افضل مواضيع جميلة بالصور

دعاء القنوت في صلاة التراويح عند المالكية

الحمد لله الذي سهل سبيل الهداية، واحاط السنة بما يناسبها من عناية، والصلاة والسلام على من بعثه الله للعالمين بشيرا ونذيرا، ورتب النجاة على طاعته واتباع هديه والتزام سنته اولا واخيرا، وبعد:

فان للدعاء شانا عظيما ومكانة عالية نوه بها القران الكريم وصدحت بها السنة المطهرة؛ قال تعالى: {وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} [غافر: ٠٦]، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «الدعاء هو العبادة»[1]، وهذا اللفظ يطول دعاء المسالة والطلب، ودعاء الثناء والحمد.

ونظرا لاقبال انفس المسلمين على الطاعات في شهر رمضان المبارك اكثر من غيره، واتسامهم فيه بالجار الى الله سبحانه والتزامهم بالقنوت خاصة؛ فان هذا المقال ستدور محاوره حول القنوت في رمضان، وسيكون استهلاله بتعريفه:

تعريف القنوت:

القنوت في اللغة: يتمحور معناه حول الطاعة والخير في دين؛ يقول ابن فارس: (القاف والنون والتاء اصل صحيح يدل على طاعة وخير في دين، لا يعدو هذا الباب.

والاصل فيه الطاعة، يقال: قنت يقنت قنوتا، ثم سمي كل استقامة في طريق الدين قنوتا، وقيل لطول القيام في الصلاة قنوت، وسمي السكوت في الصلاة والاقبال عليها قنوتا؛ قال الله تعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238][2]).

وقد جاء القنوت بمعان لم يخرج فيها عن معنى الاستقامة على الدين والانقياد لامر الله تعالى، ومن ذلك:

القنوت: بمعنى لزوم الطاعة مع الخضوع، كما جاء في قوله تبارك وتعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238].

القنوت بمعنى طول القيام في الصلاة، ومنه ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افضل الصلاة طول القنوت»[3].

القنوت بمعنى الانكباب على العبادة، قال تبارك وتعالى: {ان ابراهيم كان امة قانتا} [النحل: 120].

وقد نظم المعاني التي ياتي بها لفظ (القنوت) زين الدين العراقي – رحمه الله – بقوله:

ولفظ القنوت اعدد معانيه تجد

مزيدا على عشر معاني مرضيه

دعاء، خشوع، والعبادة، طاعة،

اقامتها، اقراره بالعبوديه

سكوت، صلاة، والقيام، وطوله

كذاك دوام الطاعة الرابح النيه[4]

فاتضح تعدد المعاني اللغوية للقنوت وان لم تخرج كلها عن الخيرية والفضل والطاعة.

اما القنوت في الاصطلاح الشرعي فيعني الدعاء حال القيام في الصلاة؛ وذلك لان الدعاء عامة اجل الطاعات واخير العبادات – احرى اذا كان في الصلاة، وقيل: لانه يكون في القيام قبل الركوع او بعده فسمي باسم لازمه وهو القيام[5].. فالقنوت اذا الدعاء في محل مخصوص من القيام في الصلاة[6].

ومن تيسير الله تعالى لامر القنوت وتبيينه لمعالم منهجه، ان جعل في القران الكريم والسنة المطهرة من جوامع الدعاء ما فيه مؤتسى للمتبع وغنية للداعي غير المبتدع، فالاولى معرفة تلك الجوامع وامتثالها حتى لا يسقط الداعي في مهوى مخالفة السنة، ويقع في الاثم من حيث اراد الطاعة.

ومن ابرز مخالفات القنوت في رمضان:

  • التطويل المخل في الدعاء، والتنافس فيه، وتكلف الابداع في مقاطعه، مع ان ادعية القنوت المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم، كلها ادعية مختصرة جامعة؛ ولهذا سعى بعض علماء السلف الى تحديد مقدار القنوت، ومن ذلك ما ذكره علاء الدين السمرقندي حين عدد احكام القنوت قائلا: ومنها مقدار القنوت ذكر في الكتاب [انه] مقدار سورة: {اذا السماء انشقت} [الانشقاق: ١] او {والسماء ذات البروج} [البروج: ١][7]. وقال علاء الدين الكاساني: (واما مقدار القنوت فقد ذكر الكرخي ان مقدار القيام في القنوت مقدار سورة {اذا السماء انشقت} [الانشقاق: ١]، وكذا ذكر في الاصل؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه «كان يقرا في القنوت اللهم انا نستعينك، اللهم اهدنا فيمن هديت، وكلاهما على مقدار هذه السورة». وروي انه صلى الله عليه وسلم «كان لا يطول في دعاء القنوت»)[8].

وعليه فان الامام يمنع من التطويل الذي يشق على المامومين.

ومن ابرز ادعية القنوت ما جاء عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات اقولهن في قنوت الوتر: «اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما اعطيت، وقني شر ما قضيت، فانك تقضي ولا يقضى عليك، انه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت»)[9].

ان تطويل دعاء القنوت يؤدي الى غفلة كثير من الداعين عن مقاصد الدعاء؛ لما ينتابهم من السامة والاعياء لطول القيام واستمرار رفع الايدي.

  • الاعراض عن الادعية الماثورة في القران وصحيح السنة والاعتياض عنها بادعية مخترعة؛ لا شك انه الت للثواب لما في التزام السنة ومهيع السلف من البركة والخيرية، ذلك ان عدم التزام الادعية النبوية وتجشم ابتكار ادعية غير معروفة، ينافي ما نص عليه كثير من اهل العلم من ان قنوت الوتر في رمضان لا يزاد فيه على ما ورد في السنة النبوية، يقول الامام النووي: (السنة في لفظ القنوت: «اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما اعطيت وقني شر ما قضيت فانك تقضي ولا يقضى عليك وانه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت». هذا لفظه في الحديث الصحيح باثبات الفاء في «فانك» والواو في «وانه لا يذل»).

الى ان قال: (فان الفاظ الاذكار يحافظ فيها على الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم)[10].

ثم عرض الخلاف حول الزيادة على الماثور في الدعاء قائلا: (واعلم ان القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار، فاي دعاء دعا به حصل القنوت، ولو قنت باية او ايات من القران العزيز وهي مشتملة على الدعاء حصل القنوت[11]، ولكن الافضل ما جاءت به السنة[12].

ولو قنت بالمنقول عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان حسنا، فقد روي انه قنت في الصبح بعد الركوع فقال: «اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات والف بين قلوبهم واصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم العن كفرة اهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون اولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل اقدامهم وانزل بهم باسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين. اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم اياك نعبد ولك نصلي ونسجد واليك نسعى ونحفد ونخشى عذابك ونرجو رحمتك ان عذابك الجد بالكفار ملحق»)[13]. قال النووي: (وقوله: «اللهم عذب كفرة اهل الكتاب»؛ انما اقتصر على اهل الكتاب لانهم الذين كانوا يقاتلون المسلمين في ذلك العصر، واما الان فالمختار ان يقال: (عذب الكفرة) ليعم اهل الكتاب وغيرهم من الكفار، فان الحاجة الى الدعاء على غيرهم اكثر والله اعلم. قال اصحابنا: – والكلام للنووي – يستحب الجمع بين قنوت عمر رضي الله عنه وبين ما سبق، فان جمع بينهما فالاصح تاخير قنوت عمر، وفي وجه يستحب تقديمه. وان اقتصر فليقتصر على الاول، وانما يستحب الجمع بينهما اذا كان منفردا او امام محصورين يرضون بالتطويل)[14].

كما ان التنكيب عن مهيع السلف في القنوت وغيره مفض الى الغفلة والتردد، قائد الى الشك في الاستجابة، خلافا لما داب عليه السلف من اليقين على تحققها، تجسيدا لامر النبي صلى الله عليه وسلم: «ادعوا الله وانتم موقنون بالاجابة، واعلموا ان الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل»[15].
وما كانوا عليه من الرغبة في جوامع الدعاء تاسيا بالمصطفى صلى الله عليه وسلم؛ كما قالت عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك»[16].

وقد اثر عنهم النكير الشديد على المعتدين في الدعاء؛ لمنافاة عملهم صريح القران وصحيح السنة؛ قال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية انه لا يحب المعتدين} [الاعراف: ٥٥]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سيكون قوم يعتدون في الدعاء»[17].

ولما سمع سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه ابنه يقول في دعائه: (اللهم اني اسالك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا..، واعوذ بك من النار وسلاسلها واغلالها وكذا وكذا.. قال: «يا بني، اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «سيكون قوم يعتدون في الدعاء»، فاياك ان تكون منهم، انك ان اعطيت الجنة اعطيتها وما فيها من الخير، وان اعذت من النار اعذت منها، وما فيها من الشر»)[18]. وسمع ابن مغفل رضي الله عنه ابنه يقول: (اللهم اني اسالك القصر الابيض عن يمين الجنة اذا دخلتها، فقال: اي بني، سل الله الجنة، وتعوذ به من النار، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «انه سيكون في هذه الامة قوم يعتدون في الطهور والدعاء»)[19].

يقول ابن تيمية: (والمشروع للانسان ان يدعو بالادعية الماثورة، فان الدعاء من افضل العبادات، وقد نهانا الله عن الاعتداء فيه. فينبغي لنا ان نتبع فيه ما شرع وسن، كما انه ينبغي لنا ذلك في غيره من العبادات. والذي يعدل عن الدعاء المشروع الى غيره – وان كان من احزاب المشايخ – الاحسن له ان لا يفوته الاكمل الافضل، وهي الادعية النبوية، فانها افضل واكمل باتفاق المسلمين من الادعية التي ليست كذلك، وان قالها الشيوخ… ومن اشد الناس عيبا من يتخذ حزبا ليس بماثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وان كان حزبا لبعض المشايخ، ويدع الاحزاب النبوية التي كان يقولها سيد بني ادم وامام الخلق وحجة الله على عباده)[20].
وقال في موضع اخر: (المنصوص المشهور عن الامام احمد انه لا يدعو في الصلاة الا بالادعية المشروعة الماثورة، كما قال الاثرم: قلت لاحمد بماذا ادعو بعد التشهد؟

قال: بما جاء في الخبر. قلت له: اوليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثم ليتخير من الدعاء ما شاء»[21]؟ قال: يتخير مما جاء في الخبر. فعاودته فقال: ما في الخبر…..)[22].

 

  • تكلف السجع، وقد كرهه السلف ونهوا عنه، خاصة ما كان منه على غير سجية، وقد جاء قول ابن عباس رضي الله عنهما لمولاه عكرمة في النهي عن ذلك صريحا: «انظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فاني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه لا يفعلون الا ذلك الاجتناب»[23]. وقال الغزالي: (المراد بالسجع هو المتكلف من الكلام، لان ذلك لا يلائم الضراعة والذلة، والا ففي الادعية الماثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم كلمات متوازنة غير متكلفة)[24].

وقد يكون التكلف في السجع من موانع الاستجابة كما قال الامام القرطبي – عند ذكره انواع الاعتداء في الدعاء: (ومنها ان يدعو بما ليس في الكتاب والسنة فيتخير الفاظا مفقرة وكلمات مسجعة قد وجدها في كراريس لا اصل لها ولا معول عليها، فيجعلها شعاره ويترك ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل هذا يمنع من استجابة الدعاء)[25]. ويقول ابن حجر: (الاعتداء في الدعاء يقع بزيادة الرفع فوق الحاجة، او بطلب ما يستحيل حصوله شرعا، او بطلب معصية، او يدعو بما لم يؤثر خصوصا ما وردت كراهته كالسجع المتكلف وترك المامور)[26]. يقول ابن تيمية: (ينبغي للداعي اذا لم تكن عادته الاعراب ان لا يتكلف الاعراب. قال بعض السلف: اذا جاء الاعراب ذهب الخشوع، وهذا كما يكره تكلف السجع في الدعاء، فاذا وقع بغير تكلف فلا باس به، فان اصل الدعاء من القلب، واللسان تابع للقلب. ومن جعل همته في الدعاء تقويم لسانه اضعف توجه قلبه….)[27].

  • تلحين الدعاء، وتطريب الصوت به، والمبالغة في ترتيله حتى يؤدى على هيئة قراءة القران، وذلك ممقوت؛ لما ينطوي عليه من التكلف المنافي لطابع هذه الشريعة المباركة؛ قال تعالى: {قل ما اسالكم عليه من اجر وما انا من المتكلفين} [ص: 86] . قال الكمال بن الهمام: (مما تعارفه الناس في هذه الازمان من التمطيط والمبالغة في الصياح والاشتهار لتحريرات النغم اظهارا للصناعة النغمية لا اقامة للعبودية، فانه لا يقتضي الاجابة، بل هو من مقتضيات الرد؛ فاستبان ان ذلك من مقتضيات الخيبة والحرمان)[28].
    وقال: (ولا ارى ان تحرير النغم في الدعاء كما يفعله القراء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال، وما ذاك الا نوع لعب، فانه لو قدر في الشاهد سائل حاجة من ملك ادى سؤاله وطلبه بتحرير النغم فيه من الخفض والرفع والتطريب والترجيع كالتغني نسب البتة الى قصد السخرية واللعب؛ اذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغني)[29]. وقال بكر ابو زيد: (فتسمع في دعاء القنوت عند بعض الائمة في رمضان الجهر الشديد وخفض الصوت ورفعه في الاداء حسب مواضع الدعاء، والمبالغة في الترنم، والتطريب والتجويد، والترتيل، حتى لكانه يقرا سورة من كتاب الله – تعالى – ويستدعي بذلك عواطف المامومين؛ ليجهشوا بالبكاء)[30].

فالمشروع للداعي ان يدعو بجوامع الدعاء من غير تكلف لسجع، ولا تمطيط لتلحين.

فالمبالغة في رفع الصوت بالدعاء تخالف توجيه القران العظيم، وسمت الهدي النبوي؛ يقول ربنا عز وجل: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا} [الاسراء: 110]، قال الامام البخاري معلقا على هذه الاية: (اسمعهم ولا تجهر، حتى ياخذوا عنك القران)[31]. وقال ابن جريج – رحمه الله: (يكره رفع الصوت والنداء والصياح بالدعاء، ويؤمر بالتضرع والاستكانة)[32].
وقال الالوسي: (وترى كثيرا من اهل زمانك يعتمدون الصراخ في الدعاء خصوصا في الجوامع حتى يعظم اللغط ويشتد وتستك المسامع وتشتد ولا يدرون انهم جمعوا بين بدعتين، رفع الصوت في الدعاء وكون ذلك في المسجد)[33].

وقد انكر النبي صلى الله عليه وسلم على صحابته رضي الله عنهم رفعهم اصواتهم بالتكبير، فقال لهم: «اربعوا على انفسكم، انكم لا تدعون اصم ولا غائبا، انكم تدعون سميعا بصيرا، وهو معكم، والذي تدعونه اقرب الى احدكم من عنق راحلته»[34].

  • تحويل القنوت الى خطب ومواعظ بل ومنابر للتزلف للامراء والرؤساء والكبراء، وهذا من الابتداع والتعدي في الدعاء؛ اذ لم ينقل مثله عن السلف، وان ورد عن بعضهم جوازه في خطب الجمعة لا في قنوت الوتر، الذي هو داخل الصلاة، ذلك ان الاصل اتيان الامام في دعاء القنوت بالادعية التي لها صفة العموم، وصيغة الجمع، الا اذا خص طائفة من المؤمنين واقعين في كرب عظيم، او طائفة من المجرمين لشدة عداوتهم وقوة محاربتهم للاسلام، فهذا مشروع بلا خلاف؛ لما جاء عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم انج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن ابي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطاتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف»[35]. ولما جاء عن عمر – رضي الله عنه – انه كان يقول: «.. اللهم العن كفرة اهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون اولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل اقدامهم، وانزل بهم باسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين»[36]. وقد عقد ابن ابي شيبة في مصنفه: «باب في تسمية الرجل في القنوت». وقال العراقي في سرده لفوائد حديث ابي هريرة – رضي الله عنه: (فيه حجة على ابي حنيفة في منعه ان يدعى لمعين او على معين في الصلاة، وخالفه الجمهور فجوزوا ذلك لهذا الحديث وغيره من الاحاديث الصحيحة)[37]. واذا خص الامام ماموميه بالدعاء فلا باس، لكن الاولى تعميم الدعاء.
    وايا كان القول في التخصيص فان ذلك لا ينبغي ان يتخذ سنة مستمراة في الصلاة[38].

وقد كتب عمر بن عبد العزيز الى عامله قائلا: (اما بعد، فان ناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الاخرة، وان من القصاص قد احدثوا في الصلاة على خلفائهم وامرائهم عدل صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم، فاذا جاءك كتابي فمرهم ان تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم على المسلمين عامة ويدعوا ما سوى ذلك)[39].

قال صاحب المهذب: (واما الدعاء للسلطان فلا يستحب، لما روي انه سئل عطاء عن ذلك فقال انه محدث، وانما كانت الخطبة تذكيرا)[40].

قال النووي شارحا لذلك: (واما الدعاء للسلطان فاتفق اصحابنا على انه لا يجب ولا يستحب، وظاهر كلام المصنف وغيره انه بدعة، اما مكروه واما خلاف الاولى، هذا اذا دعا له بعينه، فاما الدعاء لائمة المسلمين وولاة امورهم بالصلاح والاعانة على الحق والقيام بالعدل ونحو ذلك، ولجيوش الاسلام، فمستحب بالاتفاق. والمختار انه لا باس بالدعاء للسلطان بعينه اذا لم يكن مجازفة في وصفه ونحوها)[41].

قال ابن حجر: (وقد استثني من الانصات في الخطبة ما اذا انتهى الخطيب الى كل ما لم يشرع، مثل الدعاء للسلطان مثلا. بل جزم صاحب التهذيب بان الدعاء للسلطان مكروه. وقال النووي: محله اذا جازف، والا فالدعاء لولاة الامر مطلوب. ومحل الترك اذا لم يخف الضرر، والا فيباح للخطيب اذا خشي على نفسه)[42].

  • الحرص المفرط على حضور الختمة والدعاء المزعوم لختم القران، وهي بدعة فشت بين الناس.. وقد اختلف العلماء في حكم التنادي لختم القران على قولين:

– قول بمشروعية الدعاء لختم القران في صلاة التراويح او الوتر؛ وقد روي عن الامام احمد، كما نقله عنه ابن قدامة قائلا: (قال الفضل بن زياد: سالت ابا عبد الله فقلت: اختم القران، اجعله في الوتر او في التراويح؟ قال: اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاء بين اثنين، قلت كيف اصنع؟ قال: اذا فرغت من اخر القران فارفع يديك قبل ان تركع، وادع بنا ونحن في الصلاة واطل القيام، قلت: بم ادعو؟ قال: بما شئت، قال: ففعلت بما امرني وهو خلفي يدعو قائما ويرفع يديه.

وقال حنبل: سمعت احمد يقول في ختم القران: اذا فرغت من قراءة {قل اعوذ برب الناس} [الناس: ١] فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع، قلت: الى اي شيء تذهب في هذا؟ قال: رايت اهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة.
قال العباس بن عبد العظيم: وكذلك ادركنا الناس بالبصرة وبمكة، ويروي اهل المدينة في هذا شيئا، وذكر عن عثمان بن عفان)[43].

– قول بمشروعية دعاء الختمة، لكن بعد الفراغ من الصلاة، لا داخلها، وهذا لا اشكال فيه؛ لانه دعاء اثر قربة من اعظم القرب، ولما ورد عن انس – رضي الله عنه: (انه كان اذا ختم القران جمع اهله ودعا)[44].

يقول بكر ابو زيد في مقدمة بحثه النفيس (مرويات دعاء ختم القران): (وقد عهد من مدارك الشرع ان امور العباد التعبدية توقيفية لا تشرع الا بنص نصبه الله على حكمه مسلم الثبوت والدلالة..).

ثم طفق ينتقد ما روي في شان بالختمة وضعفه كله، سوى قول مجاهد (الرحمة تنزل عند ختم القران)[45].

وما ذكر عن انس رضي الله عنه انه كان اذا اراد ان يختم جمع اهله ودعا[46]. ثم نقل رحمه الله قول الامام مالك حين سئل عن الدعاء بعد ختم القران؟: (ما سمعت انه يدعو عند ختم القران وما هو من عمل الناس)[47].

واتبع ذلك بقول ابن رشد شارحا لكلام مالك نفسه: (الدعاء حسن، لكنه كره ابتداع القيام له عند تمام القران، وقيام الرجل مع اصحابه لذلك عند انصرافهم من صلاتهم واجتماعهم لذلك عند خاتمة القران كنحو ما يفعل بعض الائمة عندنا من الخطبة على الناس عند الختمة في رمضان والدعاء فيها وتامين الناس على دعائه؛ وهي كلها بدع محدثات لم يكن عليها السلف)[48].

وقد كان الائمة يكرهون ما لم يشرع من البدع، سواء تمحضت او كانت اضافية؛ ولهذا نجد مالكا يجيب عندما سئل عن قيام الرجل بعد فراغه من الصلاة يدعو قائلا: (ليس هذا بصواب ولا احب لاحد ان يفعله)[49].

زمن القنوت:

من اهل العلم من ذهب الى استحباب قنوت الوتر في النصف الثاني من رمضان، وهو مذهب الشافعي ورواية عن مالك واحمد – رحمهم الله تعالى، ومنهم من راى انه مسنون في السنة كلها، كما هو مذهب الحنابلة والحنفية.
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية: (واما القنوت في الوتر فجائز وليس بلازم، فمن اصحابه – اي النبي صلى الله عليه وسلم – من لم يقنت، ومنهم من قنت في النصف الاخير من رمضان، ومنهم من قنت السنة كلها، والعلماء منهم من يستحب الاول كمالك، ومنهم من يستحب الثاني كالشافعي واحمد في رواية، ومنهم من يستحب الثالث كابي حنيفة والامام احمد في رواية. والجميع جائز، فمن فعل شيئا من ذلك فلا لوم عليه)[50].

وفي حديث ابي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم: «كان يوتر فيقنت قبل الركوع»[51]. وقد تقدمت وصاته صلى الله عليه وسلم لسبطه الحسن بن علي رضي الله عنهما.

يقول ابن تيمية: (وحقيقة الامر ان قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ في الصلاة، من شاء فعله ومن شاء تركه.. واذا صلى بهم قيام رمضان، فان قنت في جميع الشهر، فقد احسن، وان قنت في النصف الاخير، فقد احسن، وان لم يقنت بحال، فقد احسن)[52].

ورغم ان العلماء اتفقوا على مشروعية القنوت عند النوازل في صلاة الفجر[53]، الا انهم اختلفوا في مشروعيته في الوتر على ثلاثة مذاهب كما صرح بذلك ابن تيمية، وبعضهم على اربع، وهو الذي اعتمدته:

1 – كراهية القنوت في الوتر: وهو القول المشتهر عند المالكية، قال الامام مالك: (وليس العمل على القنوت في رمضان؛ لا في اوله، ولا في اخره، ولا في نافلة، ولا في الوتر اصلا)[54]. وحجتهم عدم ثبات دليل في ذلك، وقد ذكر ابن تيمية هذا، فقال: (واما قنوت الوتر فللعلماء فيه ثلاثة اقوال: قيل: لا يستحب بحال، لانه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قنت في الوتر)[55]، وذكر باقي الاقوال. قال ابن حجر: (قال الخلال عن احمد: لا يصح فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن عمر كان يقنت)[56]. وقال ابن خزيمة: (ولست احفظ خبرا ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر)[57].

2 – سنية القنوت في النصف الاخير من رمضان: وقد روي عن علي وابي بن كعب[58]، والزهري[59]. يقول ابن تيمية: (وقيل: بل يقنت في النصف الاخير من رمضان كما كان ابي بن كعب يفعل)[60]. وروى ابن وهب وابن حبيب عن مالك: (ان ذلك مستحب في النصف الاخر من رمضان، فيقنت الامام؛ يلعن الكفرة، ويؤمن من خلفه)[61]. وهو قول ابن نافع من المالكية[62]. والمشهور عند الشافعية[63].

وقد نص عليه الامام احمد حين ساله ابو داود: (القنوت في السنة كلها؟ قال: ان شئت. قال: فما تختار؟ قال: اما انا فلا اقنت الا في النصف الباقي، الا ان اصلي خلف الامام فيقنت فاقنت معه)[64]. واستدلوا بما ورد في ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما[65].

3 – سنية القنوت في رمضان: وهذا قول للمالكية، حيث نقل محمد بن يحيى عن مالك قوله: (يلعن الكفرة في رمضان اذا اوتر الناس، فصلى الركعتين، ثم قام في الثالثة، فركع، فاذا رفع راسه من الركوع وقف يدعو على الكفرة ويلعنهم ويستنصر للمسلمين، ويدعو مع ذلك بشيء خفيف غير كثير…)[66]. وهو قول للشافعية[67].

4 – سنية القنوت في الوتر على مدار السنة: وهذا قول ابن مسعود رضي الله عنه، وابراهيم النخعي[68]. وقال ابو حنيفة واحمد: (يستحب القنوت في الوتر في جميع السنة)[69]. يقول ابن تيمية: (وقيل: بل يستحب في جميع السنة، كما ينقل عن ابن مسعود وغيره، ولان في السنن ان النبي صلى الله عليه وسلم علم الحسن بن علي – رضي الله عنهما – دعاء يدعو به في قنوت الوتر)[70].

وقال الشافعي: (يستحب في النصف الاخر من شهر رمضان)[71]. وحجتهم في ذلك وصاة النبي صلى الله عليه وسلم لسبطه المتقدمة. وحديث ابي بن كعب رضي الله عنه: «ان النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر»[72]، فضلا عما سبق ذكره من قنوت عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم.

موضع القنوت من الركوع:

لقد اختلف العلماء في موضع القنوت على ثلاثة اقوال:

1 – القنوت قبل الركوع: وقد روي عن عمر وعلي وابن مسعود وابي موسى والبراء بن عازب وابن عمر وابن عباس وانس وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم اجمعين[73]. وهو قول المالكية والحنفية[74]. واستدلوا بما رواه عبد الرحمن بن ابزى قال: (صليت خلف عمر بن الخطاب صلاة الصبح فسمعته يقول بعد القراءة قبل الركوع: «اللهم اياك نعبد..»)[75]. وكذلك بقول علقمة: (ان ابن مسعود واصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع)[76]. كما احتجوا باحاديث كلها ضعيفة[77].

2 – القنوت بعد الركوع: وهذا القول يعضده حديث ابي هريرة رضي الله عنه: «ان النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا اراد ان يدعو على احد، او يدعو لاحد، قنت بعد الركوع»[78]. وحكاه ابن المنذر عن ابي بكر وعمر وعلي وابي – رضي الله عنهم – وسعيد بن جبير، وهو الصحيح من مذهب الشافعية[79]. وكذلك وجه عند الحنابلة[80].

3 – استنانه بعد الركوع وجوازه قبله، وقد قال بهذا القول ايوب السختياني[81]، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة[82].
وقد ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع[83]، كما ثبت انه صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع[84]، فاذا قنت قبل الركوع ابتدا به بعد الفراغ من القراءة بلا تكبير[85].

وان كان الشيخ الالباني رجح كونه قبل الركوع؛ حيث قال: (والخلاصة ان الصحيح الثابت عن الصحابة هو القنوت قبل الركوع في الوتر)[86].

افتتاح القنوت:

هل يفتتح القنوت بالثناء والحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ام لا؟

1 – قول بعدم سنية افتتاح القنوت بالحمد والثناء، ودليله حديث الحسن المتقدم، اذ لم يرد فيه الثناء والحمد ولا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وان ذكر بعض العلماء اختتامه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما سياتي. وكون الدعاء عبادة والعبادات توقيفية، اضافة الى انه لم يثبت نقل دال على افتتاح القنوت بغير دعائه. وهذا قول الشيخ ابن باز[87].

2 – قول بسنية ابتداء القنوت بالثناء والحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مذهب الحنابلة، ودليله حديث فضالة ان النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته فلم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: عجل هذا، ثم قال: «اذا دعا احدكم فليبدا بتحميد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي ثم يدعو بما شاء»[88].

وبما ذكر من قنوت عمر – رضي الله عنه – في صلاة الصبح[89]. يقول الامام احمد: (يدعو بدعاء عمر: «اللهم انا نستعينك…» وبدعاء الحسن: «اللهم اهدنا فيمن هديت…»)[90] – ولان الاصل في الدعاء ابتداؤه بالحمد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول النفراوي في اطار تعداده لاداب الدعاء: (ومنها: ابتداؤه بالحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم)[91]. وقال الصاوي: (ويندب ابتداؤه بالحمد والصلاة على النبي)[92]. وقد رجح الامام النووي استحباب اختتام القنوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما ورد في اخر حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما من قوله: «وصلى الله على النبي»[93].

صفة التامين:

من السنة التامين على الدعاء، وهو قول امين، اي اللهم استجب، فينبغي ان يفرق المؤمن بين مواضع التامين والتقديس والاستعاذة والتنزيه والدعاء والخبر، قال معاذ القاري – رضي الله عنه – في قنوته ذات مرة: «اللهم قحط المطر»، فقالوا: «امين»، فلما فرغ من صلاته قال: «قلت: اللهم قحط المطر فقلتم: امين، الا تسمعون ما اقول ثم تقولون: امين»[94].
والتامين على الدعاء في الصلاة يكون سرا في غير الفاتحة؛ اذ نصت الاحاديث على الجهر بالتامين بعد قراءتها جهرا، كما في حديث وائل بن حجر – رضي الله عنه – قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرا {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [الفاتحة: ٧]، فقال: «امين» ورفع بها صوته»[95]. والاصل في الدعاء خفض الصوت والاستكانة والتضرع؛ لقول الله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} [الاعراف: ٥٥].

والله اعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى اله واصح

الحمد لله الذي سهل سبيل الهداية، واحاط السنة بما يناسبها من عناية، والصلاة والسلام على من بعثه الله للعالمين بشيرا ونذيرا، ورتب النجاة على طاعته واتباع هديه والتزام سنته اولا واخيرا، وبعد:

فان للدعاء شانا عظيما ومكانة عالية نوه بها القران الكريم وصدحت بها السنة المطهرة؛ قال تعالى: {وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} [غافر: ٠٦]، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «الدعاء هو العبادة»[1]، وهذا اللفظ يطول دعاء المسالة والطلب، ودعاء الثناء والحمد.

ونظرا لاقبال انفس المسلمين على الطاعات في شهر رمضان المبارك اكثر من غيره، واتسامهم فيه بالجار الى الله سبحانه والتزامهم بالقنوت خاصة؛ فان هذا المقال ستدور محاوره حول القنوت في رمضان، وسيكون استهلاله بتعريفه:

تعريف القنوت:

القنوت في اللغة: يتمحور معناه حول الطاعة والخير في دين؛ يقول ابن فارس: (القاف والنون والتاء اصل صحيح يدل على طاعة وخير في دين، لا يعدو هذا الباب.

والاصل فيه الطاعة، يقال: قنت يقنت قنوتا، ثم سمي كل استقامة في طريق الدين قنوتا، وقيل لطول القيام في الصلاة قنوت، وسمي السكوت في الصلاة والاقبال عليها قنوتا؛ قال الله تعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238][2]).

وقد جاء القنوت بمعان لم يخرج فيها عن معنى الاستقامة على الدين والانقياد لامر الله تعالى، ومن ذلك:

القنوت: بمعنى لزوم الطاعة مع الخضوع، كما جاء في قوله تبارك وتعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238].

القنوت بمعنى طول القيام في الصلاة، ومنه ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افضل الصلاة طول القنوت»[3].

القنوت بمعنى الانكباب على العبادة، قال تبارك وتعالى: {ان ابراهيم كان امة قانتا} [النحل: 120].

وقد نظم المعاني التي ياتي بها لفظ (القنوت) زين الدين العراقي – رحمه الله – بقوله:

ولفظ القنوت اعدد معانيه تجد

مزيدا على عشر معاني مرضيه

دعاء، خشوع، والعبادة، طاعة،

اقامتها، اقراره بالعبوديه

سكوت، صلاة، والقيام، وطوله

كذاك دوام الطاعة الرابح النيه[4]

فاتضح تعدد المعاني اللغوية للقنوت وان لم تخرج كلها عن الخيرية والفضل والطاعة.

اما القنوت في الاصطلاح الشرعي فيعني الدعاء حال القيام في الصلاة؛ وذلك لان الدعاء عامة اجل الطاعات واخير العبادات – احرى اذا كان في الصلاة، وقيل: لانه يكون في القيام قبل الركوع او بعده فسمي باسم لازمه وهو القيام[5].. فالقنوت اذا الدعاء في محل مخصوص من القيام في الصلاة[6].

ومن تيسير الله تعالى لامر القنوت وتبيينه لمعالم منهجه، ان جعل في القران الكريم والسنة المطهرة من جوامع الدعاء ما فيه مؤتسى للمتبع وغنية للداعي غير المبتدع، فالاولى معرفة تلك الجوامع وامتثالها حتى لا يسقط الداعي في مهوى مخالفة السنة، ويقع في الاثم من حيث اراد الطاعة.

ومن ابرز مخالفات القنوت في رمضان:

  • التطويل المخل في الدعاء، والتنافس فيه، وتكلف الابداع في مقاطعه، مع ان ادعية القنوت المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم، كلها ادعية مختصرة جامعة؛ ولهذا سعى بعض علماء السلف الى تحديد مقدار القنوت، ومن ذلك ما ذكره علاء الدين السمرقندي حين عدد احكام القنوت قائلا: ومنها مقدار القنوت ذكر في الكتاب [انه] مقدار سورة: {اذا السماء انشقت} [الانشقاق: ١] او {والسماء ذات البروج} [البروج: ١][7]. وقال علاء الدين الكاساني: (واما مقدار القنوت فقد ذكر الكرخي ان مقدار القيام في القنوت مقدار سورة {اذا السماء انشقت} [الانشقاق: ١]، وكذا ذكر في الاصل؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه «كان يقرا في القنوت اللهم انا نستعينك، اللهم اهدنا فيمن هديت، وكلاهما على مقدار هذه السورة». وروي انه صلى الله عليه وسلم «كان لا يطول في دعاء القنوت»)[8].

وعليه فان الامام يمنع من التطويل الذي يشق على المامومين.

ومن ابرز ادعية القنوت ما جاء عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات اقولهن في قنوت الوتر: «اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما اعطيت، وقني شر ما قضيت، فانك تقضي ولا يقضى عليك، انه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت»)[9].

ان تطويل دعاء القنوت يؤدي الى غفلة كثير من الداعين عن مقاصد الدعاء؛ لما ينتابهم من السامة والاعياء لطول القيام واستمرار رفع الايدي.

  • الاعراض عن الادعية الماثورة في القران وصحيح السنة والاعتياض عنها بادعية مخترعة؛ لا شك انه الت للثواب لما في التزام السنة ومهيع السلف من البركة والخيرية، ذلك ان عدم التزام الادعية النبوية وتجشم ابتكار ادعية غير معروفة، ينافي ما نص عليه كثير من اهل العلم من ان قنوت الوتر في رمضان لا يزاد فيه على ما ورد في السنة النبوية، يقول الامام النووي: (السنة في لفظ القنوت: «اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما اعطيت وقني شر ما قضيت فانك تقضي ولا يقضى عليك وانه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت». هذا لفظه في الحديث الصحيح باثبات الفاء في «فانك» والواو في «وانه لا يذل»).

الى ان قال: (فان الفاظ الاذكار يحافظ فيها على الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم)[10].

ثم عرض الخلاف حول الزيادة على الماثور في الدعاء قائلا: (واعلم ان القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار، فاي دعاء دعا به حصل القنوت، ولو قنت باية او ايات من القران العزيز وهي مشتملة على الدعاء حصل القنوت[11]، ولكن الافضل ما جاءت به السنة[12].

ولو قنت بالمنقول عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان حسنا، فقد روي انه قنت في الصبح بعد الركوع فقال: «اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات والف بين قلوبهم واصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم العن كفرة اهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون اولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل اقدامهم وانزل بهم باسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين. اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم اياك نعبد ولك نصلي ونسجد واليك نسعى ونحفد ونخشى عذابك ونرجو رحمتك ان عذابك الجد بالكفار ملحق»)[13]. قال النووي: (وقوله: «اللهم عذب كفرة اهل الكتاب»؛ انما اقتصر على اهل الكتاب لانهم الذين كانوا يقاتلون المسلمين في ذلك العصر، واما الان فالمختار ان يقال: (عذب الكفرة) ليعم اهل الكتاب وغيرهم من الكفار، فان الحاجة الى الدعاء على غيرهم اكثر والله اعلم. قال اصحابنا: – والكلام للنووي – يستحب الجمع بين قنوت عمر رضي الله عنه وبين ما سبق، فان جمع بينهما فالاصح تاخير قنوت عمر، وفي وجه يستحب تقديمه. وان اقتصر فليقتصر على الاول، وانما يستحب الجمع بينهما اذا كان منفردا او امام محصورين يرضون بالتطويل)[14].

كما ان التنكيب عن مهيع السلف في القنوت وغيره مفض الى الغفلة والتردد، قائد الى الشك في الاستجابة، خلافا لما داب عليه السلف من اليقين على تحققها، تجسيدا لامر النبي صلى الله عليه وسلم: «ادعوا الله وانتم موقنون بالاجابة، واعلموا ان الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل»[15].
وما كانوا عليه من الرغبة في جوامع الدعاء تاسيا بالمصطفى صلى الله عليه وسلم؛ كما قالت عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك»[16].

وقد اثر عنهم النكير الشديد على المعتدين في الدعاء؛ لمنافاة عملهم صريح القران وصحيح السنة؛ قال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية انه لا يحب المعتدين} [الاعراف: ٥٥]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سيكون قوم يعتدون في الدعاء»[17].

ولما سمع سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه ابنه يقول في دعائه: (اللهم اني اسالك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا..، واعوذ بك من النار وسلاسلها واغلالها وكذا وكذا.. قال: «يا بني، اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «سيكون قوم يعتدون في الدعاء»، فاياك ان تكون منهم، انك ان اعطيت الجنة اعطيتها وما فيها من الخير، وان اعذت من النار اعذت منها، وما فيها من الشر»)[18]. وسمع ابن مغفل رضي الله عنه ابنه يقول: (اللهم اني اسالك القصر الابيض عن يمين الجنة اذا دخلتها، فقال: اي بني، سل الله الجنة، وتعوذ به من النار، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «انه سيكون في هذه الامة قوم يعتدون في الطهور والدعاء»)[19].

يقول ابن تيمية: (والمشروع للانسان ان يدعو بالادعية الماثورة، فان الدعاء من افضل العبادات، وقد نهانا الله عن الاعتداء فيه. فينبغي لنا ان نتبع فيه ما شرع وسن، كما انه ينبغي لنا ذلك في غيره من العبادات. والذي يعدل عن الدعاء المشروع الى غيره – وان كان من احزاب المشايخ – الاحسن له ان لا يفوته الاكمل الافضل، وهي الادعية النبوية، فانها افضل واكمل باتفاق المسلمين من الادعية التي ليست كذلك، وان قالها الشيوخ… ومن اشد الناس عيبا من يتخذ حزبا ليس بماثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وان كان حزبا لبعض المشايخ، ويدع الاحزاب النبوية التي كان يقولها سيد بني ادم وامام الخلق وحجة الله على عباده)[20].
وقال في موضع اخر: (المنصوص المشهور عن الامام احمد انه لا يدعو في الصلاة الا بالادعية المشروعة الماثورة، كما قال الاثرم: قلت لاحمد بماذا ادعو بعد التشهد؟

قال: بما جاء في الخبر. قلت له: اوليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثم ليتخير من الدعاء ما شاء»[21]؟ قال: يتخير مما جاء في الخبر. فعاودته فقال: ما في الخبر…..)[22].

 

  • تكلف السجع، وقد كرهه السلف ونهوا عنه، خاصة ما كان منه على غير سجية، وقد جاء قول ابن عباس رضي الله عنهما لمولاه عكرمة في النهي عن ذلك صريحا: «انظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فاني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه لا يفعلون الا ذلك الاجتناب»[23]. وقال الغزالي: (المراد بالسجع هو المتكلف من الكلام، لان ذلك لا يلائم الضراعة والذلة، والا ففي الادعية الماثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم كلمات متوازنة غير متكلفة)[24].

وقد يكون التكلف في السجع من موانع الاستجابة كما قال الامام القرطبي – عند ذكره انواع الاعتداء في الدعاء: (ومنها ان يدعو بما ليس في الكتاب والسنة فيتخير الفاظا مفقرة وكلمات مسجعة قد وجدها في كراريس لا اصل لها ولا معول عليها، فيجعلها شعاره ويترك ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل هذا يمنع من استجابة الدعاء)[25]. ويقول ابن حجر: (الاعتداء في الدعاء يقع بزيادة الرفع فوق الحاجة، او بطلب ما يستحيل حصوله شرعا، او بطلب معصية، او يدعو بما لم يؤثر خصوصا ما وردت كراهته كالسجع المتكلف وترك المامور)[26]. يقول ابن تيمية: (ينبغي للداعي اذا لم تكن عادته الاعراب ان لا يتكلف الاعراب. قال بعض السلف: اذا جاء الاعراب ذهب الخشوع، وهذا كما يكره تكلف السجع في الدعاء، فاذا وقع بغير تكلف فلا باس به، فان اصل الدعاء من القلب، واللسان تابع للقلب. ومن جعل همته في الدعاء تقويم لسانه اضعف توجه قلبه….)[27].

  • تلحين الدعاء، وتطريب الصوت به، والمبالغة في ترتيله حتى يؤدى على هيئة قراءة القران، وذلك ممقوت؛ لما ينطوي عليه من التكلف المنافي لطابع هذه الشريعة المباركة؛ قال تعالى: {قل ما اسالكم عليه من اجر وما انا من المتكلفين} [ص: 86] . قال الكمال بن الهمام: (مما تعارفه الناس في هذه الازمان من التمطيط والمبالغة في الصياح والاشتهار لتحريرات النغم اظهارا للصناعة النغمية لا اقامة للعبودية، فانه لا يقتضي الاجابة، بل هو من مقتضيات الرد؛ فاستبان ان ذلك من مقتضيات الخيبة والحرمان)[28].
    وقال: (ولا ارى ان تحرير النغم في الدعاء كما يفعله القراء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال، وما ذاك الا نوع لعب، فانه لو قدر في الشاهد سائل حاجة من ملك ادى سؤاله وطلبه بتحرير النغم فيه من الخفض والرفع والتطريب والترجيع كالتغني نسب البتة الى قصد السخرية واللعب؛ اذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغني)[29]. وقال بكر ابو زيد: (فتسمع في دعاء القنوت عند بعض الائمة في رمضان الجهر الشديد وخفض الصوت ورفعه في الاداء حسب مواضع الدعاء، والمبالغة في الترنم، والتطريب والتجويد، والترتيل، حتى لكانه يقرا سورة من كتاب الله – تعالى – ويستدعي بذلك عواطف المامومين؛ ليجهشوا بالبكاء)[30].

فالمشروع للداعي ان يدعو بجوامع الدعاء من غير تكلف لسجع، ولا تمطيط لتلحين.

فالمبالغة في رفع الصوت بالدعاء تخالف توجيه القران العظيم، وسمت الهدي النبوي؛ يقول ربنا عز وجل: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا} [الاسراء: 110]، قال الامام البخاري معلقا على هذه الاية: (اسمعهم ولا تجهر، حتى ياخذوا عنك القران)[31]. وقال ابن جريج – رحمه الله: (يكره رفع الصوت والنداء والصياح بالدعاء، ويؤمر بالتضرع والاستكانة)[32].
وقال الالوسي: (وترى كثيرا من اهل زمانك يعتمدون الصراخ في الدعاء خصوصا في الجوامع حتى يعظم اللغط ويشتد وتستك المسامع وتشتد ولا يدرون انهم جمعوا بين بدعتين، رفع الصوت في الدعاء وكون ذلك في المسجد)[33].

وقد انكر النبي صلى الله عليه وسلم على صحابته رضي الله عنهم رفعهم اصواتهم بالتكبير، فقال لهم: «اربعوا على انفسكم، انكم لا تدعون اصم ولا غائبا، انكم تدعون سميعا بصيرا، وهو معكم، والذي تدعونه اقرب الى احدكم من عنق راحلته»[34].

  • تحويل القنوت الى خطب ومواعظ بل ومنابر للتزلف للامراء والرؤساء والكبراء، وهذا من الابتداع والتعدي في الدعاء؛ اذ لم ينقل مثله عن السلف، وان ورد عن بعضهم جوازه في خطب الجمعة لا في قنوت الوتر، الذي هو داخل الصلاة، ذلك ان الاصل اتيان الامام في دعاء القنوت بالادعية التي لها صفة العموم، وصيغة الجمع، الا اذا خص طائفة من المؤمنين واقعين في كرب عظيم، او طائفة من المجرمين لشدة عداوتهم وقوة محاربتهم للاسلام، فهذا مشروع بلا خلاف؛ لما جاء عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم انج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن ابي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطاتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف»[35]. ولما جاء عن عمر – رضي الله عنه – انه كان يقول: «.. اللهم العن كفرة اهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون اولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل اقدامهم، وانزل بهم باسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين»[36]. وقد عقد ابن ابي شيبة في مصنفه: «باب في تسمية الرجل في القنوت». وقال العراقي في سرده لفوائد حديث ابي هريرة – رضي الله عنه: (فيه حجة على ابي حنيفة في منعه ان يدعى لمعين او على معين في الصلاة، وخالفه الجمهور فجوزوا ذلك لهذا الحديث وغيره من الاحاديث الصحيحة)[37]. واذا خص الامام ماموميه بالدعاء فلا باس، لكن الاولى تعميم الدعاء.
    وايا كان القول في التخصيص فان ذلك لا ينبغي ان يتخذ سنة مستمراة في الصلاة[38].

وقد كتب عمر بن عبد العزيز الى عامله قائلا: (اما بعد، فان ناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الاخرة، وان من القصاص قد احدثوا في الصلاة على خلفائهم وامرائهم عدل صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم، فاذا جاءك كتابي فمرهم ان تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم على المسلمين عامة ويدعوا ما سوى ذلك)[39].

قال صاحب المهذب: (واما الدعاء للسلطان فلا يستحب، لما روي انه سئل عطاء عن ذلك فقال انه محدث، وانما كانت الخطبة تذكيرا)[40].

قال النووي شارحا لذلك: (واما الدعاء للسلطان فاتفق اصحابنا على انه لا يجب ولا يستحب، وظاهر كلام المصنف وغيره انه بدعة، اما مكروه واما خلاف الاولى، هذا اذا دعا له بعينه، فاما الدعاء لائمة المسلمين وولاة امورهم بالصلاح والاعانة على الحق والقيام بالعدل ونحو ذلك، ولجيوش الاسلام، فمستحب بالاتفاق. والمختار انه لا باس بالدعاء للسلطان بعينه اذا لم يكن مجازفة في وصفه ونحوها)[41].

قال ابن حجر: (وقد استثني من الانصات في الخطبة ما اذا انتهى الخطيب الى كل ما لم يشرع، مثل الدعاء للسلطان مثلا. بل جزم صاحب التهذيب بان الدعاء للسلطان مكروه. وقال النووي: محله اذا جازف، والا فالدعاء لولاة الامر مطلوب. ومحل الترك اذا لم يخف الضرر، والا فيباح للخطيب اذا خشي على نفسه)[42].

  • الحرص المفرط على حضور الختمة والدعاء المزعوم لختم القران، وهي بدعة فشت بين الناس.. وقد اختلف العلماء في حكم التنادي لختم القران على قولين:

– قول بمشروعية الدعاء لختم القران في صلاة التراويح او الوتر؛ وقد روي عن الامام احمد، كما نقله عنه ابن قدامة قائلا: (قال الفضل بن زياد: سالت ابا عبد الله فقلت: اختم القران، اجعله في الوتر او في التراويح؟ قال: اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاء بين اثنين، قلت كيف اصنع؟ قال: اذا فرغت من اخر القران فارفع يديك قبل ان تركع، وادع بنا ونحن في الصلاة واطل القيام، قلت: بم ادعو؟ قال: بما شئت، قال: ففعلت بما امرني وهو خلفي يدعو قائما ويرفع يديه.

وقال حنبل: سمعت احمد يقول في ختم القران: اذا فرغت من قراءة {قل اعوذ برب الناس} [الناس: ١] فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع، قلت: الى اي شيء تذهب في هذا؟ قال: رايت اهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة.
قال العباس بن عبد العظيم: وكذلك ادركنا الناس بالبصرة وبمكة، ويروي اهل المدينة في هذا شيئا، وذكر عن عثمان بن عفان)[43].

– قول بمشروعية دعاء الختمة، لكن بعد الفراغ من الصلاة، لا داخلها، وهذا لا اشكال فيه؛ لانه دعاء اثر قربة من اعظم القرب، ولما ورد عن انس – رضي الله عنه: (انه كان اذا ختم القران جمع اهله ودعا)[44].

يقول بكر ابو زيد في مقدمة بحثه النفيس (مرويات دعاء ختم القران): (وقد عهد من مدارك الشرع ان امور العباد التعبدية توقيفية لا تشرع الا بنص نصبه الله على حكمه مسلم الثبوت والدلالة..).

ثم طفق ينتقد ما روي في شان بالختمة وضعفه كله، سوى قول مجاهد (الرحمة تنزل عند ختم القران)[45].

وما ذكر عن انس رضي الله عنه انه كان اذا اراد ان يختم جمع اهله ودعا[46]. ثم نقل رحمه الله قول الامام مالك حين سئل عن الدعاء بعد ختم القران؟: (ما سمعت انه يدعو عند ختم القران وما هو من عمل الناس)[47].

واتبع ذلك بقول ابن رشد شارحا لكلام مالك نفسه: (الدعاء حسن، لكنه كره ابتداع القيام له عند تمام القران، وقيام الرجل مع اصحابه لذلك عند انصرافهم من صلاتهم واجتماعهم لذلك عند خاتمة القران كنحو ما يفعل بعض الائمة عندنا من الخطبة على الناس عند الختمة في رمضان والدعاء فيها وتامين الناس على دعائه؛ وهي كلها بدع محدثات لم يكن عليها السلف)[48].

وقد كان الائمة يكرهون ما لم يشرع من البدع، سواء تمحضت او كانت اضافية؛ ولهذا نجد مالكا يجيب عندما سئل عن قيام الرجل بعد فراغه من الصلاة يدعو قائلا: (ليس هذا بصواب ولا احب لاحد ان يفعله)[49].

زمن القنوت:

من اهل العلم من ذهب الى استحباب قنوت الوتر في النصف الثاني من رمضان، وهو مذهب الشافعي ورواية عن مالك واحمد – رحمهم الله تعالى، ومنهم من راى انه مسنون في السنة كلها، كما هو مذهب الحنابلة والحنفية.
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية: (واما القنوت في الوتر فجائز وليس بلازم، فمن اصحابه – اي النبي صلى الله عليه وسلم – من لم يقنت، ومنهم من قنت في النصف الاخير من رمضان، ومنهم من قنت السنة كلها، والعلماء منهم من يستحب الاول كمالك، ومنهم من يستحب الثاني كالشافعي واحمد في رواية، ومنهم من يستحب الثالث كابي حنيفة والامام احمد في رواية. والجميع جائز، فمن فعل شيئا من ذلك فلا لوم عليه)[50].

وفي حديث ابي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم: «كان يوتر فيقنت قبل الركوع»[51]. وقد تقدمت وصاته صلى الله عليه وسلم لسبطه الحسن بن علي رضي الله عنهما.

يقول ابن تيمية: (وحقيقة الامر ان قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ في الصلاة، من شاء فعله ومن شاء تركه.. واذا صلى بهم قيام رمضان، فان قنت في جميع الشهر، فقد احسن، وان قنت في النصف الاخير، فقد احسن، وان لم يقنت بحال، فقد احسن)[52].

ورغم ان العلماء اتفقوا على مشروعية القنوت عند النوازل في صلاة الفجر[53]، الا انهم اختلفوا في مشروعيته في الوتر على ثلاثة مذاهب كما صرح بذلك ابن تيمية، وبعضهم على اربع، وهو الذي اعتمدته:

1 – كراهية القنوت في الوتر: وهو القول المشتهر عند المالكية، قال الامام مالك: (وليس العمل على القنوت في رمضان؛ لا في اوله، ولا في اخره، ولا في نافلة، ولا في الوتر اصلا)[54]. وحجتهم عدم ثبات دليل في ذلك، وقد ذكر ابن تيمية هذا، فقال: (واما قنوت الوتر فللعلماء فيه ثلاثة اقوال: قيل: لا يستحب بحال، لانه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قنت في الوتر)[55]، وذكر باقي الاقوال. قال ابن حجر: (قال الخلال عن احمد: لا يصح فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن عمر كان يقنت)[56]. وقال ابن خزيمة: (ولست احفظ خبرا ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر)[57].

2 – سنية القنوت في النصف الاخير من رمضان: وقد روي عن علي وابي بن كعب[58]، والزهري[59]. يقول ابن تيمية: (وقيل: بل يقنت في النصف الاخير من رمضان كما كان ابي بن كعب يفعل)[60]. وروى ابن وهب وابن حبيب عن مالك: (ان ذلك مستحب في النصف الاخر من رمضان، فيقنت الامام؛ يلعن الكفرة، ويؤمن من خلفه)[61]. وهو قول ابن نافع من المالكية[62]. والمشهور عند الشافعية[63].

وقد نص عليه الامام احمد حين ساله ابو داود: (القنوت في السنة كلها؟ قال: ان شئت. قال: فما تختار؟ قال: اما انا فلا اقنت الا في النصف الباقي، الا ان اصلي خلف الامام فيقنت فاقنت معه)[64]. واستدلوا بما ورد في ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما[65].

3 – سنية القنوت في رمضان: وهذا قول للمالكية، حيث نقل محمد بن يحيى عن مالك قوله: (يلعن الكفرة في رمضان اذا اوتر الناس، فصلى الركعتين، ثم قام في الثالثة، فركع، فاذا رفع راسه من الركوع وقف يدعو على الكفرة ويلعنهم ويستنصر للمسلمين، ويدعو مع ذلك بشيء خفيف غير كثير…)[66]. وهو قول للشافعية[67].

4 – سنية القنوت في الوتر على مدار السنة: وهذا قول ابن مسعود رضي الله عنه، وابراهيم النخعي[68]. وقال ابو حنيفة واحمد: (يستحب القنوت في الوتر في جميع السنة)[69]. يقول ابن تيمية: (وقيل: بل يستحب في جميع السنة، كما ينقل عن ابن مسعود وغيره، ولان في السنن ان النبي صلى الله عليه وسلم علم الحسن بن علي – رضي الله عنهما – دعاء يدعو به في قنوت الوتر)[70].

وقال الشافعي: (يستحب في النصف الاخر من شهر رمضان)[71]. وحجتهم في ذلك وصاة النبي صلى الله عليه وسلم لسبطه المتقدمة. وحديث ابي بن كعب رضي الله عنه: «ان النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر»[72]، فضلا عما سبق ذكره من قنوت عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم.

موضع القنوت من الركوع:

لقد اختلف العلماء في موضع القنوت على ثلاثة اقوال:

1 – القنوت قبل الركوع: وقد روي عن عمر وعلي وابن مسعود وابي موسى والبراء بن عازب وابن عمر وابن عباس وانس وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم اجمعين[73]. وهو قول المالكية والحنفية[74]. واستدلوا بما رواه عبد الرحمن بن ابزى قال: (صليت خلف عمر بن الخطاب صلاة الصبح فسمعته يقول بعد القراءة قبل الركوع: «اللهم اياك نعبد..»)[75]. وكذلك بقول علقمة: (ان ابن مسعود واصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع)[76]. كما احتجوا باحاديث كلها ضعيفة[77].

2 – القنوت بعد الركوع: وهذا القول يعضده حديث ابي هريرة رضي الله عنه: «ان النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا اراد ان يدعو على احد، او يدعو لاحد، قنت بعد الركوع»[78]. وحكاه ابن المنذر عن ابي بكر وعمر وعلي وابي – رضي الله عنهم – وسعيد بن جبير، وهو الصحيح من مذهب الشافعية[79]. وكذلك وجه عند الحنابلة[80].

3 – استنانه بعد الركوع وجوازه قبله، وقد قال بهذا القول ايوب السختياني[81]، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة[82].
وقد ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع[83]، كما ثبت انه صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع[84]، فاذا قنت قبل الركوع ابتدا به بعد الفراغ من القراءة بلا تكبير[85].

وان كان الشيخ الالباني رجح كونه قبل الركوع؛ حيث قال: (والخلاصة ان الصحيح الثابت عن الصحابة هو القنوت قبل الركوع في الوتر)[86].

افتتاح القنوت:

هل يفتتح القنوت بالثناء والحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ام لا؟

1 – قول بعدم سنية افتتاح القنوت بالحمد والثناء، ودليله حديث الحسن المتقدم، اذ لم يرد فيه الثناء والحمد ولا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وان ذكر بعض العلماء اختتامه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما سياتي. وكون الدعاء عبادة والعبادات توقيفية، اضافة الى انه لم يثبت نقل دال على افتتاح القنوت بغير دعائه. وهذا قول الشيخ ابن باز[87].

2 – قول بسنية ابتداء القنوت بالثناء والحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مذهب الحنابلة، ودليله حديث فضالة ان النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته فلم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: عجل هذا، ثم قال: «اذا دعا احدكم فليبدا بتحميد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي ثم يدعو بما شاء»[88].

وبما ذكر من قنوت عمر – رضي الله عنه – في صلاة الصبح[89]. يقول الامام احمد: (يدعو بدعاء عمر: «اللهم انا نستعينك…» وبدعاء الحسن: «اللهم اهدنا فيمن هديت…»)[90] – ولان الاصل في الدعاء ابتداؤه بالحمد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول النفراوي في اطار تعداده لاداب الدعاء: (ومنها: ابتداؤه بالحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم)[91]. وقال الصاوي: (ويندب ابتداؤه بالحمد والصلاة على النبي)[92]. وقد رجح الامام النووي استحباب اختتام القنوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما ورد في اخر حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما من قوله: «وصلى الله على النبي»[93].

صفة التامين:

من السنة التامين على الدعاء، وهو قول امين، اي اللهم استجب، فينبغي ان يفرق المؤمن بين مواضع التامين والتقديس والاستعاذة والتنزيه والدعاء والخبر، قال معاذ القاري – رضي الله عنه – في قنوته ذات مرة: «اللهم قحط المطر»، فقالوا: «امين»، فلما فرغ من صلاته قال: «قلت: اللهم قحط المطر فقلتم: امين، الا تسمعون ما اقول ثم تقولون: امين»[94].
والتامين على الدعاء في الصلاة يكون سرا في غير الفاتحة؛ اذ نصت الاحاديث على الجهر بالتامين بعد قراءتها جهرا، كما في حديث وائل بن حجر – رضي الله عنه – قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرا {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [الفاتحة: ٧]، فقال: «امين» ورفع بها صوته»[95]. والاصل في الدعاء خفض الصوت والاستكانة والتضرع؛ لقول الله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} [الاعراف: ٥٥].

والله اعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى اله واصحابه اجمعين.

:: البيان تنشر ملف شامل لشهر رمضان المبارك (رمضان.. حكم واحكام

– See more at: http://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=2156#sthash.CQNIoXBj.dpuf

  • دعاء القنوت عند المالكية
  • حجة المالكىة على قراءة القنوت
  • دعاء القنوت في صلاة التراويح عند المالكية
  • دعاء صلاة التراويح خفيف
  • قنوت اربك فرمدان
  • قنوت التراويح عندالمالكيه
  • قنوت الوتر في رمضان عند المالكية
  • متى يجب الدعاء في التراويح عند المالكية
السابق
مانجا بليتش
التالي
رقم مطعم كودو الموحد