فان الله عز وجل قد استرعى الاباء على ابنائهم، وحملهم كامل المسؤولية عنهم، وجعل تربيتهم وتنشئتهم على تعاليم الدين الاسلامي واخلاق المسلمين من اولويات واجباتهم؛ قال تعالى: {يا ايها الذين امنوا قوا انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} [التحريم: 6]، وقال صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الامام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في اهله ومسؤول عن رعيته، والمراة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها” (رواه البخاري ومسلم وغيره). وقال صلى الله عليه وسلم : “ان الله سائل كل راع عما استرعاه ، احفظ ذلك ام ضيع ، حتى يسال الرجل عن اهل بيته” (رواه ابن حبان من حديث انس رضي الله عنه).
وتوعد الله من غش رعيته او لم يحطها بنصحه ورعايته بالحرمان من الجنة؛ ففي الصحيحين عن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة الا لم يجد رائحة الجنة”.
واعلمي ان هذا السلوك الشائن من هذه الفتاة هو احدى الثمار المرة الناتجة من غياب التربية الاسلامية الصحيحة والتنشئة على التزام اوامر الله؛ من الحجاب الشرعي، والعفة والقرار في البيت، والبعد عن مواطن الاختلاط، وغض البصر عما حرم الله.
ولذلك؛ فالواجب على والدة الفتاة ان تتوب اولا الى الله من تفريطها في تربية ابنتها، وان تكثر من الاستغفار وفعل الصالحات، فان الحسنات يذهبن السيئات. ث
م تستدرك ما فاتها بالحيلولة بين ابنتها وبين ما تفعله من المنكر بشتى الطرق، مع تضييق منافذ الانحراف او غلقها، وذلك بابعادها اولا عن كل اسباب الفساد من اختلاط بالشباب، وسفور، كذلك ابعاد كل وسائل الانحراف عن البيت؛ من افلام هابطة، او قنوات خليعة، او اغان ماجنة، ومواقع انترنت مضللة، او نحو ذلك مما له اعظم الاثر في افساد الشباب والفتيات، وكذلك منعها من الخروج لاي عمل وان كان مباحا؛ لان الظاهر ان تلك الفتاة قد اتخذت الخروج للعمل دغلا وخداعا حتى وقعت فيما وقعت فيه من فساد. ثم ت
بدا بالعلاج بعد التخلص من هذه الاسباب؛ لانه لا يمكن علاج المرض واسبابه قائمة متوفرة، فتقوم بتوفير بيئة ايمانية داخل المنزل وخارجه، ثم بوعظ البنت وتخويفها بالله، وتحذيرها من جريمة الزنا، ولتستعن في هذا باهل العلم المامونين، ولا باس من مشاورة احد الاقرباء الكبار اصحاب الامانة والراي والخبرة، مع شغل البنت بما يفيدها وينفعها، وعدم السماح لها بالخروج بمفردها البتة، ولا مانع من مراقبتها بدون ان تشعر.
وننبه السائلة انه لا يجوز حبس هذه الفتاة في الحمام، وحرمانها من الطعام بهذه الصورة، حيث ان هذا العقاب من الممكن ان يؤدي الى اضرار بالغة في النفس والجسد لا يجيزها الشرع، او يؤدي الى موتها فتبوء الام باثمها؛ وقد قال الله عز وجل في محكم كتابه: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما} [النساء: 93] كما ان هذه الطريقة قد لا تجدي شيئا في كثير من الاحيان، بل على العكس قد تدفع البنت الى العناد او قتل نفسها او غير ذلك مما يربو على الذنب الاصلي، فعلى الام ان تعود لما كانت عليه من التودد لابنتها والتقرب منها حتى تتقبل البنت منها النصح، ولكن لا تعطيها هذه المرة الثقة والامان، ولتراقب تصرفاتها دون ان تشعرها بذلك ولا تغفل عنها ولتسع في زواجها بمن يتفهم حالها، ونسال الله لها الهداية والرشاد،، والله اعلم