افضل مواضيع جميلة بالصور

وعجلت اليك رب لترضى لا حياة بدون صلاة

ان الشوق هو سفر القلب في طلب محبوبه، بحيث لا يقر قراره حتى يظفر به ويحصل له؛ فكانه لهيب ينشا في اوساط الحشا سببه الفرقة، فاذا وقع اللقاء اطفا ذلك اللهيب, فلا محبوب عنده في الحقيقة الا الله -سبحانه وتعالى-, ولا مستحق للمحبة التامة احدا سواه…

الخطبة الاولى:

ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، واشهد ان محمدا عبده ورسوله.

قال تعالى: (يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون) [ال عمران: 102], وقال سبحانه: (يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) [الاحزاب: 70، 71].

اما بعد: فان اصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

اوصي نفسي واياكم -عباد الله- بتقوى الله والاستعداد ليوم العرض على الله.

عباد الله: حديثنا اليوم عن امر عجيب, يقطع الاكباد, ويهيج ويلهب القلوب, للقاء المحبوب, ويحركه ويسافر به نحو علام الغيوب, ويولد فيه الاستقامة وحب العبادة؛ ليشاهد جمال المحبوب وجلاله وعظمته.

انه راس مال السالكين، ومفتاح ابواب السعادة للطالبين، ولا تخلو منه قلوب العارفين. انه المنزلة التي فيها يتنافس المتنافسون، واليها يشخص العاملون, وهو الحياة التي من حرمها فهو من جملة الاموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات.

انه امر كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيرا ما يدعوا ربه ان يرزقه اياه, انه السير الى الله والشوق الى لقائه. فقد ثبت من حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنه- قال كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: “اللهم اسالك لذة النظر الى وجهك، والشوق الى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة” [صحيح سنن النسائي (1237).]. وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول في صلاته من حديث قيس بن عباد -رضي الله عنه-: “واسالك الرضا بالقضاء وبرد العيش بعد الموت, ولذة النظر الى وجهك والشوق الى لقائك…” [صحيح النسائي (1305)].

ولما خيره ربه بين زهرة الحياة الدنيا وبين ما عند الله اختار لقاء الله, ثم خرج على اصحابه فقال لهم: “ان عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله”. فبكى اصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فلما حضرته الوفاة حقق هذا الشوق والحنين فقال: “بل الرفيق الاعلى بل الرفيق الاعلى بل الرفيق الاعلى” [صحيح الترمذي -(3660)].

بل كان انبياء الله -عليهم الصلاة والسلام- يسالون ربهم هذا الامر ويذكرونه ويحبونه, ففي اخبار داود – السلام-: “ان الله تعالى قال: يا داود ابلغ اهل ارضي اني حبيب لمن احبني, وجليس لمن جالسني, ومؤنس لمن انس بذكري, وصاحب لمن صاحبني, ومختار لمن اختارني, ومطيع لمن اطاعني, ما احبني عبد اعلم ذلك يقينا من قلبه؛ الا قبلته لنفسي واحببته حبا لا يتقدمه احد من خلقي, من طلبني بالحق وجدني, ومن طلب غيري لم يجدني, فارفضوا يا اهل الارض ما انتم عليه من غرورها, وهلموا الى كرامتي ومصاحبتي ومجالستي وائنسوا بي اؤانسكم واسارع الى محبتكم, فاني خلقت طينة احبائي من طينة ابراهيم خليلي وموسى نجيي ومحمد صفيي, وخلقت قلوب المشتاقين من نوري ونعمتها بجلالي”.

ويقول ابو الدرداء -رضي الله عنه- لكعب الاحبار: “اخبرني عن اخص اية – يعني في التوراة- فقال: يقول الله تعالى: طال شوق الابرار الى لقائي واني الى لقائهم لاشد شوقا”. قال: ومكتوب الى جانبها: “من طلبني وجدني ومن طلب غيري لم يجدني”. فقال ابو الدرداء: “اشهد اني لسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول هذا”.

واوحى الله تعالى الى داود: “يا داود لو يعلم المدبرون عني كيف انتظاري لهم ورفقي بهم وشوقي الى ترك معاصيهم؛ لماتوا شوقا الي وتقطعت اوصالهم من محبتي. يا داود هذه ارادتي في المدبرين فكيف ارادتي في المقبلين علي, يا داود احوج ما يكون العبد الي اذا استغنى عني, وارحم ما اكون بعبدي اذا ادبر عني, واجل ما يكون عندي اذا رجع الي”.

ايها الناس: ان الشوق هو سفر القلب في طلب محبوبه، بحيث لا يقر قراره حتى يظفر به ويحصل له؛ فكانه لهيب ينشا في اوساط الحشا سببه الفرقة، فاذا وقع اللقاء اطفا ذلك اللهيب, فلا محبوب عنده في الحقيقة الا الله -سبحانه وتعالى-, ولا مستحق للمحبة التامة احدا سواه.

يقول الله -سبحانه وتعالى- عن نبيه يعقوب -عليه السلام-: (قال انما اشكو بثي وحزني الى الله واعلم من الله ما لا تعلمون) [يوسف: 86 ] وقال عن موسى -عليه الصلاة والسلام- انه قال: (وعجلت اليك رب لترضى) [طه: 84 ] قال بعض السلف: معناه شوقا اليك. وقال عن نوح: (فدعا ربه اني مغلوب فانتصر) [القمر: 10]،وقال عن يونس: (فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين) وقال عن زكريا: (قال رب اني وهن العظم مني واشتعل الراس شيبا ولم اكن بدعائك رب شقيا) [مريم: 4 ]. وقال عن خليله ابراهيم -عليه الصلاة والسلام-: (والذي اطمع ان يغفر لي خطيئتي يوم الدين * رب هب لي حكما والحقني بالصالحين) [ الشعراء: 82-83].

فكل دعاء انبياء الله ورسل الله -عليهم الصلاة والسلام اجمعين رجوع لله! وطلب لله! وشوق لله! ونظر لله! واكتفاء بالله! وتعلق بالله! ويقين بالله! وشهود لله! وحب لله!. وهذا السؤال منهم الذي يعبر عن شوقهم الى الله وتلهفهم اليه هو عبادة, لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه-: “الدعاء هو العبادة” [صحيح الترغيب –(1627)]. ويقول البراء بن عازب -رضي الله عنه-: “والشوق روح الدعاء ومحركه، ومائه وحقيقته، فمشتاق لما عنده الله ومثوبة الله، ومشتاق لله ووجه الله، وكل بيد الله ورحمة الله”.

ان الشوق الى الله لذة لا يتلذذ بها الا من عاش مع الله, وتلذذ بمعاني هذه الحياة مع الله!! واصبح لا يجري في قلبه غير الله, يعيش حياة الملوك من عرف الله حتى لو كان لا يجد ماكله ومشربه وملبسه, حتى لو كان لا يجد ما يظله من لفح الشمس فظله ذاك الحب الذي خالط شغاف قلبه وسرى في عروقه, حتى ولو كان الم المرض يكسر عظامه ويفتت لحمه فقد خدر ذلك الحب جسده, فلم يعد يشعر بشيء غير الله. يقول الحسن -رحمه الله تعالى-: “والذي نفسي بيده ما اصبح في هذه القرية من مؤمن الا وقد اصبح مهموما محزونا، ففروا الى ربكم وافزعوا اليه؛ فانه ليس لمؤمن راحة دون لقائه”.

وكان ابو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: “احب الموت اشتياقا لربي”. ويقول عبد الله بن زكريا: “لو خيرت بين ان اعيش مائة سنة في طاعة الله او اقبض في يومي هذا او في ساعتي هذه؛ لاخترت ان اقبض في يومي هذا وساعتي هذه شوقا الى الله والى رسوله -صلى الله عليه وسلم- والى الصالحين من عباده”. وقال يحيى بن معاذ: “يخرج العارف من الدنيا ولا يقضي وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه, وشوقه الى ربه”. ويقول عبد الواحد بن زيد: “يا اخوتاه الا تبكون شوقا الى الله؟ الا من بكى شوقا الى سيده لم يحرمه النظر اليه”.

وكان ابو عبيدة الخواص يمشي في الاسواق ويقول: “واشوقاه الى من يراني و لا اراه”. وكان الحارث بن عمير يقول اذا اصبح: “اصبحت ونفسي وقلبي مصر على حبك ومشتاق الى لقائك, فعجل بذلك قبل ان ياتيني سواد الليل”. فاذا امسى قال مثل ذلك فلم يزل على مثل هذه الحال ستين سنة!.

وتاملوا قصة ابي الدحداح -رضي الله عنه- كيف حرك الشوق قلبه والبسه حب البذل اشتياقا للاجر العظيم من الله -سبحانه وتعالى-, فعن عبد الله بن مسعود قال: “لما نزلت هذه الاية: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له) [ الحديد: 11 ] قال ابو الدحداح الانصاري: وان الله يريد منا القرض؟ قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: “نعم يا ابا الدحداح” قال: “ارني يدك يا رسول الله، قال فناوله رسول الله يده، قال فاني اقرضت ربي حائطي قال: حائطه له ستمائة نخلة وام الدحداح فيه وعيالها. قال فجاء ابو الدحداح فنادي يا ام الدحداح! قالت: لبيك، قال: اخرجي من الحائط فاني اقرضته ربي -عز وجل-. [صححه الالباني مشكلة الفقر (120)].

وفي معركة بدر صاح النبي -صلى الله عليه وسلم- في اصحابه وقال لهم: “قوموا الى جنة عرضها السموات والارض, والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر؛ الا ادخله الله الجنة”. فالقى عمير بن الحمام تمرات كانت في يده,: وقال والله انها لحياة طويلة حتى اكل هذه التمرات فقاتل حتى قتل.

ولما حضرت بلال بن ابي رباح الوفاة وغشيته سكرات الموت, قالت امراته: واكرباه، فقال لها بلال: بل وافرحاه، غدا القى الاحبة محمدا وحزبه.

فهؤلاء قوم ائتمروا بامر الله وساروا على نهج الله فاشتاقوا للقاء الله والشرب من حوض رسول الله -صلى الله عليه واله وسلم-, قلوبهم ساجدة تحت العرش، وابدانهم تحن وتئن الى الملا الاعلى حنين الطيور الى اوكارها.

حالهم كحال المحب الذي غاب عنه محبوبه الذي لا غنى له عنه، ولا بد له منه، فهو اخر خطراته عند منامه، واولها عند استيقاظه، فاذا استيقظ احدهم، فاول ما يجري على لسانه ذكر محبوبه، والتوجه اليه،، والتملق بين يديه، اشتياقا اليه وخوفا من ان يكله الى نفسه، فيكله الى ضعة وضعف وعجز، وخطيئة.

ليس في قلوبهم محبوب اعظم ولا احب من الله -عز وجل-، فمحبته فوق كل محبة، كما قال تعالى: (والذين امنوا اشد حبا لله) [البقرة: 165]، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “من احب لقاء الله احب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه”. فقالت عائشة او بعض ازواجه: “انا لنكره الموت” قال: “ليس ذاك، ولكن المؤمن اذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته, فليس شيء احب اليه مما امامه، فاحب لقاء الله واحب الله لقاءه، وان الكافر اذا حضره الموت بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس اكره اليه مما امامه فكره لقاء الله وكره الله لقاءه” [البخاري(6507)مسلم(2684)] وفي رواية اخرى يقول: “من احب لقاء الله -عز وجل- احب الله تعالى لقاءه، ومن كره لقاء الله تعالى كره الله -عز وجل- لقاءه”، فبكى القوم، فقالوا: يا رسول الله، واينا لا يكره الموت؟ قال: “لست ذلك اعني، ولكن الله -تبارك وتعالى- قال (فاما ان كان من المقربين فروح وريحان وجنت نعيم)، فاذا كان عند ذلك احب لقاء الله تعالى، والله -عز وجل- للقائه احب، (واما ان كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم)، فاذا كان كذلك كره لقاء الله تعالى، والله -عز وجل- للقائه اكره

السابق
خلفيات اجمل مباني العالم
التالي
اقوال عن الرجل الجبان