العنف الاسري
يكتسب موضوع العنف الاسري اهمية خاصة لدى المؤسسات الحكومية على مستوى العالم نظرا لتاثر المجتمعات به.
وقد عرفت البشرية العنف الاسري من قديم الزمن عندما قتل قبيل اخاه هابيل فان ظاهره العنف الاسري لها اشكال عديدة فهناك العنف الذي يتعرض له الاطفال سواء بالاهمال وسواء التربية او الضرب والتعذيب وهناك العنف المتبادل بين الاباء والاولاد وبين الاباء والامهات وبين الاخوة والاخوات بل وقد امتد العنف خارج نطاق الاسرة الصغيرة الي الاقارب والاصهار من عداوة وعنف في ما بينهم وهناك العنف الذي تتعرض له الزوجات من الازواج والمتمثل في سوء المعاملة والضرب والتعذيب وان الابواب المغلقة خلفها حكايات كثيرة وهذا النوع من العنف يؤثر على الاولاد وبالتالي على المجتمع ككل. وقد طفت على السطح حديثا ظاهرة العنف الجنسي الذي تتعرض لها المحارم بارتكاب الفحشاء معهم. بل هناك ظاهرة خطيرة للعنف الاسري والمتمثلة في ايذاء كبار السن من الاباء والامهات سواء بالضرب او الاهانة او بتركهم بدون رعاية او حماية.
رغم ان المولى عز وجل قد اوصانا بهم خيرا في قوله تعالى .
(( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسنا وبذي القربى واليتامى والمساكين )).
الفصل الاول
تعريف العنف
للعنف مسميات وانواع عده منها.
1- العنف اللفظي: والمتمثل في السب والتوبيخ.
2- العنف البدني: والمتمثل في الضرب والمشاجرة والتعدي.
3- العنف التنفيذي : والمتمثل في القتل والتعدي على الاخرين وممتلكاتهم بالقوة والعنف.
غيران المفهوم العربي للعنف هو استخدام الضغط او القوة استخدام غير مشروع او غير مطابق للقانون من شانه ايذاء الفرد وانزال الاذى بالاشخاص والممتلكات.
وقد قام الكتاب والباحثون بتعريف العنف وتقسيمه الي مسميات انواع.
فمثلا قسم الكتاب (1),, علي ليله,, العنف الي اربعة انواع من العنف.
– العنف اللاعقلاني : اي غير المسئول الذي يفتقد الي ايه اهداف موضوعية يثور ضدها.
ب – العنف العقلاني : وهو اكثر انواع العنف نضجا وفاعليه.
ج – العنف الانفعالي : وهو نوع من الانفجار العاطفي الذي يعبر عن توترات ومشاعر متراكمة لها اسبابها.
ومما سبق من التعريفات السابقة يتضح ان للعنف علاقة قوية بالسلوك وهو نقل السلوك من النية الي القصد.
ويشير العنف الي مدى واسع من السلوك الذي يعبر عن انفعالية تنتهي بايقاع الاذى او الضرب بالاخر سواء كان الاخر فردا او شيئا فهو يتضمن الايذاء البدني والهجوم اللفظي وتحطيم الممتلكات وقد يصل الي حد التهديد بالقتل او القتل فعلا.
وقد قامت (2)الكاتبة ,, شادية علي قناوي,, بتقسيم العنف الي قسمين:
ا – العنف الرسمي.
ب – العنف المجرم غير الرسمي
ا – العنف الرسمي: وهو عنف غير مجرم ولا يعاقب عليه القانون مثل عنف الدولة في عدم تحقيق الحاجات الاساسية لابنائها .
ب – العنف غير الرسمي : وهو نموذج يعبر عن رد فعل الاخر على اشكال العنف المقنن او الرسمي الموجه اليه من قبل الطرف الاقوى كمظاهر العنف او ردة فعل بعض افراد المجتمع في رفضهم الواقع المجتمعي الذي واد لديهم حقهم الانساني في الحلم بالمستقبل او حرمانهم من اشباع حاجتهم الاساسية.
وعلى هذا فان العنف قد ارتبط بعدة متغيرات تتداخل معه مثل
ا – الغضب. ب – العدوان.
ج – القوة. د – الايذاء.
ولا يمكن دراسة العنف دون النظر والاشارة الي هذه المتغيرات فمثلا.
ا – العنف والغضب : ان الغضب الزائد له من كثير من الاثار السلبية على الشخص والاسرة والمجتمع حيث يؤدي الي حدوث اضرار للفرد والاخرين واتلاف الاشياء وافساد العلاقات الاجتماعية بين الفرد وغيرة كما يعد العنف مظهر من مظاهر الغضب.
ب – العنف والعدوان : يرتبط العنف بالعدوان بتعمد الاذى والتخريب ، والتخريب في حد ذاته يعتبر عنف وعدوان.
ويعرف العدوان بانه سلوك القصد منه احداث الضرر الجسمي والنفسي بشخص ما او يسبب التلف المادي لشيء ما.
كما ان العنف هو الجانب النشط من العدوان.
ج – العنف والقوة : القوة هي القدرة على فرض ارادة شخص ما والتحكم في الاخرين بطريقة شرعية او غير شرعية.
وهي القدرة على التحكم في سلوك الاخرين برغبتهم او بدون رغبتهم حتى وان كانت هناك مقاومة من الاخرين.
د – العنف والايذاء: والايذاء هو الاعتداء الجسدي على الافراد رغما عنهم والايذاء له اشكال عديدة مثل الضرب او القتل او القهر الجنسي والاعتداء الجسدي ايضا ويختلف الايذاء باختلاف درجة وتاثيره على الاخرين.
ومما سبق يتضح لنا ان المقصود بجرائم العنف هي كل الجرائم التي تستخدم فيها القوة لترويج الاخرين لتحقيق اهداف شخصية او سياسية غير مشروعه وغير قانونية ويدخل في ذلك ايضا جرائم الحرابة كالسرقة بالاكراة او السطو المسلح والاغتصاب والبلطجة والارهاب كما تستوعب ممارسات العنف التربوي والعنف الاسري والعنف ضد المراة وضد الطفل والعنف النفسي بجميع اشكاله.
فان سلوك العنف لا يعني مجرد تسمية لشخص اعتدي على اخر سواء كان الاعتداء على ابيه او امة او زوجته او جدة او اخيه بل الامر يتوقف على الخبراء الاجتماعية والنفسية التي مر بها هذا الشخص.
وخلاصة القول ان العنف يعتبر ناتجا لظروف اجتماعية تتمثل في الاوضاع العالية وظروف العمل وضغوطه وحالات البطالة والتفرقة باشكالها المختلفة وغير ذلك من العوامل الاجتماعية والاقتصادية.
________________________________________
________________________________________
(1),, الكاتب علي ليله ,, العنف في المجتمعات النامية من وجهة نظر التحليل الوظيفي ,,
(( المجلة الجنائية القومية عدد ( 2 ) مجلد ( 17 ).
المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (( القاهرة )).
(2),, الكاتبة شادية علي قناوي 1996,, نحو اليات العنف في المجتمع المصري رؤية سوسيولجيه
,, كلية الانسانيات والعلوم الاجتماعية العدد ( 19 ) جامعة قطر,,,
(3),, دكتورة اجلال اسماعيل حلمي استاذ علم الاجتماع بكلية الاداب جامعة عين شمس ( القاهرة) 1999
(( العنف الاسري )) >>اشكالية تعريف العنف والمفهوم المرتبط به<<.
__________________
الفصل الثاني
العوامل الاجتماعية المؤدية الي العنف الاسري
اسباب ظهور العنف الاسري داخل المجتمع.
ان سلوك العنف لا يعني مجرد تسمية شخص اعتدى على اخر بل الامر يتوقف على الخبرات الاجتماعية والنفسية التي يمر بها هذا الشخص وعلى ذلك تكون الاسباب المؤدية الي العنف داخل المجتمع هي الظروف الاجتماعية.
كما ان مرحله التنشئة الاجتماعية والذي يتضمن تعليم الصبية الخشونة والصلابة بحيث يمكنهم الاعتماد على انفسهم.
وعندما يشب الصبية ويصبحون رجالا يواجهون معظمهم مواقف تتطلب اما استجابة عنيفة اما شعورا لا يمكن الفرار منة وهو الفشل في اثبات رجولتهم.
كما انه ناتج عن الاحباط الذي يصاب به الافراد داخل المجتمع الواحد لعدم المساواة بين الفقراء والاغنياء.
لذلك لايمكن التقليل من شان الظروف الاجتماعية التي يمكن ان تشكل التعبير عن نوع معين من السلوك وتتعدد المداخل الاجتماعية والخبرات النفسية التي يمر بها الشخص.
كما ان العنف احد افرازات البناء الاجتماعي حيث يحدث العنف عندما يفشل المجتمع في تقديم ضوابط قوية على سلوك الافراد مما ينتج عنه الاحباط الذي يصاب به الافراد داخل المجتمع الواحد نتيجة عدم المساواة بين الافراد
وعلى ذلك يكون العامل الرئيسي للعنف الاسري داخل المجتمع هي ظروف التنشئة الاجتماعية.
التنشئة الاجتماعية: هي عملية تعلم وتعليم وتربية وتقوم على التفاعل الاجتماعي.
وتهدف الي اكتساب الفرد سلوكا ومعايير واتجاهات مناسبة لادوار اجتماعية معينة تمكنه من مسايرة جماعته والتوافق الاجتماعي معها وتكسبه الطابع الاجتماعي وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية .
وهي عملية تعلم اجتماعي يتعلم فيها الفرد عن طريق التفاعل الاجتماعي.
وهي عملية نمو يتحول خلالها الفرد من طفل يعتمد على غيرة متمركز حول ذاته لا يهدف في حياته الا الي اشباع حاجاته الي فرد ناضج يدرك معنى المسئولية الاجتماعية ويستطيع ان يضبط انفعالاته ويتحكم في اشباع حاجاته بما يتفق والمعايير الاجتماعية ويدرك قيم المجتمع ويلتزم بها.
وهي عملية مستمرة لا تقتصر فقط على الطفولة ولكنها تستمر مع المراهقة والرشد والشيخوخة ودائما الفرد خلال مراحل نموه ينتمي الي جماعات جديدة لابد ان يتعلم دوره الجديد فيها ويعدل سلوكه ويكتسب انماط جديدة من السلوك .
فاذا كانت عملية التنشئة الاجتماعية لها الاهمية الكبرى في تحديد معالم الشخصية المبكرة للفرد ولكنها مقرونة بعوامل اخري مؤثرة في التنشئة الاجتماعية.
العوامل المؤثرة في عملية التنشئة الاجتماعية:
1- الثقافة.
2- الاسرة.
3- المدرسة.
4- جماعة الرفاق والصحبة.
5- وسائل الاعلام.
6- دور العبادة.
وسوف نتحدث عن كل عامل من هذه العوامل بالتفصيل
الثقافة:هي مجوع ما يتعلم وينقل من نشاط حركي وعادات وتقاليد وقيم واتجاهات ومعتقدات تنظم العلاقة بين الافراد.
ويتعلم الفرد عناصر الثقافة الاجتماعية اثناء نموه الاجتماعي من خلال تفاعله في المواقف الاجتماعية مع الافراد الاكبر منه سنا .
وتؤثر الثقافة في شخصية الفرد والجماعة عن طريق المواقف الثقافية المتعددة , وهكذا تحدد الثقافة السلوك الاجتماعي للفرد عن طريق التنشئة الاجتماعية.
2- الاسرة: والاسرة هي متمثلة الثقافة او هي المراة التي تنعكس عليها الثقافة التي توجد فيها بما تحتويه من قيم وعادات واتجاهات فمن الاسرة يتعلم الطفل الصواب والخطا وكذلك يتعلم الطفل من الاسرة ما علية من واجبات وماله من حقوق.
والاسرة تحدد الي حد كبير ان كان الطفل سينمو نموا نفسيا سليما او ان كان سينمو نموا نفسيا منحرف وهي مسئولة الي حد كبير عن سمات الشخصية التي يدخل فيها عنصر التعلم كالعدوان والاكتفاء الذاتي والانبساط والانطواء وغير ذلك من السمات المكتسبة .
3- المدرسة:وتحدثنا عن تاثير الاسرة في شخصية الطفل وعلى الرغم من ان اثر الاسرة على الشخصية مهم جدا.
الا انه هناك مؤسسات اجتماعية اخري تؤثر في شخصية الطفل ومنها (( المدرسة )).
ففي المدرسة يصبح المدرس بديل الوالدين في علاقته مع التلاميذ.
ومن الممكن ان بنقل المدرس الي تلاميذه مشاعره الخاصة من عدم استقرار , وتوتر , وعداء والسلوك الانطوائي والخجل وغيرها من نواحي الشذوذ.
وكذلك يمكن للمدرس ان يغير ثقافة الطفل ويقلل من المشاعر العدائية لدى الطفل الذي يبدي مشاعر عدائية في سلوكه.
ولكي يتيسر للمدرس النجاح مع الاطفال ينبغي ان تكون لديه الرغبة في العمل مع الاطفال والحساسية لمشاكلهم وانفعالاتهم.
4- الرفاق والصحبة: قوم الصحبة او الجماعة من الرفاق والاقران بدور مهم في عملية التنشئة الاجتماعية
وفي النمو الاجتماعي للفرد فهي تؤثر في قيمة وعاداته واتجاهاته.
5- وسائل الاعلام:تؤثر وسائل الاعلام المختلفة من اذاعة وتليفزيون وسينما وصحف ومجلات وكتب واعلانات……….. الخ بما تنشره وما تقدمه من معلومات وحقائق واخبار ووقائع وافكار في عملية تنشئة الفرد اجتماعيا.
6- دور العباده:تقوم دور العباده بدور كبير في عملية التنشئة الاجتماعية لما تتميز به من خصائص فريدة اهمها احاطتها بها له من التقديس وثبات وايجابيه المعايير السلوكية التي تعلمها للافراد.
وعلى ذلك تكون التنشئة الاجتماعية مسئوله مسئولية مباشرة عن سلوك الفرد الاجتماعي .
وسلوك الفرد الاجتماعي في حد ذاته لا يمكن ان يقال عنه انه سلوك منحرف او غير منحرف سوي او مرضي ولكن الذي يصفه بهذه الصفة او تلك هو تقويم المجتمع له في ضوء مدى التزامه او خروجه عن المعايير الاجتماعية .
ويعرف العنف الاسري بانه سلوك منحرف هدام ويعتبر مشكلة اجتماعية تهدد امن الفرد والجماعة.
و العنف الاسري يعتبر سبب رئيسي في افراز اشخاص منحرفين في سلوكياتهم ويمثلون خطر على حياه الاخرين ويكونون عنصر قلق واضطراب قد يعرضون حياة الاخرين للخطر .
وهم في نفس الوقت يمثلون خطر على حياه انفسهم لانهم نتيجة لانحرافهم يقاومهم المجتمع مما يجعلهم عرضه لاضطرابات نفسية اقلها القلق.
والمنحرفون يمثلون مشكلة اجتماعية واقتصادية خطيرة فهم فاقد بشري بالنسبة لعملية بناء المجتمع .
ومن امثلة الانحرافات المتسبب بها العنف الاسري .
1- الانحراف نحو الادمان:ويشمل تعاطي المخدرات والكحوليات وتعاطي العقاقير والافيون والكوكايين ومشتقاته.
2- الانحراف نحو الاجرام:ويشمل الاعمال الغير قانونية الشائقة في عالم الرذيلة والاجرام مثل الغش والخداع والتزوير والنصب ولعب الميسر والاتجار في السوق السوداء والاختلاس والرشوة وابتزاز الاموال والنشل والسرقة والجاسوسية والدجل والشعوذة والقتل .
3- الانحراف نحو الجنس:ويشمل السعي للحصول على الاشباع الجنسي بطرق غير شرعيه , وتجارة الجنس والدعارة في اسواق البغاء والنوادي الليلية وسائر الاماكن التي تقدم فيها الخدمات الجنسية في عالم الانحراف.
والمغامرات الجنسية المتواصلة غير المسئولة والاستهتار والاستسلام الجنسين والجنسية المثلية
(( اللواط والسحاق )) وجماع الاطفال ولبس ملابس الجنس الاخر والتشبه بهم . الخ…………………….
الامثلة كثيرة للافرازات التي يخلفها العنف الاسري على الشخصية وتشمل ايضا اعراض الكذب المزمن والسرقة والنشل والنصب والاحتيال.
وعلى ذلك تكون الاسباب الرئيسية المؤدية الي انحراف الشخص هي التنشئة الاجتماعية وعملية التنشئة الاجتماعية تتم داخل الاسرة او من خلال الثقافة الفرعية او الثقافة ككل.
________________________________________
________________________________________
,, دكتور/ مختار حمزة استاذ علم النفس بكلية الاداب والعلوم الانسانية جامعة الملك عبد العزيز بجدة,,
(( اسس علم النفس الاجتماعي . الفصل السادس >> التنشئة الاجتماعية<<( ص 203 ).
الفصل الثاني عشر>>الانحرافات الاجتماعية<< ( ص 415 ).
__________________
الفصل الثالث
العوامل الاسرية المؤدية للعنف الاسري على مستوى الاسرة
يشير العنف الي السلوك الذي يتضمن الاستخدام المباشر للاعتداء الجسدي ضد احد افراد الاسرة رغما عن ارادة.
فالعنف الاسري له اشكال عديدة ومتنوعة مبنية على عدة عوامل فيها طبيعية والمتسبب فيه.
فهناك العنف ضد الاطفال والمرهقين وسوء معاملتهم والعنف ضد الزوجة والاساءة التي تتعرض لها على يد زوجها , فالعنف ضد الابناء من قبل الاباء سواء كانت رعاية او تغذية او علاج او خلافه , العنف المتبادل الاولاد بعضهم البعض, والعنف من الاولاد لابائهم وامهاتهم في اساءة التعامل معهم خاصة في مراحل السن المتقدمة للاباء.
ولقد اظهرت العديد من الدراسات ان الافراد اللذين يعيشون في اسر يسودها العنف اكثر قابلية لان يكونوا هم انفسهم عدوانيين في تصرفاتهم.
وقد وجد الباحثون ان الازواج الذين يشبون في اسر يسودها العنف يكون احتمال ضربهم لاولادهم وزوجاتهم عشر اضعاف الرجال الذين يشبون في اسر لا يسودها العنف .
وعلى ذلك يتضح ان الاطفال يتاثرون اكثر بالسلوك العدواني للاباء والامهات ويكتسبون العنف اكثر من تاثرهم بالنصائح التي توجه اليهم بعدم ممارسة العنف مع الاخرين.
فكلما تعرض الاطفال للعنف سواء من جانب ابائهم اواخوانهم او من اخرين كانوا اكثر عنفا.
ولقد اظهرت العديد من الدراسات ان الاطفال الذين يتعرضون للاساءة يكونون اكثر ميلا لان يصبحوا اطفالا يسيئون للاخرين(( بالمر 1960 )).
وان من الاسباب الرئيسية المؤدية الي العنف داخل الاسرة هو نمط الحياة اليومي بما في ذلك نظام التربية من الاباء والامهات مضاماعليها الظروف الاقتصادية والثقافية وطرق التغذية والنوم والعلاقات الجنسية بين الازواج ورعاية المنزل والاطفال.
فمثلا ان كان الرجل في مكان المسيطر بطريقة خطا كان يحول زوجته الي خادمه وعشيقة له ويحول المنزل الي فندق للاقامة فيه فانه مع الوقت ان لم تلتزم الزوجة على ما هو معتاد عليه يتحول الزوج الي رجل عنيف.
وان من العوامل الاساسية المؤدية للعنف داخل الاسرة هي عدة علاقات منها:
1- العلاقة بين الوالدين.
2- العلاقة بين الاخوة والاخوات.
3- العلاقة بين الوالدين والابناء.
1- العلاقة بين الوالدين:
كلما كانت العلاقة بين الوالدين منسجمة , ادى ذلك الي جو يساعد على نمو الطفل في شخصية متكاملة متزنة اما الخلافات والتشاحن بين الزوجين والتي يشعر بها الطفل تعتبر من العوامل المؤدية الي نمو طفل غير سليم نفسيا وعقلانيا.
ولاشك ان من الخبرات القاسية ذات الاثر النفسي الغير سليم على نمو الطفل وشعوره بما يوجد بين والديه من انعدام الحب والتعاطف وما تحويه علاقاتهما من خلاف وتشاحن , وخلاف الوالدين يمثل بالنسبة اليه صراعا نفسيا ويترك اثارا قد تهدد اشباع حاجته من الحب والحنان , وينتج عن ذلك توتر نفسي يؤدي الي سلوك عدواني وسلوك معادي للمجتمع.
1- العلاقة بين الاخوة:
كلما كانت العلاقة منسجمة وكلما خلت من تفضيل طفل عن اخر وما ينشا عن ذلك من انانية وغيرة .
كلما كانت هناك فرصة لكي ينمو الطفل نمو نفسيا سليما.
2- العلاقة بين الوالدين والابناء:
فان العلاقات الخاطئة بين الوالدين والطفل من خلافات واحتكاكات بين الوالدين والطفل يؤدي الي سوء التكييف وهو سلوك يهدد امان الطفل ويتركب للشعور بالشك وبانه وحيد ويجعل الطفل في حاله خوف من هؤلاء الذين يكونون عالمه وانهم بدل من ان يقفوا الي جانبه فهم يعادونه وعلى استعداد للتحلي عنه او تحقيره فعاله اذا عالم خطر لا يتسامح.
فيبدا الطفل بالسلوك العدواني والعصيان والشعور بالاضطهاد , التبرم من السلطة والكذب والتهتهه والتبول الارادي والسرقة.
وقد نجد من الاباء من لا يهتم بالاشراف على اطفاله او العناية بهم والعطف بهم والعطف عليهم .
وقد يرجع ذلك الي عدم قدرتهم على تعليم الطفل احترام السلطة واتباع القواعد الاجتماعية وقد يرجع هذا الموقف في بعض الحالات الي موت احد الوالدين او الطلاق بحيث ان الاباء لا يزودون الطفل بالعناية الكاملة.
فاذا ما كان الطفل المهمل يعيش في احياء موبوة من المدن فانه قد يلجا الي الانحراف والي تحدي السلطة ولا يقبل اللوم على سلوكه ويميل دائما الي العدوانية في سلوكه.
وقد نجد سيطرة الوالدين مصدر اخر من مصادر سوء التكييف عند الاطفال.
فبعض الاباء المتشددون جدا والذين لا يقبلون اي تفاهم حول انواع الطعام الذي يتناوله اطفالهم ولا مواعيد وجباتهم بحيث يصاب الطفل بالقلق الي حد كبير وقد يصبح الطفل المتوتر قليل الشهية فتتهمه امة بانه عنيد.
فتعود روح العداء المتزايدة عند الام الي جعل الطفل اكثر توترا وعدوانية.
وكذلك فان الاباء يقابلون مص الاصابع وقضم الاظافر والتبول في الفراش وكلها نتيجة القلق.
يقابلونها بالتهديد والحرمان ويؤدي العقاب والسخرية او استخدام القوة الي زيادة القلق والتوتر لدى الطفل.
وفي بعض الاحيان يعتبر الاباء الفاشلين اطفالهم وسيلة لتحقيق ما فشل من امالهم بالتعويض وهم يريدون ان يعيشوا حياتهم مرة اخري بطريقة ناجحة خلال وظائف اطفالهم .
وبهذا يسقطون عليهم امالهم في العمل ورغبتهم في التعويض عن فشلهم المهني بدون مراعاة لرغبات الطفل.
وقدراته مما يؤثر على الطفل من الناحية النفسية .
وقد يؤدي شعور احد الزوجين بعدم الامان في علاقته العاطفية بالزوج الاخر الي النقمة من الاطفال.
وعلى ذلك يتضح لنا اساءة معاملة الطفل المبكرة مما يؤدي الي نشاته نشاه عدوانية مما تؤدي الي انحرافه بحيث تجعله يتصرف بعنف تجاه المواقف الاجتماعية المختلفة.
وعلى ذلك تكون الاسباب المؤدية الي انحراف الشخص بحيث تجعله يتصرف بعنف تجاه اسرته وتجاه المواقف الاجتماعية التي يتعرض لها تنحصر في مشكلات الاسرة من الخلافات والانفصال او الطلاق بين الوالدين وموت الوالدين او احداهما ورجعية الوالدين والشعور بالبعد عن الوالدين في الميول وعدم القدرة علي مناقشة الموضوعات الشخصية مثل المسائل الجنسية مع الوالدين واللوم والتانيب والتقريع والعقاب بالضرب وغيره ومناوئة الوالدين والضغط عليهم وعدم القدرة على اعتبار الوالدين كصديقين له وزيادة رقابة الاسرة ومعاملة الطفل والتفرقة بين الاخوة والنزاع الدائم بخصوص النقود وقله المصروف وعدم حرية ابداء الراي والشعور بالحرمان وعدم ضمان الخصوصية مما يسبب القلق والتوتر والانقباض وعدم السعادة وعدم القدرة على تحمل المسئولية والتبرم من الحياة والرغبة في التخلص منها.
وفيما يلي:
سوف نلخص بعض مشاكل الشباب المؤدية للعنف الاسري.
1- قد تكون الاسباب عميقة الجذور وترجع الي مرحلة الطفولة.
2- قد يعني المراهق من الصراعات مع نفسه وهو يحاول التوافق مع جسمه الذي يتغير ودافعه التي تتطور ومطامحه التي تتبلور.
3 – الاحباطات المتعددة ومطالب البيئة او نقص امكانياتها.
4- صعوبة اشباع الحاجات النفسية والاجتماعية.
5- نقص الخبرات الجديدة اللازمة لتطبيق القدرات والمهارات الجديدة.
6- عدم وجود فلسفة واضحة للحياة , وعدم الرضا عن الروتين اليومي والمواقف الرتيبة في الحياة اليومية مما قد يدفع المراهق الي الاندفاع والمخاطرة ومخالفة القانون والعرف احيانا.
7- الرغبة القوية للارتباط برفاق السن قد يؤدي الي تكوين شلل , مما قد يتعارض مع المسؤوليات في المدرسة والاسرة.
8- اشباع الدافع الجنسي قبل الزواج ., والحمل قبل الزواج وهذا يتعارض مع المبادئ الدينية والخلقية.
9- الضغوط الاسرية والاجتماعية قد يقابلها ثورة وعقوق من جانب المراهق.
10- قد يرفع المراهق درع الدفاع عن النفس بحيله المعروفة مثل التبرير والنكوص والكبت والعدوان .
,, ولقد قارن بالمر ,, 1960 بين بعض القتلة وبين اخوانهم الاسوياء فوجد ان الفئة الاولى كانت تتعرض للعنف والضرب من الاباء والامهات اكثر من اخوانهم.
الفصل الرابع
العنف الاسري ( عرض حالات )
حالات العنف الاسري كثيرة ومتنوعة وتحدث باستمرار وبين اعضاء عائلات تنتمي لمختلف فئات المجتمع , واول ما يتبادر الي الذهن عند ذكر حادثة عنف عائلي ان زوجا اعتدى على زوجته او على ابنائه , فالامر المتوقع هو وجود معتد قوي وضحية ضعيفة , لكن العنف العائلي وخصوصا في المجتمع العربي , اكثر من اعتداء زوج على زوجته , فمحيط العائلة اوسع من محيط الاسرة , ويتسع ليشمل اخوة واخوات , واعماما وعمات, واخوالا وخالات , وابناء عمومة وابناء خئولة…… وغيرهم. كما ان الضحية ليست دائما الزوجة والابناء فقد يكون الزوج او رجلا اخر , وقد يكون المعتدي الزوجة والابناء , ونستعرض في الجزء التالي
عينة لحالات العنف العائلي تعكس في هذا المجال.
الحالة رقم ( 1 ):
اسرة تتكون من زوج وزوجة وثلاث بنات وولد, تسكن في شقة عمارة سكنية في مدينة كبيرة , الزوج موظف ومتعلم اما الزوجة قد حصلت على تعليم بسيط , وهي متفرغة لخدمة بيتها , تعيش الاسرة حياه اسرية وعادية ويسكن في نفس العمارة بعض اعضاء اسرة الزوجة , تبدا احداث حالة العنف بذهاب الام واطفالها وبصحبة امها وعدد من اخواتها لحضور احتفالات الزفاف الخاصة بطريق الاسرة , تخلف الزوج عن الحضور لانشغاله ببعض واجبات وظيفته, قضت الزوجة واطفالها الليلة في منزل الفرح , رجعت الي منزلها اليوم الثاني فعنفها الزوج ولامها على قضاء الليلة خارج المنزل واتهمها بالخيانة الزوجية نفت التهمة ورضت عليه بعنف تواصل الشجار في صباح اليوم التالي وكان الاطفال نيام ثم طلب اليها احضار كوب ماء واثناء ذهابها لاحضار الماء استيقظت البنتان الصغيرتان وكانتا تؤمين واخذتا تصرخان فما كان للاب الا وحمل احداهما والقى بها الي الشارع من الدور السادس , واخذ الثانية وبدا يقذفها بقوة على قطع الاثاث واذا حاولت الام تخليصها من قبضته هددها بالقتل اسرعت تنقذ ابنتها وابنها محاولة الهرب بهما وهي تصرخ تمكنت والانبه الكبرى من الفرار بينما كان الذبح مصير الابن في الحمام .
الحالة رقم ( 2 ).:
تتكون الاسرة من الزوج والزوجة وابنائها السبعة وابنه الزوجة من زواج سابق , تسكن الاسرة في حي فقير في مدينة كبيرة الزوج امي ويعمل في وظيفة في ادنى السلم الوظيفي تزوج عن كبر ويكبر زوجته بسبعة عشر سنة ادخر مبلغا بسيطا من المال احتفظت به الزوجة قامت بزيارة الي اسرتها في مدين اخري وبعدما رجعت اخبرت زوجها بان المبلغ المدخر سرق منها في محطة الحافلات حزن الرجل على ضياع مدخراته وبدا يعاقر الخمر وساءه علاقته بزوجته التي اخذت تتطاول عليه وتطرده من البيت وتجبره على المبيت مع اقاربه شجعت الزوجة ابنها الفاشل في الدراسة على الاساءة لوالدة ولم يمر وقت طويل حتى لاحظ الجيران ان الابن اصبح يضرب اباه وبعد مشادة حامية تعاونت وهي والزوجة وابنها على توجيه مختلف الاهانات للزوج خرج فارا من المنزل لتصدمه على الناصية سيارة مسرعة فمات في الحال,.
الحالة رقم ( 3 ):
تتكون الاسرة من زوج متعلم وزوجته اميه وثلاث اطفال , تسكن الاسرة في قرية جبلية , تعود الزوج على ضرب زوجته منذ الايام الاولى للزواج كما تعود على ضرب اطفاله وكان يضرب الزوجة امام اطفالها على اتفه الاسباب وتعلم في الاشهر الاخيرة عاده شد شعر راس زوجته بقوة حتى تسبب في سقوط جزء كبير منه في احدى الامسيات انهال عليها ضربا ولكما وتسبب في سقوط احدى اسنانها ثم حبسها واطفالها في حجرة واغلق الباب بالمفتاح وغادر المنزل قررت ان تضع نهاية لهذه الماساة فادلت بالاطفال من النافذة الي الشارع وخرجت هي الاخرى بنفس الطريقة وذهبت الي شقيقها الذي يقيم في نفس القرية وطلبت الطلاق .
الحالة رقم ( 4 ):
تبدا احداث حالة العنف هذه بزواج رجل في الريف بالقرب من مدينة كبيرة من ثلاث زوجات لم تعش الزوجات معه فكل زواج جديد يحدث بعد انتهاء السابق انجب الرجل عدد كبير من الابناء كما ان للزوجة الثالثة اطفالا من زواج سابق توفي الرجل بعد ان اصبح جدا لاكثر من عشرين حفيد دخل الاخوة في صراع طويل بسبب وصية
خصص فيها الاب جزء من الارض التي تركها لبعض اطفاله وصلت بعض احداث صراع الاخوة حول تقسيم الميراث الي القضاء , احدى بنات الرجل المتوفى لم توفق في زواج اثمر عن ولد وبنت فقضت فترة من حياتها متنقلة مع طفليها بين منازل اخوتها وعند وقوع هذه الحادثة كانت تقيم في منزل اخيها الذي تم التحفظ عليه في مناسبة سابقة وبعد احدى جلسات النقاش الحاد بين الاخوة حول الميراث ينهال الاخ الذي تقيم معه الاخت المطلقة
عليها بالضرب المجرح حيث لم يعجبه الموقف الذي اتخذته اثناء جلسه النقاش الحاد لم يترك الطفلان امهما تعاني الالم وحدها فتدخل لينالوا نفس المصير طردت الام وطفلها من منزل اخيها وانتهى الامر بها الي حظيرة الحيوانات المتهالكة المقامة في احدى زوايا المزرعة المتنازع عليها.
الباب الخامس
حول نظريات العنف
حاول عدد من الذين اهتموا بدراسة اشكال العنف تفسير اسبابه والبحث عن العوامل الظاهرة والمختفية التي وراء هذه الاشكال , نتج عن هذه المحاولات عدد كبير من النظريات , ولن نحاول مراجعة جميع النظريات والمقارنة بينها , ولكننا سنستعرض في عجالة تطور المحاولات النظرية , ثم نولي عناية خاصة بالتصور النظري الذي نراه يناسب هذه الدراسة.
عدد لا باس به من النظريات العنف تهتم بتفسير العدوان , والذي تعتبره هو الاساس , وبعض النشاط البحثي الذي تمحور حول العدوان , وخصوصا الذي وظف تقنيات النهج التجريبي , اعتمد على عينات من الحيوانات , والسبب الرئيسي وراء هذه الاستراتيجية هو سهولة ملاحظة تجليات العدوان في شكل سلوك العنف عند الحيوانات , وتقبل التجريب على الحيوان وصعوبة فعل الشيء نفسه مع الانسان , وسنستثني من نقاشنا هذا الجزء من النشاط البحثي , اللهم الا ذلك الذي وظف في نفس الوقت عينات من البشر كالدراسات التي اجريت على عينات من الاطفال الصغار , كما لا نستعرض جميع الاعمال التي بلورت في هذا المجال, ونستعرض ثلاثة اجتهادات نظرية ذات وجهات نظر مختلفة منها في تطوير نموذج نظري يصلح لتوجيه الدراسة وتنتسب هذه الاجتهادات الي مدارس : التحليل النفسي , والسلوكية , ومدرسة التنشئة الاجتماعية.
1- مدرسة التحليل النفسي.
عند ذكر مدرسة التحليل النفسي , لابد من الاشارة الي فرويد فهو الذي وضع اسس هذه المدرسة , ويكون العدوان احد اهم جوانب نظريته العامة لتفسير السلوك البشري , ولانه تاثر كثيرا بالنظريات التي كانت تسيطر على التفكير العلمي في عصره فان الداروينية بارزة في اعماله , غلب فرويد العوامل البيولوجية الوراثية في شكل سيطرة الغرائز والدوافع والحاجات .لكن لابد من الاشارة ان تطورات كثيرة حدثت في مجال التحليل النفسي يقلل بعضها من قوة تاثير الخصائص الوراثية ويفسح المجال لتاثر عوامل من البيئة.تتمثل جوانب القوة في نظريات التحليل النفسي للعدوان بانها تقدم تفسيرا واضحا للعنف , فالعدوان خاصية تمتد جذورها الي الطبيعة البشرية. وهي بذلك موجودة في وضع كمون , وتثار اذا اعترض نشاط الفرد او حتى الحيوان , المتمثل في سلسلة من الاستجابات الموجهة نحو هدف معين , وعندما تستثار نزوة العدوان فانها تاخذ اشكالا متعددة من بينها العنف , وفي هذه الحالة يصبح العنف استجابة طبيعية كغيرها من الاستجابات الطبيعية للفرد.
فالقول بان العدوان لا تحركه الا دوافع غريزية يجعلنا نتوقع نفس الاستجابة من مختلف الافراد الذين يتعرضون لنفس المثيرات.
وهذا لا يحدث في الواقع , وبنفس المنطق يتوقع ان يعبر الفرد بنفس الاستجابة كلما تعرض الي احباط , ويصبح رد الفعل عن استجابة الية وكان الفرد لا يفكر ولا يقدر.
2- المدرسة السلوكية:
كما اكدت نظريات التحليل النفسي على عوامل الوراثة , سلطت النظريات التي تنضوي تحت ما يمكن تسميته بالمدرسة السلوكية على المتغيرات الموجودة على البيئة , وبالطبع تشغل العوامل الاجتماعية حيزا كبير منها , تطورات نظريات هذه المدرسة كاحد ردود الفعل على ما تدعو اليه نظريات التحليل النفسي , لذلك فان المحاولات الاولى لتطوير نظريات المدرسة السلوكية قامت على توجيه النقد لمدرسة التحليل النفسي وبيان جوانب ضعفها.
نظرا للمكانة التي تحتلها المدرسة السلوكية في مجال العلوم الاجتماعية فان النظريات التي اهتمت بالعنف كثيرة ومتنوعة , لن يسمح المجال هنا باستعراضها جميعا , بل سنكتفي فقط باستعراض ومناقشة اهم مقولات نظرية الاحباط والعدوان التي تقدم فروضا مفيدة لشرح اسباب العنف ومسيرة تطوره.
لعل الغرض الذي يجمع ما بين الاحباط والعدوان من اشهر المحاولات النظرية التي تناولت مظاهر السلوك العدواني , وارتبطت بفريق من الباحثين في علم النفس موجود في جامعة ييل , وسلطت الضوء على الاحباط. ويمكن تلخيص الغرض الرئيسي بالشكل التالي : كل شكل من اشكال العنف تسبقه حالة عدوان , وكل شكل من اشكال العدوان يكون مسبوقا بحالة احباط.(Dollard,Doob,Miller,Mowrer,and Sears, 1939:1-3).
ومن الفروض الهامة التي تقترحها هذه النظرية فرض يربط ما بين عدد حالات الاحباط ودرجة قوة نزوة العدوان , فحتى الاحباطات غير الهامة اذا تكررت فانها ستؤدي الي اثارة النزوة العدوانية والي تقويتها
( Dollard, et al .,: 31), ويعني هذا ان مصادر الاحباط قد تتعدد , وانها تقبل الزيادة , فتتجمع , وفي تجمعها قوة وتؤدي بالتالي في وقت لاحق الي اثارة نزوة العدوان , وتكمن اهمية هذا الغرض في ايجاد تفسيرا لما يمكن ان اليه ب ( القشة التي قصمت ظهر البعير ).
واقترح بوركويتز ايضا ان درجة الاحباط تتاثر بما اذا كان الفعل الذي تسبب في الاحباط متوقعا ام لا , فكلما كان الفاعل يتوقع الفعل كلما كانت درجة الاحباط اضعف , والشيء نفسه يمكن ان يقال بالنسبة لانماط السلوك المتنوعة من الاخرين والتي يمكن ان تتسبب في الاحباط.
فالاحساس بالاهانة او الالم الذي قد ينتج من شخص لم يتوقع منه مثل هذا النمط من السلوك , ويفرض المركز الذي يحتله الفرد ادورا معينة تتناسب والحقوق والواجبات المترتبة والمرتبطة بالواقع الفعلي للفرد الذي صدر عنه الفعل بقدر ما ترتبط بالواجبات التي يفرضها المركز , فالخيانة الزوجية غير مقبولة حتى في المجتمعات التي يتساهل افرادها حيال العلاقات بين الجنسين.
3- مدرسة التنشئة الاجتماعية:
حظيت نظرية الاحباط والعنف بانتشار واسع بين الذين اهتموا بدراسة العدوان والعنف , لكن النظرية لا تصلح لتفسير بعض مظاهر العنف , مما حفز الباحثين على اقتراح فروض من نوع مختلف , تساءل كثيرون ما اذا كان للتعليم من دور؟ الا يمكن ان يتعلم العنف؟ وهل يمكن ان نتعلم من مراء اثارة مثل هذه الاسئلة وجود مجتمعات تخلو من مظاهر العنف , كما توجد ثقافات تتضمن تحذيرات ضد العنف , واخرى تشجع عليه , تنتشر في وسائل الاتصال الجماهيرية اخبار العنف , و يمجد بعض هذه الوسائل بعض اشكاله في شكل اشرطة تلاقي قبولا واسعا.
تقدم برامج التدريبات العسكرية دليلا واضحا لما يمكن ان يفعله التعليم لتقوية المواقع المثيرة للعنف , اذا تستقبل الاكاديميات العسكرية الشبان الصغار من مختلف فئات المجتمع , ولاتجري لهم في العادة اختبارات لقياس استعدادهم للعدوان , ويعرضون جميعا لبرامج لبناء صورة معينة للعدو ولتطوير اتجاهات سلبية نحوه ولاثارة كراهيته في نفوسهم وتهيئتهم للانقضاض عليه بقوة وتدميره بسرعة , وتوفر حالات الصدام المسلح بين الجيوش والفرق المسلحة دليلا واضحا لنجاح هذا النوع من البرامج التعليمية , كما ان مشاعر التمييز العنصري اوالد يني لا تولد مع المرء , ولكنه يتشربها خلال عملية التنشئة الاجتماعية , واجريت تجارب كثيرة حول هذا الجانب خصوصا في بعض المجتمعات التي لها تاريخ طويل مع الاشكال المتعددة للتمييز والتعصب.
يلاحظ ان مظاهر العدوان والعنف توجد بشكل واضح في بعض الثقافات الفرعية وتكاد لا توجد بتاتا في ثقافات اخرى , وقد لفتت الحقيقة انتباه الباحثين في علم الاناسة , فقد اندهش الكثير منهم والذي جاء من ثقافات غربية بالدرجة العالية من المسالمة والهدوء وضبط النفس التي يتمتع بها اعضاء القبائل التي سموها البدائية وكانت تسكن الجزر والمناطق الداخلية في الغابات , وفي نفس الوقت اكد عدد من الباحثين ان خاصية العنف ترتبط بالطبقات الاجتماعية الدنيا , فقد اثبت بعض الباحثين في المجتمعات التي بها معدلات الجريمة عالية , وحيث تحتل جرائم العنف نسبة كبيرة من مجموع الجرائم , ان بعض الثقافات الفرعية في نفس المجتمع مسئولة عن غالبية احداث العنف فيه , بحيث تتضمن الثقافة الفرعية قيما كثيرة تمجد العنف وتحض عليه , فيشب الصغار وخصوصا الذكور وقد تسلحوا بكمية هائلة من التبريرات المؤيدة للعنف , تسهل عليهم مهمة توظيفه في الانشطة اليومية و لذلك ينضمون بسهولة الي العصابات التي تستخدم العنف وترتكب مختلف اعمال التخريب.(Trasher, 1927,: Yablonsky, 1966).
يقود الاحباط الي التوتر , وهذا يقود الي اثارة العدوان , وتخرج بعض حالات العدوان في شكل افعال عنف , لكن هذا النمط من العلاقات يعتمد على نشاط متغيرين اخرين هما الدافع للتعبير عن الاثارة والرغبة لكبحها , بحسب نظرية التحليل النفسي الدافع وراثي و ولا يمكن للمرء ان يفعل شيئا حياله , لكن نظرية التنشئة الاجتماعية تقترح امكانية تقوية عامل الكبح على حساب دافع التعبير وان الامر يكمن في برامج التنشئة الاجتماعية , فهذه البرامج يمكن ان توجه نحو تقوية الرغبة لدى الفرد لحجب او اعلاء او كبح مؤشرات او مكونات التوتر الذي يقود الي اثارة العدوان.
تستثار نزوة العدوان عندما يحدث شيء ما يحول بين الفاعل وبين وصوله الي الهدف , فيصاب الفرد بالاحباط , وكلما قويت حالة الاحباط كلما ارتفعت درجة احتمال حدوث الاستثارة التي تقود الي العدوان.
وان قوة الاستثارة تعتمد على ثلاثة عوامل:
1- قوة الاعاقة الناجمة عن حدوث تدخل حال بين الفاعل وبين حصوله على الاشباع من وراء وصوله الي الهدف.
2- درجة صعوبة تغيير المسار للوصول الي الهدف.
3- عدد المحاولات الفاشلة للوصول الي الهدف.
يصاب الفرد بالاحباط كلما سدت الطريق امامه للوصول الي الهدف و لكنه لا يستسلم للفشل بسهولة و بل يستمر في البحث عن البدائل.
وقد تتكرر حالات الاحباط ولا تزول او تنسى , وانما تتراكم فيحدث العدوان والعنف ايضا , وقد يظهر وكانه سلوك فجائي , حدث على حين غرة .
ان اهداف الفرد كثيرة ولكنها في العادة يمكن ان تلخص في الحصول على الحاجات الضرورية والتي تتمحور حول حياه مستقرة وصريحة وامنة.
وبالطبع تترجم هذه الحاجات الي عدد كبير من الاهداف الاكثر تحديدا ووضوحا , لكن هذه الحاجات عن طريق الوصول الي جميع الاهداف امر ليس متيسرا للغالبية , ولذلك فان الحياة اليومية تزود الفرد بشعور الاحباط ليس له نهاية , الا انه من المتوقع ان اغلب الاحباطات التي يتعرض لها الفرد اثناء مزاولته لانشطته اليومية يتم كبتها , او اعلانها , بشكل او باخر , وتقدم الثقافة الميكانزمات الرئيسية للكبت وللاعلان , الا ان صعوبات الحياة المحيطة اصبحت كثيرة ومتشبعة , وتضع على كاهل الفرد ضغوطات مرهقة , مما يؤدي الي ارتفاع معدلا التوتر بين افراد المجتمع.
وعلى ضوء ما تقدم يمكن اقتراح الغرض الرئيسي الذي يلخص العلاقات بين اهم المتغيرات التي يمكن ان تقدم تفسيرا للعنف العائلي.
(( العنف العائلي )):
الشدة والاستقرار وكمية ونوعية الاضرار التي تسببها .
والعنف العائلي يحدث نتيجة حالة او حالات احباط تثير درجة عالية من التوتر , تتطور الي عدوان يعبر عنه في شكل فعل من افعال العنف , ومصادر الاحباط في المجتمعات المعاصرة كثيرة ومتنوعة , ويمكن تصنيفها الي الفئات العامة التالية:
1- عوامل شخصية وتتضمن:
ا- صفات عامة : النوع والسن والتعليم والمكانة الاجتماعية.
ب- التوازن النفسي – الاجتماعي.
2- عوامل مجتمعية تتعلق بالمحيط ويمكن ان تقسم الي:
ا- المحيط المباشر – القريب الاسرة والعمل.
ب- المحيط المباشر – البعيد الحي والمدينة.
ج – المحيط غير مباشر – القريب المجتمع والدولة.
د- المحيط غير المباشر – البعيد الوضع الدولي.
__________________
المراجع
1- (( على ليله )) العنف في المجتمعات النامية من وجهة نظر التحليلي والتطبيقي (( القاهرة )) المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
2- شاديه علي قناوي (( نمو اليات العنف في المجتمع المصري – كلية الانسانيات والعلوم الاجتماعية قطر)).
3- اجلال اسماعيل حلمي (( العنف الاسري)) استاذ علم الاجتماع كلية الاداب جامعة عين شمس
(( القاهرة 1999 )).
4- مختار حمزة (( اسس علم النفس الاجتماعي )) استاذ علم النفس – كلية الاداب والعلوم الانسانية جامعة الملك عبد العزيز جدة.
- بحث عن العنف الاسري يوجد فيه اشكالية
- بحث عن العنف الاسري
- بحث عن مشكلة المجتمع
- بحث في العنف الاسري في المجتمع العربي
- مشاكل عن العنف الاسري
- مشكلة قانونية عن العنف الاسري