خطبة عيد الاضحى علي بن عبد الرحمن الحذيفي
ملخص الخطبة
1- لكل امة عيد. 2- عيدا المسلمين. 3- اعمال يوم النحر. 4- معاني العيد ومقاصده الجليلة. 5- اهمية التوحيد. 6- شهادة ان محمدا رسول الله. 7- شهود جمع المسلمين. 8- تقوية الرابطة الايمانية. 9- محاسن الاسلام. 10- فضل الاضحية. 11- الحث على المحافظة على اركان الاسلام العملية. 12- الحث على مكارم الاخلاق. 13- التحذير من الشرك. 14- التحذير من كبائر الذنوب. 15- افضل الايام. 16- احكام الاضحية. 17- موعظة للنساء. 18- التذكير بنعم الله تعالى. 19- حقيقة العيد. 20- سنة التكبير. 21- التذكير بالموت.
الخطبة الاولى
اما بعد، فاتقوا الله ايها المسلمون، اتقوه حق التقوى، والزموا عروة الاسلام الوثقى، فتقوى الله خير زادكم، وعدتكم ووسيلتكم الى ربكم.
عباد الله، ان لكل امة من الامم عيدا يعود عليهم في يوم معلوم، يتضمن عقيدتها واخلاقها وفلسفة حياتها، فمن الاعياد ما هو منبثق ونابع من الافكار البشرية البعيدة عن وحي الله تعالى، وهي اعياد العقائد غير الاسلامية، واما عيد الاضحى وعيد الفطر فقد شرعهما الله تعالى لامة الاسلام، قال الله تعالى: لكل امة جعلنا منسكا [الحج:34]، روى ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس قال: (منسكا اي: عيدا)[1] فيكون معنى الاية ان الله جعل لكل امة عيدا شرعيا او عيدا قدريا.
وعيد الاضحى وعيد الفطر يكونان بعد ركن من اركان الاسلام، فعيد الاضحى يكون بعد عبادة الحج، وعيد الفطر يكون بعد عبادة الصوم، عن انس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما قال: ((ما هذان اليومان؟)) قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال: ((قد ابدلكم الله خيرا منهما: يوم الاضحى ويوم الفطر)) رواه ابو داود والنسائي[2].
فعيد الاضحى جعله الله يوم العاشر من ذي الحجة بعد الوقوف بعرفة ركن الحج الاعظم، وشرع في هذا العيد اعمالا جليلة صالحة يتقرب بها المسلمون الى الله تعالى، وسماه الله يوم الحجر الاكبر؛ لان اكثر اعمال الحج تكون في يوم هذا العيد، والله عز وجل برحمته وحكمته وعلمه وقدرته شرع الاعمال الصالحة والقربات الجليلة، ودعا الناس كلهم الى فعلها قربة الى الله وزلفى عنده كما قال تعالى: سابقوا الىٰ مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض ٱلسماء وٱلارض اعدت للذين ءامنوا بٱلله ورسله ذلك فضل ٱلله يؤتيه من يشاء وٱلله ذو ٱلفضل ٱلعظيم [الحديد:21]، وقال تعالى: فاستبقوا الخيرات الىٰ الله مرجعكم جميعا [المائدة:48]، فاذا لم يمكن ان يعمل المسلم بعض الطاعات لاجل اختصاصها بمكان او بزمان شرع الله له طاعات من جنس ونوع تلك الطاعات المختصة بالمكان او الزمان، فيوم عرفة عيد لحجاج بيت الله الحرام، واجتماع لهم وتضرع لله عز وجل، فمن لم يحج شرع الله له صلاة عيد الاضحى في جمع المسلمين، وشرع له صيام عرفة الذي يكفر السنة الماضية والاتية، وقربان الحاج وذبائحهم شرع الله مقابل ذلك اضحية المقيم، فابواب الخيرات كثيرة ميسرة، وطرق البر ممهدة واسعة، ليستكثر المسلم من انواع الطاعات لحياته الابدية بقدر ما يوفقه الله تعالى.
الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر، لا اله الا الله، والله اكبر، الله اكبر، ولله الحمد.
ايها المسلمون، ان العيد من شعائر الاسلام العظيمة الظاهرة، والعيد يتضمن معاني سامية جليلة، ومقاصد عظيمة فضيلة، وحكما بديعة، اولى معاني العيد في الاسلام توحيد الله تعالى لافراد الله عز وجل بالعبادة في الدعاء والخوف والرجاء والاستعاذة والاستعانة، والتوكل والرغبة والرهبة والذبح والنذر لله تبارك وتعالى، وغير ذلك من انواع العبادة، وهذا التوحيد هو اصل الدين الذي ينبني عليه كل فرع من الشريعة، وهو تحقيق معنى لا اله الا الله المدلول عليه بقوله تعالى: اياك نعبد واياك نستعين [الفاتحة:5]، الذي نقرؤه في صلاة العيد وغيرها من الصلوات، والتوحيد هو الامر العظيم الذي بتحقيقه يدخل الانسان جنات النعيم، واذا ضيعه الانسان لا ينفعه عمل، وخلد في النار ابدا. والمتامل في تاريخ البشرية يجد ان الانحراف والضلال والبدع وقع في التوحيد اولا ثم في فروع الدين. فتمسك ايها المسلم بهذا الاصل العظيم، فهو حق الله عليك وعهد الله الذي اخذه على بني ادم في عالم الارواح، وقد اكد الله في القران العظيم توحيد الله بالعبادة، وعظم شانه، فما من سورة في كتاب الله الا وهي تامر بالتوحيد نصا او تضمنا او التزاما، او تذكر ثواب الموحدين او عقوبات المشركين، فمن وفى بحق الله تعالى وفى الله له بوعده، تفضلا منه سبحانه، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((حق الله على العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله ان لا يعذب من لا يشرك به شيئا)) رواه البخاري[3]. فالتوحيد اول الامر واخره.
وثاني معاني العيد تحقيق معنى شهادة ان محمدا رسول الله التي ننطق بها في التشهد في صلاة العيد وغيرها من الصلوات، ان معنى شهادة ان محمدا رسول الله طاعة امره واجتناب نهيه وتصديق اخباره وعبادة الله بما شرع مع محبته وتوقيره، قال الله تعالى: قل اطيعوا ٱلله واطيعوا ٱلرسول فان تولوا فانما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وان تطيعوه تهتدوا وما على ٱلرسول الا ٱلبلٰغ ٱلمبين[النور:54].
ومن حكم العيد ومنافعه العظيمة شهود جمع المسلمين لصلاة العيد، ومشاركتهم في بركة الدعاء والخير المتنزل على جمعهم المبارك، والانضواء تحت ظلال الرحمة التي تغشى المصلين، والبروز لرب العالمين، اظهارا لفقر العباد لربهم، وحاجتهم لمولاهم عز وجل، وتعرضا لنفحات الله وهباته التي لا تحد ولا تعد، عن ام عطية رضي الله عنها قالت: امرنا رسول الله ان نخرجهن في الفطر والاضحى العواتق والحيض وذوات الخدور، فاما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. رواه البخاري ومسلم[4]. فتشهد النساء العيد غير متبرجات وغير متعطرات.
الله اكبر، الله اكبر، لا اله الا الله، والله اكبر، الله اكبر، ولله الحمد.
ايها المسلمون، وان من حكم العيد ومنافعه العظمى، التواصل بين المسلمين، والتزاور، وتقارب القلوب، وارتفاع الوحشة، وانطفاء نار الاحقاد والضغائن والحسد. فاقتدار الاسلام على جمع المسلمين في مكان واحد لاداء صلاة العيد اية على اقتداره على ان يجمعهم على الحق، ويؤلف بين قلوبهم على التقوى، فلا شيء يؤلف بين المسلمين سوى الحق؛ لانه واحد، ولا يفرق بين القلوب الا الاهواء لكثرتها، فالتراحم والتعاون والتعاطف صفة المؤمنين فيما بينهم، كما روى البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))[5]، وفي الحديث: ((ليس منا من لم يرحم الصغير، ويوقر الكبير))[6]، وعن ابي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((ابغوني في الضعفاء، فانما تنصرون وترزقون بضعفائكم)) رواه ابو داود باسناد جيد[7].
والمحبة بين المسلمين والتواد غاية عظمى من غايات الاسلام، عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، اولا ادلكم على شيء اذا فعلتموه تحاببتم؟! افشوا السلام بينكم)) رواه مسلم[8]. فجاهد نفسك ايها المسلم لتكون سليم الصدر للمسلمين، فسلامة الصدر نعيم الدنيا، وراحة البدن ورضوان الله في الاخرى، عن عبد الله بن عمرو قال: قيل: يا رسول الله، اي الناس افضل؟ قال: ((كل مخموم القلب، صدوق اللسان)) قالوا: فما مخموم القلب؟ قال: ((هو التقي النقي، لا اثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد)) رواه ابن ماجه باسناد صحيح والبيهقي[9].
الله اكبر، الله اكبر، لا اله الا الله، والله اكبر، الله اكبر، ولله الحمد.
عباد الله، ان من غايات العيد ومنافعه اعلان تعاليم شريعة الاسلام ونشرها في المجامع ومشاهد المسلمين، وتبليغها على رؤوس الاشهاد، لياخذها ويتلقاها الجيل عن الجيل، والاخر عن الاول، علما وعملا مطبقا، فتستقر تعاليم الاسلام في سويداء القلوب، ويحفظها ويعمل بها الكبير والصغير، والذكر والانثى، وخطبة العيد التي شرعها رسول الله تشتمل على احكام الاسلام السامية، وتشريعاته الحكيمة. وظهور فرائض الاسلام وتشريعاته واحكامه هي القوة الذاتية لبقاء الاسلام خالدا الى يوم القيامة، فلا ينسى، ولا يغير، ولا تؤول احكامه، ولا تنحرف تعاليمه.
ايها المسلمون، عيد الاضحى ترتبط فيه امة الاسلام بتاريخها المجيد في ماضيها المشرق السحيق، الامة المسلمة عميقة جذور الحق في تاريخ الكون، متصلة الاسباب والوشائج عبر الزمان القديم، منذ وطئت قدم ابينا ادم عليه الصلاة والسلام الارض، وتنزل كلام الله على الانبياء عليهم الصلاة والسلام عبر العصور الخالية، قال الله تعالى: ان هٰذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فٱعبدون[الانبياء:92]، وختم الله الرسل عليهم الصلاة والسلام بسيد البشر محمد الذي امره الله باتباع ملة ابراهيم عليه الصلاة والسلام، بقوله: ثم اوحينا اليك ان ٱتبع ملة ابرٰهيم حنيفا وما كان من ٱلمشركين [النحل:123]، فكانت شريعة محمد عليه الصلاة والسلام ناسخة لجميع الشرائع، فلا يقبل الله الا الاسلام دينا، ولا يقبل غيره، قال الله تعالى: ومن يبتغ غير ٱلاسلٰم دينا فلن يقبل منه وهو فى ٱلاخرة من ٱلخٰسرين [ال عمران:85]، وفي الحديث: ((والذي نفسي بيده، لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي الا دخل النار)) رواه مسلم[10].
فانتم معشر المسلمين على الارث الحق والدين القيم، ملة الخليل ابراهيم عليه الصلاة والسلام، ودين الخليل محمد ، وعيد الاضحى يربطكم بهذين الخليلين النبيين العظيمين عليهما الصلاة والسلام، لما شرع الله لكم في هذا اليوم من القربات والطاعات، عن زيد بن ارقم رضي الله عنه قال: قال اصحاب رسول الله : ما هذه الاضاحي يا رسول الله؟ قال: ((سنة ابيكم ابراهيم)) قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: ((بكل شعرة حسنة)) رواه ابن ماجه[11].
وذلك ان الله امر ابراهيم عليه الصلاة والسلام بذبح ولده اسماعيل عليه السلام قربانا الى الله، فبادر الى ذبحه مسارعا، واستسلم اسماعيل صابرا، فلما تم مراد الله تعالى بابتلاء خليله ابراهيم عليه السلام، وتاكد عزمه، وشرع في ذبح ابنه، فلم يبق الا اللحم والدم، فداه الله بذبح عظيم، فعلم الله علم وجود ان خلة ابراهيم ومحبته لربه لا يزاحمها محبة شيء، والاضحية والقرابين في منى تذكير بهذا العمل الجليل الذي كان من ابراهيم عليه الصلاة والسلام.
الله اكبر، الله اكبر، لا اله الا الله، والله اكبر، الله اكبر، ولله الحمد.
عباد الله، الصلاة الصلاة، فانها عماد الاسلام، وناهية عن الفحشاء والاثام، وهي العهد بين العبد وربه، من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها اضيع، واول ما يسال عنه العبد يوم القيامة هي الصلاة، فان قبلت قبلت وسائر العمل، وان ردت ردت وسائر العمل. وادوا زكاة اموالكم طيبة بها نفوسكم، تطهروا بها نفوسكم، وتحفظوا بها اموالكم من المهالك، وتحسنوا بها الى الفقراء، وتثابوا على ذلك اعظم الثواب، فقد تفضل الله عليكم بالكثير، ورضي منكم بنفقة اليسير. وصوموا شهر رمضان، وحجوا بيت الله الحرام، فانهما من اعظم اركان الاسلام.
وعليكم ببر الوالدين وصلة الارحام، والاحسان الى الايتام، وذلك عمل يعجل الله ثوابه في الدنيا مع ما يدخر الله لصاحبه في الاخرة من حسن الثواب، كما ان العقوق والقطيعة ومنع الخير مما يعجل الله عقوبته في الدنيا، مع ما يؤجل لصاحبه في الاخرة من اليم العقاب.
وارعوا معشر المسلمين حقوق الجار، وفي الحديث: ((لا يؤمن من لا يامن جاره بوائقه))[12] يعني شره. وامروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر فانهما حارسان للمجتمع، وسياجان للاسلام، وامان من العقوبات التي تعم الانام، واياكم وانواع الشرك التي تبطل التوحيد، التي يقع فيها من لا علم له كدعاء الانبياء والصالحين والطواف على قبورهم وطلب الغوث منهم، او طلب كشف الكربات منهم والشدائد، او دعائهم بجلب النفع او دفع الضر، او الذبح او النذر لغير الله تعالى، او الاستعاذة بغير الله تعالى، قال الله عز وجل: وان ٱلمسٰجد لله فلا تدعوا مع ٱلله احدا [الجن:18]، وقال عز وجل: ان ٱلله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء:48].
واياكم وقتل النفس المحرمة، والزنا، فقد قرن الله ذلك في كتابه بالشرك بالله عز وجل، قال تعالى: وٱلذين لا يدعون مع ٱلله الٰها ءاخر ولا يقتلون ٱلنفس ٱلتى حرم ٱلله الا بٱلحق ولا يزنون ومن يفعل ذٰلك يلق اثاما يضٰعف له ٱلعذاب يوم ٱلقيٰمة ويخلد فيه مهانا [الفرقان:69]، ومعنى اثاما بئر في قعر جهنم والعياذ بالله، وفي الحديث: ((لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما))[13]، وعن الهيثم عن مالك الطائي عن النبي قال: ((ما من ذنب بعد الشرك اعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له)) رواه ابن ابي الدنيا[14].
وعمل قوم لوط اعظم من الزنا، فقد لعن فاعله رسول الله [15]، والسحاق نوع من الزنا، وخبث من الخبائث المحرمة، واياكم والربا فانه محق للكسب، وغضب للرب، عن البراء بن عازب رضي الله عنه مرفوعا: ((الربا اثنان وسبعون بابا، ادناها مثل اتيان الرجل امه)) رواه الطبراني في الاوسط[16].
واياكم والتعرض لاموال المسلمين والمستضعفين، فان اختلاطه بالحلال دمار ونار، واياكم والرشوة وشهادة الزور فانها مضيعة للحقوق مؤيدة للباطل، ومن كان مع الباطل احله الله دار البوار، وجلله الاثم والعار، فقد لعن رسول الله الراشي والمرتشي[17]، وقرن الله شهادة الزور بالشرك بالله عز وجل.
واياكم والخمر وانواع المسكرات والدخان والمخدرات، فانها تفسد القلب، وتغتال العقل، وتدمر البدن، وتمسخ الخلق الفاضل، وتغضب الرب، وتفتك بالمجتمع، ويختل بسببها التدبير، عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله قال: ((كل مسكر حرام، وان على الله عهدا لمن يشرب المسكر ان يسقيه من طينة الخبال)) قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: ((عرق اهل النار)) او ((عصارة اهل النار)) رواه مسلم والنسائي[18].
واياكم والغيبة والنميمة فان المطعون في عرضه ياخذ من حسنات المغتاب بقدر مظلمته، عن حذيفة مرفوعا: ((لا يدخل الجنة قتات)) يعني: نمام، متفق عليه[19].
الله اكبر، الله اكبر، لا اله الا الله، والله اكبر، الله اكبر، ولله الحمد.
قال الله تعالى: وان هٰذا صرٰطي مستقيما فٱتبعوه ولا تتبعوا ٱلسبل فتفرق بكم عن سبيله ذٰلكم وصٰكم به لعلكم تتقون [الانعام:153].
بارك الله لي ولكم في القران العظيم، ونفعني واياكم بما فيه من الايات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، وبقوله القويم، اقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، انه هو الغفور الرحيم.
[1] اخرجه ابن جرير في تفسيره (17/198)، وعزاه السيوطي في الدر (6/47) لابن ابي حاتم.
[2] اخرجه احمد (3/103)، وابو داود في الصلاة (1134)، والنسائي في العيدين (1556)، وصححه الحاكم (1/434)، والضياء في المختارة (1911)، وصححه الحافظ في الفتح (2/442).
[3] اخرجه البخاري في الجهاد (2856)، وكذا مسلم في الايمان (30).
[4] اخرجه البخاري في الحج (1652)، ومسلم في العيدين (890) واللفظ له.
[5] اخرجه البخاري في الادب (6011)، ومسلم في البر (2586) واللفظ له.
[6] اخرجه الترمذي في البر، باب: ما جاء في رحمة الصبيان (1919) من طريق زربي عن انس رضي الله عنه، وقال: “هذا حديث غريب، وزربي له احاديث مناكير عن انس بن مالك وغيره”، لكن للحديث شواهد منها عن عبد الله بن عمرو اخرجه احمد (2/207)، والبخاري في الادب المفرد (358)، والترمذي (1920) وقال: “حديث حسن صحيح”، وصححه الالباني في الصحيحة (2196).
[7] اخرجه احمد (5/198)، وابو داود في الجهاد (2594)، والترمذي في الجهاد (1702)، والنسائي في الجهاد (3179)، وقال الترمذي: “حسن صحيح”، وصححه ابن حبان (4767) والحاكم (2/116، 157) وصححه الالباني في السلسلة الصحيحة (779).
[8] اخرجه مسلم في الايمان (54).
[9] اخرجه ابن ماجه في الزهد (4216)، والطبراني في مسند الشاميين (1218)، وابو نعيم في الحلية (1/183)، قال ابو حاتم كما في العلل لابنه (2/127): “هذا حديث صحيح حسن”، وصحح سنده المنذري في الترغيب (3/349)، والبوصيري في مصباح الزجاجة، وهو في صحيح الترغيب (2889).
[10] اخرجه مسلم في الايمان (153) من حديث ابي هريرة رضي الله عنه.
[11] اخرجه احمد (4/368)، وعبد بن حميد (259)، وابن ماجه في الاضاحي (3127)، والطبراني في الكبير (5/197) من طريق عائذ الله المجاشعي، عن ابي داود، عن زيد بن ارقم رضي الله عنه، قال الحاكم (2/422): “صحيح الاسناد”، وتعقبه الذهبي والمنذري في الترغيب (2/99)، فقال: “بل واهيه، عائذ الله المجاشعي وابو داود وهو نفيع بن الحارث الاعمى، وكلاهما ساقط”، وضعفه البوصيري في الزوائد، وقال الالباني في ضعيف ابن ماجه (672): “ضعيف جدا”.
[12] اخرجه البخاري في الادب (6016) من حديث ابي شريح رضي الله عنه.
[13] اخرجه البخاري في الديات (6862) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
[14] عزاه السيوطي في الجامع لابن ابي الدنيا، واخرجه ابن الجوزي من طريقه في ذم الهوى (ص190) والهيثم بن مالك الطائي تابعي ثقة، فهو مرسل، والراوي عنه ابو بكر بن ابي مريم ضعيف، ولذا ضعفه الالباني في الضعيفة (1580).
[15] اخرج احمد (1/309)، وابو يعلى (2539)، والطبراني (11546)، والبيهقي (8/231) عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي قال: ((لعن الله من عمل عمل قوم لوط)) في حديث طويل. وصححه ابن حبان (4417)، والحاكم (4/356)، وذكره الالباني في صحيح الترغيب (2421).
[16] اخرجه الطبراني في الاوسط (7151)، قال الهيثمي في المجمع (4/117): “فيه عمر بن راشد وثقه العجلي وضعفه جمهور الائمة”، وحكم عليه ابو حاتم بالانقطاع كما في العلل لابنه (1/381)، ولكن له شواهد يصح بها، ولذا صححه الالباني في السلسلة الصحيحة (1871).
[17] اخرجه احمد (11/87)، (6532)، وابو داود في الاقضية (3580)، والترمذي في الاحكام (1337)، وابن ماجه في الاحكام (2313) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وقال الترمذي: “حديث حسن صحيح”، وصححه ابن الجارود (586)، وابن حبان (5077)، والحاكم (4/102، 103)، ووافقه الذهبي.
[18] اخرجه مسلم في الاشربة (2002).
[19] اخرجه البخاري في الادب (6056)، ومسلم في الايمان (105).
الخطبة الثانية
الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر.
الحمد لله الواحد الاحد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد، احمد ربي واشكره على نعمه والائه التي لا تحصى ولا تعد، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له الاله الصمد، واشهد ان نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله الداعي الى سنن الرشد، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى اله وصحبه ذوي الفضل والسؤدد.
اما بعد:
فاتقوا الله ايها المسلمون بطلب مرضاته، والبعد عن محرماته، واعلموا ان يومكم هذا يوم جليل، وان عيدكم عيد فضيل، عن عبد الله بن قرط ان النبي قال: ((افضل الايام عند الله يوم النحر ويوم القر))[1] وهو اليوم الذي بعد يوم النحر، ولان يوم عرفة وان كان فاضلا من بعض الوجوه فهو مقدمة وتوطئة ليوم النحر، ففي عرفة يتطهرون من الذنوب، ويدعون ويتضرعون ويخشعون ويتوبون، فاذا هذبوا ونقوا وتطهروا من الاثام، وازدادوا خيرا، ازدلفوا ليلة جمع، وتضرعوا واستغفروا وتابوا، ثم ذبحوا قرابينهم لله تعالى، فاكلوا من ضيافة الله لهم في منى في يوم النحر، ثم اذن الله لهم بزيارته، والطواف ببيته.
واما غير الحاج فشرع الله له الاضحية في هذا اليوم، مع الذكر وفعل الخيرات، عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله قال: ((ما عمل ابن ادم يوم النحر عملا احب الى الله عز وجل من هراقة دم، وانه لياتي يوم القيامة بقرونها واظلافها واشعارها، وان الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل ان يقع على الارض، فطيبوا بها نفسا)) رواه الترمذي وابن ماجه[2]، وعن ابن عباس رضي الله عنها عن النبي قال: ((ما عمل ابن ادم في يوم اضحى افضل من دم يهراق الا ان يكون رحما يوصل)) رواه الطبراني[3]، وعن ابي سعيد الخدري عن النبي قال: ((يا فاطمة، قومي الى اضحيتك، فاشهديها، فان لك بكل قطرة من دمها ما سلف من ذنوبك)) قالت: يا رسول الله، النا خاصة اهل البيت، او لنا وللمسلمين؟ قال: ((بل لنا وللمسلمين)) رواه الطبراني والبزار[4].
معشر المسلمين، ان الشاة تجزئ عن الرجل واهل بيته في الاضحية، وتجزئ البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، ولا يجزئ من الضان الا ما تم له ستة اشهر، ولا من المعز الا الثني وهو ما تم له سنة، ولا من الابل الا ما تم له خمس سنين، ولا من البقر الا ما تم له سنتان، ويستحب ان يتخيرها سمينة صحيحة، ولا تجزئ المريضة البين مرضها، ولا العوراء، ولا العجفاء، وهي الهزيلة، ولا العرجاء البين ضلعها، ولا العضباء التي ذهب اكثر اذنها او قرنها، وتجزئ الجماء والخصي.
والسنة نحر الابل قائمة معقولة اليد اليسرى، والبقر والغنم على جنبها الايسر متوجهة الى القبلة ويقول عند الذبح: بسم الله وجوبا، والله اكبر استحبابا، اللهم هذا منك ولك، ويستحب ان ياكل ثلثا ويهدي ثلثا ويتصدق بثلث، لقوله تعالى: فكلوا منها واطعموا ٱلقٰنع وٱلمعتر [الحج:36]، ولا يعطي الجزار اجرته منها.
ووقت الذبح بعد صلاة العيد باتفاق، واليوم الذي بعد ذلك فيه خلاف، والراجح انه زمن للذبح مع فوات فضيلة.
الله اكبر، الله اكبر، لا اله الا الله، والله اكبر، الله اكبر، ولله الحمد.
يا نساء المسلمين، اتقين الله تعالى في واجباتكن التي طوقت اعناقكن، احسن الى اولادكن بالتربية الاسلامية النافعة، واجتهدن في اعداد الاولاد اعدادا سليما ناجحا، فان المراة اشد تاثيرا على اولادها من الاب، وليكن هو معينا لها على التربية، واحسن الى الازواج بالعشرة الطيبة، وبحفظ الزوج في عرضه وماله وبيته، ورعاية حقوق اقاربه وضيفه وجيرانه، ففي الحديث عن النبي : ((اذا صلت المراة خمسها، وصامت شهرها، وحجت بيت ربها، وحفظت فرجها، واطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من اي ابوابها شئت))[5].
وعليك ايتها المراة المسلمة ان تشكري نعمة الله عليك حيث حفظ لك الاسلام حقوقك كاملة، ولا تنخدعي بالدعايات الوافدة فان مكانتك في هذه البلاد احسن مكانة في هذا العصر، واذكرن دائما قول الله تعالى: يايها ٱلنبى اذا جاءك ٱلمؤمنٰت يبايعنك علىٰ ان لا يشركن بٱلله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن اولٰدهن ولا ياتين ببهتٰن يفترينه بين ايديهن وارجلهن ولا يعصينك فى معروف فبايعهن وٱستغفر لهن ٱلله ان ٱلله غفور رحيم [الممتحنة:12]، فقد كان النبي يذكر النساء بهذه الاية في العيد كما رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما[6]، ومعنى ببهتٰن يفترينه لا يلحقن بازواجهن اولادا من غيرهم.
ايها المسلمون، اشكروا الله واحمدوه على نعمه الظاهرة والباطنة، اشكروه على نعمة الاسلام، واحمدوه واشكروه على نعمة الامن والايمان، وتيسر الارزاق والمنافع والمرافق والتمتع بالطيبات التي لا تحصى، واشكروه تعالى على اجتماع الكلمة في بلادكم هذه، وصرف الفتن عنكم التي تستحل فيها الحرمات، وتختلف فيها القلوب. وشكر الله على ذلك بطاعة الله ودوامها، واجتناب معصيته، وملازمة التوبة.
ايها المسلمون، اعلموا انه ليس السعيد من تزين وتجمل للعيد، فلبس الجديد، ولا من خدمته الدنيا واتت على ما يريد، لكن السعيد من فاز بتقوى الله تعالى، وكتب له النجاة من نار حرها شديد، وقعرها بعيد، وطعام اهلها الزقوم والضريع، وشرابهم الحميم والصديد، وفاز بجنة الخلد التي لا ينقص نعيمها ولا يبيد.
واعلموا عباد الله ان التكبير المقيد لغير الحاج يبدا من فجر يوم عرفة الى اخر عصر ايام التشريق، واما الحاج فيبدا من ظهر يوم النحر، واما التكبير المطلق فيكون في عشر ذي الحجة.
عباد الله، تذكروا ما انتم قادمون عليه من الموت وسكراته، والقبر وظلماته، والحشر وكرباته، وصحائف الاعمال والميزان والصراط وروعاته، واذكروا من صلى معكم في هذا المكان فيما مضى من الزمان، من الاخلاء والاقرباء والخلان، كيف اخترمهم هادم اللذات، فاصبحوا في تلك القبول مرتهنين باعمالهم، فاحدهم في روضة من رياض الجنان، او في حفرة من حفر النيران، فتيقنوا انكم واردون على ما عليه وردوا، وشاربون كاس المنية الذي شربوا، فلا تغرنكم ٱلحيوٰة ٱلدنيا ولا يغرنكم بٱلله ٱلغرور [لقمان:33].
اين الامم الخالية؟ واين القرون الماضية؟ اين منهم ذوو الملك والسلطان؟ واين منهم ذوو الاكاليل والتيجان؟ واين تلك العساكر والدساكر؟ اين الذين جمعوا الاموال، وغرسوا الاشجار، واجروا الانهار، وشيدوا الامصار؟ اين منهم الغني والفقير؟ اتى عليهم الموت فنقلهم من القصور الى ضيق القبور، ومن انس الاهل والاصحاب الى اللحد والتراب، فلا تركنوا الى هذه الدنيا التي لا يؤمن شرها، ولا تفي بعهدها، ولا يدوم سرورها، ولا تحصى افاتها، ما مثلها الا كمائدة احدكم، تعجب صاحبها ثم تصير الى فناء، دار يبلى جديدها، ويهرم شبابها، وتتقلب احوالها، فاتخذوها مزرعة للاخرة، فنعم العمل فيها.
عباد الله، ان ٱلله وملٰئكته يصلون على ٱلنبى يٰايها ٱلذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما[الاحزاب:56].
فصلوا وسلموا على سيد الاولين والاخرين وحبيب الحق تبارك وتعالى.
اللهم صل على محمد وعلى ال محمد…
[1] اخرجه احمد (4/350)، وابو داود في المناسك (1765)، والنسائي في الكبرى (4098)، وصححه ابن خزيمة (2866)، وابن حبان (2811)، والحاكم (4/246)، واقره الذهبي، ورمز له السيوطي بالصحة، وصححه الالباني في الارواء (1958).
[2] اخرجه الترمذي في الاضاحي (1493)، وابن ماجه في الاضاحي (3126)، وقال الترمذي: “هذا حديث حسن غريب”، وصححه الحاكم (2/389)، وتعقبه الذهبي والمنذري، وضعفه الالباني في الضعيفة (527).
[3] عزاه الهيثمي في المجمع (4/18)للطبراني في الكبير، وقال: “فيه يحيى بن الحسن الخشني وهو ضعيف، وقد وثقه جماعة”، وضعفه الالباني في الضعيفة (525).
[4] اخرجه الحاكم (4/222) من طريق عطية عن ابي سعيد، قال الذهبي: “عطية واه”، وعزاه المنذري في الترغيب (2/100) للبزار ولابي الشيخ في الضحايا وقال: “في اسناده عطية بن قيس وثق وفيه كلام”، وكذا قال الهيثمي في المجمع (4/17). وضعفه الالباني في الضعيفة (2/15).
[5] اخرجه احمد (1/191) من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وليس فيه: ((وحجت بيت ربها))، قال المنذري في الترغيب (2/671): “رواة احمد رواة الصحيح خلا ابن لهيعة، وحديثه حسن في المتابعات”، وعزاه الهيثمي في المجمع (4/306) للطبراني في الاوسط وقال: “فيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح”، وقال الالباني في صحيح الترغيب (1932): “حسن لغيره”.
[6] اخرجه البخاري في التفسير (4895)، وكذا مسلم في العيدين (884).
المنبر
- موعظة الحسنة ليوم العيد الأضح
- أجمل خطب عيد الأضحى المبارك
- اجمل خطب عيد الاضحى
- مقدمة خطبة عيد الاضحى مكتوبة
- خطب التواصل والتزاور
- خطب جمع مكتوبة حديثة
- خطب عيد الاضحي جديدة
- خطب عيد الاضحي
- خطب عيد الاضحى جديد
- خطب عيد اضحى مكتوبة