خطبة عن الصداقة

ملخص الخطبة
1- الانسان اجتماعى بفطرته.
2- تاثر المرء بصديقه.
3- الوصيه بحسن اختيار الصديق.
4- صفات الصديق.
5- تحذير النبى من صديق السوء.
6- عاقبه الصداقه و ادابها.
الخطبة الاولى
اما بعد: ان من الامور الجبليه الفطريه التي فطر الله تعالى الانسان عليها فهذه الحياة: الصديق،
فلا بد للمرء فهذه الحياة من جلساء و اصحاب،
يتحدث معهم،
ويتحدثون معه،
يبث اليهم همومة و يشكو اليهم احزانة و يستشيرهم فيما يلم فيه من ملمات و امور.

فالمصاحبه مما حث الاسلام عليه،
ورغب فالسعى اليه،
والصداقه تدعيم للعلاقات الاجتماعية،
وتقويه للمودات،
وشد لاواصر الصلات.

الصديق عباد الله من ضرورات الحياة،
وطبائع البشر،
ومن ظن انه ممكن ان يستغنى عن صديق فهذه الحياة فمغرور،
عن ابي هريره رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((الرجل على دين خليلة فلينظر احدكم من يخالل)) رواة ابو داود و الترمذى و صححه.

ايها المسلمون،
والمرء فهذه الحياة على مشرب صديقة و جليسه،
ولا يشك عاقل من الناس فاهمية الصداقه و المؤاخاه فحياة المسلم و اثرها على سلوكة و اخلاقه،
فالارواح جنود مجنده ما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف.

ايها الاحبة،
ومن احلى ما قيل فتعريف الصديق ما قالة بعضهم: الصديق انسان هو انت الا انه غيرك.
ومثل ذلك القول ربما روى عن ابي بكر الصديق رضى الله عنه حين اقطع طلحه بن عبيد الله ارضا و كتب له فيها كتابا و اشهد به ناسا منهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه و عن الصحابه اجمعين،
فاتي طلحه بكتابة الى عمر ليختمة له،
فامتنع عمر،
فرجع طلحه الى ابي بكر مغضبا و قال: و الله ما ادرى اانت الخليفه ام عمر ؟

فقال ابو بكر: بل عمر لكنة انا.

عباد الله،
وقد جاءت و صايا السلف الصالح فالحث على اختيار الاصدقاء و انتقاء الاصحاب و الاخلاء،
ومن هذا قول احدهم: “اصحب من اذا صحبتة زانك،
واذا خدمتة صانك،
واذا اصابتك فاقه جاد لك بماله،
واذا راي منك حسنه عدها،
وان راي سيئه كتمها و سترها،
لا تخاف بوائقه،
ولا تختلف طرائقه”.

وصاحب اذا صاحبت حرا مبرزا           يزين و يزرى بالفتي قرناؤه

وقال لقمان لابنة و هو يعظه: “يا بنى اياك و صاحب السوء،
فانة كالسيف المسلول،
يعجبك منظره،
ويقبح اثره،
يا بنى ثلاثه لا يعرفون الا فثلاثه مواطن: لا يعرف الحليم الا عند الغضب،
ولا الشجاع الا عند الحرب،
ولا الاخ الا عند الحاجة”.
وقيل لخالد بن صفوان: اي اخوانك احب اليك؟
قال: “الذى يغفر زللي،
ويقبل عللي،
ويسد خللي”.
وقال على بن ابي طالب رضى الله عنه: “اصحب من ينسي معروفة عندك،
ويذكر حقوقك عليه”.

ايها المسلمون،
لقد اصبحت الصداقه الحقه من غرائب الدنيا و عجائب الزمان و هذا لما بعد الناس عن المنهج الصحيح للروابط و العلاقات فيما بينهم،
فاصبح اجتماعهم الا من رحم الله من اجل الدنيا،
يجتمعون عليها،
ويتفرقون من اجلها،
حتي انه ليصدق فيهم قول القائل:

ما فزمانك ما يعز و جوده               ان رمتة الا صديق مخلص

والمسلم العاقل عباد الله يدرك ان الحصول على الصديق الوفي و الخليل الحميم من اصعب الحاجات ان لم يكن من المستحيلات،
و لذا ينظر بعين البصيره الى اعمال و اخلاق من يريد صداقته،
فمن رضى اعمالة و اخلاقة صادقه،
ومن سخط اعمالة و اخلاقة ابتعد عنه.
قال الاوزاعى رحمة الله: “الصاحب للصاحب كالرقعه للثوب،
ان لم يكن مثلة شانه”.

ايها المسلمون،
ولما للصداقه من اهمية فحياة المسلم و تاثير على سلوكة فقد ذكر اهل العلم صفات،
يجب على المسلم ان يختار صديقة و جليسة على و فقها: اولها: ان يصبح ذا دين و استقامة،
فان ذا الدين يقف فيه دينة على الخيرات،
ويجنبة المحرمات،
مما يعود على صاحبة بالخير،
وتارك الدين عدو لنفسة فكيف ترجي منه موده غيره.
قال احد السلف: “اصطف من الاخوان ذا الدين و الحسب و الراى و الادب،
فانة ردء لك عند حاجتك،
ويد عند نائبتك،
وانس عند و حشتك،
وزين عند عافيتك”.

فالاسلام معاشر الاخوه شرط ضروري للجليس الصالح و الصديق الناصح،
ولن يصبح صديقا ناصحا من يصبح على غير دينك،
ولن يصبح خليلا و فيا من يخالفك فالاعتقاد،
وكل صداقه تبني على غير الاسلام فان ضررها متيقن منه قل او كثر،
وستنقلب هذي الصداقه الى عداوه يوم تتبين الحقائق،
وتزول الغشاوه عن العيون و البصائر ٱلاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا ٱلمتقين [الزخرف:67].
الا فليحذر من يصادقون بعض اهل البدع من الفرق الباطنيه و غيرهم و يثقون بهم،
وليحذر كذلك من يصادق بعض النصاري ممن ابتلى بالعمل فالشركات فان جميع هؤلاء لا يؤمن جانبهم.

يعطيك من طرف اللسان حلاوه و يروغ منك كما يروغ الثعلب

الصفه الثانية: ان يصبح عاقلا،
فان العقل راس المال،
والصديق الاحمق يفسد اكثر مما يصلح،
ويضر اكثر مما ينفع،
لذا كان لا بد ان يصبح الصديق صاحب عقل موفور،
وسلوك محمود،
ومن الجهل صحبه ذوى الجهل و الحماقه ممن لا تدوم صداقتهم،
ولا تثبت مودتهم،
وقديما قيل:

احذر موده ما ذق                   مزج المراره بالحلاوة

يحصى الذنوب عليك                   ايام الصداقه للعداوة

الصفه الثالثة: ان يصبح محمود الاخلاق،
مرضى الفعال،
مؤثرا للخير،
امرا به،
كارها للشر ناهيا عنه.

الصفه الرابعة: ان لا يصبح فاسقا،
فان الفاسق لا فوائد فصحبته،
لان من لا يخاف الله لا تؤمن غائلته،
ولا يوثق بصدقة بل يتغير بتغير الاغراض،
ويتقلب بتقلب الزمان.
قال احد الفضلاء:

مجالسه السفية سفاة راي       و من عقل مجالسه الحكيم

فانك و القرين معا سواء       كما ربما الاديم من الاديم

قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: (عليك باخوان الصدق تعش فاكنافهم فانهم زين فالرخاء،
وعده فالبلاء،
ولا تصحب الفاجر فتتعلم من فجورة و لا تطلعة على سرك،
واستشر فامرك الذين يخشون الله تعالى).

ايها المسلمون،
لقد حذر المصطفى صلى الله عليه و سلم من مجالسه الاشرار و مصاحبه الانذال،
وحث على اختيار الصديق الصالح و الجليس المؤمن لما له من نفع فالدنيا و الاخرة،
فعن ابي موسي الاشعري رضى الله عنه،
ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((انما كالجليس الصالح و الجليس السوء كحامل المسك و نافخ الكير،
فحامل المسك اما ان يحذيك،
واما ان تبتاع منه،
واما ان تجد منه ريحا طيبة،
ونافخ الكير اما ان يحرق ثيابك،
واما ان تجد منه ريحا خبيثة)) رواة البخارى و مسلم.

عباد الله،
واذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ربما ضرب للجليس الصالح مثلا بحامل المسك فانه اعظم من هذا و انفع،
فهو اما ان يعلمك ما ينفعك فدينك و دنياك،
او يهدى لك نصيحة،
او يحذرك من معصية،
او يحثك على طاعة،
او يدعوك الى مكارم الاخلاق و محاسن العادات،
بقوله و فعله،
واقل ما تستفيدة منه ان تنكف بسببة عن السيئات و المعاصى رعايه لحق الصحبة،
ومنافسه فالخير،
وترفعا عن الشر،
وهذه فوائد عظيمه لا توزن بشيء،
وقديما قيل: ما شيء اسرع ففساد الرجل و صلاحة من صاحبه.

قال عدى بن زيد رحمة الله:

عن المرء لا تسال و سل عن قرينه      فكل قرين بالمقارن يقتدي

وصاحب اولى التقوي تنل من تقاهم       و لا تصحب الاردي فتردي مع الردي

وفى الحديث انه صلى الله عليه و سلم قال: ((لا تصاحب الا مؤمنا و لا ياكل طعامك الا تقي)) رواة ابوداود و الترمذي.

عباد الله،
اخوان الصدق هم خير مكاسب الدنيا،
زينه فالرخاء،
وعده فالشدة،
ومعونه على خير المعاش و المعاد،
هم كما قيل: ان جالستهم نفعوا،
وان شاورتهم نصحوا،
وهكذا تكون مصاحبه الاخيار اهل العلم و الفضل و التقي و الصلاح.

والصديق الفاسد و الجليس السوء مما حذر الله تعالى منه و رسولة و ربما ضرب له النبى صلى الله عليه و سلم مثلا بنافخ الكير،
لانة يؤذى جليسة على جميع حال،
فهو كالحداد الذي ينفخ فكيرة و يضرب على محمي حديده،
اذا لم يطر شيء من شرار ناره،
وطائش قذائفة الملتهبه على ثيابك و جدت من حديدة و نارة و جميع ما يحيط فيه ريحا منتنه مؤذية،
وهكذا من يصاحب الاشرار و اهل السوء و الفحش و المعاصى عياذا بالله،
فهو اما ان ينساق معهم الى مواقع الاثم و مواطن الريب فتمسة نار المعصيه فالدنيا و يصلي نار جهنم فالاخرى،
واما ان ينالة خبيث رائحتهم و اقتباس سيرتهم فيجد ما يؤذية من قول و عمل قال الله تعالى: و من يكن ٱلشيطٰن له قرينا فساء قرينا [النساء:38].

لا تصحب الكسلان فحاجاته            كم صالح بفساد احدث يفسد

عدوي البليد الى الجليد سريعة           و الجمر يوضع فالرماد فيخمد

عباد الله،
ان مصاحبه الاشرار سم ناقع،
وبلاء و اقع،
فكم هلك بسببهم اقوام،
وكم فسد بسببهم اقران،
كم من شاب و فتي صغير او كبير انحرف عن الطريق المستقيم،
وضل عن الهدى القويم،
وسلك سبيل الهوي و الشيطان الرجيم بسبب صديق السوء،
وجليس الضلاله الذي قادة الى الخراب و الهلاك،
واوقعة فالضلال و الفساد خطوه خطوة،
حتي ترك الصلاة،
واتبع الشهوات و فالمقابل كم من ضال تائة قادة الجليس الصالح الى مجالس الخير و حلقات الذكر فهداة الله على يدية و اصبح من عباد الله المتقين،
ينافس فالخير و يسابق فالعمل الصالح.

ولا ادل على شده تاثير الجليس على جليسة و الصديق على صديقة مما رواة البخارى و مسلم عن سعيد بن المسيب عن ابية قال: لما حضرت ابا طالب الوفاه جاءة رسول الله صلى الله عليه و سلم و عندة عبدالله بن اميه و ابو جهل بن هشام فقال له: يا عم!
قل لا الة الا الله كلمه احاج لك فيها عند الله.
فقالا له: اترغب عن مله عبدالمطلب،
فاعاد عليه النبى صلى الله عليه و سلم،
فكان احدث الامر ان قال: هو على مله عبدالمطلب.
فمات على الشرك و اصبح حطب جهنم بسبب جلساء السوء و دعاه الضلالة.

فلنحذر عباد الله من مجالسه اهل الزيغ و الفساد و لنتشبث بصداقه اهل الخير و الاستقامه قال الله تعالى: و ٱصبر نفسك مع ٱلذين يدعون ربهم بٱلغداه و ٱلعشي يريدون و جهة و لا تعد عيناك عنهم تريد زينه ٱلحيوٰه ٱلدنيا و لا تطع من اغفلنا قلبة عن ذكرنا و ٱتبع هواة و كان امرة فرطا [الكهف:28].

  • خطبة عن الصديق الصالح
  • كايكاتيرحول صداقة السوء
  • الصديق الصالح خطبة
  • الصديق الوفي خطبه


خطبة عن الصداقة