افضل مواضيع جميلة بالصور

المراهقين ومشاكلهم

 

تعد المراهقة من اخطر المراحل التي يمر بها الانسان ضمن اطواره المختلفة التي تتسم بالتجدد المستمر، والترقي في معارج الصعود نحو الكمال الانساني الرشيد، ومكمن الخطر في هذه المرحلة التي تنتقل بالانسان من الطفولة الى الرشد، هي التغيرات في مظاهر النمو المختلفة (الجسمية والفسيولوجية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والدينية والخلقية)، ولما يتعرض الانسان فيها الى صراعات متعددة، داخلية وخارجية.

* مفهوم المراهقة:
ترجع كلمة “المراهقة” الى الفعل العربي “راهق” الذي يعني الاقتراب من الشيء، فراهق الغلام فهو مراهق، اي: قارب الاحتلام، ورهقت الشيء رهقا، اي: قربت منه. والمعنى هنا يشير الى الاقتراب من النضج والرشد.
اما المراهقة في علم النفس فتعني: “الاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي”، ولكنه ليس النضج نفسه؛ لان الفرد في هذه المرحلة يبدا بالنضج العقلي والجسمي والنفسي والاجتماعي، ولكنه لا يصل الى اكتمال النضج الا بعد سنوات عديدة قد تصل الى 10 سنوات.

وهناك فرق بين المراهقة والبلوغ، فالبلوغ يعني “بلوغ المراهق القدرة على الانسال، اي: اكتمال الوظائف الجنسية عنده، وذلك بنمو الغدد الجنسية، وقدرتها على اداء وظيفتها”، اما المراهقة فتشير الى “التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي”. وعلى ذلك فالبلوغ ما هو الا جانب واحد من جوانب المراهقة، كما انه من الناحية الزمنية يسبقها، فهو اول دلائل دخول الطفل مرحلة المراهقة.
ويشير ذلك الى حقيقة مهمة، وهي ان النمو لا ينتقل من مرحلة الى اخرى فجاة، ولكنه تدريجي ومستمر ومتصل، فالمراهق لا يترك عالم الطفولة ويصبح مراهقا بين عشية وضحاها، ولكنه ينتقل انتقالا تدريجيا، ويتخذ هذا الانتقال شكل نمو وتغير في جسمه وعقله ووجدانه.
وجدير بالذكر ان وصول الفرد الى النضج الجنسي لا يعني بالضرورة انه قد وصل الى النضج العقلي، وانما عليه ان يتعلم الكثير والكثير ليصبح راشدا ناضجا.
و للمراهقة والمراهق نموه المتفجر في عقله وفكره وجسمه وادراكه وانفعالاته، مما يمكن ان نلخصه بانه نوع من النمو البركاني، حيث ينمو الجسم من الداخل فسيولوجيا وهرمونيا وكيماويا وذهنيا وانفعاليا، ومن الخارج والداخل معا عضويا.

* مراحل المراهقة:
والمدة الزمنية التي تسمى “مراهقة” تختلف من مجتمع الى اخر، ففي بعض المجتمعات تكون قصيرة، وفي بعضها الاخر تكون طويلة، ولذلك فقد قسمها العلماء الى ثلاث مراحل، هي:
1- مرحلة المراهقة الاولى (11-14 عاما)، وتتميز بتغيرات بيولوجية سريعة.
2- مرحلة المراهقة الوسطي (14-18 عاما)، وهي مرحلة اكتمال التغيرات البيولوجية.
3- مرحلة المراهقة المتاخرة (18-21)، حيث يصبح الشاب او الفتاة انسانا راشدا بالمظهر والتصرفات.
ويتضح من هذا التقسيم ان مرحلة المراهقة تمتد لتشمل اكثر من عشرة اعوام من عمر الفرد

* علامات بداية مرحلة المراهقة وابرز خصائصها وصورها الجسدية والنفسية:
بوجه عام تطرا ثلاث علامات او تحولات بيولوجية على المراهق، اشارة لبداية هذه المرحلة عنده، وهي:
1 – النمو الجسدي: حيث تظهر قفزة سريعة في النمو، طولا ووزنا، تختلف بين الذكور والاناث، فتبدو الفتاة اطول واثقل من الشاب خلال مرحلة المراهقة الاولى، وعند الذكور يتسع الكتفان بالنسبة الى الوركين، وعند الاناث يتسع الوركان بالنسبة للكتفين والخصر، وعند الذكور تكون الساقان طويلتين بالنسبة لبقية الجسد، وتنمو العضلات.

2- النضوج الجنسي: يتحدد النضوج الجنسي عند الاناث بظهور الدورة الشهرية، ولكنه لا يعني بالضرورة ظهور الخصائص الجنسية الثانوية (مثل: نمو الثديين وظهور الشعر تحت الابطين وعلى الاعضاء التناسلية)، اما عند الذكور، فالعلامة الاولى للنضوج الجنسي هي زيادة حجم الخصيتين، وظهور الشعر حول الاعضاء التناسلية لاحقا، مع زيادة في حجم العضو التناسلي، وفي حين تظهر الدورة الشهرية عند الاناث في حدود العام الثالث عشر، يحصل القذف المنوي الاول عند الذكور في العام الخامس عشر تقريبا.

3- التغير النفسي: ان للتحولات الهرمونية والتغيرات الجسدية في مرحلة المراهقة تاثيرا قويا على الصورة الذاتية والمزاج والعلاقات الاجتماعية، فظهور الدورة الشهرية عند الاناث، يمكن ان يكون لها ردة فعل معقدة، تكون عبارة عن مزيج من الشعور بالمفاجاة والخوف والانزعاج، بل والابتهاج احيانا، وذات الامر قد يحدث عند الذكور عند حدوث القذف المنوي الاول، اي: مزيج من المشاعر السلبية والايجايبة. ولكن المهم هنا، ان اكثرية الذكور يكون لديهم علم بالامر قبل حدوثه، في حين ان معظم الاناث يتكلن على امهاتهن للحصول على المعلومات او يبحثن عنها في المصادر والمراجع المتوافرة.

* مشاكل المراهقة:
يقول الدكتور عبد الرحمن العيسوي: “ان المراهقة تختلف من فرد الى اخر، ومن بيئة جغرافية الى اخرى، ومن سلالة الى اخرى، كذلك تختلف باختلاف الانماط الحضارية التي يتربى في وسطها المراهق، فهي في المجتمع البدائي تختلف عنها في المجتمع المتحضر، وكذلك تختلف في مجتمع المدينة عنها في المجتمع الريفي، كما تختلف من المجتمع المتزمت الذي يفرض كثيرا من القيود والاغلال على نشاط المراهق، عنها في المجتمع الحر الذي يتيح للمراهق فرص العمل والنشاط، وفرص اشباع الحاجات والدوافع المختلفة.
كذلك فان مرحلة المراهقة ليست مستقلة بذاتها استقلالا تاما، وانما هي تتاثر بما مر به الطفل من خبرات في المرحلة السابقة، والنمو عملية مستمرة ومتصلة”.
ولان النمو الجنسي الذي يحدث في المراهقة ليس من شانه ان يؤدي بالضرورة الى حدوث ازمات للمراهقين، فقد دلت التجارب على ان النظم الاجتماعية الحديثة التي يعيش فيها المراهق هي المسؤولة عن حدوث ازمة المراهقة، فمشاكل المراهقة في المجتمعات الغربية اكثر بكثير من نظيرتها في المجتمعات العربية والاسلامية، وهناك اشكال مختلفة للمراهقة، منها:
1- مراهقة سوية خالية من المشكلات والصعوبات.
2- مراهقة انسحابية، حيث ينسحب المراهق من مجتمع الاسرة، ومن مجتمع الاقران، ويفضل الانعزال والانفراد بنفسه، حيث يتامل ذاته ومشكلاته.
3- مراهقة عدوانية، حيث يتسم سلوك المراهق فيها بالعدوان على نفسه وعلى غيره من الناس والاشياء.
والصراع لدى المراهق ينشا من التغيرات البيولوجية، الجسدية والنفسية التي تطرا عليه في هذه المرحلة، فجسديا يشعر بنمو سريع في اعضاء جسمه قد يسبب له قلقا وارباكا، وينتج عنه احساسه بالخمول والكسل والتراخي، كذلك تؤدي سرعة النمو الى جعل المهارات الحركية عند المراهق غير دقيقة، وقد يعتري المراهق حالات من الياس والحزن والالم التي لا يعرف لها سببا، ونفسيا يبدا بالتحرر من سلطة الوالدين ليشعر بالاستقلالية والاعتماد على النفس، وبناء المسؤولية الاجتماعية، وهو في الوقت نفسه لا يستطيع ان يبتعد عن الوالدين؛ لانهم مصدر الامن والطمانينة ومنبع الجانب المادي لديه، وهذا التعارض بين الحاجة الى الاستقلال والتحرر والحاجة الى الاعتماد على الوالدين، وعدم فهم الاهل لطبيعة المرحلة وكيفية التعامل مع سلوكيات المراهق، وهذه التغيرات تجعل المراهق طريد مجتمع الكبار والصغار، اذا تصرف كطفل سخر منه الكبار، واذا تصرف كرجل انتقده الرجال، مما يؤدي الى خلخلة التوازن النفسي للمراهق، ويزيد من حدة المرحلة ومشاكلها.

وفي بحث ميداني ولقاءات متعددة مع بعض المراهقين وابائهم، اجرته الباحثة عزة تهامي مهدي (الحاصلة على الماجستير في مجال الارشاد النفسي) تبين ان اهم ما يعاني الاباء منه خلال هذه المرحلة مع ابنائهم:

* الخوف الزائد على الابناء من اصدقاء السوء.
* عدم قدرتهم على التميز بين الخطا والصواب باعتبارهم قليلو الخبرة في الحياة ومتهورون.
* انهم متمردون ويرفضون اي نوع من الوصايا او حتى النصح.
* انهم يطالبون بمزيد من الحرية والاستقلال.
* انهم يعيشون في عالمهم الخاص، ويحاولون الانفصال عن الاباء بشتى الطرق.

* ابرز المشكلات والتحديات السلوكية في حياة المراهق:
1- الصراع الداخلي: حيث يعاني المراهق من جود عدة صراعات داخلية، ومنها: صراع بين الاستقلال عن الاسرة والاعتماد عليها، وصراع بين مخلفات الطفولة ومتطلبات الرجولة والانوثة، وصراع بين طموحات المراهق الزائدة وبين تقصيره الواضح في التزاماته، وصراع بين غرائزه الداخلية وبين التقاليد الاجتماعية، والصراع الديني بين ما تعلمه من شعائر ومبادئ ومسلمات وهو صغير وبين تفكيره الناقد الجديد وفلسفته الخاصة للحياة، وصراعه الثقافي بين جيله الذي يعيش فيه بما له من اراء وافكار والجيل السابق.

2- الاغتراب والتمرد: فالمراهق يشكو من ان والديه لا يفهمانه، ولذلك يحاول الانسلاخ عن مواقف وثوابت ورغبات الوالدين كوسيلة لتاكيد واثبات تفرده وتمايزه، وهذا يستلزم معارضة سلطة الاهل؛ لانه يعد اي سلطة فوقية او اي توجيه انما هو استخفاف لا يطاق بقدراته العقلية التي اصبحت موازية جوهريا لقدرات الراشد، واستهانة بالروح النقدية المتيقظة لديه، والتي تدفعه الى تمحيص الامور كافة، وفقا لمقاييس المنطق، وبالتالي تظهر لديه سلوكيات التمرد والمكابرة والعناد والتعصب والعدوانية.

3- الخجل والانطواء: فالتدليل الزائد والقسوة الزائدة يؤديان الى شعور المراهق بالاعتماد على الاخرين في حل مشكلاته، لكن طبيعة المرحلة تتطلب منه ان يستقل عن الاسرة ويعتمد على نفسه، فتزداد حدة الصراع لديه، ويلجا الى الانسحاب من العالم الاجتماعي والانطواء والخجل.

4- السلوك المزعج: والذي يسببه رغبة المراهق في تحقيق مقاصده الخاصة دون اعتبار للمصلحة العامة، وبالتالي قد يصرخ، يشتم، يسرق، يركل الصغار ويتصارع مع الكبار، يتلف الممتلكات، يجادل في امور تافهة، يتورط في المشاكل، يخرق حق الاستئذان، ولا يهتم بمشاعر غيره.

5- العصبية وحدة الطباع: فالمراهق يتصرف من خلال عصبيته وعناده، يريد ان يحقق مطالبه بالقوة والعنف الزائد، ويكون متوترا بشكل يسبب ازعاجا كبيرا للمحيطين به.
وتجدر الاشارة الى ان كثيرا من الدراسات العلمية تشير الى وجود علاقة قوية بين وظيفة الهرمونات الجنسية والتفاعل العاطفي عند المراهقين، بمعنى ان المستويات الهرمونية المرتفعة خلال هذه المرحلة تؤدي الى تفاعلات مزاجية كبيرة على شكل غضب واثارة وحدة طبع عند الذكور، وغضب واكتئاب عند الاناث.
ويوضح الدكتور احمد المجدوب الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية مظاهر وخصائص مرحلة المراهقة، فيقول هي:” الغرق في الخيالات، وقراءة القصص الجنسية والروايات البوليسية وقصص العنف والاجرام، كما يميل الى احلام اليقظة، والحب من اول نظرة، كذلك يمتاز المراهق بحب المغامرات، وارتكاب الاخطار، والميل الى التقليد، كما يكون عرضة للاصابة بامراض النمو، مثل: فقر الدم، وتقوس الظهر، وقصر النظر”.

وفي حديثه مع موقع المسلم، يذكر الدكتور المجدوب من مظاهر وسلوكيات الفتاة المراهقة: ” الاندفاع، ومحاولة اثبات الذات، والخجل من التغيرات التي حدثت في شكلها، و جنوحها لتقليد امها في سلوكياتها، وتذبذب وتردد عواطفها، فهي تغضب بسرعة وتصفو بسرعة، وتميل لتكوين صداقات مع الجنس الاخر، وشعورها بالقلق والرهبة عند حدوث اول دورة من دورات الطمث، فهي لا تستطيع ان تناقش ما تحس به من مشكلات مع افراد الاسرة، كما انها لا تفهم طبيعة هذه العملية”.
ويشير الخبير الاجتماعي الدكتور المجدوب الى ان هناك بعض المشاكل التي تظهر في مرحلة المراهقة، مثل: ” الانحرافات الجنسية، والميل الجنسي لافراد من نفس الجنس، والجنوح، وعدم التوافق مع البيئة، وكذا انحرافات الاحداث من اعتداء، وسرقة، وهروب”، موضحا “ان هذه الانحرافات تحدث نتيجة حرمان المراهق في المنزل والمدرسة من العطف والحنان والرعاية والاشراف، وعدم اشباع رغباته، وايضا لضعف التوجيه الديني”.

ويوضح المجدوب ان مرحلة المراهقة بخصائصها ومعطياتها هي اخطر منعطف يمر به الشباب، واكبر منزلق يمكن ان تزل فيه قدمه؛ اذا عدم التوجيه والعناية، مشيرا الى ان ابرز المخاطر التي يعيشها المراهقون في تلك المرحلة:” فقدان الهوية والانتماء، وافتقاد الهدف الذي يسعون اليه، وتناقض القيم التي يعيشونها، فضلا عن مشكلة الفراغ “.
كما يوضح ان الدراسات التي اجريت في امريكا على الشواذ جنسيا اظهرت ان دور الاب كان معدوما في الاسرة، وان الام كانت تقوم بالدورين معا، وانهم عند بلوغهم كانوا يميلون الى مخالطة النساء ( امهاتهم – اخواتهم -….. ) اكثر من الرجال، و هو ما كان له ابلغ الاثر في شذوذه جنسيا “.

* طرق علاج المشاكل التي يمر بها المراهق:
قد اتفق خبراء الاجتماع وعلماء النفس والتربية على اهمية اشراك المراهق في المناقشات العلمية المنظمة التي تتناول علاج مشكلاته، وتعويده على طرح مشكلاته، ومناقشتها مع الكبار في ثقة وصراحة، وكذا احاطته علما بالامور الجنسية عن طريق التدريس العلمي الموضوعي، حتى لا يقع فريسة للجهل والضياع او الاغراء”.

كما اوصوا باهمية ” تشجيع النشاط الترويحي الموجه والقيام بالرحلات والاشتراك في مناشط الساحات الشعبية والاندية، كما يجب توجيههم نحو العمل بمعسكرات الكشافة، والمشاركة في مشروعات الخدمة العامة والعمل الصيفي… الخ”.
كما اكدت الدراسات العلمية ان اكثر من 80% من مشكلات المراهقين في عالمنا العربي نتيجة مباشرة لمحاولة اولياء الامور تسيير اولادهم بموجب ارائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم، ومن ثم يحجم الابناء، عن الحوار مع اهلهم؛ لانهم يعتقدون ان الاباء اما انهم لا يهمهم ان يعرفوا مشكلاتهم، او انهم لا يستطيعون فهمها او حلها.
وقد اجمعت الاتجاهات الحديثة في دراسة طب النفس ان الاذن المصغية في تلك السن هي الحل لمشكلاتها، كما ان ايجاد التوازن بين الاعتماد على النفس والخروج من زي النصح والتوجيه بالامر، الى زي الصداقة والتواصي وتبادل الخواطر، و بناء جسر من الصداقة لنقل الخبرات بلغة الصديق والاخ لا بلغة ولي الامر، هو السبيل الامثال لتكوين علاقة حميمة بين الاباء وابنائهم في سن المراهقة”.

وقد اثبتت دراسة قامت بها ال (Gssw) المدرسة المتخصصة للدراسات الاجتماعية بالولايات المتحدة على حوالي 400 طفل، بداية من سن رياض الاطفال وحتى سن 24 على لقاءات مختلفة في سن 5، 9، 15، 18، 21، ان المراهقين في الاسرة المتماسكة ذات الروابط القوية التي يحظى افرادها بالترابط واتخاذ القرارات المصيرية في مجالس عائلية محببة يشارك فيها الجميع، ويهتم جميع افرادها بشؤون بعضهم البعض، هم الاقل ضغوطا، والاكثر ايجابية في النظرة للحياة وشؤونها ومشاكلها، في حين كان الاخرون اكثر عرضة للاكتئاب والضغوط النفسية.

* حلول عملية:
ولمساعدة الاهل على حسن التعامل مع المراهق ومشاكله، نقدم فيما يلي نماذج لمشكلات يمكن ان تحدث مع حل عملي، سهل التطبيق، لكل منها.
المشكلة الاولى: وجود حالة من “الصدية” او السباحة ضد تيار الاهل بين المراهق واسرته، وشعور الاهل والمراهق بان كل واحد منهما لا يفهم الاخر.
– الحل المقترح: تقول الاستاذة منى يونس (اخصائية علم النفس): ان السبب في حدوث هذه المشكلة يكمن في اختلاف مفاهيم الاباء عن مفاهيم الابناء، واختلاف البيئة التي نشا فيها الاهل وتكونت شخصيتهم خلالها وبيئة الابناء، وهذا طبيعي لاختلاف الاجيال والازمان، فالوالدان يحاولان تسيير ابنائهم بموجب ارائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم، وبالتالي يحجم الابناء عن الحوار مع اهلهم؛ لانهم يعتقدون ان الاباء اما انهم لا يهمهم ان يعرفوا مشكلاتهم، او انهم لا يستطيعون فهمها، او انهم – حتى ان فهموها – ليسوا على استعداد لتعديل مواقفهم.
ومعالجة هذه المشكلة لا تكون الا باحلال الحوار الحقيقي بدل التنافر والصراع والاغتراب المتبادل، ولا بد من تفهم وجهة نظر الابناء فعلا لا شكلا بحيث يشعر المراهق انه ماخوذ على محمل الجد ومعترف به وبتفرده – حتى لو لم يكن الاهل موافقين على كل ارائه ومواقفه – وان له حقا مشروعا في ان يصرح بهذه الاراء. الاهم من ذلك ان يجد المراهق لدى الاهل اذانا صاغية وقلوبا متفتحة من الاعماق، لا مجرد مجاملة، كما ينبغي ان نفسح له المجال ليشق طريقه بنفسه حتى لو اخطا، فالاخطاء طريق للتعلم،

وليختر الاهل الوقت المناسب لبدء الحوار مع المراهق، بحيث يكونا غير مشغولين، وان يتحدثا جالسين،
جلسة صديقين متالفين، يبتعدا فيها عن التكلف والتجمل، وليحذرا نبرة التوبيخ، والنهر، والتسفيه..
حاولا الابتعاد عن الاسئلة التي تكون اجاباتها “بنعم” او “لا”، او الاسئلة غير الواضحة وغير المباشرة، وافسحا له مجالا للتعبير عن نفسه، ولا تستخدما الفاظا قد تكون جارحة دون قصد، مثل: “كان هذا خطا” او “الم انبهك لهذا الامر من قبل؟”.

المشكلة الثانية: شعور المراهق بالخجل والانطواء، الامر الذي يعيقه عن تحقيق تفاعله الاجتماعي، وتظهر عليه هاتين الصفتين من خلال احمرار الوجه عند التحدث، والتلعثم في الكلام وعدم الطلاقة، وجفاف الحلق.
– الحل المقترح: ان اسباب الخجل والانطواء عند المراهق متعددة، واهمها: عجزه عن مواجهة مشكلات المرحلة، واسلوب التنشئة الاجتماعية الذي ينشا عليه، فالتدليل الزائد والقسوة الزائدة يؤديان الى شعوره بالاعتماد على الاخرين في حل مشكلاته، لكن طبيعة المرحلة تتطلب منه ان يستقل عن الاسرة ويعتمد على نفسه، فيحدث صراع لديه، ويلجا الى الانسحاب من العالم الاجتماعي، والانطواء والخجل عند التحدث مع الاخرين.

ولعلاج هذه المشكلة ينصح ب: توجيه المراهق بصورة دائمة وغير مباشرة، واعطاء مساحة كبيرة للنقاش والحوار معه، والتسامح معه في بعض المواقف الاجتماعية، وتشجيعه على التحدث والحوار بطلاقة مع الاخرين، وتعزيز ثقته بنفسه.

المشكلة الثالثة: عصبية المراهق واندفاعه، وحدة طباعه، وعناده، ورغبته في تحقيق مطالبه بالقوة والعنف الزائد، وتوتره الدائم بشكل يسبب ازعاجا كبيرا للمحيطين به.
– الحل المقترح: يرى الدكتور عبد العزيز محمد الحر، ان لعصبية المراهق اسبابا كثيرة، منها: اسباب مرتبطة بالتكوين الموروث في الشخصية، وفي هذه الحالة يكون احد الوالدين عصبيا فعلا، ومنها: اسباب بيئية، مثل: نشاة المراهق في جو تربوي مشحون بالعصبية والسلوك المشاكس الغضوب.
كما ان الحديث مع المراهقين بفظاظة وعدوانية، والتصرف معهم بعنف، يؤدي بهم الى ان يتصرفوا ويتكلموا بالطريقة نفسها، بل قد يتمادوا للاشد منها تاثيرا، فالمراهقون يتعلمون العصبية في معظم الحالات من الوالدين او المحيطين بهم، كما ان تشدد الاهل معهم بشكل مفرط، ومطالبتهم بما يفوق طاقاتهم وقدراتهم من التصرفات والسلوكيات، يجعلهم عاجزين عن الاستجابة لتلك الطلبات، والنتيجة احساس هؤلاء المراهقين بان عدوانا يمارس عليهم، يؤدي الى توترهم وعصبيتهم، ويدفعهم ذلك الى عدوانية السلوك الذي يعبرون عنه في صورته الاولية بالعصبية، فالتشدد المفرط هذا يحولهم الى عصبيين، ومتمردين.

وهناك اسباب اخرى لعصبية المراهقين كضيق المنزل، وعدم توافر اماكن للهو، وممارسة انشطة ذهنية او جسدية، واهمال حاجتهم الحقيقية للاسترخاء والراحة لبعض الوقت.
ويرى الدكتور الحر ان علاج عصبية المراهق يكون من خلال الامان، والحب، والعدل، والاستقلالية، والحزم، فلا بد للمراهق من الشعور بالامان في المنزل.. الامان من مخاوف التفكك الاسري، والامان من الفشل في الدراسة، والامر الاخر هو الحب فكلما زاد الحب للابناء زادت فرصة التفاهم معهم، فيجب الا نركز في حديثنا معهم على التهديد والعقاب، والعدل في التعامل مع الابناء ضروري؛ لان السلوك التفاضلي نحوهم يوجد ارضا خصبة للعصبية، فالعصبية ردة فعل لامر اخر وليست المشكلة نفسها، والاستقلالية مهمة، فلا بد من تخفيف السلطة الابوية عن الابناء واعطائهم الثقة بانفسهم بدرجة اكبر مع المراقبة والمتابعة عن بعد، فالاستقلالية شعور محبب لدى الابناء خصوصا في هذه السن، ولابد من الحزم مع المراهق، فيجب الا يترك لفعل ما يريد بالطريقة التي يريدها وفي الوقت الذي يريده ومع من يريد، وانما يجب ان يعي ان مثل ما له من حقوق، فان عليه واجبات يجب ان يؤديها، وان مثل ما له من حرية فللاخرين حريات يجب ان يحترمها.

المشكلة الرابعة: ممارسة المراهق للسلوك المزعج، كعدم مراعاة الاداب العامة، والاعتداء على الناس، وتخريب الممتلكات والبيئة والطبيعة، وقد يكون الازعاج لفظيا او عمليا.
– الحل المقترح: من اهم اسباب السلوك المزعج عند المراهق: رغبته في تحقيق مقاصده الخاصة دون اعتبار للمصلحة العامة، والافكار الخاطئة التي تصل لذهنه من ان المراهق هو الشخص القوي الشجاع، وهو الذي يصرع الاخرين وياخذ حقوقه بيده لا بالحسنى، وايضا الاحباط والحرمان والقهر الذي يعيشه داخل الاسرة، وتقليد الاخرين والاقتداء بسلوكهم الفوضوي، والتعثر الدراسي، ومصاحبة اقران السوء.
اما مظاهر السلوك المزعج، فهي: نشاط حركي زائد يغلب عليه الاضطراب والسلوكيات المرتجلة، واشتداد نزعة الاستقلال والتطلع الى القيادة، وتعبير المراهق عن نفسه واحاسيسه ورغباته بطرق غير لائقة (الصراخ، الشتم، السرقة، القسوة، الجدل العقيم، التورط في المشاكل، والضجر السريع، والتافف من الاحتكاك بالناس، وتبرير التصرفات باسباب واهية، والنفور من النصح، والتمادي في العناد).

اما مدخل العلاج فهو تبصير المراهق بعظمة المسؤوليات التي تقع على كاهله وكيفية الوفاء بالامانات، واشغاله بالخير والاعمال المثمرة البناءة، وتصويب المفاهيم الخاطئة في ذهنه، ونفي العلاقة المزعومة بين الاستقلالية والتعدي على الغير، وتشجيعه على مصاحبة الجيدين من الاصدقاء ممن لا يحبون ان يمدوا يد الاساءة للاخرين، وارشاده لبعض الطرق لحل الازمات ومواجهة عدوان الاخرين بحكمة، وتعزيز المبادرات الايجابية اذا بادر الى القيام بسلوك ايجابي يدل على احترامه للاخرين من خلال المدح والثناء، والابتعاد عن الالفاظ الاستفزازية والبرمجة السلبية وتجنب التوبيخ قدر المستطاع.

المشكلة الخامسة: تعرض المراهق الى سلسلة من الصراعات النفسية والاجتماعية المتعلقة بصعوبة تحديد الهوية ومعرفة النفس يقوده نحو التمرد السلبي على الاسرة وقيم المجتمع، ويظهر ذلك في شعوره بضعف الانتماء الاسري، وعدم التقيد بتوجيهات الوالدين، والمعارضة والتصلب في المواقف، والتكبر، والغرور، وحب الظهور، والقاء اللوم على الاخرين، التلفظ بالفاظ نابية.
– الحل المقترح: ان غياب التوجيه السليم، والمتابعة اليقظة المتزنة، والقدوة الصحيحة يقود المراهق نحو التمرد، ومن اسباب التمرد ايضا: عيش المراهق في حالة صراع بين الحنين الى مرحلة الطفولة المليئة باللعب وبين التطلع الى مرحلة الشباب التي تكثر فيها المسؤوليات، وكثرة القيود الاجتماعية التي تحد من حركته، وضعف الاهتمام الاسري بمواهبه وعدم توجيهها الوجهة الصحيحة، وتانيب الوالدين له امام اخوته او اقربائه او اصدقائه، ومتابعته للافلام والبرامج التي تدعو الى التمرد على القيم الدينية والاجتماعية والعنف.
ويرى كل من الدكتور بدر محمد ملك، والدكتورة لطيفة حسين الكندري ان علاج تمرد المراهق يكون بالوسائل التالية: السماح للمراهق بالتعبير عن افكاره الشخصية، وتوجيهه نحو البرامج الفعالة لتكريس وممارسة مفهوم التسامح والتعايش في محيط الاندية الرياضية والثقافية، وتقوية الوازع الديني من خلال اداء الفرائض الدينية والتزام الصحبة الصالحة ومد جسور التواصل والتعاون مع اهل الخبرة والصلاح في المحيط الاسري وخارجه، ولا بد من تكثيف جرعات الثقافة الاسلامية، حيث ان الشريعة الاسلامية تنظم حياة المراهق لا كما يزعم اعداء الاسلام بانه يكبت الرغبات ويحرم الشهوات، والاشتراك مع المراهق في عمل انشطة يفضلها، وذلك لتقليص مساحات الاختلاف وتوسيع حقول التوافق وبناء جسور التفاهم، وتشجيع وضع اهداف عائلية مشتركة واتخاذ القرارات بصورة جماعية مقنعة، والسماح للمراهق باستضافة اصدقائه في البيت مع الحرص على التعرف اليهم والجلوس معهم لبعض الوقت، والحذر من البرمجة السلبية، وتجنب عبارات: انت فاشل، عنيد، متمرد، اسكت يا سليط اللسان، انت دائما تجادل وتنتقد، انت لا تفهم ابدا…الخ؛ لان هذه الكلمات والعبارات تستفز المراهق وتجلب المزيد من المشاكل والمتاعب ولا تحقق المراد من العلاج.

المراهقة: التعامل مع المرحلة وفق النظرية الاسلامية

تطرقنا معكم في الحلقة السابقة من هذه القضية لعدة جوانب، وهي:
مفهوم المراهقة
مراحل المراهقة
علامات بداية مرحلة المراهقة، وابرز خصائصها وصورها الجسدية والنفسية
مشاكل المراهقة
ابرز المشكلات والتحديات السلوكية في حياة المراهق
طرق علاج المشاكل التي يمر بها المراهق
ونستكمل معكم عرض باقي الجوانب في تلك القضية، وهي كالتالي:

* كيف عالج الاسلام مرحلة المراهقة؟
يقول الدكتور احمد المجدوب (المستشار بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة)، ان الرسول _صلى الله عليه وسلم_ قد سبق الجميع بقوله: “علموا اولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع”.
ويدلل المجدوب بالدراسة التي اجراها عالم امريكي يدعى ” الفريد كنسي” بعنوان ” السلوك الجنسي لدى الامريكيين”، والتي طبقها على 12 الف مواطن امريكي من مختلف شرائح المجتمع، والتي اثبتت ان 22 % ممن سالهم عن اول تجربة لممارسة الجنس قالوا: ان اول تجربة جنسية لهم كانت في سن العاشرة، وانها كانت في فراش النوم، وانها كانت مع الاخ او الاخت او الام !!

ويستطرد المجدوب قائلا: ” وانتهت الدراسة التي اجريت في مطلع الاربعينيات، الى القول بان الارهاصات الجنسية تبدا عند الولد والبنت في سن العاشرة”، ويعلق المجدوب على نتائج الدراسة قائلا: ” هذا ما اثبته نبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_ قبل الفريد كنسي ب 14 قرنا من الزمان ! ولكننا لا نعي تعاليم ديننا “.

ويقول المجدوب: ” لقد اتضح لي من خلال دراسة ميدانية شاملة قمت بها على عينة من 200 حالة حول (زنا المحارم) الذي اصبح منتشرا للاسف، ان معظم حالات زنا المحارم كانت بسبب النوم المشترك في نفس الفراش مع الاخت او الام او…، وهو ما حذرنا منه الرسول _صلى الله عليه وسلم_ بقوله: ” وفرقوا بينهم في المضاجع”.

واستطرد المجدوب يقول: ” البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء تقول: ان هناك 20 % من الاسر المصرية تقيم في غرفة واحدة، وان كل 7 افراد منهم ينامون متجاورين! “.
ويشير المجدوب الى ان دراسته عن زنا المحارم انتهت الى نتيجة مؤداها ان احد اهم الاسباب لدى مرتكبي جرائم زنا المحارم هو الانخفاض الشديد في مستوى التدين، والذي لم يزد على افضل الاحوال عن 10 %، هذا طبعا عدا الاسباب الاخرى، مثل: انتشار الخمر بين الطبقات الدنيا والوسطى، و اهتزاز قيمة الاسرة، و الجهل، والفقر، و….
ويرجع المجدوب هذه الظاهرة الى “الزخم الجنسي وعوامل التحريض والاثارة في الصحف والمجلات والبرامج والمسلسلات والافلام التي يبثها التلفاز والسينما والدش فضلا عن اشرطة الفيديو”، منبها الى خطورة افتقاد القدوة والى اهمية ” التربية الدينية في تكوين ضمير الانسان”.
ويضيف المجدوب انه ” وفقا لاخر بيان صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء بمصر يؤكد ان هناك 9 مليون شاب وفتاة من سن 20 سنة الى 35 سنة لا يستطيعون الزواج، كما ان هناك 9 مليون اخرين ممن تعدو سن 35 سنة قد فاتهم قطار الزواج واصبحوا عوانس !!!

* النظرية الاسلامية في التربية:
وتقوم النظرية الاسلامية في التربية على اسس اربعة،هي: ( تربية الجسم، وتربية الروح، وتربية النفس، وتربية العقل)، وهذه الاسس الاربعة تنطلق من قيم الاسلام، وتصدر عن القران والسنة ونهج الصحابة والسلف في المحافظة على الفطرة التي فطر الله الناس عليها بلا تبديل ولا تحريف، فمع التربية الجسمية تبدا التربية الروحية الايمانية منذ نعومة الاظفار.
وقد اهتم الاسلام بالصحة النفسية والروحية والذهنية، واعتبر ان من اهم مقوماتها التعاون والتراحم والتكافل وغيرها من الامور التي تجعل المجتمع الاسلامي مجتمعا قويا في مجموعه وافراده، وفي قصص القران الكريم ما يوجه الى مراهقة منضبطة تمام الانضباط مع وحي الله _عز وجل_، وقد سبق الرسول _صلى الله عليه وسلم_ الجميع بقوله:”لاعبوهم سبعا وادبوهم سبعا وصادقوهم سبعا، ثم اتركوا لهم الحبل على الغارب”.
و قد قدم الاسلام عددا من المعالم التي تهدي الى الانضباط في مرحلة المراهقة، مثل:” الطاعة: بمعنى طاعة الله وطاعة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ وطاعة الوالدين ومن في حكمهما، وقد اكد القران الكريم هذه المعاني في وصية لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه قال: “يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم” (لقمان: من الاية13).

ايضا هناك:” الاقتداء بالصالحين، وعلى راس من يقتدي بهم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فالاقتداء به واتباع سنته من اصول ديننا الحنيف، قال الله _عز وجل_: ” لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا ” [الاحزاب:21].
كما اعتبر الاسلام ان احد اهم المعالم التي تهدى الى الانضباط في مرحلة المراهقة:” التعاون والتراحم والتكافل؛ لانه يجعل الفرد في خدمة المجتمع، ويجعل المجتمع في خدمة الفرد، و الدليل على ذلك ما رواه احمد في مسنده عن النعمان بن بشير _رضي الله عنه_ عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ انه قال:” مثل المؤمن كمثل الجسد اذا اشتكى الرجل راسه تداعى له سائر جسده”.
ولم ينس الاسلام دور الاب في حياة ابنه، وكذلك تاثير البيئة التي ينشا فيها الفتى في تربيته ونشاته، فقد روي في الصحيحين عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، انه قال: ” كل مولود يولد على الفطرة، فابواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه”.

ويشير الدكتور محمد سمير عبد الفتاح (استاذ علم النفس، مدير مركز البحوث النفسية بجامعة المنيا)، الى ان: ” المراهق يحتاج الى من يتفهم حالته النفسية ويراعي احتياجاته الجسدية، ولذا فهو بحاجة الى صديق ناضج يجيب عن تساؤلاته بتفهم وعطف وصراحة، صديق يستمع اليه حتى النهاية دون مقاطعة او سخرية او شك، كما يحتاج الى الام الصديقة والاب المتفهم”.
وفي حديثه لموقع المسلم ، يدعو (الخبير النفسي) الدكتور سمير عبد الفتاح اولياء الامور الى ” التوقف الفوري عن محاولات برمجة حياة المراهق، ويقدم بدلا منها الحوار، و التحلي بالصبر، واحترم استقلاليته وتفكيره، والتعامل معه كشخص كبير، وغمره بالحنان وشمله بمزيد من الاهتمام”.
وينصح الدكتور عبد الفتاح الامهات بضرورة ” اشراك الاب في تحمل عبء تربية اولاده في هذه المرحلة الخطيرة من حياتهم”، ويقول للام: ” شجعي ابنك وبثي التفاؤل في نفسه، وجملي اسلوبك معه، واحرصي على انتقاء الكلمات كما تنتقي اطايب الثمر”.

ويوجه عبد الفتاح النصح للاب قائلا: ” اعطه قدرا من الحرية باشرافك ورضاك، لكن من المهم ان تتفق معه على احترام الوقت وتحديده، وكافئه ان احسن كما تعاقبه ان اساء، حاول تفهم مشاكله والبحث معه عن حل، اهتم بتوجيهه الى الصحبة الصالحة، كن له قدوة حسنة ومثلا اعلى، احترم اسراره وخصوصياته، ولا تسخر منه ابدا”.
ويضيف عبد الفتاح موجها كلامه للاب:” صاحبه وتعامل معه كانه شاب، اصطحبه الى المسجد لاداء الصلاة وخاصة الجمعة والعيدين، اجب عن كل اسئلته مهما كانت بكل صراحة ووضوح ودون حرج، وخصص له وقتا منتظما للجلوس معه، واشركه في النشاطات الاجتماعية العائلية كزيارة المرضى وصلة الارحام، نم لديه الوازع الديني واشعره باهمية حسن الخلق “.
كما ينصح الدكتور عبد الفتاح الامهات بمراعاة عدد من الملاحظات المهمة في التعامل مع بناتهن في مرحلة المراهقة فيؤكد بداية ان على الامهات ان يتعلمن فن معاملة المراهقات، ويقول للام:” اعلميها انها تنتقل من مرحلة الطفولة الى مرحلة جديدة تسمى مرحلة التكليف، وانها كبرت واصبحت مسؤولة عن تصرفاتها، قولي لها: انها مثلما زادت مسؤولياتها فقد زادت حقوقها، وانها اصبحت عضوا كاملا في الاسرة تشارك في القرارات، ويؤخذ رايها فيما يخصها، وتوكل له مهام تؤديها للثقة فيها وفي قدراتها، علميها الامور الشرعية كالاغتسال، وكيفية التطهر، سواء من الدورة الشهرية او من الافرازات”.

ويضيف عبد الفتاح: ” ابتعدي عن مواجهتها باخطائها، اقيمي علاقات وطيدة وحميمة معها، دعمي كل تصرف ايجابي وسلوك حسن صادر عنها، اسري لها بملاحظات ولا تنصحيها على الملا فان (لكل فعل ردة فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه)، اقصري استخدام سلطتك في المنع على الاخطاء التي لا يمكن التجاوز عنها، واستعيني بالله وادعي لها كثيرا، ولا تدعي عليها مطلقا، و تذكري ان الزمن جزء من العلاج”.
ويضيف الدكتور سمير عبد الفتاح (مدير مركز البحوث النفسية) قائلا:” افتحي قناة للاتصال معها، اجلسي وتحاوري معها لتفهمي كيف تفكر، وما ذا تحب من الامور وماذا تكره؟ واحذري ان تعامليها كانها ند لك ولا تقرني نفسك بها، وعندما تجادلك انصتي لملاحظاتها وردي عليها بمنطق وبرهان، اذا انتقدت فانتقدي تصرفاتها ولا تنتقديها هي كشخص، وختاما استعيني بالله ليحفظها لك ويهديها”.

* فهم المرحلة.. تجاوز ناجح لها:
ان المشاكل السابقة الذكر، سببها الرئيس هو عدم فهم طبيعة واحتياجات هذه المرحلة من جهة الوالدين، وايضا عدم تهيئة الطفل او الطفلة لهذه المرحلة قبل وصولها.
ولمساعدة الوالدين على فهم مرحلة المراهقة، فقد حدد بعض العلماء واجبات النمو التي ينبغي ان تحدث في هذه المرحلة للانتقال الى المرحلة التالية، ومن هذه الواجبات ما يلي:
1- اقامة نوع جديد من العلاقات الناضجة مع زملاء العمر.
2- اكتساب الدور المذكر او المؤنث المقبول دينيا واجتماعيا لكل جنس من الجنسين.
3- قبول الفرد لجسمه او جسده، واستخدام الجسم استخداما صالحا.
4- اكتساب الاستقلال الانفعالي عن الوالدين وغيرهم من الكبار.
5- اختيار مهنة والاعداد اللازم لها.
6- الاستعداد للزواج وحياة الاسرة.
7- تنمية المهارات العقلية والمفاهيم الضرورية للكفاءة في الحياة الاجتماعية.
8- اكتساب مجموعة من القيم الدينية والاخلاقية التي تهديه في سلوكه.

ويرى المراهق انه بحاجة الى خمسة عناصر في هذه المرحلة، وهي: الحاجة الى الحب والامان، والحاجة الى الاحترام، والحاجة لاثبات الذات، والحاجة للمكانة الاجتماعية، والحاجة للتوجيه الايجابي.

* تهيئة المراهق:
ولتحقيق واجبات النمو التي حددها العلماء، وحاجات المراهق في هذه المرحلة، على الاهل تهيئة ابنهم المراهق لدخول هذه المرحلة، وتجاوزها دون مشاكل، ويمكن ان يتم ذلك بخطوات كثيرة، منها:
1- اعلام المراهق انه ينتقل من مرحلة الى اخرى، فهو يخرج من مرحلة الطفولة الى مرحلة جديدة، تعني انه كبر واصبح مسؤولا عن تصرفاته، وانها تسمى مرحلة التكليف؛ لان الانسان يصبح محاسبا من قبل الله _تعالى_؛ لانه وصل الى النضج العقلي والنفسي الذي يجعله قادرا على تحمل نتيجة افعاله واختياراته.
وانه مثلما زادت مسؤولياته فقد زادت حقوقه، واصبح عضوا كاملا في الاسرة يشارك في القرارات، ويؤخذ رايه، وتوكل له مهام يؤديها للثقة فيه وفي قدراته.

2- ان هناك تغيرات جسدية، وعاطفية، وعقلية، واجتماعية تحدث في نفسيته وفي بنائه، وان ذلك نتيجة لثورة تحدث داخله استعدادا او اعدادا لهذا التغير في مهمته الحياتية، فهو لم يعد طفلا يلعب ويلهو، بل اصبح له دور في الحياة، لذا فان احساسه العاطفي نحو الجنس الاخر او شعوره بالرغبة يجب ان يوظف لاداء هذا الدور، فالمشاعر العاطفية والجنسية ليست شيئا وضيعا او مستقذرا؛ لان له دورا هاما في اعمار الارض وتحقيق مراد الله في خلافة الانسان. ولذا فهي مشاعر سامية اذا احسن توظيفها في هذا الاتجاه، لذا يجب ان يعظم الانسان منها ويوجهها الاتجاه الصحيح لسمو الغاية التي وضعها الله في الانسان من اجلها، لذا فنحن عندما نقول: ان هذه العواطف والمشاعر لها طريقها الشرعي من خلال الزواج، فنحن نحدد الجهة الصحيحة لتفريغها وتوجيهها.

3- ان يعلم المراهق الاحكام الشرعية الخاصة بالصيام والصلاة والطهارة والاغتسال، ويكون ذلك مدخلا لاعطائه الفرصة للتساؤل حول اي شيء يدور حول هذه المسالة، حتى لا يضطر لان يستقي معلوماته من جهات خارجية يمكن ان تضره او ترشده الى خطا او حرام.

4- التفهم الكامل لما يعاني منه المراهق من قلق وعصبية وتمرد، وامتصاص غضبه؛ لان هذه المرحلة هي مرحلة الاحساس المرهف، مما يجعل المراهق شخصا سهل الاستثارة والغضب، ولذلك على الاهل بث الامان والاطمئنان في نفس ابنهم، وقد يكون من المفيد القول مثلا: “انا اعرف ان اخوتك يسببون بعض المضايقات، وانا نفسي احس بالازعاج، لكن على ما يبدو ان هناك امرا اخر يكدرك ويغضبك، فهل ترغب بالحديث عنه؟” لان ذلك يشجع المراهق على الحديث عما يدور في نفسه.

5- اشاعة روح الشورى في الاسرة؛ لان تطبيقها يجعل المراهق يدرك ان هناك رايا ورايا اخر معتبرا لا بد ان يحترم، ويعلمه ذلك ايضا كيفية عرض رايه بصورة عقلانية منطقية، ويجعله يدرك ان هناك امورا استراتيجية لا يمكن المساس بها، منها على سبيل المثال: الدين، والتماسك الاسري، والاخلاق والقيم.

* التعامل مع المراهق علم وفن:
ومن جهتها تقدم (الخبيرة الاجتماعية) الدكتورة منى يونس، الحاصلة على جائزة الدكتور شوقي الفنجري للدعوة والفقه الاسلامي عام 1995م، وصفة علاجية وتوجيهات عملية لاولياء الامور في فنون التعامل مع ابنائهم وبناتهم المراهقين، فتقول: ” اياكم ان تنتقدوهم امام الاخرين، وانصتوا لهم باهتمام شديد عندما يحدثوكم، ولا تقاطعوهم، ولا تسفهوا اراءهم”.

وفي حديثها لموقع المسلم ، تدعو الخبيرة الاجتماعية الدكتورة منى يونس اولياء الامور لتجنب مخاطبة ابنائهم وبناتهم المراهقين بعدد من العبارات المحبطة بل والمحطمة، مثل: ( انا اعرف ما ينفعك، لا داعي لان تكملي حديثك.. استطيع توقع ما حدث، فلتنصتي الي الان دون ان تقاطعيني، اسمعي كلامي ولا تناقشيني، يا للغباء.. اخطات مرة اخرى!، يا كسولة، يا انانية، انك طفلة لا تعرفين مصلحتك).
وتقول الخبيرة الاجتماعية: ” لقد اثبتت الدراسات ان عبارات المديح لها اثر ايجابي في تحسين مستوى التحصيل الدراسي لدى اطفال كانوا يعانون من صعوبات التعلم ونقص التركيز”.
و تضرب الدكتورة منى مثالا ببعض عبارات المديح المحببة الى قلوب الابناء والبنات من المراهقين، مثل: ( بارك الله فيك، ما شاء الله، رائع، يا لك من فتاة، احسنت، لقد تحسنت كثيرا، ما فعلته هو الصواب، هذه هي الطريقة المثلى، افكارك رائعة، انجاز رائع، يعجبني اختيارك لملابسك، استمر، الى الامام، انا فخور بك، يا سلام، عمل ممتاز، لقد احسست برغبتك الصادقة في تحمل المسؤولية، انت محل ثقتي، انت ماهر في هذا العمل،… ).

احرصوا على استعمال اساليب التشجيع والثناء الجسدية، مثل ( الابتسامة، الاحتضان، مسك الايدي، اربت على كتفه، المسح على الراس،…. ).
وتختتم الخبيرة الاجتماعية الدكتورة منى يونس، حديثها بتوصية اولياء الامور بمراعاة عدد من القواعد والتوجيهات العامة في التعامل مع الاولاد في مرحلة المراهقة، فتقول لولي الامر:-
• اهتم باعداده لمرحلة البلوغ، وضح له انها من اجمل اوقات حياته.
• اشرح له بعض الاحكام الشرعية الخاصة بالصيام والصلاة والطهارة بشكل بسيط.
• اظهر الاهتمام والتقدير لما يقوله عند تحدثه اليك.
• اهتم بمظهره، واترك له حرية الاختيار.
• استضف اصدقاءه وتعرف عليهم عن قرب، وابد احتراما شديدا لهم.
• امدح اصدقاءه ذوي الصفات الحسنة مع مراعاة عدم ذم الاخرين.
• شجعه على تكوين اصدقاء جيدين، ولا تشعره بمراقبتك او تفرض عليه احدا لا يريده.
• احرص على لم شمل الاسرة باصطحابهم الى الحدائق او الملاهي او الاماكن الممتعة.
• احرص على تناول وجبات الطعام معهم.
• اظهر فخرك به امام اعمامه واخواله واصدقائه؛ فهذا سيشعرهم بالخجل من اخطائهم.
• اصطحبه في تجمعات الرجال وجلساتهم الخاصة بحل مشاكل الناس، ليعيش اجواء الرجولة ومسؤولياتها؛ فتسمو نفسه، وتطمح الى تحمل المسؤوليات التي تجعله جديرا بالانتماء الى ذلك العالم.
• شجعه على ممارسة رياضة يحبها، ولا تفرض عليه نوعا معينا من الرياضة.
• اقترح عليه عدة هوايات، وشجعه على القراءة لتساعده في تحسين سلوكه.
• كافئه على اعماله الحسنة.
• تجاهل تصرفاته التي لا تعجبك.
• تحاور معه كاب حنون وحادثه كصديق مقرب.
• احرص على ان تكون النموذج الناجح للتعامل مع امه.
• قم بزيارته بنفسك في المدرسة، وقابل معلميه وابرز ما يقوله المعلمون عن ايجابياته.
• اختيار الوقت المناسب لبدء الحوار مع الشاب.
• محاولة الوصول الى قلب المراهق قبل عقله.
• الابتعاد عن الاسئلة التي اجاباتها نعم اولا، او الاسئلة غير الواضحة وغير المباشرة.
• العيش قليلا داخل عالمهم لنفهمهم ونستوعب مشاكلهم ومعاناتهم ورغباتهم.

ختاما…
يجب على الاهل استثمار هذه المرحلة ايجابيا، وذلك بتوظيف وتوجيه طاقات المراهق لصالحه شخصيا، ولصالح اهله، وبلده، والمجتمع ككل. وهذا لن يتاتى دون منح المراهق الدعم العاطفي، والحرية ضمن ضوابط الدين والمجتمع، والثقة، وتنمية تفكيره الابداعي، وتشجيعه على القراءة والاطلاع، وممارسة الرياضة والهوايات المفيدة، وتدريبه على مواجهة التحديات وتحمل المسؤوليات، واستثمار وقت فراغه بما يعود عليه بالنفع.
ولعل قدوتنا في ذلك هم الصحابة _رضوان الله عليهم_، فمن يطلع على سيرهم يشعر بعظمة اخلاقهم، وهيبة مواقفهم، وحسن صنيعهم، حتى في هذه المرحلة التي تعد من اصعب المراحل التي يمر بها الانسان اخلاقيا وعضويا وتربويا ايضا.
فبحكم صحبتهم لرسول الله _صلى الله عليه وسلم_ خير قائد وخير قدوة وخير مرب، واحتكامهم الى المنهج الاسلامي القويم الذي يوجه الانسان للصواب دوما، ويعني بجميع الامور التي تخصه وتوجه غرائزه توجيها سليما.. تخرج منهم خير الخلق بعد الرسل _صلوات الله وسلامه عليهم_، فكان منهم من حفظ القران الكريم عن ظهر قلب في اولى سنوات العمر، وكان منهم الذين نبغوا في علوم القران والسنة والفقه والكثير من العلوم الانسانية الاخرى، وكان منهم الدعاة الذين فتحوا القلوب واسروا العقول كسيدنا مصعب بن عمير الذي انتدبه رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ داعية الى المدينة ولم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، وكان منهم الفتيان الذين قادوا الجيوش وخاضوا المعارك وهم بين يدي سن الحلم، كسيدنا اسامة بن زيد _رضي الله عنهم جميعا_ وما ذاك الا لترعرعهم تحت ظل الاسلام وتخرجهم من المدرسة المحمدية الجليلة.
والحمد لله رب العالمين…
وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.

السابق
اوجاع الذراع الايسر يمتد الي معصم اليد
التالي
صور بنات صغار