هذه رواية من روايات احلام اسمها خارج الزمن اتمنى ان تعجبكم واعذرونى على عدم التنسيق لانها اول مرة وشكرا
خارج الزمن
الملخص عندما وصلت مينا بمفردها الى سانت ستيفان احد جزر الكاريبى ،دون خطيبها ،
فتحت الباب لعصافير الحلم المحبوسة فى داخلها حتى تنقلها بعيدا عن التفكير المؤلم بحياتها.
لم ينغص عطلتها الا غايفنغ كلينتيس الذى كان مجرد وجوده قربها يخيفها. ولم تعرف مينا ان
مصيرها سيرتبط به الا عندما مرا بتجربة مخيفة اوصلتهما الى حافة الموت ، لم ينقذها الا هو…
وهكذا وجد قلبها انه من الطبيعى ان يسلم مفاتيحه لهذا البطل الغريب …
لكن هذه كانت اخر اهتمامات غايفنغ على ما يبدو ، فعندما فتحت مينا عينيها فى المستشفى كان كل ما
بقى لديها ذكرى مغامرة خاضتها مع الغريب الذى رحل …
فصول الرواية
1- حورية بلا بحر
2- غابة الرعب
3- كهف الرغبات
4- من يموت اولا
5- صرخة ضائعة
6- الغزالة الخائفة
7- دموع مرة
8-الرجل الاخر
9- لن اعيش فى ظلك
10- لحظة خارج الزمن
2- غابة الرعب
كانت الساعة تشير الى الحادية عشرة الا ربعا حين نزلت مينا الى بهو الفندق لتنضم الى المجموعة الصغيرة التى تنتظر الدليل الذى سيرافقهم الى الغابة . سرعان ما رات غايفنغ كلينتيس ولكنها تجاهلته عمدا ثم انضمت الى بينى وستافرو هولاند اللذين يتبادلان الحديث مع الازواج الاربعة:
سالتها بينى: اتتوقين للقيام بالرحلة؟ . عندما اجابتها مينا ايجابا اضافت : – على فكرة .. ماذا اصابك ليلة امس؟ فتشت عنك وقت العشاء فلم اجدك.
-اكلت فى غرفتى.. شعرت بصداع ربما بسبب حرارة الشمس. انها تكذب لانها تعرف جيدا سبب عدم تناولها العشاء فى المطعم ، فقد ارادت تجنب اى احتكاك اخر مع غايفنغ كلينتيس لان حظها العاثر قد يدفعها الى مقابلته فى قاعة الطعام فيتهمها بانها تعمدت هذا اللقاء ايضا. قالت بينى وهى تبدى اعجابها بالسروال الزيتونى التى ترتديه مينا وبالقميص الابيض:- تبدين جذابة على اى حال.
كانت مينا تمسك حقيبة من القماش فيها قميص قطنى طويل الاكمام وقبعة واشياء اخرى . كان لون الحقيبة يماثل لون سروالها وقد اشترت هذه الثياب خصيصا للعطلة.. فكارسون لا يحب ان ترتدى المراة الجينز ولهذا اضطرت مينا الى شراء سروال عادى لزيارة والديه
اصر كارسون على ان تتعلم مينا ركوب الخيل.. فمن المتوقع ان تتعلم، ولكنها قررت الا تشارك بالصيد فمع انها تستمتع بمنظر الصيادين مع كلابهم . الا انها لم ترغب قط فى مجاراتهم بهذه الهواية .
قدمتها بينى الى الرباعى المرح الذى كانت تتحدث اليهم كان ارنولد، مصمم الازياء، نحيلا اشقر الشعر، زوجته سالى ترتدى سروالا انيقا وقميصا مربوطا بحزام مزين بقماش ذهبى .. وكان صديقاهما، كولين ونويل بردفورد شريكى ارنولد. سالت سالى مينا: – الا تشعرين بالوحشة لانك بمفردك هنا؟ – ليس كثيرا ، لاننى جئت لطلب الراحة. كانت بينى قد استدارت للتحدث الى غايفنغ كلينتيس اما مينا فوعت بشكل لا يطاق نظرته الحادة الساخرة على بشرتها المتوردة .
اجابت كولين باشفاق: اجل .. فالاستعداد للزفاف قد يكون مرهقا.. متى الحدث الكبير ؟ – لم نقرر نهائيا.. فكارسون خطيبى يجب ان يسافر الى نيويورك قريبا .. وليس متاكدا كم سيطول مكوثه هناك ولكن حالما يعود نحدد الموعد.
قال غايفنغ بتشدق بعدما ضم نفسه الى الحديث: – ليس عريسا متشوقا اذن؟ الم تحذريه مما قد يصيب المتقاعس فى الحب؟ عرفت مينا انه يلمح الى انها هى التى تلح على كارسون للزواج وارادت ان تخبره بانه مخطى، وبان كارسون ليس ممن يستعجل الامور . ضحكت سالى :اووه .. كلنا نواجه المصاعب فى جر رجالنا فى هذه الايام الى مذبح الكنيسة.. هذا ما جنيناه من المساواة بين الجنسين.. لم يعد هناك حاجة للاستعجال على الزواج كما كان فى السابق .. هذه الحال هى الفضلى تصورى ان تتزوجى رجلا لا تعرفين عنه شيئا. انه اسلوب قديم يشبه الزواج المدبر بين غريبين.
ردت مينا بدون اهتمام، متمنية الا تفضحها لهجتها :- اجل..
كيف لا توافق وغايفنغ كلينتيس وافق امامها. لو صرحت بالحقيقة لعرف ان خبرتها مع الرجال معدومة. خجلها الطبيعى، وتعليمات العمة مارولا المتزمتة اثرا فى رغباتها الطبيعية فى المعرفة ومع مرور السنين اصبحت اكثر خجلا من الاعتراف بالحقيقة.. فلم يكن حتى كارسون نفسه يعرف انها عديمة الخبرة .. فالموضوع لم يذكر قط بينهما وتساءلت لاول مرة عما ستكون عليه ردة فعله.. مرت بها اوقات شعرت بان حقيقتها مكتوبة على وجهها وهذا ما جعلها عرضة للخجل حينما يقترب منها الشبان، لكنها فى النهاية تغلبت على هذا الخجل .
من الواضح ان غايفنغ كلينتيس ، لم يدرك حقيقة خجلها وتزمتها مع الجنس الاخر ، واضطرت لمحاربة غضبها المتصاعد، وهى تتذكر مواجهتهما بعد ظهر اليوم السابق . حين شغلت بينى اهتمام سالى وجدت مينا ان (البعبع) الذى تفكر فيه اصبح قرب مرفقها. قالت له بصعوبة: – ارجو ان لا تتهمنى بالانضمام الى الرحلة لاجبرك على التعرف الى.. ازدادت غمازتا وجهه عمقا وهو يبتسم: – يصعب ذلك.. يجب ان اكون مصابا بجنون العظمة حتى افكر بهذه الطريقة. خاصة واننى سجلت اسمى اولا.. اتستمتعين بالسير على الاقدام؟
لم يبد مهتما بما اذا كانت تستمتع به ام لا . لكن مينا اجبرت نفسها على الرد بادب: – اجل.. لقد نشات فى الريف .. – عظيم.. ولكن رحلة اليوم لا تشبه نزهة ريفية . هذه جبال شديدة الانحدار، واعتقد ان الغابة كثيفة جدا..
قال ستافرو مازحا: اتحاول احباط عزيمتنا؟ – ابدا .. يبدو اننى اعطيت انطباعا خاطئا.. فى الواقع، لو ظننت ان الرحلة سيكون مشقة لى لما قبلت بها. لامس ساقه اليسرى وهو يتكلم، فتذكرت مينا قول ستافرو انه شاهده يعرج.. واضاف بحدة: – لقد تورطت فى .. حادثة.. وانا هنا لاسترد عافيتى، ولامارس تمارين تعيدنى معافى الى عملى.
ساله ستافرو: انت فى الجيش على ما اعتقد؟ -اجل .
كانت الكلمة خالية من اى تعبير. ولكن مينا نظرت الى وجهه وهو يتكلم، وحبست انفاسها لان مظهره تغير كليا اذ قست ملامحه ومر بعينيه وميض اسود .. ما الذى فى السؤال البرىء حتى يثير ردة فعله هذه؟ اهو مطرود من عمله، او ما شابه ذلك فلقد سمعت من والد كارسون ان امورا كهذه قد تقع . ولكن لماذا تهتم بردة فعله؟
قال ستافرو مقاطعا افكارها: وصلت وسيلة النقل . كان خارج الفندق سيارتا لاندروفر مزودتان بمقاعد اضافية ، مشرعة للهواء الطلق .
– هل الجميع جاهز؟
صعد الازواج الاربعة اولا تبعهم العروسان. وكانت مينا على وشك الجلوس قربهما حين منعها الدليل.. اجلسى فى السيارة الثانية .. انا اجلس هنا. وهكذا، اضطرت للانضمام الى بينى وستافرو فى مؤخرة السيارة، وخفق قلبها بشدة حين اندس غايفنغ كلينتيس بطوله الفارع الى جانبها .
لم يكن فى السيارة مساحة كبيرة بسبب بينى وستافرو الضخمى الجثة احست مينا بحرارة جسد غايفنغ كلينتيس تحرق بشرتها فحاولت الابتعاد، لكن صعب عليها ذلك بدون ان تدس نفسها بستافرو
كان الطريق من المجمع الفندقى ممهدا . ولكن حالما انعطفت بهم السيارتان، وجدوا انفسهم على طريق مهجورة منذ سنوات . وعندما وثب اللاندروفر فوق نتوء كبير ارتمت مينا على غايفنغ كلينتيس.. فاحست وكانها اصطدمت بجدار صلب، وارتفعت ذراعه لتنقذها، وتمسك بها على ذلك الجدار الصلب المسمى صدره.. مرت بها مينا. لقد حرقت حرارته قماش ملابسها الرقيقة، فتصاعد اللون القرمزى تحت بشرتها وقد ادركت انه قد احس بها كما احست هى بقسوته ورجولته .
– مينا .. هل انت على ما يرام؟ قطع سؤال بينى عليها افكارها ،فاجابت: – انا بخير.. شكرا لك سيد كلينتيس.. كدت اقع على غفلة منى .
كان فى النظرة التى رمقها بها ما هو مهم: – يحدث هذا للجميع.. ارجوك .. نادنى غايف يا مينا. صاحت بينى تجذب الاهتمام عن وجنتى مينا المتوردتين: – اه ! انظروا الى هذا المشهد ! هل جئت الى الكاريبى من قبل غايف؟ – لا
نظر الجميع يمينا، حيث تنحدرالارض حتى البحر الازرق المنتعش الذى تذوب زرقته لتصبح ليلكية ضبابية عند الافق. تنهدت بينى: انه جميل جدا!
قال ستافرو: لكنه فقير.. لا يبرح تفكيرى فقر اهل الجزيرة .. حين يكون المرء هنا يفهم سبب انجذاب هؤلاء الناس الى الشيوعية.
رد غايف: انت على حق.
– ثمة جناح يسارى قوى وضخم فى الجزر الكاريبية، وهم يتلقون تعليمهم وتدريبهم فى كوبا، وان لم ينتبه الغرب ويهتم استيقظ يوما ليجد اننا خسرنا منطقة الكاريبى .
احتجت بينى: – اوه.. بلا سياسة ارجوكما ! مينا.انظرى الى ذاك البناء الذى يوشك ان يقع.
كانت المسافة طويلة للوصول الى الغابة الاستوائية. وازدادت الامور سوءا بسبب الطريق الوعرة. ومع ان سانت ستيفان هى من اكبر جزر الكاريبى، فهى مهملة بشكل كبير.. كان مدير الفندق قد قال لمينا انهم ياملون بان تساعدهم عائدات السياحة فى تحسين اوضاع الجزيرة.
كان السهل المنبسط من الساحل ختى الغابة غنيا باشجار الموز، مصدر الرزق الرئيسى فى الجزيرة، بعد قليل بدات تتلاشى ثمار الموزالمحمية فى اكياس بلاستيكية زرقاء.. وكلما اقتربت المجموعة من وجهتها، ازداد احساس مينا بتوتر يبعثه هذا الرجل الجالس الى يسارها ولكن لم يكن فى طريقة جلوسه ما يكشف احاسيسه، فقد كان وجهه منحرفا قليلا عنها وكانه يتفرج على المناظر الريفية، وكل ما كانت تراه مينا هو خط فكه المتشدد ولكن لا مجال للشك فى التوتر المنطلق منه، واحست باطراف اعصابها ترتجف برد فعل غريزى ، وتساءلت عما دهاها.
قالت بينى حين ظهر مبنى منعزل على طرف السهل حيث يتصاعد الجبل البركانى الى السماء مباشرة :- اه ! لاشك انه المطعم!
كان على جانبى السهل اخضرار استوائى كثيف ولكن السهل نفسه بدا خاليا من المساكن. مع ان بضع طرق وعرة بدت وكانها تقود اما الى قرى
وكانها تقود اما الى قرى واما الى منازل قريبه.
قال غايف شارحا حين علقت مينا على خلو المكان من مظاهر السكن: – يبنى معظم اصحاب المزارع بيوتهم على الجانب المطل على المحيط الاطلسى. كانت تلك الجهة اقل عرضة لهجومات القراصنة.
بدا وجهه مسترخيا وهو يكلمها كما بدت عظام وجنتيه اقل توترا، ثم بدات سيارتا اللاندروفر بالتسلق نحو المطعم . المطعم كان مبنى من الخشب ولكن لونه الاخضر الاصلى تلاشى منذ زمن بعيد واصبح زيتونيا كئيبا، كان الهواء فى الداخل رطبا.. ولم تشعر مينا فى حياتها بفقدان الشهية كحالها الان عندما استقر افراد المجموعة حول موائد خشبية، خرجت الى الخارج فوجدت الهواء ابرد وانعش .
– الست جائعة؟
لم تلاحظ مينا ان غايفنغ كلينتيس لحق بها، لكنها هزت راسها نفيا رافضة الاعتراف بضعف مؤقت استولى عليها فى المطعم. – ولا انا. ادهشها الاعتراف، وباحت اساريرها بهذا . فسالها متجهما: ما الامر؟ الا يسمح بان يكون لمن هم قساة مثلى ، مشاعر طبيعية؟ -لم اقل هذا..
لكنه قاطعها واكمل ساخرا:- لم تقولى هذا.. صحيح لانك لست بحاجة الى القول فهاتان العينان تخبران كل شئ نيابة عنك.. انت شخصية متناقضة فمن جه تبدين امراة عصرية متحررة تقضى اجازتها بعيدا عن خطيبها . ومن جهه اخرى توحى عيناك بانك راهبة مبتدئة ليس لديها فكرة عن العادات العصرية.
ردت مينا بلهجة ذات مغزى : – هلا عذرتنى فقد قررت العودة لاتناول بعض الطعام. ولكنها عندما دخلت الى المطعم لم تستطع سوى ارتشاف كوب ليموناضة.. كانت الساعة قد تجاوزت الثانية حين تقدمهم الدليل الى احدى الممرات التى تقودهم من المطعم الى الجبال.
ما هى سوى نصف ساعة، حتى نضحت مينا بالعرق.. ولم تكن وحدها فى هذا المصاب فقد بدوا جميعا بمن فيهم غايفنغ كلينتيس متاثرين بالرطوبة فقد كانت مقدمة قميص غايفنغ مبللة بالعرق. ومع ذلك لم يرفع اكمامه او تخلص من قميصه كما فعل الرجال وربما السبب معرفته بمدى جاذبيته وهو فى قميص وبنطلون اسودين . سارعت مينا ساخرة الى ابعاد هذه الافكار الحمقاء عن راسها، فهو ليس رجلا يحتاج الى جذب اهتمام النساء بارتداء ملابس مميزة لانه مهما ارتدى سيجذب انظار النساء.
تكاثفت اشجار الغابة كلما توغلوا فيها وكانت اشجار الماهوغونى هى المسيطرة واما اشجار الكرمة فالتفت حولها فيما غطت النباتات الميتة والمهترئة ارض الغابة.. توقف الدليل اكثر من مرة ليشير الى الاوركيديا النامية بين النباتات الخضراء المنتشرة وكانت احيانا انفاسهم تنقطع بسبب صياح ببغاء حاد وفى مناسبات عديدة سمعوا خرير الماء ولكنهم لم يشاهدوا ساقية.
ندمت مينا على انضمامها الى الرحلة.. ففى هذه الغابة ما يغم القلب وما يقبض النفس. لم يبد ان غايفنغ يعانى اية مشكلة فى متابعة خطوات الاخرين رغم ادعائه بانه يسترد صحته من اثر حادثة.. لكن فى احدى المراحل حين طلب الدليل منهم التوقف لاحظت مينا وهى تنظر الى غايف ان لونه قد شحب فجاة وان العرق يتقطر من بشرته وان اصابعه تشد على وركه.
– هل انت بخير؟ حرره سؤالها الهامس مما كان فيه فقد استرخى وجهه فجاة وقال بقسوة: – بخير.. تعالى يبدو ان الدليل جاهز للانطلاق.
ساروا على الاقدام فى الغابة ما يزيد عن ساعتين.. وكانت مينا تزداد غما كلما تكاثفت الغصون الملتفة الحاجبة نور الشمس. تابعت المجموعة التسلق بحدة فضاق الممر واضطروا احيانا للسير واحدا واحدا.. فى احدى المراحل وكما وعد منظمو الرحلة انهمر المطر فجاة بملاءة مسبعة اخترقت كثافة الاشجار وزودهم الدليل بمظلات كان قد حضرها سلفا لتقى كل شخصين من تدفق المطر.
شاركت مينا المظلة مع غايف مستغربة هطول المطر المفاجئ قال لها غايف باقتضاب ما سبب لها الدهشة: – هذا ما ستعتادين عليه. علقت: قلت انك لم تزر الكاريبى
-لم ازر المنطقة ولكن الغابات الاستوئية متشابهة. ولم يقل المزيد.. فاعتقدت منا ان الموضوع لا يسره ولسبب ما توالفا معا فى فريق واحد اثناء السير ربما لان الجميع ازواج وتمنت من كل قلبها لو رفضت المشاركة بالرحلة اذ لم يعجبها الجو المسيطر على الغابة كما لم تعجبها ايضا قشعريرة الارتباك التى كانت تختبرها كلما اضطرتها وعورة الممر الى ملامسة غايف..
نظر غايف الى ساعته وعبس.
– كان علينا العودة الان .. فليس فى هذا المكان فترة غسق كالتى نعرفها فى بلادنا فبعد ساعتين يحل ظلام دامس. تقدم الى الامام ليمسك ذراع الدليل سائلا لكن الدليل هز راسه بعنف وقال:- لم يحن وقت العودة بعد.. اصبح وشيكا ولكنه لم يحن.
بدا وكانه قائد عسكرى يحث جنوده على المزيد من الجهد.. فتاوهت سالى عندما ساروا ربع ساعة اخرى:- كم بقى لدينا؟
كانت مينا موافقة على السؤال.. فقد شعرت بالحرارة الشديدة وتاقت نفسها الى حمام بارد.. لقد جعل العرق مقدمة شعرها اقتم لونا واحست بجفاف فمها. كما انها ندمت على الغداء الذى رفضته فقد قضت وخزات الجوع مضجعها كانت تحمل بعض البسكويت فى حقيبتها ولكنها وجدت صعوبة فى انزال الحقيبة عن كتفها لتفتش فيها.. بدا الجميع متعبا الا غايف الذى ما زال قادرا على مجاراة الدليل بدون تعب.
شاهدت مينا الدليل يتوقف عندما وصلوا الى مكان فيه شجرة كبيرة. توقف الجميع متاوهين اهات الراحة الا الدليل اذ بدا متوترا قليلا. راقبت مينا عينيه اللتين جابتا فى المكان بحثا عن شئ ما .. وتقدم غايف ليقف بقربها.
-اهناك شئ؟ كان هو ايضا يراقب الدليل، ومع انه اخفى ذلك جيدا، الا ان مينا لمحت قلقا محددا فى عينيه قبل ان يخفى توتره ويقول بعذوبة: – امستعدة لرحلة العودة؟ .. انا..
صمت فجاة لان درزينه من الرجال المدججين بالرشاشات المرتدين ثيابا عسكرية اقتحموا المكان. سمعت غايف يشتم من بين اسنانه ثم سيق الجميع معا كالقطيع.
– ماذا يجرى هنا بحق الله؟
وجه غايفنغ السؤال الى من بدا مسؤولا عن الجماعة المسلحة.. وبدا واضحا ان غايف هو القائد الطبيعى اذ ما من احد من الرجال الاخرين كان يتحدى حقه.. واحست مينا بان الجميع مثلها، مصابون بدوار يمنعهم من التفكير او من طرح سؤال (لماذا). امرهم الرجل باشارة بندقيته بالوقوف ثم تقدم الى الامام قائلا لغايف:-
ستبقون رهائن حتى تطلق حكومتنا سراح رجال تحتجزهم عن وجه حق منذ ستة اشهر. حان الوقت حتى يسمع العالم كله ما يجرى هنا.. لقد سئمنا من الراسمالية غير المؤهلة ومن الحكومات التى تتركنا جياعا والتى ترفض تعليم الاولاد الذين تجاوزا الرابعة عشرة والتى تحكم على شعبها بالفقر والاذلال مدى الحياة.
كان يتحدث الانكليزية بطلاقة فرد عليه غايف:- لن يغير احتجازنا شيئا ولكن لو تركتمونا بدون ان تؤذونا اعدك بان نبذل قصارى جهدنا لايصال وجهة نظرك الى حكومتك
لم يحرك احد من الموجودين ساكنا.. كان الجميع ينظر الى غايفنغ وكانه قائد يتبعونه.. ولم تصدق مينا ان هذا يحدث حقا.. نظرت حولها بحثا عن الدليل فاذا هو غير موجود كانت بينى تتمسك بذراع ستافرو شاحبة الوجه وكان العروسان متعانقين .. وسالى وكولين ملتصقتين بزوجيهما.. اما هى فلم تجد من تلجا اليه.
سخر الفدائى منه:- طبعا.. وبعد ذلك يرموننا فى السجن مع رفاقنا. لا.. يا صديقى .. نحن بحاجة ماسة اليكم، ولا نستطيع اطلاق سراحكم فبدونكم لن تطلق حكومتنا سراح رفاقنا بل ستعدمهم.. تعالوا.. امامنا اربع ساعات من المسير. وسيدرك فندقكم فى هذا الوقت انكم ضائعون ولكنهم لن يجدوكم. لان قلة من الناس يعرفون ممرات الغابة كما يعرفها كاستر هذا
اشار بفوهة بندقيته الى رجل محلى كان يشرف عليهم من فوق حاملا رشاشا.. شاهدت مينا كولين من طرف عينيها تترنح ناحية نويل ووجهها كورقة بيضاء، وتاوهت بصوت منخفض مذعور: – يا الله ساعدنا ! نويل .. ماذا سنفعل؟
اطلقت كلماتها موجة ذعر بين الجميع وشعرت مينا بانها ترتجف اما غايف فظل هادئا.قال القائد امرا: تعالوا.. حان وقت الذهاب. صاح ارنولد وايت بصوت متوتر:- لن تنجو بفعلتكم هذه! الحكومة الانكليزية… سخر رجل العصابات منه: – انها بعيدة الاف الاميال يا صديقى.. والزمن الذى كانت فيه البلدان مستعدة للمخاطرة فى مواجهة عسكرية لاجل رعاياها قد ولى منذ زمن بعيد.. لن تفعل حكومتك لك شيئا.. انفجر ستافرو صائحا:- ولن تفعل حكومتكم من اجلكم شيئا كذلك!
كان على بشرته طفرة حمراء غير صحية، وشاهدت مينا زوجته تمد يدها اليه بقلق.. تتمتم برعب : – انه ضغط الدم.. رباه ! ماذا سيحدث لنا ؟
قال غايف لرجل العصابات:- لا تتوقع منا السير بسرعة رجالك..ان كنت تريدنا رهائن فعليك المحافظة على حياتنا. فلن تسلمك حكومتك رفاقك مقابل اجساد لا حياة فيها .. وان اردتنا احياء فاسمح..
عبس رجل العصابات يفكر فى ما يقوله غايف، ثم استدار ليقول شيئا لرفاقه بلغته ولكن رفاقه هزوا اكتافهم بلا اكتراث ثم اكفهرت وجوههم ..
قال لغايف: لن نستطيع تحمل مخاطرة اضاعة الوقت.
رد غايفنغ بهدوء: – ولا نستطيع كذلك المخاطرة بارواحنا .. ما رايك لو اخذت رهينة واحدة، واطلقت سراح الباقين. خاصة اذا ضمنا لك نشر قصتكم فى الصحف البريطانية. فبهذه الطريقة ستنال قضيتكم دعاية كبيرة، لا اظن ان حكومتكم قد تذيع خبرا مفاده ان الناس غير امنين فى سانت ستيفان. حبست مينا انفاسها فيما كان قائد العصابة يتشاور مع رفاقه.. هل سيقبل اقتراح غايفنغ ؟ لاشك لديها ان غايفنغ سيتطوع للبقاء رهينه. وتسالت عما اذا كانت قد اخطات فى تقديره على اى حال ..
كانت الشمس تهبط بسرعة نحو الافق وكان الخوف يجتاحهم بانتظار قرار رجال العصابات. استدار القائد الى غايفنغ يقول بخشونة:- انت .. اتعدنا بان ننال الدعاية المطلوبة؟
هز غايفنغ راسه ايجابا، ثم تمتم لمينا من بين اسنانه: – من قال ان القلم امضى حدا من السيف كان يعرف حقيقة الحياة.
ثم التفت الى ستافرو: – سيبلغ السيد هولاند القنصل البريطانى بما حدث كما سيبلغه باتفاقنا الذى يضع حرية اصدقائى مقابل نشر قضيتكم.
– لن ترغب حكومتنا فى معاداة بريطانيا . لذا ستعمد الى اطلاق سراح رفاقنا حالما تعلم بامر الرهينة البريطانية. لكن مينا لم تكن واثقة من هذا. فقد نشرت الصحف البريطانية مؤخرا مقالات عن اشخاص احتجزوا عدة اشهر بدون ان تفعل الحكومة شيئا للتفاوض من اجل حريتهم..
قال قائد العصابة: حسن جدا اذن .. رفاقك احرار.
صاح يامر احد رجاله فتقدم الى الامام واشار اليهم ان يتبعوه. كانت مينا الاخيرة ولكنها لم تقاوم القاء نظرة اخيرة على غايفنغ.. الواقف وظهره اليهم. فيم يفكر؟ اهو خائف ؟ لاشك فى ذلك.
– انتظرى! اوقفها الامر القاطع الحاد الصادر من قائد المجموعة الذى تقدم الى الامام وامسك ذراعها.. كانت تسير بمفردها فى مؤخرة الصف الطويل، وارتجفت تحت نظرة عينيه الباردة التى كانت تعريها من ملابسها. استدار الى غايفنغ يقول متجهما:
– ستبقى.. لان وجودها سيحول دون تفكيرك فى الهرب.. فعليك سيماء هذا النوع من الرجال يا صديقى. اما الان فستبقى معنا لان امراتك اسيرة ايضا فان حاولت الهرب قتلناها،تناهى الى مسمعى مينا احتجاج بينى قبل ان يسكتها ستافرو، ولكنهما لم يدركا نظرة العجز فى عينيها وهى تنظر الى ظهر غايفنغ المتصلب.
مر دهر قبل ان يستدير اليها وعيناه خاليتان من اقل تعبير ولكن القائد سارع يقول له :- لاتجادل والا احتجزت الجميع.
ارادت مينا الاحتجاج بالقول:انت مخطئ، فلست امراته.. ولكن الكلمات علقت فى خناقها، ولم تجرؤ على النظر الى الاخرين المجرجرين اذيالهم بعيدا.
قال القائد لغايفنغ امرا:- تعال.. حان وقت ذهابنا.. انت على حق. كان سيعيق الاخرون تقدمنا وان حاولت تاخيرنا بتعمد البقاء فى المؤخرة وهبت امراتك الى رجالى فقد مضت اسابيع منذ ان راوا فيها امراة. مخيمنا معزول وحياتنا فيه قاسية بالنسبة لامراة كامراتك.
تجمد الدم فى عروق مينا لدى سماعها تهديده، وتحولت الى قطعة ثلج باردة، ورفضت النظر الى غايفنغ لماذا لم يقل له الحقيقة ؟ لماذا لم يقل انهما مجرد غريبين؟
عرفت الرد بعد عدة لحظات .. حين همس لها بصوت منخفض بحجة مساعدتها فى منحدر قوى: -اعرف فى ما تفكرين.. ولكن الوقت غير مناسب لابداء المشاعر لو قلت لهم الحقيقة لعرضتك الى اغتصاب جماعى.. فلن يلمسوك ما داموا يعتقدونك امراتى. اذ يتوقعون منى الالتزام بتعليماتهم من اجلك .. ساقتلهم بيدى ولن يرغب احد منهم ان يكون الشخص الذى ساقتله بيدى قبل ان يقطعونى نصفين بهذه اللعب الروسية التى يحملونها!
=======================================
3- كهف الرغبات
هبط الظلام بسرعة فتدثرت الغابة بستار اسود كثيف بعث التوتر الى مينا. ولكنه فى الوقت نفسه اخفى منظر الرجال الذين يحرسونهما وبنادقهم التى لا تتحرك قيد انملة عن وجهتها المهددة.
مع هبوط الليل جاء المطر الذى لم يكن شبيها بمطر بلادها بل كان ستارة حقيقية متماسكة من المياه بدا بدون سابق انذار ولكنه توقف بعد ربع ساعة ، ملصفا ثيابهم الى اجسادهم، جاعلا الممر الترابى تحت اقدامهم موحلا .
نسيت مينا عدد المرات التى تعثرت فيها. بل فقدت منذ وقت طويل تقدير الوقت. فى البداية حاولت المحافظة على روحها المعنوية مرتفعة بالقول لنفسها ، سرعان ما يصل رفاقهما الى الفندق، فيذاع الخبر وينطلق الانذار وتتم نجدتهم.. ولكنها عرفت انها تعيش فى وهم. فستمر اربع ساعات على الاقل قبل ان يصل الاخرون الى الفندق وفى مثل هذا الوقت قد ينقلهما رجال العصابات الى مكان لا يعرفه الا الله.
بدت الغابة وكانها تطبق عليها فتوترت اعصابها، حتى اصبحت على استعداد للصراخ والهرب، بدون اكتراث بما قد يحدث. احس غايفنغ كم كانت قريبة من فقدان السيطرة على اعصابها.. فسارع الى الامساك بذرعها .. كانت قبل ساعة سترفض بمرارة هذه اللمسة اما الان فشعرت بامتنان عاجزة وذكرتها لمسته بانها ليست بمفردها .
– هيا.. اسرعا !
كانت فوهة البندقية باردة على بشرتها، فارتجفت. وكادت تفقد توازنها. عندما حاولت الاسراع حث غايفنغ خطواته واشتدت اصابعة على ذراعها بقوة.. تذكرت انه كان يسترد عافيته من حادثة ما، وان ستافرو قال لها انه يعرج قليلا..كانت سرعة الرجال متعبة واحست مينا بالم فى جميع انحاء جسدها وضاقت انفاسها. اما غايفنغ فبدا غير متاثر.
تعثرت مجددا حين اصبح الطريق صعودا، وكادت تنكب على وجهها، رغم محاولة غايفنغ انقاذها تناهت اليها ضحكات اسريها المزعجة.. وبدات دموع الضعف تتجمع فى ماقيها .
– انهضى. كان هذا صوت غايفنغ القاسى الذى لا يلين.. فاحتجت: – لا استطيع الاستمرار.
رد متجهما: بل تستطيعين وعليك السير الا اذا اردت البقاء هنا لتموتى. فهؤلاء الرجال لا يلعبون، او يتسامحون، انهضى.. ان كانت حياتك غير ثمينة عندك فحياتى عندى ثمينة جدا.
تحدث بهدوء وجدت مينا معه صعوبة فى ان تسمعه.. كان يخنق صوته لمنع الكلمات من الوصول الى مسامع غيرها .ز احتجت بمرارة: – لا باس بهذا بالنسبة اليك .. اظنك معتادا عليه . فانت ..
انقطعت انفاسها بوحشية بعدما اوقفها على قدميها وشدها اليه بقسوة، يكاد يحرمها من التنفس .. سمعت مرة اخرى الرجال يضحكون انما بطريقة مختلفة. مضت لحظات قبل ان يتركها مما لم يكن عناقا بل عقابا خشنا.. تالمجسدها من ضغط ذراعيه. وقال بغضب قبل ان يبتعد عنها مباشرة:
– ايتها الحمقاء الصغيرة ! انهيار اخر كهذا، ونموت افهمت؟
فهمت ما قاله متاخرة وعندما كانت تتابع سيرها على ساقين مرتجفتين تساءلت عما كان سيحدث لو سمع احد الخاطفين ما اوشكت على التفوه به، فالمعلومات عن علاقة غايفنغ بالجيش البريطانى ستثير ردة فعل كبيرة .
اجبرت نفسها على السير دامعة العينين تشعر بكره شديد لا تعرف ان كان موجها الى غايفنغ كلينتيس ام الى الخاطفين ساروا مسافة طويلة فى الطريق الضيق الملتوى ، الذى احست مينا انه يدور حول الجبل وكانت مينا تشعر بالعذاب كلما سارت خطوة لم يكن هناك مجال للافكار او للخوف بل الحاجة الجسدية الضرورية للاستمرار فى التقدم .
اصبح انهمار المطر المفاجئ امرا عاديا. وبات التصاق ثيابها بجسمها امرا طبيعيا والسير ولكن عندما توغلوا بين اعشاب كثيفة كانت تخفى الطريق ، احست بانها دخلت فى كابوس مرعب يشبه ذاك الذى كانت تراه فى منامها وهى طفلة .
لامست حزمة من اوراق الشجر المتدلية بشرتها، فشعرت بالالم ولكن عقلها كان متعبا ومشغولا بعملية السير البسيطة مرت لحظات اخرى، طارت خلالها احدى الفراشات الضخمة المنتشرة فى الغابة ، فرفعت ذراعها لتبعدها، ولكنها لم تلبث ان تشنجت وظهر عليها رعب شديد بدائى جعل غايفنغ الذى كان يسير خلفها مباشرة يصطدم بها.
قال لها( ما بك؟) ثم اسرع يحيط معصمها باصابعه بحثا عن العلقة الطفيلية التى علقت بجسمها الطرى.. سرعان ما كبحت صيحتها.. واغمضت عينيها برد فعل طفولى لتمنع نفسها من رؤية الجسد اللزج .
– تحركا! ولكن غايفنغ تجاهل هذه المرة الامر الفظ واضطر القائد الى التراجع ليرى سبب وقوفهما. وقال معلقا حين راى ما حدث:- لحمك طرى يعجبها اكثر من لحمنا الخشن.. خذ! رمى علبة ثقاب الى غايفنغ وسال ساخرا:- اتعرف ماذا تفعل؟ – اعتقد هذا .
اشعل غايفنغ بهدوء عود ثقاب ثم قربه من جسم العلقة ..راقبت مينا برعب شديد انكماش مصاصة الدماء، ووقوعها ارضا ثم ما لبث جسمها ان ارتجف ارتجافه شديدة بات غير قادر على الوقوف بسبب ردات فعل غريبة اجتاحتها.- هيا .. تقدمى!
ذكرتها فوهة البندقية بما حولها.. فاطاعت طاعة عمياء وبدات تتحرك. لاشك انهم قطعوا اميالا . كم الساعة الان ؟ لم يكن معها ساعة، ووجدت صعوبة فى معرفة المدة التى مرت منذاحتجازهما.
كانت الرطوبة تخف كلما ارتفعوا وكانت كثافة الاشجار تخف ايضا ولكنها مازالت كثيفة بما فيه الكفاية لتكون ستارة سميكة تغطى السطح الشديد الانحدار الذى يتسلقونه . تذكرت مينا انها قرات فى الكتيب السياحى ان قمم الجبال مغطاة بالاشجار والنباتات المورقة..
اخيرا امر القائد بالتوقف مع ان مينا لم تر فى ما حولهم ما هو مميز ليستدعى الوقوف ثم اشار نحو كتلة منحرفة من الصخر الاسود اللماع:- من هنا .. بسرعة !
ما ان اقتربوا حتى ادركت مينا ان ما ظنته ممرا صخريا ضيقا فى وجه صخور بركانية، لم يكن سوى مدخل الى شق عميق. وقال القائد متفاخرا: – اكتشفت هذا المكان فى صباى . واشك فى ان احدا فى سانت ستيفان يعرف شيئا عنه.
صدقته مينا فانكمشت برعب من الظلمة الجهنمية التى كانت تفغر فاها شرها. حثها غايفنغ هذه المرة على التقدم وكان وجهه متجهما متحفظا.. وكان افكاره فى مكان اخر . كان الشق ضيقا بحيث كادوا لا يستطيعون السير فيه فرادى.. مينا، التى طالما عانت من الخوف فى امكنه كهذه شعرت ببشرتها تقشعر رعبا لانها تذكرت عندما رات فى طفولتها كهف (انغلوايت) ولكنها ليست الان برفقة والدين متفهمين يسرعان الى اخراجها من هذا المكان لتنشق الهواء النقى. عضت على شفتها بقسوة لمنع نفسها من الاحتجاج فاحست بطعم الدم.
اخيرا.. وبعدما احست بانها غير قادرة على تحمل ثانية اخرى فى ذلك الممر الضيق انفرج الطريق امامهم فظهرت سلسلة من الكهوف.. الاولى كانت فارغة بحيث لم يجد رجال العصابات صعوبة فى سوق الاسيرين الى احد الكهوف.
كان النفق هذه المرة قصيرا، وانفتح على كهف كبير مضاء جيدا بمصابيح الغاز التى كانت ترسل ظلالا مخيفة على الصخر اللماع كان الاثاث من النوع المستخدم فى مخيمات العطلات.. كراسى من القماش قابلة للطوى وطاولة وفرن غاز الى جانبة جرة وعلى الجانب الاخر براد.. وكانما احس القائد بدهشتها فضحك قائلا :- حتى امثالنا يحتاجون الى الراحة المنزلية انما لا يخدعنك ما ترين فنحن قادرينعلى العيش فى الغابات اذا استدعى الامر.
ثم صاح لاحد رجاله من فوق كتفه : – كاستر.. اعد لنا الطعام بينما ارشد ضيفينا الى جناحهما.. ستجدان الراحة لاننى ساخصص لكما جناح شهر العسل. جعلت قهقهاته التى تبعت مزاحه مينا ترتجف كان الممر الذى ينزلونه عريضا وقصيرا انتهى بهم الى كهف مفروش بطريقة اوضحت انه تم التخطيط لاختطافهما مسبقا ففى الصخر باب خشبى ضخم له قفل ثقيل من الخارج.
قال القائد:- لن تستفيدا من الهرب حتى وان استطعتما الوصول الى الكهف الرئيسى لقد امرت رجالى باطلاق النار عليكما حالا انما لا ليقتلوكما بل ليصيبوكما بطريقة.. قاطعة غايفنغ باختصار:- تقعدنا مدى الحياة..
حملت الابتسامة الماكرة التى رافقت كلماته موجات جديدة من الغثيان الى نفس مينا .. وطافت عيناها فى الكهف، فلاحظت اكياس النوم على الارض، ثم الترتيبات الصحية البدائية واجبرت نفسها على عدم فضح مشاعرها امام الرجلين اللذين يراقبانها قال السجان ساخرا
– ستظلان بخير حتى يصلنا خبر اطلاق سراح رفاقنا ولكنكما ستظلان محتجزين فى هذه الغرفة طوال الوقت صاحت مينا:( ماذا سنفعل .. ماذا..)
– اه انا واثق انكما ستجدان طريقة لقطع الوقت! الخبث الذى رافق كلماته كاد يفقد مينا الوعى بموجة اشمئزاز جديدة. وقفت مشيحة بظهرها الى الباب حتى سمعته يقفله ثم لم يلبث ان تخرك غايفنغ بسرعة وراءها..
– ماذا سيصيبنا؟ كرهت نفسها لانها بطرح هذا السؤال تظهر عجزها.
– فى الوقت الحاضر.. لاشئ.. يؤسفنى تورطك بهذا الوضع .
– لم تكن غلطتك. لقد احسنت صنيعا لانك اقنعتهم بتحرير الاخرين! يجب ان نتكلم .. عم؟- عن طريقة ما للفرار.. فلا جدوى من الاعتماد عليهم فى اطلاق سراحنا.. لقد ولت الايام التى كانت الحكومات تستسلم فيها لتهديدات الجماعات المسلحة
– اتعنى .. اعنى ..ان الله يساعد من يساعد نفسه.. ولا سبيل الا الفرار للخلاص من الاسر. وكانه عرف مدى تاثير كلماته فيها، فتقدم منها يضع يديه على كتفيها لتواجهه
لا اقول ذلك لتخافى بل لتواجهى الواقع.. نحن رهينتان لدى جماعة مسلحة تعرف كما نعرف نحن ان حكومتهم لن تحرر رفاقهم.. وتعرف ان موت سائحين بريئين سيمنحهم تغطية اعلامية كبيرة.
– لكنك وعدتهم بهذا
يريدون احداث صدمة .. تعرفين مثل هذا السيناريو؟ فما هم بالجماعة الاولى التى تحاول شيئا كهذا، ولن تكون الاخيرة.
– لا.. وقع انقلاب فى افريقيا الشهر الماضى لقد قرات عنه مقالات فى الصحف وللحد من الانقلاب تدخلت فرقة الانقاذ الخاصة التابعة للجيش البريطانى..
رد بفظاظة: لقد قام بعملية الانقاذ اربعة وعشرون جنديا وقد استطاعوا انقاذ الرجلين ولكن لم يخرج حيا الا ثمانية عشر رجلا من اصل ستة وعشرين. قطبت مينا: لم اقرا شيئا عن هذا. كان وجه غايفنغ رماديا تقريبا تحت ضوء المصباح وكانت تخططه المرارة والسخرية المؤلمة التى اصبحت مالوفة لديها ..
قال متجهما: ولن تقرئى لاننا لا ننشر شيئا عن فشلنا.. فاخبار كتلك تحبط المعنويات. نحن! خفق قلبها ، ثم توقف لحظات وعيناها تعكسان عدم تصديقها .
– هذا صحيح كل الصحة .. فانا لا اهذى لاننى كنت مشاركا بل كنت احد المسؤولين عن خسارة ثمانى ارواح .. اه ! فى الواقع ، لم تكن غلطتى ، فلم نكن نعلم بامر القنبلة ولكنهم كانوا رجالى وقد قدتهم الى حتفهم .
احست بالشفقة المرة وجف فمها وهى تلتقط توتره: وحادثتك . تريدين رؤية ما تحدثه قنبلة فى جسم بشرى اليس كذلك ؟ مد يده يفك ازرار قميصه وينتزعه بحركة عنيفة : انظرى جيدا .. اذن !
تمكنت بطريقة ما من عدم فضح صدمتها التى شعرت بها من جراء رؤية الندبات الحية على بشرته المشدودة القاسية السمراء.. ابتلعت ريقها: الهذا ترتدى القميص دائما؟ لم تستطع منع عينيها من الانزلاق الى الاسفل وقرا ما تفكر فيه فقال بعذوبة: اتريدين رؤية المزيد؟
– توقف عن هذا! توقف عن تعذيب نفسك!
– نفسى ؟ ظننتنى اعذبك انت ام انك لن تعترفى بان منظر جسدى الممزق يصيبك بالغثيان؟ قد لا يؤثر منظره فى جميع النساء لان لدى بعض النسوة مرضا نفسيا يجعلهن يستمتعن بالنظر الى مشاهد كهذه.
ابتسم بمرارة، ثم اردف:- حين غادرت افريقيا، قلت لنفسى ان ما من طريقة قد تعيدنى الى الغابات ثانية.. ويبدو ان الاقدار تضحك على الان.
تذكرت مينا توتره الذى بدا قبل قليل فانقبض قلبها اشفاقا جعلتها الاصوات خارج الباب تجفل ، وتنظر اليه بقلق وما هى الا لحظة ختى كانت بين ذراعيه. كانت حرارة جسمة القوية تضغط على جسمها وكانت يداه تتسللان الى ما تحت القميص القطنى تضمها اليه.
اخرس احتجاجها بضغط وجهها الى صدره . بدت عيناه قاسيتين عندما انفتح الباب وجعلتها طريقته فى التحرك تفقد الاتزان وتضطر الى التعلق بكتفيه، لمنع نفسها من الوقوع.
من يراهما على هذه الحال يظنهما غائبين عن كل شئ. والغريب ان احاسيسها لانت تحت تاثير رجولته. عندما كان يعانقها كارسون كانت تتقبل عناقة بكبت مناسب، ولكنه لم يكن يضمها اليه بهذه الطريقة التى تجعلها تحس به بقوة لقد توقف الزمان وطغت عليها موجه من العاطفة جعلتها تدرك انها اخيرا وجدت الرجل القادر على تحريك احاسيسها، وعلى بعث الحياة الرنانة الى كيانها.كان ما اكتشفته للتو مذهلا ولكن العناق لم يدم الا فترة قصيرة.
بعد ذهاب الحارس، اردف يشرح لها خطته:- نريد ابقاءهم غير خائفين مما نقدم عليه وعندها سنتمكن من الهرب. همست، تدير راسها عن اليخنة التى وضعها الرجل على الارض:- لن نستطيع الهرب.
– يجب ان نهرب ..اما هذا او الموت.. ماذا لديك هنا ؟ واشار الى الحقيبة التى وضعتها على الارض.
– ليس فيها الا بضعة اشياء حملتها معى على الطائرة.. وللاسف هى خالية من رشاش.. لم يولد مزاحها الهش ردا وانحنى يلتقطها، ولكنها اسرعت تاخذها منه وقالت:- كنزة فضفاضة ورزمة من المناديل الورقية التى نصحتنى بها موظفة تعمل معى. وهذه الاغراض باتت بدون شك رطبة. كان فى الحقيبة بضع ادوات تجميل ومنشفة صغيرة وعلبتا بسكويت وقليل من المال تغيرت تعابير وجهه وظهر عليها شئ من الاثارة المرحة ثم تمتم:
– فلنحاول النوم قليلا.. فقد يكون يوم غد يوما طويلا كايام الجحيم.
بعد الراحة المبدئية فى قعر كيس النوم السميك بدات ارض الكهف تقسو الى يسارها استطاعت سماع انفاس غايفنغ الرتيبة ففكرت انة لن يجد صعوبة فى ايجاد وسيلة ما للهرب. اخيرا تغلب عليها الارهاق وطغى على ما ولده الخوف فى جهازها العصبى.
وغطت فى النوم ولكنها لم تجد الخلاص حتى فى منامها فقد سيطر عليها كابوس تلو كابوس فتقلبت فى كيسها الضيق باضطراب وخوف. فى احد الكوابيس رات انهما يسيران فى الغابة وشعرت بالخوف السديد من العلقة التى التصقت بذراعها. فصرخت ولكن صرختها اختنقت تحت ثقل شئ يضغط عليها.. كرت السنوات وعادت بها الى الطفولة حيث كانت تلجا الى مصباح صغير قرب فراشها لطرد شبح الخوف الذى تولده الظلمة . فجاة استيقظت من حلم مرعب واسم والدها على شفتيها، ولكنها شعرت بالحماية بين ذراعيه.
استيقظت مينا فوجدت الظلام حولها ولكنها كانت تشعر بالدفء والهدوء.. فى البداية تعجبت من وجود شخص ثقيل مستلق الى جانبها يشدها اليه .. فكرت بغباء انه كارسون.. ولكن متى كان يعانقها كارسون هكذا؟ بل متى احست بمثل هذه الرغبة فى السعى الى احضانه لتحتمى به بشدة؟
اجفلت الذراع التى تحيط بها، وارتفع الراس الاسود فبد واضحا فى العتمة عندما قال لها صاحبه:- اسف .. لكنك لجات الى الرجل غير المناسب .. اترتكبين دائما مثل هذه الاخطاء؟
غايفنغ كلينتيس! عضت على شفتها ، تغمض عينيها بعجز واحباط .. ثم قالت بغباء:
– ظننتك خطيبى. ولكنها لم ترى القسوة التى ارتفعت الى عينيه امام منظر صدرها وهو يعلو ويهبط بحركات قلقة .. قال ساخرا : يؤسفنى ان اخيب املك ولكننى لااريد ان اكون بديلا عنه.
سحب ذراعه عنها فشعرت فجاة بالحرمان . اردف : كنت قلقة فى غضون الليل وقد صرخت فى منامك ولكن لم يكن من تنادينه كارسون. الى ماذا يلمح؟ ايقول انها صرخت باتسم رجل اخر؟ .. حبيب اخر؟ كيف له هذا؟
– لا اظننى الرجل الاول الذى يسمعك تصيحين باسم ابيك (دادى) بهذا الصوت المستوحد الرقيق. فجاة غير الموضوع قبل ان يفسح لها مجالا للرد.
– يؤسفنى الا يكون فى حقيبتك شفرة حلاقة. تركها تغيير دفة الحديث غاضبة لكن غير قادرة على الدفاع عن نفسها نظر بسرعة الى ساعته:
– السابعة.. اتساءل عما اذا كانوا ينوون اطعامنا هذا الصباح.. اوه .. لن يتركونا نموت جوعا لان موتنا لن يفيدهم. لابد انهم تكبدوا مشقة فى تجهيز هذا المكان .. واتساءل متى سيحتاجون الى المؤن.. لا يمكنهم تخزين اطعمة كثيرة هنا خاصة وانهم مضطرون لحمل كل شئ بايديهم. يجب ان ناخذهم على حين غرة ونراقب روتين حركاتهم.
كانت على وشك ارتداء القميص الفضفاض حين انتزعه منها وقال امرا:( لا.. لاترتديه ..) فضحت تعابير وجهها ما تفكر فيه، فضحك:
– لا تقلقى .. لن اعتدى عليك.
سمعت اصواتا خارج الباب، ثم طقطقة القفل.. تجاهل النظرة الوجلة التى اطلقتها نحو غايفنغ، وعندما دخل الرجل حاملا صينية طعام وراها ومضت عيناه برغبة متاججة جعلت دمها يجرى باردا فى عروقها. توسلت عيناها الى غايفنغ ان يحميها، ذلك انها تذكرت التحذير الذى اطلقه القائد حين احتجزهما.
لم يخيب غايفنغ املها بل وقف بينها وبين نظرة الرجل. يحميها من الرغبة الحارقة فى عينيه.. كانت ذراعاه حاميتين وهما تطبقان عليها وفى هذه المرة لم تتراجع او تحتج مع انها لم تكن مستعدة لدفء اصابعه السمراء التى تسللت الى ما وراء عنقها، او لردة فعل جسمها
صاح غايفنغ بعدما اقفل الرجل الباب برضى كامل :- عظيم.. سيعزز ما راه ايمانهم باننا حبيبان كما سيذكر اصدقاءنا بما هم محرومون منه. – ماذا تعنى؟ من حسن حظها انه لم يقل لها ما يعنيه ساعتئذ.
مر اليوم الذى قضيا جزءا منه فى الكهف، والجزء الاخر فى الكهف الرئيسى مع حراسهما الذين قامروا باموال صغيرة، ودخنوا السكائر وشربوا المرطبات، وهم يستمعون الى الراديو الذى حملوه معهم متوقعين سماع شئ عن الاختطاف .
حين مر على سجنهما ثلاثة ايام بدات مينا تفقد الامل بالتحرر. ولان غايفنغ لم يعد الى ذكر الهرب، استنتجت بانه غير رايه بعد دراسة المخاطر التى قد تواجههما. لكن كان عليها ان تكون اكثر ذكاء.
فى الليلة الرابعة وفيما هى على وشك التسلل الى كيس النوم قال لها فجاة:- لا تنامى الان اريد التحدث اليك.
*****************************************************
نهاية الفصل الثالث