افضل مواضيع جميلة بالصور

حديث الفرقة الناجية

التفرق والاختلاف في هذه الامة واقع لا محالة ، يشهد له التاريخ ، وتشهد له نصوص من سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( انه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا ) رواه ابو داود ( 4067 ) وصححه الالباني في ” صحيح ابي داود ” ، وقد وقع الاختلاف في جوانب الحياة السياسية ، كما وقع الاختلاف في الفكر والعقيدة ، وتمثل ذلك بظهور الفرق في اواخر عهد الخلفاء الراشدين ، كالمرجئة والشيعة والخوارج .
ثم ان من رحمته سبحانه وتعالى ان جعل هذا التفرق والاختلاف طارئا على جماعة المسلمين ، حادثا على عقيدتهم ، متميزا باسمه الخاص وشكله المستقل ، فلم تلتبس يوما عقيدة اهل السنة والجماعة ، وعقيدة عموم المسلمين ، بعقائد ومناهج الفرق الضالة الاخرى ، حتى ان تلك الفرق المخالفة لم تجرؤ على تسمية نفسها باهل السنة والجماعة ، وانما كانت تنتسب الى بدعتها التي احدثتها ، او الى الشخص الذي اسس هذه الفرقة ، وتامل ذلك في اسماء الفرق جميعها .
والحديث المشهور في افتراق الامة الى ثلاث وسبعين فرقة شاهد على ذلك .
فعن معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنهما انه قال : ( الا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال : الا ان من قبلكم من اهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة ، وان هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ، ثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ، وهي الجماعة )
رواه ابو داود ( 4597 ) وغيره وصححه الحاكم ( 1 / 128 ) بل قال : انه حديث كبير في الاصول ، وحسنه ابن حجر في ” تخريج الكشاف ” ( 63 ) ، وصححه ابن تيمية في ” مجموع الفتاوى ” ( 3 / 345 ) ، والشاطبي في ” الاعتصام ” ( 1 / 430 ) ، والعراقي في ” تخريج الاحياء ” ( 3 / 199 ) وتوارد على ذكره والاستشهاد به اهل العلم في كتب السنة ، وقد ورد عن جماعة من الصحابة بطرق كثيرة ، اكثرها واصحها على تحديد عدد الفرق بثلاث وسبعين فرقة .
فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية بانها الجماعة ، يعني اجماع علماء المسلمين ، كما وصفها في روايات اخرى للحديث بانهم ( السواد الاعظم ) كما في حديث ابي امامة وغيره عند ابن ابي عاصم في ” السنة ” ( 1 / 34 ) والطبراني في ” المعجم الكبير ” ( 8 / 321 ) باسناد حسن لغيره .
وايضا جاء وصفها بقوله صلى الله عليه وسلم : ( وتفترق امتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار الا ملة واحدة ، قالوا : ومن هي يا رسول الله ؟ قال : ما انا عليه واصحابي ) ، كما في حديث عبد الله بن عمرو عند الترمذي ( 2641 ) وحسنه ، وحسنه ابن العربي في ” احكام القران ” ( 3 / 432 ) ، والعراقي في ” تخريج الاحياء ” ( 3 / 284 ) ، والالباني في ” صحيح الترمذي ” .
اذا فهذه اظهر علامة يمكن للمسلم ان يستدل بها على الفرقة الناجية ، فيتبع ما عليه عامة علماء الامة ، الذين يشهد لهم جميع الناس بالامانة والديانة ، ويتبع ما كان عليه العلماء السابقون من الصحابة والتابعين والائمة الاربعة وغيرهم من اهل العلم ، ويحذر من كل فرقة تتميز عن جماعة المسلمين ببدعة محدثة .
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :
” شعار اهل البدع ترك انتحال اتباع السلف ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 4 / 155 ) .
وقال ايضا (3/346) : “وشعار هذه الفرق – يعني الثنتين وسبعين فرقة المخالفة لاهل السنة والجماعة- مفارقة الكتاب والسنة والاجماع . فمن قال بالكتاب والسنة والاجماع كان من اهل السنة والجماعة ” انتهى .
فلا يجوز ان يتصور احد بعد ذلك ان تكون الشيعة مثلا هي الفرقة الناجية ، او منحرفة الصوفية او الخوارج او الاحباش ، بل هذه فرق حادثة ، لا تمثل الا افكارا طارئة ، ينكرها اهل العلم وعامة المسلمين ، ويجدون في قلوبهم نفورا عنها ، ولم تكن افكارها التي تحملها يوما عقيدة عند ابي بكر او عمر او عثمان او علي رضي الله عنهم ، كما لم يحمل افكارهم تلك الامام ابو حنيفة او مالك او الشافعي او احمد بن حنبل ، وهل يظن عاقل ان عقيدة غابت عن هؤلاء الائمة يمكن ان تكون صوابا ؟! .
اظن – اخي الكريم – انه قد ظهر اعظم فرق واوضح فرق بين اهل السنة والجماعة ( الفرقة الناجية ) وبين غيرها من الفرق الضالة .
يقول ابن تيمية – رحمه الله – :
ولهذا وصف الفرقة الناجية بانها اهل السنة والجماعة ، وهم الجمهور الاكبر ، والسواد الاعظم ، واما الفرق الباقية فانهم اهل الشذوذ والتفرق والبدع والاهواء ، ولا تبلغ الفرقة من هؤلاء قريبا من مبلغ الفرقة الناجية ، فضلا عن ان تكون بقدرها ، بل قد تكون الفرقة منها في غاية القلة ، وشعار هذه الفرق مفارقة الكتاب والسنة والاجماع ، فمن قال بالكتاب والسنة والاجماع كان من اهل السنة والجماعة .
” مجموع الفتاوى ” ( 3 / 346 ) .
وقد توسع في ذكر سمات الفرق الهالكة الشاطبي في ” الاعتصام ” ( 1 / 453 – 460 ) .
ثانيا :
وقد قرر علماء السنة والجماعة في كتبهم ان الفرق الاخرى هي من الفرق الضالة الهالكة المبتدعة ، وانها تستحق دخول النار بسبب ما احدثته في دين الله من اقوال شنيعة ، وبدع عظيمة ، الا انها في غالبها لا تعتبر كافرة ، بل تعد من فرق المسلمين .
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
وكذلك سائر الثنتين وسبعين فرقة : من كان منهم منافقا : فهو كافر فى الباطن ، ومن لم يكن منافقا بل كان مؤمنا بالله ورسوله فى الباطن : لم يكن كافرا في الباطن وان اخطا في التاويل كائنا ما كان خطؤه ، وقد يكون فى بعضهم شعبة من شعب النفاق ولا يكون فيه النفاق الذى يكون صاحبه فى الدرك الاسفل من النار .
ومن قال ان الثنتين وسبعين فرقة كل واحد منهم يكفر كفرا ينقل عن الملة : فقد خالف الكتاب والسنة واجماع الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين ، بل واجماع الائمة الاربعة وغير الاربعة ، فليس فيهم من كفر كل واحد من الثنتين وسبعين فرقة ، وانما يكفر بعضهم بعضا ببعض المقالات .
” مجموع الفتاوى ” ( 7 / 218 ) .
ولا يعني ذلك ان كل فرقة تنتسب الى الاسلام انها مسلمة ، بل قد تكون كافرة مرتدة كغلاة الرافضة وغلاة الصوفية والفرق الباطنية كالدروز والنصيرية وغيرها ، والحق بعضهم الجهمية بهم ، فهؤلاء جميعا خارجون عن ملة الاسلام ولا يعدون من الفرق الواردة في الحديث .
ثالثا :
مورد الافتراق والاختلاف بين هذه الفرق المقصودة في الحديث هو مسائل الدين الكلية ، وامور العقائد العامة ، وليس الاختلاف الفقهي .
يقول الشاطبي – رحمه الله – :
هذه الفرق انما تصير فرقا بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين ، وقاعدة من قواعد الشريعة ، لا في جزئي من الجزئيات ، اذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشا عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعا ، وانما ينشا التفرق عند وقوع المخالفة في الامور الكلية ؛ لان الكليات تقتضي عددا من الجزئيات غير قليل ، وشاذها في الغالب ان لا يختص بمحل دون محل ، ولا بباب دون باب .
” الاعتصام ” ( 1 / 439 ) .
فاذا تميزت بعض الجماعات الاسلامية عن الاخرى بطريقة معينة في الدعوة والعمل للاسلام ، ولم تخالف اهل السنة والجماعة في عقيدتهم : فلا تعد من الفرق الهالكة ، بل هي من اهل الفرقة الناجية ان شاء الله تعالى اذا كانت تتبع ما كان عليه الصحابة والتابعون في العقيدة والعمل .

السابق
اكلات خفيفة لرمضان بالصور
التالي
اعاني من النسيان الشديد