من الشعائر الاسلامية التي سنها النبي صلى الله عليه وسلم والمتعلقة بالمولود: حلق راسه يوم سابعه، والتصدق بوزن شعره فضة.
قال ابو عمر بن عبدالبر: “اما حلق راس الصبي عند العقيقة، فان العلماء يستحبون ذلك”.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم كما في حديث سمرة عند اهل السنن قال: ((كل غلام رهينة بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويسمى، ويحلق راسه)).
عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الغلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع، ويسمى، ويحلق راسه))[1].
وعن علي بن حسين عن ابي رافع قال: لما ولدت فاطمة حسنا قالت: “الا اعق عن ابني بدم؟ قال: ((لا، ولكن احلقي راسه، وتصدقي بوزن شعره من فضة على المساكين والاوفاض))، وكان الاوفاض ناسا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجين في المسجد، او في الصفة، ففعلت ذلك، قالت: “فلما ولدت حسينا، فعلت مثل ذلك”[2].
وقال صلى الله عليه وسلم لفاطمة لما ولدت الحسن: “احلقي راسه وتصدقي بوزن شعره فضة على المساكين”[3].
وروى الامام مالك ان فاطمة الزهراء – رضي الله عنها – وزنت شعر الحسن والحسين وزينب وام كلثوم، فتصدقت بزنة ذلك فضة[4].
قال الحافظ ابو زرعة العراقي: “وفيه استحباب حلق راس المولود يوم السابع؛ وبه صرح الشافعية والحنابلة، ومن المالكية: ابن حبيب وابن شعبان وغيرهما، وابن المنذر وابن حزم”[5].
واما التصدق بوزن الشعر المحلوق فضة، فقد جاء في مصنف عبدالرزاق عن ابي جعفر قال: “كانت فاطمة بنت رسول الله لا يولد لها مولود الا امرت بحلق راسه وتصدقت بوزنه ورقا”[6].
الذكر والانثى في الحلق سواء[7]:
واختلف العلماء في حلق شعر المولود الانثى، فذهب الشافعية والمالكية الى انه سنة كذلك؛ قياسا على الذكر، ولعموم النصوص الواردة في سنية الحلق.
وذهب الحنابلة الى كراهة حلق شعر المولود الانثى، قال البهوتي في كشاف القناع:ويحلق راس الذكر لا الانثى يوم سابعه، ويتصدق بوزنه ورقا. ا.ه
والراجح – والله اعلم – ان السنية في حلق شعر المولود تعم الذكر والانثى؛ لما سبق ذكره.ا.ه[8]
الحكمة من الحلق:
وكما هو عهد التشريع الاسلامي الذي لا يلزم المسلمين بتشريعاته تعنتا وارهاقا؛ بل لحكم ومقاصد سامية، فضلا عن كونها طاعة وقربة لله تعالى؛ فانها تحمل الخير في الجانب الصحي والتربوي الفردي والاجتماعي.
1- الجانب الصحي:
يقول الاطباء: ينبت شعر الجنين خلال الشهر الثالث او الرابع من الحمل، وتطفو على بشرة جسمه مادة شمعية رطبة عازلة شبيهة بطلاء دهني يكسو الجلد، وتقي هذه المادة بشرة الجنين من الجفاف الذي قد تسببه مكونات السائل السلوي داخل الرحم، وعند الولادة تظل هذه المادة العازلة على جسم الجنين لحمايته خلال اللحيظات التي تلي ولادته من الصدمات المحتملة للجو الجديد الذي يجده خارج رحم امه الدافئ، وتنبت البصيلات شعيرات رفيعة وناعمة عديمة اللون على جسم الجنين بكامله، ويطلق على هذا الشعر الذي يكسو جسم الجنين: “زغب الجنين” او “الشعر الجنيني”.
ومن الناحية العلمية: ان شعر الطفل يكون حاملا لبعض الميكروبات بسبب الولادة، وحلاقة الشعر تحمي البصيلات من هذه الميكروبات، وتظل سليمة، ويخرج الشعر من جديد نظيفا معافى.
ويؤكد الاطباء ان حلاقة شعر الطفل بعد فترة طويلة من الولادة لا فائدة منها؛ لان البصيلات يكون قد وصل لها ما وصل وضعفت.
وكان حلق راسه لاماطة الاذى عنه، وازالة الشعر الضعيف؛ ليخلفه شعر اقوى وامكن منه، وانفع للراس، مع ما فيه من التخفيف عن الصبي، وفتح مسام الراس؛ ليخرج البخار منها بيسر وسهولة، وفي ذلك تقوية بصره وشمه وسمعه، وحلاقة شعر المولود نهائيا تساعد على نمو افضل من السابق وانعم بكثير، ولكن بشرط ان يتم هذا في خلال الاسبوع الاول من عمر الطفل.
بل ان الشعر الجديد يكون في الغالب مختلفا عن شعر الرحم الجنيني، سواء من حيث اللون او الكثافة او النوع؛ ولذلك فان على الوالدين ان يعيا ان شعر الراس الجنيني الذي يولد به الرضيع ليس هو الشعر نفسه الذي سيلازمه بقية حياته، وهو ما يحدث فعلا بعد بضعة اشهر؛ اذ يبدا شعر الرحم الرفيع جدا والناعم في التساقط، ويستبدل به شعر اخر بديل يكون مختلفا.
ويقول الدكتور مايكل سميث – طبيب اطفال ومتخصص في الامراض الجلدية -: “لا باس على الابوين بحلق شعر راس مولودهما الجديد اذا ارادا ذلك، لكن عليهما ان يختارا حلاقا جيدا؛ حتى يحرص على حلق شعر الرضيع برفق، ودون ان يحدث في فروة شعره اي جرح”.
يقول الدكتور صالح بن احمد رضا: “ان في ازالة شعر راس المولود نظافة وحماية وراحة ونشاطا، فالحلاقة هي افضل وسيلة للنظافة مما قد يعلق في الشعر من الاوساخ”.
يقول الدهلوي: “ان المولود لما انتقل من الجنينية الى الطفولة، كان ذلك نعمة يجب شكرها، واحسن ما يقع به الشكر ما يؤذن انه عوضه، فلما كان شعر الجنين بقية النشاة الجنينية، وازالته امارة للاستقلال بالنشاة الطفولية، وجب ان يؤمر بوزن الشعر فضة، واما تخصيص الفضة؛ فلان الذهب اغلى ولا يجده الا غني، وسائر المتاع ليس له بال بزنة شعر المولود”.ا.ه
2- الجانب الاجتماعي:
تتجسد الحكمة الاجتماعية لهذه الشعيرة في تعزيز روح التكافل الاجتماعي، ومشاركة المسلم افراحه مع الفقراء.
اشاعة جو من الفرح والسرور في الاسرة، والحفاوة بهذا الانسان الجديد، واظهار روح التكافل الاجتماعي والتراحم والاحسان الى الاخرين.
وفي ذلك ايضا القضاء على الامراض القلبية التي قد تنشا عند البعض نتيجة الحقد والحسد، وكذلك فهو حث على النظافة، واهتمام بالمظهر الذي هو عنوان الشخصية المسلمة، والشريعة الاسلامية مليئة بالاحكام المتعلقة بنظافة المسلم.
ويتفرع عن الحلق مسالة القزع:
ومعناه: حلق بعض راس الصبي وترك بعضه، وجاء النهي عنه صريحا، في الحديث الذي اخرجه البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه انه قال: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع”.
والقزع الذي يشمله النهي اربعة انواع:
الاول: ان يحلق من راسه مواضع من هاهنا وهاهنا.
الثاني: ان يحلق وسطه ويترك جوانبه.
الثالث: ان يحلق جوانبه ويترك وسطه.
الرابع: ان يحلق مقدمه ويترك مؤخره.
وهذا كله – كما يقول ابن القيم – من كمال محبة الله ورسوله للعدل، فانه امر به حتى في شان الانسان مع نفسه، فنهاه ان يحلق بعض راسه ويترك بعضه؛ لانه ظلم للراس حيث ترك بعضه كاسيا وبعضه عاريا….. ونظير هذا انه نهى عن الجلوس بين الشمس والظل، فانه ظلم لبعض بدنه….. ونظيره ايضا انه نهى ان يمشى الرجل في نعل واحدة، بل اما ان ينعلهما او يحفيهما[9].
عنوان الفتوى: هل يحلق شعر المولود الانثى؟ رقم الفتوى: 17732، تاريخ الفتوى: الخميس 3 ربيع الاخر 1423 / 13-6-2002.
قولان للعلماء: اظهرهما – والله اعلم -: هو ان السنة حلق راس الذكر والانثى عند تسميته في اليوم السابع، وهو قول بعض فقهاء الحنابلةوغيرهم؛ وذلك لامرين:
الاول: يرجع للمعنى اللغوي للعقيقة: حيث يقول ابن منظور: “واصل العقيقة: الشعر الذي يكون على راس الصبي حين يولد، وانما سميت تلك الشاة التي تذبح في تلك الحال عقيقة؛ لانه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح؛ ولهذا قال في الحديث: ((اميطوا عنه الاذى))، يعني بالاذى ذلك الشعر الذي يحلق عنه.
وما دام ان الانثى يعق عنها، فكذلك يحلق راسها.
ولان لفظ المولود يشملهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((النساء شقائق الرجال))، فما يثبت للرجال يثبت للنساء، خاصة اذا كان لفظ الحديث يدل على ذلك، ويؤيده قول الله تعالى: ﴿ وخلق منها زوجها ﴾ [النساء: 1].
ومما يقوي هذا العموم كذلك: ما تقدم ذكره عند عبدالرزاق في مصنفه عن فاطمة، وكذلك ما جاء عن جعفر بن محمد عن ابيه انه قال: “وزنت فاطمة بنت رسول الله شعر الحسن والحسين وزينب وام كلثوم، وتصدقت بوزن ذلك فضة”.
الثاني: انه في الحديث قال: ((كل غلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويماط عنه الاذى))، وفسر اهل العلم اماطة الاذى بحلق الراس، والحقت الانثى به في العقيقة يوم السابع، فتلحق به في هذا الحكم ايضا؛ لان العلة واحدة.
والامر في ذلك واسع؛ فمن اخذ بالقول الثاني ولم يحلق شعر الانثى، فقد تبع في هذا القول ائمة من العلماء.
- حلق شعر المولود
- حلق شعر الرضيع
- طريقة حلاقة شعر المولود
- كيفيه حلاقه شعر المولود
- وصفة مغربية لازالة شعر المولود الجديد