.الشرط الثاني: طهارة الخبث في الثوب والبدن والمكان:
وقد تقدم الخلاف في انها واجبة مع الذكر، او مع الذكر والنسيان، او هي سنة.
واذا قلنا بالوجوب، ففي كونها شرطا في صحة الصلاة خلاف.
ثم اذا قلنا بالشرطية، فهل على الاطلاق او مع الذكر؟ قولان القاضيين ابي الحسن وابي محمد.
ثم النظر فيما يطهر عن النجاسة، وهو الثوب والبدن والمكان.
اما الثوب، فان اصاب احد ثوبيه نجاسة ولم يميزه، تحرى، فما غلب على ظنه انه الطاهر منهما صلى به، وقيل: انه يصلي بكل واحدة صلاة. قال القاضي ابو بكر: والصحيح الاول.
ولو اصاب بعض ثوبه نجاسة، ولم يعلم موضعها، لم يجز التحري، وغسل جميعه بخلاف الثوبين؛ لان اصلهما الطهارة، فيستند اجتهاده اليها، والاصل في الواحد النجاسة بعد الاصابة.
ولو قسم هذا الثوب نصفين، لم يجز التحري ايضا، لجواز ان تنقسم النجاسة فيهما.
ولو تحقق ان النجاسة اصابت احد الكمين، فقال القاضي ابي بكر: يجوز الاجتهاد كالثوبين باختلاف بين العلماء، ثم قال: فان فصلهما جاز الاجتهاد اجماعا.
ولو كان طرف عمامته على نجاسة، فراى ابو محمد عبد الحق: ان المراعى في ذلك تحرك موضع النجاسة، فان تحرك بحركته، فهو كالمصلي وفي بعض ثيابه نجاسة، وان لم يتحرك فليس كذلك. وفي السليمانية: يعيد في الوقت، وان كانت العمامة طويلة، وعلل بانه صلى والنجاسة متعلقة به؛ اذ لو اضطره امر فتنحى عن المكان الذي يصلي فيه، جر النجاسة متعه.
فرع:
اذا راى المصلي في ثوبه نجاسة، يؤمر بازالتها، فقال في الكتاب: ينزعه ويستانف الصلاة من اولها باقامة جديدة، ولا يبنى على شيء مما مضى.
وقال ابن الماجشون: ينزعه اذا امكنه ويتمادى، وان لم يمكنه تمادى، ثم نزعه واعاد.
وقال مطرف: يقطع الا ان يمكنه النزع، فينزعه ويتمادى.
ولو كان راها قبل الصلاة، فترك ازالتها الى وقت الصلاة، فلما كان وقت الصلاة نسي ازالتها فصلى بها، فحكى القاضي ابو بكر عن بعض العلماء: ان عليه الاعادة، لانه فرط، ثم استضعفه، واستشهد بتعلق الوجوب بوقت الصلاة دون ما قبله.
قال القاضي ابو بكر: فان راها في اثناء الصلاة، فلما هم بالانصراف نسي فتمادى اعاد ابدا، قاله ابن حبيب، ووجهه ان الصلاة برؤية النجاسة انتقضت، قال: وعندي انها لم تنتقض، اذ لو انتقضت لما عادت بطرحه، وانما وجب عليه ازالتها، ونسيانه اخرا كنسيانه اولا، قال: وانما ذلك بناء على احد القولين في المدونة.
ولو سال جرحه في الصلاة، او نكا قرحته فيها فسالت، فقال القاضي ابو بكر: ان كان يسرا فلته ومضى، وان كان كثيرا ففيه قولان: احدهما يقطع، والثاني يغسله ويتمادى، قال: والاول اقيس واجزى.
واما البدن، فقد تقدم ان تطهيره بالغسل ان تحققت نجاسته، وان شك فيها اجتزى بالنضح على المشهور.
فلو جعل في جرحه المرتك الذي يصنع من عظام الميتة او غيره نم النجاسات، فلا يصلي به حتى يغسل. ورخص ابن الماجشون في ترك غسله، واجاز الصلاة.
واما المكان، فليكن كل ما يماس بدنه عند القيام والجلوس والسجود طاهرا، فلو صلى على حصر او نحوه مما ينتقل وطرفه متصل بنجاسة، ففي انزالها منزلة المتصلة ببدنه قولان للمتاخرين، واختيار عبد الحق انها لا تنزل منزلتها.
ومما يتصل بمكان الصلاة نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في سبعة مواطن: المزبلة، والمجزرة،
وقارعة الطريق، وبطن الوادي، والحمام، وظهر الكعبة، واعطان الابل وهو مجتمعها عند الصدر من المنهل.
واختلف في علة ذلك، فقيل: كونها لا يؤمن نفارها، وقيل: زفورتها، وقيل: كونها يستتر بها في العادة عند قضاء الحاجة، وقيل: كونها خلقت من جان.
هذا حكم النجاسات التي لا عذر في استصحابها. اما مظان الاعذار فخمس:
الاولى: الاثر على محل النجو بعد الاستجمار، فلو صلى من استجمر في ثوب فعرق فيه، فاصاب موضع الاستنجاء، جرى على الخلاف بين القاضيين ابي الحسن وابي الوليد، كما تقدم.
الثانية: يعفى من طين الشوارع عما يتعذر الاحتراز عنه غالبا، وكذا ما على الخف في حق المصلي معه، كما سبق في كتاب الطهارة.
الثالثة: دم البراغيث معفو عنه، الا اذا كثر كثرة يندر وقوعها، ويختلف ذلك بالاوقات والاماكن.
الرابعة: دم البثرات وقيحها وصديدها، وقد تقدم انه معفو عنه في حق من وجد منه، فان اصابه من بدن غيره، ففي العفو عنه قولان.
الخامسة: الجاهل بنجاسة ثوبه، يجري حكمه في القضاء على الخلاف المتقدم، وكذلك المتعمد.
فرع:
ويلتحق بذلك ما لو رعف في الصلاة، وكان الدم بحيث يعلم انه لا ينقطع، فانه يتم الصلاة على حاله، وله الايماء بالركوع والسجود، وان كان ركوعه وسجوده يضر بجسمه.
وان كان انما يضر به من جهة تلطخ ثيابه بالدم، ففي جواز الايماء له من اجل ذلك قولان.
وان كان يرجو انقطاعه او يشك فيه، فليفتله باصابعه، ويمضي على صلاته ان كان لا يقصر ولا يسيل، وان قطر او سال، فان تلطخ به الكثير من جسده او ثيابه قطع الصلاة، وان لم يتلطخ به ذلك، فها هنا الاولى له ان يقطع، فان احب التمادي على صلاته بان يخرج فيغسل الدم عنه، ثم يعود الى الصلاة، فله الترخص بذلك ان كان في جماعة وعقد الركعة، وان كان فذا ولم يعقد ركعة، فظاهر الكتاب ان له البناء ايضا، وقيل: ليس له ذلك.
وسب الخلاف: الاختلاف في ان البناء لحرمة الصلاة او لحرمة الجماعة.
واذا فرعنا على المشهور فخرج وقد عمل بعض اجزاء الركعة، اما القراءة خاصة او القراءة والركوع وسجدة واحدة، فانه يلغي ذلك ويستانف عمله اذا عاد.
وقال ابن الماجشون وابن حبيب: يبني على ما عمل من الركعة. وروى ابن وهب الجنوح الى مثله، وانه لو فعله الراعف لاجزاه.
ثم كيفية البناء ان يخرج ممسكا لانفه، غر متكلم، ولا ماش على نجاسة، فيغسل الدم في اقرب المواضع، فان تكلم عمدا، ابطل الصلاة، وان تكلم سهوا ففي البطلان ثلاثة اقوال، في الثالث تبطل بالكلام في العودة دون المضي لغسل الدم، لضعف استدامة حكم الصلاة في حق الذاهب، وقوة استدامة حكمها في حق العائد لاقباله عليها. وان مشى على نجاسة، كان كالمتكلم على ما فصلناه.
وان تعدى مكانا تمكن من غسل الدم فيه الى ابعد منه، بطلت صلاته.
واذا فرغ من غل الدم على الشرائط المذكورة، رجع الى الامام، فاتم الصلاة معه.
وان كان الامام قد فرغ في غير الجمعة، اتم مكانه، او في اقرب موضع يصلح للصلاة.
فان كانت الجمعة، وكان قد عقد الامام ركعة رجع ايضا الى الجامع، فاتم به؛ اذ هو شرط الجمعة، وقيل: يتم بموضعه، وقيل: ان حال بينه وبين العودة حائل، اجزاته الصلاة في موضع غسل الدم، وان لم يحل بينه وبين الجامع حائل، رجع اليه.
وان كان لم يتم مع الامام ركعة، ففي الكتاب: يبتدئ الظهر اربعا، قال سحنون: يبني على احرامه، وروي ايضا انه يقطع، ويبتدي باقامة.
وقال اشهب: ويستحب ان يتكلم ويبتدئ، وان بنى على احرامه اجزاه، فان كان سجد سجدة، فسجد اخرى وصلى ثلاثا اجزاه.
وحكم الظن في اكمال الامام وعدم اكماله، حكم العلم، وان اخطا في ظنه عذر.