البيعة تحت الشجرة

تحت الشجرة البيعة unnamed file 817

القارئ لسيره النبى صلى الله عليه و سلم،
وتاريخ دعوه الاسلام يجد ارتباطا و ثيقا بين احداثها و مجرياتها،
وخير ما يشهد لهذه المقوله بيعه الرضوان،
اذ كانت ذات علاقه و ثيقه بصلح الحديبية،
وربما كانت سببا مباشرا لهذا الصلح،
الذى كان خيرا للمسلمين،
وفتحا مبينا للجماعة المؤمنة.
وفيما يلى شيء من تفصيل مجريات و ملابسات بيعه الرضوان،
ذلك الحدث الجلل فحياة الدعوه الاسلاميه و تاريخها المجيد .

ذلك انه لما استقر امر المسلمين بالمدينة،
واسسوا دولتهم الفتية،
واخذت الامور تسير الى حد كبير لصالحهم،
بدات طلائع الفتح الاسلامي،
ورايات الدعوه الاسلاميه تبدو شيئا فشيئا،
وبدات التمهيدات و الاستعدادات لاقرار حق المسلمين فاداء عبادتهم فالمسجد الحرام،
الذى كان ربما صد عنه المشركون منذ سته اعوام ‏.‏

وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم ربما راي فالمنام،
وهو بالمدينة،
انة داخل هو و اصحابة المسجد الحرام،
واخذ مفتاح الكعبة،
وطائف بالبيت العتيق.
فاخبر بذلك اصحابه،
ففرحوا بهذه الرؤية فرحا شديدا،
وتشوقت نفوسهم لتلك الساعة،
وحسبوا انهم داخلو مكه اثناء وقت ليس بالبعيد ‏.‏

ثم ان رسول الله صلى الله عليه و سلم،
وعلي اثر تلك الرؤيا المبشرة،
اخبر اصحابة انه معتمر،
وطلب منهم ان ياخذوا اهبه السفر،
فتجهزوا لما امرهم به،
واستخلف رسول الله صلى الله عليه و سلم على المدينه ابن ام مكتوم‏ .
‏ و خرج قاصدا مكه غره ذى القعده من السنه السادسة للهجرة،
وصحبتة فهذا السفر زوجتة ام سلمه رضى الله عنها،
وكان عدد الذين خرجوا معه يريدون مكه ربما قاربوا الفا و اربعمائه رجل،
ولم يظهر معه احد بسلاح المعركة،
بل خرج الجميع بسلاح المسافر‏ فحسب ‏.

وكانت قريش لما سمعت بخروج النبى صلى الله عليه و سلم ربما عقدت جلسه طارئة،
لبحث الموقف و تداعياته،
وخرجت من تلك الجلسه بقرار جماعي،
حاصلة صد المسلمين عن المنزل الحرام كيفما كان،
ومهما كلفها هذا من ثمن .

ثم ان قريشا بدات خطواتها التنفيذية،
واجراءاتها العملية لمواجهه الموقف؛
بارسال الرسل للمفاوضه مع رسول الله صلى الله عليه و سلم،
عسي ان تثمر تلك المفاوضات عن ثنية عن عزمة و قصدة من دخول المنزل الحرام .

ولما راي شباب قريش الطائشون،
الطامحون الى الحرب،
رغبه زعمائهم فالصلح،
فكروا فخطة تحول بينهم و بين الصلح،
واخذوا زمام المبادرة،
اذ ان الموقف – حسب منطق هؤلاء – لم يكن يحتمل المفاوضة،
ولا يتسع للاخذ و المناورة،
فقرروا – حسما للموقف – ان يظهروا ليلا،
ويتسللوا الى معسكر المسلمين،
ويحدثوا احداثا تشعل نار الحرب،
وتؤجج سعير المعركة.
وفعلا قاموا بتنفيذ ذلك القرار،
واتخذوا خطوات عملية و ميدانيه فهذه الاتجاه،
فخرج منهم سبعون او ثمانون رجلا ليلا،
وهبطوا من جبل التنعيم،
وحاولوا التسلل الى معسكر المسلمين .

بيد ان عيون المسلمين كانت لهم بالمرصاد،
فحالما تسلل اولئك النفر الى المكان الذي كان ينزل به المسلمون اعتقلوا جميعا،
وفشلت محاولتهم التي كانوا يرمون اليها،
واخذوا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليقرر فامرهم ما يراة مناسبا للموقف ‏.‏

ورغبه منه صلى الله عليه و سلم فالصلح،
وتمشيا مع القصد الذي خرج صلى الله عليه و سلم لاجله،
فقد اطلق سراحهم و عفا عنهم،
وفى هذا انزل الله‏ قوله الكريم:‏ ‏{‏ و هو الذي كف ايديهم عنكم و ايديكم عنهم ببطن مكه من بعد ان اظفركم عليهم ‏}‏ (‏الفتح‏:24) .

ثم ان رسول الله صلى الله عليه و سلم اراد ان يبلغ قريشا موقفة و هدفة و غايتة من ذلك السفر؛
فعزم على ان يبعث اليها سفيرا يؤكد لها موقفة ذلك،
فانتدب عمر بن الخطاب رضى الله عنه ليرسلة اليهم،
فاعتذر عمر رضى الله عنه قائلا‏:‏ يا رسول الله،
ليس لى احد بمكه من بنى عدى بن كعب ،

يغضب لى ان اوذيت،
فارسل عثمان بن عفان ،

فان عشيرتة بها،
وانة مبلغ ما اردت.
فدعي رسول الله صلى الله عليه و سلم عثمان رضى الله عنه،
وارسلة الى قريش،
وقال‏:‏ اخبرهم انا لم نات لقتال و حرب،
وانما جئنا عمارا – اي: نبتغى العمره – و ادعهم الى الاسلام،
وامرة ان ياتى رجالا بمكه مؤمنين،
ونساء مؤمنات،
فيبشرهم بالفتح،
ويخبرهم ان الله عز و جل مظهر دينة بمكة،
حتي لا يستخفى بها احد بالايمان ‏.‏

فانطلق عثمان رضى الله عنه لما و جهة الية رسول الله صلى الله عليه و سلم،
واتي قريشا،
وبلغ زعماءها الرساله التي حملة اياها رسول الله صلى الله عليه و سلم،
فلما فرغ من ابلاغ رسالته،
عرضوا عليه ان يطوف بالبيت،
فرفض ذلك العرض،
وابي ان يطوف الا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم‏ .

فلما رات قريش ذلك الموقف من عثمان رضى الله عنه،
وهو موقف لم يرق لها بحال،
لجات الى اسلوب الضغط و التهديد،
فاحتبست عثمان عندها – و لعلها ارادت من و راء هذي الخطوة،
ان تتشاور فيما بينها فالوضع الراهن،
وتبرم امرها.
او لعلها ارادت ان تتخذ من عملية اعتقال عثمان رضى الله عنه و رقه ضغط فو جة المسلمين – و اشاعت خبر هذا بين المسلمين،
وطال احتباس عثمان رضى الله عنه،
حتي شاع بين المسلمين انه قتل.
فلم بلغ خبر تلك الاشاعه رسول الله صلى الله عليه و سلم،
قال‏:‏ ‏( ‏لا نبرح حتي نناجز القوم ‏)‏ بعدها دعا اصحابة الى البيعة،
فثاروا الية يبايعونة على الا يفروا،
وبايعتة جماعة على الموت،
واول من بايعة ابو سنان الاسدي،
وبايعة سلمه بن الاكوع على الموت ثلاث مرات،
فى اول الناس و وسطهم و اخرهم،
واخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بيد نفسة و قال‏:‏ ‏(‏ هذي عن عثمان‏)‏‏.‏ و لم يتخلف عن هذي البيعه الا رجل من المنافقين يقال له‏:‏ جد بن قيس .

وقد ذكر القران الكريم خبر هذي البيعة،
ومدح اصحابها،
ورضا الله عنهم،
قال تعالى فذلك: { لقد رضى الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجره فعلم ما فقلوبهم فانزل السكينه عليهم و اثابهم فتحا قريبا } (الفتح:18) و لاجل ما ذكر الله،
سميت هذي البيعه ( بيعه الرضوان ) و ربما اخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم هذي البيعه من صحابتة رضوان الله عليهم تحت شجرة،
وكان عمر رضى الله عنه اخذا بيده،
و معقل بن يسار اخذا بغصن الشجرة،
يرفعة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم .

وقد ذكرت كتب السيره خبر هذي البيعه بطرق متعددة،
وبالفاظ متقاربة؛
من هذا ما رواهالطبرى عن سلمه بن الاكوع رضى الله عنه،
قال: بينما نحن قافلون من الحديبية،
نادي منادى النبى صلى الله عليه و سلم: ايها الناس،
البيعه البيعه !

نزل روح القدس.
قال: فسرنا الى رسول الله،
وهو تحت شجره سمرة،
قال: فبايعناه،
قال: و هذا قول الله تعالى: { لقد رضى الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجره } فاخبر سبحانة نبية انه ربما رضى عن اصحابك المؤمنين،
لمبايعتهم اياك على الجهاد،
ومواجهه قريش فموقفها العنيد،
وعلي ان لا يفروا و لا يولوهم الادبار،
مهما كلفهم هذا من التضحيات .

وكان اول من بايع بيعه الرضوان رجل يقال له ابو سنان ،

اتي النبى صلى الله عليه و سلم،
فقال: يا رسول الله ابسط يديك حتي ابايعك،
فقال: على ما ذا،
قال: على ما فنفسك،
قال: و ما فنفسي،
قال: الفتح او الشهادة.
فبايعه،
وكان الناس يجيئون فيقولون: نبايع على بيعه ابي سنان .

قال ابن اسحاق صاحب السيرة: فبايع رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس،
ولم يتخلف عنه احد من المسلمين حضرها،
الا الجد بن قيس ،

اخو بنى سلمة،
قال: كان جابر بن عبدالله رضى الله عنه،
يقول: لكانى انظر اليه،
لاصقا بابط ناقته،
قد ضبا ( اي: لصق فيها و اختبا ) اليها،
يستتر فيها من الناس .

ولما تمت البيعه المرضية،
رجع عثمان رضى الله عنه الى رسول الله صلى الله عليه و سلم،
فقال له بعضهم: اشتفيت يا ابا عبدالله من الطواف بالبيت؟
فقال: بئس ما ظننتم بي،
والذى نفسي بيدة لو مكثت فيها سنه و رسول الله صلى الله عليه و سلم مقيم بالحديبيه ما طفت بها،
حتي يطوف فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم.
ولقد دعتنى قريش الى الطواف بالبيت فابيت،
فقال المسلمون: رسول الله صلى الله عليه و سلم كان اعلمنا بالله،
واحسننا ظنا .

وقد ثبت فصحيح الحديث – ناهيك على ما جاء فالقران – الشهاده بالجنه لجميع من شهد بيعه الرضوان عام الحديبية؛
فعن ام مبشر رضى الله عنها: انها سمعت النبى صلى الله عليه و سلم يقول عند حفصه رضى الله عنها: ( لا يدخل النار – ان شاء الله – من اصحاب الشجره احد،
الذين بايعوا تحتها ،

قالت: بلي يا رسول الله،
فانتهرها،
فقالت حفصه : { و ان منكم الا و اردها } (مريم:71) فقال النبى صلى الله عليه و سلم ربما قال الله عز و جل: { بعدها ننجى الذين اتقوا و نذر الظالمين بها جثيا } (مريم:72) رواة مسلم ،

وفى “سنن” ابي داود: ( لا يدخل النار احد ممن بايع تحت الشجره ) و ف“المصنف” ل ابن ابي شيبه ،
قال: السابقون الاولون،
من ادرك بيعه الرضوان.
وقد و عد سبحانة هؤلاء بالجنة،
قال الله تعالى: { و السابقون الاولون من المهاجرين و الانصار و الذين اتبعوهم باحسان رضى الله عنهم و رضوا عنه و اعد لهم جنات تجرى تحتها الانهار خالدين بها ابدا هذا الفوز العظيم } (التوبة:100) .

وعلي العموم،
فان و قائع هذي البيعه تفيد الكثير من العبر،
ويستنتج منها العديد من الفوائد،
وهاك بعضا من ذلك:

– صحة ايمان الذين بايعوا النبى صلى الله عليه و سلم بيعه الرضوان،
وصدق بصائرهم,
وانهم كانوا مؤمنين على الحقيقة اولياء لله; اذ من غير الجائز ان يخبر الله برضاة عن قوم باعيانهم،
الا و باطنهم كظاهرهم فصحة البصيرة،
وصدق الايمان,
وقد اكد هذا المعني سبحانه،
بقوله: { فعلم ما فقلوبهم فانزل السكينه عليهم } (الفتح:18) و ذلك يدل دلاله و اضحه على ان التوفيق و التسديد و التاييد مصاحب و ملازم لمن صدق النيه مع الله,
وهذا الملحظ فمعني قوله تعالى: { ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما } (النساء:35) .

– كانت تلك البيعه مقدمه و تمهيدا و سببا مباشرا لابرام صلح الحديبية،
ذلك الصلح الذي كان فتحا مبينا،
وكسبا عظيما للمسلمين.
فعندما علمت قريش بتلك البيعة،
ومدي صلابه المسلمين فموقفهم،
وقوتهم،
وصبرهم،
وثباتهم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم،
علمت ان هذا هو الحق،
فارسلت الى المسلمين فريقا للتفاوض معهم،
وابرام الصلح .

– و مما يستفاد من هذي الحادثه قوه العلاقه و الترابط و التلاحم بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و اصحابة الكرام؛
اذ انهم بايعوة على الثبات و المصابره و عدم التولي،
ومواجهه الموقف بكل ما يقتضية من ايمان و اخلاص؛
يتجلي هذا فسرعه استجابه الصحابه لما دعاهم الية رسول الله،
ومسارعتهم لتلبيه متطلبات و مستحقات الايمان بالله،
وبرساله نبية عليه الصلاة و السلام،
اذ ان الصدق فالايمان سبيل الى تحصيل رضا الرحمن اولا،
وهو طريق كذلك لحصول نصرة و تاييدة { و لينصرن الله من ينصرة ان الله لقوى عزيز } (الحج:40) .

– على ان من الدلالات المهمه فهذه البيعة،
والتى تدل على جميع ما سبق و تدعمه،
ما يستفاد من مواقف الصحابه رضوان الله عليهم من رسولهم صلى الله عليه و سلم،
فيما ذكرة اصحاب السير من ان عروه – و هواحد اعضاء و فد قريش،
الذين ذهبوا للمفاوضه و المصالحه – و كان ربما رجع الى اصحابة يصف لهم ما راى،
قال: اي قوم !
!
والله لقد و فدت على الملوك،
علي كسري و قيصر و النجاشى ،

والله ما رايت ملكا يعظمة اصحابه،
ما يعظم اصحاب محمد محمدا،
والله ان تنخم نخامة،
الا و قعت فكف رجل منهم،
فدلك فيها و جهة و جلده،
واذا امرهم ابتدروا امره،
واذا توضا كادوا يقتتلون على و ضوئه،
واذا تكلم خفضوا اصواتهم عنده،
وما يحدون الية النظر تعظيما له.
وفى فعل الصحابه ذلك على ما و صفعروه ما يدل على انه لا ايمان برسول الله صلى الله عليه و سلم دون محبه له،
وان هذي المحبه ليست معني عقلانيا مجردا،
وانما هي اثر ملموس،
وسلوك مشهود،
يستحوذ على القلب،
فيطبع صاحبه،
بمثل الطابع الذي وصف فيه عروه بن مسعود اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم .

ومما يتصل بهذا الحدث،
ويحمل من الدلاله ما يحمل،
حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم،
وهو ف“الصحيحين” عن جابر بن عبدالله رضى الله عنهما،
قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الحديبية: ( انتم خير اهل الارض ) قال جابر – و كان ربما كف بصرة -: و لو كنت ابصر اليوم،
لاريتكم مكان الشجره .

وقد قطعت هذي الشجره و نسى مكانها،
وكان فذلك خير للمسلمين؛
اذ لو بقيت الى اليوم،
لشدت اليها الرحال،
ولضربت عليها القباب،
ولظن الناس بها الظنونا،
ولربما كانت قبله لبعض الجهال،
ولكن الله { غالب على امرة و لكن اكثر الناس لا يعلمون } .

  • قصه البيعه تجت الشجره
  • بيعه تجت الشجره
  • تاريخ البيعة تحت الشجرة لرسول الاه محمد صلي الله عليه وسلم
  • تحميل صورشجرة السنط
  • صورة شجرة بيعة رضوان


البيعة تحت الشجرة