الاسئلة الوجودية التى يطرحها موضوع الفيلم الفرنسى الامريكى «لوسى» ربما تقلب موازين العقل البشرى، وكذلك الحالة الفنية الثرية والمبهرة التى ظهرت عليها صورته يمكنها ان تضع سينما الخيال فى مكانة جديدة اكثر سموا فى الفن السابع، حيث تصدقها كواقع ملموس، فالفيلم يجعلك تتساءل: هل انت من يتحكم فى عقلك؟ ام هو الذى يتحكم بك ويحركك، وبعد ان ظهرت نظرية تؤكد ان البشر لا يستخدمون سوى نسبة ضئيلة من قدرة الدماغ لم تتجاوز ال 20 فى المائة، ماذا سيحدث اذا استخدمت مائة فى المائة من قدرة دماغك.. هل حينئذ سيتغير واقعك وتمسك بكل احلامك وحتى كوابيسك بين راحتى يديك؟ حيث ستكون قادرا على اطلاق 86 بليون خلية عصبية دفعة واحدة، لتصبح شخصا يفوق طاقة البشر وكيف يمكن ان يؤثر ذلك على فهمنا للحياة ودورنا فيها.
اجمل ما فى فيلمنا الذى يمكن ان نطلق عليه «الخيالى الواقعى» ان احداثه خارجة عن حدود المنطق ولكن يمكن توقع حدوثها، وبين هذه الصورة المزدوجة تتعرف على الكثير من الحقائق التى تبهرك، ثم تخرج وانت متحفز لكى يحدث لك ذلك، فقد تعرف الطريقة التى تصبح بها انسانا فوق العادة حدوثه اذا عرفت كيف تصل بعقلك الى اقصى مداه. الحكاية نعرفها تدريجيا من خلال لوسى، التى تجسدها سكارليت جوهانسون وهى هنا الطالبة التى تعيش فى تايوان، حيث نرى صديقها وهو يورطها فى تسليم حقيبة الى احد رجال المافيا، وقبل ان تفهم انها فى ورطة، تجد نفسها مخطوفة كرهينة من قبل «يانج» الزعيم الشرير حيث يامر بفتح بطنها جراحيا ووضع حزمة محملة بمادة كيميائية صناعية قوية لا تقدر بثمن من المرجح ان تقتلها لو تسربت الى جسدها، وهو الامر الذى يحدث لمجموعة اخرى تقع تحت اسر الشرير ويتم ارسالهم الى المطار بهدف الطيران فى عدة دول حول العالم، ولكن عندما تنطلق المادة الكيميائية عن طريق الخطا فى جسد «لوسى» وتدخل فى نظامها، يبدا جسدها فى التطور وتصبح قدرتها الدماغية مذهلة وفوق كل مستويات البشر، واثناء محاولتها لفهم التغييرات التى تحدث فى عقلها وجسمها، تبدا فى الشعور بكل شيء حولها، الفضاء والهواء وحتى الجاذبية الارضية، كما تطورت لديها الصفات الخارقة، وتوسيع نطاق المعرفة والسيطرة على كل شيء حولها، بينما هى تحاول الوصول الى البروفيسور صموئيل نورمان «مورجان فريمان» بحثا عن مساعدته وهو الذى قام بعمل ابحاث حول امكانية الدماغ البشرى، ويعطى محاضرات حول العالم، بصفته خبيرا فى المخ البشرى، وذلك فى محاولة منها لفهم ما يحدث لها، وما سوف يؤدى اليه، وتخبره انها قادرة على تعلم وقراءة كل شيء، والسيطرة على الوقت والمكان، وفى هذه اللحظة ايضا تتقابل مع الضابط الفرنسى النقيب بيار ديل ريو «عمرو واكد»، وهو ضابط نزيه وقائد موهوب، وعلى الرغم من اندهاشه من قصة لوسى وانزعاجه من قدراتها التى تفوق البشر، الا انه يساعدها ويضحى بحياته لحماية امراة شابة بدت له انها تحاول الحفاظ على ما تبقى من انسانيتها، وفى نفس الوقت يتم مطاردتها بقوة من قبل خاطفيها السابقين لمحاولة استخراج المادة الكيميائية من جسدها، والتى لا تقدر بثمن , نجح المخرج فى فكرة الربط فكرة الربط بين الانسان الاول المكتشف من ملايين السنين وكان اسمه لوسى ايضا والانسان الاخير الذى يشكل اخر مراحل التطور ويحمل او تحمل اسم لوسى كما جاء بالفيلم، حيث تقابل قرينتها الاولى البدائية فى مشهد رائع شكل البداية والنهاية للفكرة والفيلم. وباستعراض مدهش للخدع البصرية عبر كامير تيرى اربوجاست وموسيقى تصويرية لاريك سيرا موفقة تماما فى تاثيرها شاهدنا بطلتنا عندما تبلغ قدرتها العقلية مائة فى المائة تختفى بعدما كتبت الى الضابط رسالة مكتوب عليها «انا فى كل مكان» وهى فكرة جريئة تعنى انه لو الانسان استخدم عقله بشكل كامل ربما يكون مثل اله، موجود فى الارض والسماء يتجاوز الزمن والمكان.
وبدون شك برع المخرج والمؤلف لوك بيسون عبر سيناريو محبك وواقعى فى تسلسله ان يقدم فكرته بشكل مختلف، وقد التقى اثناء بحثه عن مزيد من التفاصيل بعالم الاعصاب ايف اجيد، الذى شارك فى تاسيس معهد الدماغ والعمود الفقرى ليدرس معه موضوعه، وقال ايف اجيد بعد ذلك «ما اجده رائعا فى الفيلم انه يقول حقائق صحيحة، لوك يطبق ديناميكية رائعة طوال الفيلم، ليكون اكبر من مجرد فيلم خيالى، فمن يشاهد الفيلم سيعتقد انه حقيقى، لانه يعتمد على نظريات ودراسات لها اساس وواقع، ولهذا سيكون فيلما قويا جدا». وبرع المخرج ايضا فى توظيف الادوار شكلا ومضمونا، وخاصة شخصيتى الضابط الذى يقف بجانب لوسى انسانيا والثانى البروفيسور الذى يفسر لها التطور العلمى فهما كان جناحى لوسى وهى تتطور علميا. كشف عمرو واكد عن مرحلة مهمة فى مشواره مع السينما العالمية بادائه المبهر لشخصية الضابط وتعبيراته المدهشة من تصرفات لوسى الغريبة، فالدور كان مركبا فهو يحاول تتيع جريمة عالمية كبرى واحد ادواته فيها شخصية ربما تبدو مدانة بافعالها الخارقة من قتل وما شابه، وفى الوقت نفسه يحاول ان يساعدها فى مواجهة افعالها غير الطبيعية ومواجهة الاشرار العظام، ومن المؤكد ان اختيار لوك بيسون لعمرو هنا ووضع اسمه رقم اربعة فى ترتيب الابطال بعد سكارليت جوهانسون ومورجان فريمان والكورى تشوى مين سيك سيفتح مجالا كبيرا له، اكبر من كل التجارب السابقة التى قدمها على الشاشة العالمية واصقلته مثل سيريانا، والاب والغريب، وصيد السلمون فى اليمن، ومنزل صدام، وقال عنه لوك بيسون «عمرو فنان كبير، ونحن لم نشاهد له العديد من الافلام، واعتقد انه من المهم ان تكون هناك وجوه جديدة على الشاشة لدينا».
ايضا بدت سكارليت جوهانسون نموذجا لشخصية نسائية قوية وجديدة برعت فى ادائها وجسدت الشخصية التى تخبرك كيف تستطيع الوصول بقدرة عقلك الى 20% واذا استطعت يمكنك فتح 30 % وعندما تصل الى 30 % يمكنك فتح 40 %، وهكذا، ونجحت فى اداء شخصية تمر بمراحل تغير كثيرة كانت قادرة على تقديم التطور والاختلاف فى شخصية لوسى فى بداية ظهورها، وبعد ان دخلت المادة الكيميائية جسدها، وقد ساعد المخرج سكارليت لتستطيع تقديم الشخصية فى كل تطوراتها، والجزء الاكثر تحديا هو تقديم لوسى بشكل يظهرها كشخصية واحدة متصلة، رغم التغييرات الكبيرة النفسية والجسدية التى تحدث لها، فكان لابد ان تظهرها انسانة لها مشاعر واحاسيس وتتالم رغم كل الظروف وقد صدقناها.
ايضا استطاع مورجان فريمان باستاذيته ان يجعلنا محاطين باجواء علمية طوال الاحداث بصدقه فى اداءه لشخصية البروفيسور صمويل المفتون بالنظرية التى يقدمها فى الفيلم.
فيلم لوسى مغامرة بصرية، جرىء لا يتطلب مجهودا عقليا للاستمتاع به، ولكنه فى الحقيقة من الافضل عدم التفكير به بشكل كبير».
وفى النهاية يبقى لوك بيسون بافكاره مصدر الهام كبير للسينما.