افضل مواضيع جميلة بالصور

الرحلة ان ويل


الرحلة

بدا الدكتور سترانسوم ضاحكا من احساسها بالذنب

-لست بالضبط من الوزن الثقيل. خذي لفافة لتهدئة اعصابك ففجوات الهواء هذه تثير الاضطراب في رحلة الطيران الاولى.
-لا شكرا. لا اذخن. كيف عرفت انها رحلتي الاولى؟
-كنت تنتظرين الاقلاع وكانك تواجهين فرقة الاعدام.
احمر وجهها. هل كان اضطرابها باديا بهذا الوضوح؟ وتابع قائلا
-لاعليك. كلنا نشعر بالخوف في المرة الاولى.
وقبل ان تتمكن من متابعة الموضوع التقط كتابه الذي اوقعه بسقوطها المفاجئ وبدا يقلب الصفحات بحثا عن المكان الذي وصل اليه.
ليس بحاجة لان يظهر عدم رغبته في الكلام الى هذه الدرجة. كم انه فظ…
بعد منتصف الليل بقليل هبطت الطائرة في مطار روما حيث كانت تنتظرهم القهوة الساخنة ووجبة طعام خفيفة معظم السيدات ومعهن فيفيان اصطففن امام اكشاك التذكارات حيث تباع مناديل الحرير وكنزات الكشمير وزينة الفسيفساء الايطالية.
في الطائرة جلس المسافرون لقضاء ما تبقى من الليل كانت المقصورة مريحة في ظل الانوار الخافتة نزعت فيفيان حذائها والتحفت بالغطاء الخفيف الذي زودتها به المضيفة تمنت الا تكون تنورتها مدعوكة كثيرا في الصباح ثم تذكرت انهم سيصلون الى ساحل لبنان المشمس وانه باستطاعتها ان تلبس فستانها الصيفي المطوي في حقيبة يدها.
كانت البارحة تتقلب على سريرها الضيق في البيت… لم يكن بيت خالتها بيتها فعلا فقد وصلته في العاشرة من عمرها ومذ ذاك لم يزل استغرابها اذ كانت دخيلة ودائما غريبة ومدركة بانها قريبة فقيرة.
لقد ولدت في الريفيرا واولى ذكرياتها تحمل زرقة السماء ونور الشمس وعبير الازهار متدفقا من الهضبة التي تعلو الفيلا البيضاء كانت طفولتها حرة تماما فمايكل وايموجين كونيل المتحابان كانا بمثابة اخ واخت لها وعندما بلغت العائرة من العمر قتلا في حادث سيارة مروع وقبل ان تستفيق من تاثير خسارتها الفظيعة جاءت خالتها السيدة كونستانس سينكلير وهي امراة انكليزية بغيضة متوسطة العمر الى الفيلا وانتزعت فيفيان لترميها في كالة انكلترا الرمادية الرطبة في منتصف الشتاء.
ومنذ ذلك الحين تغير كل شيء حيث عقص شعرها المتمرد العسلي في جديلتين واستبدل الشورت وحذاء الرياضة ببزة رياضة بحرية قبيحة وبحذاء متين للسير وارسلت الى مدرسة داخلية شهيرة حيث تقيم جوديت ومارغريت ابنتا خالتها. بعد الحرية المطلقة التي عرفتها اصبحت حياة النظام الصارم الجماعية عاملا مطهرا فتحولت من عفريت صغير ضاحك يضج بالحياة الى بائسة صغيرة شاحبة الوجه معقودة اللسان. اما ايام الاعياد فكانت اسوا. فبنتا خالتها تعذبانها دون رحمة بينما السيدة سينكلير تؤنبها باستمرار لمختلف المخالفات غير المقصودة. وجائت الضربة الاخيرة حيت قيل لها اباها الرائع وهو وغد ومبذر وفق مقاييس سينكلير وعندما هبت فيفيان للدفاع عنه منعتها خالتها من ذكر اسمه.
قالت لابنة اختها بقساوة
-اتمنى ان نتمكن يوما القضاء على الخصال المؤسفة التي قد ترثينها عنه الان اذهبي الى غرفتك وحاولي الا تكرري مثل هذه التصرفات المعيبة.
وسرعان ما ادركت فيفيان انه لا جدوى من مقاومة ارادة خالتها الصلبة. عندما غادرت المدرسة كان الرضوخ قد اصبح امرا اعتياديا بحيث لم تعترض على تجاوز الخالة كونستانس لاقتراحها التدرب على مهنة ما وقبلت ان تتعلم ان تتعلم قيادة السيارات والطباعة على الالة الكاتبة والعمل كسكرتيرة للسيدة سنكلير لكنها تحت مظهرها الهادئ المطيع كانت تتوق ضمنا لليوم الذي ستتمكن فيه من التخلص من سيطرة خالتها.
عندما جائت الفرصة اخيرا في شكل رسالة من محام كادت لا تصدق فعرابها جون كاننغهام الذي لم تره منذ كانت في السابعة توفي تاركا لها مبلغا محترما من المال وارثا في الطرف الاخر من العالم.
ولدى اعلان فيفيان قرارها بزيارة ملكيتها ظنت عائلة سينكلير انها تمزح وعندما ادركوا انها جادة دهشوا ولم يصدقوا ان تفكر قريبتهم الهادئة الخنوعة بالسفر مسافة ثمانية الاف ميل لتفحص بيتا متداعيا تركه لها عجوز غريب الاطوار وذو سمعة مشبوهة وقد ادهشهم اكثر التصميم الذي ابدته في التمسك بمشاريعها حيال اعتراضاتهم.
اخيرا اصدرت الخالة كونستانس انذارا واعلنت
-اذا استمريت بمشروعك المجنون هذا يا فيفيان احذرك بانني لن استمر في اعالتك. انا مندهشة للطريقة الانانية التي تهزئين بها من رغبتي. اذا رحلت الان فلا مجال للعودة.
وبالتهور الذي كان من خصائص والدها المؤسفة اجابتها فيفيان
-حسنا خالتي يؤسفني ان يكون هذا هو شعورك لكني ساذهب الى الملايو بالرغم مما سيحدث.
الان وهي مستلقية في المقصورة المطفاة وقد انجزت الجزء الاول من رحلتها الطويلة تسائلت عما اذا كان تمردها على خالتها ضربا من الجنون فجزء كبير من المال الذي تركه عرابها انفق على تذكرة سفرها الى سنغافورة وما تبقى منه لن يكفيها الى الابد بامكانها ان تبيع الملكية ولكن ربما كانت قيمتها قليلة وفي هذه الحال ستضطر للعودة الى انكلترا وايجاد طرق لتامين معيشتها امر واحد يبقى اكيدا وهو انها لن تلجا ابدا لعائلة سينكلير لمساعدتها . كانت تعرف انها مدينة لهم لاستقبالها في بيتهم ولكن مع انهم اطعموها وكسوها وعلموها فلم يحبوها يوما او حتى استلطفوها.
وفيما النعاس يتملكها فكرت ان ما تقوم به هو مقامرة مجنونة سوف تخسرها على الارجح لكن مايكل كان مقامرا وكان يقول دوما اذا لم تغامر ابدا فلن تربح ابدا اتسائل لماذا ترك لي العراب جون البيت؟ ربما لم يكن هناك احد غيري.
استيقظت على نور الصباح الباهت يتسلل عبر الستار جلست بتلهف وازاحت الستار جانبا.
حركة ورائها جعلتها تلتفت فرات الدكتور سترانسوم يستيقظ خمنت عمره بخمسة وثلاثين او ستة وثلاثين عاما ولكنه بدا اصغر حين ابتسم ومع انه مدخن مدمن فقد بدت اسنانه ناصعة البياض بالمقارنة مع لون بشرته.
في غرفة السيدات غسلت وجهها واستبدلت ملابسها بفستان من الكتان البيج ولما خرجت الى الممر رات معظم الركاب الاخرين يستيقظون نساء قليلات نزعن تبرجهن الليل الفائت لذلك بدون كالحات الوجوه فشعرت فيفيان بالامتنان لان وجهها جميل بطبيعته.
الذكتور سترانسوم عاد الى مقعده ونزع الجاكيت ورفع كميه فاشتمت نفحة خفيفة من صابون الحلاقة بعد الفطور بقليل بدات الطائرة تهبط تمهيدا للنزول في بيروت ولدى اجتيازهم المسافة المكشوفة في ضوء الشمس الساطع بدا من غير المعقول انهم كانوا منذ اقل من اثني عشر ساعة يرتعشون بردا في رطوبة مساء انكليزي من امسيات كانون الثاني (يناير).
بالنسبة لفيفيان بدا النهار والليل التاليين مسلسلا من المناظر المتغيرة والازياء الغريبة واللغات المجهولة استمروا في الطيران فوق الخليج العربي وعبر قارة الهند اللامحدودة واخيرا وصلوا الى بورما ومدينة رانغون الخضراء عشية اليوم الثالث بينما قبعة معبد شوي داغو المطلية بالذهب تتوهج في اشعة الشمس الغاربة.
بعد ثماني واربعين ساعة من الطيران احس الركاب بالحر والانهاك وبحاجة ماسة الى حمام والى تغيير ثيابهم. معظمهم كانوا لا يزالون في ثيابهم الشتوية يتعرقون بشكل مزعج في القيظ الشديد. حتى قميص الدكتور سترانسوم التصق بظهره من العرق مبرزا كتفين قويين وخصرا نحيلا.
الفندق الذي يقضون فيه ليلة واسع وارضه من الرخام وتتدلى من سقوفه مراوح كهربائية ضخمة. بعد التوقيع على سجل النزلاء تبعت فيفيان حمالا هنديا الى غرفتها التي كانت عبارة عن شقة فخمة تطل نوافذها العالية على فناء مغلق كان السرير مغلقا بناموسية بيضاء فوق اطار خشبي وتحت النافذة اريكة مريحة من الخيزران. ادار الحمال المروحة وقبل بقشسشها بتحية صامتة ورحل وقدماه الحافيتان تنزلقان انزلاقا على الارض. تنهدت فيفيان الصعداء وخلعت ثيابها الضيقة ووقفت تحت المروحة تتمتع بتيار الهواء على جلدها الحار ثم ارتدت رداء وذهبت تبحث عن الحمامات لدي اقترابها من نهاية الممر هب شاب هندي يرتدي قميصا داخليا وشورتا كاكيا وقال مبتسما بتودد
-هل تريد انستي حماما؟
اومات بالايجاب ففتح الشاب بابا ورافقها الى حمام فسيح وفتح الماء الباردة والساخنة ثم وضع منضدة خشبية قرب المغطس وقام بحركة انيقة مفادها انه يقدم لها ارقى سبل الاستحمام في كل بورما وخرج.
اقفلت الباب وخلعت حذائها كان الماء بلون الصدا لكن صوت تدفقه انعشها وشوقها الى سرعة الاستحمام. لكنها ما ان خلعت ردائها حتى صرخت ذعرا اذ رات اضخم صرصار راته في حياتها يطل من تحت المغطس ويزحف باتجاه قدميها الحافيتين.
ظلت نصف دقيقة مسمرة في مكانها قرفا ثم عاد الصرصار فجاة الى مخباه. ساورتها الاستغاثة بالشاب المسؤول عن الحمامات ليقتله ثم ادركت انه حتى لو فهم ما تريد سيعتبرها في غاية السخف لتخاف من حشرة لابد انها شائعة هنا. فاذا كانت تريد الاقامة في المناطق الاستوائية عليها ان تعود نفسها على الزواحف وقد تلتقي حتى ببعض الافاعي.
فكرة مواجهة الثعابين جعلتها تتسلق المغطس وبما انه من المحتمل ان يقرر الصرصار ان يصعد على جانب المغطس عدلت عن التنعم بالاغتسال وبدلا من ذلك استحمت واقفة وعينيها تراقب بحذر حافة المغطس تحسبا لظهوره من جديد.
بعد ساعة نزلت الدرج وهي ترتدي قميصا وتنورة قطنية ولدى اجتيازها المقصف رات طاقم الطائرة يرتاح. كانت المضيفة قد ارتدت فستانا باهتا وبدت اكثر تالقا.
توقفت عند عتبة الردهة كان الدكتور سترانسوم والبروفسور لينتون وهو عالم باصول الانسان نحيل اشيب تحدثت اليه فقترة في كالكوتا جالسين قرب الباب وامامهما كاسان طويلان من الشراب المثلج.
قال البروفيسور مبتسما
-اه انسة كونيل. هل تنضمين الينا؟ (وقرب كرسيا ثالثا).
شكرته فيفيان وتطلعت الى الدكتور كان قد انتصب واقفا لكن وجهه بدا خاليا من كا تعبير ولم تتاكد من ترحيبه بجيئها لانه لم يوجه لها الكلام طيلة اليوم.
-ماذا تريدين ان تشربي؟ اني انصح بعصير الليمون لااحد يضاهي البورميين بصنع الليمون الطازج.
نادى البروفيسور نادل المقهى وقال بعد ان طلب الشراب
-في مثل هذا الوقت غذا نصل الى وجهتنا لا استطيع القول بانني اتمتع بالسفر جوا لا شك انه يوفر الكثير من الوقت لكنني اتسائل احيانا اذا كانت الرغبة العصرية في السرعة قوة مدمرة اكثر منها بناءة. اظن انني قديم الطراز بتفكيري.
سالته فيفيان
-ما الذي ياخذك الى الملايو يا بروفسور؟
-انني اجري دراسة عن بعض القبائل المجهولة الاصل. لقد حدثني الدكتور سترانسوم عن عدد من الرحلات الاستكشافية غاية في الاهمية قام بها في الداخل. انك تعمل في موبينغ يا سترانسوم اي في ولاية براك الشمالية اليس كذلك؟
قالت فيفيان باندفاع
-موبينغ؟ انا ذاهبة الى هناك
علق الطبيب بجفاء
-احقا؟
فمات فيض الاسئلة على شفتيها من الواضح ان الدكتور سترانسوم لا يريد التحدث معها عن موبينغ.
سالها البروفيسور عما اذا كانت زيارتها ستطول وهو غير مدرك للتحفظ القائم بين رفيقيه فاجابت
-لست ادري كم من الوقت سامكث. لكن ذلك يتوقف على مدى انسجامي.
لكن الطبيب ظل جامدا ولم تتعرف اذا كان فهم قصدها.
-ستتمتعين بالاقامة يا انسة كونيل فسكان الملايو عرق مبهج. ومع ان الطقس مرهق فالمناظر الطبيعية خلابة… خلابة جدا. اذا انهيت شرابك اقترح ان ننتقل الى غرفة الطعام.
اخذوا امكنتهم حول طاولة في قاعة الطعام المبردة فتابع قائلا
-اعترف بانني اتطلع الى نوم مريح من الصعب النوم عميقا في الطائرة لمن هم في سني الا انني اظنك تريدين رؤية المدينة قبل النوم انسة كونيل؟
-نعم ارغب في زيارة المعبد.
قال البروفيسور وهو يركز نظارتيه لدراسة قائمة الطعام
-اعتقد ان من الحكمة ان تصطحبي احدا.
-لن اذهب سيرا على الاقدام ساستقل احدى العربات. هناك صف منها عند المدخل.
فقال الطبيب
-البروفيسور لينتون يعرف الشرق اكثر مما تعرفينه يا انسة كونيل. من غير المستحسن ان تخرج امراة انكليزية بمفردها ليلا. اعتقد انك لا تتكلمين اللغة؟
-كلا لا اتكلمها لكنني قادرة على العناية بنفسي يا دكتور سترانسوم.
-لاشك… في مدينتك في الزطن. هذه اسيا.
-الا تبالغ في التخوف؟
تفحصها بنظرته ثم قال
-انها ازمنة مضطربة لو اختبرتشعبا اسيويا يا انسة كونيل لما كنت بهذه الثقة الروايات والافلام تعطي صورة في غاية الرومنطيقية عن الشرق.
فردت بشكل لاذع
-لست تلميذة
فتدخل البروفيسور
-يا سيدتي الفتية اني متاكد من ان الدكتور سترانسوم لم يقصد اطلاقا بانك تلميذة
ذاب انزعاج فيفيان ازاء لطافته فقالت
-اعتذر ان بدوت فظة في الواقع اظن انني سانام باكرا. لم ادرك كم ان الحر مرهق وقد اتمكن من رؤية المعبد عند عودتي.
بعد ان اكدت للبروفيسور انها غيرت رايها فعلا استدرجته الى التحدث عن ابحاثه ومر باقي الوقت في جوودي على الرغم من عدم اشتراك الدكتور سترانسوم في الحديث مرة او مرتين راته يراقبها بتعبير ساخر.
في الواقع فقد زاد نصحه الابوي في تصميمها على رءية المزار الشهير.
بعد العشاء عادوا الى الردهة لتناول القهوة وعندما تمنى لها البروفيسور ليلة هانئة ادعت انها ذاهبة الى غرفتها وبعد ان صعدت الى الطابق الاول نزلت الى الدرج وانسلت بحذر عبر البهو ثم استوقفت احدى العربات.
فيما كانت تعبر الشوارع في العربة الصغيرة الرثة والمريحة في ان وقميص السائق تخفق في نسيم الليل وقدماه تنزلقان على الدواستين شعرت فيفيان بشجاعة ممتعة فعلى الرغم من ان لا سلطة للدكتور سترانسوم تخوله منعها من زيارة المعبد بمفردها فان ممانعته اضفت على النزهة نكهة اضافية غذا ستخبره بانها قامت بها وتضيف ملاحظة مقتضبة عن اهتمامه غير الضروري.
بعد رحلة بدت قصيرة جدا انزلها سائق العربة عند مدخل المعبد واذ رات امراة بورمية تخلع خفيها حذت حذوها وتركت حذائها مع بائع زهور ابتاعت منه باقة من الياسمين.
بدات تتسلق السلم الضخم بدرجاته الدافئة والناعمة تحت اخمص قدميها الحافيتين على جانبي الطلعة منصات لبيع الازهار والاجراس وحلى صغيرة وشمسيات بيضاء صغيرة تهدى لبوذا. كان الباعة ينظرون اليها لدى مرورها ولكنهم لم يظهروا اهتماما زائدا بوجودها ولا عداوة بالتاكيد.
في اعلى الدرج وقفت على سطح مكشوف والقبب الذهبية الضخمة شاهقة فوق راسها. كان السطح يتوهج بنور مئات الفتائل العائمة في صحون زيت صغيرة وتفوح في الهواء رائحة ازهار الياسمين واللوطس. ثم رات فتاة بورمية رائعة امام صورة ضخمة مطلية بالذهب وراسها الانيق محني بخشوع.
انتهت من استكشاف المعبد بردهاته الكثيرة المظللة في الساعة التاسعة والنصف ولما استرجعت حذائها من بائع الازهار الودود قررت ان تعود الى الفندق سيرا على الاقدام كان الليل رائعا بملايين النجوم المتالقة في سماء مخملية سوداء فبدات تدرك معنى سحر المدار الاستوائي. في مثل هذه الساعة تبدو المدن الانكليزية مقفرة وغامضة اما هنا في رانغون فالشوارع تبدو اكثر حركة منها في النهار فالناس يجلسون القرفصاء في الشوارع يدخنون ويثرثرون والاطفال يعدون في الازقة في مكان ما يصدح غراموفون وصوت بائع متجول يغني ترويجا لبضاعته.
كانت فيفيان ماخوذة بهذا النشاط الليلي فلم تعر اهتماما للطريق بدا لها ان الرحلة الى المعبد قد استغرقت عشر دقائق وتخللها انعطافان الى اليسار اذن السير يجب ان يستغرق نصف ساعة بانعطافين الى اليمين وفيما كانت تتبع مجموعة عربات انعطفت الى اليمين وقطعت مسافة قبل ان تدرك ان الشارع اكثر هدوءا من الشوارع السابقة عند الزاوية انعطفت ثانية الى اليمين ووجدت نفسها في طريق ضيقة ومظلمة.
فيما تنبهت بانها ضلت طريقها قررت ان تتابع سيرها فبد ان تطل طريق رئيسية تستدل بواسطتها الى طريق العودة مضت عشر دقائق ولم يظهر امامها اي شارع عام فشعرت بوخزة انزعاج. فالحي الذي دخلته خطا هو من الشوارع الخلفية ذات الازقة المسدودة اما البيوت فصغيرة وكان الناس الجالسون عند مداخلها يصمتون لدى مرورها ويراقبونها بتركيز مثير للاعصاب.
ثم رات امراة عجوزا تقترب باتجاهها وعندما اصبحت قبالتها ترددت فيفيان وقالت
-فندق ستراند؟ ستراند.
نظرت المرا بعينين جامدتين وتابعت طريقها.
-ارجوك لا تذهبي… ( ومدت فيفيان يدها ولمست ذراعها) ستراند فندق ستراند.
هزت المراة راسها بازدراء وفجاة تجمهر حولها شلة من المتفرجين ولعدم اعتيادها على الطريقة السحرية التي يتجمهر بها الاسيويون فجاة حول اي شيء سواء اكان حادث سيارة او شجار محلي شعرت بالذعر اذ وجدت نفسها مطوقة بجمهور متعاظم من المتفرجين وبدات العجوز تبربر باعلى صوتها وفي كل مرة تتوقف لتاخذ نفسا تجري همهمة بين الجمهور. وفي محاولة لاسكات رعبها قالت بصوت متوتر
-اريد الذهاب الى فندق ستراند. لابد ان احدكم يعرف اين يقع فندق ستراند.
ابتسموا لها بسخرية ورات شابا مجدر الوجه على جبينه ندب جرح هميق يحدق الى حقيبتها.
تحققت انهم لا يستطيعون او لعلهم لا يريدون مساعدتها فاستجمعت قواها وهمت باجتياز الجمهور ولكن بدلا من التنحي جانبا وقفوا ثابتين فخشيت ان تفتح طريقها بالقوة لئلا ينقلبوا عليها. اطبقت اسنانها بمرارة نادمة على غرورها السخيف الذي قادها الى هذا الوضع لا جدوى من الاستغاثة في حي كهذا ربما اذا اعطتهم المال القليل الذي تحمله…؟
فجاة تبدد الجمهور مثلما قد تجمع حولها بسرعة لا تصدق. حتى المراة العجوز اسرعت بالرحيل تتمتم لنفسها.
شعرت بارتياح خالطته حيرة لانفضاضهم المفاجئ بحثث في جيبها عن منديل كانت قطرات العرق تتساقط على وجنتيها ويداها مبتلتين.
-انسة كونيل؟ هل كنت تعززين العلاقات الانكليزية-البورمية ام انك وجدت اهتمامات اصدقائنا غير مرغوب فيها؟
ترنح قلب فيفيان وبلمحة فهمت ما حصل وقبل ان تراهواقفا في الطريق على بعد امتار منها عرفت ان ذلك الصوت البارد الساخر لا يمكن ان يكون غير صوت الدكتور سترانسوم.
راقبته وقد ابكمها الخزي يسير نحوها ويده في جيبه وقت لوت فمه ابتسامة بغيضة.
سالته بصوت مرتج
-ماذا كنت تفعل هنا؟
-اقترح ان نناقش الامر فيما بعد تعالي.
امسك بمرفقها ودفعها بقوة الى الشارع.
-هذا المكان ليش افضل جزء في المدينة وسكانه غير معتادين على الضيوف الاجانب لا سيما في مثل هذه الساعة.
كان دافع فيفيان الغريزي ان تحرر نفسها من قبضته لكنها ادركت انها ستضيف بذلك زيتا على سخريته وتزيد من سخف موقفها. رضخت للامر الواقع وفي دقائق معدودة كانا قد وصلا الى احدى الشوارع الرئيسية.
اوقف الطبيب عربة وساعدها على الصعود اليها وعندما جلس الى جانبها اكتشفت ان هذه الناقلات قد صممت لاناس اصغر حجما من الاوروبيين فعلى الرغم من انها حشرت نفسها في اقصى زاويتها فانها لم تتمكن من تجنب ضغط كتفه على كتفها.
قالت بمرارة عند انطلاقهم
-لابد ان ما حصل يسرك كثيرا.
-كل كنت افضلان امضي السهرة في المطالعة لكنني كنت شبه متاكد من انك ستضلين الطريق او تقعين في قناة الامطار.
غمرت الحمرة وجهها وحمدت ربها لان ظلال فطاء العربة تخفيها عنه سالته بصوت مسحوق
-كيف صادف وجودك هنا في تلك اللحظة؟
اشعل لفافة وعلى ضوء الولاعة رات انه كان لا يزال مستمتعا
-رايتك تنسلين من الفندق.
-تعني انك تبعتني طيلة المساء؟
-نعم
-هل تمارس هواية ملاحقة الناس يا دكتور سترانسوم؟
اجاب بنعومة
-فقط عندما يصرون على الوقوع في المشاكل.
فصاحت بغضب
-اعتقد انك تجاوزت الحد الاقصى فباي حق تتعقبني في المدينة وتظن انني غير قادرة على الاهتمام بنفسي؟
فسالها بلطف
-هل انت قادرة؟
-كوني دخلت المنعطف الاخر ولم استطع التفاهم مع هؤلاء الناس لا يعني بالضرورة اني كنت معرضة للسرقة او القتل.
-بالتاكيد لا ومن المرجح انك كنت ستخافين كثيرا… حتى اكثر مما انت خائفة.
سالته بسخط
-ما الذي يجعلك تعتقد اني كنت خائفة؟
فمد يده واخذ رسغها وقال باقتضاب
-نبضك المسرع
-اه اعترف باني خفت ارجو ان يرضيك ذلك كثيرا.
-على الاطلاق فقلد حذرتك من تعريض نفسك لمثل هذا الموقف. هل من عادتك تجاهل النصح دائما ام فعلت ذلك لانني انا نصحتك بذلك؟
قالت بعصبية
-لا يمكنك ان تتوقع مني شعورا بالود تجاهك.
-لم لا؟
لم تجب.
مرت هنيهة ثم قال
-تقصدين انني لم اعرك اهتماما خلال الرحلة؟ لانني لم ابدي حماسا خاصا لجلوسي قرب الفتاة الجذابة الوحيدة في الطائرة؟
لكم كان ذلك قريبا جدا وبعيدا جدا في الوقت نفسه عن الحقيقة بحيث لم تجد شيئا ترد به.
سالها بجفاء
-اهذا ما اعتدت عليه؟ اهتمام الرجال بك؟
-كلا هذا ليس ما قصدت.
-هلا شرحت اذن ماذا قصدتيه فعلا؟
فقالت بسام
-اني… اه. لاشيء. لايهم.
احست فجاة بانها مرهقة فالحادث بحد ذاته وتوبيخات الطبيب المهينة ارهقت اعصابها اكثر مما تصورت فتاقت الى الانفراد بنفسها كي تنهي هذه المساجلة الكلامية المزعجة.
انعطفا حول زاوية وتوقفا امام الفندق فقفز سترانسوم من العربة ومد يده لمساعدتها لكنها تجاهلتها ونزلت مثقلة من التعب ومصممة على الا تسمح له بان يكتشف مدى تعبها. رمى بقطعة نقدية للصبي وصعدا الدرج الى البهو. قال
-يجب ان تغسلي قدميك بمطهر قبل ان تدخلي غرفتك. لا اظنك تريدين الوصول الى الملايو وانت مصابة بمرض جلدي.
اومات فيفيان بالقبول فمهما كرهت ان تكون مدينة له احست ان عليها واجب الاعتذار منه.
قالت بهدوء
-اسفة يا دكتور سترانسوم لانني انفعلت. انني ممتنة لمساعدتك ولن اسبب لك ازعاجا في المستقبل.
-من الافضل الا تفعلي. فليس من عادتي ان اكون حارسا في المرة المقبلة عليك ان تنقذي نفسك بنفسك ان وقعت في مازق. تصبحين على خير.
وقبل ان تتمكن من الرد انحنى امامها باحترام وابتعد عنها.
صبيحة اليوم التالي بداوا الشوط الاخير من الرحلة متوقفين ساعة في بانكوك عاصمة سيام المتالقة الى ان وصلوا الى سنغافورة بعيد الظهر حافظت فيفيان على صمت رصين طيلة المرحلة الاخيرة من الطيران لكنها شعرت رغما عنها بخيبة لان الدكتور سترانسوم لم يودعها لدى هبوطهم.
في قاعة الاستقبال التقاها روبرت ادمز محامي عرابها وهو اسكتلندي اشيب انيس الوجه يرتدي بزة قطنية بيضاء وقبعة بنامية الشكل وحال اخراج امتعتها قادها ادمز الى فندق رافلز لا شك انه توقع ان تكون اكبر سنا او مختلفة بشكل ما ولم يتوقف عن التمعن فيها كما لو انها اوقعته في حيرة.
قال لها وهما يتناولان الشاي في الردهة
-الظائرة الى موبينغ تقلع غذا في الحادية عشر يا انسة كونيل. لقد اوعزت لخادم عرابك الراحل ان يلاقيك. اسمه تشن وهو يجيد الانكليزية. من جهتي ساتي الى المنطقة خلال ثلاثة اسابيع وستكونين عندئذ قد كونت فكرة عن موضوع الارث.
وبعد ان تباحثا في الامر سالته فيفيان عرضا
-هل تعرف احدا يدعى دكتور سترانسوم في موبينغ يا سيد.
-بكل تاكيد. كان صديقا حميما للسيد كاننغهام ومستفيدا من الوصية. لا شك ان عرابك قد ذكر الطبيب في رسائله اليك.
هزت فيفيان راسها بالنفي. كان عرابها يراسلها مرتين سنويا بمناسبة عيد ميلادها وعيد الميلاد ولم يحدثها مطلقا عن اي من مواطنيه.
اخذ ادمز يقلب غليونه بعصبية ثم قال بارتباك
-اظن ان من واجبي ان اخبرك يا انسة كونيل ان عرابك كان ناسكا الى حد ما لم يكن لديه متسع من الوقت لمواطنيه وقد استعدى البعض وحسب معرفتي فقد كان الدكتور سترانسوم صديقه الحميم الوحيد فان وجدت نفسك في مازق انصحك باللجوء اليه.
كبتت فيفيان ضحكة وتسائلت عما سيقوله ادمز لو عرف انها قد التقت الطبيب وانه تنصل منها.
سالها ادمز
-هل هناك شيء اخر تريدين الاستفهام عنه لقد توقعت ان تكوني اكبر سنا طبعا هذا لا يغير شيئا والانسات الشابات اعتدن السفر بمفردهن هذه الايام.
ابتسمت فيفيان ليته يعرف كم كانت حياتها محاصرة لايام خلت.
-سيد ادمز… قد يبدو سؤالي غريبا لكن هل تعرف لماذا ترك لي عرابي ملكيته؟ اذ لم تكن هناك صلة دم بيننا ولم اره لسنوات عديدة. كنا غريبين في الواقع.
نظر اليها المحامي متاملا وقال بعد تريث
-نعم انه سؤال غريب من عدة اوجه لكن جون كاننغهام كان رجلا غريبا. لقد وضع وصيته قبل وفاته باشهر معدودة اعتقد انه كان يشعر بان شيئا ما سيحدث… وفي ذلك الحين قلت له ان وصيته غير عملية. فالامر الطبيعي هو بيع الملكية والتوصية لك بالربح لكنه اصر على ان ترثي الملكية كما هي.
فسالته بسرعة
-اذا فقد تعمد ان اتي الى هنا؟
-نعم كان يامل ذلك وسبب عدم ايضاح ذلك في الوصية نتج عن رغبته في الا تعتبري ذلك واجبا عليك. لقد فكر انك ربما كنت مرتبطة وتنوين الزواج او ان لديك مهمة لا تستطيعين قطعها.
فهمست لنفسها
-اذا كنت محقة.
ثم اردفت بصوت مرتفع
-هذا ما اعتقدته لدى تسلمي لرسالتك ولكن ذلك بدا غامضا بشكل ما. ظننت لفترة انني مخطئة ويريحني ان اعرف انني كنت محقة.
-هل لي ان اسئلك سؤالا شخصيا يا انسة كونيل؟
-بالطبع.
-هل كنت سعيدة مع اولئك الاقارب الذين عشت معهم؟
نظرت اليه وقالت بصراحة
-كلا لم اكن سعيدة. لقد احسنوا الي وانا اكن لهم امتنانا لانهم استضافوني لكنني لم اكن سعيدة ابدا.
قال باقتضاب
-هذا ما تكهن به عرابك.
-كيف حدس ذلك وهو لا يعرفهم؟
افرغ ادمز غليونه وملاه من محفظة قديمة. مرت دقائق قبل ان ينجز العملية بشكل يرضيه ثم بحث في جيوبه عن ثقاب. وعندما اشعل الغليون اعتدل في جلسته وقال بتمهل
-ربما وجب الا اخبرك بهذا لكنني اعتقد ان ذلك سيساعدك على رؤية طريقك بوضوح اكثر. عندما توفي والداك كان جون كاننغهام في الصين وحالما عرف بما حصل توجه الى بريطانيا لرؤية خالتك كان يريد ان يتبناك لكنها رفضت الافتراق عنك وقبلت بالمقابل عرضه بان يسدد اجور تعليمك ومصاريفك الاخرى.
استقامت الى الامام وهي تحدق فيه مذهولة
-ماذا؟… لم تكن لدي اية فكرة. خالتي لم تذكر ابدا امرا كهذا.
قال بجفاء
-لا… خيل الي انها لم تفعل لذلك ترين ان الصلة بينك وبين عرابك كانت اقوى مما ظننت.
اذهلتها هذه الاخبار فقالت بعد صمت طويل
-اذن في الوقت الذي كنت اعتقد انه يجب علي ان اعترف لخالتي بفضلها علي كان عرابي هو الذي يعيلني فعليا.
-نعم هذا ما حصل فعلا.
-اذا كان عرابي يريد ان يتبناني لماذا رفضت خالتي؟ فهي لم تحبني ابدا.
-قلما تكون دوافع الناس واضحة ارجو ان لا اكون اقلقتك يا عزيزتي باطلاعك على هذه الوقائع لكنني كنت اكن محبة واحتراما كبيرين لجون كاننغهام واعتقد انه يجب ان تعرفي الحقيقة فقد يؤثر ذلك على قرارك بالنسبة الى مستقبل الارث.
اجابت بهدوء
-انا مسرورة جدا لانك اخبرتني يا سيد ادمز ليتني عرفت ذلك منذ فترة طويلة هذا يفسر اشياء كثيرة عجزت عن فهمها.
لم يكن ادمز رجلا يعبر عن عواطفه كان عازبا يتضايق من سلوك الفتيات العصريات بتبرجهن وحركاتهن غير المتكلفة اما الان ولاول مرة منذ سنوات طويلة شعر بحنان غريب نحو هذه الفتاة الصغيرة ذات العينين الصافيتين والنظرات الحائرة ولدهشته راى نفسه يربت على يدها ويقول بلطف
-يجب ان ترتاحي الان لقد اجتزت مسافة طويلة واماك اكثير لتفعليه عندما تصلين الى موبينغ ستجدين تشن الذي سيهتم بك. ساتي لزيارتك بعد اسوبع او اسبوعين في هذه الاثناء بامكانك الاتصال بي هاتفيا في مكتبي تشن يعرف الرقم اتمنى لك حظا سعيد يا عزيزتي واذا جاز التعبير اعتقد ان عرابك قد ترك ارضه بايد امينة.
عندما استاذن وخرج جلست فيفيان تعيد التفكير بما كشفه لها لقد غال عنها في البداية سبب رفض خالتها ان يتبناها عرابها ثم بدات الدوافع تتراءى لها تدريجيا.
جون كاننغهام كان اقرب صديق لوالدها ومن المرجح انهما كانا متشابهين وبرفضها التنازل عن وصاية ابنة اختها ربما شعرت السيدة سنكلير انها كانت تنتقم من مايكل كونيل الذي كانت تبغضه بطريقة غامضة وملتوية ومع ذلك فقد قبلت المالة لاعالة فيفيان.
احست بموجة قرف اثلجت اطرافها وفكرت بحماسة “لن اعود ابدا… ابدا”.
لم تدرك انها غرقت في افكارها لاكثر من ساعة سالها نادل المطعم الصيني عما اذا كانت ترغب في تناول شراب قبل العشاء ابتسمت له وهزت راسها نفيا وذهبت الى غرفتها حيث اخرجت حاجاتها لقضاء الليل. ثم توجهت الى مكتب الاستقبال واملت برقية مقتضبة لعائلة سينكلير تبلغهم بانها وصلت بهير. كما تاكدت من ساعة اقراع الطائرة الى موبينغ صباح اليوم التالي وحجزت سيارة لتنقلها الى المطار.
سارت نحو قاعة الطعام وهي تتسائل كيف ستمضي المساء حين سمعت صوتا يقول
-عفوا هل سمعتك تقولين انك ذاهبة الى موبينغ؟
ورات رجلا نحيفا اشقر الشعر يرتدي سروالا قطنيا ناصع البياض وقميصا مفتوحا عند العنق يقف الى جانبها.
-ارجوك اعذريني لتحدثي اليك بهذه الطريقة ولكن هناك نحو ثلاتين اوروبيا في موبينغ فقط وعندما نسمع بوصول شخص جديد تنتصب اذاننا تلقائيا.
ثم ابتسم ليسترضيها فبدت اسنانه ناصعة البياض اردف قائلا
-ادعى باركلي. جوليان باركلي. اني عائد بطائرة الصباح ايضا لذلك يمكنني ان اعرف عن نفسي يا انسة…
فقدمت فيفيان نفسها
-ارجو ان لا تكوني غاضبة يا انسة كونيل؟
سالته بتعجب
-كلا ولماذا اغضب؟
قال بضحكة خفيفة
-الفتيات الجميلات يحذرن دائما من التحدث الى رجال غرباء اليس كذلك؟ ويفترض في سنغافورة ان تعج بذوي الاخلاق المنحلة. اسمعي لماذا لا نتقاسم غروب الشمس معا واحدثك كل شيء عن موبينغ؟ ام ان عائلتك ترافقك؟
-كلا انا هنا بمفردي.
-حسنا هل نتوجه اذن الى البهو؟ الجو ابرد هناك ولن يزدحم قبل فترة.
بينما كان مضيفها يطلب الشراب القت عليه فيفيان نظرة فاحصة. بدا في السابعة والعشرين وغير متكلف تبادر لها انه نقيض الدكتور سترانسوم والسلوك معا.
سالته لدى وصول الشراب
-كم من الزمن امضيت في الملايو يا سيد باركلي؟
-ستة اشهر للاسف “واخرج علبة سكائر ذهبية قدمها لها” انني رجل مغترب يعيش من اموال الوطن. فعائلتي رات انني لا احمل الحياة محمل الجد فارسلتني الى هنا لاعاني قسوة الحياة لفترة ما. كان بالامكان ان يكون الوضع اسوء. ما الذي جاء بك؟ لا تبدين مرشدة اجتماعية وانا متاكد انك لست بمبشرة ايضا.
قالت فيفيان بتهرب
-اه… الاعمال فقط.
اعجبها جوليان باركلي للوهلة الاولى ولكن بعد الذي سمعته من المحامي عن وجود خصوم عرابها في بعض المناطق شعرت انه من غير الحكمة ان تاتمنه على اسرارها قبل ان تتعرف اليه عن كثب.
ان كنت ستتوجهين الى فندق الاستراحة فسوف تحتاجين الى قناع واقي من الغاز فهذا موسم الدوريان.
-موسم ماذا؟
-الدوريان. انها فاكهة استوائية لذيذة لكن رائحتها كالبيض الفاسد اثناء الموسم تعبق المدينة باسرها برائحتها وفندق الاستراحة يقع مقابل سوق الفاكهة.
-الامر سيان فانا لن انزل هناك.
ضحكت لمراى الفضول يرتسم على وجهه فسالته
-هل موبينغ مدينة كبيرة؟
استند جوليان الى مسند كرسيه ومدد ساقيه فلاحظت انه ينتعل حذاءا مصنوعا باليد علبة سكائره وولاعته من الذهب وكذلك ساته دون ريب. يبدو انه شاب ذو امكانيات. قال
-انها متوسطة الحجم. هناك ناد للسباحة وقاعتان للسينما ومخزن اوروبي اجتماعيا هي ميتة. الجميع يعرف الجميع وليس هناك ما يفعلونه سوى الاكل والشرب والنوم والثرثرة. وبعد ان توفي رجل الاسرار اصبح سوق الفضائح راكدا.
-رجل الاسرار؟ من هو؟
-رجل عازب كبير السن غريب الاطوار عاش بمفرده في قصر ضخم على حدود المدينة ورفض التعاطي معنا جميعا. كان ينتقل في سيارة رولز-رويس قديمة وعلى سطحها شعار علم بريطانيا كان مجنونا بالطبع وكنا نتسلى بالتحدث عن تصرفاته الغريبة.
تذكرت ما قاله لها ادمز في وقت سابق فسالته
-الم يكن يدعى كاننغهام؟
-بلى. اذا انت سمعت عنه؟
لم يعد لديها خيار الان الا ان تكشف الامر فقالت له بهدوء
-لقد كان عرابي.
فارتفع حاجباه وقال بارتباك مثير للضحك
-يا الهي. انني متاسف للغاية. طبعا لم تكن لدي اية فكرة… هذا سيجعل الالسنةتدندن. اتقصدين انك ستعيشين في ذلك الضريح الضخم؟ اه يا الهي لم اقصد ذلك. اقصد انهم بقولون انه قصر حقيقي من الداخل اسبه بقصر حكاية الاميرة النائمة ويحيط به حاجز من الادغال.
قبلت فيفيان اعتذاراته المتدفقة واقرت له بانها ستقيم في منزل عرابها مدة من الزمن.
فقال
-من الافضل ان تهيئي نفسك لان تكوني الموضوع الرئيسي لثرثرة موبينغ لمدة اسابيع. فالجميع سيريد رؤيتك… اتسائل كيف ستكون ردة فعل الدكتور سترانسوم؟
-الدكتور سترانسوم؟ لقد التقيته في الرحلة من لندن.
-حقا؟ اه نعم الان ادركت لقد ذهب الى بريطانيا بعد وفاة كاننغهام عرابك لالقاء محاضرة كيف وجدتيه؟
-بالكاد عرفته. لماذا تتوقع منه انطباعا مختلفا؟
قال جوليان بشيء من التلذذ وكانه يتوقع موقفا مثيرا
-لانه الاوروبي الوحيد الذي كان على علاقة بعرابك ولانه من النوع الذي لا يابه للنساء اعتقد انه لم يعرف من تكونين حقيقة؟
-كلا لا اعتقد.
-اه يا انسة كونيل اتوقع ان تصبح الحياة اكثر حيوية بعد مجيئك اننا بحاجة لما يبعد عنا الملل واذا لم اكن مخطئا فان وصولك سيثير ضجة.
قالت بحرج
-ارجو الا يحصل ذلك. لا اريد ان اكون محط اهتمام.
-انت اول فتاة اجدها عازفة عن ذلك. فمعظم الفتيات يثيرهن الاهتمام.
-لابد انني مختلفة عنهن فانا افضل الهدوء والسكون سيد باركلي اتسائل ان كنت لا تمانع في عدم ذكر التقائك بي؟ فاذا كنت ساكون مدار حديث فانا احتاج الى يوم او يومين لاستقر اولا.
فقهفه ضاحكا وقال
-اسف ولكن من الواضح انه ليس لديك فكرة عن مدينة صغيرة في الملايو اولا ان سكان البلاد سيهتمون بك بقدر ما سيهتم بك الجمهور الانكليزي ثم لا امل لديك باجتياز المدينة من دون ان يلاحظك احد.
واضاف
-لاتقلقي يا فتاتي العزيزة فقليل من الكلام لا يضر احدا وهو سيتوقف عندما يرون انك كائن بشري فالثرثرة تحتاج الى شيء تقتات به وانت تبدين لي طبيعية وساحرة للغاية.
ثم رمقها بابتسامة معينة لم يكن هناك مجال للخطافالاعجاب واضح في عينيه الفرحتين البنيتين شعرت فيفيان باحمرار ينسل من حلقها الى وجهها ثم قال
-ها تتناولين العشاء معي؟ لا يمكنك ان تمضي اول مساء في سنغافورة وحيدة. كذلك اريد ان ابحث معك في هذا الوضع المثير. ارجوك قولي نعم.
حاولت فيفيان ان تتصور رد فعل عائلة سنكلير لو استطاعت رئيتها تجالس شابا غريبا ودعاها لتناول العشاء انهم سيصدمون حتما ويعارضون. الدكتور سترانسوم سيعارض ايضا وحدست بانه سيعتبر جوليان شخصا يعوزه التهذيب.
قال جوليان مستفزا
-تبدين شديدة الشك. هل تريدينني ان انادي المدير ليطمئنك بانني مواطن محترم ملتزم بالقانون؟
ضحكت معجبة بطريقته المتهورة في معالجة الحياة وبسهولة تودده.
واجابت برزانة
-شكرا يا سيد باركلي سيسرني تناول العشاء معك.

نهاية الفصل الاول
برديس and نور محمد like this.
تسلم الايادي

والله يعطيك العافية
شك وبارك الله فيك را لك … لك مني اجمل تحية .
شكرا لكن على المرور نورتوا
الفصل الثاني
2- اخدها الهلع امام منظر الطريق الوعرة المهملة. لا يعقل ان يكون هذا مدخل قصر فخم. وبخوف متزايد خطر لها ان تشن لا بد ان يكون محتالا.

-هاهي موبينغ… قلب الشرق الغامض.
وابتسم جوليان باركلي بسخرية وهو يشير الى مجموعة سطوح تتلالا في شمس المغيب.
ولتوقها الى رؤية المحطة الاخيرة في رحلتها انحنت فيفيان الى الامام وتفحصت المناظر الحوية من هذا الارتفاع ومن هذه المسافة بدت موبينغ اكبر بقليل من قرية منتشرة.
-ما هذه القبب البيضاء؟
تطلع جوليان من فوق كتفها
-اه هذا قصر السلطان والقبة الكبرى تشير الى الحريم حيث يقفل على نسائه الجميلات.
-حقا؟
اخذت الطائرة تهبط واصبح بامكانها ان ترى طريقا واسعة يجللها العشب ودروبا خاصة وحدائق فسيحة على جانبيها.
قال لها جوليان
-هذا هو شارع غوبنغ حيث يقيم الصينيون الاغنياء ومعظم الاوروبيين اما نادي السباحة فابعد بقليل… طبعا لديك حوضك الخاص لذا لست مضطرة الى القدوم الا اذا اردت ذلك.
-حوضي الخاص؟
-الم تعلمي ان السيد كاننغهام بنى حوضا لدى شرائه البيت؟ لم يره احد منا لكن الشائعة تقول انه يليق بهوليود.
-لم تكن لدي اي فكرة ارسل لي المحامون بعض التفاصيل عن المنزل واضافوا انه توجد حديقة كبيرة وعدة اطيان من الممتلكات الصغيرة.
رفع جوليان حاجبا ساخرا
-ممتلكات صغيرة هه؟ انه لكلام متواضع حقا في الملكية ما يشكل عمليا قرية لقد جعل عرابك هوايته اعادة تاهيل سجناء محليين باعطائهم قطع ارض للحرائة لا تقلقي فحسب معلوماتي ليس بينهم مجرمون خطيرون.
فقالت بصوت منزعج
-يا الهي لم اعلم باحتمال وجود مستاجرين اين تقع الاملاك؟ هل يمكنني رؤيتها من هنا؟
اشار بالنفي
-انها في الطرف الاخر من المدينة دعيني اتي الى البيت لاطمئن الى استقرارك بسلام ففكرة انتزاعك الى المجهول بمفردك لا تروق لي.
بدات الطائرة تحط وفيما كانا يشدان حزام الامان قالت فيفيان
-هذا لطف بالغ منك يا جوليان لكني افضل الذهاب بمفردي. الخادم يجيد الانكليزية وساكون على اتم ما يرام.
حمل جوليان حقيبتها بيد وتابط ذراعها باليد الاخرى وتوجها معا الى الجمارك. وفيما كانت تنظر الى ضابط الجمارك وهو يفحص حقيبتها بشكل الي لمس جوليان يدها عندما استدارت وجدت صينيا قصيرا ونحيفا يقف بجانبهما كان يرتدي بدلة قطنية ناصعة البياض ويمسك بقبعة بنامية وعلى كمه شريطة سوداء عمره صعب التحديد يتراوح ما بين الاربعين والستين عاما ووجهه خال من اي تعبير.
قال بصوت ناعم ورفيع
-اهلا وسهلا في موبينغ يا انسة كونيل انا تشن خادم المرحوم السيد كاننغهام الاول انني انتظر تعليماتك.
قالت فيفيان
-كيف حالك تشن؟
ثم تسائلت عما اذا كان هظا الرد يصلح لاستقباله المتقيد بالرسميات مدت يدها تلقائيا لكن الصيني انحنى امامها ثانية وقال
-السيارة بانتظارك عندما تصبحين جاهزة.
وقف جانبا واشار الى صبي صغير يحمل الحقيبة.
واذ فاجا هذا اللقاء فيفيان استدارت لتودع جوليان ولمحت غمزة خفيفة فاقترح قائلا
-ما رايك في الذهاب الى النادي هذه الليلة؟ لا يمكنك قضاء سهرتك الاولى وحيدة فان جئت في حوالي الثامنة سيكون لديك الوقت لتتعرفي على الوضع ويمكنني ان اعرفك الى بعض المقيمين البريطانيين.
-اذن ساكون جاهزة في الثامنة.
احتفظ بيدها اكثر مما يجب فبعث وميض عينيه احمرارا في وجنتيها.
قادها تشن الى الموقف حيث شاهدت سيارة رولز رويس قديمة الطراز.
وفكرت فيفيان حين اوصلها الى المقعد الخلفي الوثير
-يا للسماء ما هذا الغنى
في البداية جلست مستقيمة وتواقة الى رؤية كل شيء لكن عندما وصلا الى المدية لاحظت ان السيارة كانت تلفت الانظار فانكفات الى زاوية بعيدا عن العيون السوداء الفضولية التي كانت تحدق فيها. ثم اضطر تشن الى السير ببطء لان المارة كانوا يتجولون في الشارع غير عابئين بالسيارات المقبلة وتوقف في مكان ما للسماح لصف طويل من اطفال المدارس الصينيين بالعبور ورات فيفيان امراتين انكليزيتين تسيران على الرصيف. ولدى محاذاتهما الرولز راتهما تسمرتا في مكانهما محدقتين فيها وكانها شبح.
بعد اجتيازهما المدينة زاد تشن سرعته. ثم تركا الطريق العام وسلكا طريقا اضيق تتخللها من جانب منحدرات تكسوها الاشجار ومن الجانب الاخر نهر بطيء.
اخذها الهلع امام منظر الطريق الوعرة المهملة. لا يعقل ان يكون هذا مدخل قصر فخم وبخوف متزايد خطر لفيفيان ان تشن لابد ان يكون محتالا امسكت بطرف المقعد وهي تتسائل عما اذا كانت ستتجرا على القفز من السيارة والعودة الى الطريق على امل اللقاء بسائق اخر. ليتها قبلت عرض جوليان بمرافقتها.
لكن حين مدت يدها لتفتح الباب مالت السيارة في انعطاف مفاجئ تنهدت ارتياحا واستلقت الى الوراء على الجلد المنجد.
كان تحولا مذهلا منذ لحظة بدا وكانهما يدخلان غابة اما الان فالطريق ممهدة بالحصى الناعم وتحيط بها جنائن خضراء تتخللها شجيرات منسقة ثم انعطفا مرة ثانية ولاول مرة رات فيفيان ارثها بيت الينابيع السبعة.
البيت طويل ومنخفض تعلوه افاريز صينية معقوفة فيها مصاريع نوافذه الخضراء مفتوحة على الجدران البيضاء كانت هناك شرفة فسيحة تمتد على طول الواجهة ونباتات مزهرة تلتف حول الاعمدة الرشيقة التي تسند السقف كالعرائش.
انتزعها همس تشن المهذب من تمتعها العميق وبدون ان تتفوه بكلمة تبعته الى الشرفة عبر بوابة ضخمة من الخشب الى بهو معتم ومبرد بمراوح عالية.
والتقت عيناها بستى ازواج من العيون البنية.
فقال تشن
-هؤلاء هم خدمك يا انسة كونيل.
انحنت ست رؤوس ملساء احتراما ثم اطلق تشن ستة اسماء اسيوية وكانه قائد وحدة عسكرية يقدم جنوده للتفتيش وفي الاخير قدم فتاة صينية كاللعبة ترتدي بدلة قطنية وسروالا واسع الساقين كانت تدعى كيم.
قال تشن بانكليزية خالية من الاخطاء
-لم يكن لدى السيد كاننغهام نساء هنا انما لدى سماعي بمجيئك اخذت المبادرة بتوضيف وصيفة لك.
-شكرا تشن كان ذلك في غاية الاهتمام.
ثم ابتسمت لكيم وحصلت في المقابل على انحناءة خجولة.
وسال تشن
-هل ترغبين ان تقودك الى غرفتك؟
-نعم ارجو ذلك كان الجو حارا جدا في الطائرة واود الاستحمام.
-حسنا ساطلب الشاي بعد ان تتناولي الطعام وترتاحي ساريك البيت.
ثم صفق فاختفى الخدم باستثناء كيم. كلمها تشن بالصينية ثم التفت نحو فيفيان قائلا
-انها لا تتقن الانكليزية جيدا. فاذا وجدت صعوبة في افهامها رغباتك اقرعي الجرس وساحضر.
فتحت الوصيفة بابا واشارت لفيفيان بان تتبعها. اجتازتا حجرة انتظار ودخلتا شقة اوسع بكثير من الاولى حسث الجو منعشا.
واكتشفت فيفيان فيما بعد ان هذا الجزء من البيت مكيف. كانت النوافذ محجوبة بستائر حديدية مستقيمة تتخللها الشمس بتالق ذهبي جميل. في مواجهتها سرسر ضخم تعلوه لوحة مرصعة بعرق اللؤلؤ ويغطيه دثار من الحرير العاجي مطرز بازهار قرمزية. ويتشكل الاثاث الاساسي من اريكة منخفضة تراكمت فوقها طراريح مطرزة وخزانة خشبية ضخمة محفورة ومكتب قرمزي. اما الارضية فكانت مبلطة ببلاط فستقي وتكسوها عدة سجادات انيقة من صنع بخاري. وفيما كانت فيفيان تستحم سمعت ادخال حقيبتها الى الغرفة المجاورة ولما دخلت الغرفة كانت كيم قد جهزت لها ثيابا نظيفة.
بعدما ارتدت ثيابها ومشطلت شعرها قادتها الوصيفة الى الشرفة حيث جهزت عربة الشاي قرب مقعد من الخيزران. وعلى الرغم من عدم اعتيادها على نكهة الحليب المعلب شربت كوبين من الشاي وتناولت عدة سندويشات رقيقة.
لم تكد تنتهي حتى ظهر تشن وسالها
-هل ترغبين الان في رؤية المنزل؟
فقفزت واقفة وقالت
-بالتاكيد (واضافت) تشن هل كان السيد كاننغهام يشغل الغرفة التي اشغلها الان؟
-كلا يا سيدتي فان غرفته تقع في الطرف الاخر من الباحة الداخلية.
شعرت بانها لن تنسى مدى الحياة هذه الجولة الاولى في المنزل.
فكل غرفة تبدو اكثر روعة من سابقتها. شرح لها تشن ان المنزل بني على شكل مستطيل يحيط بفناء داخلي بحيث تتمتع كل غرفة بنوافذ على جهتين في الايام الحارة من النهار تكون الستائر مغلقة والنور الخافت يظل مريحا للبصر.
لدى وصولهما الى قاعة الاستقبال شهقت فرحا فكل شيء هنا مصمم على شكل تموجات رمادية مختلفة بدءا من الجدران وانتهاء باغطية الكتان الرمادية الغامقة التي تغطي الكراسي والارائك. ان مثل هذا التصميم مثير للقشعريرة وللكابة في بلد كانكلترا اما هنا في الخط الاستوائي فانه يوحي ببرودة معتدلة وباتساع المكان.
قال تشن وهو يقودها نحو خزانة واسعة ملاى بالاوعية الغريبة الاشكال وبالثناثيل الصغيرة المنحوثة.
-هذه هي مجموعة الجاد الشهيرة انها غنية جدا استغرق جمعها سنين عديدة.
لفتت انتباهها لوحة معلقة في فجوة في الجدار. كانت تمثل بيتا ابيض يطل على شاطئ. وفجاة احست احساسا غامضا بانها تعرفها. اقتربت اكثر ورات في الزاوية اليسرى توقيع م. كونيل. فهنا على حائط غرفة الاستقبال يوجد تذكار لجنة طفولتها المفقودة.
-هل تشعر سيدتي بتوعك؟
-لا لا انا بخير يا تشن.
وكبتت الدموع المفاجئة التي لسعت جفنيها ثم قالت بنعومة
-هذه صورة البيت الذي ولدت فيه. رسمها ابي. وقد توفي منذ سنوات عديدة.
لم يبدي الصيني اي تعليق لكن تعبيرا غريبا تارجح في عينيه السوداوين. وبعد قليل سالها
-هل ترغبين في رؤية الفناء؟
-نعم بكل تاكيد.
تقدمته عبر الباب وقد بهرها سطوع الشمس الذي لم يتضاءل ووجدت نفسها في حديقة مسورة. ولدهشتها رات شجرة ياسمين كبيرة تحمل كمية كثيفة من الازهار البيضاء وتحتها اريكة هزازة مظللة ووراء الشجر حوض منخفض يحيط بتمثال حجري.
ابتعد تشن ولمس مفتاحا كهربائيا على جدار البيت فانبعثت هسهسة خفيفة وفجاة انطلق ستار من الماء فوق الحوض فانتفضت فيفيان وصاحت
-اه بالطبع الينابيع.
سبعة نوافير بالفعل اعلاها يخرج من راس التمثال بينما تتدفق الست الاخريات على الجوانب كبتلات زهرية رائعة متالقة.
وصاحت
-ما اجملها ان خريرها كالموسيقى.
وكطفل مستمتع مدت يديها ليتساقط عليهما رذاذ الماء الناعم.
كانت كل قطرة تلمع كالبلور. وعندما استدارت لتكلم تشن كان قد ذهب.
جلست في الفناء تراقب النوافير وبين حين واخر تسقط بتلة من اغصان الشجرة ومرت فراشة زمردية الجناحين فوق كتفها. كان خرير الينابيع مهدئا للغاية فاستلقت على الاريكة الهزازة وشعرت بالنوم يتسلل اليها تسللا.
عندما استيقظت كان نور الشمس قد خف وكيم تقف الى جانبها مبتسمة وهي تحمل كوبا كبيرا من العصير. قالت برضى
-لقد نامت سيدتي جيدا.
اخذت فيفيان تشف العصير وتطلعت الى ساعتها. انها السادسة والنصف تسائلت في اي وقت ينوب تشن تقديم العشاء وجاء الجواب على تساؤلها بظهور صبيين صغيرين من الخدم يحملان طاولة وضعاها بجانبها وشرعا في وضع الصحون.
عندئذ خرج تشن وقال
-كان من عادة السيد كاننغهام تناول العشاء هنا لكن اذا كانت سيدتي لا ترغب في ذلك…
-بل ارغب في ذلك اذ لا يمكنني ان افكر في مكان اجمل منه لتناول الطعام.
فقال تشن وهو يقرب شوكة ويصحح مكان الابريق
-الليلة ستذهب سيدتي الى النادي مع السيد باركلي لذلك طلبت العشاء ساعة قبل الموعد المحدد.
كادت فيفيان ان تساله كيف عرف انها ذاهبة الى النادي حين تذكرت انه كان يقف الى جانبها عندما وجه اليها جوليان الدعوة الى ذلك. وعلى الرغم من ان وجهه يشكل لغزا الا انها بدات تكتشف الكثير عن الخادم الاول لعرابها بطرق غير مباشرة. لم يكن خادما عاديا كما بدا واضحا. وملامح السلطة وتالفه مع كل قطعة من مجموعة الجاد كانت تشير الى انه كان على علاقة وثيقة بعرابها.
تسائلت عما شعر به ازاء مجيئها. هل استاء في سره؟ هل يشك في امرها؟ هل ادرك انها ستبقى هنا فترة قصيرة؟ مهما تكن الاجوبة على اسئلتها فقد باتت لديها قناعة راسخة بانه من المهم جدا ان تكون على علاقة ودية مع تشن.
كان العشاء ممتازا. قرص من العجة خفيف كالريشة تبعه قريدس بالتوابل ثم فاكهة اناناس مع القشوة.
قبل ان تدق الساعة الثامنة بثوان نعدودات سمعت فيفيان هدير سيارة تصعد الطريق وبعد برهة لفت سيارة مكشوفة الغطاء المنعطف الاخير وتوقفت مثيرة هبة من الحصى. ولما قفز جوليان من مقعد القيادة بادرها وهو يصعد الى الشرفة ويرفع يدها ليقبلها
-مرحبا تبدين في غاية الانتعاش والجمال. (واضاف) بالمناسبة لقد انتشر نبا وصولك النار في الهشيم. كنت امل ان ادخل بك النادي لاراقب وجوههم وانا اعرف عنك. ولكن يبدو ان ثرثارتين راتاك تعبرين المدينة في سيارة كاننغهام وتكفلتا باذاعة الخبر فورا.
فقالت مترددة
-نعم رايتهما. لقد بدتا في غاية الذهول. اني اخشى مقابلة الجميع.
-لاتقلقي. ساهتم بك. كان يجب ان تحملي معطفا فالطقس بارد فيما بعد.
فكرت فيفيان بحرج ان المعطف الوحيد الذي تملكه هو عبارة عن سترة صفراء من الصوف المحبوك. وفيما توقفت مترددة ظهرت كيم في المدخل وهي تحمل على ذراعها شالا من الحرير الابيض.
قالت
-الليل قارس جدا. خذي سيدتي هذا.
فسالها جوليان
-اي نوع من الرجال يمثل خادمك الاول؟ ففكرة قضائك الليل بمفردك لا تروقني.
فقالت بثقة
-ساكون في امان كلي في البيت. فتشن يبدو كفؤا وكيم في غاية اللطف.
-لا يمكنك مطلقا ان تطمئني الى الصينيين. فقد ينحنون احتراما امامك لسنوات ثم يقطعون عنقك بدون رحمة اذا كان ذلك يناسب مصالحهم.
وحين راى نظرتها المشدوهة اضاف بسرعة
-هذا لا يعني انك قد تتعرضين شخصيا لخطر كهذا. فعرابك كان على اتفاق معهم. من الضروري ان تريهم بانك الرئيس والا استغلوك بطرق ملتوية.
تركته يقودها عبر غرفة الانتظار الى القاعة الرئيسية بتوتر يبعثه خوف الظهور على المسرح ولكن مع ابتسامة توحي بالرزانة وما ان عبرا العتبة حتى لف الصمت القاعة باسرها. لم يستغرق ذلك عشر ثوان عاد بعدها طنين الحديث لكن فيفيان شعرت خلالها ان اربعين عينا اخذت تتفحصها من قمة راسها الى اخمص قدميها. ولولا يد جوليان على ذراعها لاسرعت هاربة.
بدت المسافة القصيرة الى المقصف وكانها مائة متر. وعندما ساعدها جوليان على الجلوس على احد المقاعد العالية وجلس الى جانبها شعرت وكانها بذلت جدها عضليا عظيما.
-ماذا تتناولين؟
-عصير اذا سمحت.
-لابد ان تاخذي شيئا اقوى من العصير ما رايك؟
-افضل تناول مرطب خفيف.
-كما تشائين.
اخذت فيفيان تراقب اخوانها الاوروبيين خلسة. معظمهم كانوا متوسطي العمر باستثناء مجموعة من الضباط الشبان في احدى الزوايا وامراة شقراء تجالس بعض الرجال الماجنين قرب النوافذ.
قال جوليان وقد تبع نظراتها
-الرجال ذوو العيون المحتقنة بالدم مزارعون يممضون اجازتهم الاسبوعية اما الشقراء الجميلة فزوجة ضابط يقضي معظم وقته في الادغال. انها تشغل نفسها في غيابه كما ترين.
-الا تعتقد انها تصيغ الامور بطريقة مشوهة للسمعة؟
-ليس تماما فلا احد يهتم هنا بهذه الامور الصغيرة فالزواج المبارك سرعان ما يصبح مملا في الشرق وجميعنا متحررو الافكار.
انعكس امتعاضها على وجهها فتلاشت ابتسامته الساخرة وسالها سريعا
-ما بك؟ هل العصير حامض؟
اشارت بالنفي لم يكن الوقت مناسبا لتناقشه حول المناقب وسيعتقد انها ساذجة جدا لو باحت له بانها ليست متحررة الافكار كمواطنيها. وبرغم بغضها للطريقة المستهترة التي تحدث بها عن تسليات السيدة الشقراء لم تشا ان تنفد دعمه عند هذا الحد.
وفجاة انبعث صوت
-جوليان يا لك من شقي لماذا لم تحضر الحفلة التي اقمتها يوم الجمعة؟
واقتربت امراة قصيرة بدينة ذات عينين سوداوين براقتين وتسريحة معقدة مصبوغة بالازرق وهي تنظر الى جوليان بمزيج من العتاب والغنج.
فقال وهو يقبل اناملها البدينة بحركة مسرحية
-مرحيا يا مادج. اسف بخصوص الحفلة فقد انشغلت تلك الليلة الم تقراي رسالتي؟
فقالت بخبث وهي تلكمه بمروحتها مداعبة
-عمل؟ لا اصدق ذلك. اعتقد انه كانت لديك مهمة اكثر اثارة مع احدى جميلاتك الصينيات يا ماكر.
فسعل جوليان وبدا عليه الارتباك. ثم قال بشيء من التسرع
-مادج اعرفك الى الانسة فيفيان كونيل. فيفيان… السيدة كارشلتون.
فقال السيدة كارشلتون وعيناها تتفحصان وجه الفتاة وقامتها بسرعة وشمولية
-اهلا بك في موبينغ يا عزيزتي اذن السيد كاننغهام كان عرابك لقد صدمنا جميعا نبا وفاته كان رجلا رائعا.
فسالتها فيفيان
-هل عرفته جيدا؟
-ليس بشكل حميم طبعا كان متحفظا كالعديد من الرجال اللامعين لكنني كنت شديدة الاعجاب به واذا كان بامكاني مساعدتك باي مجال فيجي ان تطلعينني على ذلك فورا.
-هذا لطف منك.
-هراء سيكون من دواعي سروري اعتقد انك في غاية الشجاعة لتاتي الى هنا بمفردك كيف وجدت البيت؟
-لم تسنح لي الفرصة بعد لاستكشافه بدقة.
-اقدر ذلك جوليان لماذا لا تاتي بالانسة كونيل الى طاولتنا؟ الجميع متشوقون للتعرف اليها.
خلال ساعة واحدة وجدت فيفيان نفسها تتعرف الى سلسلة من الغرباء الذين تحدثوا عن المرحوم جون كاننغهام بعبارات ودودة بحيث يصعب عليها التصديق بان عرابها كان ناسكا مشاكسا وعلى خصام مع مواطنيه الاوروبيين. الا ان جوليان نفسه قد اكد لها من قبل اقوال السيد ادمز.
كانت تصغي الى فكاهة طويلة يرويها رجل ممتلئ الوجه ذو شارب احمر عندما بدات السيدة كارشلتون فجاة تلوح لقادم جديد.
فتطلعت فيفيان حولها ورات فتاة في عمرها تقريبا تقف عند الباب.
وهتفت السيدة كارلشتون.
-حبيبتي كارا تعالي واجلسي معنا.
وبعد تردد بسيط تقدمت الفتاة نحوهم.
حتى لم لم تتمتع كارا ميتلاند بقامة متناسقة وملامح كلاسيكية لكانت استرعت الانتباه فالوانها تركيبة نادرة من الشعر الاسود والعينين الزرقاوين والبشرة البيضاء العاجية يبرز مفاتنها فستان مفصل كثوب اغريقي تاركا كتفا عاريا مشدودا عند الخصر فيما اظافرها الطويلة مطلية بطلاء احمر فاقع.
لم تبتسم كارا وكانت في صوتها نبرة سخرية او عداء. احست فيفيان بمدى انعدام اللون في شعرها الاشقر وفستانها الباهت ازاء جمال كارا المفعم بالالوان.
بعد ان جلست كارا الى جانبهم قالت السيدة كارشلتون لفيفيان
-ياعزيزتي لابد انك وكارا في العمر ذاته؟
فسالتها فيفيان
-هل تقيمين في الملايو منذ مدة طويلة؟
اجابت الفتاة الاخرى
-منذ ستة اشهر امضيت معظم حياتي في الترحال. بعد فترة يكتشف المرء ان كل الاماكن تتشابه كثيرا… وفي النهاية يصبح الامر مملا.
نظرت السيدة كارشلتون الى كارا وقالت
-يفترض في سنك ان تكون الحياة مغامرة مليئة بالفرص والتجارب.
فنظرت اليها كارا بازدراء وقالت ببرودة
-انت دائما مثالية يا مادج.
فقالت السيدة كارشلتون ببعد نظر
-ستغيرين رايك عندما تعرفين الحب.
فلفت كارا ساقيها واخذت تراقب حذائها الفضي وسالت بتهكم
-ولمن تقترحين ان امنح قلبي الفتي؟ لاحد مرؤوسي والدي المندفعين؟ ان رواتب الضباط الصغار ضئيلة جدا للاسف ولا اريد الحرمان في حياتي.
طقطقت مادج باسنانها وقالت
-هناك بعض العزاب المناسبين في موبينغ يا عزيزتي الدكتور سترانسوم مثلا فهو وسيم جدا واعتقد ان دخله جيد.
فضحكن كارا
-طوم متزوج من عمله يا مادج واذا نزل يوما من عليائه فسيكون من اجل فتاة جدية لا تمانع في ان تتقاسمه مع مجموعة من الاهلين المرضى.
نفضت رماد لفافتها ثم اشعلت لفافة اخرى وتابعت قائلة
-اني اتسائل احيانا اذا كان طبيبنا المحترم يشكو الوحدة فعلا فقد يكون مسليا اكتشاف ذلك.
فشرحت السيدة كارشلتون لفيفيان
-الدكتور سترانسوم شاب صارم جدا وهو يمارس الطب في الحي الصيني ولسبب ما يفضل المرضى الوطنيين على الاوروبيين.
فاجابت
-لقد التقيته وفهمت انه كان صديقا لعرابي.
فنظرت اليها المراتان باهتمام مفاجئ وسالتها مادج
-بحق السماء اين التقيته؟ ظننت انك وصلت اليوم؟
-كان في الطائرة القادمة من لندن الى سنغافورة وجلسنا في مقعدين متجاورين.
فتبادلت المراتان النظرات وسالت كارا
-ما رايك فيه بعد هذه الرفقة؟
-تبادلنا حديثا مقتضبا. كان يقرا معظم الوقت.
فعلقت كارا وفي عينيها الزرقاوين لمعة استمتاع
-تصرفه نموذجي فلو اضطر سترانسوم الى الاقامة في جزيرة خالية برفقة فينوس لابقى انفه مدفونا في كتاب علمي
واضافت السيدة كارشلتون
-الانسة كونيل التقت جوليان ايضا في طريقها من سنغافورة وهو الذي رافقها الى هنا هذا المساء.
فقالت كارا بعدم اكتراث
-حقا؟ من نقيض الى اخر فجوليان حساس بقدر ما سترانسوم حصين لا تدعي سحر جوليانيجرفك يا انسة كونيل فانه لا يصدق البتة.
اثناء اجتيازهم البهو وخروجهم الى الهواء الطلق قالت فيفيان لجوليان
-لم ادرك مدى اختناق الجو في الداخل.
-هل ضجرت؟
-ولماذا اصاب بالضجر؟ كم هي جميلة الانسة ميتلاند. اتسائل كيف تحافظ على بشرتها في هذا المناخ.
-انك اول امراة تتفوه بكلمة طيبة بحق كارا في غيابها. جميعهن حسودات ويستمتعن بتهشيمها.
-لابد ان يكون ذلك صعبا او ار في حياتي احدا في جاذبيتها.
-انها فعلا فاتنة انتظري حتى تريها في نوبة غضب فتحت هذا القناع يختفي مزاج هرة متوحشة.
ثم امسك بيدها وقال بنعومة
-لاشك ان وجودي امس في سنغافورة كان ضربة حظ.
سحيت فيفيان يدها بلطف سارا بصمت فتسائلت متضايقة عما اذا كان رفضها المهذب قد اغضبه.
سالها
-هل حذرك احد مني؟
-بالطبع لا لماذا تسال؟
-انها مجرد فكرة.
-هناك شيء لابد ان اقوله لك لابد انك لاحظت اختلافا في شخصيتي وسبب ذلك انني انسانة غير معقدة. كانت حياتي ضيقة المجالات و…
وتوقفت بحثا عن الكلمات الملائمة لشرح مشاعرها فتابع جوليان عنها
-… ولست معتادة على تشابك الايدي مع الغرباء اليس كذلك؟
احمرت وجنتاها ببطء وحمدت ربها على ظلمة السيارة واضافت
-لست متاكذة من انني اريد تغيير نفسي.
راقبتها يبتعد في سيارته ثم اجتازت كوخ الحارس الهاجه واطفات نور الشرفة وتسللت الى غرفتها كانت كيم ملتفة على نفسها على سرير ضيق خارج الغرفة ومع ان فيفيان لم تشك مطلقا بمخاوف ليلية الا انها اطمانت الى وجود الوصيفة بجوارها.
فتحت فيفيان عينيها ونظرت بحيرة الى السقف غير المالوف ثم تذكرت اين هي وقذفت الغطاء بعيدا وضعت قدميها على الارض وهي تتلمس مداسها كانت الغرفة تسبح في ظلال خضراء وحالما وفعت الستائر المسدلة تدفقت اشعة الشمس المتوهجة في صبح استوائي عبر النوافذ.
الينابيع صامتة والحوض يتالق في اشعة الشمس الصباحية. وبينما كانت تجمع بعض البتلات المخملية البيضاء التي وقعت من شجرة الياسمين خلال الليل سمعت صوت طرطشة ماء على مقربة منها. تذكرت حوض السباحة وتسائلت عمن ياخذ غطسة مبكرة.
هبرت الممر وحديقة العشب الى منصة القفز. كانت دائرة الامواج تتسع تحت الخشبة العليا لكن الحوض بدا خاليا للوهلة الاولى. ثم لفت انتباهها لمعان المعدن ورات ان احدا قد ترك علبة سجائر معدنية على العشب.
سمعت صوتا في الطرف الاخر من الحوض فاستدارت لترى راسا داكنا يطفو مجددا. وبعد ان حددت المكان تمكنت من رءية شكل اسمر غامض يتجه نحوها. ولدى اقترابه عرفت انه رجل. وقبل وصوله الى الحافة بمسافة قصيرة ارتفع الى سطح الماء وامسك بمقبض الحديد وتارجح الى الارض المبلطة انه الدكتور سترانسوم.
حدق احدهما في الاخر دقيقة طويلة وبدهشة متبادلة ثم ضاقت عيناه غضبا وسالها
-بحق السماء ماذا تفعلين هنا؟
-انني… انني اقيم هنا ماذا تفعل انت؟
-اليس هذا واضحا؟ ماذا تعنين باقيم هنا؟
فقالت ملسوعة بترحيبه الخشن
-هذا هو بيتي الان السيد كاننغهام تركه لي.
فمسح الماء المنساب على جبهته وقال بجفاء
-يبدو انني اتطفل كان كاننغهام قد سمح لي باستعمال الحوض لم اكن اعرف ان المالك الجديد قد وصل لن اتطفل مرة اخرى.
وقبل ان تتمكن من الرد عليه اخذ علبة السجائر ومشى نحو الشجيرات.
-دكتور سترانسوم.
فاستدار وكان جسمه الطويل القوي العضلات يتالق . تقدمت فيفيان نحوه وقالت بحياء
-ارجوك لا تذهب ليس هناك ما يمنع استمرارك في استخدام الحوض.
وعندما لم يجبها تابعت
-السيد كاننغهام كان عرابي الم يقل لك انه ترك لي المنزل؟
-لم نبحث في الامر ابدا.
ثم انحرفت نظرته الى نقطة تتعداها على طاولة من الخيزرانتحت مظلة مفتوحة.
-صباح الخير سيدتي. صباح الخير سيدي.
فقالت فيفيان اذ رات على الصينية ابريق قهوة وفنجانا واحدا وصحنا من شرائح الاناناس
-صباح الخير تشن كيف عرفت انني هنا؟
-لم اعرف سيدتي هذه قهوة كانت للسيد الطبيب.
-اه فهمت ارجو ان تحضر لي فنجان اخر ربما استطعت ان اشاطر الطبيب قهوته.
-نعم سيدتي.
-الن تجلس دكتور سترانسوم؟
فتردد لحظة ثم جلس قائلا
-لابد ان يبدو لك هذا غريبا جدا. واخشى ان يكون تشن غير مدرك بان الوضع قد تغير في مثل هذه الساعة لا يكون حوض النادي مفتوحا وفي حياة عرابك اعتدت المرور من هنا للسباحة وتناول فنجان قهوة في طريقي الى العيادة.
فقالت بلطف
-لاارة غرابة في ذلك. بل يبدو ترتيبا معقولا جدا ولا داعي لايقافه بسبب وجودي هنا.
ثم سكبت القهوة وقدمت له الفنجان.
-تناوليه انت سانتظر الفنجان الاخر هل لي ان ادخن؟
-طبعا ليتني عرفت انك كنت صديق عرابي خلال الرحلة.
اخذت ترشف القهوة الساخنة ثم قالت بتودد
-اخشى ان اكون تصرفت بغباء شديد في رانغون واعطيت عن نفسي انطباعا سيئا. ارجو ان لا تسجل ذلك نقطة ضدي.
واضافت
-قيل لي انك احد القلائل الذين عرفوا عرابي عن كثب واعتقد ان وجهتي نظركما كانتا متشابهتين اريد ان اتصرف بوحي من قناعاته.
قطعت الحديث عودة تشن بالفنجان وبصحن اناناس اخر.
ابتسمت له فيفيان شاكرة وعندما عادت قالت بقلق
-لا اظنه يستلطفني.
فقال الدكتور سترانسوم
-لايعرفك بعد. هاهو سنغ العجوز قادم لم يضيع وقته.
تبعت نظره فرات صينيا عجوزا يتطلع بحذر عبر الشجيرات.
وبعد استكشاف سريع خرج الى العراء وهو يحمل حقيبة في يد وصرة قماش كبيرة في اليد الاخرى.
وردا على نظرتها المستفسرة شرح لها الطبيب
-سنغ تاجر متجول وياتي الى هنا مرة في الشهر اظنه عرف بوصولك ووضعك على راس قائمته. هل اتخلص منه؟
-ارجوك لا اريد ان ارى بضاعته. لماذا كان حذرا الى هذه الدرجة في خروجه من الحرج؟
-لانه لص عتيق ولو راه تشن لطرده لا تلوميني ان هو سلبك.
وضع الصيني امتعته على العشب على بعد خطوات منها وتقدم وهو ينحني بتذلل وابتسامته العريضة تكشف اسنانا نافرة ملبسة بالذهب.
-صباح الخير سيدتي. صباح الخير سيدي. هل ترغبين في رؤية اغطية للطاولات وعاجا وبورسلين وملبوسات نسائية جميلة جدا؟ انها رخيصة جدا ونوعيتها ممتازة.
فقالت فيفيان متجاهلة نظرة الطبيب المستمتعة بسخرية
-نعم ارجوك.
جلب سنغ حقيبته وفتحها عند قدميها في الصرة اغطية طاولات مطرزة وبيجامات حريرية زاهية الالوان وقمصان من النايلون ومناديل مطرزة باليد. اما الحقيبة فاحتوت على مجموعة من علب صدفية وتماثيل عاجية وحلى فضية وزينة صينية رائعة التلوين.
كان سنغ بائعا خبيرا يعرف ان السيدات الانكليزيات يملن الى شراء ما يفوق امكانياتهن. وربما ان هذه الانسة الشقراء الشعر قريبة السيد المرحوم كاننغهام فلا بد انها ثرية جدا ولن تعترض على رفعه اسعاره بضعة دولارات. وبعين حذرة على الدكتور اخرج اجود انواع بضاعته قائلا
-اتعجبك هذه؟ انها من النايلون الامريكي. جميلة جدا هه؟
فهزت فيفيان راسها نفيا وحاولت الا يحمر وجهها ثم سالت بعجل وهي تشير الى سترة من الحرير. كان الحرير بخضرة شاحبة ومطرزا بشكل رائع بالطيور والازهار قبة ضيقة على الطراز الامبراطوري الصيني القديم ومربوطا من الامام بحزام حريري.
فسالت
-هل لي ان اجربه؟
-بالتاكيد بالتاكيد.
ادخلت فيفيان ذراعيها في الكمين الواسعين لمست التطريز الرائع بانامل هيابة. كان معطفا يلائم اميرة.
بكم هذا؟
فراح سنغ يسرد حسنات المعطف قبل ان يقول في النهاية بان ثمنه خمسون دولارا فسالت الطبيب
-كم يساوي بالعملة الانكليزية؟
-حوالي خمسة جنيهات ونصف.
-اذن ساخذه.

السابق
اجابات دورة حافز وظيفة مدير خدمه عملاء
التالي
معاني اسماء البنات