بدرية البشر
دخلت عرسا فسالت عن عدد كبير من قريبات «ام العروس»، فقيل لي انهن لم يحضرن لاعتراضهن على الغناء في العرس، وكانت ام العروس تبلع غصتها قائلة: «من جاء الله يحييه، ومن غاب بسلامته»، مع شكي في انها تحضر عتابا طويلا لقريباتها وتتوعدهن بقطيعة مماثلة ردا على ما فعلوه بها في عرس ابنتها.
فهل هذا هو ما حث عليه الاسلام، ان جعل مقاطعة عرس -بحجة تجنب سماع الغناء- مقدمة على صلة الرحم وحفظ وحدة نسيج العائلة ومداراة شعورها؟!
في الثمانينات من القرن الماضي انتشر بيننا ما سمي ظاهرة «العرس الاسلامي»، وفيه تجتمع النساء في صالة افراح مستاجرة بالاف الريالات وتذبح الذبائح، التي يذهب نصفها الى النفايات، وتصرف طاقة هائلة من الكهرباء، مع المحافظة على كل اشكال الاسراف السائدة. اما اين تكمن الظاهرة الاسلامية في العرس، فهي في اختفاء الضرب على الدفوف وغياب اغان اعتدنا ان نسمعها، تقول مثلا ان ليلتنا سعيدة، وان عروسنا جميلة، وان عريسنا شجاع، كما في اغاني الافراح واللهو المباح. وعن عائشة -رضي الله عنها- انها زفت امراة الى رجل من الانصار، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «يا عائشة، اما كان معكم لهو، فان الانصار يعجبهم اللهو»، وفي رواية اخرى: «قوم فيهم غزل». هذا الحديث غاب في ظاهرة التقوى الشاملة التي عمت مظاهر الحياة، ومنها الاعراس، التي غدت عشاء صامتا توزع خلاله او بعده اعداد هائلة من اشرطة الكاسيت والمنشورات الدينية التي تحث الناس على ترك هذا الفعل او ذاك، وعلى راسها حرمة الاستماع الى الموسيقى او الغناء، الى درجة ان بعض اجتماعاتنا العائلية تحولت خطبا دينية يجد الناس فيها حرجا بحديث بعضهم الى بعض وتقصي اخبارهم، وهم ربما لم يلتقوا منذ زمن.
بقيت اظن ان هذا اجتهادات شخصية بالغ البعض في فهمها، الى ان جلست اول من امس امام برنامج فتاوى في قناة «دليل»، فاذ بسائلة اسمها ام عبدالمحسن تقول انها لم تعد تحضر الاعراس بسبب الغناء والعري اللذين انتشرا فيها، وهي متاكدة انها على حق، لكنها تناشد الشيخ حض الناس على عدم الحضور.
من يستمع لمثل هذا الكلام وهو من خارج بلادنا، قد يظن ان النساء في هذه المناسبات يتعرين امام الرجال، لهذا اقول هنا للتوضيح، ان اعراس النساء في بلادنا لا تحضرها الا نساء، وبعضهن -وبخاصة المراهقات والشابات- لا يتحفظ في لباسه طالما انهن بين نساء، فيلبسن فستانا بلا اكمام او فستانا مشقوقا يظهر جزءا من الساق، وهو ما اثار حفيظة النساء اللواتي لم يعتدن مثل هذا، فطالب بعضهن بهيئة من النساء تراقب اللباس في الاعراس.
حرصت على ان اسمع جواب الشيخ على ام عبدالمحسن، لعله يقدم صلة القريبة رحم اقربائها على الامتناع عن سماع الغناء، فتحضر ولو لوقت قصير، وتقدم الواجب وتهنئ العروس وتمضي، لكنني وجدته يشكر السائلة ويطري فعلها، ويحث الجميع على ان يقتدوا بها، لاجل -كما قال- ان يتادب الناس ويكفوا عن الغناء في الافراح. وما ان انتهى البرنامج، واثناء ظهور اسماء المعدين في البرنامج، حتى علا صوت شاب رخيم يترنم بقصيدة شعرية تمتدح برنامج الفتاوى هذا، ويلون غناءه بايقاع حنجرته صعودا وهبوطا، مختتما البرنامج باغنية موقعة مرنمة، اللهم الا انها بلا دفوف او وتر، ويسمونه الايقاع الاسلامي…! فهل يجوز ان يغني الشاب بنشيد يمتدح فيه البرنامج ويثني عليه، ونترك عرسنا بلا غناء يمدح العروس ويمتع النفوس بلهو حلال؟