افضل مواضيع جميلة بالصور

في مجلس الشعب (الفصل الاول) نبيل فاروق

 

 

انطلقت زفرة عصبية ملتهبة، من اعمق اعماق صدر الدكتورة (نهير)، وهى تعبر مع زميلها (عزت)، تلك البوابة المعدنية الكبيرة لمجلس الشعب، وراحت تتلفت حولها فى توتر بلغ منتهاه، حتى ان (عزت) اطلق ضحكة مرحة، وهو يقول:

– اهداى دكتورة.. الاف يتمنون عبور هذه البوابة، ويحلمون بدخول المجلس، ولو لحظة واحدة.

اجابته فى عصبية، وهى تقدم اوراقها لموظف الامن:

– يتمنون الحصول على الحصانة، او الاحتماء من القانون، تحت القبة، وليس الحضور للاستجواب مثلنا.

ارتفع حاجباه فى دهشة، وهو يقول فى خفوت، خشية ان يسمعه احد رجال الامن:

– لسنا هنا لحضور استجواب يا دكتورة.. انها مجرد جلسة استماع.

غمغمت محنقة:

– لست ادرى حتى ما الفارق.

انتقلت اليه عدوى التلفت حوله، وهو يهمس:

– فارق كبير جدا.. سنجلس فى الشرفة معظم الوقت، حتى تحين لحظة مناقشة القصور، فى الاجراءات الجنائية الطبية، لنلقى ما لدينا، وننصرف فى سلام.

هزت كتفيها، متمتمة فى سخط:

– لست اظن الدخول هنا كالخروج.

حاول ان يبتسم، وهو يهمس فى عصبية:

– هذا ليس حماما.

مطت شفتيها، قائلة بصوت مرتفع نسبيا، وكانما لا تخشى ان يسمعها احد:

– ربما بالنسبة اليك.

تمنى لحظتها ان تنشق الارض وتبتلعه، ولكنه لاذ بالصمت التام، ورجل الامن يصبحهما الى الشرفة، ويجلسهما وسط رجال الصحافة، وما ان ابتعد، حتى همس (عزت):

– سيحين دورنا، بعد الاستجواب المقدم ضد وزير الثقافة مباشرة.

سالته هامسة:

– من قدمه.

اشار الى رجل بدين، يجلس فى الصف الثالث، من منتصف القاعة، وهمس بدوره:

– النائب مازن مسعود.. صاحب اكبر عدد من الاستجوابات دوما.

مطت شفتيها، وهى تقول، فى شئ من الامتعاض:

– نصف استجواباته بلا قيمة.. كل ما يعنيه هو ان يشير اليها الاعلام، ويذكر اسمه فى كل منها.

وافقها على قولها، واضاف:

– ويقدم كل استجواب فى انفعال شديد.

غمغمت:

– هذا جزء من اللعبة.

كان يرغب فى مواصلة حديثه معها، لولا ان بدات الجلسة، وتحدث رئيس المجلس على نحو موجز، ثم فتح الباب للاستجوابات المقدمة، ضد عدد من الوزراء..

وكما توقعت (نهير) تماما، اندفع النائب (مازن) يتحدث فى انفعال شديد مبالغ، حول ما وصفه بانه تجاوز اخلاقى شديد، حدث فى واحدة من مسرحيات القطاع الخاص، ونهض وزير الثقافة يدافع عن الموقف، ويحاول تبريره، والتستر على كل الاخطاء كالمعتاد، فانفعال (مازن)اكثر، وارتفع صوته كثيرا، وراح يلوح بذراعيه فى عنف، فمال (عزت) على اذن (نهير)، هامسا:

– هل ترين ذلك النائب النحيل، الذى يجلس الى جوار (مازن) مباشرة؟!.. اراهنك انه سيعترض على موقفه الان، ويتخذ جانب وزارة الثقافة.

سالته فى دهشة:

– ولماذا توقعت هذا؟!

اجابها فى همس اكثر خفوتا:

– انه خصم لدود لمازن، ويهوى استفزازه فى كل جلسة.

غمغمت مندهشة:

– حقا.

جذب هذا الامر انتباهها بشدة، فراحت تراقب الموقف فى امعان، وعقلها يدرس كل خطوة، بطبيعته التحليلية، التى طالما ارهقتها..

كان (مازن) شديد الانفعال، فى حين جلس جاره النحيل هادئا، ينظر اليه بين لحظة واخرى، فى اهتمام واضح، ثم لا يلبث ان يشيح بوجهه عنه، وكانما لا يرتاح لرؤيته..

ووسط الجالسين، سار عامل بسيط، يقدم لكل نائب علبة من علب المياه الغازية، وتحرك نائب اخر، فهمس فى اذن (مازن)، ثم تراجع الى مقعده، وراح يتبادل حديثا خافتا مع جاره، بدا من الواضح معه انهما يسخران من الرجل، الذى تضاعف انفعاله، وراح يلوح بذراعيه فى حدة اكثر، فنهض نائب اخر، وربت على كتفه، ولكن (مازن) دفعه بحركة حادة، وارتفع صوته، وهو يصيح به:

– لست اسمح لك حتى بابداء رايك.. انت نائب فاسد، ورائحة فسادك تزكم الانوف.

احتقن وجه ذلك النائب، وصاح به:

– ليس من حقك توجيه اتهامات عشوائية.. اعط دليلا واحدا على ما تقول، والا فضع لسانك داخل فمك.

هتف به (مازن) متحديا:

– وماذا لو لم افعل؟!

صرخ فيه النائب، وهو ينقض عليه:

– ساقطعه.

كاد الاثنان يشتبكان، وكلاهما يوجه عبارات جارحة للاخر، فاندفع بعض النواب، يحولون بينهما، واتسعت عينا (نهير) عن اخرهما فى الشرفة، وهى تقول:

– رباه!.. امن الممكن ان يحدث هذا هنا!.. فى مجلس الشعب؟!

اجابها (عزت) فى عصبية:

– انه تجاوز غير معتاد، ولكنهم سينهون الموقف بسرعة حتما.

كان النواب قد فصلوا الرجلين عن بعضهما البعض بالكاد، وعاد كل منهما الى مقعده، دون ان تهدا ثورتهما، وبكل انفعاله، اخرج (مازن) علبة دواء من جيبه، التقط منها قرصا، والقاه فى فمه، ورئيس المجلس يوجه اللوم للنائبين، على ما بدر منهما من تجاوز، ويؤكد ان هذا لا يتفق مع طبيعة النواب الوقورة، ولا طبيعة المجلس نفسه، وانه لن يسمح بمثل هذا التجاوز مرة اخرى، و…

وفجاة، نهض (مازن) واقفا، وبدا وجهه شديد الاحتقان، واتسعت عيناه عن اخرهما، وانطلقت من حلقه حشرجة عجيبة، جعلت (نهير) تهب من مقعدها، فى نفس اللحظة التى حاول فيها النائب النحيل ان يسنده، وهو يهتف:

– اسعاف.. سيارة اسعاف بسرعة.

وقبل حتى ان يكتمل هتافه، سقط (مازن) بين ذراعيه، فعجز عن تحمل ثقله، وتهاوى الاثنان ارضا..

وبكل توتر الدنيا، هتفت (نهير):

– انا طبيبة.. افسحوا لى المجال.. انا طبيبة.

كانت هناك حالة من الهرج والمرج فى المجلس، ورجال الامن يتحركون فى عصبية واضحة، فضاع صوتها وسط كل هذا، وجذبها (عزت) فى عصبية، قائلا:

– اجلسى.. المجلس به طاقم اسعاف طبى خاص به.. لا شان لنا بما يحدث هنا.

تملصت منه، وهى تندفع نحو الباب، هاتفة:

– ولكنه واجبنا.

اعترض احد رجال الامن طريقها بحركة حادة، وهو يقول فى غلظة وخشونة:

– عودى الى مقعدك.

ابرزت التصريح، الذى يحمل اسمها ومهنتها، وهى تهتف:

– انا طبيبة.

كرر فى خشونة اكثر:

– عودى الى مقعدك.

تضاعفت عصبيتها، وهى تحاول ايجاد وسيلة منطقية، للتفاهم مع رجل امن، لا مجال لديه للنقاش او المنطق، وقبل ان تتوصل الى وسيلة ما، سمعت من يهتف فى ذعر، من قاعة المجلس:

– لقد.. لقد مات.

اتسعت عيناها عن اخرهما، وتجمد الموقف كله دفعة واحدة، حتى بدا اشبه بلوحة صامتة، تعبر عن ماساة جماعية مباغتة، مع ملامح الذعر والذهول على الوجوه، قبل ان يقطعها صوت رئيس المجلس، وهو يقول فى عصبية:

– اين طاقم الاسعاف؟!

وهنا صاحت (نهير) من الشرفة:

– انا طبيبة.

بدت صيحتها شديدة الوضوح، وسط الصمت الوجوم، الذى ساد المكان، فهتف رئيس المجلس فى حدة:

– احضروا هذه الطبيبة.

لم يكد هتافه يبلغ مسامعها، حتى تحركت الامور فى سرعة مدهشة، ففى الوقت الذى انكمش فيه (عزت) فى مقعده، وجدت هى من يدفعها امامه فى غلظة، لتصل الى القاعة، ويضعونها امام النائب الذى لقى ربه مباشرة..

وعلى الرغم من ثقتهم فى انه قد مات بالفعل، تعلقت العيون كلها بها فى امل وهى تفحصه فى سرعة..

هى ايضا كانت تعلم انه قد مات، الا ان هذا لم يكن الشئ الوحيد الذى تفحصه، فقد فتشت جيوبه فى سرعة، واخرجت بطرفى سبابتها وابهامها علبة الدواء، التى تناول منها قرصا، قبل مصرعه مباشرة، والقت نظرة سريعة عليها، ثم تلفت حولها فى توتر، قبل ان يسالها رئيس المجلس:

– اهناك امل؟!.. ام انه..

اجابته فى سرعة:

– لقد مات.

غمغم النائب النحيل فى حدة:

– وماذا اضفت من جديد؟!

رفعت عينيها اليه، وقالت فى حزم، لا يتناسب مع انوثتها:

– ليست ميتة عادية.

حدق الكل فيها، فى تساؤل مندهش، فشدت قامتها، فى محاولة للتماسك امامهم، وهى تضيف:

– لقد قتل.

وانفجرت عبارتها كقنبلة وسط قاعة المجلس..

قنبلة من الذهول..

كل الذهول..

*     *     *

عقد رئيس مجلس الشعب كفيه خلف ظهره، وهو يتحرك فى فراغ مكتبه، فى عصبية شديدة، قبل ان يتوقف فجاة، ويرمق الدكتورة (نهير) بنظرة قاسية غاضبة، قائلا:

– هل تدركين ماذا فعلت الان؟!

اجابته متوترة:

– وماذا فعلت؟!

هتف ثائرا:

– اثرت بلبلة عنيفة، فى المجلس كله، وامام جموع الصحفيين، دون ادنى احساس بالمسئولية.. حتى اللفظ المستخدم، ليس مناسبا على الاطلاق.. كل ما يحق لك قوله، هو انه ربما تكون هناك شبهة جنائية فى الموقف، لا ان تعلنى، بكل الثقة والوضوح، انها جريمة قتل.

اجابته فى حزم:

– ولكنها كذلك؟!

صاح بها:

– ليس من حقك الجزم بهذا.. هناك اجراءات، ونظم، وخطوات قانونية وحتمية، قبل اعلان هذه النتيجة.

كان يتوقع منها تراجعا مذعورا، الا انه فوجئ بها تجيب بنفس الحزم الواثق:

–                           ربما يستخدم رجل الامن، او الطبيب الاولى، عبارة الشبهة الجنائية يا سيدى، ولكننى طبيبة شرعية رسمية، وخبيرة بوزارة العدل، وحاصلة من الولايات المتحدة الامريكية على شهادة الدكتوراه، فى فحص مسرح الجريمة، ومن انجلترا على دكتوراه ثانية، فى الطب الشرعى والسموم، اضف الى هذا اننى احمل شهادتى بكالوريوس واحدة من كلية العلوم، واخرى من كلية الطب، ثم اننى استطيع اثبات ما قلت فورا.

 وصمتت بحظة، ثم استدركت فى عصبية:

– وباسلوب علمى محض.

تطلع اليها رئيس المجلس فى دهشة، وهو يقول:

– حصلت على كل هذا، فى هذه السن؟!

قالت، وقد تسلل التوتر اليها لاول مرة:

– كنت دوما طالبة متفوقة.

رمقها رئيس المجلس بنظرة طويلة، ثم عاد يتحرك فى فراغ حجرته، قبل ان يسالها فى حزم:

– تقولين: انك تستطيعين اثبات كل هذا.

كررت، مستعيدة حزمها:

– وفورا.

اضاف فى خشونة:

– وبادلة علمية مقنعة؟!.

اشارت براسها ايجابا، وغمغمغمت فى حذر:

– وساوقع شهادة رسمية بها ايضا.

اوما براسه لحظات، ثم التقط سماعة هاتفه، وقال فى صرامة:

– اخرجوا كل الصحفيين من القاعة، وليبق النواب فى المكان، حتى ينحسم هذا الامر.

واعاد سماعة الهاتف، مستطردا، وهو يرفع عينيه اليها، بنظرة وعيد صارمة:

– فليكن.. سنحسم الامر الان.

مرة اخرى، وجدتهم يقودونها الى القاعة، بعد ان اخلوا الشرفة من جميع الاعلاميين والصحفيين، الذين اجتمع بهم رئيس المجلس، ومسئول الامن، وحذراهم من نشر كلمة واحدة عن الامر، ودفعوها الى حيث ما زالت ترقد جثة النائب (مازن)، وقال رئيس المجلس فى غلظة:

– هيا.. هاتى ما لديك.

التقطت (نهير) نفسا عميقا، وقالت:

– سيادة النائب مات بهبوط حاد فى الدورة الدموية، على الرغم من تناوله قرصا من مادة النترات، التى تعالج ذبحة صدرية يعانى منها، وتبدو واضحة فى شكل قفصه الصدرى، وحمله هذا الدواء طوال الوقت.

غمغم النائب، الذى تشاجر مع (مازن):

– هذا لا يثبت حدوث جريمة قتل.

اومات براسها ايجابا، وقالت:

– ربما يثبتها هذا.

اشارت الى ورقة ملقاة ارضا، وعليها بقايا مسحوق ازرق اللون، فتطلع اليها رئيس المجلس فى دهشة، وهو يقول فى عصبية:

– وما هذا بالضبط؟!

اجابته فى سرعة:

– لا يمكننى معرفة ماهيته، دون فحص وتحليل كامل، ولكن يمكننى مقارنته بتلك الذرات، الملتصقة بطرف علبة المياه الغازية، والتى تشير الى ان احدهم قد دس ذلك المسحوق، فى علبة النائب (مازن)، الذى شرب المياه الغازية، دون ان يلاحظ هذا، فلقى مصرعه.

هتف رئيس المجلس:

– اذن فهذا سم؟!

هزت راسها، قائلة:

– لم افحصه بعد.

تبادل النواب كلهم نظرة متوترة، ونهض النائب، الذى همس فى اذن (مازن):

– لن نقبل هذه الاتهامات دون دليل.

اندفعت تقول فى صرامة:

– يمكننى حسم الدليل خلال ساعة واحدة، لو قمت بفحص علبة المياه الغازية، وذلك المسحوق.

قال رئيس المجلس فى انفعال:

– وسيتم هذا فورا.. ستحصلين على كل الامكانيات اللازمة، وستوضع كل امكانيات المعمل الجنائى تحت تصرفك.

ثم التفت الى النواب، مضيفا بكل صرامة:

– ولن يغادر احد هذه القاعة، حتى ينحسم الامر.

هتف النائب النحيل فى حدة:

– ابلغوا الشرطة، ولكن لا تحبسونا هنا، حتى…

قاطعه رئيس المجلس، بزمجرة صارمة:

– سيبقى الكل..

ثم عاد يلتفت الى (نهير)، قائلا:

– المعمل الجنائى على بعد امتار من هنا.. وامامك ساعة واحدة، اما ان تثبتى حدوث القتل، او…

لم يحاول اتمام تهديده، ولم تحاول هى حتى ان تسمعه، فقط حملت علبة المياه الغازية فى كيس من النايلون، وتلك الورقة، مع المسحوق الازرق فى كيس اخر، وحملتها سيارة من سيارات المجلس، الى مبنى المعمل الجنائى، ومعها مساعدها الدكتور (عزت)..

كان مكتب الطبيب الشرعى ينقل جثة النائب القتيل، والكل فى المجلس يشعر بتوتر بالغ، اما هى ومساعدها، فقد استقبلهما رجال المعمل الجنائى ببرود مستفز، وابدوا عدم ارتياحهم وتعاونهم من اللحظة الاولى، ولولا الامر الذى تلقوه من وزير الداخلية شخصيا، لما سمحوا لها حتى باستخدام اجهزتهم، التى بدت لها متاخرة بجيلين على الاقل، عن الاجهزة الحديثة، التى كانت تعمل عليها، اثناء فترة الدراسة لنيل شهادة الدكتوراة ..

اما مساعدها (عزت) فلم يكد ينفرد بها، وهى تجرى اختباراتها على المسحوق، حتى همس فى عصبية، وهو يتلفت حوله، على نحو مبالغ:

– ماذا فعلت يا دكتورة؟!.. لماذا ورطتنا فى هذا الامر؟!

اجابته، دون ان تلتفت اليه:

– لولا ما فعلت؛ لمر الامر، دون ان ينتبه اليه احد.

هتف محنقا، وهو يواصل الحفاظ على انخفاض صوته:

– وما لنا نحن بهذا الامر؟!.. لسنا حتى اعضاء فى المجلس.. اننا مجرد مدعوين الى جلسة استماع، ام انك قد نسيت هذا.

لم يبد انها قد سمعته، وهى منهمكة فى افراغ بقايا المسحوق الازرق، فى انبوب اختبار، حملته فى حرص، الى جهاز الطرد المركزى، فواصل هو فى حدة، وحنق متضاعف:

–                           لقد دسست انفك فى شئون سياسية، دون اى مبرر.. هل تتصورين انهم سيكافئونك، لو كشفت حقيقة الامر؟!.. لو ان هذا ما يدور بخلدك، فانت ساذجة واهمة، ولا تفهمين شيئا مما يدور فى بلدنا هذه الايام… الحكومة لا تكافئ ابدا… انها تعاقب فقط.. ليس لديها ادنى احساس بانه ينبغى عليها ان تكافئ مواطنا واحدا، حتى لو افنى حياته كلها من اجلها… انها تشعر دوما شعور السادة تجاه العبيد … العبد من الطبيعى ان يخدم السيد، والا ينتظر اى مقابل لهذا … انه مجرد عبد… وسترين انهما لن يسمحوا قط بكشف اخطاء المجلس.. بل ربما يتسترون على الامر كله، لو ثبت ان القاتل هو احد نواب الحكومة.. اننا لسنا فى اوروبا او امريكا .. الامور هنا تسير على نحو مختلف.

قالت فى توتر:

–                           انها وجهة نظرك.

اطلق ضحكة عصبية خافتة، وهتف:

_ يبدو انك انت تعيشين فى عام يختلف عن الذى نعيش فيه نحن.. افيقى يادكتورة .. افيقى وانظرى الى العالم الحقيقى … العالم الذى تملكه دوما اقلية حاكمة، ترى انها الاحق بكل شئ، واى شئ؛ بحجة انها الساهرة على امن البلد وامانه… اقلية تستبح لنفسها كل شئ، وتحرم شعوبها من ادنى شئ… اقلية تعايرك طوال الوقت بما انجزته، من اموالك زجهدك وعرقك … اقلية تجعلك تشعرين فى بلدك، وكانك مواطن غريب متسلل، لا يحمل تاشيرة اقامة، وليست له سفارة تحمية.. اقلية جعلتك تخشين رجال الشرطة واقسامهم، المفترض منها حمايتك؛ لانها اشبه بمنظمات اجرامية، بارعة فى مخالفة كل قانون.

قالت فى سخرية عصبية:

–                           لا تنس اننا هنا، وسط تلك الاقلية.

امتقع وجهه، وانكمش على نفسه، على نحو يثير الشفقة، وتلفت حوله فى هلع، وكانما يخشى ان يتقض عليه رجال الشرطة فجاة، من كل صوب، فاطلقت ضحكة باهتة، وتمتمت، منشغلة بعملها:

–                           اطمئن … ليس لديهم وقت لنا، نحن ابناء الشعب العاديين … انهم منشغلون طوال الوقت، بحماية الكبار.

واستدركت فى سخرية:

–                           القلة.

مط شفتيه فى غضب، وقال وهو يعاونها:

–                           على اية حال، لا تنكرى يوما اننى قد حذرتك.

هزت كتفيها، قائلة:

–                           انك تحذرنى طوال الوقت.

قال فى حدة:

–                           وانت لا تستمعين الى قط.

عادت تهز كتفيها، قائلة:

–                           ليس هذا ممكنا …. اننا نختلف فى طبيعتنا تمام الاختلاف؛ فانت شخصية حذرة، تميل للسير الى جوار الحائط، وتجنب المتاعب والمشكلات، وانا على العكس تماما.

بدا غاضبا، على الرغم من محاولته كتمان هذا، وهو يقول:

–                           وسيلتى هى المثلى؛ للعيش فى هذا البلد …… اما ان تقبلى بما يحدث فيه، وتسيرين صامتة مستسلمة، الى جوار الحائط، او ترفضين مايحدث، وستجدين الف حائط؛ لتضربى راسك فيهم.

رمقته فى دهشة مستنكرة:

–                           ياله من راى متخاذل.

اجاب فى حدة:

_ او شديد الحكمة.

غمغمت فى صرامة، وهى تدير جهاز الطرد المركزى:

– على اى الاحوال، هذا ليس شانا سياسيا.. انه شان جنائى بحت.

اطلق ضحكة ساخرة قصيرة، وقال فى حدة اكثر:

– هراء .. ما دام الامر يدور تحت قبة المجلس، فلا فارق بين الحالتين .. اتتصورين ان فساد اى وزير مثلا، هو امر جنائى بحت، من اختصاص النائب العام وحده؟!.. ياللسذاجة، فى بلدنا يعتبر كل ما يمس السادة امرا سياسيا، حتى فسادهم، وانحرافاتهم، واخطائهم الفادحة، التى ربما يذهب ضحيتها المئات …. صدقينى، لو افنى مسئول كبير قرية كاملة، او حتى نشر وباءا فانيا، وحتى لو باع الهرم ذاته، سيعتبرون هذا شانا سياسيا.

غمغمت فى صوت شارد:

– خطا.

قال فى عصبية:

– ربما فى مجتمعات اخرى، اما هنا، فكل شئ مرهون بارادة الكبار.. مجتمع الخمسة فى المائة، الذى قامت الثورة للقضاء عليه، عاد مبرزا انيابه ومخالبه، والتهم كل ما فعلته الثورة، فى عقدين من الزمان، بل وربما تحول الى نصف فى المائة ايضا.. على الاقل، كانت هناك صحافة قادرة على كشف الفساد قبل الثورة، وراى عام يتفاعل معها، وحكومات تمتلك ذرات من حياء، لم يعدله وجود فى زمننا هذا، و…

قاطعته فى صرامة:

– كفى.. لم اكن اشير الى كل هذا، عندما تحدثت عن الخطا.

سالها مبهوتا:

– اى خطا تقصدين اذن؟!

اشارت (نهير) الى مقياس الطيف امامها، وهى تجيب فى حزم:

– هذا.

حدق فى المقياس، دون ان يفهم ما تعنيه، فاعتدلت هى، واضافت بكل حسم:

– لقد عرفت كيف قتلوا النائب (مازن).

وارتفع حاجبا (عزت) فى دهشة..

بلا حدود.

 

السابق
جدول الدورة الشهرية والحمل
التالي
في مجلس الشعب (الفصل الثاني) نبيل فاروق