الهي مسني الضر وانت ارحم الراحمين

 

 

الهى مسنى الضر و انت ارحم الراحمين

قال ابن القيم: “جمع فهذا الدعاء بين حقيقة التوحيد و اظهار الفقر و الفاقه الى ربه،
ووجود طعم المحبه فالمتملق له،
والاقرار له بصفه الرحمة،
وانة ارحم الراحمين،
والتوسل الية بصفاتة سبحانه،
وشده حاجتة و هو فقره،
ومتي و جد المبتلي ذلك كشف عنه بلواه،
وقد جرب انه من قالها سبع مرات،
ولا سيما مع هذي المعرفه كشف الله ضره”[1].

ورغم ان عبارات ذلك الدعاء لا تحمل معني الطلب،
ولا نبرات الدعاء،
لكنها من ابلغ نوعيات السؤال،
وقد سئل سفيان بن عيينه عن حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم: «اروع الدعاء دعاء يوم عرفة،
واروع ما قلت انا و النبيون من قبلي: لا الة الا الله و حدة لا شريك له»[2].


و انما هي ذكر انما هي ذكر ليس به دعاء.

قال سفيان: سمعت حديث منصور عن ما لك بن الحارث،
يقول الله تعالى: «من شغلة ذكرى عن مسالتى اعطيتة اروع ما اعطى السائلين»[3]؟!


قلت: نعم.


قال: هذا تفسير هذا،
ثم قال: اتدرى ما قال اميه حين اتي ابن جدعان يطلب منه نائله و معروفه؟


قلت: لا.


قال: لما اتاة قال:


ااذكر حاجتى ام ربما كفانى *** حياؤك ان شيمتك الحياء


اذا اثني عليك المرء يوما *** كفاة من تعرضك الثناء


قال سفيان: فهذا مخلوق حين ينسب الى الجود قيل: يكفينا من تعرضك الثناء عليك حتي تاتى على حاجتنا،
فكيف بالخالق؟»[4].

وهذا من حسن الادب فالسؤال و الدعاء،
فقول القائل لمن يعظمة و يطمع ففضله: انا جائع .
.
انا مريض .
.
هو حسن ادب فالسؤال،
وفية اظهار حالة و الاخبار فيه على و جة الذل و الافتقار،
وهو متضمن لسؤال الحال و هو ابلغ من سؤال المقال،
اما قوله (اطعمنى و داوني) فهو طلب جازم من المسؤول.

ولان الصيغه التي تتضمن حال السائل و المسؤول من اكمل صيغ الدعاء المفضى الى الاجابة،
فلذا جاء كثير من الادعية النبويه على ذلك المثال؛
مثل قول النبى صلى الله عليه و سلم لابي بكر الصديق: «قل اللهم انني ظلمت نفسي ظلما كثيرا،
وانة لا يغفر الذنوب الا انت،
فاغفر لى مغفره من عندك،
وارحمنى انك انت الغفور الرحيم»[5].

والمح فهذا الدعاء سؤال الله بصفاتة التي تستدعى الاجابه و تستعطف الكريم،
وهو وصف الرب سبحانة و تعالى بالمغفره و الرحمة،
وهذا من استجداء الرحمه من الرحيم باحب ما يحب ربنا و يرضاه.
قال ابن القيم: “فجمع فهذا الدعاء الشريف العظيم القدر بين الاعتراف بحالة و التوسل الى ربة عز و جل بفضلة و جوده،
وانة المنفرد بغفران الذنوب،
ثم سال حاجتة بعد التوسل بالامرين معا،
فهكذا ادب الدعاء و اداب العبودية”[6].

مدح ثلاثى لايوب!


فما قصة ايوب؟!


و ما خبر ابتلائه؟


اسمع: «ان ايوب لبث فيه بلاؤة ثمانى عشره سنة،
فرفضة القريب و البعيد الا رجلين من اخوانة كانا من اخص اخوانه،
كانا يغدوان الية و يروحان،
فقال احدهما لصاحبة ذات يوم:


تعلم و الله لقد اذنب ايوب ذنبا ما اذنبة احد.


قال: و ما ذاك؟


قال: منذ ثمانى عشره سنه لم يرحمة الله فيكشف عنه ما به.
فلما جاء الى ايوب لم يصبر الرجل حتي ذكر له ذلك،
فقال ايوب: لا ادرى ما تقول،
غير ان الله يعلم انني كنت امر بالرجلين يتباعدان يذكران الله،
فارجع الى بيتي،
فاؤلف بينهما كراهه ان يذكر الله لا فحق.

وكان يظهر لحاجته،
فاذا قضي حاجتة امسكت امراتة بيدة حتي يبلغ،
فلما كان ذات يوم ابطا عليها،
فاوحي الله الى ايوب فمكانة ان اركض برجلك ذلك مغتسل بارد و شراب،
فاستبطاتة فاتتة فاقبل عليها ربما اذهب الله ما فيه من البلاء و هو اقوى ما كان،
فلما راتة قالت: اي بارك الله فيك،
هل رايت نبى الله المبتلى؟
والله على ذاك ما رايت رجلا اشبة فيه منك اذ كان صحيحا.
قال: فانى انا هو[7].

وجزاء ذلك الصبر الطويل،
ومكافاه له على عدم شكواة و رفع بلواة الا لمولاه،
فقد مدحة الله فكتابه،
وما اعظم ذلك الصبر حتي يمدحة الله جل فعلاه،
وليست مدحه واحدا بل ثلاث مدحات متتاليات:  {انا و جدناة صابرا نعم العبد انه اواب}.


[1] الفائدة 1/201


[2] حسن: رواة ما لك عن طلحه بن عبيد بن كريز مرسلا كما فالسلسله الصحيحة رقم: 1503


[3] ضعيف: رواة الترمذى عن ابي سعيد كما فضعيف الجامع رقم: 6435


[4] فضائل الاوقات للبيهقى 1/369،370


[5] صحيح: [حم ق ت ن ه] عن ابن عمر و ابي بكر كما فصحيح الجامع رقم: 4400


[6] الوابل الصيب من الكلم الطيب ص 91


[7] الدر 5/ 659

 


الهي مسني الضر وانت ارحم الراحمين