التوجه بلا رادار ؟
انه الله رب العالمين
يقول الكاتب الفرنسي جان لوي داريفول : ” ان النحل يسلك في طيرانه نفس الطرق المعروفة ، ويتجنب بعناية فائقة التحليق فوق المسطحات المائية الواسعة كالبحار والبحيرات، كما يتحاشى اجتياز الجبال ” .
ويقول ايضا : ” ان للنحلة الواحدة حياة محتمة ومقدرة مسبقة ، تخضع لقواعد محددة تحول دون شيوع الفوضى ، ولها سلوك محكوم كليا منذ ايام حياتها الاولى تبعا للقوانين النافذة والمعمول بها في الخلية .
فسبحان الله تعالى : ” الذي احسن كل شيء خلقه وبدا خلق الانسان من طين ” ( السجدة : اية 7 )
- اسرار النحل