افضل مواضيع جميلة بالصور

رواية احلام عندما نام القدر

 

جلست ليليان كامبل مرتجفة في المقعد الكبير .. طبعا ما حصل كان غلطتها .. فمن يحرص على الاصغاء كثيرا لايسمع نفسه .. كان عليها حالما نطق ارثر غايتور اسمها ان تدعه يعرف انها هنا . لكن , بينما هي مترددة , رد جوك هانيز ردا ابقاها مسمرة في مكانها , وجعل من المستحيل عليها ان تفعل شيئا سوى الاختباء في الكرسي , والتمني بان تكون بعيدة الاف الاميال.
وفيما هي تتذكرماحدث , احمر وجهها من الالم والخجل , لانه تحدث عنها كما فعل ..كما لانها تالمت كلامه , وكانما لا تعرف نوعه من الرجال . العمل عنده سكرتيرة مدة تسعة اشهر لم يترك لها مجالا للشك لعيوبه وقوته, مع ذلك فقد كان قرارها بالعمل عنده،ومؤامراتها الماكرة للحصول على الوظيفة, تعتمد كليا على معرفة شخصيته.
لكن فرصة ليليان لم يكن لها علاقة بتخطيطها , بل القدر وحده اسكنها في شقة مؤلفة من غرفتين تقع قبالة شقة الانسة باربرا بكمان, سكرتيرة جوك هانيز قمر الليل الخاصة. وهذا كان يرسلها الى مسكنها بعد وقت طويل من عودة اهل الحي الى بيوتهم , ويرسلها الى العمل في وقت يكون الجميع فيه يتناولون حلوى نهاية الاسبوع ..
ولكن بالنسبة لليليان التعويضات المالية تغلب اي صعوبة اخرى
انفعلت الانسة بكمان , عندما سمعت ليليان تقول هذا للمرة الاولى .. كانتا قد اصبحتا صديقتين عندما تشاركتا فترة غسيل صباح السبت .. ولكن حينما علمت ان منبع اهتمام ليليان بالمال تصميمها على كسب المال اللازم لتامين دراسة اخيها الجامعية , قررت ان تساعدها .
قالت ليليان شارحة :
– لقد عاش طفولة كئيبة , ولم بكنالسبب فقط فقدان ابوينا , بل اضطرارنا للعيش مع جدينا اللذين لا مانا على وفاة ابنتهما .
– وكيف لهما هذا؟
تنهدت ليليان :
– كانا يعرفان ان امي مصابة بعقدة ***** الخوف من السفرفي السيارة..وكانها كانت تحس بان السيارة ستودي بحياتها يوما. لقد وافقت على السفرالى الريف لان تود طلب منها ذلك كهدية عيد ميلاد , ولولا هذا لما اقنعها شيء بالسفر.
– وكان هذا هو اليوم الذي…
– قتلت فيه مع ابي.. لاانظر الى شاحنة الا اتذكر. كان جداي يشعران الشعور ذاته نحو تود, وبامكانك تصور مشاعره لاضطراره الى العيش معهما. حالما انهيت دراستي ووجدت عملا استاجرت شقة.
– وامضيت كل السنوات منذ وفاتهما تحاولين الا يشعر بالذنب ؟
– وهل تلومينني ؟
– لا… ولوكنت مكانك لافسدته دلالا.
كان تفهم الانسة بكمان لوضع ليليان هو ما دفعها للتوصية بها عندما سنحت لها فرصة العمل كسكرتيرة في قسم التوضيب من (( مصانع هانيز للالبسة )) . ادركت ليليان ان حصولها على هذا المركز بناء على توصية من الانسة بكمان هو امتياز بحد ذاته, فتمسكت بالفرصة.
ثم وبدون سابق انذار.. برز حظها .. فقد ورثت الا نسة بكمان ميراثا علمت به عن طريق رسالة من احد المحامين , يقول لها فيها انها ورثت عشرات الالاف من الدولات , ومزرعة بالقرب من مدينة جاكسون في ولاية الاباما. وكانت المزرعة , والمنزل الكبير فيها هما ما دفعاها للتخلي عن كل شيء وما ان مضى شهران

حتى اخلت شقتها , واستقالت من وظيفتها , وتقاعدت لتتبوا سيادة مزرعة ريفية.. ولكنها لم تفعل ذلك قبلا ان تعرض على ليليان العمل كسكرتيرة عند جوك هانيز محلها.
قالت لها ليليان:
– يفضل المسنات والناضجات.
– لانه يظنهن اقل عبثا… ستناسبينه تماما… اذا اقتنع بك. انما من المؤسف انك جميلة , فجمالك سيبعده عنك بالتاكيد .. لو تصرفنا بحذر ومكرلجعلتك مقبولة .. هذا اذا رغبت في الوظيفة.
– قولي لي ماذا اقول , وماذا ارتدي.
وهكذا , ذهبت لمقابلته متنكرة .. شدت شعرها الاسود المتموج حول وجهها المستدير الى الوراء وعقصته .. لم تضع ماكياجا اوخطوطا سوداء على حاجبيها المقوسين او اهدابها الكثيفة , بل وضعت نظارة سميكة اخفت بنجاح بريق عينيهاالزرقاوين , ولم تنس ان تغطي بشرتها البيضاء العاجية بكريم اساس اسمر. اما ملابسها , فكانت بذلة رمادية واسعة , لا شكل لها , اخفت جسمها الانيق النحيل .
قبلها جوك هانيز بدون سؤال. القى نظرة سريعة عليها, ثم امضى معظم وقته يسالها اسئلة خاصة ليتاكد من استعدادها لالزام نفسها بالعمل عنده.
لم تشاهده من قبل الامن مسافة بعيدة , لم تبين لها مدى جمال طلعته .. لكنه في الواقع وسيم جدا.. فشعره اسود قاتم وبشرته برونزية, وعيناه رماديتان قابعتان
تحت حاجبين اسودين , وقامته ممشوقة.
لم يتملكها الخوف الا بعد ان فكرت قمر الليل كيف ستستطيع بعد مغادرة العمل ان تغير ملابسها ومظهرها التي ستبدو فيها امراة تمثل كل التحدي , فليس جوك هانيز برجل يحب الخداع . وما ان تصبح سكرتيرته حتى تصبح ملتزمة , باكثرمن طريقة. ولكن حالما تذكرت التقديمات التي سيؤمنها لها العمل , وجدت ان من السخافة التراجع..هل سيغير الزي العتيق وعدم التبرج شخصيتها ؟ فما زالت ليليان نفسها ومادامت تذكر ذلك , فستكون بخير مايرام.
بعد مضي ثلاثة اشهر , كادت لا تصدق انها تمكنت من العمل في وظيفة اخرى .
كانت ساعات العمل طويلة ومرهقة , لكن العمل نفسه ممتع حتى ان الوقت كان يمر بسرعة .. وما ان اعتادت على مشاريع الشركة الكثيرة حتى بدات تهتم شخصيا بتلك المشاريع.
كانت تفهم طبيعة عملها وتقدر جوك هانيز الذي يضغط عليها بالاعمال الكثيرة , مع انها لم تلاحظ هذا الحمل الا بعد مضي عدة اشهر.
بعد رجوعه من اجتماع عاصف متعب .. رمى لها كومة اوراق على طاولتها , وامرها بطبعها ثم دخل الى مكتبه .. بعد لحظات لحقت به, فوجدته منهارا على مقعده والعرق يتفصد من جبينه..
تمتم متوقعا سؤالها:
– صداع .. اتركها في المنزل , لم اصب بصداع منذ زمن طويل .. ولكن ساعود بعد لحطات.
اقفلت الستائر لتحجب نور الشمس , ثمخرجت من الغرفة بسرعة , واقفلت الباب وراءها , ثم اضاءت النور الاحمر الذي ينبى المدراء بان جوك هانيز مشغول .. سارعت للخروج من المبنى الى جهة الشارع الاخرى قاصدة اقرب صيدلية, ثم عادت بعد عشر دقائق لتعطيه حبتين مع كوب ماء , ثم خرجت من جديد حتى يستريح.
بعد نصف ساعة, استدعاها الجرس الى مكتبه وهناك وجدته جالسا وراء الطاولة.
– شكرا لك انسة كامبل .. انت كفؤة في المسائل الشخصيةككفاءتك في العمل.
وكان ذكاء منك الاتطلبي المساعدة من السيدة سيمونز مدبرة المنزل في الشركة.
– لو فعلت لعرف جميع من في المبنى انك مصاب بصداع.
– وكيف عرفت اننياريد ان يبقى خبر صداعي سرا ؟
– لان السيدة سيمونز لم تبلغني به حتى الان .
ضحك بصوت دافىء ملؤه النشاط :
– هل اتصلت بخادمي ..؟ فهو وحده من يعرف الحبوب التى انتاولها.
– لم تصل به… سالت الصيدلي عن اخر واكثر الادوية فعالية.
– وهل فعاليته ام سعره الغالي هو مادفعك الى شرائه ؟
– كلامها … يستحسن ان تحتفظ ببعض الحبوب منه هنا.
– سافعل… انما منذ اربعة اشهر لم اصب بمثل هذا الصداع. ومضت اربعة اشهر منذ انعقد اخر اجتماع متعب لمجلس الادارة؟!
سرعان ما تبخر دفئه وعاد اليه تحفظه , وكانه لا حظ انها تتساءل عن مدى قوته .. فهل يعتبرالصداع دليلا على الضعف ؟! نظر اليها نظرة ملؤها الكره . مع ذلك .. لماذا هو مصمم على الظهور بمظهرالرجل الخارق ، وكانه ليس من البشر في انطلاقته الشيطانية.
احنت قمر الليل راسها فوق دفترالملاحظات, وبدا على الفور باملاء رسائله, مكررا الارقام بسرعة فائقة . لا تستغرب اذن عودته من اجتماع شاكيا من الم في راسه .
اخذ جوك هانيز , شيئا فشيئا , يتركها تعتني بشؤونه الخاصة .
وهكذا اخذت تضع ترتيبات حفلات العشاء الخاصة التي يقيمها اضافة الى توفير ما لا نهاية له من باقات الورود والكتب , والعطور , لعدد لا يحصى من الفتيات , ولم يدهشها وجود هذا العدد من النساء اللاتي يرغبن في وضع انفسهن تحت تصرفه بل ما ادهشها ان يجد الوقت الكافي لهن ، لهذا لا تستغرب نحوله وتوتر اعصابه في الصباح دائما .
خرج من المكتب ثم سالها وقد لاحظ تعابير وجهها :
– ما الخطب ؟
– لا اعاتي من اي خطب اما انت فستصاب بخطب ما ان لم تقلل من اندفاعك0 لقد قضيت ليلة امس بكاملها تدرس عملية دمج وضع ماسترز, وها انت الليلة تستعد للذهاب الى عرض مسرحي.
– اذا لم اذهب, فساعمل. لا تقلقي علي انسةكامبل..ان خروجي برفقة شقراء بلهاء او سمراء لطريقة مثالية للاسترخاء.
– ظننتك ستموت ساما من صحبتهن .
خرجت الكلمات لا اراديا, ولما رات دهشته, غضبت من نفسها لقلة لباقتها.. فاعتذرت :
– انا اسفة .. ما كان علي ان اتفوه بتلك الكلمات.
– انسي الامر… فانت تعرفينني منذ فترة تؤهلك لقول الحقيقة. وانت لا تعرفنني حق المعرفة لتكوني دقيقة في ملاحظاتك.. اذ لاتضجرني البلهاوات بل الذكية وحدها من تضجرني.
– لست جادا؟
– بل جاد. فالنساء الذكيات يعرفن قدر انفسهن وهن تائقات دائما لاثبات قدرتهن على المساواة مع الرجل .. وهن يبحثن دائما عن ثغرة في دفاعاته .
– لن يجدن معك ما لا وجود له.
– انما ذلك لايمنعهن عن المحاولة.
لم يلاحظ السخرية في كلامها , عندما قالت :
– مع ذلك تشترط الذكاء في سكرتيرتك؟
– طبعا … فانا اختارها بسبب قدراتها لا بغية التسلية.
ران صمت قصير,وعندما تابع حديثه اتى كلامه بطيئا وواضحا.
انا اقسم النساء الى ثلاثة اصناف :
الجميلة البلهاء التي لا تطلب شيئا لانها بلهاء.. والجميلة الذكية التي تتوقع من الرجل الجري وراء .. والقبيحة الذكية التي تلتقي بالرجل على قدم المساواة ولا تتوقع شيئا , لذلك عندما اطلب سكرتيرة كفؤة اخير نفسي مابين الجميلة البلهاء والقبيحة الذكية .

– وتفوز القبيحة في النهاية.
– طبعا!
نظر اليها ***** ساخرا ثم خرج, تاركا اياها بصحبة افكارها التي جاءت مريرة على غير توقع. رغبت لعدة لحظات لوتقول له ما رايها فيه .. ولكنها عادت الى رشدها
والتقطت الهاتف لتطلب له الزهور لاخر صديقاته .
وهكذا تركت المكتب ذلك المساء ووقفت لحظات على الدرج تنشق هواء حزيران الدافىء , بينما اشعة الشمس الافلة تلفح وجهها بحرارتها .. لاحظت شابا ينزل الدرج خلفها. صاح بدهشة :
– ليليان .. ! اهذه انت؟
التفتت قمر الليل بسرعة الى الرجل المتجسم خلفها وردت بوهن محاولة اخفاء انزعاجها :
– بيتر , ماهذه المفاجاة !
– مفاجاة فعلا .. خاصة وانك في المرة الاخيرة التي اتصلت بك قلت انك ستتركين هذا العمل , وانك ستتصلين بي حالما تستقرين في عمل اخر.
– كنت مشغولة جدا .
نظر اليها متفحصا اياها من راسها الى اخمص قدميها.
– هذا ما اراه .. منذ متى تهوين الفن المسرحي ؟
ردت بسرعة وقد تورد وجهها:
– ساشرح لك .
– يسرني ان اصغي انما على موعد عشاء. لا اتحمل الشروحات بمعدة فارغة.
– لا يمكنني الخروج معك هكذا.
– وهذا ما يريحني ! ظننتك ستعتبرين الدينا كلها مسرحا.
– وانا ممثلة فيها بكل تاكيد . ساخبرك عن دوري اثناء العشاء.
لم يستطع بيتر تورب اخفاء دهشته عندما سمع دوافعها الى ذاك التنكر , وقال :
– لا الومك .. فما من احد في الشركة يفهم طباعه .. وحينما تفكرين في النساء
الرائعات اللاتي يخرج بصحبتهن ربما يعتقد ان الجميلات لسن كفؤات .
– كنت بحاجة للوظيفة , لذلك مثلث الدور الذي يؤمنها لي .
– ونجحت بكل تاكيد . فلولا وقوفك تحت اشعة الشمس بعد الظهر لما عرفتك.. ولكن شعرك الاحمر فضحك .
– انه ليس احمر .. بني محمر.
رمقها بنظرات مرحة وقحة , ثم قال:
– لن ادعك بعد اليوم تهربيهن مني .. خاصة وقد عرفت انك مازلت في المبنى نفسه, سوف..
قاطعته :
– لن تاتي لتراني لان السيد هانيز سيستشيط غضبا ان عرف الحقيقة .
– وكيف سيعرف ؟ لن اخبره .
– ربما .. لكنه سيتغرب عندما يجدك تحوم حولي .
بدت الحيرة على بيتر .. ثم ضحك :
– بسبب تنكرك ؟ كدت انسى هذا .
– حسنا .. لا تنسه .. فوظيفتي تعتمد عليك الان.
– اتنوين الاستمرار هكذا الى الابد ؟
– ربما ساخفف من التنكر قليلا . انما بحذر لانه سيغضب بكل تاكيد ان عرف انني اسغفلته .
– فلنرقص الان و لنتكلم عن نفسينا فما اصطحبتك الى هذا المكان لنتكلم عن رئيسنا.
كانت قمر الليل تحاول نسيان جوك هانيز , لكن وجودها مع بيتر يدفعه الى ذاكرتها بقوة مضاعفة , اذ لم تستطع الا مقارنة جراته الرائعة وذكاءه بمرح بيتر وتعقله .
تلك الليلة , في فراشها راحت تفكر : ظهورها بمظهر البشعة يجعلها منطوية على الذات . وان لم تكن حذرة سينتهي بها الامر لتكون صارمة كمظهرها .
بسبب هذه الفكرة استبدلت البلوزة الوقورة الطويلة الكمين التي ترتديها للمكتب باخرى اقل وقارا ذات اكمام قصيرة وياقة جميلة.
ولكن الياقة بدت متنافرة مع شعرها المعقوص الى الخلف , فخلعت البلوزة , وارتدت ملابسها المعتادة عليها للمحافظة على دورها .. ما تفعله قد يجعل من المستحيل عليها العودة الى سابق عهدها .
لقاؤها القصير مع بيتر , ايقظ فيها استجابات كانت هاجعة منذ اشهر طويلة .. ووجدت من المزعج ان تسير في الشارع وهي تعرف انها لا تجذب نظر احد. مع ذلك , فالشيك الشهري الذي تتقاضاه تعويض كاف وخاصة وهي قادرة على التخلص من زيها المزري حالما تترك المكتب .. ولكنها كانت تتوق في المكتب اكثر من اي مكان اخر ان تكون عل ى حقيقتها.. وتساءلت ما سيكون رد فعل جوك لو نفضت شعرها وحررته, وتخلت عن حذائها البشع، ورفعت تنورتها قليلا.
وجدت نفسها على غير عادتها شاردة الذهن , وكانها مشغولة بافكار خارج عملها .. فتحت وهي تفكر مفكرته فرات انها تسجل اسم كوني ماولنغ .. عبست متذكرة متى ذكر اسم الفتاة . كان هذا منذ ثلاثة اسابيع , حينما تلقى رسالة من صديق قديم تعود صداقتهما الى ايام الجامعة , وهو الان عضو في حكومة الفيليبين .. وقد طلب منه مقابلة ابنه عمه التي تزور امريكا للمرة الاولى .
قال لها يومذاك وهو يرمي رسالة الجنرال رامولوس على الطاولة :
– فليحمنى الله من هذه الدعوات الرسمية .. مع ذلك, من الافضل ان اخرج معها مرة.
ما بدا دعوة واجب , تحول الى متعة , ففي الاسابيع التالية لاحق الفتاة الفيليبينية بلا هوادة . كان يقابلها في ساعات متاخرة عندما لا يستطيع الهرب من اجتماع عمل عاجل.
سالته ليليان بعد ظهر يوم حينما ادخلت اليه الرسائل ليوقعها.
– هل زرت الفيليبين يوما ؟
هز راسه :
– لطالما وعدت نفسي بزيارة الفيليبين , ولكن حياتي كلها عمل.
– هذا امر غير صحي .
– اوافقك الراي. قد اسافر الى ذاك البلد بعد انتهاء موسم الامطار.
– وهل ستبقى الانسة ماولنغ هنا حتى ذلك الوقت ؟
نظر اليها ساخرا :
– وهل استشف رائحة الفضول انسة كامبل؟
– بل هو مجرد اهتمام سيد هانيز.
– اظنها باقية هناشهرا اخر.

اكمل توقيعه على اخر رسالة وطوى الملف ليعيده اليها, فسالته:
– اتريد طبع مذكراتك لاجتماع الساعة العاشرة غدا ؟
– اطبعيها قمر الليل.. ساترك المكتب باكرا, ولو لمرة واحدة.
في الصباح التالي تاخر ***** في الوصول, وهذا مازاد من ذهولها :
– ساخذ فرصة بعد الظهر انسة كامبل ..ومن الافضل ان تلغي كل مواعيدي حدقت قمر الليل اليه بذهول جعله يضحك , وهذا مازاد من ذهولها :
– ساخذ فرصة بعد الظهر لارافق الانسة ماولنغ الى الجامعة .. انا لم ارز جامعتي منذ تخرجت .
– لا بد ان ريتشموند جميلة في مثل هذاالوقت من السنة .
– هيا الان انسة كامبل .. انت اذكى من هذا !
– عفوا ؟
– عدم موافقتك واضحة . ظننتك ستبتهجين لتغيبي عن العمل.
– انا سعيدة من اجلك انمالم اتوقع.
– تكون جميع الامور في اغلب الاحيان غير متوقعة .. اي محل ازهار توصيني به ؟
– ” لا فلورا ” هل اطلب لك شيئا؟
– لا .. ساقوم بذلك بنفسي .
كان المكتب بدون حضور جوك هانيز فارغا معدومة منه الحياة.. بسبب تراكم العمل شعرت ليليان بالوقت يمر متثاقلا. لا شك انه والانسة ماولنغ قد وصلا الى جامعة (( ريتشمود )) الا اذا توقفا في مكان ما للغداء .. اقبلت الساعة الرابعة , ومعها افكار عن نهر جايمس وقارب يتهادى فوق مياهه الساكنة .. اما في الساعة الخامسة , فتراءت لها نزهة في مروج الكلية واروقتها يعقبها عودة في السيارة بقيادة بطيئة كسولة على الطريق المشجرة والحقول الخضراء.. تذكرت قمر الليل اخاها تود الذي يدرس هناك.. فاغرورقت عيناها بالدموع اذ لم تره منذ اسابيع .. ربما هذا سبب تكدرها .. ولكنها علمت انها كاذبة .. يكون الكذب احيانا اسهل من الحقيقة، خاصة وهي حقيقة تخشى مواجهتها .
جعل صوت متناه من مكتب جوك قلبها يخفق , فسارعت لرؤية من في الداخل .
كانا شخصين متلاصقين قرب النافذة , انفصلا عن بعضهما بعضا بسرعة , فاحمر وجه ليليان , وتمتمت وهي تنسحب :
– ظننت ان عاملة التنظيف وصلت , واردت التاكيد من عدم وجود اوراق مبعثرة .. لم اعرف ..
رد جوك:
-استخدمت مدخل المكتب الخاص , لم اكن اعرف انك لا تزالين هنا .. كوني هذه سكرتيرتي التي لا بديل عنها الانسة كامبل , والتي بدونها لا استطيع العمل.
سالته الفتاة : ماذا تعمل ؟ .
ضحك:
– اي شيء تقريبا ! فا لانسة كومبيوتر متجول.
نظرت كوني ماولنغ الى ليليان :

– لا شك ا نك راضية بهذا التقدير .
ابتسمت ليليان .. لا تتوقع ان يراها اكثر من جهاز كومبيوتر , على عكس هذا الجمال الفاتن , التي تبدو صاحبته وكانها خرجت من قصة خيالية .. ترجعت ليليان الى الباب :
– اعذراني على الازعاج .
ناداها جوك :
– لماذا مازالين هنا حتى هذا الوقت المتاخر ؟
– كنت اطبع تقارير اجتماع الغد .
– هكذا اذن .
وتقدم ***** الى خزانة المنحوتة خلف مكتبه:
– فلاقدم لك على الاقل عصيرا انسة كامبل .. انه مجرد تعويض بسيط لعملك حتى هذه الساعة .
قبلت قمر الليل على مضض كوب عصير الكرز , واخذت تحتسيه وهي تعلم انها مزرية المظهر بالمقارنة مع مظهر الفتاة التي سرعان ما سالتها :
– هل زرت بلادي من انسة كامبل ؟
– انا عادة لا اذهب عادة الا الى ريتشموند , حيث تركت امي لي ولاخي كوخا.
قال جوك :
– لم اعلم ان لك اخا .. تصورتك وحيدة .
– وحيدة مع قطة وعصفور كناري ؟ قد تكون المظاهر خداعة سيد هانيز.
وضعت كوبها على المنضدة , وتمتمت :
– عمتما مساء .
ما ان اصبحت في مكتبها حتى تمنت لو تركل نفسها لا نزعاجها من ملاحظته .. همست لنفسها : ان لم اكن حذرة انتهى بي الامر كما انتهى بالانسة بكمان !
وفيما كانت في الطريق الى الباب لتغادر , عادت الى طاولتها لتطلب رقم هاتف بيتر .. بعد الرنة الاولى اجاب .
– هذه انا .. ليليان .. هل انت حر الليلة ؟
اجاب بيتر بصوت ملؤه البهجة :
– انا حر متى شئت . انها المرة الاولى التي تتصلين بي . هل ادركت فجاة كما انا شاب عظيم ؟
ردت بصوت مرح ساخر :
– بل ادركت كم انا عظيمة .. تعال واصحبني في الثامنة .
ساشا علي and musk like this.

2- دموع بلا سبب

اقتضاها العودة الى الدور الذي اختارته لنفسها تصميم كبير منها في الصباح التالي .
مع ذلك , فقد مكنتها ارادتها الصلبة من انتعال حذائها المفلطح وجواربها السميكة .. تركت قمر الليل الشقة وهي مرتدية تنوره جيدة التفصيل وبلوزة مماثلة .. ولكنها لم تضطر للقلق من ان ينظر اليها جوك هانيز مستغربا التغيير , فقد كان مشغولا في مكتبه.
عند الظهر, رن جرس الهاتف, فتوقفت عن الطباعة ومدت يدها الى الهاتف تقول معتذرة:
– انا اسفة طلبت من الموزع ان يحول كل المخابرات الى مساعدتي.. ولا ادري لماذا ..
– ربما هي مكالمة خاصة . قلت لهم انني اتوقعها .
عضت شفتها واعطته السماعة ووقفت .. لكنه اشار اليها ان تبقى, وهكذا اضطرت الى الاستماع لحديثه. كان يتحدث الى كوني والتوق في صوته يظهره اصغر من سنواته الحادية والثلاثين . وحده من يحب عمله ويتمتع به قد يتحمل الضغط اليومي بلا جهد .
الاشهر السبعة التي عملت فيها معه بدت لها سبعة اعوام, ومع ذلك ليس في شعره الاسود البراق شعرة رمادية واحدة. تبا له ! لا يحق له ان يكون نشيطا ديناميكيا هكذا.
ادركت انه يتكلم اليها :
– لم اعهدك تحلمين احلام اليقظة انسة كامبل .. ساغيب في عطلة نهاية اسبوع طويلة .. واريد انهاء القدر الممكن من الاعمال , اتمانعين في البقاء حتى وقت متاخر الليلة ؟
– هذا ما افعله في اكثر الليالي .
ارتفع حاجباه استغرابا .
– لم اعرف اني رب عمل قاس الى هذه الدرجة .
– العمل الاضافي جزء من وظيفتي .
– ليس الى درجة العمل اليومي حتى وقت متاخر.
– انا لا اتدمرين ابدا! انت سكرتيرة ممتازة انسة كامبل. ما كنت لاظن انني ساجد اكفا من الانسة بكمان.
– والى اين انت ذاهب ؟
– اما زلت تحلمين احلام النهار ؟ ارجو الا تكوني قد وقعت في الحب انسة كامبل ..سيصعب علي ان اخسرك بعد وقت قصير على خسارتي للانسة بكمان.
– لا حاجة للخوف .. سابقى هنا ما دمت بحاجة الي.
ابسم , وكالعادة استجابت لبسمته .. وقال :
– كنت اتحدث عن رحلتي الى اوروبا , اريد ان تؤكدي لي الحجز في فندق كونتيننتال في روما , ودبري امر ارسال دزينة من الورود الحمراء الى جناح الانسة ماولنغ.

قامت ليليان بكره شديد بما طلبه منها .. ولكن لماذا تكدرها تصرفاته ؟ انه يتصرف معظم الرجال في مثل مركزه , ومن السخف توقع العكس .
ما ان اتمت ترتيبات نهاية الاسبوع حتى عادت ليليان الى مكتبها .. ليست المرة الاولى التي تعجب فيها بعقله , او بالطريقة التي يعالج فيها المشاكل بغض النظر عن تعقيداتها وتشابكها .
وعلى هذا بالطبع كان يعتمد في نجاحه , فهو لم يصل الى مركزه الحالي بفتنته فقط.
في الثامنة والنصف من ذلك المساء , اوقف ***** العمل على غير توقع وعرض ان يوصلها الى بيتها في سيارته على الرغم من احتجاجاتها … كان بانتظاره خارج المبنى سيارة كاديلاك سوداء فاخرة. شعرت انها اميرة تذهب الى حفلة راقصة , فجلست قمر الليل في المقعد الفاخر في الخلف معه , وقالت متجة :
– لكنني اسكن في الجهة الاخرى من المدينة , لو انزلتني عند اقرب محطة باصات…
– سنتناول عشاء سريعا اولا.
سالتقي الانسة ماولنغ في المطعم في العاشرة , وبعد الطعام سيقلك السائق مارتن الى منزلك .
نظرت اليه حائرة .. تفكر في ما قد يقوله لو علم انها لا تكبر كوني ماوانغ الا بسنة واحدة , ولكنه يعرف ذلك بالتاكيد , فهذا مسجل في ملفها الخاص . تنهدت فنظر اليها قائلا :
– ستشعرين بتحسن حينما تتناولين بعض الطعام , كدنا نصل .
باهتمام لم تستطع ليليان الا ان تلاحظه .. قادهما الساقي الى طاولة منزوية في غرفة مقسمة بقضبان متشابكة , وهناك بالرغم من احتجابها التقريبي عن الانظار شعرت بانها عصفور صغير بين الطواويس .. فقالت :
– لا ارتدي الملابس اللائقة لمكان فخم كهذا .
– لم اظنك تهتمين بالمظاهر .
تمتمت :
– نعم انا لست انيقة , ولكنني افهم في موضة الثيات .
– لم اقصد هذا . انها طريقتي الخرقاء في القول انك اذكى من ان تتاثري بامر غير مهم كالثياب .
– بل هي مهمة , ولكن عندما تكو قبيحا مثلي تعتاد على جعل نفسك غير متانق قدر المستطاع .
– ولكنك لست قبيحة الى هذه الدرجة .
الطريقة التي تجنب فيها فجاة النظر اليها ليركز بصره على لائحة الطعام اعادت اليها روح المرح .. مااغباها لانها لا ترى الجانب المضحك من الموقف ! زال اشفاقها على نفسها بعدما ادركت كم سيبدو حديثه مع بيتر مثيرا . لا غرابة ان يحثها بيتر على التخلي عن تنكرها والذهاب الى المكتب على صورتها الحقيقية . وكم سيسعدها ان تشاهد وجه جوك هانيز حين تفعل هذا انما لن يكون ذلك الان , فامام تود سنة اخرى في جامعة ريشموند . بعدها , وبعدها فقط , ستصبح حرة في القيام بما تريد .غضت طرفها بسرعة لتركز على الاختيار بين سلطة الهليون والصلصة الفرنسية , وبين السلمون المدخن . قال لها مقترحا :
– ما رايك بالبيض المقلي مع الجبن ؟
– يبدو لذيذا .
– وكوب من عصير الليمون مع مياه غازية ام تفضلين المرطبات ؟
بعد الطلب , اسند جوك ظهره الى كرسيه واشعل سيكارة ..
كان نادرا مايدخن , وبسبب حساسيتها امام مزاجه احست بتوتره .
اهو نافد الصبر لانه مضطر الى قضاء الوقت معها, ام لانه يفكر في نهاية الاسبوع المرتقبة ؟
قطع وصول الطعام قطع عليها افكارها .. ولا حظت انه لا ياكل بل يتلاعب بطعامه .. احس بنظرتها , فهز كتفيه :
– ساتعشى فيما بعد .. لا اريد افساد شهيتي .
– ما كان عليك اصطحابي الى هنا .. تشعرني بالذنب .
– لشعرت بذنب مضاعف لو ارسلتك الى بيتك جائعة . والان ماذا ترغبين ايضا ؟ فاكهة ؟
ردت قمر الليل بسرعة ثم استدركت :
– شيء فيه كريما .. اعني .. فاكهة مع سكر .
– لا تتراجعي انسة كامبل .. قلت .. شيئا مع الكريما .. وهذا ما ساطلبه !
وماهي الا لحطات حتى وقفت امامها عربة فيها ما لذ وطاب , واحست بالحيرة بين انتقاء البندق مع الكريما المخفوقة , وبين كريما الشوكولا مع الزبيب .
قال لها ممازحا :
– كوني شيطانة وخذي الصنفين .
انصاعت له بعينين متراقصتين , وكان ان استمتعت قمر الليل باكلهما في الدقائق العشرة التالية وحينما كانت تضع الملعقة من يدها فقط .. فكرت كم كانت قربية من فضح نفسها .. فقد كان ينظر اليها بدهشة وتسلية :
من المثير للاهتمام مراقبة الناس وهم ياكلون .. لم الاحظ كم انت صغيرة الا بعدما شاهدتك تستمتعين بالحلوى , وعندما نكون في المكتب اميل للنسيان0
ردت بحذر :
– انا ابدو اكبر من سني.
-هذا صحيح .. لكنني اعتقد ان لك بمحض اختيارك , فان رغبت في ان تكوني كاي مو ظفة الشركة ..
قاطعته :
– لن اكون ساعتئذ سكرتيرتك !
– صحيح .. فانا لا اطيق النساء المتبرجات المطليات بالمساحيق.
– تعنى من يعملن معك؟
– يجب ان تكون المخلوقات المتبرجات للزينة فقط..فهن يلهين المرء عن العمل.
وقع الفاتورة ووقف..خارج المطعم قال:
– سيقلك مارتن.
– استطيع الوصل وحدي.
– اثق بقدرتك انسة كامبل , انما لماذا التعب حين لا تدعو الحاجة اليه ؟
احرقت الدموع بدون توقع او سبب عينيها , فتمتمت : “عمت مساء ” ثم اندست في السيارة .
وفيما هي بمفردها في السيارة السائرة في الشوراع المظلمة، اخذت تفكر ان الساعة الاخيرة مرت بسرعة.
كان حديثهما مركزا على العمل، ومع ذلك جعله مسليا الى درجة الشعور بالاغتباط في الاصغاء اليه.من المثير للاهتمام مراقبة الناس وهم ياكلون .. لم الاحظ كم انت صغير الا بعدها شاهدتك تستمتعين بالحلوى , وعندما نكون في المكتب اميل للنيان0

رد بحذر : ” انا ابدو اكبر من سني”.
-هذا صحيح .. لكنني اعتقد ان لك بمحض اختيارك , فان رغبت في ان تكوني كاي مو في الشركة .. قاطعته :
– لن اكون ساعتئذ سكرتيرتك !
– صحيح .. فانا لا اطيق النساء المتبرجات المطليات بالمساحيق.
دفع الفاتورة ووقف .. خارج المطعم قال :
– سيقلك مارتن.
– استطيع الوصل وحدي.
– اثق بقدرتك انسة كامبل , انما لماذا التعب حين لا تدعو الحاجة اليه ؟
احرقت الدموع بدون توقع او سبب عينيها , فتمتمت : “عمت مساء ” ثم اندست في السيارة .
وفيما هي بمفردها في السيارة السائرة في الشوارع المظلمة , اخذت تفكر ان الساعة الاخيرة مرت بسرعة. كان حديثهما مركزا على العمل , ومع ذلك جعله مسليا الى درجة الشعور بالاغتياظ في الاصغاء اليه .

في نهاية الاسبوع، فكرت كثيرا ..لكنها كانت تدفع ذكراه عنها في كل مرة ,قانعة بقضاء يوم السبت برفقة بيتر .. والاحد برفقة اخيها.
كانت الشقة تبدو مزدحمة عندما يزورها تيودور , فالجدران تهتز بسبب الموسيقى الصاخبة التي يهواها , والغرفتان تمتلئان بالجص الذي يعمل فيه .. قالت معترضة وهي تفتح النافذة :
– ساضطر الى ارسال ثيابي كلها الى التنظيف .. حقا تود .. كيف تطيق رائحة الجص ؟
ضحك ***** ومدد جسده النحيل , فبدا لها اصغر سنا واكثر ضعفا حتى تاقت الى الى عناقه.. لكنها غيرت الموضوع :
– ماذا تخطط للصيف ؟
– قال صديقي الذي اسكن معه ان والده سيشغلني في كارجه ليلا .. عندما سيكون لي كل النهار .
– لفعل ماذا ؟
– لاشتغل عملا اخر .
– لست مضطرا الى القيام بعملين .. فانت بحاجة للدراسة في العطلة .
– لا تقلقي , سانال علامات جيدة واتخرج.
ليتها تعرف احدا تستطيع التحدث اليه عن تود. فجاة فكرت في جوك هانيز وفي وجهه المتجهم بالذكاء المتناقض تماما مع وجه اخيها المرح الضاحك .. لا شك في ان الواحد منهما سيكره الاخر منذ النظرة الاولى , خاصة وان افكار تود عن الراسمالية افكار راديكالية .
لم يجف النوم مقلتيها يوما كما جفاها هذه الليلة. فقد ظلت قمر الليل افكارها تطوف حول جوك هانيز وكوني ماولنغ , وكانت كل فكرة اكثر حميمية من الاخرى .. حتى بعثتها افكارها فجاة من مرقدها لتضيء النور املا في محو عيون افكارها وتخيلاتها .. ولكن النور ضاعف الامر سوءا وتصورت كوني مستلقية مكانها على الوسادة بشعرها الاسود اللماع ..
صرخت صرخة يائسة ثم هرعت الى المطبخ .. ترجو ان يلطف ثورة اعصابها كوب من الحليب الساخن .. لكن مع غليان الماء في الابريق , ازداد غليان عواطفها حتى اصبحت لا تطاق, ولم تعد تستطيع تجاهلها .. اخيرا كان عليها مواجهة الواقع .
انها تحب جوك هانيز .
وخزها مرة اخرى التفكير في الفتاة الشرقية .. اذا كان جوك يحب الفتاة حقا , فلا فائدة من محاولة القتال لاجله .. كم ستكون المخاطرة كبيرة في الذهاب الى المكتب وهي تبدو على حقيقتها .. مهما كان عنده روح مرحة , فهو قد حكم سلفا على النساء اللواتي يقبل ان يعملن عنده ولن يقبل ابدا تحولها الفجائي . وهذا يعني انها مضطرة لتنفيذ ما تريد بمكر ودهاء , لئلا يلاحظ مايجري حتى يتم نهائيا , فعندئذ سيخف غضبه , وستزول المخاطرة .
لكن .. ماذا لو واجه ليليان الحقيقية .. ولم تعجبه ؟
عاد جوك الى المكتب يوم الثلاثاء .. لم يشر الى رحلته مطلقا.
مع ان ليليان وجدت صعوبة في رؤيته بدون التفكير بكوني ماولنغ .. وهذا ما وتر اعصابها حتى انعكست على مساعدتها المسكينة , التي قالت بتعاسة :
– لا بد ان مزاج السيد هانيز يؤثر فيك .

ردت لن بحدة :
– ولماذا تقولين هذا ؟
– لانه متوتر الاعصاب ايضا . كاد يطيح براسي عندما ادخلت اليه التقرير الذي اعطيتني اياه .
– لديه اشياء كثيرة في ذهنه .
جاء الرد الوقح :
– على الارجح هناك شيء واحد .. وكلنا نعرف ماهو !
مع مرور اليوم , تذكرت ليليان هذه الملاحظة فقد اصبح اكثر توترا وما زاد من دهشتها غياب الفتاة الفليبينية عن مواعيده .. ولكنها لم تكتشف السبب الا بعد اسبوع من عودته .
دخلت قمر الليل الى غرفته لتضع بعض الاوراق التي تحتاج الى توقيع فوجدت نفسها وجها لوجه مع كوني .
قالت الفتاة :
– اوصاتني موظفة الاستقبال الى هنا .. اريد رؤية السيد هانيز.
– لا اعرف بالضبط متى يعود , فليس موعده التالي قبل الساعة الثالثة .
– سانتظر , لن تطير طائرتي قبل السابعة .. فانا عائدة لبلادي .
حاولت ليليان اخفاء سعادتها للخبر .
– وهل انت مسرورة بعودتك ؟
– انا حزينة لانني ساترك جوك .
اجبر الفضول ليليان على القول :
– تساءلت ما اذا كنت سافرت .
رد ت بمرح :
– طبعا .. فانت السكرتيرة التي تعرف كل شيء عن رئيسها !
– ان احدى مهماتي ان اعرف التزامات السيد هانيز .
– حتى الخاصة ؟
كان في صوتها الناعم حدة قاسية .. انها هرة شرسة داخل هريرة سيامية .
تابعت كوني :
– انت كمعظم السكرتيرات الكفؤات .. اظنك تدللين مخدومك . انما يبدو ان جميع النساء يدللنه , ولهذا قررت الا احذو حذوهن .
استدارت لتحدق خارج النافذة .. كانت تبدو حتى تحت اشعة الشمس كاملة بلا عيب . تبدو الوانها في ارض معظم النساء فيها من البيضاوات غريبة ومنمنمة , ولكن شكلها الكامل يجعلها مميزة .. فلا غرابة ان يرغب فيها جوك هانيز.
– جوك غاضب مني لانني مسافرة. انما هكذا افضل , فعليه للمرة الاولى في حياته ان يقوم هو بالمطاردة.
احرج افشاء السر هذا ليليان مع انها ارادت معرفته بياس .. ما من شك في ان جوك ما يزال راغبا في هذه الفتاة الجميلة , والا لما كان غاضبا لرحيلها.
عاد قبل خمس دقائق على الثالثة الى مكتبه. سمعت ليليان صيحة العجب الحادة عندما شاهد زائرته , ثم اقفل الباب , ولم تعد ليليان تسمع شيئا سوى دقات قلبها المتسارعة .
كانت الساعة تقارب الثالثة والنصف حينما رافق كوني ولكن لم يكن على وجهه اي تعبير وهو يسير معها بل احمرار على خديه , اما تجمد عينيه الرماديتين فكانتا دليلا لا يدحض على غضبه.
عندما عاد الى المكتب لم يكن مزاجه قد تغير , مع ان كلماته ادهشت ليليان .
– هل لك ان ترسلي ثلاث دزينات من الورود الحمراء الى المطار ؟
– للانسة ماولنغ ؟
– اجل, وارسلي ثلاث اخرى الى مطار كيزون , ولتكن بيضاء .
سقط القلم من يدها ذهولا .. فضحك بدون مرح :
– الحمراء دليل الحب انسة كامبل .. والبيضاء للدلالة على انه يخبو.
– بهذه السرعة ؟
– يجب على الرجل الا يترك امراة تسيطر عليه , فما ان يفعل ذلك مرة واحدة حتى لا تعود حياته له.

بعدما دخل ***** الى غرفته فكرت ليليان في كلماته مليا ..انها تشير ال واجهة اخرى من شخصيته المعقدة .
مسكينة كوني .. لقد اساءت تقدير قوتها .. او ربما من الصحيح اكثر ان يقال انها اساءت الحكم على قوة جوك.. لكن كيف له ان يحب امراة اذا كان يرفض ان يسمح لنفسه بان يحتاجها ؟
انه سؤال مقلق .. سؤال ليس لديها رد عليه .

ساشا علي, شاديتي and musk like this.

3- كمبيوتر اسمه ليليان

شغلت مرة اخرى نساء اخريات حياة جوك هانيز, لكن ليليان احست بالراحة من الاعتقاد السائد بان في الكثرة السلامة .
كان يعمل اقسى مما مضى .. يتمتع بالخوض والاقتحام في عالم التجارة , الذي تجده ليليان مذهلا . قبل ان تعمل في الشركة , كان اهتمامها منصبا على الادب والفن , ولكنها الان بدات تطالع الاقسام السياسية والعلمية في الصحف , وكان اكثر ما يحيرها الطريقة التي تؤثر فيها السياسة على الاعمال , والعكس بالعكس.
سالها بعد الظهر في اثناء استراحة سريعة :
– هل انت مشغولة في نهاية الاسبوع ؟ يجب ان احضر تقريرا لاجتماع مجلس الادارة .. واذا انكببت عليه معك ..
– لا شيء يشغلني .
– عظيم .. ستقيمين معي في ” ريفرسايد “. انه منزلي , فذلك انسب لنا.
لم تكن ليليان قد ذهبت الى منزله من قبل. مع انها سمعت عنه الكثير من بيتر الذي كان , مع مجموعة من المديرين , يذهبون لتناول الغذاء فيه احيانا ايام الاحاد.
قطع صوته عليها افكارها.

– حسنا ؟ اعتقد ان لا اعتراض عندك على الاقامة في منزلي .
– ابدا .. هل يجب ان احضر شيئا خاصا .. ثيابا مثلا ؟
– تبدين رائعة كما انت بالنسبة لي , فارتدي ما ترتدينه عادة.
كان منزل ريفرسايد كما وصفه بيتر تماما . يقع وسط مساحة كبيرة من الاراضي الريفية , وحوله قطعة ارض حولت الى مرجة تصل البيت بنهر جايمس. اما الاثاث , فعكس اثاث مكتبه اذ كله من الاثريات وهناك سجاد فارسي ومدفاة ذات طراز قديم.

بعد افراغ قمر الليل ثيابها من الحقائب في خزانة في غرفة نوم رائعة اعطيت لها, نزلت الى المكتبة حيث كان جوك هانيز جالسا بانتظارها , وقال:
– لقد طلبت القهوة. ظننتك بحاجة الى القليل بعد الرحلة.
شكرته واخذت الفنجان , لكن ما كادت تجلس حتى بدا بالاملاء .. يا له من رجل ! انه يقوم بايماءة كلها تقدير, ثم يجعل من المستحيل عليها ان تستمتع بها.
كان في اوج اندفاعه عندما دخل الساقي ليعلن عن موعد الغداء. ومع ان الغداء كان لذيذا, فانه تناوله بنفاد صبر حتى يعود الى عمله, وكان ان لم تجد ليليان الوقت لتتناول طعامها كله. وهما عائدان الى المكتبة, التفت نحو الشرفة وقال :
– اخشى الا تكون لديك فرصة للاستمتاع بالريف انسة كامبل .. ولكنني حذرتك بان لدي اعمالا كثيرة.
– ولهذا انا هنا.
– ومع ذلك لا سبب يحول دون ان نعمل في الحديقة .. اذهبي واحضري دفتر ملاحظاتك.
عندما عادت وجدته جالسا في مقعد من الخيزران المجدول .. كان يوما من ايام حزيران الرائعة والهواء مشبع باريج الورود .. على بعد امتارمنهما كانت اغصان شجرة الليلاك الارجوانية الزهر الملتوية كانها سيدة رشيقة تبعث بين الفينة والاخرى عطرها الممز.
– فيم تفكرين بهذه الجدية ؟
وقطع سؤاله عليه افكارها , فردت بصراحة وهي متاثرة بما يحيط بها :
– كنت اتساءل لماذا تعمل بجهد هكذا , وانت لا تحتاج الى العمل .
– لانني استمتع بعملي , فان وجدته مملا اتقاعد فورا .
– لا اتصورك تتقاعد .. فالتقاعد سيشعرك بالمزيد من الملل .
– هذا يدل على انك لا تعرفينني جيدا. لدي هوايات عديدة.
– مثل ماذا ؟
– السباق , الطيران , التزلج ..
– كلها نشاطات .. الا تفعل ما يجعلك تجلس بهدوء في البيت ؟
فكر قليلا :
– احب الموسيقى.
– وانا كذلك .. خاصة الصاخبة منها .
– حقا؟ اعتقدت ان الموسيقى الصاخبة قوية عليك .. اه! انا اسف .. انه كلام فظ يبدر مني .
هزت كتفيها تخفي ابتسامة :
– اعرف انني لا ابدو ممن يقدر الموسيقى الحديثة .. انما عليك الا تحكم بناء على المظاهر.
– استحق هذا التانيب .
وكمانما قرر ان ليس من الملائم المضي في الحديث الاجتماعي , لذا عاد الى العمل ولم يتوقف الا في الرابعة لاحتساء الشاي ولتناول بعض السندويشات والكايك المصنوع بالحليب الذي تنتجه مزرعته .
استمتعت ليليان بكل قضمة من الحلوى الكايك , ولم تلاحظ ان جوك كان يراقبها :
– انت كالطفلة عندما تاكلين .. انت تغرقين فعلا في اكل الحلوى والكريما.
ردت محتجة :
– لكن السندويشات لم تكن من الحلوى . وهي مغذي جدا .. عليك تناول القليل منها على الاقل .
– لا تحاول معاملتي معاملة الام .
– اذن لا تلعب معي دور الاب .
فضحك لها :
– في هذه اللحظات , احس بحنان ابوي نحوك .. تبدين صغيرة في السن وانت تجلسين على العشب هنا .
– هذا لانني ارتدي ملابس مختلفة .
– بل اكثر من هذا , فانا لم الاحظ من قبل ما ترتدين على اي حال. حولك .. هالة مختلفة.
لم تستطع انكار ابتهاجها , وخرجت سعادتها مع ضحكة مفاجئة :
– من السهل على المرء الاسترخاء في حديقة جميلة.
– انا مسرور لانك مستمتعة. على الاقل لن تمتعضي لتخليك عن عطلة الاسبوع.
اعادت الحديث بتصميم الى المستوى العملي :
– هذا ما اتقاضى اجرا عليه.
وبعد هذا الحوار القصير عادا الى العمل , ولم يتوقفا حتى عندما بدات الشمس تغوص نحو الافق .. كانت قمرا لليل اشعتها اللطيفة تزيد الظلال التي يرميها المنزل فوق المرجة عمقا. ولم ينتبه اي منهما لمرور الوقت حتى تناهى اليهما صوت اجش , فرفعا بصرهما ليجدا رجلا ممتلىء الجسم يخطو نحوهما , فصاح جوك :
– دوغلاس ! وصلت مبكرا.
– ولكن في الوقت المناسب لتناول المرطبات قبل العشاء.
ليتني اعرف كيف اقنع سكرتيرتي بالعمل معي في عطلات الاسبوع !
توقف للحظات تاركا المجال لجوك بان يقدمه رسميا. فقام الاخير بالتعارف ذاكرا ان دوغلاس كيرانغ صديق قديم تعود صداقتهما الى ايام الدراسة.
ادركت ان الرجلين ينظران اليها , فاستجمعت شجاعتها, وسمعت جوك يقترح عليها الاستراحة ساعة ثم تلاقيهما في المكتبة .. وافقت بكل احترام وواجب , فخلدت الى غرفتها حيث استلقت في المغطس تستمتع بالماء الفاتر وتفكر بسعادة في الامسية القادمة .. ليليان القبيحة على وشك التلاشي والتبدد .. وسيستيقظ طائر الفينيق من بين رماده اكثر بهاء واتم جمالا ..
الليلة اما النجاح واما الموت ونسف كل المستقبل ! اذن فهو لا يلاحظ الثياب التي تلبسها ؟ حسنا .. بعد ساعة من الان سيبتلع كلماته !
اولا .. هناك شعرها .. تنهدت تنهيدة حارة ثم رمت الدبابيس التي تمسك به في سلة المهملات واطلقت الشلال الاحمر القاتم حرا .
واخذت تمشطه حتى توهج لونه القاتم ازاء بشرتها الكريمية .. وبعد ذلك ركزت بعناية ” الماسكار ” الزرقاء حول عينيها لتزيدهما زرقة. ثم جاء دور الثوب الذي التصقت ثناياه الناعمة بالقسم العلوي قدها الرشيق , وانسلت اجزاؤه الاخرى الى الاسفل لتجعل خصرها اشد نحولا. ثم اتى دور الحذاء العالي الكعبين والجورب الشفاف الذي اتم الصورة. شعرت وكانها تحولت الى اوزة بيضاء , فطارت حالمة تهبط الدرجات .
لقد بكرت في الوصول .. ولكنها ستشعر بسعادة مضاعفة فيما لو كانت في المكتبة عندما يدخل جوك. على الاقل لن تضطر الى تحمل نظرته وهي تقطع الممر المغطى بالسجاد . استقرت قمر الليل بهدوء في مقعد ذي ذراعين .. واسترخت في عمق المقعد المريح .. وقد طغى عليها الاحساس بالتعب , فاغمضت عينيها , وتركت افكارها تطوف , سعيدة بفترة الراحة قبل الفصل الاخير .
سمعت وقع اقدام قادمة من بعيد , فعادت الى وعيها وفتحت عينيها متنهدة . كان جوك يقول باستنكار :
– سيتزوج سكرتيرته ؟ لا شك ان لا وسن جن.
كانت قمر الليل على وشك الوقوف لاظهار نفسها , لكنها بقيت جالسة وتابع جوك :
– الزواج اما من اجل الحب او من اجل المال .. انما لا يتم ابدا من اجل التقارب ! اعتقد ان هذا هو السبب الوحيد الذي يدفع الرجل للزواج بسكرتيرته .
ضحك دوغلاس :
– لم اكن اعرف انك متعجرف هكذا.
– لست متعجرفا , بل منطقي. قد تبدو الفتاة المثالية وهي في مكتبك تحميك من اشخاص لا تريد ان تراهم .. لكن ما ان تصبح في بيتك حتى تعطى الاوامر بدل تنفيذها , هذه قصة اخرى !
– لكن قد تكون باعثة على السعادة .
– اشك في هذا. على كل حال , انا لا ارحب بالمراة العاملة , ولا استطيع الزواج بها .
– ان قلة من النساء لايعملن هذه الايام .
– لا اعترض على ان تشغل الفتاة وقتها بعمل .. شرط الا تنظر الى عملها وكانه اساس جوهري لحياتها .
– ما دمت لا تحب النساء العاملات , فلماذا تحيط نفسك بهن اذن ؟
– كنت اتكلم عن زوجة .. لا عن موظفة.
– لا ارى فرقا. ان سكرتيرتك الشابة قد تناسبني في كلا الحالتين .
– من .. الانسة كامبل ؟
– لا تبدي هذه الدهشة. انها جميلة .. واراهن ان فيها شعلة ما .. حمراوات الشعر هكذا هن دائما.
– لم اكن اعرف ان شعرها احمر , والانسة كامبل فتاة حساسة عاقلة , وهي بالتاكيد ليس لها نظرة رومانسية نحوي .
– اود لو اعطيها بعض الاهتمام .. ما اسمها الاول ؟
تردد جوك , واحست ليليان بتردده :
– اسمها يبدا بحرف اللام .. اظنه ليلي او لاسي .. تعال ندخل غرفة الجلوس لالقاء نظرة على التمثال الخزفي الذي اشتريته , اظنني قمت بصفقة .
ما ان تلاشى وقع خطواتهما حتى نهضت ليليان من المقعد.
ليلي .. او لاسي .. حقا !
ارسلها الغضب راكضة الى غرفتها .. اخيرا عرفت كيف ينظر اليها جوك هانيز .. امراة قد تكون جارية عنده , اما ان تكون ندا له فهذا هو المستحيل .
خلعت حذاءها ركلا وجلست الى طاولة الزينة .. فحتى الاعمى قادر على رؤية ان شعرها احمر. تدفقت الدموع من عينيها , فهرعت الى الحمام لتغسل الماكياج عن وجهها , ثم فتشت قمر الليل في سلة المهملات لتستعيد دبا بيس الشعر, ولتعيد تثبيت العقصة السابقة , ثم خلعت ثوبها الحريري
,وارتدت ثوبا من الكتان مرتفع الياقة اسود اللون , ربما كان عقلها الباطني عندما وضعتهة في الحقيبة يفكر في منع الكارثة.
كان لونه مناسبا للحزن على موت امها.
حينما عادت الى المكتبة وجدت الرجلين هناك .. ترددت قليلا قبل الدخول ثم تعجبت قمر الليل من قوة ارادتها التي تتحمل ان تنظر ثانية الى وجه جوك هانيز .. كم سيكون دهشا لو سمحت لعاطفتها بالتغلب عليها , وطبعت صفعة على وجهه الناعم الحليق.
قبلت بهدوء كاس العصير, وتقدمت تنظر الى الاوراق التي وضعتها بنفسها فوق مكتبه .. فقال لها محتجا :
– انسي العمل هذه الامسية.
– كنت اتاكيد من ان كل شيء جاهز للغد.
قال دوغلاس ممازحا :
– السكرتيرة الكاملة. الا تنسين عملك ابدا ؟
– انا مخلصة لعملي.
– لكنك صغيرة قليلا على ذلك .. اليس كذلك ؟
– لا اظن. فالعمل افضل ما يرضيني في الحياة.
اجفله ردها , فالتفت الى مضيفه , اما ليليان فنظرت الى الظلمة بدات تنتشر.
تلاعبت اثناء العشاء بطعامها , تحركه من جانب الى اخر. حاول الرجلان عدة مرات جرها الى حديثهما , ولكنها تجنبت هذا , وما ان انتهت من احتساء القهوة , حتى ادعت التعب لنذهب الى غرفتها .
في الفراش , لم تستطع الحؤول دون انهمار الدموع.
كانت تبكي احلامها الحمقاء والمستقبل القاتم . ما عرفته اليوم عن جوك كان وجها من وجوه شخصيته , ولكنه وجه حطم قلبها. لا تزال تحبه , وتعرف انها لن تتوقف عن حبه .. ويجب ان تجد عذرا للرحيل لانها حينئذ فقط قد تامل باستعادة حياتها العادية.
امضت ليليان بهدوء عجيب اليوم التالي .. مع انها كانت مخدرة الحس من التعب عندما صعدت الى القطارة لتعود الى المدينة في الساعة السادسة من ذلك اليوم.
صباح الاثنين , حيت جوك في مكتبه وجلست امامه وهو يعمل , لكنها وجدت صعوبة في التصديق ان الحديث الذي سمعته منه قد جرى فعلا ..
سالها فجاة :
– الا تشعرين بانك بخير ؟ كنت صامتة طوال اليوم.
انقذها الهاتف من الرد برنينه , وكانت مكالمة من لندن , فتركته يتحدث وخرجت .
ارسله القدر العطوف في رحلة الى لندن في الايام التالية .. ولانها كرهت قضاء امسياتها بمفردها خرجت مع بيتر الذي علق على حالتها , وهما يتناولان العشاء :

– تبدين متكدرة .. ولا شك ان السبب اضطرارك الى التنكر نهارا.
– اشعر فعلا بالتكدر.
– انهي هذه المهزلة , وعودي الى طبيعتك !
– هذا ما سافعله. اريد تغييرا كاملا .. وافضله في الخارج.
– قرار مفاجىء .. لكن ان كنت جادة فقد استطيع المساعدة .. ان احدى زبونات الشركة وهي صاحبة محل ازياء مسافرة , بحاجة الى سكرتيرة لمدة سنة , انها السيدة بارف الارملة. كان زوجها صاحب محل ازياء , وهي الان تتابع عمله , ولكن بطريقة اخرى تعتمد على السفر.
– اهي اليزبيت بارف ؟
– تماما.
– اذن هذه هي الوظيفة المناسبة .. ساذهب لرؤيتها.
كانت ليليان في الامسية التالية تجلس قبالة السيدة بارف في غرفة جلوس انيقة في منزلها. مضت قمر الليل ساعة من الحديث العذب قبل ان تدرك ليليان انهما لم تبحثا سبب مجيئها الى هنا ..
قالت المراة وكانها تقرا افكار ليليان :
– يعرف المرء عن الانسان الكثير بالتحدث اليه , لا احتاج الى طرح اي سؤال لاعرف انك الشخص الذي ابحث عنه , كما ان بيتر قال انك ممتازة .
ضحكت ليليان :
– انه متسرع باحكامه.
– ما دمت تملكين من الذكاء ما خولك العمل عند هانيز , فهذا يعني انك اكثر من مناسبة لي . لكن العمل لي لن يكون مثيرا كعملك هذا.
– اود ان اسافر .. فالسفر سبب رغبتي في تركه . قال بيتر انك مسافرة.
– الى كيزون في الواقع.
– الفيليبين ؟
– اجل .. انها بلاد رائعة.
عضت ليليان شفتها .. لكن لا سبب يدفعها للخوف من الذهاب الى هناك , وانزعجت لان ذكرى كوني ماولنغ جعلتها مترددة.
اردفت المراة :
– قال بيتر انك مصورة جيدة .. وقد نضطر الى التقاط بعض الصور للازياء والعارضات.
– لكنني لم احلم من قبل بامر كهذا , فانا مجر هاوية.
– كنت هاوي حتى صممت اول زي ! الديك صور اشاهدها ؟
فتحت ليليان حقيبتها واخرجت بعض الصور:
– كنت في طريقي الى معهد التصوير, ولهذا حملتها معي.
نظرت السيدة بارف الى الصور .. كانت تظهر ثلاثة مناظر لميناء ريتشموند من ثلاث زوايا مختلفة :
– انها ممتازة .. لو استطعت التكيف مع كوزون كما فعلت هنا. عليك بكل بساطة مرافقتي. لن ادعك تتخلين عني !
– ولكنني مضطرة الى اعطاء شهر انذار لترك العمل .. وقد يطلب السيد هانيز مدة اطول.
– لا يمكنك اعطاءه المزيد ! ساتحدث اليه .. فلا تقلقي. لن يقطع راسي .. اعرفه منذ طفولته.
عندما غادرت ليليان منزل المراة كانت قد قبلت الوظيفة بحزم .. ولم يكن يكدر سعادتها بقبولها الا اضطرارها ان تقول لجوك انها ستتركه .. لكنها مضطرة الى كبح توترها حتى يعود من لندن نهاية الاسبوع.
لكن واقع مواجهتها له كانت اقسى مما قادها خيالها اليه, فقد تفوه بكلام ممطوط قبل ان تنهي كلامها.
– ان كنت تريدين المزيد من المال, فما من مشكلة.
– ليس لهذا علاقة بالمال .. اريد اسافر فقط.
– وماذا عن شقيقك؟ طالما اعطيت انطباعا بانك متعلقة به.
ومن غيره قد يضرب على الوتر الحساس الذي يزيد من تكدرها؟
ردت عليه :
– انا متعلقة به فعلا كثيرا. ولهذا من الافضل ان ابتعد عنه لسنة .. وحين يترك الجامعة اكون قد عدت.
انفجر غاضبا :
– لا تستطيعين الذهاب ! ما كنت لاقبل بك لو عرفت انك ستتركينني بهذه السرعة.
– اعمل عندك منذ تسعة اشهر.
– هذا لاشيء! ولوكانت تسع سنوات لفهمت حاجتك الى التغيير.
جعلها الغضب من افتراضه بان عالمها يجب ان يرتكز عليه تتخطى حاجز التحفظ :
– لي حياتي الخاصة سيد هانيز .. لا اجدني مستمتعة بحياتي وانا اعمل عندك.
– ان كان الامر يتعلق بالعمل الاضافي..
– لا علاقة للامر به, اريد وظيفة اعامل فيها كبشر, لا ككومبيوتر! واسمي ليس ليلي او لاسي .. بل ليليان .. شعري احمر.. هذان امران بديهيان يجب ان يعرفهما رب العمل بعد تسعة ايام لا بعد تسعة اشهر!
كان الصمت حادا, واحست ليليان ببشرتها تقشعر خجلا .. ولكن الوقت فات , واخذت قمر الليل العينان الرماديتان تنظران اليها بخبث وحقد :
– لم اعرف ان استراق السمع من خصائصك !
– كانت صدفة. دخلت الى المكتبة قبلكما وغفوت على المقعد, وعندما استيقظت كنت والسيد كيرانيغ تتحدثان.
– وهكذا .. اصغيت؟
– كان هذا اقل احراجا من ابلاغك بانني موجودة.
– لكنك تبلغينني بذلك الان.
– لم اشا ذلك .. ولكنك استفززتني ففقدت اعصابي.
– لم اكن اعرف ان لك طبعا .. فطالما اعطيتني انطباعا .. كنت ساقول هادئة وكفؤه .. ولكنني لو قلتهما لا عتبرت كلامي اهانة!
وابتسم :
– هيا الان انسة كامبل .. انا واثق من قدرتك على نسيان كل هذا. لماذا لا تاخذين بضعة ايام اجازة و…
لن اغير رايي سيد هانيز .. اود ترك العمل في نهاية شهر اب.
كان هدوء صوتها مقنعا اكثر من كلماتها, فتلاشى الدفء من وجهه وسارعت تقول :
– انا واثقة من انك ستجد الانسة بروك بديلا كفؤا.

هز كتفيه :
– ان كان هذا ما تظنين .. ساتركك تقومين بالترتيبات اللازمة.
فيما هي خارجة ناداها :
– انسة كامبل .. لم الحظ لون شعرك بسبب الطريقة التي تربطينه بها .. لكنه ليس احمر .. انه بني محمر.
صدمتها قمر الليل كلماته وكانه وجه لها ضربة .. فقد ذكرتها كلماته بوالدها الذي لم يستخدم احد سواه هذا الوصف لشعرها .. وسماعها جوك الرجل الذي تحبه والذي ينظر اليها كالة امر لم تستطع احتماله .. فغشيت الدموع عينيها وهربت راكضة.
اتصلت صباح اليوم التالي باخيها في الجامعة , وقالت شارحة :
– عرضت علي وظيفة في الفيليبين مدة , ولست واثقة ان كان يجب ان اقبل بها.
– مجنونة ان رفضتها.
– لكنها بلاد بعيدة.
– ان حدث شيء فانا قادر على الوصول اليك في اربع وعشرين ساعة.
شهقت ضاحكة .. من السخرية ان يسيء تود الحكم على اسباب ترددها. وما ان اتنهى قلقها على تود حتى عادت مشكلة جوك تستحوذ على افكارها..
في الصباح التالي علمت من الانسة بروك انه عاد الى السفر فجاة الى لندن. وانه سيعود بعد اسبوع, يوم الاثنين التالي على ابعد تقدير. لكن الاسبوع امتد اسبوعين ثم ثلاثة. ووصل موعد رحيل ليليان قبل ان يعود .. علمت ان من الافضل لها الا تراه , ولكن هذه الفكرة جلبت الدموع الى عينيها.
كالعادة كان بيتر هو اليد التي تبهجا دوما , فعندما وصلت الى الرصيف راته وراءها يقود سيارته الصغيرة :
– فكرت قمر الليل في تناول العشاء معا, فالله وحده يعرف متى اراك ثانية.
– لن اغيب اكثر من سنة!
– وهذا وقت كاف للزواج برجل فيليبيني.
لم تستطع سوى الضحك على الفكرة. استمر في مزاجه حتى لم يترك لها مجالا للتفكير في شيء اخر. عندما اوصلها الى باب شقتها في وقت متاخرمن تلك الليلة بدات التفكير مجددا في مستقبلها, انما بخوف اقل, قانعة بانها تفعل افضل ما بوسعها في الظرف الراهن.
الهروب جبن .. ولكن في مثل حالتها .. انه الحل الوحيد المنطقي!

  • رواية أحلام عندما نام القدر مكتوبة
  • رواية عندما نام القدر
  • رواية عندما نام القدر مكتوبة
  • قصة عندما نام القدر
  • نهاية رواية عندما نام القدر مكتوبة
السابق
كيف اجذب زوجي
التالي
وضرب لنا مثلا ونسي خلقه