تعد المراهقة من اخطر المراحل التي يمر بها الانسان ضمن اطواره المختلفة التي تتسم بالتجدد المستمر، والترقي في معارج الصعود نحو الكمال الانساني الرشيد، ومكمن الخطر في هذه المرحلة التي تنتقل بالانسان من الطفولة الى الرشد، هي التغيرات في مظاهر النمو المختلفة (الجسمية والفسيولوجية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والدينية والخلقية)، ولما يتعرض الانسان فيها الى صراعات متعددة، داخلية وخارجية. * مفهوم المراهقة: وهناك فرق بين المراهقة والبلوغ، فالبلوغ يعني “بلوغ المراهق القدرة على الانسال، اي: اكتمال الوظائف الجنسية عنده، وذلك بنمو الغدد الجنسية، وقدرتها على اداء وظيفتها”، اما المراهقة فتشير الى “التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي”. وعلى ذلك فالبلوغ ما هو الا جانب واحد من جوانب المراهقة، كما انه من الناحية الزمنية يسبقها، فهو اول دلائل دخول الطفل مرحلة المراهقة. * مراحل المراهقة: * علامات بداية مرحلة المراهقة وابرز خصائصها وصورها الجسدية والنفسية: 2- النضوج الجنسي: يتحدد النضوج الجنسي عند الاناث بظهور الدورة الشهرية، ولكنه لا يعني بالضرورة ظهور الخصائص الجنسية الثانوية (مثل: نمو الثديين وظهور الشعر تحت الابطين وعلى الاعضاء التناسلية)، اما عند الذكور، فالعلامة الاولى للنضوج الجنسي هي زيادة حجم الخصيتين، وظهور الشعر حول الاعضاء التناسلية لاحقا، مع زيادة في حجم العضو التناسلي، وفي حين تظهر الدورة الشهرية عند الاناث في حدود العام الثالث عشر، يحصل القذف المنوي الاول عند الذكور في العام الخامس عشر تقريبا. 3- التغير النفسي: ان للتحولات الهرمونية والتغيرات الجسدية في مرحلة المراهقة تاثيرا قويا على الصورة الذاتية والمزاج والعلاقات الاجتماعية، فظهور الدورة الشهرية عند الاناث، يمكن ان يكون لها ردة فعل معقدة، تكون عبارة عن مزيج من الشعور بالمفاجاة والخوف والانزعاج، بل والابتهاج احيانا، وذات الامر قد يحدث عند الذكور عند حدوث القذف المنوي الاول، اي: مزيج من المشاعر السلبية والايجايبة. ولكن المهم هنا، ان اكثرية الذكور يكون لديهم علم بالامر قبل حدوثه، في حين ان معظم الاناث يتكلن على امهاتهن للحصول على المعلومات او يبحثن عنها في المصادر والمراجع المتوافرة. * مشاكل المراهقة: وفي بحث ميداني ولقاءات متعددة مع بعض المراهقين وابائهم، اجرته الباحثة عزة تهامي مهدي (الحاصلة على الماجستير في مجال الارشاد النفسي) تبين ان اهم ما يعاني الاباء منه خلال هذه المرحلة مع ابنائهم: * الخوف الزائد على الابناء من اصدقاء السوء. * ابرز المشكلات والتحديات السلوكية في حياة المراهق: 2- الاغتراب والتمرد: فالمراهق يشكو من ان والديه لا يفهمانه، ولذلك يحاول الانسلاخ عن مواقف وثوابت ورغبات الوالدين كوسيلة لتاكيد واثبات تفرده وتمايزه، وهذا يستلزم معارضة سلطة الاهل؛ لانه يعد اي سلطة فوقية او اي توجيه انما هو استخفاف لا يطاق بقدراته العقلية التي اصبحت موازية جوهريا لقدرات الراشد، واستهانة بالروح النقدية المتيقظة لديه، والتي تدفعه الى تمحيص الامور كافة، وفقا لمقاييس المنطق، وبالتالي تظهر لديه سلوكيات التمرد والمكابرة والعناد والتعصب والعدوانية. 3- الخجل والانطواء: فالتدليل الزائد والقسوة الزائدة يؤديان الى شعور المراهق بالاعتماد على الاخرين في حل مشكلاته، لكن طبيعة المرحلة تتطلب منه ان يستقل عن الاسرة ويعتمد على نفسه، فتزداد حدة الصراع لديه، ويلجا الى الانسحاب من العالم الاجتماعي والانطواء والخجل. 4- السلوك المزعج: والذي يسببه رغبة المراهق في تحقيق مقاصده الخاصة دون اعتبار للمصلحة العامة، وبالتالي قد يصرخ، يشتم، يسرق، يركل الصغار ويتصارع مع الكبار، يتلف الممتلكات، يجادل في امور تافهة، يتورط في المشاكل، يخرق حق الاستئذان، ولا يهتم بمشاعر غيره. 5- العصبية وحدة الطباع: فالمراهق يتصرف من خلال عصبيته وعناده، يريد ان يحقق مطالبه بالقوة والعنف الزائد، ويكون متوترا بشكل يسبب ازعاجا كبيرا للمحيطين به. وفي حديثه مع موقع المسلم، يذكر الدكتور المجدوب من مظاهر وسلوكيات الفتاة المراهقة: ” الاندفاع، ومحاولة اثبات الذات، والخجل من التغيرات التي حدثت في شكلها، و جنوحها لتقليد امها في سلوكياتها، وتذبذب وتردد عواطفها، فهي تغضب بسرعة وتصفو بسرعة، وتميل لتكوين صداقات مع الجنس الاخر، وشعورها بالقلق والرهبة عند حدوث اول دورة من دورات الطمث، فهي لا تستطيع ان تناقش ما تحس به من مشكلات مع افراد الاسرة، كما انها لا تفهم طبيعة هذه العملية”. ويوضح المجدوب ان مرحلة المراهقة بخصائصها ومعطياتها هي اخطر منعطف يمر به الشباب، واكبر منزلق يمكن ان تزل فيه قدمه؛ اذا عدم التوجيه والعناية، مشيرا الى ان ابرز المخاطر التي يعيشها المراهقون في تلك المرحلة:” فقدان الهوية والانتماء، وافتقاد الهدف الذي يسعون اليه، وتناقض القيم التي يعيشونها، فضلا عن مشكلة الفراغ “. * طرق علاج المشاكل التي يمر بها المراهق: كما اوصوا باهمية ” تشجيع النشاط الترويحي الموجه والقيام بالرحلات والاشتراك في مناشط الساحات الشعبية والاندية، كما يجب توجيههم نحو العمل بمعسكرات الكشافة، والمشاركة في مشروعات الخدمة العامة والعمل الصيفي… الخ”. وقد اثبتت دراسة قامت بها ال (Gssw) المدرسة المتخصصة للدراسات الاجتماعية بالولايات المتحدة على حوالي 400 طفل، بداية من سن رياض الاطفال وحتى سن 24 على لقاءات مختلفة في سن 5، 9، 15، 18، 21، ان المراهقين في الاسرة المتماسكة ذات الروابط القوية التي يحظى افرادها بالترابط واتخاذ القرارات المصيرية في مجالس عائلية محببة يشارك فيها الجميع، ويهتم جميع افرادها بشؤون بعضهم البعض، هم الاقل ضغوطا، والاكثر ايجابية في النظرة للحياة وشؤونها ومشاكلها، في حين كان الاخرون اكثر عرضة للاكتئاب والضغوط النفسية. * حلول عملية: وليختر الاهل الوقت المناسب لبدء الحوار مع المراهق، بحيث يكونا غير مشغولين، وان يتحدثا جالسين، المشكلة الثانية: شعور المراهق بالخجل والانطواء، الامر الذي يعيقه عن تحقيق تفاعله الاجتماعي، وتظهر عليه هاتين الصفتين من خلال احمرار الوجه عند التحدث، والتلعثم في الكلام وعدم الطلاقة، وجفاف الحلق. ولعلاج هذه المشكلة ينصح ب: توجيه المراهق بصورة دائمة وغير مباشرة، واعطاء مساحة كبيرة للنقاش والحوار معه، والتسامح معه في بعض المواقف الاجتماعية، وتشجيعه على التحدث والحوار بطلاقة مع الاخرين، وتعزيز ثقته بنفسه. المشكلة الثالثة: عصبية المراهق واندفاعه، وحدة طباعه، وعناده، ورغبته في تحقيق مطالبه بالقوة والعنف الزائد، وتوتره الدائم بشكل يسبب ازعاجا كبيرا للمحيطين به. وهناك اسباب اخرى لعصبية المراهقين كضيق المنزل، وعدم توافر اماكن للهو، وممارسة انشطة ذهنية او جسدية، واهمال حاجتهم الحقيقية للاسترخاء والراحة لبعض الوقت. المشكلة الرابعة: ممارسة المراهق للسلوك المزعج، كعدم مراعاة الاداب العامة، والاعتداء على الناس، وتخريب الممتلكات والبيئة والطبيعة، وقد يكون الازعاج لفظيا او عمليا. اما مدخل العلاج فهو تبصير المراهق بعظمة المسؤوليات التي تقع على كاهله وكيفية الوفاء بالامانات، واشغاله بالخير والاعمال المثمرة البناءة، وتصويب المفاهيم الخاطئة في ذهنه، ونفي العلاقة المزعومة بين الاستقلالية والتعدي على الغير، وتشجيعه على مصاحبة الجيدين من الاصدقاء ممن لا يحبون ان يمدوا يد الاساءة للاخرين، وارشاده لبعض الطرق لحل الازمات ومواجهة عدوان الاخرين بحكمة، وتعزيز المبادرات الايجابية اذا بادر الى القيام بسلوك ايجابي يدل على احترامه للاخرين من خلال المدح والثناء، والابتعاد عن الالفاظ الاستفزازية والبرمجة السلبية وتجنب التوبيخ قدر المستطاع. المشكلة الخامسة: تعرض المراهق الى سلسلة من الصراعات النفسية والاجتماعية المتعلقة بصعوبة تحديد الهوية ومعرفة النفس يقوده نحو التمرد السلبي على الاسرة وقيم المجتمع، ويظهر ذلك في شعوره بضعف الانتماء الاسري، وعدم التقيد بتوجيهات الوالدين، والمعارضة والتصلب في المواقف، والتكبر، والغرور، وحب الظهور، والقاء اللوم على الاخرين، التلفظ بالفاظ نابية. المراهقة: التعامل مع المرحلة وفق النظرية الاسلامية تطرقنا معكم في الحلقة السابقة من هذه القضية لعدة جوانب، وهي: * كيف عالج الاسلام مرحلة المراهقة؟ ويستطرد المجدوب قائلا: ” وانتهت الدراسة التي اجريت في مطلع الاربعينيات، الى القول بان الارهاصات الجنسية تبدا عند الولد والبنت في سن العاشرة”، ويعلق المجدوب على نتائج الدراسة قائلا: ” هذا ما اثبته نبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_ قبل الفريد كنسي ب 14 قرنا من الزمان ! ولكننا لا نعي تعاليم ديننا “. ويقول المجدوب: ” لقد اتضح لي من خلال دراسة ميدانية شاملة قمت بها على عينة من 200 حالة حول (زنا المحارم) الذي اصبح منتشرا للاسف، ان معظم حالات زنا المحارم كانت بسبب النوم المشترك في نفس الفراش مع الاخت او الام او…، وهو ما حذرنا منه الرسول _صلى الله عليه وسلم_ بقوله: ” وفرقوا بينهم في المضاجع”. واستطرد المجدوب يقول: ” البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء تقول: ان هناك 20 % من الاسر المصرية تقيم في غرفة واحدة، وان كل 7 افراد منهم ينامون متجاورين! “. * النظرية الاسلامية في التربية: ايضا هناك:” الاقتداء بالصالحين، وعلى راس من يقتدي بهم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فالاقتداء به واتباع سنته من اصول ديننا الحنيف، قال الله _عز وجل_: ” لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا ” [الاحزاب:21]. ويشير الدكتور محمد سمير عبد الفتاح (استاذ علم النفس، مدير مركز البحوث النفسية بجامعة المنيا)، الى ان: ” المراهق يحتاج الى من يتفهم حالته النفسية ويراعي احتياجاته الجسدية، ولذا فهو بحاجة الى صديق ناضج يجيب عن تساؤلاته بتفهم وعطف وصراحة، صديق يستمع اليه حتى النهاية دون مقاطعة او سخرية او شك، كما يحتاج الى الام الصديقة والاب المتفهم”. ويوجه عبد الفتاح النصح للاب قائلا: ” اعطه قدرا من الحرية باشرافك ورضاك، لكن من المهم ان تتفق معه على احترام الوقت وتحديده، وكافئه ان احسن كما تعاقبه ان اساء، حاول تفهم مشاكله والبحث معه عن حل، اهتم بتوجيهه الى الصحبة الصالحة، كن له قدوة حسنة ومثلا اعلى، احترم اسراره وخصوصياته، ولا تسخر منه ابدا”. ويضيف عبد الفتاح: ” ابتعدي عن مواجهتها باخطائها، اقيمي علاقات وطيدة وحميمة معها، دعمي كل تصرف ايجابي وسلوك حسن صادر عنها، اسري لها بملاحظات ولا تنصحيها على الملا فان (لكل فعل ردة فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه)، اقصري استخدام سلطتك في المنع على الاخطاء التي لا يمكن التجاوز عنها، واستعيني بالله وادعي لها كثيرا، ولا تدعي عليها مطلقا، و تذكري ان الزمن جزء من العلاج”. * فهم المرحلة.. تجاوز ناجح لها: ويرى المراهق انه بحاجة الى خمسة عناصر في هذه المرحلة، وهي: الحاجة الى الحب والامان، والحاجة الى الاحترام، والحاجة لاثبات الذات، والحاجة للمكانة الاجتماعية، والحاجة للتوجيه الايجابي. * تهيئة المراهق: 2- ان هناك تغيرات جسدية، وعاطفية، وعقلية، واجتماعية تحدث في نفسيته وفي بنائه، وان ذلك نتيجة لثورة تحدث داخله استعدادا او اعدادا لهذا التغير في مهمته الحياتية، فهو لم يعد طفلا يلعب ويلهو، بل اصبح له دور في الحياة، لذا فان احساسه العاطفي نحو الجنس الاخر او شعوره بالرغبة يجب ان يوظف لاداء هذا الدور، فالمشاعر العاطفية والجنسية ليست شيئا وضيعا او مستقذرا؛ لان له دورا هاما في اعمار الارض وتحقيق مراد الله في خلافة الانسان. ولذا فهي مشاعر سامية اذا احسن توظيفها في هذا الاتجاه، لذا يجب ان يعظم الانسان منها ويوجهها الاتجاه الصحيح لسمو الغاية التي وضعها الله في الانسان من اجلها، لذا فنحن عندما نقول: ان هذه العواطف والمشاعر لها طريقها الشرعي من خلال الزواج، فنحن نحدد الجهة الصحيحة لتفريغها وتوجيهها. 3- ان يعلم المراهق الاحكام الشرعية الخاصة بالصيام والصلاة والطهارة والاغتسال، ويكون ذلك مدخلا لاعطائه الفرصة للتساؤل حول اي شيء يدور حول هذه المسالة، حتى لا يضطر لان يستقي معلوماته من جهات خارجية يمكن ان تضره او ترشده الى خطا او حرام. 4- التفهم الكامل لما يعاني منه المراهق من قلق وعصبية وتمرد، وامتصاص غضبه؛ لان هذه المرحلة هي مرحلة الاحساس المرهف، مما يجعل المراهق شخصا سهل الاستثارة والغضب، ولذلك على الاهل بث الامان والاطمئنان في نفس ابنهم، وقد يكون من المفيد القول مثلا: “انا اعرف ان اخوتك يسببون بعض المضايقات، وانا نفسي احس بالازعاج، لكن على ما يبدو ان هناك امرا اخر يكدرك ويغضبك، فهل ترغب بالحديث عنه؟” لان ذلك يشجع المراهق على الحديث عما يدور في نفسه. 5- اشاعة روح الشورى في الاسرة؛ لان تطبيقها يجعل المراهق يدرك ان هناك رايا ورايا اخر معتبرا لا بد ان يحترم، ويعلمه ذلك ايضا كيفية عرض رايه بصورة عقلانية منطقية، ويجعله يدرك ان هناك امورا استراتيجية لا يمكن المساس بها، منها على سبيل المثال: الدين، والتماسك الاسري، والاخلاق والقيم. * التعامل مع المراهق علم وفن: وفي حديثها لموقع المسلم ، تدعو الخبيرة الاجتماعية الدكتورة منى يونس اولياء الامور لتجنب مخاطبة ابنائهم وبناتهم المراهقين بعدد من العبارات المحبطة بل والمحطمة، مثل: ( انا اعرف ما ينفعك، لا داعي لان تكملي حديثك.. استطيع توقع ما حدث، فلتنصتي الي الان دون ان تقاطعيني، اسمعي كلامي ولا تناقشيني، يا للغباء.. اخطات مرة اخرى!، يا كسولة، يا انانية، انك طفلة لا تعرفين مصلحتك). احرصوا على استعمال اساليب التشجيع والثناء الجسدية، مثل ( الابتسامة، الاحتضان، مسك الايدي، اربت على كتفه، المسح على الراس،…. ). ختاما… |