الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه وسلم .. وبعد :
الله سبحانه ذكر الاحسان الى الجار بعد ذكر عبادته وحده لاشريك له، وبعد ذكر حقوق الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين، مما يدل على عظم هذه الحقوق وتاكيدها، قال تعالى { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت ايمانكم ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا } (النساء : 36 )
قال ابن عباس رضي الله عنه: {والجار ذي القربى} يعني الذي بينك وبينه قرابة. {الجار الجنب} الذي ليس بينك وبينه قرابة.
والنبي صلى الله عليه وسلم اوصى بالجار، وبين ان ذلك انما هو بامر الله عز وجل فقال صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت انه سيورثه» متفق عليه. اي: حتى ظننت انه سيجعل له نصيبا من الميراث ويدخله في جملة الورثة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الاخر، فليحسن الى جاره» متفق عليه.
• حد الجوار
يطلق وصف الجار على من تلاصق داره دارك ، وعلى غير الملاصق الى اربعين دارا ، وقد سئل الحسن البصري عن الجار فقال: «اربعين دارا امامه واربعين خلفه واربعين عن يمينه واربعين عن يساره» رواه البخاري في الادب المفرد.
وروي عن علي رضي الله عنه ان من سمع النداء فهو جار.
وقيل: ان من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار.
وقد جعل الله عز وجل الاجتماع في المدينة جوارا، قال تعالى { لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها الا قليلا } (الاحزاب : 60 ) مما يدل على ان حد الجوار اكبر من ذلك.
• من حقوق الجار
1- ان يسمح الرجل لجاره بغرز خشبه في جداره، فقد روى ابو هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لايمنع جار جاره ان يغرز خشبه في جداره. ثم يقول ابو هريرة: ما لي اراكم عنها معرضين ؟! والله لارمين بها بين اكتافكم» متفق عليه.
وجمهور العلماء حملوه على الندب والاستحباب وبر الجار والتجاوز له والاحسان اليه، مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم: «لايحل مال امرى مسلم الا عن طيب نفس منه» اخرجه البيهقي.
2- ان يتعاهد جيرانه ويطعمهم من طعامه ان راوه او شموا رائحته ويطفئ جوعهم ان علم بذلك وقدر عليه فعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «يا ابا ذر اذا طبخت مرقة فاكثر ماءها ، وتعاهد جيرانك» رواه مسلم.
وروت عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «ليس بالمؤمن الذي يبيت شبعان وجاره جائع الى جنبه» اخرجه الحاكم.
3- ان يقدم الجار الاقرب في الهدية مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لما سالته : «يا رسول الله ان لي جارين، فالى ايهما اهدي؟ قال: الى اقربهما منك بابا» رواه البخاري.
والحكمة في ذلك ان الاقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوق لها، بخلاف الابعد، كما ان الاقرب اسرع اجابة لما يقع لجاره من المهمات ولا سيما في اوقات الغفلة.
كما انه على المهدى له ان لا يستقله ويحتقره وان كان قليلا ولاجل كل ذلك قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابو هريرة رضي الله عنه: «يا نساء المسلمات ، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة» متفق عليه.
والفرسن: عظم قليل اللحم ، وهو خف البعير كالحافر للدابة.
4- ان يعينه اذا استعان به.
5- ان يقرضه اذا استقرضه.
6- ان يعوده اذا مرض.
7- ان يهنئه اذا اصابه خير.
8- ان يعزيه اذا اصابته مصيبة.
9- ان يتبع جنازته اذا مات.
10- ان لا يستطيل عليه بالبنيان فيحجب عنه الريح الا باذنه.
11- ان اشترى فاكهة فليهد له منها.
قال الغزالي: اعلم انه ليس حق الجوار كف الاذى فقط بل احتمال الاذى، ولايكفى احتمال الاذى بل لابد من الرفق واسداء الخير والمعروف.
• مراتب الجيران
1- جار له حق واحد وهو المشرك له حق الجوار.
2- وجار له حقان وهو الجار المسلم له حق الجوار وحق الاسلام.
3- وجار له ثلاثة حقوق وهو الجار المسلم له رحم له حق الجوار وحق الاسلام وحق القربى.
واما من حيث القرب فالجار اما ان يكون قريبا منك واما بعيدا، ملاصقا او غير ملاصق، ورتبة هؤلاء تتفاوت من حيث عدد الحقوق ومدى القرب، والجار الاقرب يقدم على الجار الابعد، وهو ما استشعره علماء الاسلام ، فهذا الامام البخاري نجده يبوب في كتابه (الادب المفرد) «باب الادنى فالادنى من الجيران»، وذلك تنبيها على قدره، ويترتب عليه حسن المعاملة والوقوف بجانبه واجتناب اذيته ، وهذا من شانه ان يكفل التعايش بين الناس في طمانينة بسبب استشعار هذا البعد الديني في المعاملات ، وتحقيق الرحمة التي جاء بها الاسلام، وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يسمي نفسه بها ، فعن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه اسماء فقال: «انا محمد واحمد والمقفى والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة» رواه مسلم.
• حقوق الجار غير المسلم
اعتنت الشريعة الاسلامية الغراء بحقوق غير المسلمين، ومعلوم ان الذين يحظون بكل هذه العناية هم الذين لا يؤذون جماعة المسلمين، ولا يكيدون لهم كيدا، ولا يناصبونهم العداء، ولهم ذمة.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في حسن تعامله مع جيرانه من غير المسلمين ، عن انس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض ، فاتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقعد عند راسه فقال له: اسلم، فنظر الى ابيه وهو عنده فقال له: اطع ابا القاسم صلى الله عليه وسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي انقذه من النار» رواه البخاري.
وهذا عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – وقد ذبح شاة نجده يقول: «اهديتم لجاري اليهودي ؟ فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه» رواه ابو داود.
فالخلاف في الدين لا يوجب ظلم الناس، والمحافظة على حقوقهم مع اختلاف العقيدة ماداموا ملتزمين بواجباتهم.
• النتائج والثمرات
1- هي سبب في تعمير الديار لما يحس به المرء من راحة البال بجوار جاره ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «انه من اعطي حظه من الرفق فقد اعطي حظه من خير الدنيا والاخرة ، وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الاعمار» اخرجه احمد.
2- يقبل الله عز وجل شهادة جيرانه في حقه بالخير ويغفر له ما لا يعلمون وفي ذلك روى انس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يموت فيشهد له اربعة ابيات من جيرانه الادنين الا قال: قد قبلت فيه علمكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون» اخرجه احمد والحاكم.
3- هي سبب رفع منزلته في الدنيا لان الاحسان الى الجار والكف عن اذيته من مكارم الاخلاق التي تعد شرطا في المروءة.
4- هي سبب رفع منزلته عند الله عز وجل. وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الاصحاب عند الله عز وجل خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره» اخرجه احمد والترمذي.
5- هي سبب سعادة المرء، وفي ذلك قال صلى الله عليه وسلم: «اربع من السعادة: المراة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح ، والمركب الهنيء » اخرجه ابن حبان.
• كيف اكسب جاري
ما نراه اليوم من جفوة بين الجيران وخصومات وسوء عشرة وعداوة في بعض الاحيان ما هو الا نتاج الاهمال والتفريط فهذه وسائل وطرق شرعية تحفظ دفء العلاقات بين الجيران منها:
1- كف الاذى وبذل الندى.
2- البدء بالسلام.
3- طلاقة الوجه.
4- المواساة في الشدة.
5- احترام الخصوصيات.
6- قبول الاعذار بالمسامحة والرفق واللين.
7- النصح برفق ولين.
8- الستر وترك التعيير.
9- الزيارة في الاوقات المناسبة.
10- المجاملة اللطيفة.
• الترهيب من الاساءة الى الجار
لاشك ان الاذية للجار اعظم من اذية غيره، وكلما كانت اكبر كانت اعظم حتى قال صلى الله عليه وسلم لاصحابه : «لان يزني الرجل بعشرة نسوة ايسر عليه من ان يزني بامراة جاره، وقال : ما تقولون في السرقة؟ قالوا : حرمها الله ورسوله، فهي حرام . قال : لان يسرق الرجل عشرة ابيات ايسر عليه من ان يسرق من جاره» اخرجه احمد .
وفي حقهم قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث هن العواقر: امام ان احسنت لم يشكر وان اسات لم يغفر وجار ان راى خيرا دفنه وان راى شرا اشاعه وامراة ان حضرتك اذتك وان غبت عنها خانتك» اخرجه الطبراني في المعجم الكبير .
ومن كان متصفا بهذه الصفات السيئة لزم ان يكون ناقص الايمان ان لم يكن عديمه وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل : ومن يا رسول الله ؟ قال: الذي لا يامن جاره بوائقه» رواه البخاري.
وفي هذا الحديث تاكيد لحق الجار ، لقسمه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتكريره اليمين ثلاث مرات ، وفيه نفي الايمان عمن يؤذي جاره بالقول او الفعل حسب ظاهر الحديث . وقد حمله كثير من العلماء على ان مراده نفي كمال الايمان ولا شك ان العاصي غير كامل الايمان .
• عاقبة الاساءة الى الجار
1- عدم حمد احد سلوكه في الدنيا ، وتشكي الناس من سوء فعاله كما في الحديث الذي اشتكى فيه احدهم من سوء معاملة جاره له . وفي وصية لقمان لابنه ، قال: «يابني ، حملت الجندل و الحديد فلم ار شيئا اثقل من جار سوء وذقت المرار كله فلم ار شيئا امر من الفقر» رواه ابن ابي شيبة والبيهقي.
2- انتشار سوء الجوار من علامات الساعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ان الله يبغض الفحش والتفحش، والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى يخون الامين ويؤتمن الخائن حتى يظهر الفحش والتفحش وقطيعة الارحام وسوء الجوار…» رواه احمد والحاكم في المستدرك.
3- اول الخصوم يوم القيامة هم الجيران لعظم الذنب المقترف في حقهم واستهانة الناس بهم. رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اول خصمين يوم القيامة : جاران» رواه احمد والطبراني في الكبير .
4- العذاب بالنار الا ان يتغمده الله برحمته ، عن ابى هريرة رضي الله عنه انه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: «ان فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل وتصدق وتؤذي جيرانها بلسانها ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا خير فيها، هي من اهل النار» رواه البخاري في الادب المفرد.