افضل مواضيع جميلة بالصور

انت لي صفحه 7

 

وقفت غير مصدق لما ارى… متوهما انه الحلم الذي لطالما راودني منذ سنين…

لكن… بالتاكيد فان الشيء الذي يقف امامي هذه اللحظة … يضم ذراعيه الى بعضهما البعض … و يقشعر بدنه ان خوفا و بردا … هذا الشيء
الملفوف في السواد … هو بالتاكيد كائن بشري …
و ليس اي كائن …
تحديدا هي رغد !

” وليد … انا خائفة ! ابقني معك ”

لا اعرف من الذي حرك يدي ، نحو مكبس المصباح ، و اناره …
هل يمكن ان اكون قد فعلت ذلك بلا وعي ؟؟

الانارة القوية المفاجئة ازعجت بؤبؤي عيني ، فاغمضت جفوني بسرعة

و من ثم فتحتها ببطء…

رايت وجه رغد بعينيها المتورمتين الحمراوين ، و اللتين تدلان على طول البكاء و مرارته …

” رغد … اانت على ما يرام صغيرتي ؟؟ ”

” انا اشعر بالخوف … وليد … المكان موحش و … ويثير الذكريات … المؤلمة ! ”

و سرعان ما انخرطت رغد في بكاء اجش بصوت مبحوح …

” حسنا… عزيزتي يكفي … لا تبكي صغيرتي … تعالي اجلسي هنا ”

و اشرت الى مقعد بالجوار ، فجلست رغد عليه … و بقيت واقفا برهة … ثم جلست على طرف سريري …

كنت في منتهى التعب و الارهاق و اشعر برغبة ملحة جدا في النوم… لابد ان راسي سيهوي على السرير فجاة و اغط في النوم دون شعور !

نظرت الى الفتاة الجالسة على مقربة جاهلا ما يتوجب علي فعله !

سالتها :

” صغيرتي … الا تشعرين بالنعاس ؟ الست متعبة ؟ ”

” بلى … لكن … لا اشعر بالطمانينة ! لا استطيع النوم … انا خائفة ! ”

و رفعت يدها الى صدرها كمن يريد تهدئة انفاسه المرعوبة

قلت :

” لا تخشي شيئا صغيرتي … ما دمت معك ”

و لا ادري من اين و لا كيف خرجت هذه الجملة في مثل هذا الوقت و الحال !
و هل كنت اعنيها ام لا … و هل كنت جديرا بها ام لا !

لكن فتاتي ابتسمت !

ثم تنهدت تنهيدة عميقة جدا

ثم اسندت راسها الى المقعد و ارخت ذراعيها الى جانبيها …ا و اغمضت عينيها !

و اظن … و الله الاعلم … انها نامت !

” رغد ! … رغد ؟ ”

فتحت رغد عينيها ببطء و نظرت الي …

” انك بحاجة للنوم ! ”

ردت ، بشيء لا يتوافق و سؤالي البسيط :

” غرفتك لم تتغير ابدا وليد ! كم انا سعيدة بالعودة اليها ! ”

و اخذت تدور بعينيها في الغرفة …

كان الهدوء الشديد يسيطر على الاجواء … فالوقت متاخر … و العالم يغط في الظلام و السبات …

قالت و هي تشير الى موضع في الغرفة :

” كان سريري هنا سابقا ! هل تذكر يا وليد ؟ ”

ثم وقفت و سارت نحو الموضع الذي كان سرير رغد الصغير يستلقي فيه لسنين … قبل زمن …

قالت :

” و انت كنت تقرا القصص الجميلة لي ! كم كنت احب قصصك كثيرا جدا يا وليد ! ليت الزمن يعود للوراء … و لو لحظة ! ”

عندها وقفت انا … و قد استفقت فجاة من نعاسي الثقيل … و قفزت الى قمة اليقظة و الصحوة … و كان نهرا من الماء البارد قد صب فوق راسي …

التفتت الي صغيرتي و قالت :

” كنت … كنت احتفظ بالقصص التي اشتريتها لي في بيتنا الثاني … لكن … احرقتها النيران ! ”

و المتني … جملتها كثيرا …

رجعت بي الذكرى الى البيت المحترق … فاذا بالنار تشتعل في معدتي …

اضافت رغد بصوت اخف و اشجى :

” تماما كما احترقت الصورة … ”

” رغد … ”

انه ليس بالوقت المناسب لاسترجاع ذكريات كهذه … ارجوك … كفى !

نظرت من حولها ثم قالت :

” لا تزال كتبك منثورة ! اتذكر … ؟ كنت تستعد للذهاب الى الجامعة لاجراء امتحان ما ! اليس كذلك ؟؟ اليس هذا ما اخبرتني به ؟؟ اتذكر ؟؟ ”

لا اريد ان اتذكر !

ارجوك ايتها الذكرى .. توقفي عند هذا الحد ..

ارجوك …

لا تعودي الى ذلك اليوم المشؤوم …

لو كان باستطاعتي حذفه نهائيا … لو كنت … ؟؟؟

كنت اريد الهروب السريع من تلك الذكرى اللعينة … لكنها كانت تقترب … و تقترب اكثر فاكثر … حتى صارت امامي مباشرة …

عينان تحدقان بعيني بقوة … تقيدان انظاري رغم عني …

عينان استطيع اختراقهما الى ما بعدهما …

خلف تينك العينين ، تختبئ امر الذكريات و ابشعها …

ارجوك يا رغد …

لا تنظري الي هكذا …

لا ترمني بهذه السهام الموجعة …

لم لا تعودين للنوم ؟؟

” وليد … ”

” اه … نعم … ص … غيرتي ؟؟ ”

” لماذا … لم تخبرني بالحقيقة ؟ ”

قلت بصوت متهدرج :

” اي … اي حقيقة ؟ ”

” انك … قتلته ! ”

اه …

اه …

انه فاس يقع على هامتي …

لقد فلقتها يا رغد …

ما عدت قادرا على الوقوف …

نصفاي سينهاران …

ارجوك كفى …

” وليد … لماذا لم تخبرني ؟؟ انا يا وليد … انا… لم ادرك شيئا … كنت صغيرة … و خائفة حد الموت … لا اذكر ما فعلت به … و لا …
و لا اذكر … ما فعله بي ! ”

عند هذه اللحظة … و فجاة … و دون شعور مني و لا ادراك … مددت يدي بعنف نحو رغد و انقضضت على ذراعيها بقوة … بكل قوة …

انتفضت فتاتي بين يدي هلعا … و حملقت بي بفزع …

لابد ان قبضتي كانتا مؤلمتين جدا انذاك ، و لابد انها كانت خائفة …

خرجت هذه الجملة من لساني كالصاروخ في قوة اندفاعها … مخلفة خلفها سحابة غبار هائلة تسد الانوف و تكتم الانفاس … و تخنق الافئدة …

كررت بجنون :

” ماذا فعل بك يا رغد ؟؟ …
حتى… حتى لو كان قد … لامس طرف حزامك فقط … باطراف اظافره القذرة … كنت ساقتله بكل تاكيد … بكل تاكيد …”

فجاة رفعت رغد يديها و غطت وجهها … و هي تطلق صيحة قصيرة …

كانت قبضتا يدي لا تزالان تطبقان على ذراعيها بعنف … و بنفس العنف انقضتا فجاة على يديها … و ابعدتهما بسرعة عن وجهها ، فيما عيناي تحملقان بعينيها بقوة ….

صرخت :

” ماذا فعل بك ؟؟ ”

كانت رغد تنظر الي بذعر …

نعم انه الذعر …

اشبه بالذعر الذي قراته في عينيها ذلك اليوم …

تملصت رغد من بين يدي و ابتعدت بسرعة ، و اتجهت نحو المقعد الذي كانت تجلس عليه قبل قليل … و ارتمت عليه … و هتفت :

” لا اريد ان اذكر ذلك … لا اريد … لا اريد ”

و عادت لاخفاء وجهها خلف كفيها .

دارت بي الدنيا انذاك و شعرت برغبة شديدة في تمزيق اي شيء … اي اي شيء !

التفت يمنة و يسرة في اضطراب باحثا عن ضحية تمزيقي … و بعض زخات العرق تنحدر من جبيني بينما اشعر باختناق … و كان تجويف حنجرتي لم يعد يكفي لتلقي كمية الهواء المهولة و الممزوجة بذلك الغبار و التي يرغمها صدري الشاهق على الاندفاع اليه …

تحركت خطوة في كل اتجاه … و بلا اتجاه …

بعثرت نظراتي في كل صوب … و بلا هدف …

و اخيرا وقع بصري على شيء مختبئ عند احدى زوايا الغرفة …
يصلح للتمزيق !

توجهت الى ذلك الشيء ، و التقطته عن الارض … تاملته برهة … و استدرت نحو رغد …

انه صندوق الاماني القديم … الذي جمع امنيات صغرنا منذ 13 عاما !

ها قد ان اخيرا … اوان استخراج الاماني …

و لم علينا الاحتفاظ بها مخباة اطول ما دامت الاقدار … ابت تحقيقها ؟

على الاقل … امنياتي انا …

يجب ان يتمزق اخيرا ….

و الان يا رغد … جاء دورك !

” رغد ”

ناديتها فلم تستجب مباشرة . اقتربت منها اكثر فاكثر حتى صرت امامها مباشرة

هي جالسة على المقعد مطاطئة الراس … تداري الدموع

و انا واقف كشجرة بلا جذور في انتظار اللحظة التي تهب فيها الرياح ، فتقلعها …

” رغد … اتذكرين هذا ؟ ”

و ازدردت ريقي …

انها اللحظة التي لطالما انتظرتها … سنين و سنين و سنين ، و انا اتوق شوقا و احترق لهفة لمعرفة امنيتك يا رغد …

رفعت رغد راسها و اخذت تنظر الى الشيء المحمول بين يدي …

نظرت اليه نظرة مطولة … ثم اتسعت حدقتا عينيها و انفغر فاها و شهقت شهقة مذهولة !

اذن ، فانت تذكرينه ؟؟

انه صندوق امانيك يا رغد … ايتها الطفلة العزيزة … انا صنعته لك منذ 13 عاما … في ذلك اليوم الجميل … حين قدمت الي منفعلة و انت تحملين كتابك الصغير و تهتفين :

” وليد … وليد اصنع لي صندوقا ”

تحركت عينا رغد من على الصندوق الى عيني …

كانت اخر دمعة لا تزال معلقة على رموشها ، في حيرة …. ا تنحدر ام تتراجع ؟؟

شفتاها الان تحركتا و رسمتا ما يشبه الابتسامة المترددة …

و اخيرا نطق لسانها :

” صندوقي !! ”

ثم هتفت متفاجئة :

” صندوقي ! اوه … انه صندوقي ! ”

و هبت واقفة و التقطته من بين يدي !

” يا الهي ! ”

قلت :

” اتذكرينه ؟ ”

رفعت عينيها عن الصندوق مجددا و قالت بانفعال :

” نعم ! اذكره ! انه صندوق الاماني ”

قالت ذلك و هي تؤشر باصبعها على كلمة (( صندوق الاماني )) المكتوبة على الصندوق الورقي …

ثم اخذت تقلبه ، و من ثم عبس وجهها فجاة و نظرت الي بحدة و وجس :

” هل … فتحته ؟؟ ”

” ماذا ؟ ”

” فتحته ؟؟ ”

انه سؤال بسيط ! و عادي جدا ! اليس كذلك ؟؟

و لكن … لم لم استوعبه ؟؟ و لم تطلب مني الامر كل هذا التركيز و الجهد البليغين حتى افهمه ؟؟

هل فتحته ؟؟

اوتسالين ؟؟

رغد !

الم اقطع لك العهد بالا افتحه دون علمك ؟؟

اتشكين في انني … قد اخون عهدي معك ذات يوم ؟

الا تعرفين ما سببه لي و ما زال يسببه لي صندوق امانيك هذا مذ صنعته و حتى اليوم ؟؟

هل تعتقدين انه اختفى من حياتي بمجرد ان علقته هناك فوق رف المكتبة ؟؟

انه لم يكن في الحياة … صندوق اهم من صندوقك !

قلت :

” لا … مستحيل ! ”

اخذت تقلبه في يدها ثم نظرت الي بتساؤل :

” ماذا حدث له اذن ؟ ”

ان كنتم قد نسيتم فاذكركم بانني ذات مرة و من فرط ياسي و حزني جعدت الصندوق في قبضتي …

قلت :

” انه الزمن ! ”

من الصندوق ، الى عيني الى انفي ، ثم الى عيني ، انتقلت نظرات الصغيرة قبل ان تقول :

” اذن الزمن … لا يحب ان تبقى الاشياء مستقيمة ! ”

” عفوا ؟؟ ”

ابتسمت رغد و قالت :

” اليس الزمن هو ايضا من عقف انفك ؟ ”

رفعت سبابتي اليمنى و لامست انفي المعقوف … و عندها تذكرت انني عندما التقيت برغد اول مرة بعد خروجي من السجن ، سالتني عما حدث لانفي فاجبتها :

( انه الزمن ! )

” نعم ! انه الزمن … ”

و صمت قليلا ثم واصلت :

” الن تفتحيه ؟ ”

و كنت في قمة الشوق لان استخرج سر رغد الدفين و اعرف … من هو ذلك ( الصبي ) الذي كانت تتمنى الزواج منه عندما تكبر ؟؟

نظرت اليها بنفاذ صبر … هيا يا رغد ! افتحيه ارجوك ! او اسمحي لي و انا سامزقه فورا … و افضح مكنونه !

لكن رغد اومات براسها سلبا …

كررت السؤال :

” الن تفتحيه ؟ ”

” لا ! ”

” لم ؟ الا تتوقين لمعرفة ما بالداخل ؟ بعد كل هذه السنين ؟؟ ”

” لا ! ”

و طاطات براسها … و قد علت خديها حمرة مفاجئة … ما زادني فضولا فوق فضول لمعرفة ما تحويه !

قلت :

” هل … تذكرين … امنيتك ؟ ”

لم ترفع راسها بل اجابت بايماءة بسيطة موجبة .

” مادام الامر كذلك … فما الجدوى في ابقائها داخل الصندوق ؟ ”

رفعت رغد اخيرا نظرها الي و قالت :

” لانها لم تتحقق بعد ”

شعرت بنبضات قلبي تتوقف برهة ، ثم تندفع بسرعة جنونية …و تخترق قدمي و تصطدم بالارض !

و استطردت ، و قد بدا الجد و الاصرار على ملامح وجهها فجاة :

” و ساعمل على تحقيقها من كل بد … و باي وسيلة … و مهما كان الثمن ”

و اضافت و هي تلوح بسبابتها نحوي و تحد من صوتها اكثر :

” … و لن اسمح لاي شيء باعتراض طريقي ”

الكلمات التي خرجت بحدة من لسان رغد ، مقرونة بالنظرة القوية و اللهجة الجدية ، و المليئة بمعاني التحدي ، جعلت تلك النبضات تقفز من باطن الارض ، و تعود ادراجها متخللة قدمي المرتجفتين ، و تضرب قلبي بعنف … محدثة تصدع خطير …

اعتقد … انني انا ( الشيء ) الذي لن تسمح له باعتراض طريقها … و اعتقد ان اسم ( حسام ) مكتوب على قصاصة قديمة مختبئة داخل هذا الصندوق … و اعتقد انني اتلقى الان تهديدا من حبيبة قلبي … بالا اعترض طريق زواجها من الرجل الذي تمنت الارتباط به منذ الصغر …

غضبي ثار … نعم ثار …

لازالت تنظر الي بتحد …

حسنا يا رغد …

قبلت التحدي …

قلت :

” و انا ايضا لم احقق امنيتي بعد ”

و بحدة اضفت :

” و ساعمل على تحقيقها مهما كلفني ذلك … و اي شيء يعترض طريقي … ”

و صمت برهة ، ثم اضفت :

” ساقتله ! ”

و سحبت الصندوق من يدها بغتة ، و اكدت :

” انه حلمي … و الموت وحده ما قد يحول دون نيله … عدا عن هذا يا رغد … عدا عن الموت … فانني لن اسمح لاي شيء بان يبعده عني … لن اتخلى عن حلمي ابدا … انه دائما امامي … و قريبا … سيصبح بين يدي … و لي وحدي … ”

لم اشعر بمدى قوة الضغط الذي كنت امارسه على ذلك الصندوق الورقي المخنوق في قبضتي ، حتى اطلقت رغد صيحة اعتراض

كانت تنظر الى الصندوق برثاء … و مدت يدها لتخلصه مني … الا انني سحبت يدي بعيدا عنها … ثم سرت مبتعدا … و اتجهت الى مكتبتي و وضعت الصندوق المخنوق في نفس الموضع الذي كان يقف فيه قبل سنين …

و حين استدرت الى رغد رايتها تراقبني بنظرات اعتراض غاضبة .

قلت بتحد اكبر :

” سنرى من منا سيحقق امنيته ! ”

……………………..

السابق
صورة غضب طفل صور اطفال فلسطين
التالي
ظفيرة السمكة