افضل مواضيع جميلة بالصور

كم عدد اولاد نبي الله ابراهيم

 

ذكر اولاد ابراهيم الخليل‏

اول من ولد له اسماعيل من هاجر القبطية المصرية، ثم ولد له اسحاق من سارة بنت عم الخليل، ثم تزوج بعدها قنطورا بنت يقطن الكنعانية، فولدت له ستة: مدين، وزمران، وسرج، ويقشان، ونشق، ولم يسم السادس. ثم تزوج بعدها حجون بنت امين، فولدت له خمسة: كيسان، وسورج، واميم، ولوطان، ونافس. هكذا ذكره ابو القاسم السهيلي في كتابه (التعريف والاعلام).

ومما وقع في حياة ابراهيم الخليل من الامور العظيمة، قصة قوم لوط عليه السلام، وما حل بهم من النقمة الغميمة، وذلك ان لوطا بن هاران بن تارح وهو ازر كما تقدم، ولوط ابن اخي ابراهيم الخليل، فابراهيم وهاران وناحور اخوة كما قدمنا.

ويقال: ان هاران هذا هو الذي بنى حران، وهذا ضعيف لمخالفته ما بايدي اهل الكتاب، والله اعلم.

وكان لوط قد نزح عن محلة عمه الخليل عليهما السلام، بامره له واذنه، فنزل بمدينة سدوم من ارض غور زغر، وكان ام تلك المحلة، ولها ارض ومعتملات وقرى مضافة اليها، ولها اهل من افجر الناس واكفرهم، واسواهم طوية، وارداهم سريرة وسيرة، يقطعون السبيل، وياتون في ناديهم المنكر، ولا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون.

ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم اليها احد من بني ادم، وهي اتيان الذكران من العالمين، وترك ما خلق الله من النسوان لعباده الصالحين، فدعاهم لوط الى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي هذه المحرمات، والفواحش المنكرات، والافاعيل المستقبحات، فتمادوا على ضلالهم وطغيانهم، واستمروا على فجورهم وكفرانهم، فاحل الله بهم من الباس الذي لا يرد ما لم يكن في خلدهم وحسبانهم، وجعلهم مثلة في العالمين، وعبرة يتعظ بها الالباء من العالمين.

ولهذا ذكر الله تعالى قصتهم في غير ما موضع من كتابه المبين، فقال تعالى في سورة الاعراف: { ولوطا اذ قال لقومه اتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من احد من العالمين * انكم لتاتون الرجال شهوة من دون النساء بل انتم قوم مسرفون * وما كان جواب قومه الا ان قالوا اخرجوهم من قريتكم انهم اناس يتطهرون * فانجيناه واهله الا امراته كانت من الغابرين * وامطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين } [الاعراف: 80-84] .

وقال تعالى في سورة هود: { ولقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث ان جاء بعجل حنيذ * فلما راى ايديهم لا تصل اليه نكرهم واوجس منهم خيفة قالوا لا تخف انا ارسلنا الى قوم لوط * وامراته قائمة فضحكت فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب *

قالت ياويلتى الد وانا عجوز وهذا بعلي شيخا ان هذا لشيء عجيب * قالوا اتعجبين من امر الله رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد * فلما ذهب عن ابراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط * ان ابراهيم لحليم اواه منيب * ياابراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء امر ربك وانهم اتيهم عذاب غير مردود * ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب * وجاءه قومه يهرعون اليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات

قال ياقوم هؤلاء بناتي هن اطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي اليس منكم رجل رشيد * قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وانك لتعلم ما نريد * قال لو ان لي بكم قوة او اوي الى ركن شديد * قالوا يالوط انا رسل ربك لن يصلوا اليك فاسر باهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم احد الا امراتك انه مصيبها ما اصابهم ان موعدهم الصبح اليس الصبح بقريب * فلما جاء امرنا جعلنا عاليها سافلها وامطرنا عليها حجارة من سجيل منضود * مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد } [هود: 69-83] .

وقال تعالى في سورة الحجر:

{ ونبئهم عن ضيف ابراهيم * اذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال انا منكم وجلون * قالوا لا توجل انا نبشرك بغلام عليم * قال ابشرتموني على ان مسني الكبر فبم تبشرون * قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين * قال ومن يقنط من رحمة ربه الا الضالون * قال فما خطبكم ايها المرسلون * قالوا انا ارسلنا الى قوم مجرمين * الا ال لوط انا لمنجوهم اجمعين * الا امراته قدرنا انها لمن الغابرين * فلما جاء ال لوط المرسلون *

قال انكم قوم منكرون * قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون * واتيناك بالحق وانا لصادقون * فاسر باهلك بقطع من الليل واتبع ادبارهم ولا يلتفت منكم احد وامضوا حيث تؤمرون * وقضينا اليه ذلك الامر ان دابر هؤلاء مقطوع مصبحين * وجاء اهل المدينة يستبشرون * قال ان هؤلاء ضيفي فلا تفضحون * واتقوا الله ولا تخزون * قالوا اولم ننهك عن العالمين * قال هؤلاء بناتي ان كنتم فاعلين * لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون * فاخذتهم الصيحة مشرقين * فجعلنا عاليها سافلها وامطرنا عليهم حجارة من سجيل * ان في ذلك لايات للمتوسمين * وانها لبسبيل مقيم * ان في ذلك لاية للمؤمنين } [الحجر: 51-77] .

وقال تعالى في سورة الشعراء:

{ كذبت قوم لوط المرسلين * اذ قال لهم اخوهم لوط الا تتقون * اني لكم رسول امين * فاتقوا الله واطيعون * وما اسالكم عليه من اجر ان اجري الا على رب العالمين * اتاتون الذكران من العالمين * وتذرون ما خلق لكم ربكم من ازواجكم بل انتم قوم عادون * قالوا لئن لم تنته يالوط لتكونن من المخرجين * قال اني لعملكم من القالين * رب نجني واهلي مما يعملون * فنجيناه واهله اجمعين * الا عجوزا في الغابرين * ثم دمرنا الاخرين * وامطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين * ان في ذلك لاية وما كان اكثرهم مؤمنين * وان ربك لهو العزيز الرحيم }[الشعراء: 160- 175] .

وقال تعالى في سورة النمل:

{ ولوطا اذ قال لقومه اتاتون الفاحشة وانتم تبصرون * ائنكم لتاتون الرجال شهوة من دون النساء بل انتم قوم تجهلون * فما كان جواب قومه الا ان قالوا اخرجوا ال لوط من قريتكم انهم اناس يتطهرون * فانجيناه واهله الا امراته قدرناها من الغابرين * وامطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين } [النمل: 54-58] .

وقال تعالى في سورة العنكبوت:

{ ولوطا اذ قال لقومه انكم لتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من احد من العالمين * ائنكم لتاتون الرجال وتقطعون السبيل وتاتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه الا ان قالوا ائتنا بعذاب الله ان كنت من الصادقين * قال رب انصرني على القوم المفسدين * ولما جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا انا مهلكو اهل هذه القرية ان اهلها كانوا ظالمين * قال ان فيها لوطا قالوا نحن اعلم بمن فيها لننجينه واهله الا امراته كانت من الغابرين * ولما ان جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن انا منجوك واهلك الا امراتك كانت من الغابرين * انا منزلون على اهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون * ولقد تركنا منها اية بينة لقوم يعقلون } [العنكبوت: 28-35] .

وقال تعالى في سورة الصافات:

{ وان لوطا لمن المرسلين * اذ نجيناه واهله اجمعين * الا عجوزا في الغابرين * ثم دمرنا الاخرين * وانكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل افلا تعقلون } [الصافات: 133-138] .

وقال تعالى في الذاريات بعد قصة ضيف ابراهيم وبشارتهم اياه بغلام عليم:

{ قال: قال فما خطبكم ايها المرسلون * قالوا انا ارسلنا الى قوم مجرمين * لنرسل عليهم حجارة من طين * مسومة عند ربك للمسرفين * فاخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين * وتركنا فيها اية للذين يخافون العذاب الاليم } [الذاريات: 31-37] .

وقال في سورة الانشقاق:

{ كذبت قوم لوط بالنذر * انا ارسلنا عليهم حاصبا الا ال لوط نجيناهم بسحر * نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر * ولقد انذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر * ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا اعينهم فذوقوا عذابي ونذر * ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر * فذوقوا عذابي ونذر * ولقد يسرنا القران للذكر فهل من مدكر } [القمر: 33-40] .

وقد تكلمنا على هذه القصص في اماكنها من هذه السورة في التفسير، وقد ذكر الله لوطا وقومه في مواضع اخر من القران، تقدم ذكرها مع قوم نوح، وعاد، وثمود، والمقصود الان ايراد ما كان من امرهم، وما احل الله بهم، مجموعا من الايات والاثار، وبالله المستعان.

وذلك ان لوطا عليه السلام لما دعاهم الى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي ما ذكر الله عنهم من الفواحش، فلم يستجيبوا له، ولم يؤمنوا به، حتى ولا رجل واحد منهم، ولم يتركوا ما عنه نهوا، بل استمروا على حالهم، ولم يرتدعوا عن غيهم وضلالهم، وهموا باخراج رسولهم من بين ظهرانيهم، واستضعفوه وكثروا منه.

وما كان حاصل جوابهم عن خطابهم اذ كانوا لا يعقلون الا ان قالوا: { اخرجوا ال لوط من قريتكم انهم اناس يتطهرون } [النمل: 56] .

فجعلوا غاية المدح ذما يقتضي الاخراج، وما حملهم على مقالتهم هذه الا العناد واللجاج، فطهره الله واهله الا امراته، واخرجهم منها احسن اخراج، وتركهم في محلتهم خالدين، لكن بعد ما صيرها عليهم بحرة منتنة ذات امواج لكنها عليهم في الحقيقة نار تاجج، وحر يتوهج، وماؤها ملح اجاج.

وما كان هذا جوابهم الا لما نهاهم عن ارتكاب الطامة العظمى، والفاحشة الكبرى، التي لم يسبقهم اليها احد من اهل الدنيا، ولهذا صاروا مثلة فيها وعبرة لمن عليها، وكانوا مع ذلك يقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، وياتون في ناديهم – وهو مجتمعهم ومحل حديثهم وسمرهم – المنكر من الاقوال والافعال، على اختلاف اصنافه.

حتى قيل: انهم كانوا يتضارطون في مجالسهم، ولا يستحيون من مجالسهم، وربما وقع منهم الفعلة العظيمة في المحافل، ولا يستنكفون ولا يرعوون لوعظ واعظ، ولا نصيحة من عاقل، وكانوا في ذلك وغيره كالانعام بل اضل سبيلا، ولم يقلعوا عما كانوا عليه في الحاضر، ولا ندموا على ما سلف من الماضي، ولا راموا في المستقبل تحويلا، فاخذهم الله اخذا وبيلا.

وقالوا له فيما قالوا: { ائتنا بعذاب الله ان كنت من الصادقين } فطلبوا منه وقوع ما حذرهم عنه من العذاب الاليم، وحلول الباس العظيم.

فعند ذلك دعا عليهم نبيهم الكريم، فسال من رب العالمين، واله المرسلين، ان ينصره على القوم المفسدين، فغار الله لغيرته، وغضب لغضبته، واستجاب لدعوته، واجابه الى طلبته، وبعث رسله الكرام وملائكته العظام، فمروا على الخليل ابراهيم، وبشروه بالغلام العليم، واخبروه بما جاؤوا له من الامر الجسيم، والخطب العميم.

{ قال فما خطبكم ايها المرسلون * قالوا انا ارسلنا الى قوم مجرمين * لنرسل عليهم حجارة من طين * مسومة عند ربك للمسرفين } [الذاريات: 31-34] .

وقال: { ولما جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا انا مهلكو اهل هذه القرية ان اهلها كانوا ظالمين * قال ان فيها لوطا قالوا نحن اعلم بمن فيها لننجينه واهله الا امراته كانت من الغابرين * ولما ان جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن انا منجوك واهلك الا امراتك كانت من الغابرين } [العنكبوت: 31-33] .

وقال الله تعالى: { فلما ذهب عن ابراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط } [هود: 74] وذلك انه كان يرجو ان ينيبوا ويسلموا، ويقلعوا ويرجعوا. ولهذا قال تعالى: { ان ابراهيم لحليم اواه منيب * ياابراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء امر ربك وانهم اتيهم عذاب غير مردود } [هود: 75] .

اي: اعرض عن هذا، وتكلم في غيره، فانه قد حتم امرهم ووجب عذابهم وتدميرهم وهلاكهم.

{ انه قد جاء امر ربك } اي: قد امر به من لا يرد امره، ولا يرد باسه، ولا معقب لحكمه. وانهم اتيهم عذاب غير مردود.

وذكر سعيد بن جبير، والسدي، وقتادة، ومحمد بن اسحاق: ان ابراهيم عليه السلام جعل يقول: اتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن؟

قالوا: لا.

قال: فمائتا مؤمن؟

قالوا: لا.

قال: فاربعون مؤمنا؟

قالوا: لا.

قال: فاربعة عشر مؤمنا؟

قالوا: لا.

قال ابن اسحاق: الى ان قال افرايتم ان كان فيها مؤمن واحد؟

قالوا: لا. { قال ان فيها لوطا قالوا نحن اعلم بمن فيها } الاية [العنكبوت: 32] .

وعند اهل الكتاب انه قال: يا رب اتهلكهم وفيهم خمسون رجلا صالحا؟

فقال الله: لا اهلكهم وفيهم خمسون صالحا، ثم تنازل الى عشرة فقال الله: لا اهلكهم وفيهم عشرة صالحون.

قال الله تعالى: { ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب }. [هود: 77]

قال المفسرون: لما فصلت الملائكة من عند ابراهيم، وهم جبريل، وميكائيل، واسرافيل، اقبلوا حتى اتوا ارض سدوم، في صور شبان حسان، اختبارا من الله تعالى لقوم لوط، واقامة للحجة عليهم، فاستضافوا لوطا عليه السلام، وذلك عند غروب الشمس، فخشي ان لم يضفهم، يضيفهم غيره، وحسبهم بشرا من الناس، وسيء بهم، وضاق بهم ذرعا، وقال هذا يوم عصيب.

قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، ومحمد بن اسحاق: شديد بلاؤه، وذلك لما يعلم من مدافعته الليلة عنهم، كما كان يصنع بهم في غيرهم، وكانوا قد اشترطوا عليه ان لا يضيف احدا، ولكن راى من لا يمكن المحيد عنه.

وذكر قتادة انهم وردوا عليه وهو في ارض له يعمل فيها، فتضيفوا فاستحيى منهم، وانطلق امامهم، وجعل يعرض لهم في الكلام لعلهم ينصرفون عن هذه القرية، وينزلون في غيرها.

فقال لهم فيما قال: والله يا هؤلاء، ما اعلم على وجه الارض اهل بلد اخبث من هؤلاء، ثم مشى قليلا، ثم اعاد ذلك عليهم حتى كرره اربع مرات، قال: وكانوا قد امروا ان لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك.

وقال السدي: خرجت الملائكة من عند ابراهيم نحو قوم لوط، فاتوها نصف النهار، فلما بلغوا نهر سدوم لقوا ابنة لوط تستقى من الماء لاهلها، وكانت له ابنتان: اسم الكبرى ريثا، والصغرى ذعرتا.

فقالوا لها: يا جارية هل من منزل؟

فقالت لهم: مكانكم، لا تدخلوا حتى اتيكم، فرقت عليهم من قومها، فاتت اباها فقالت: يا ابتاه ارادك فتيان على باب المدينة، ما رايت وجوه قوم قط هي احسن منهم، لا ياخذهم قومك فيفضحوهم، وقد كان قومه نهوه ان يضيف رجلا، فجاء بهم فلم يعلم احدا الا اهل البيت.

فخرجت امراته فاخبرت قومها فقالت: ان في بيت لوط رجالا، ما رايت مثل وجوههم قط، فجاءه قومه يهرعون اليه.

وقوله: { ومن قبل كانوا يعملون السيئات } [هود: 78] اي: هذا مع ما سلف لهم من الذنوب العظيمة، الكبيرة، الكثيرة.

{ قال ياقوم هؤلاء بناتي هن اطهر لكم } يرشدهم الى غشيان نسائهم، وهن بناته شرعا؛ لان النبي للامة بمنزلة الوالد، كما ورد في الحديث، وكما قال تعالى: { النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم } [الاحزاب: 6] .

وفي قول بعض الصحابة والسلف: وهو اب لهم.

وهذا كقوله: { اتاتون الذكران من العالمين * وتذرون ما خلق لكم ربكم من ازواجكم بل انتم قوم عادون }[الشعراء: 165-166] .

وهذا هو الذي نص عليه مجاهد، وسعيد بن جبير، والربيع بن انس، وقتادة، والسدي، ومحمد بن اسحاق وهو الصواب.

والقول الاخر خطا ماخوذ من اهل الكتاب، وقد تصحف عليهم، كما اخطاوا في قولهم ان الملائكة كانوا اثنين، وانهم تعشوا عنده. وقد خبط اهل الكتاب في هذه القصة تخبيطا عظيما.

وقوله: { فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي اليس منكم رجل رشيد } [هود: 78] نهي لهم عن تعاطي ما لا يليق من الفاحشة، وشهادة عليهم بانه ليس فيهم رجل له مسكة، ولا فيه خير، بل الجميع سفهاء، فجرة اقوياء، كفرة اغبياء.

وكان هذا من جملة ما اراد الملائكة ان يسمعوا منه، من قبل ان يسالوه عنه. فقال قومه عليهم لعنة الله الحميد المجيد. مجيبين لنبيهم فيما امرهم به من الامر السديد: قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وانك لتعلم ما نريد } [هود: 79] .

يقولون عليهم لعائن الله: لقد علمت يا لوط انه لا ارب لنا في نسائنا، وانك لتعلم مرادنا وغرضنا من غير النساء. واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم، ولم يخافوا سطوة العظيم، ذي العذاب الاليم.

ولهذا قال عليه السلام: { قال لو ان لي بكم قوة او اوي الى ركن شديد } [هود: 80] ود ان لو كان له بهم قوة، او له منعة وعشيرة ينصرونه عليهم، ليحل بهم ما يستحقونه من العذاب على هذا الخطاب.

وقد قال الزهري، عن سعيد بن المسيب، وابي سلمة، عن ابي هريرة مرفوعا:

نحن احق بالشك من ابراهيم، ويرحم الله لوطا لقد كان ياوي الى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لاجبت الداعي.

ورواه ابو الزناد، عن الاعرج، عن ابي هريرة.

وقال محمد بن عمرو بن علقمة، عن ابي سلمة، عن ابي هريرة: ان رسول الله قال:

« رحمة الله على لوط، لقد كان ياوي الى ركن شديد – يعني الله عز وجل – فما بعث الله بعده من نبي الا في ثروة من قومه ».

وقال تعالى: { وجاء اهل المدينة يستبشرون * قال ان هؤلاء ضيفي فلا تفضحون * واتقوا الله ولا تخزون * قالوا اولم ننهك عن العالمين * قال هؤلاء بناتي ان كنتم فاعلين } [الحجر: 67-71] .

فامرهم بقربان نسائهم، وحذرهم الاستمرار على طريقتهم، وسياتهم هذا، وهم في ذلك لا ينتهون ولا يرعوون، بل كلما لهم يبالغون في تحصيل هؤلاء الضيفان ويحرصون. ولم يعلموا ما حم به القدر مما هم اليه صائرون، وصبيحة ليلتهم اليه منقلبون.

ولهذا قال تعالى مقسما بحياة نبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه: { لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون }.

وقال تعالى: { ولقد انذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر * ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا اعينهم فذوقوا عذابي ونذر * ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر } [القمر: 36-38]

ذكر المفسرون وغيرهم، ان نبي الله لوطا عليه السلام، جعل يمانع قومه الدخول ويدافعهم، والباب مغلق وهم يرومون فتحه وولوجه، وهو يعظهم وينهاهم من وراء الباب، وكل ما لهم في الحاح والعاج، فلما ضاق الامر، وعسر الحال قال ما قال: { لو ان لي بكم قوة او اوي الى ركن شديد } لاحللت بكم النكال.

قالت الملائكة: { قالوا يالوط انا رسل ربك لن يصلوا اليك } وذكروا ان جبريل عليه السلام حرج عليهم، فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه، فطمست اعينهم، حتى قيل: انها غارت بالكلية، ولم يبق لها محل، ولا عين، ولا اثر، فرجعوا يتجسسون مع الحيطان، ويتوعدون رسول الرحمن، ويقولون: اذا كان الغد كان لنا وله شان.

قال الله تعالى: { ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا اعينهم فذوقوا عذابي ونذر * ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر }[القمر:37-38] فذلك ان الملائكة تقدمت الى لوط عليهم السلام، امرين له بان يسري هو واهله من اخر الليل، ولا يلتفت منكم احد، يعني عند سماع صوت العذاب اذا حل بقومه، وامروه ان يكون سيره في اخرهم كالساقة لهم.

وقوله: { الا امراتك } على قراءة النصب:

يحتمل ان يكون مستثنى من قوله: { فاسر باهلك } كانه يقول: الا امراتك فلا تسر بها.

ويحتمل ان يكون من قوله: { ولا يلتفت منكم احد الا امراتك } [هود: 81] اي: فانها ستلتفت فيصيبها ما اصابهم. ويقوي هذا الاحتمال قراءة الرفع، ولكن الاول اظهر في المعنى، والله اعلم.

قال السهيلي: واسم امراة لوط: والهة، واسم امراة نوح: والغة. وقالوا له مبشرين بهلاك هؤلاء البغاة العتاة الملعونين، النظراء والاشباه الذين جعلهم الله سلفا لكل خائن مريب: { ان موعدهم الصبح اليس الصبح بقريب }[هود: 81] .

فلما خرج لوط عليه السلام باهله – وهم ابنتاه – ولم يتبعه منهم رجل واحد، ويقال: ان امراته خرجت معه فالله اعلم. فلما خلصوا من بلادهم، وطلعت الشمس فكان عند شروقها جاءهم من امر الله ما لا يرد. ومن الباس الشديد ما لا يمكن ان يصد.

وعند اهل الكتاب: ان الملائكة امروه ان يصعد الى راس الجبل الذي هناك، فاستبعده وسال منهم ان يذهب الى قرية قريبة منهم، فقالوا: اذهب فانا ننتظرك حتى تصير اليها، وتستقر فيها، ثم نحل بهم العذاب. فذكروا انه ذهب الى قرية صغر التي يقول الناس غور زغر، فلما اشرقت الشمس نزل بهم العذاب.

قال الله تعالى: { فلما جاء امرنا جعلنا عاليها سافلها وامطرنا عليها حجارة من سجيل منضود * مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد } [هود: 82-83] .

قالوا اقتلعهن جبريل بطرف جناحه من قرارهن، وكن سبع مدن بمن فيهن من الامم، فقالوا: انهم كانوا اربع مائة نسمة، وقيل: اربعة الاف نسمة، وما معهم من الحيوانات وما يتبع تلك المدن من الاراضي والاماكن والمعتملات، فرفع الجميع حتى بلغ بهن عنان السماء، حتى سمعت الملائكة اصوات ديكتهم، ونباح كلابهم، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها.

قال مجاهد: فكان اول ما سقط منها شرفاتها.

{ وامطرنا عليها حجارة من سجيل } والسجيل: فارسي معرب، وهو: الشديد الصلب القوي.

{ منضود } اي: يتبع بعضها بعضا في نزولها عليهم من السماء.

{ مسومة } اي: معلمة، مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي يهبط عليه فيدمغه.

كما قال: { مسومة عند ربك للمسرفين } [الذاريات: 34] .

وكما قال تعالى: { وامطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين } [الشعراء: 173] .

وقال تعالى: { والمؤتفكة اهوى * فغشاها ما غشى } [النجم: 35-54] يعني: قلبها فاهوى بها منكسة عاليها سافلها، وغشاها بمطر من حجارة من سجيل متتابعة، مرقومة على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط عليه من الحاضرين منهم في بلدهم، والغائبين عنها من المسافرين، والنازحين، والشاذين منها.

ويقال: ان امراة لوط مكثت مع قومها، ويقال: انها خرجت مع زوجها وبنتيها، ولكنها لما سمعت الصيحة وسقوط البلدة، والتفتت الى قومها، وخالفت امر ربها قديما وحديثا، وقالت: واقوماه، فسقط عليها حجر فدمغها، والحقها بقومها اذ كانت على دينهم، وكانت عينا لهم على من يكون عند لوط من الضيفان.

كما قال تعالى: { ضرب الله مثلا للذين كفروا امراة نوح وامراة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين } [التحريم: 10] اي: خانتاهما في الدين فلم يتبعاهما فيه.

وليس المراد انهما كانتا على فاحشة، حاشا وكلا ولما. فان الله لا يقدر على نبي ان تبغى امراته، كما قال ابن عباس وغيره من ائمة السلف والخلف: ما بغت امراة نبي قط. ومن قال خلاف هذا فقد اخطا خطا كبيرا.

قال الله تعالى في قصة الافك، لما انزل براءة ام المؤمنين عائشة بنت الصديق، زوج رسول الله ، حين قال لها اهل الافك ما قالوا، فعاتب الله المؤمنين، وانب وزجر، ووعظ وحذر، وقال فيما قال:

{ اذ تلقونه بالسنتكم وتقولون بافواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم * ولولا اذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم } [النور: 15-16] اي: سبحانك ان تكون زوجة نبيك بهذه المثابة.

وقوله ههنا: { وما هي من الظالمين ببعيد } اي: وما هذه العقوبة ببعيدة ممن اشبههم في فعلهم. ولهذا ذهب من ذهب من العلماء الى ان اللائط يرجم سواء كان محصنا او لا. نص عليه الشافعي، واحمد بن حنبل، وطائفة كثيرة من الائمة.

واحتجوا ايضا بما رواه الامام احمد، واهل السنن من حديث عمرو بن ابي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، ان رسول الله قال:

« من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ».

وذهب ابو حنيفة الى ان اللائط يلقى من شاهق جبل، ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط لقوله تعالى: { وما هي من الظالمين ببعيد }.

وجعل الله مكان تلك البلاد بحرة منتنة، لا ينتفع بمائها، ولا بما حولها من الاراضي المتاخمة لفنائها، لرداءتها ودناءتها، فصارت عبرة ومثلة وعظة، واية على قدرة الله تعالى وعظمته، وعزته في انتقامه ممن خالف امره، وكذب رسله، واتبع هواه وعصى مولاه، ودليلا على رحمته بعباده المؤمنين، في انجائه اياهم من المهلكات، واخراجه اياهم الظلمات الى النور.

كما قال تعالى: { ان في ذلك لاية وما كان اكثرهم مؤمنين * وان ربك لهو العزيز الرحيم } [الشعراء: 8-9] .

وقال تعالى: { فاخذتهم الصيحة مشرقين * فجعلنا عاليها سافلها وامطرنا عليهم حجارة من سجيل * ان في ذلك لايات للمتوسمين * وانها لبسبيل مقيم * ان في ذلك لاية للمؤمنين } [الحجر: 73-77] .

اي: من نظر بعين الفراسة والتوسم فيهم، كيف غير الله تلك البلاد واهلها؟ وكيف جعلها بعد ما كانت اهلة عامرة. هالكة غامرة؟

كما روى الترمذي، وغيره مرفوعا:

« اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله ثم قرا: { ان في ذلك لايات للمتوسمين »

وقوله: { وانها لبسبيل مقيم } اي: لبطريق مهيع، مسلوك الى الان.

كما قالوانكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل افلا تعقلون } [الصافات: 137] .

وقال تعالى: { ولقد تركنا منها اية بينة لقوم يعقلون } [العنكبوت: 35] .

وقال تعالى: { فاخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين * وتركنا فيها اية للذين يخافون العذاب الاليم } [الذاريات: 35-37] .

اي: تركناها عبرة وعظة لمن خاف عذاب الاخرة، وخشي الرحمن بالغيب، وخاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى، فانزجر عن محارم الله، وترك معاصيه، وخاف ان يشابه قوم لوط، ومن تشبه بقوم فهو منهم، وان لم يكن من كل وجه فمن بعض الوجوه كما قال بعضهم:

فان لم تكونوا قوم لوط بعينهم * فما قوم لوط منكم ببعيد

فالعاقل اللبيب، الخائف من ربه الفاهم، يمتثل ما امره الله به عز وجل، ويقبل ما ارشده اليه رسول الله، من اتيان ما خلق له من الزوجات الحلال، والجواري من السراري ذوات الجمال. واياه ان يتبع كل شيطان مريد، فيحق عليه الوعيد، ويدخل في قوله تعالى: { وما هي من الظالمين ببعيد }

  • كم عدد اولاد سيدنا إبراهيم
السابق
احزان البنفسج
التالي
ياسين اسم مكروه