ايها الاخوة ، من لوازم الايمان الشكر والعرفان ، والله سبحانه وتعالى سخر لنا هذا الكون تسخير تعريف وتكريم ، تعريف باسمائه الحسنى ، وصفاته الفضلى ، وتكريم هذا الانسان :
﴿ ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ﴾
[ سورة الاسراء: 70 ]
مادام هذا الكون قد سخره الله لنا كي نتعرف اليه من خلاله ، فينبغي ان نؤمن ان نؤمن به واحدا ، وكاملا ، وخالقا ، وربا ، ومسيرا ، وان نؤمن باسمائه الحسنى وصفاته الفضلى ، وما دام قد سخر هذا الكون لنا تسخير تكريم ينبغي ان نشكر ، فالانسان حينما يؤمن وحينما يشكر يكون قد حقق الهدف من وجوده ، يؤكد هذا ان الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وامنتم وكان الله شاكرا عليما ﴾
[ سورة النساء: 147]
اي انتم حينما تؤمنون ، وحينما تشكرون ، تتوقف عنكم كل معالجة ، لانكم حققتم الهدف من وجودكم ، لذلك الايمان كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( الايمان نصفان نصف صبر ونصف شكر ))
[البيهقي في شعب الايمان عن انس]
الشكر غاية ولاهله احسن الجزاء :
الموضوع يشبه موضوع الصبر ، لقد امر الله ان نشكره ، ونهى عن ان نكفره ، واثنى على الشاكرين ، ووصف فيه خواص المتقين ، وجعله غاية خلقه وامره ، فالشكر غاية، ووعد اهله باحسن الجزاء ، وجعله سببا لمزيد من العطاء ، وحارسا وحافظا لنعمته ، واخبر ان اهله هم الذين ينتفعون باياته ، واشتق له اسما من اسمائه ، فانه سبحانه هو الشكور، وهو ينقل الشاكر الى مشكور ، تشكر فتشكر ، وهو غاية الرب من عبيده ، وهو ثمن الجنة ، واهله قليلون جدا .
﴿ وقليل من عبادي الشكور ﴾
[ سورة سبا : 13 ]
قال تعالى :
﴿ واشكروا لله ان كنتم اياه تعبدون ﴾
[ سورة البقرة: 172 ]
﴿ واشكروا لي ولا تكفرون ﴾
[ سورة البقرة: 152 ]
﴿ ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين * شاكرا لانعمه ﴾
[ سورة النحل: 120 121]
﴿ انه كان عبدا شكورا ﴾
[ سورة الاسراء: 3]
﴿ والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون ﴾
[ سورة النحل: 78]
غاية الايات الكونية ان نشكر .
﴿ واعبدوه واشكروا له اليه ترجعون ﴾
[ سورة العنكبوت: 17]
ينبغي ان تشكر لمن ترجع اليه :
﴿ وسيجزي الله الشاكرين ﴾
[ سورة ال عمران: 144]
ووعد الله عز وجل الذي يشكر ان يزيد من عطائه .
﴿ واذ تاذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد ﴾
[ سورة ابراهيم: 7]
المؤمن صبار شكور :
المؤمن صبار وشكور .
﴿ ان في ذلك لايات لكل صبار شكور ﴾
[ سورة ابراهيم: 7]
النبي عليه الصلاة والسلام كان يقوم الليل حتى تورمت قدماه ، عن المغيرة يقول:
(( قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه ، فقيل له : غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تاخر ، قال : افلا اكون عبدا شكورا ))
[ متفق عليه عن المغيرة ]
لذلك كان عليه الصلاة والسلام يدعو بهذا الدعاء :
(( رب اعني ولا تعن علي ، وانصرني ولا تنصر علي ، وامكر لي ولا تمكر علي ، واهدني ويسر الهدى لي ، وانصرني على من بغى علي ، رب اجعلني لك شكارا ، لك ذكارا ، لك رهابا ، لك مطواعا ، لك مخبتا ، اليك اواها منيبا ، رب تقبل توبتي ، واغسل حوبتي ، واجب دعوتي ، وثبت حجتي ، وسدد لساني ، واهد قلبي ، واسلل سخيمة صدري))
[الترمذي ، ابو داود ، ابن ماجه ، احمد عن ابن عباس]
مستويات الشكر :
ايها الاخوة ، الشكر له مستويات ثلاث : اول مستوى : ان تعرف النعمة ، لان معرفة النعمة احد انواع الشكر ، هناك نعم كثيرة جدا مالوفة ، لكن هذه الالفة لهذه النعم ينبغي الا تجعلنا ننساها .
انسان عنده زوجة لا تخونه ، هذه نعمة كبيرة جدا ، لكنها مالوفة عند الناس ، فحينما تكون مالوفة يتوهم الانسان انها ليست نعمة ، لكن لو كان العكس لغلى الانسان كالمرجل ، نعمة انك تتنعم بصحتك ، باجهزتك ، باعضائك ، بجوارحك ، بحواسك الخمسة ، نعمة انه لك ماوى ، فكلما نقلت المالوفات الى النعم زادك الله نعما وكرمك ، هذا المستوى الاول ، ان تعرف انها نعمة ، عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا اوى الى فراشه قال :
(( الحمد لله الذي اطعمنا ، وسقانا ، وكفانا ، واوانا ، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي ))
[مسلم عن انس]
ترون وتسمعون ماذا يحل في اخوتنا في فلسطين وفي العراق ، نعمة الماوى ، نعمة السلامة ، نعمة ان العدد مساء صحيح ، هذه من نعم الله الكبرى .
المستوى الاعلى : ان يمتلئ القلب امتنانا لله عز وجل ، دون ان تشعر تلهج بحمد الله ، يا رب لك الحمد .
المستوى الاعلى والاعلى : ان تقابل هذه النعم بعمل صالح ، بخدمة عباده ، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى :
﴿ اعملوا ال داوود شكرا ﴾
[ سورة سبا : 13 ]
الشكر الحقيقي هو ما ترجم الى عمل .
على الانسان ان يشكر الله الشكر الذي يليق بنعمه :
ايها الاخوة ، يقول الله عز وجل في حديث قدسي :
(( اهل ذكري اهل مودتي ، اهل شكري اهل زيادتي ، اهل معصيتي لا اقنطهم من رحمتي ، ان تابوا فانا حبيبهم ، وان لم يتوبوا فانا طبيبهم ، ابتليهم بالمصائب لاطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عندي بعشرة امثالها وازيد ، والسيئة بمثلها واعفو ، وانا اراف بعبدي من الام بولدها… ))
[ رواه البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن ابي الدرداء ]
وفي حديث صحيح عن النعمان بن بشير قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر :
(( من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله ، التحدث بنعمة الله شكر ، وتركها كفر ، والجماعة رحمة ، والفرقة عذاب ))
[رواه الامام احمد عن النعمان بن بشير]
لكن ايها الاخوة ، المعنى الدقيق ان شكر النعمة لا يتم الا بنعمة جديدة ، وهي نعمة الشكر ، لذلك في الدعاء الشريف :
(( اللهم اعنا على دوام ذكرك وشكرك ))
[ورد في الاثر]
ايضا نستعين بالله على ان نشكره ، الشكر الذي يليق بنعمه .
من لم يشكر الناس لم يشكر الله :
لكن لا بد من تعليق ، هناك انسان يتوهم نفسه موحدا ، يقول : انا لا اشكر الا الله ، جيد هذا الكلام ، لكن هذا الذي ساق لك الخير على يديه هو انسان ومخير ، واختار ان يقدم لك هذا الخير ، وفي الحديث:
(( من لم يشكر الناس لم يشكر الله ))
[الترمذي عن ابي سعيد]
ليس هناك تناقض بين شكر الناس وبين شكر الله ، لكن الله عز وجل هو الذي مكن هذا الانسان ان يقدم لي هذه الخدمة ، وسمح له بذلك ، ووفقه الى ذلك ، اذا انا واجبي ان اشكر الله اولا ، ثم ان اشكر هذا الانسان ، لان هذا يقوي العمل الصالح في المجتمع ، اما كلما جاءتك نعمة من انسان فتنكرت له ، وقلت : انا لا اشكر الا الله ، ليس هذا من اخلاق المؤمن.
الشكر يقوي العلاقات بين الناس :
شيء اخر ، عن اسامة بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( من صنع اليه معروف فقال لفاعله : جزاك الله خيرا فقد ابلغ في الثناء ))
[الترمذي عن اسامة بن زيد]
كما ان الله شكور ينبغي ان تكون انت كذلك شكورا ، فاي انسان قدم لك خدمة ينبغي ان تشكره عليها ، والحقيقة ان الشكر يقوي العلاقات بين الناس ، اية خدمة قدمت لك اية هدية قدمت لك ، اي معروف صنع لك ينبغي ان تبادر ، فتشكر هذا الذي قدمه لك ، هذا من اخلاق النبي عليه الصلاة والسلام :
(( من صنع اليه معروف فقال لفاعله : جزاك الله خيرا فقد ابلغ في الثناء ))
[الترمذي عن اسامة بن زيد]
الحقيقة هناك اشخاص مهما قدمت اليهم المعروف ، ولا كلمة ، ولا شكر ، ولا اشارة ، ولا عبارة ، ولا اتصال هاتفي ، ولا بطاقة شكر ، وكانه واجب عليك ان تكون خادما له ، وهو في استعلاء وكبر ، والعياذ بالله ، وهناك اشخاص اقل خدمة تقدمها له يبادر فيشكرك ، فاذا استطعت ان ترد على هذه الخدمة بخدمة فهذا هو الاصل ، اما اذا لم تستطع فادع له ، فانك بهذا تشكره ، اثن عليه وادع له ، ان قلت له : جزاك الله خيرا ، فهذا نوع من الشكر .
على الانسان ان يتحدث بالنعم المشتركة بين كل العباد :
شيء اخر ، عن ابي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( من لم يشكر الناس لم يشكر الله ))
[الترمذي عن ابي سعيد]
النبي عليه الصلاة والسلام جاءه صحابي ونزع عن ثوبه قشة ، فرفع النبي يديه الى السماء ، وقال : جزاك الله خيرا .
اما التحدث بنعمة الله فهناك من يتوهم انك اذا سافرت الى بلد ، واستمتعت ، وانفقت اموالا طائلة ، ولك دخل كبير ، فكلما جلست في مكان تحدثت عن نعمة الله عليك بهذا الدخل الكبير ، وبهذا الطعام الطيب ، وبهذه الحركات الممتعة ، ليس هذا هو القصد ، القصد ان تتحدث بالنعم المشتركة بين كل العباد ، اما ان تبدو فقيرا وانت غني فهذا ايضا ليس من الدين في شيء ، وفي الحديث عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال :
(( ان الله يحب ان يرى اثر نعمته على عبده ))
[الترمذي عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده]
انت في بحبوحة ارتد ثيابا جميلة ، ثيابا نظيفة ، ان تكون بمظهر رث وانت لست كذلك فهذا من كفر النعمة ايضا .
من استعان بالله على شكر نعمه ادى حقيقة نفسه :
ثم ان الانسان ايها الاخوة حينما يستعين بالله على شكر نعمه يكون قد ادى حقيقة نفسه ، وتاكد انه يستحيل ان تاتيك نعمة ، وان تشكرها ثم تحجب عنك ، لان الله :
﴿ ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ﴾
[ سورة الرعد: 11 ]
اذا كنت شاكرا لنعمه فانت في حصن حصين ، وانت في بحبوحة من رب العالمين ، اما اذا تغيرت اخلاقك ، واستغنيت عن الله بعد النعم فانتظر زوال هذه النعم ، والله عز وجل اذا اعطى ادهش ، واذا اخذ ادهش ، احيانا الانسان ينتقل من كل شيء الى لا شيء، وقد سمعت عن اناس كثيرين لهم دخول فلكية ، والله انتهت حياتهم انهم نقبوا بالقمامة ، شيء لا يصدق ، انسان من دخل فلكي الى تنقيب بالقمامة !؟ .
فارجو الله سبحانه وتعالى ان نكون مؤدبين مع الله ، وان نشكر نعم الله علينا ، فكل نعمة انت فيها ينبغي ان تشكر الله عليها .