تقديم القران الكريم

التقديم و التاخير فالقران

مقدمة:

من المسلم فيه ان الكلام يتالف من عبارات او اجزاء،
وليس من الممكن النطق باجزاء اي كلام دفعه واحدة.
من اجل هذا كان لا بد عند النطق بالكلام من تقديم بعضة و تاخير بعضة الاخر.
وليس شيء من اجزاء الكلام فحد ذاتة اولي بالتقديم من الاخر.
لان كل الالفاظ من حيث هي الفاظ تشترك فدرجه الاعتبار،
هذا بعد مراعاه ما تجب له الصداره كالفاظ الشرط و الاستفهام.
وعلي ذلك فتقديم جزء من الكلام او تاخيرة لا يرد اعتباطا فنظم الكلام،
وتاليفة و انما يصبح عملا مقصودا يقتضية غرض بلاغى او داع من دواعيها.

ان ما يدعو بلاغيا الى تقديم جزء من الكلام هو ذاتة ما يدعو بلاغيا الى تاخير الجزء الاخر.
واذا كان الامر ايضا فانه لا يصبح هنالك مبرر لاختصاص جميع من المسند الية و المسند بدواع خاصة عند تقديم احدهما او تاخيرة عن الاخر،
لانة اذا تقدم احد ركنى الجمله تاخر الاخر،
فهما متلازمان(1).

ان تقديم الالفاظ بعضها على بعض له سبب عديده يقتضيها المقام و سياق القول،
يجمعها قولهم: ان التقديم انما يصبح للعنايه و الاهتمام.
فما كانت فيه عنايتك اكبر قدمتة فالكلام.
والعنايه باللفظه لا تكون من حيث انها لفظه معينة بل ربما تكون العنايه بحسب مقتضي الحال.
ولذا كان عليك ان تقدم كلمه فموضع بعدها تؤخرها فموضع احدث لان مراعاه مقتضي الحال تقتضى ذاك.

والقران اعلي كفذلك فانا نراة يقدم لفظه مره و يؤخرها مره ثانية على حسب المقام.
فنراة مثلا يقدم السماء على الارض و مره يقدم الارض على السماء و مره يقدم الانس على الجن و مره يقدم الجن على الانس و مره يقدم الضر على النفع و مره يقدم النفع على الضر جميع هذا بحسب ما يقتضية القول و سياق التعبير.

فاذا قيل لك مثلا: لماذا قدم السماء على الارض هنا؟
قلت: لان الاهتمام بالسماء اكبر،
ثم اذا قيل لك و لماذا قدم الارض على السماء فهذه الايه قلت لان الاهتمام بالارض هنا اكبر،
فاذا قيل: و لماذا كان الاهتمام بالسماء هنالك اكبر و كان الاهتمام بالارض هنا اكبر؟
وجب عليك ان تبين اسباب هذا و بيان الاختلاف بين الموطنين بحيث تبين انه لا يصح او لا يحسن تقديم الارض على السماء فيما قدمت به السماء او تقديم السماء على الارض فيما قدمت به الارض بيانا شافيا.

وايضا بقيه المواطن الاخرى،
ولم يكتف القران الكريم بمراعاه السياق الذي و ردت به فحسب بل راعي كل المواضع التي و ردت بها اللفظه و نظر اليها نظره واحده شامله فالقران الكريم كله.
فنري التعبير متسقا متناسقا مع غيرة من التعبيرات(2).

اسباب التقديم و التاخير فالقران:

قال السيوطي: اما سبب التقديم و التاخير و اسرارة فقد ظهر لى منها فالكتاب العزيز عشره نوعيات:

الاول: التبرك كتقديم اسم الله فالامور ذوات الشان.ومنة قوله: ﴿شهد الله انه لا الة الا هو و الملائكه و اولوا العلم قائما﴾ [ال عمران: 18].

الثاني: التعظيم،كقوله: ﴿ومن يطع الله و الرسول﴾ [النساء: 69].

الثالث: التشريف،
كتقديم الذكر على الانثى فنحو: ﴿ان المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات﴾ [الاحزاب: 35]الاية.
والحى فقوله: ﴿يخرج الحى من الميت…﴾ [الروم: 19]،
والخيل فقوله: ﴿والخيل و البغال و الحمير لتركبوها﴾ [النحل: 8]،
والسمع فقوله: ﴿ان السمع و البصر و الفؤاد﴾ [الاسراء: 36].

حكي ابن عطيه عن النقاش انه استدل فيها على تفضيل السمع على البصر(3)،
ولذا و قع فسمعة تعالى: ﴿سميع بصير﴾ [الحج: 61] بتقديم السمع.
وتقديم موسي على هارون لاصطفائة بالكلام و تقديم المؤمنين على الكفار فكل موضع،
واصحاب اليمين على اصحاب الشمال،
والسماء على الارض،
والشمس على القمر،
ومنة تقديم الغيب على الشهاده فقوله: ﴿عالم الغيب و الشهادة﴾ [المؤمنون: 92]لان علمة اشرف(4).

الرابع: المناسبة،
وهي اما مناسبه المتقدم لسياق الكلام،كقوله: ﴿ولكم بها جمال حين تريحون و حين تسرحون﴾ [النحل: 6] فان الجمال بالجمال و ان كان ثابتا حالتى السراح و الاراحه الا انها حالة اراحتها،
وهو مجيئها من المرعي احدث النهار،
يصبح الجمال بها افخر؛
اذ هي به بطان(5)،
وحالة سراحها للرعى اول النهار يصبح الجمال فيها دون الاول؛
اذ هي به خماص.

الخامس: الحث عليه و الحض على القيام فيه حذرا من التهاون به؛
كتقديم الوصيه على الدين فقوله: ﴿من بعد و صيه يوصى فيها او دين﴾ [النساء: 11] مع ان الدين مقدم عليها شرعا.

السادس: السبق،
وهو اما فالزمان باعتبار الايجاد؛
كتقديم الليل على النهار،
والظلمات على النور،وادم على نوح،ونوح على ابراهيم،وابراهيم على موسى،وهو على عيسى،
وداود على سليمان،والملائكه على البشر فقوله: ﴿الله يصطفى من الملائكه رسلا و من الناس﴾ [الحج: 75].

والازواج على الذريه فقوله: ﴿قل لازواجك و بناتك﴾ [الاحزاب: 59].

والسنه على النوم فقوله: ﴿لا تاخذة سنه و لا نوم﴾ [البقرة: 255].

او باعتبار الانزال،كقوله: ﴿صحف ابراهيم و موسى﴾ [الاعلى: 19]،
﴿وانزل التوراه و الانجيل من قبل هدي للناس و انزل الفرقان﴾ [ال عمران: 3،4].

او باعتبار الوجوب و التكليف،نحو: ﴿اركعوا و اسجدوا﴾ [الحج: 77].

او بالذات،
نحو: ﴿ما يصبح من نجوي ثلاثه الا هو رابعهم و لا خمسه الا هو سادسهم﴾ [المجادلة: 7].

واما قوله: ﴿ان تقوموا لله مثني و فرادى﴾ [سبا: 46] فللحث على الجماعة و الاجتماع على الخير.

السابع: السببية؛
كتقديم العزيز على الحكيم؛
لانة عز فحكم،
والعليم عليه؛لان الاحكام و الاتقان ناشئ عن العلم.
ومنة تقديم العباده على الاستعانه فسورة الفاتحة؛
لانها اسباب حصول الاعانه و هكذا قوله: ﴿ان الله يحب التوابين و يحب المتطهرين﴾ [البقرة: 222] لان التوبه اسباب للطهارة.

الثامن: الكثرة،كقوله: ﴿فمنكم كافر و منكم مؤمن﴾ [التغابن: 2] لان الكفار اكثر(6)،
قلت فقدمهم على المؤمنين.

قيل: و قدم السارق على السارقة؛
لان السرقه فالذكور اكثر.والزانيه على الزانى فيهن اكثر.
ونحو قوله: ﴿ان طهرا بيتي للطائفين و العاكفين و الركع السجود﴾ [البقرة: 125] فكل طائفه هي اقل من التي بعدين فتدرج من القله الى الكثرة.
فالطائفون اقل من العاكفين لان الطواف لا يصبح الا حول الكعبة.
والعكوف يصبح فالمساجد عموما و العاكفون اقل من الراكعين لان الركوع اي الصلاة تكون فكل ارض طاهره اما العكوف فلا يصبح الا فالمساجد.
والراكعون اقل من الساجدين و هذا لان لكل ركعه سجدتين بعدها ان جميع راكع لا بد ان يسجد و ربما يصبح سجودا ليس به ركوع كسجود التلاوه و سجود الشكر فهو هنا تدرج من القله الى الكثرة.

ولهذا التدرج اسباب اقتضاة المقام فان الكلام على بيت =الله الحرام.
قال تعالى: ﴿وعهدنا الى ابراهيم و اسماعيل ان طهرا بيتي للطائفين و العاكفين و الركع السجود﴾ [البقرة: 125]،
فالطائفون هم الصق المذكورين بالبيت لانهم يطوفون حوله،
فبدا بهم بعدها تدرج الى العاكفين فهذا المنزل او فبيوت الله عموما بعدها الركع السجود الذين يتوجهون الى ذلك المنزل فركوعهم و سجودهم فكل الارض.

ونحوة قوله تعالى: ﴿يا ايها الذين امنوا اركعوا و اسجدوا و اعبدوا ربكم و افعلوا الخير لعلكم تفلحون﴾ [الحج: 77]،
فبدا بالركوع و هو اقل المذكورات بعدها السجود و هو اكثر بعدها عباده الرب و هي اعم بعدها فعل الخير.

وقد يصبح الكلام بالعكس فيتدرج من الكثرة الى القله و هذا نحو قوله تعالى: ﴿يا مريم اقنتى لربك و اسجدى و اركعى مع الراكعين﴾ [ال عمران: 43] فبدا بالقنوت و هو عموم العباده بعدها السجود و هو اخص و اقل من عموم العباده التي هي القنوت بعدها الركوع و هو اقل و اخص منهما.

التاسع: الترقى من الادني الى الاعلى،كقوله: ﴿الهم ارجل يمشون فيها ام لهم ايد يبطشون فيها ام لهم اعين يبصرون فيها ام لهم اذان يسمعون بها…﴾ [الاعراف: 195]،
بدا بالادني لغرض الترقي،
لان اليد اشرف من الرجل و العين اشرف من اليد و السمع اشرف من البصر.

العاشر: التدلى من الاعلي الى الادنى،
كقوله: ﴿لا يغادر صغار و لا كبار الا احصاها﴾ [الكهف: 49] ﴿لا تاخذة سنه و لا نوم﴾ [البقرة: 255](7).

وزاد غيرة اسبابا اخر؛
منها كونة ادل على القدره و اعجب؛
كقوله: ﴿والله خلق جميع دابه من ماء فمنهم من يمشي على بطنة و منهم من يمشي على رجلين و منهم من يمشي على اربع يخلق الله ما يشاء ان الله على جميع شيء قدير﴾ [النور: 45].

وقوله: ﴿وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن و الطير﴾ [الانبياء: 79].

قال الزمخشري: قدم الجبال على الطير؛
لان تسخيرها له و تسبيحها له اعجب،
وادل على القدره و ادخل فالاعجاز؛
لانها جماد،
والطير حيوان ناطق(8).

وقد يصبح التقديم لغرض احدث كالمدح و الثناء و التعظيم و التحقير و غير هذا من الاغراض،
الا ان الاكثر به انه يفيد الاختصاص.
ومن التقديم الذي لا يفيد الاختصاص قوله تعالى: ﴿ووهبنا له اسحاق و يعقوب كلا هدينا و نوحا هدينا من قبل﴾ [الانعام: 84] فهذا ليس من باب التخصيص اذ ليس معناة اننا ما هدينا الا نوحا و انما هو من باب المدح و الثناء.

ونحو قوله: ﴿فاما اليتيم فلا تقهر و اما السائل فلا تنهر﴾ [الضحى: 9،10] اذ ليس المقصود فيه جواز قهر غير اليتيم و نهر غير السائل و انما هو من باب التوجية فان اليتيم ضعيف و ايضا السائل و هما مظنه القهر فقدمهما للاهتمام بشانهما و التوجية الى عدم استضعافهما(9).

استثناء من الاضطراد:

مر بنا ان التقديم و التاخير جاء فالقران لاسباب ربما بيناها و هي تكاد ان تكون قواعد مطرده و لكن ربما تشذ تلك القواعد شيئا بسيطا عن الاطراد المعهود،
سنبينها باختصار مع بيان سبب ذلك: فقد قدم هارون على موسي فسورة طة رعايه للفاصله لان المعهود المطرد تقديم موسي على هارون،
واما تقديم الانعام فقوله: ﴿تاكل منه انعامهم و انفسهم﴾ [السجدة: 27]فلانة تقدم ذكر الزرع،فناسب تقديم الانعام،بخلاف ايه عبس فانه تقدم فيها: ﴿فلينظر الانسان الى طعامه﴾ [عبس: 24] فناسب تقديم (لكم)(10).

وهكذا لو تقصينا الالفاظ التي تاخرت عن تقديمها المعهود لوجدنا الحكمه فذلك و اضحه جليه و ليس المراد فهذا البحث استقصاء جميع شارده و وارده و انما وضع لمسات بيانيه يتضح منها المقصود علما اننى ربما اوردت فثنايا ذلك البحث بعض تلك الاستثناءات تجدها فمضانها و الله تعالى اعلم.

السمع قبل البصر:

ورد فالقران الكريم لفظى السمع و البصر معا (19) تسعه عشر مرة،
وذكر ف(17) سبعه عشر موضعا لفظه السمع قبل البصر و ربما بينا فاسباب التقديم و التاخير ان من بينها (التشريف) اي ان الله سبحانة قدم لفظه السمع على البصر لشرف السمع و اهميتة و لا يخفي على احد ممن تدبر و تامل فهذه الحاسه العجيبة و لكن لنري ما يقوله اصحاب الاختصاص:

1- تبدا و ظيفه السمع بالعمل قبل و ظيفه الابصار.
فقد تبين ان الجنين يبدا بالسمع فنهاية الحمل و ربما تاكد العلماء من هذا باجراء بعض التجارب حيث اصدروا بعض الاصوات القويه بجانب امرأة حامل فاخر ايام حملها،
فتحرك الجنين استجابه لتلك الاصوات،
بينما لا تبدا عملية الابصار الا بعد الولاده بايام(11)،
قال تعالى: ﴿انا خلقنا الانسان من نطفه امشاج نبتلية فجعلناة سميعا بصيرا﴾ [الانسان: 2].

2- و من الحقائق التي تجعل السمع اكبر اهمية من البصر هي ان تعلم النطق يتم عن طريق السمع بالدرجه الاولى،
واذا ولد الانسان و هو اصم،
فانة يصعب عليه الانسجام مع المحيط الخارجي،
و يحدث لدية قصور عقلى و ترد فمدركاتة و ذهنة و وعيه.
وهنالك العديد من الذين حرموا نعمه البصر و هم صغيرة او منذ الولاده و مع هذا فقد حصلوا درجه راقيه من الادراك و العلم حتي الابداع،
ولكننا نجد هذا قليلا -بل يكاد ينعدم- فيمن ولد و هو اصم،
او فقد سمعة فسنوات عمرة الاولى.
وذلك لان التعلم و الفهم يتعلقان لدرجه كبار بالسمع،
والذى يفقد سمعة قبل النطق لا ينطق.
و لذا ربطت الايه القرانيه العلم بالسمع اولا بعدها البصر فقال تعالى: ﴿والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا و جعل لكم السمع و الابصار و الافئده لعلكم تشكرون﴾ [النحل: 78].

3- العين مسئوله عن و ظيفه البصر اما الاذن فمسئوله عن و ظيفه السمع و التوازن.
و ربما تكون العبره فهذا الترتيب اكثر من ذلك.
و الله اعلم بمراده(12).

ويمكن ان يصبح تقديم السمع على البصر لسبب احدث عدا الافضليه و هو ان مدي السمع اقل من مدي الرؤية فقدم ذا المدي الاقل متدرجا من القصر الى الطول فالمدي و لذلك حين قال موسي ففرعون ﴿قالا ربنا اننا نخاف ان يفرط علينا او ان يطغى﴾ [طه: 45] قال الله تعالى: ﴿قال لا تخافا اننى معكما اسمع و ارى﴾ [طه: 46] فقدم السمع لانة يوحى بالقرب اذ الذي يسمعك يصبح فالعاده قريبا منك بخلاف الذي يراك فانه ربما يصبح بعيدا و ان كان الله لا يند عن سمعة شيء(13).

قلت و ايضا فان السمع لا يمنعة الحاجز المادى من اداء عملة بخلاف البصر فانه تمنعة الحواجز من ادراك الحاجات و الله اعلم.

السمع قبل العلم:

وقع فالقران الكريم تقدم السمع على العلم ايضا كقوله تعالى: ﴿وهو السميع العليم﴾ [البقرة: 137].

وقوله: ﴿انة هو السميع العليم﴾ [الانفال: 61]،
وذلك انه خبر يتضمن التخويف و التهديد،
فبدا بالسمع لتعلقة بالاصوات و همس الحركات فان من سمع حسك و خفى صوتك اقرب اليك فالعاده ممن يقال لك: انه يعلم و ان كان علمة تعالى متعلقا بما ظهر و بطن،
ولكن ذكر السميع اوقع فباب التخويف من ذكر العليم فهو اولي بالتقديم.
ويمكن ان يقال: ان السمع من و سائل العلم فهو يسبقه.(14)

نماذج من بلاغه القران:

1- نقرا فو صف المنافقين،
وفى وصف الكافرين،
هاتين الايتين من سورة البقره ﴿صم بكم عمي فهم لا يرجعون﴾ [البقرة: 18] ﴿صم بكم عمي فهم لا يعقلون﴾ [البقرة: 171] و تقديم الصم،
هنا جاء فغايه الاحكام،
لان بداية ضلال اولئك الاقوام حينما اصاخوا بسمعهم عن ايات الله التي تتلي عليهم.

ونقرا فمشهد من مشاهد يوم القيامه عن اولئك الذين ضلوا سواء السبيل ﴿ونحشرهم يوم القيامه على و جوههم عميا و بكما و صما﴾ [الاسراء: 97] لقد تغيرت الصورة هنا.
لذا تغير معها نسق القول،
ذلك لان السماع لم ينفع اولئك الناس يوم القيامه شيئا و لا يعود عليهم بخير،
ثم ان العمي من اشد الامور مشقه و اكثرها صعوبه عليهم فذلك اليوم(15).

2- تحدث القران الكريم فايات كثيرة عن الجن و الانس،
ولكن الذي يلفت الانتباه،
ما نجدة فالنظم القرانى البديع،
من تقديم الجن تارة،
وتقديم الانس اخرى،
وهذا ما يستدعية السياق،
وتوجية الحكمه البيانية،
ففى سياق التحدى بالقران الكريم،
يقدم الانس على الجن،
لان الانس هم المقصودون بالتحدى اولا و قبل جميع شيء،
قال تعالى: ﴿قل لئن اجتمعت الانس و الجن على ان ياتوا بمثل ذلك القران لا ياتون بمثلة و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا﴾ [الاسراء: 88].

اما فسياق التحدى بالنفوذ من اقطار السموات و الارض،
فلقد قدم الجن؛
لانهم اقدر على الحركة من الانس.
قال تعالى: ﴿يا معشر الجن و الانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات و الارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان﴾ [الرحمن: 33] و الدليل على ان الجن اقدر من الانس فمجال الحركة هو قوله تعالى فسورة الجن: ﴿وانا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا و شهبا* و انا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الان يجد له شهابا رصدا﴾ [الجن 8 9].

اما قوله سبحانة ﴿وما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون﴾ [الذاريات: 56] فلقد قدم الجن على الانس؛
لانة ربما روعى السبق الزمني،
فان الجن مخلوقون قبل الانس(16).

قلت: و الدليل على ان الجن مخلوقون قبل الانس قوله تعالى: ﴿ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حما مسنون*والجان خلقناة من قبل من نار السموم﴾ [الحجر: 26،27].

3 – تقديم لفظ الضرر على النفع و بالعكس: حيث تقدم النفع على الضر فلتقدم ما يتضمن النفع.
قال تعالى: ﴿قل لا املك لنفسي نفعا و لا ضرا الا ما شاء الله﴾ [الاعراف: 188] فقدم النفع على الضرر و هذا لانة تقدمة قوله: ﴿من يهد الله فهو المهتدى و من يضلل فاولئك هم الخاسرون﴾ [الاعراف: 178] فقدم الهدايه على الضلال و بعد هذا قال: ﴿ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير و ما مسنى السوء ان انا الا نذير و بشير لقوم يؤمنون﴾ [الاعراف: 188] فقدم الخير على السوء و لذلك قدم النفع على الضرر اذ هو المناسب للسياق.

وقال تعالى: ﴿قل لا املك لنفسي ضرا و لا نفعا الا ما شاء الله﴾ [يونس: 49] فقدم الضرر على النفع و ربما قال قبل هذي الاية: ﴿ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى اليهم اجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا فطغيانهم يعمهون﴾ [يونس: 11] و قال: ﴿واذا مس الانسان الضر دعانا لجنبة او قاعدا او قائما فلما كشفنا عنه ضرة مر كان لم يدعنا الى ضر مسة ايضا زين للمسرفين ما كانوا يعملون﴾ [يونس: 12] فقدم الضر على النفع فالايتين.
وياتى بعد هذي الايه قوله: ﴿قل ارايتم ان اتاكم عذابة بياتا او نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون﴾ [يونس: 50] فكان المناسب تقديم الضرر على النفع هاهنا.

وقال: ﴿قل الله قل افاتخذتم من دونة اولياء لا يملكون لانفسهم نفعا و لا ضرا﴾ [الرعد: 16] فقدم النفع على الضرر،
قالوا: و هذا لتقدم قوله تعالى: ﴿ولله يسجد من فالسماوات و الارض طوعا و كرها و ظلالهم بالغدو و الاصال﴾ [الرعد: 15] فقدم الطوع على الكره.
وقال: ﴿فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا و لا ضرا﴾ [سبا: 42] فقدم النفع على الضر قالوا: و هذا لتقدم قوله: ﴿قل ان ربى يبسط الرزق لمن يشاء من عبادة و يقدر له و ما انفقتم من شيء فهو يخلفة و هو خير الرازقين﴾ [سبا: 39] فقدم البسط.
وغير هذا من مواضع هاتين اللفظتين.


تقديم القران الكريم