افضل مواضيع جميلة بالصور

البحيرة السوداء روايات احلام

 

1- غريب في البحيرة السوداء

التقت كلير دنزل بلاك في اليوم الاول الذي وصل فيه الى البلده كان الفصل خريفا والاوراق على الاشجار قد اتخذت لونا زيتيا تارة وقرمزيا او خمريا تارة اخرى فيما السماء انصبغت بلون ارجواني عميق مائل الى الزرقة والجو انذر بعاصفة توشك ان تهب من الغرب .
كانت الرياح تؤرجح نافذة الوكالة فتصدر جلبة عظيمة بينما لا تومض الا لتخبو مجددا تجهم وجه كلير وغمر القلق عينيها الزرقاوين وراحت ترجو الا ينقطع التيار الكهربائي فجاة كعادته في مثل هذا الجو العاضف على اي حال من الافضل ان تعود الى منزلها لاسيما وان موعد الاقفال قد حان نهضت عن مكتبها وشرعت ترتدي معطفها وهي تبعد خصلات شعرها الشقراء عن رقبتها .
عفوا لايمكن عرض الرابط الا بعد التسجيل
وفجاة انفتح باب المحل تاركا للريح حرية ان تتوغل في المكنب ففكرت كلير للحظة قبل ان تقول معتذرة بتهذيب : انا اسفة ولكن الوكالة اقفلت ابوابها منذ برهة . الا تستطيع العودة غدا ؟
ولما كانت قد اطفات الانوار الرئيسية لم تستطيع ان تتبين جيدا الرجل الواقف في المدخل . لكن ، وفي الظلام الخفيف الذي سيطر على المكان ، لاحظت انه طويل القامة اسود الشعر ، ويرتدي معطفا طويلا قاتما تتلاعب الريح باطرافه وسمعته يقول بصوت عميق :
قرات لوحة الاعلانات خارج المنزل الذي يقع في اعلى ” هانتز هيل اعني ذلك البيت الواسع الفيكتوري الطراز الذي يتفرع عن الطريق . فهل مازال معروضا للبيع ؟
تمتمت كلير ببطء ، وهي تحاول ان تتبين ملامحه في الظلال : البحيرة السوداء .
لكنها لم تر الا وميض عينيه اللتين واظبتا على التحديق فيها .
وسرعان ما اجابت ، وهي تخنق قشعريرة غريبة سرت في جسمها : نعم ، مازال معروضا للبيع
ولم تجد سببا لهذا البرد الذي اجتاحها الا الريح . وعادت وركزت تفكيرها على المنزل القديم الواقع عند طرف البلدة . لقد مضى زمن طويل على عرضه للبيع ولم يلق مشتريا بعد ، ولعل ذلك يعود الى ضخامته التي لا تناسب اي عائلة عادية . يمكن ان يحوله احد المهتمين الى فندق صغير او مستوصف ، ولكن حالته من السوء ما يستوجب اصلاحات مهمة ، قبل ان يصبح جاهزا للسكن . وها قد مرت سنتان ومازال اسم البيت مدونا في سجلات الوكالة ولاشك ان والدها سيسر اشد السرور حين يعلم انها استطاعت اخيرا ان تبيعه او حتى ان تؤجره .
ومالبث الغريب ان سالها : اتستطعين ان تاخذيني في جولة في المكان ؟
-نعم ، بالطبع ، ما رايك في صباح الغد ؟ فلنقل في الساعه الحادية عشرة ..
ثم اخرجت من درج مكتبها مذكرة وقلما بلا مبالاة , اخفت بها حماسها الشديد لانجاز هذه الصفقة . ولم يكن ذلك بعسير على شقراء باردة مثلها ، لاسيما وان عينيها تسبحان في بحر ازرق شاحب شديد الفتور .
لكن الرجل المتشح بالسواد اجابها : ساكون مشغولا طيلة نهار الغد فما رايك ان تذهب الان ؟
واذا بناقوس الخطر يقرع في عقل كلير ، فما كان منها الا ان ردت بادب يفتقر الى الود : انا اسفة ، هذا ليس ممكنا .
فلطالما ردد والدها على مسامعها ان مرافقة رجل غريب الى منزل فارغ محفوف بالمخاطر . ولهذا حرص دائما على ارسال شخص معها في هذه المناسبات ومنذ تقاعد صار اخوها روبن يرافقها .
وروبن تلميذ في التاسعة عشرة من عمره يتابع دروسا في ادارة الاعمال في ا لمعهد التقني المحلي لكنه ضخم الجثة قوي العضلات فهو يمارس رياضة الركبي في المعهد ولطالما شعرت معه كلير بالامان .
– ماذا تعنين انه ليس ممكنا ؟
كان سؤاله مقتضبا على نحو فظ جمد اوصالها ولكنها ردت : يبدا العمل هنا من التاسعة وحتى الخامسة والنصف ياسيد..
فقال بذلك الصوت العميق والغامض : بلاك .. دنزل بلاك .. هل المدير موجود ؟
– انا المديرة .
ولما شعرت بانه لايصدقها اضافت: وهذه وكالتى .
– لكن اللوحة على الباب تقول ان جورج سامر يدير هذه الوكالة .
– هو والدي لكنه تقاعد الان تاركا لي ادارة الوكالة .
– فهمت .
واحست به يحدق فيها فيما عيناه تتالقان في هذا الظلام الباهت
– حسنا يا انسة سامر .. ام انك متزوجة ؟
ترددت لبرهة وشعرت انها لا تريد ان تفصح له عن اسمها بطريقة العناد غير مالوفة لديها ولا منطقية لكن شيئا ما فيه بدا يزعجها ورغبت فجاة بالتخلص منه باسرع مايمكن فاجابت باختصار : انا كلير سامر.
– اذا لست متزوجة ؟
فهتفت بنبرة تكاد تكون حادة : لا ! اسمع انا اسفة ياسيد بلاك . ولكن لا وقت لدي حقا لاريك البيت الليلة .
فبادل حدتها بحدة اشد : انسة سامر ، اما انك تريدين بيع البحيرة السوداء واما لا . ففي الغد ساسافر الى الخارج لاشهر عدة ، ولهذا لا استطيع ان ارى المنزل الا الليلة . فاختاري اما ان تصحبيني اليه حالا واما انسي المسالة برمتها .
ترددت وهي تعض على شفتها السفلى . لاشك ان اباها واخاها غير موجودين في المنزل الان ، فقد ذهبا لمشاهدة مباراة في الركبي في البلدة المجاورة ولن يعودا قبل ساعتين . صحيح ان بامكانها ان تطلب من لوسى ان تلاقيها في البحيرة السوداء فلا بد انها عادت من عملها في هذا الوقت ، فهي تعلم في المدرسة الابتدائية المحلية وتعود الى المنزل عند الخامسة مساء .
ومالبث دنزل بلاك ان اعلن وقد عيل صبره :
هيا قرري فمحاميتي هيلين شيرارد تنتظر في السيارة واظن انك تعرفينها.
لقد اردتها ان ترى المنزل ايضا لكن لا انوي ان اجعلها تنتظرني مدة اطول.
وهنا اطلقت كلير تنهيدة خفيفة عبرت عن ارتياحها :
هيلين ! نعم اعرفها طبعا حسنا سيد بلاك ساصطحبك الى البحيرة السوداء .
الان لكن لدي موعدا اخر عند السابعة ولا استطيع ان اتاخر اكثر لذا سنقوم بجولة سريعة
ثم التفتت الى خزانة الملفات وراحت اناملها تبحث عن ملف البحيرة السوداء وما ان وجدته حتى اخرجت مجموعه من المفاتيح من صندوق مقفل مثبت في الجدار واقفلت الخزانة والصندوق مجددا . وقبل ان تغادر المكان اختلست النظر الى المراه التي تزين الحائط فيما زررت معطفها الشتائي الاحمر القاتم الذي امتد الى منتصف ساقيها .
في ذلك الوقت كان دنزل يراقبها فقال بتشدق :
معطفك يكاد يكون فيكتوري الطراز .. وهو يناسبك .
ولما سمعت هذا المديح التهكمي رمقتة بنظرة جافة قائلة : شكرا
اذا يظن هذا الغريب انها قديمة الطراز ولا شك انه رمي الى اهانتها لكنه لم يصب هدفه . فكلير لا تمانع في هذا الوصف البته لاسيما ان صدر من رجل مثله ولا مجال لانكار انه جذاب فعلا ، فقد شعرت كلير بقوة مغناطيسية جذبتها اليه ما ان دخل هذا المكان . لكنها تعلمت منذ زمن طويل الا تثق بالرجال لاسيما باولئك الذين يفيضون بالجاذبية فضرب من الجنون ان تتعلق المراة برجال دللتهم الحياة حتى افسدتهم اذ ان الامر اشبه بان تسير بارادتها في طريق نهايته الجراح . لذا على المراة المتعقلة ان تترك البعد يفصل بينها وبينهم وان تعاملهم بمنتهى البرودة والجفاء . وكلير اصبحت خبيرة في ذلك الان .
وحين تاكدت من ان ادراج مكتبها مقفلة التقطت حقيبتها ومظلتها ، ثم تقدمت نحو دنزل بلاك . كان الظل مازال يحجب وجهه ، ولكنها تبينت يده وهي تمتد الى الباب الامامي لتفتحه لها .
– علي ان اضبط جهاز الانذار ثم اقفل الابواب .
– سانتظرك عند السيارة .
نظرت كلير الى السيارة السوداء الانيقة . صحيح انها ليست مهووسة بالسيارات ، ولا تستطيع ان تتكهن طرازها ، لكن المرء لا يحتاج الى خبير ليعرف انها فاخرة وباهظة الثمن . وان استطاع دنزل بلاك ان يقتني مثل هذه السيارة فلا بد انه قادر على شراء البحيرة السوداء . وهذا وحده يبدد احد الشكوك التي ساورتها عنه .
وحين انتهت من مهمتها ، اتجهت نحوه لترافقه في حين لم يوقف سيل نظراته ، فراح يتاملها بدءا بشعرها الناعم القصير مرورا بساقيها الطويلتين الرشيقتين وانتهاء بقدميها الرائعتين كانت كلير ترتدي ملابس بسيطة كلاسيكية لا تبطل موضتها وقد اعتادت ان تختار ثيابها لا طلبا لاعجاب الرجل بل للاحساس بالراحة والهدوء وهما شعوران فارقاها تحت وطاة نظراته المليئة بالسخرية والتسلية .
فمجرد خضوعها لتفحص عيني دنزل بلاك لاسيما وهي تدس رجليها الطويلتين في السيارة كفيل بان يوقظ الرعشة في جسدها وعرفت ان هذا الرجل يشكل مصدرا حقيقيا للمشاكل .
ولما اصبحت في الداخل التفتت هيلين من المقعد الامامي وابتسمت ابتسامة مهذبة ثم حيتها :
مرحبا كلير
ودت كلير لو تغتنم الفرصة فتطرح عليها بعض الاسئلة عن زبونها . لكن دنزل بلاك سرعان مادار حول السيارة ثم صعد اليها قبل ان تنبس كلير ببنت شفة .
فاكتفت بابتسامه ودية وقالت :مرحبا هلين ، كيف حالك ؟
– جيدة .
ورغم ذلك لم تستطيع كلير الا ان تلاحظ شحوب وجهها فبشرتها التي طالما كانت قشدية اللون ومتوردة تفتقر الليلة الى اللون . اما عيناها الخضراوان اللتان تتالقان حيوية فواهنتان ناعستان وكانها مغرمة .
وسرعان ما شاحت كلير بوجهها وقد اجفلت بنات افكارها . ترى ، هل هيلين مرتبطة بعلاقة مع زبونها ؟ فمنذ طلاقها من بول وهو صاحب فندق محلي مشهور وهي تنتقل من علاقة الى اخرى وما ان استقلت بنفسها حتى اصطف الرجال لارضائها .
ويكفي في هذه البلدة الصغيرة المنعزلة ان تواعد المراة اكثر من رجل في سنة واحدة لتغدوا محور حديث السكان . فكيف اذا بهلين التي شوهدت برفقة عدد من الرجال منذ انفصالها عن بول ؟ لكن ايا من علاقاتها لم يعمر طويلا او بين على اسس متينة ، ولعل ذلك يعود الى شعورها بالامان في تسلسل الاشخاص اولعلها اكتسبت ببساطة مزيجا من التهور والجموح بعد طلاقها . وتقول الشائعات انها تشاجرت مع زوجها بعد علاقة غرامية عابرة اقامها مع نزيلة في الفندق علاقة لم تستطع ان تغفرها له قط .
انطلقت السيارة ببطء اولا ثم ازدادت سرعتها مع ابتعادها عن الرصيف . وبدا واضحا ان دنزل بلاك يدرك وجهته جيدا لذا لم تضطر كلير الى ارشادة الى الطريق وما كان منها الا ان اسندت راسها الى الوراء وراحت تراقب يديه وهما تمسكان بالمقود ولشدة ما كانت تتاملها لاحظت شعيرات سوداء خفيفة تغطيها ، وفجاها مزيج من الرشاقة والقوة فيهما وبعد ان فرغت من مراقبة اناملة الطويلة انتقلت الى رسغة وقد زينتة ساعة ذهبية لماعة ثم عادت مجددا الى اصبعة حيث وقع نظرها على خاتم ذهبي ثمين نقش عليه شعار النبالة .
اما وجهه فما زال خفيا عنها لكنها تلمح شعره الاسود الكثيف واللماع كلما مروا بمصباح في الشارع وبدا معطفه من الكشمير الداكن . انيقا وغالي الثمن ايضا نعم لاشك انه يملك الكثير من المال في ذلك الوقت كانت هيلين تهمس فى اذنه بكلمات لم تسمع كلير معظمها . لكنها سالته بصوت اجش ونبرة تحمل قدرا من الغضب : وكم تنوي ان تبقى في الولايات المتحدة ؟
هز كتفيه بلا مبالاة واجاب :
شهرا ، او ربما اثنين فردت بصوت يخالطة الاسف : كل هذه المدة ؟
وهنا قطبت كلير وهي تشعر بالحزن لاجلها وراحت تتذكر الايام التي تملكتها فيها مثل هذه المشاعر بسبب رجل . لكنها تجربة تنوي الا تكررها ابدا ففيها من الالم ما لاتود ان تعتاد عليه مطلقا . وبعد برهة توقف دنزل بلاك قليلا بسبب زحمة السيارات واستقل الموقف ليلتفت الى كلير في الخلف ويقول :
اذا قررت ان اشتري هذه الملكية فستمثلني هيلين اثناء سفري .
فردت كلير : حسنا .. هل تعيش في غرينهاوي في الوقت الحالي ياسيد بلاك ؟
– كلا ، بل اعيش خارج البلدة ، مع اخ هيلين وزوجته في منزلهما الجميل وتمتمت هيلين بصوت ابح : وهكذا التقينا .
لم تكن كلير تعرف هيلين جيدا فغالبا ماجمعتهما الاعمال وصفقات الزبائن بدل اللقاءات والزيارات الاجتماعية كما ان هيلين تشكل جزءا من ذلك المجتمع الراقي الذي لم تكن كلير تنتمي الية فعدا عن المال امتلكت اسرتها اراض مهمة وورث جيمي ستور بيتا ريفيا يعود الى ايام الملكة ان تحيط به اراض خصبة تبلغ مساحتها بضع مئات من الاكرات وتقع خارج بلدة غرينهاوي وفيما رعى هو شؤون المزرعة قامت زوجته بادارة فندق يعتبر بمثابة مقر ريفي لاصحاب الاملاك والاموال وهو يضم مطعما صغيرا اكتسبت شهرة في انحاء الاقليم لاسلوبة المتميز في الطهو ، فلورا ستور طاهية ممتازة تستخدم دائما المكونات الطازجة من المزرعه مباشرة وعمل الاثنان بجد لكنهما جازفا كثيرا ايضا حتى اضحت حياتهما الاجتماعية غنية واصبحا محط انظار السكان والوافدين .
وبالمقابل لم تكن عائلة كلير تنتمي الى البيئة نفسها لكن ذلك لم يضايقها البتة ، فلا الحفلات الصاخبة تسليها ولا النوادي الفخمة تدخل البهجة الى قلبها اما الفرق الرياضية وحفلات العشاء فلا تمت اليها بصلة بل كانت تستمتع بالسير والسباحة وهي تقضي الوقت برفقة عائلتها وعدد يسير من اصدقائها المقربين وهكذا تراها تختلف عن هيلين شيرارد اختلافا كبيرا لم يخل رغم ذلك دون تقديرها لتلك المراة واعجابها باخيها وزوجته .
وموخرا كان الاسف سياورها على حال هيلين فبعد طلاقها بات فيها من الكابة ما عجزت عن اخفائه وليت الغباء لا يبلغ بها حد الوقوع في حب رجل بالكاد تعرفة ! وحانت من كلير التفاتة الى المراة فوق راس هذا الرجل واذا بها تقع على البريق في عيني دنزل بلاك الرماديتين . بدت لهاحدقتاه واسعتين وكانهما من الكهرمان الاسود الذي منح العينين لونه اما جفناه فثقيلان يحملان رموشا كثيفة . وحين امعنت كلير النظر في المقلتين الغريبتين تحاول ان تسبر اغوارهما انسدل الجفنان فجاة ليخفيا التعبير . ثم اشاح بوجهه لتتلاشى صورته بغته من المراه .
اجفلت كلير وهي تتمنى لو سنحت لها فرصة تامل ملامحه فمهما حاولت ظل الفضول يتملكها ترى ما حقيقة مشاعره تجاه هيلين ؟
ايصطحبها الى البحيرة السوداء بصفتها محامية او بحكم علاقة شخصية اكثر ؟ ايامل ان يكون هذا البيت العش الذي سيجمعهما مستقبلا ؟ لكن انى لها من اجابات على هذه الاسئلة ؟
عندئذ كانوا قد غادروا البلدة ليبلغوا الريف الاخضر الذي يشرف على هنتر هيل القريبة من غرينهاوي . فطالعهم من جهة البحر الرمادي العاصف وقد تكسرت امواجه عند المنحدر الصخري فيما الافق يكاد يختفي تحت نور الشفق وقد مال الى السواد اما من الجهة الاخرى فمراع واسعة تسرح فيها الخراف ومستنقعات داكنة وتلال مرتفعة بدت من بعيد وكانها حيوانات رابضة تتمطى في الافق واصبح بامكان المرء ان يرى البحيرةالسوداء فكيفما حول نظرة لن يقع الا على ابراج وشرفات تعانق السماء في حصن من الطراز الفيكتوري القوطي اشبه بقصور القرون الوسطى. تمتمت هيلين : يالهي ! انه مخيف .
فضحك دنزل بلاك واجاب : الا تحبينه ؟
وقطبت كلير وقد احست ان رد هيلين قلما يهمه ومع ان ذلك لا يعنيها الا ان الفضول حول علاقتهما ظل يزداد تدريجيا .
وانتهى بهم المطاف بعد لحظات امام بوابة حديدية مصنوعة باتقان . فترجلت كلير من السيارة وتوجهت نحوها وهي تنتقي مفتاحا من المجموعة التي في جيبها ولما كان الصدا قد اجتاح القفل تطلب منها الامر جهدا ملحوظا مما دفع دنزل بلاك الى الترجل بدوره والتقدم للمساعدة .
-دعيني اقوم بذلك .
وفيما كانت يده تمتد الى المفاتيح لامست اناملها فاحست وكان تيارا كهربائيا يسري فيها وما كان منها الا ان اجفلت وتراجعت قليلا الى الخلف رماها بنظرة جانبية مبطنة حتى شعرت بالاحمرار يتصاعد الى وجنتيها واستبد بها الغضب لم تصرفت على هذا النحو بحق السماء ؟
لا شك انه سيظنها واحده من المراهقات اللواتي تتورد خدودهن ما ان يقترب منهن رجل ما !
وبعد ثواني دار المفتاح في القفل مصدرا صريرا مزعجا فتقدم ودفع البوابة الى الامام .
– يحتاج هذا القفل الى الزيت.
– نعم ساحرص على ان يتم ذلك في الغد .
وبمزيج من الارتباك والانزعاج استردت المفاتيح ثم عادت ادراجها الى السيارة فيما سار دنزل بلاك خلفها .
وكانت الريح تزمجر وتتلاعب باشجار بساتين البحيرة السوداء فاختلست النظر اليه لترى معطفه الاسود الطويل يتطاير حول رجليه وكانه بات يملك جناحين ويستعد للاقلاع والاختفاء خلف جناح الليل.
بعدئذ انطلقت السيارة ببطء على طول الطريق المتعرجة التي تخللتها الحفر واجتاحتها النباتات والاعشاب وبين حين واخر كانت ارانب برية لم يظهر منها الا اذنابها البيضاء القصيرة تعترض سبيلهم.
كان كم الصعب عليهم ان يتبينوا البستان فعلا لكن كلير تعلم ان نباتات الوردية والغار تنتشر اكواما على ناحيتي الطريق وفجاة لاح لهم طيف المنزل الفارغ بنوافذة المغلقة وكان الحياة فيه معدومة ولاحظت كلير شبحا اسود يرفرف حول البرج العالي سرعان ماعرفت انه خفاش .

 

ولما كانت تعلم ان سربا من الخفافيش يعيش على السطح تساءلت ان كان دنزل بلاك سيبدل رايه بسببها فبعض الناس يكره الخفافيش لا بل يرتاع منها لسبب لم تستطع ان تتفهمه يوما ، فهي مخلوقات صغيرة جدا لاتهتم الا بالتهام الحشرات ولا تشكل اي خطر على الانسان ومع ان كلير تود لو تحتفظ بالبعض منها في كوخها الا انها قررت عدم ذكر امرها لدنزل بلاك .
وهنا سالها : اليس من ناظر يتولى الاشراف على المنزل ؟
فهزت كلير راسها نفيا واردفت :
لم يرد المالك ان يدفع ليوظف احدا فقد انتقل للعيش في اوستراليا ولا نيه له بالعوده الى هذا المكان وكل مايرغب فيه هو بيع المنزل صحيح انه ما زال مفروشا لكن ان كنت مهتما فعلا بشرائه يمكن التخلص من المفروشات في المزاد العلني فيصبح المكان فارغا .
فرد بغموض وهو يحدق في السماء :سنرى
ونظرت هيلين الى السماء بدورها وسرعان ما اطلقت صرخة عالية :اه .. ما هذا 0
فاجاب دنزل بلاك بنعومة :
انه خفاش .. وهو من النوع البني الصغيرالذي يدخل البهجة الى القلب .. كما انه بالكاد يفوق حجمه فراشة كبيرة ترى ايعقل ان اقع على سراب على السطح ؟ لاشك ان المساحة واسعة تحت العارضة الخشبية وهذا بالضبط مسكنها المفضل .
بدا لكلير انه يعرف الكثير عن الخفافيش وهذا يعد في صالحة . ولم تتمالك نفسها فابتسمت ورات لبرهة عينيه القاتمتين تنعكس في المراة .
– اتحبين الخفافيش يانسة سامر ؟
– بل اعشقها واود ان اقتني البعض منها في منزلي .
– اتملكين منزلا خاصا ؟
فاقرت : اقوم بتجديد كوخ ريفي قديم لايبعد عن هنا كثيرا . واعمل على اصلاحه في كل عطلة نهاية الاسبوع . اما باقي الايام فاعيش مع عائلتي في البلدة .
عندها علقت هلين وقد ابدت بعض الحماس للمرة الاولى :
– انا مهتمة بالتصميم الداخلي فهل تصممين الديكور بنفسك ياكلير ؟
فاجابت كلير بجفاء : في الوقت الحالي اقوم باصلاح السطح ثم علي ان اكسو السقف والجدران بالاجص. اما الديكور فما زال الوقت مبكرا عليه .
بدت هيلين مرتاعة وهي تقول : تتكلمين وكان المنزل في حالة دمار شامل .
فضحكت كلير واجابت : انه كذلك فعلا .
– ولماذا اشتريته بحق السماء ؟
فردت كلير فيما السيارة تتوقف امام المنزل : عدا عن ان الثمن بخس اعتبرت ذلك بمثابة تحد لقدراتي
اجابت هيلين وتعابير السخرية ترتسم على وجهها : انت اشجع مني اذن!
في ذلك الوقت شعرت كلير بدنزل بلاك يتفرس فيها بعمق في مراة السيارة لكنها لم تحاول ان تلتقي بنظراته المحدقة بل انتقت مفتاح الباب الامامي الكبير وخرجت من السيارة ثم صعدت الدرجات حتى الباب .
وفي هذه المرة دار المفتاح في القفل بسهولة اكبر فانفتح الباب محدثا صريرا طويلا وراحت كلير تتلمس المكان بحثا عن زر الكهرباء على جدران الرواق المكسو ة بالالواح الخشبية واذا بالنور ينبعث فجاة من ثريا تتدلى فوق رؤوسهم فيما امتدت امامهم قنطرة علق عليها خليط مدهش من الصور الزيتية والمخطوطات والصور المطبوعة والصور الفوتوغرافية الموضوعة في اطر فضية فضلا عن الاسلحة والدروع ورؤوس الحيوانات التي علقت على الواح خشبية .
ولما كانت الريح تعبث في الرواق سمعوا صوت باب يصفق فجاة في مكان ما في الاعلى وارتجت نوافذ المدخل الزجاجية جميعها فصرخت هيلين بصوت اشبة بالنحيب : هذا رهيب!
ثم لفت معطفها حولها حتى لم يبد منها الا وجهها الشاحب واردفت :
لايمكن ان تكون جادا في نيتك فى شراء هذا المكان يادنزل انه اشبة بمقبرة وليس بمنزل .
كان على كلير ان تقر ان الجو بارد فعلا لسبب لا يعود الى خلو البيت او حلول فصل الخريف بل خيل اليها ان برودة قديمة قد تغلغلت في احجار المنزل وقرميده وان الدفء لن يحل فيه ابدا ولو اشعل المرء موقدا في كل غرفة رد دنزل وهو يفتح الباب الاول الذي يتفرع عن الرواق:
ستتكفل التدفئة المركزية بنشر الدفء فيه ولن يكون تركيبها بالمهمة الصعبة.
في هذه اللحظات بالذات استطاعت كلير ان ترى وجهه للمرة الاولى بدا صارما بفمه الواسع الجذاب وانفه القوي وعينيه الشاحبتين اللتين لا يفارقانهما البريق وشعره الاسود المتدلي حتى الصدغ باختصار كان كل من ملامحه يناقض الاخر مما يجعل وجهه موضوعا تصعب دراسته او تحديده وفجاة تمتم وهو يتامل حجرة الاستقبال الرئيسية :احب الغرف الكبيرة .
فوافقت كلير : وهذه الغرفة كبيرة فعلا .
لكن هيلين تاوهت : كبيرة ؟ بل انها ضخمة .
امتدت النوافذ من السقف الى الارض وعلى جانبي الغرفة وقد وضعت بقربها مقاعد وثيرة ، تتميز غرف المنزل كلها بسقوف عالية وقد تدلت من سقف الحجرة ثريا اخرى اضافت على المكان بريق الحفلات وفي الغرفة ايضا موقد خشبي اشبه بمقدمة السفينة مكسوا بالاجر من الطراز الفكتوري تزين خلفيته الذهبية صور تذكر بالقرون الوسطى .
كان الاثاث قديما وباليا بشكل عام . فالكراسي الفيكتورية قد خسرت معظم حشوتها والستائر بدت رثه جدا فيما البسط ممزقة بالية . لكن اينما نقل المرء بصره وقع على صور وزخرفات متنوعة حفلت بها جدران هذه الغرفة تماما كالرواق بل كان فيها من الصور ما يدفع العقل الى الدوران فيجول البصر ويجول حتى يعجز عن رؤية المزيد .
وهنا قال دنزل بلاك : رائع !
لكن هيلين اشتكت: المجموعة تناسب شاحنة النفايات!
فسال دنزل بلاك :
اقلت ان المجموعه باكملها ستعرض للبيع ؟ ان اشتريت المنزل اود ان اختار بعضا منها .
– انا واثقة من انني استطيع تدبر ذلك.
في الواقع كانت كلير لتسعد لو تمكنت من بيع جزء من المقتنيات فقط ان بعض التحف قيم لكن الاثاث بمجملة في حالة رديئة وقد يباع في المزاد لقاء سعر زهيد لاغير . ومع ان والدها اعتاد ان ينظم هذه المزادات ، الا انها كانت تمثلة في المبيعات فمثل هذه الاجراءات يستغرق ساعات مما يرهق ابيها ويضطرها الى المناوبة عنه حتى نهاية المزاد ومن هنا تعلمت تقدير بعض التحف بمجرد النظر اليها واصبحت تعرف كم من المال سيدر بيع اثاث البحيرة السوداء .
وعادت هيلين الى الشكوى وهي تلحق به الى الغرفة الاخرى فيما تطايرت حوله اوراق مصفرة تسللت من الباب الامامي المشرع : اه ، دنزل لايمكن ان تكون جادا فعلا!
وقبل ان تلحق كلير بهما توجهت نحو الباب لتغلقه ولما عادت وجدتهما في رواق الخدم المعتم ، وهي غرفة طويلة ضيقة بشبابيك صغيرة وطلاء بني قاتم . وقد بدا واضحا ان الجدران كانت في ما مضى ناصعة البياض وقد علقت عليها سلسلة من الاجراس دون فوق كل منها اسم الغرفة المناسبة . كما تدلت من السقف مجموعة من العلاقات القديمة التي تثبت اللحوم والاعشاب اضافة الى بكرة مكسورة للغسيل فوق طاولة كبيرة يجلس عليها الخدم . وبعد ان اجالت هيلين نظرها في المكان قالت بنفور واضح : كم هو باعث للكابة!
فرد دنزل ، وهو يمرر اصبعه على الرفوف المغطاة بالغبار :
كل ما يحتاجه هذا المكان هو طلاء ناصع البياض ، وورق جدران جميل ! يبدو لي ان هذه الخزانة من عمر البيت .
فاقرت كلير :هذا صحيح وكما تلاحظ بعض هذه الاواني الخزفية الصينية نفيس فعلا ويعود معظمها الى الحقبة الفكيتورية واظن انها ستباع بسعر جيد في المزاد .
– قد ارغب في الاحتفاظ بها كلها.
فتاوهت هيلين وقالت : يالهي ! ستبدو وكانك تعيش في متحف!
على الرف الاعلى من الخزانة وقعت عيناه على اناء فيه ازهار ذبلت منذ زمن فبدت مغبرة يابسة يلفها نسيج عنكبوت ارتاح عليه جسم عنكبوت محنط مخيف .
حدقت هيلين فيه وقد اصيبت برعب عظيم ثم لفت معطفها حول نفسها ورمقت دنزل بلاك بنظرة مؤنبة وقالت : وكان المكان مسكون فلا انفك اتخيل قيام المالكين من الموت ولا استطيع تحمل ذلك بعد الان لذا ساعود الى السيارة فاسرع قبل ان اتجمد من البرد .
وهرولت مسرعة فيما كعباها يحدثان جلبة على ارضية الرواق وبعدئذ ارتفع صرير الباب ثم صفق مرجعا صدى مدويا . تمتمت كلير : اخشى انها لاتحب المنزل .
فرد دنزل بلاك متشدقا فيما لمعت عيناه : ولكنها لن تسكن فيه .
-الن تفعل ؟ ها قد ذهبت نظريتها الاولى ادراج الرياح فمن الواضح انه لم يحضر هيلين الى هنا لترى عشها المستقبلي لكن هل تعرف هي ذلك ؟ لا يبدو ذلك فهيلين تتصرف مع دنزل وكانها تمتلكه ، مما دفع كلير الى الجزم ان علاقتهما تتعدى الاطار المهني .
ورفعت نظرها الى دنزل بلاك فلمحت تسلية ساخرة لاذعة في عينيه البراقتين لاشك انه كان يراقبها ويقرا افكارها وهذه الفكرة وحدها جعلت الاحمرار الطفيف يدب في بشرتها .
ومالبث ان قال : اردت منها ان تسدي الي نصيحة تتعلق بقيمة الملكية .
فاجابته كلير على الفور :
انها صفقة رابحة لاسيما اذا اخذنا حجمه والاراضي الواسعة التي يشملها بعين الاعتبار. وما ان سكتت حتى رمقها بنظره قاسية وقال :
من الطبيعي ان تقولي هذا اليس كذلك ؟ لهذا املت ان تعطي هيلين رايا محايدا والان هلا صعدنا الى الطابق الاعلى والقينا نظرة على بقية المكان ؟
ولما صعدا خيل اليها ان المكان بات اكبر حجما واكثر فراغا وكانت كل خطوة يخطوانها ترجع اصداء فيما الواح الارضية تصر تحت وقع خطواتهما ومما زاد الطين بلة ان الجو اصبح شديد البرودة .
ودت كلير لو تلحق بهيلين الى الخارج لكنها ذكرت نفسها بنسبة الارباح التي ستنالها الشركة بعد بيع البيت لهذا ظلت تتبع دنزل بلاك من غرفة الى اخرى وهي تجبر نفسها على التفوه باي تعليقات ذكية قد تثير حماسة لكنها في الحقيقة كانت تفكر في جنونه الذي يدفعه الى التفكير بشراء هذا المنزل ونظرت الى سرير عال ستائرة حمراء داكنة وبالية قبل ان تتحول الى مصباح بالقرب منه عكست نوره مراة من الطراز القوطي ذات اطار من السنديان لاشك ان هذه المراة ستباع سريعا في المزاد العلني ، فحجمها يناسب البيوت الحديثة وهي تلائم تماما النزعة الحالية للفن الحديث .
واستغرقت في تاملها فتبع دنزل بلاك نظراتها وقال مباشرة :
انها ساحرة وساحتفظ بها بالتاكيد .
فسالته بوضوح وقد تاكدت من ذوقة الراقي : ماذا تعمل ياسيد بلاك ؟ اعني مامهنتك ؟
– في الوقت الحالي لا مهنة لي.
ثم هز الستارة وراح يراقب كيف يتطاير الغبار منها واضاف :
لكن لا تقلقي سادفع لك ثمن المنزل نقدا غدا ان اشتريته .. فلن يشكل المال مشكلة .
لكنها لم تفكر في ذلك فتابعت اسئلتها ونار فضولها لم تطفئ بعد :
واين تعيش في الوقت الحاضر ؟ اعني عدا عن انك تقيم في فندق جيمي ستور ؟
رمقها بنظرة فيها مزيج من السخرية والجفاء ، ثم قال :في لوس انجلوس .
فاتسعت عيناها اشارة الى انها لم تكن تتوقع ذلك :حقا ؟ لكنك لست امريكيا اليس كذلك ؟
لقد لاحظت لكنته الغريبة لكنها متاكدة من انها ليست امريكية .
– كلا لقد ولدت في اسكوتلاندا مع انني لا اذكر عنها شيئا اذ تركتها ما ان بلغت الثانية من عمري وعشت في مانشستر حتى صار عمري احدى وعشرين سنة لكن في السنوات الاخيرة من ايام المراهقة امضيت سلسلة من العطلات الممتعة في غريناوي .
– ولهذا عدت ؟
وتراقصت نظرات التسلية في عينيه وهو يجيب :
اهذا ماتريدين معرفته ؟ لماذا عدت الى غرينهاوي ؟ في الواقع اجابة على سؤالك لقد عشت في كاليفورنيا لسنوات لاسيما في لوس انجلوس وبيفرلي هيلز .
حدقت فيه وهي عاجزة عن كبت السؤال: بفرلي هيلز؟ انت لاتعمل في مجال الافلام اليس كذلك ؟
ثم ضحكت وهي تتوقع منه ان يهز راسه نفيا
لكنه اجاب بهدوء : بلى .
فبدت كلير غير مصدقة وهي تساله :وماذا تفعل ؟ لست ممثلا طبعا ؟
لكنه قد يكون ممثلا فعلا فشكلة وجاذبيته مناسبان تماما وبامكانها ان تتخيلة في هذا المجال .
– لقد مثلت قليلا منذ سنين مضت لكنني لعبت ادوار ثانوية الا انني اردت ان اكون وراء الكواليس فعملت وظائف عدة في هذا الميدان واصبحت مصورا فوتوغرافيا ومصورا سينمائيا ومصمم مسارح اما طموحي فكان الاخراج وحققت حلمي اخيرا لكنني في الوقت الحالي بلا عمل .. فعدت الى بريطانيا لانني اردت ان ابتعد عن السينما قليلا.
– هل اخترت غرينهاوي لان فيها ذكريات لم تعرفها في اسكوتلاندا ؟
فاوما واجاب :
كانت لي ذكريات جميلة في غرينهاوي كايام الصيف على شاطيء البحر والنزهات قرب المستنقعات وقد سلمني وكيل سفر كتيب عن فندق جيمي ستور ولهذا انا هنا .
وازال الغبار عن يديه بمنديل وهو يكشر قائلا : البيت كله قذر جدا .
ثم اسند ظهره الى الجدار وعيناه القاتمتان الثاقبتا النظر هائتان :
حسنا لننتقل الى حديث الاعمال انسة سامر انا متاكد انك تدركين ان السعر باهظ مقارنة مع حالة المنزل فعلي ان انفق ثروة لاقوم بالاصلاحات قبل ان انتقل اليه لكنني ساعطيك السعر الذي انا مستعد لدفعه ويمكنك ان تكلمي المالك وتعلمين النتيجة عبر هيلين لكنني لن اساوم بل
ساقدم عرضا واحدا لاغير فان رفضه لن اكلف نفسي عناء مناقشة المسالة مجددا .
راحت كلير تراقبه بهدوء ثم اومات اخيرا فعرض سعرا اقل بكثير مما تامل عندئذ تحجرت عيناها الزرقاوان وقالت بفتور :
حسنا سابلغ زبوني بعرضك لكنني اشك في انه سيوافق على هذا الثمن البخس .
– اخبريني منذ متى والمنزل معروض للبيع ؟ منذ سنوات عدة اليس كذلك ان المنازل الفارغة تنهار بسرعه لاسيما هذا .. وبعد سنتين سينهار السقف فيما يكسر الاولاد النوافذ ويغدو البستان بريا تماما ولن يطول الامر حتى يمسي اطلالا ليس الا.
ومع انه محق رفضت كلير ان تقر بذلك وتمتمت بصوت بارد وبعيد : ساكلم زبوني .
واستدارت ونزلت السلالم لتخرج من المنزل ودنزل بلاك يلحق بها .
في الخارج كانت العاصفة تزداد عنفا والريح تعوي كما الذئب حول المنزل وفجاة دوى الرعد وتبعه برق قوي شق السماء وراحت انوار الثريا تومض حتى انطفات اخيرا ليغرق المكان في ظلام دامس في ذلك الوقت كانت كلير قد وصلت الى منتصف السلم المحفور باتقان فتوقفت بغته وهي عاجزة عن الاهتداء الى طريقها في هذه العتمة المفاجئة .
كان دنزل بلاك قد اصبح خلفها تماما ولما وضع يده على كتفها احست بنفسها تطير في الهواء .
– الديك مشعل كهربائي ؟
اجابته وصوتها يكاد لايسمع : في السيارة
فتنهد : لاتقلقي استطيع ان ارى في الظلام اعطني يدك .
وانزلقت انامله من كتفيها الى ذراعها ومنها لتمسك بيدها وودت كلير لو تسحبها بعيدا فهو يملك تاثيرا غريبا عليها لكنها لم تحبذ فكرة البقاء وحدها في العتمة . وكان عليها ان تسارع في الخروج من هنا لذا تركته يقودها على الدرجات .
حين عادا الى السيارة وجدا هيلين واقفة قربها . ولما راتهما ركضت نحوهما وتعلقت بدنزل بلاك بحالة اقرب الى الهستيريا :
لقد انطفات الانوار كلها ثم ومض برق رهيب … الم تر ذلك ؟ كانت العاصفة من القوة بحيث خفت ان تقلب السيارة في طريقها ثم رايت هذا البرق وانطفات الانوار فناديت وناديت .. الم تسمعني ؟ كيف يمكنك ان تتركني وحدي في الخارج في مثل هذا الظلام طيلة هذا الوقت ؟
فهدا دنزل بلاك من روعها وراسه محني فوقها :
يجب الا تغضبي بهذا الشكل فانا اسمع قلبك وهو يخبط كالطبل!
ثم احنى راسه اكثر حتى ظنت كلير انه عانقها . فاشاحت بنظرها سريعا وقد علا وجهها الاحمرار . ليتذكرا على الاقل انها موجودة ! وهي بالطبع لاترغب في ان تكون شاهدة غرامهما !
اطلقت هيلين تنهيدة طويلة توحي بارهاقها ثم احاطته بذراعيها وهمست : اه ، دنزل..
فهداها قائلا :
صه.. انت بامان الان ، سنوصل الانسة سامر الى منزلها ، ثم اخذك الى البيت هيا عودي الى السيارة وستصبحين بحال افضل ما ان يغمرك الدفء .
اطاعته هيلين بضعف ثم جلست في مقعدها من غير ان تضيف كلمة اخرى ولما عادت كلير بدورها الى السيارة لاحظت ان هيلين اغلقت عينيها وكانها تكاد تغفو .
وفيما ابتعدوا عن البحيرة السوداء سالها دنزل بلاك : اين تعيشين يا انسة سامر؟
– بالقرب من المكتب في ساحة يورك لابد من انك تعرفها .. انها ساحة من العصر الجورجي بنيت خلف تاون هيل .
– نعم اعرفها وهي تضم منازل جميلة جدا، تخضع لحماية جيدة ايضا . وهل تعيش عائلتك هناك منذ زمن طويل ؟
-لقد ولد والدي في هذا البيت ، وعشت فيه انا طيلة حياتي ، انه منزل مليء بالحنان .. ونحن نحبه.
– ولكنك تنوين الانتقال ما ان تنتهي الاصلاحات في كوخك .
فشرحت له كلير رغما عنها وهي تتساءل لم يطرح كل هذه الاسئلة :
افراد الاسرة كثيرون ، واود الحصول على مكان خاص بي.
– الديك العديد من الاخوة والاخوات ؟
فردت : اخوان واخت وفي المنزل اربع غرف نوم فقط يشغل ابي احداها ويحتل اخواي غرفتين ايضا فروبن تلميذ ويحتاج الى مكان خاص للدرس ولاخي الصغير جايمي غرفة ضيقة . اما انا واختي فنتشارك في غرفة.
– كم عمرها ؟
فتحركت هيلين بامتعاض:
كفى طرحا للاسئلة عليها يادنزل ! تبدو وكانك مضيف في احد البرامج التلفزيونية .
فقهقه ، ولكن كلير لاحظت اصابعه الطويلة تشتد على المقود وظهر لون ابيض طفيف عند مفاصلة . وشكت في انه لم يعجب بالطريقة التي صدته فيها هيلين .
وقاد السيارة بصمت حتى بلغوا البلدة فراح يبحث عن طريق يحيد منها عن الطريق العام . ولما وصلوا الى ساحة يورك ظهرت امامهم المنازل التي يعود معظمها الى اوئل القرن التاسع عشر . وفي وسط الساحة انتشرت حدائق مشذبة بعناية تحيطها شرفات من العصر الفكتوري مطلية حديثا مما يضفي على المكان طابعا ريفيا لاسيما في الصيف حيث تزدان الاشجار بكامل اوراقها وينتشر عبق الازهار في الهواء . وسالها دنزل بلاك : ايها بيتك ؟
فتقدمت كلير لتشير اليه :
هذا هو عند مصباح الشارع ذاك الذي تنمو نباتات البهشية في حديقته .
ركن السيارة عند مصباح الشارع فشكرته كلير بادب وودعته :
ساعلم هيلين بقرار زبوني في اقرب وقت ممكن .. عمت مساء هيلين .
فتمتمت هيلين بنعاس : عمت مساء .
وما كان من دنزل بلاك الا ان ترجل من سيارته وتقدم ليفتح باب كلير .
فشكرته وهي تتجنب يده التي امتدت لتساعدها :
شكرا ، عمت مساء ياسيد بلاك .
وقبل ان تتمكن من الهروب انفتح باب بيتها الامامي وكشف النور الاصفر في الرواق عن طيف فتاه ثم ظهر وجه يكللة شعر فضي تتميز خصلاته بالطول والنعومة .
سالها وقد تبدل صوته :من هذه ؟
فرمته كلير بنظرة عابسة ، ولم تجب .
وامتد بينهما صمت طويل قبل ان تبدا الفتاة بالتقدم نحوهما .
وكرر دنزل بلاك سؤاله ببطء : اهذه اختك ؟
فاضطرت الى الاجابة بصوت فاتر : نعم .
في الواقع ، كانت تتمنى لو ان لوسي لم تخرج في هذه اللحظة فهي تشعر نحوها بالحماية الشديدة .كما انها تتمتع بحدس قوي وحدسها ينبئها الان بان لقاء لوسي بدنزل بلاك لن تكون عواقبه حميدة . وقالت اخيرا املة ان يرحل :عمت مساء سيد بلاك .
لكنه لم يفعل بل لازم مكانه وهو يراقب لوسي تتقدم نحوهما ببطء وقد ارتسم على وجهه هدف معين . صرت كلير على اسنانها وهي تود ان تقرا افكاره .
ولما وصلت لوسي الى دائرة الضوء عند البوابة ، توقفت ثم ارتسمت على وجهها المستدير ابتسامة اضفت عليها الاشراق . ومع انها لم تكن قد تبرجت الا ان بشرتها بدت ناعمة صافية ورائعة . كانت بشرتها تماثل بشرة كلير الا ان الفرق بينهما شاسع . ولاغم ان كلير كانت تدرك ان سحرها يجذب الرجال الا ان لوسي تعتبر وبكل بساطة جميلة .
وبالاضافة الى ذلك تتمتع لوسي بتالق غامض ، يعود من جهة الى بشرتها البيضاء وشعرها الطويل الذهبي المتطاير حول وجهها ، وعينيها اللتين تفوقان عيني كلير زرقة ومن جهة اخرى الى طبيعتها التي تماثل طبيعة الاطفال براءة .
واحيانا يبدو لكلير ان لوسي لم تبلغ سن النضوج بعد ربما لان اسرتها افرطت في تدليلها ومع ذلك لم يكن هذا يهم لانها مفعمة بالحب والحنان وكما انها طيبة القلب وكريمة ولهذا كان القلق عليها غالبا مايتملك كلير فماذا لو جرحها رجل في يوم من الايام ؟ ولهذا غمرها شعور عظيم بالارتياح لما خطبت الى شاب عرفت كلير انه لن يدخل الحزن ابدا الى قلب اختها الصغيرة .
وما ان بلغت لويس مرمى سمعهما حتى هتفت :
يالها من سيارة رائعة ! انها من طراز اللمبورغيني .اليس كذلك ؟
واردفت بعد ان منحت دنزل نظرة ساحرة :
اهي لك ؟ مرحبا، انا لوسي اخت كلير نحن لم نتقابل قبلا صح ؟
فاجاب وقد لمعت حدقتاه السوداوان : صدقيني كنت لاتذكر ذلك .
واخذ اليد التي مدتها لوسي ثم انحنى ليطبع عليها قبلة فاطلقت لهاثا مفاجئا قبل ان يضحكا معا .
– انت لست فرنسيا اليس كذلك ؟
فضحك مجددا وقال :جدتي فرنسية ايؤخذ هذا في عين الاعتبار ؟
– بالطبع . لقد عرفت انك تبدوا فرنسيا .
عندها تمتم : ساقضي الليل باكمله هنا ، ان بدات اصف كيف تبدين .
فاحمرت وجنتا لوسي ثم قهقهت بحماس .
اما كلير فبدت غاضبة حتى احست باسنانها تؤلمها ومالبثت ان قالت لدنزل بلاك بضيق :
هيلين في عجلة من امرها اتذكر ؟
رمقها بنظرة جافة ثم اختلس النظر الى داخل السيارة وفي ذلك الوقت تقدمت هيلين الى النافذة وطرقت عليها بشدة وسرعان ما سمعها الجميع تنادي بنزق : دنزل! …..
فلوح لها من بعيد ثم نظر الى لوسي مبتسما وبريق عينيه القاتمتين لا يفارقه .
اخشى انني مضطر للذهاب وسارحل الى الولايات المتحدة غدا لامضي فيها شهرين لكنني ساعود وحينها سنلتقي مجددا.
ومالبث ان عاد الى سيارته فادار المحرك ثم انطلق مخلفا وراءه هدير ناعما .
وتمتمت لوسي حالمة :
ارايت هذه السيارة .. اليست رائعة ؟ وهو .. ماذا قال اسمه ؟ دنزل ماذا ؟ هذا اسم غير مالوف . فانا لم التق احدا بهذا الاسم من قبل اهو رفيقك الجديد ياكلير ؟ لم تذكرية امامي قط ! كيف تخفي السر عني ؟ انه يماثل سيارته روعة . لم تقع عيناي على رجل مثلة ابدا. اين التقيت به. ولماذا هو . مع هيلين شيرارد ؟ اخبريني كل ماتعرفينه عنه .
– هو ليس صديقي بل مجرد زبون وانا بالكاد اعرفه.
حاولت كلير الا تفقد اعصابها لكن صوتها بدا قاسيا مما دفع لوسي الى التحديق فيها بغرابة فمن غير المالوف ان تظهر كلير مثل هذا الانفعال وسرعان ما سالتها بارتياب : ما لا امر ؟
فاجابت كلير :انسي ذلك ودعينا ندخل الى البيت فالجو بارد .
وتقدمت الى الامام وهي تسرع الخطى .
في الواقع لم تعجبها قط الطريقة التي نظر بها دنزل بلاك الى لوسي وكانها واحدة من ممتلكاته ومع انها بالكاد تعرف الرجل الا انها لم تعجب به او تثق فيه اطلاقا ورغم املها في الحصول على حصتها من الارباح بعد اتمام الصفقة وبيع البحيرة السوداء الا انها تمنت ان يرفض المالك عرض دنزل بلاك عندئذ قد يرحل بعيدا ويعيش في مكان اخر فلا تضطر هي الى القلق عما يحدث لاختها في لقائهما المقبل .انتهى الفصل الاول

 

2- لن اكون ضحيته!

لكن المالك قبل عرض دنزل بلاك في الحال . ولما سمع والد كلير هذه الاخبار هتف :
سنتخلص اخيرا من هذ الملكية التي لاقيمة لها!
ثم رمى ابنته بنظرة لاذعة : لايبدو عليك السرور المفرط ! اتظنين ان المشتري لن يتمكن من الدفع ؟
فاجابت بتهكم : كلا .
ولم تكلف نفسها عناء الشرح بل توجهت الى الهاتف لتخابر هيلين شيرارد .
فردت هيلين بصوت خافت يفتقر الى الحيوية ، هذا اذا تجاهلنا فرحها بالخبر :
هذا رائع ! ساشرف على ارسال العربون حالا ثم اباشر بالاجراءات .
– الا يتضمن العرض وجود تقرير مسح اراض ؟
وكان من الغريب فعلا الا يذكر دنزل بلاك كلمة عن ضرورة احضار ماسح اراضي ليلقي نظرة على المنزل .
– كلا لقد اكد دنزل انه سيشتريه مهما كانت حالته وعلى كل حال سيقوم باجراء العديد من الاصلاحات وقد اخذ ذلك بعين الاعتبار في العرض الذي قدمه.
فتمتمت كلير : لقد عقد صفقه رابحة فعلا .
في الواقع كانت تتمنى لو يبدي اعتراضات عساها تقنع زبونها بالاحجام عن البيع مع ان ذلك سيلحق بها الخسارة . الا انها لاتتصرف دوما على هذه الصورة الحمقاء .
– ان كان يدفع نقدا فلن يكون من الصعب اتمام الصفقة.
فردت هيلين :
انا متاكدة من اننا لن نواجه صعوبات وساقوم بمسح الارض بنفسي اثباتا لسند الملكية .
وما ان انهت جملتها حتى تنهدت بصوت مسموع مما دفع بكلير الى القول :
تبدين متعبة جدا ياهيلين .. اترهقين نفسك في العمل ؟
-ليس تماما لكن العمل يصيبني يالملل ومهنتي كما تعلمين ليست مثيرة الى هذا الحد كما انني افتقد دنزل فمع انه لم يسافر الا منذ ايام قليلة الا انها تبدو لي اشهرا.
وفيما كانت كلير تصغي اليها راحت تعبث بالختم الموجود فوق المكتب بعبوس :
والى متى سيبقى في الخارج ؟
– اه سيتغيب شهرين على الاقل وهو يرجو ان يعود في عيد الميلاد . لكن يبدو انه غير متاكد من ذلك.
فاجابت كلير بلا مبالاة :
ياللاسف .. حسنا دعيني احصل على العربون ، وساترك زبوني يتصل بمحاميه ايضا الى اللقاء ياهيلين اتوقع ان اكلمك قريبا .
وبعد يومين تقريبا التقت هيلين في هاي ستريت وصعقت لشحوب وجهها :
– لقد فقدت الكثير من الوزن ياهيلين اظن يجدر بك زيارة طبيب ! فلا بد انك مريضة .
فهتفت هيلين بحدة : بالله عليك ، لا داعي لكل هذا القلق فانت تبدين كامي !
فقهقهت كلير وسالتها بتشدق : اسفة .. هل سر السيد بلاك بقبول عرضه ؟
وهنا بدت ملامح هيلين اكثر حدة : نعم هل رايت صورته في صحف الاحد ؟
فاجابت كلير : انا لا اطالعها ابدا في الواقع لا املك القوة اللازمة لاقوم باي عمل صباح الاحد الا النوم حتى ساعة متاخرة اكانت صورته في الصحف حقا ؟
– لقد نال جائزة او ماشابه فنشرت صورة كبيرة له مع نجمة الفيلم. وهي ممثلة بارعة مثلت في العديد من المسرحيات في برودواي قبل ان تدخل مضمار السينما وهي تتميز بشعر اسود ووجه ساحر . اظن ان اسمها ديردر او شيء من هذا القبيل وهي نصف مكسيكية ونصف ايرلندية.
فقالت كلير بعبوس : ياله من مزيج ! ومع ذلك عرفت من تقصدين . انها لا تدعى ديردر بل بيلا . لقد شاهدت فيلمها الاخير عن مصاصي الدماء ، وهو لاباس به ان اردت رايي ! لكن المشاهد الاباحية كادت تحرق الشريط السينمائي الذي صورت عليه.
ردت هيلين وهي تبتسم بشحوب : نعم هي من اقصد وهذا فيلم دنزل الاخير .
فاتسعت عينا كلير اندهاشا : انت تمزحين ! هو من اخرج هذا الفيلم ؟
وسرعان ما انطبعت في ذهنها فكرة جديدة عن دنزل بلاك فهي لم تر مشاهد حميمية بهذه الحرارة من قبل .
ثم قالت هيلين بصوت اجش ووجها يكاد يقارب لون الورقة بياضا :
ومن خلال مااكدته الصحف هذا الاحد فان علاقة تربطة بتلك البيلا!
وما ان فرغت من كلامها حتى استدارت وابتعدت وفجاة توقفت واذا بها تترنح قبل ان تنهار ارضا . اما كلير فلم تستطيع ان تمسكها وقبل ان تدرك مايحدث مالت هيلين جانبا وصدمت راسها بعمود كهربائي .
عفوا لايمكن عرض الرابط الا بعد التسجيل
وبالطبع سرعان ماتجمع حشد من الناس فركعت كلير بجانبها بقلق وهي تنظر الى الوجه الشاحب والشعر الاسمر الاحمر الكثيف :
– هيلين ؟ هيلين ، هل انت بخير ؟
وصدح صوت من الحشد : لقد اغمي عليها .
واكد صوت اخر : لقد صدمت راسها ورايتها تفعل ذلك عمدا وهي على الارجح ثملة كما بدا لي .
– اطلبوا سيارة اسعاف فعلينا ان ننقلها الى المتسشفى. ”
وتقدم بائع قائلا : لقد فعلت ذلك وستصل السيارة بين لحظة واخرى .
وبدات اهداب هيلين ترف واخذت تطلق تنهيدات من بين شفتين تماثلان وجهها بياضا وتناهت الى مسامع كلير الكلمة التي تفوهت بها هيلين وكادت تجزم انها قالت : دنزل..
لم تعرف كلير هل تاسف لاجلها ام تغضب منها او ربما يجدر بها ان تغضب من دنزل بلاك وما لبثت ان فكرت وهي تنظر الى المراة الاخرى بكابة ، ان اي امراة تصل الى هذا الحال بسبب رجل تستحق صفعه قوية .
وسرعان ماوصلت سيارة الاسعاف ، وقد ارتفع صوت صفارتها عندئذ تفرق الحشد ليفسحوا المجال للمسعفين . ولما وصلوا الى المصابة تفحصوها وسالوا : ماذا جرى ؟
فارتفع لغط عظيم من الاصوات وما كان من كلير الا ان شقت طريقها عبر الناس ببرودة وفعالية وتولت الشرح :
لقد اصيبت باغماء وارتطم راسها بهذا العمود الكهربائي فيما كانت تقع .
خمدت الاصوات وراح الجميع يحدق فيها . وبما انها معروفة في البلدة لم يحاول احد ان يجادلها في هذا المكان العام لكن تناهت اليها بعض التعليقات الهامسة التي ردت حالة هيلين الى الثمل .
ورافقت هيلين الى المستشفى ثم اتصلت بوالدتها من غرفة الانتظار :
ستبقى في المستشفى هذه الليلة فالاطباء يريدون اجراء بعض الفحوصات ويحتمل ان تكون مصابة بفقر الدم اذ يبدو ان الكريات الحمراء في دمها منخفضة وكذلك ضغط دمها .
بدت ام هيلين مرتعبة وهي امراه حساسة وتنفعل بسهولة وكان يخيل لكلير احيانا انها مازالت تبكي زوجها الذي توفي منذ حوالي السنتين . ولهذا تراها في معظم الاحيان ترتدي ملابس سوداء او رمادية والدموع لا تفارق عينيها .
– اه ، لا , اتظنين … ايظنون انها .. ؟ كما تعلمين ، توفي والدها متاثرا بداء السرطان ….
ثم توقفت عن الكلام وقد غلبتها الدموع : كلير اذا اصاب هيلين مكروه في الواقع .. انا شديدة القلق عليها ففي الاونه الاخيرة كانت شديدة الشحوب ولا حيوية فيها اطلاقا . وهذا ماحدث لابيها . لطالما كان الروح التي تنبض في المكان ، وتبعث الحيوية فيه على اي حال انت يا كلير تذكرين حالها قبل الطلاق ! اعرف انكما لم تكونا صديقتين مقربتين غير انك عرفت هيلين منذ سنوات وتعرفين انها انسانة مرحة لكنها بدات تذبل في الشهرين الماضيين ولم يستطع الطبيب ان يتكهن مابها .
ومضت في عيني كلير الزرقاوين شرارة جليدية فهي تعرف تمام المعرفة ماذا حدث لهيلين مؤخرا وتعلم ايضا ان ما من طبيب يمكن ان يداوي جرحها وسرعان ما سالت جويس :هلا اتصلت ببول واعلمته بمرضها ؟
– بول ؟ اتظنين انه يجدر بي اعلامه ؟ فعلى اي حال لقد تطلقا واعتقد انه التقى امراة اخرى الان.
-لكنهما كانا متزوجين لفترة طويلة ، وانا متاكدة من انه سيقلق بشانها.
فتلعثمت جويس:
اه .. كلير , انا .. كلير ، هلا فعلت ؟ سيكون من الاسهل لو اتصلت به انت . اعني لا احب ان اتدخل .. فهيلين لن تسر بذلك وقد تغضب مني حتى ..
فتنهدت كلير : لكني بالكاد اعرفه ياجويس!
– ارجوك كلير هلا اتصلت به ؟
استسلمت كلير وقد تهجم وجهها ثم اتصلت ببول شرارد في فندقة ، فاجابتها سكرتيرته بلهاث وقد بدت شابة مغناجة : مكتب الاستاذ شيرارد اه الانسة سامر ؟ هل الامر ضروري ؟ في الواقع لا اعرف ان كان .. ساتحقق ان كان متفرغا.
وبعد برهة ارتفع صوت بول : صباح الخير ياكلير ، كيف حالك ؟
-بخير بول لكنني اتصل من المستشفى حيث ستبقى هيلين حتى صباح الغد . وقد يكون مرضها خطيرا فالاطباء غير متاكدين بعد .. واعتقدت انه يجدر بي اخبارك .
فاجاب بجفاء : ماذا تعنين بان مرضها خطير ؟ مابالها ؟
– ليست لدي ادنى فكرة يابول لكن حالتها تبدو رهيبة وفكرت فقط في ان اخبرك . كانت امها في غاية القلق لما اخبرتها كم اتمنى ان يصارحني الاطباء هنا بالحقيقة لكنهم لم يورطوا انفسهم بتشخيص.
– الن يفعلو ؟ سنرى بشان ذلك .ساكون عندك في غضون نصف ساعة.
وما ان انهى كلامه حتى اغلق السماعة .
في ذلك الوقت ، انتظرت كلير في المستشفى حتى وصل بول ووالدة هيلين في الوقت نفسه تقريبا ومن ثم توجهت الى المكتب المقفل منذ الصباح .

 

لاحقا اتصلت بالمستشفى تسال عن حال هيلين ، لكنها لم تتلق اي مستجدات باستثناء ان الخطر قد زال عن المريضة التي استعادت وعيها ، وستلازم غرفتها لايام عدة . فارسلت لها كلير باقة ازهار مرفقة ببطاقة تتمنى لها فيها الشفاء العاجل . وفي عصر اليوم التالي زارتها فوجدتها تستند الى وسائد مكدسة وهي ماتزال شاحبة فاترة الهمة. ومالبثت ان تمتمت : يقول الاطباء ان بوسعي مغادرة المستشفى في نهاية الاسبوع . بعد ان اجروا الفحوصات شخصوا انني مصابة بفقر الدم .
ثم اردفت ضاحكة : ساضطر الى شرب الدماء كما دراكولا .
لكن كلير لم تضحك فقد راعها منظر هيلين من الظلال السوداء تحت عينيها الى اناملها الضعيفة واظافرها المتكسرة .لكن حمدا لله ان المرض لا يتعدى فقر الدم مما سيزيل حملا ثقيلا عن كاهل السيدة ستور . الا ان كلير لم تنس نظرة الالم في عيني هيلين وهي تتحدث عن دنزل بلاك وممثلته المثيرة .
وعرفت ان هذا الرجل سبب المشاكل ، ومالبثت ان قالت كاذبة : تبدين بحال افضل .
فاشرقت اسارير هيلين وقالت : اتعتقدين ذلك ؟ وفقا للاطباء ، لا يجدر بي ان اعود للعمل ، بل علي ان ارتاح لاسابيع عدة لذلك فكرت في ان الازم منزل اخي لكن بول ينصحني بالسفر بعد الميلاد وبما انه مسافر الى مايوركا الى الشقة التي نملكها هناك فقد اقترح علي مرافقته .
وعلا احمرار طفيف وجنتيها ثم نظرت الى كلير بتحد قبل ان تشيح بوجهها بعيدا واردفت :
في الواقع كنا متزوجين لسنوات ولن يجد احد الامر غريبا . فاجابت كلير :بالطبع لا . واظنها فكرة رائعة .
ثم منحت هيلين ابتسامة دافئة وفكرت في ان بول لو اصطحبها بعيدا ستنسى دنزل بلاك وقد تفكر في الارتباط مجددا بزوجها والى الابد وليس اثناء عطلة الميلاد فقط .
ثم قالت هيلين وقد ازداد توردها :
اة وبالمناسبة جوني برتشارد هو من يتولى مسالة البحيرةالسوداء الان .
فردت كلير بهدوء : لست قلقة بشان هذا . فما زال امامنا وقت .
عندئذ هتفت هيلين وقد اصيبت بصدمة: اه ، لا ، فدنزل على عجلة من امره .
– دعك منه الان وانتبهي الى نفسك وحسب وعلى مدى الاسابيع التالية انشغلت كلير بما يفوق العادة وبدا هذا غير مالوف فالناس لا يقبلون على شراء المنازل في الشتاء .
لكن كلير شهدت شتاء حافلا بالاعمال هذه المرة فقد قامت شركة ببناء بنايات ضخمة تضم شققا فخمة تطل على الميناء ولما عجزت عن بيع معظمها لجات الى تاجيرها عوض ان تتركها خالية فكلفت كلير بالعثور على مستاجرين مما دفعها الى قضاء الوقت برفقة اي زبون مهتم بالامر في جولات حول المكان واتفاقات حول الايجار . وبما انها امضت معظم الوقت خارج المكتب فقد عاد والدها ليساعدها قليلا لكن ورغم ذلك يبقى عليها اعداد العديد من التقارير .
وفي احدى امسيات شهر تشرين الثاني كانت تجلس الى مكتبها منكبة على العمل في وقت اغلقت فيه كل المتاجر الاخرى ، حين رن جرس الهاتف فجاة .
فاجابت بتافف : الو ؟
– تبدين حادة الطباع.
احست بتيار كهربائي يسري فيها لكنها تظاهرت بانها لم تعرف صاحب الصوت واجابت ببرودة :من المتكلم ؟
فضحك حتى على الاحمرار في خديها ثم قال :
اسمعي سارسل فريقا من الرجال الى البحيرة السوداء وسيقدمون لي توصيات تتعلق بكيفية تجديد المكان من دون القضاء على روحة القديمة فهلا ارسلت لهم المفاتيح اليوم ؟ مهندسي هو برنارد اتكنز وسيتصل بك هذا الاسبوع .
– حسنا لكن لايمكنك ان تحدث اي تغيير في المنزل قبل ان تمتلكه فعلا .
– اعلم ذلك وكم تحتاجين من الوقت قبل ان يصبح العقد جاهزا للتوقيع ؟
– سيحتاج هذا لاسبوع او اثنين .
ثم توقفت قليلا قبل ان تجيب بصوت اكثر برودة من ذي قبل : اتوقع انك عرفت بمرض هيلين ؟
– نعم لقد تلقيت منها رسالة تفسير وان عدت قبل ان ترحل الى مايوركا فاتفقدها حتما .
فسارعت تجيب : لن افعل ذلك لو كنت مكانك فهي تحتاج الى الراحة الكاملة ولا يمكنها ان تستقبل زوارا. عندها تغير صوته واضحى ناعما حتى اقشعر بدن كلير : لكنها سترغب برؤيتي .
عضت على شفتيها وردت: قد ترغب في ذلك لكن لن يكون ذلك لصالحها .
فاردف وقد زداد صوته نعومة :انت لاتحبييني كثيرا اليس كذلك يا انسة سامر ؟
– انا لا اعرفك لدرجة تسمح لي بتكوين ولو راي بسيط عنك .
فتمتم : حين اعود ساحرص على ان نغير ذلك .
فما كان منها الا ان هتفت : علي ان انهي المكالمة ياسيد بلاك . فاخشى انني مشغولة جدا لكنني ساتاكد من حصول المهندس على المفاتيح مع السلامة .
وبسرعه اغلقت كلير السماعة قبل ان يضيف كلمة اخرى ثم بقيت تحدق في الشارع المظلم الخالي ونبضها يخفق في حنجرتها بشدة وضعت يدها على عنقها بعصبية ، ولما ضغطت على بشرتها احست بالدم يتجمع تحت ضغط اناملها.
ومالبثت ان اخفضت يدها وهي تذكر نفسها بغضب انه من الضروري الا ينال منها هذا الرجل لاسيما انه الان في الناحية الاخرى من المحيط الاطلسي وسيبقى هناك لمدة طويلة كما ترجو لكن . في حال عاد فلا نية لها بتعزيز اواصر المعرفة بينهما ابدا .
وبعد مضي ساعة عادت الى البيت ولم تفاجا اذ وجدت ان احدا لم يقم باعداد الطعام بعد وقد جرت العادة ان توزع الادوار بين افراد العائلة لكن مع الوقت صارت كلير تعده لسبب او لاخر فوالد كلير يتكفل بشراء الحاجيات الا انه لا يهوى الطبخ ولايعد الى ذلك طاهيا ماهرا وكذلك هي الحال بالنسبة للباقين ولطالما اعتقد روبن وجايمي ان الطبخ من مهمة الفتيات اما لوسي فتملك نية تحضير الطعام دائما الا انها غالبا ماتسافر مع احلام اليقظة وتنسى الامر
لم تكن لوسي في المنزل ذلك المساء بل وصلت فى منتصف العشاء ثم هتفت بسعادة وهي تجلس في مقعدها المعتاد وتملا طبقها من وسط المائدة : اه رائع ! سجق وبصل .
فانبها والدها : كان من المفروض ان تعدي الطعام هذا المساء يا لوسي!
بدات لوسي تئن : اه لا .. عرفت انني نسيت امرا ما .. من طبخ اذا .
فتساءل والدها بسخرية وهو يرمقها بنظرة اتهامية : ومن تظنين ؟
– انا اسفة ياكلير لقد نسيت حقا ! بل غاب عن ذهني تماما ! سانوب عنك ما ان يحين دورك ثانية فمتى يقع هذا ؟
– غدا .
– حسنا لن انسى .
ثم نظرت الى صحنها واردفت :لم اتلق اي رسالة من مايك اليوم ايضا وها قد مضت عشرة ايام على رسالته الاخيرة ارجو الا يكون مريضا .
فسارعت كلير تجيب وهي تراقب اختها بقلق : بل لعلها مشاكل البريد .
كانت لوسي رقيقة وحساسة وتجرح بسهولة لذلك تنفست الاسرة الصعداء عندما التقت بمايك دانكن قبل سنة فيما كانت لاتزال في الجامعة اما مايك فكان يتابع دراسات عليا في الجامعة نفسها ويعد اطروحته فيها وهو يكبرها باربع سنين ، وقد اكتسب خبرة في عمله قبل ان يبدا باعداد الاطروحه . وسرعان مااحبته الاسرة بكاملها وسرت لما خطبت لوسي اليه فهو شاب هاديء ومثابر ومحب . لكنه مالبث ان تلقى عرضا للعمل في افريقيا لسنة واحدة كاستاذ في دار المعلمين هناك .فاصر على تاجيل الزواج حتى عودته , وافقت العائلة باكملها مجددا مع ان كلير ظلت تشك في دوافعه من حين الى اخر . ومع ان لوسي مازالت شابة والسنة سرعان ماتنقضي ، الا ان كلير ادركت ان غياب مايك بات يقض مضجع اختها .
مضى على سفره ستة اشهر ومن المفترض ان يعود في الربيع استعدادا للزواج . وخلال هذه المدة واظب على بعث الرسائل الخطية والتسجيلية ايضا لكن الاوراق لا تماثل وجوده الى جانبها لذلك احست لوسي بالوحدة والملل غالبا .
ومالبثت ان تمتمت وهي تتصنع ضحكة لم يصدقها احد : لا باس ما دام لا يقابل فتاة اخرى!
فتبادلت كلير ووالدها النظرات لكن ايا منهما لم يتفوه بكلمة ومع ذلك تكهنا بما يشغل بال كل منهما فماذا لو صحت مخاوف لوسي ؟ وانباهما الارتعاش في شفتيها بالجرح العظيم الذي قد يحدثه فيها ذلك . وهتف جايمي وهو لايبالي الا بنفسه : هل لي بحلوى الشوكولا ؟ بالمناسبة ، اقلت لكم ماذا اريد كهدية للميلاد ؟ لذا اعددت لائحة ، توفير لوقتكم ولمساعدتكم .
– لا تاتي على ذكر الميلاد حتى. ومالبثت كلير ان اطلقت تنهيدة عالية وهي تتذكر كل العمل الذي يستوجبة موسم الاعياد عليها ان تعد لائحة بمهماتها ولكن في الوقت الحالي ارادت ان ترجئ فكرة الميلاد حتى تعتاد عليها .
ثم امر جورج سامر ابنه الاصغر : كل الحلوى ثم ساعد في تنظيف المائدة.
وراحت كلير تراقب جايمي يضيف حصة جديدة من الشوكولا ، وذهنها غائب عنه كليا في الحقيقة كانت تفكر في دنزل بلاك .. سيتطلب منه تجديد البحيرة السوداء اشهرا عديدة فهل سيقيم في امريكا في غضون ذلك ؟ لا بد انه تلقى عروض عمل عدة بعد نيله تلك الجائزة . وهي تذكر انه غادر امريكا لان احدا لم يكلفه بفيلم جديد . فماذا لو تغير ذلك الان ؟ حينها لن يضطر الى الانتقال الى هنا مجددا ولعله سيبيع المنزل ما ان يجددة .
احست بنبضها يثب مجددا ، فشعرت بالانزعاج وعضت شفتيها . بما انها غير معجبة بالرجل ، لم تراها تحفل به ؟ وسرعان ماظهرت بوادر كانون الاول فهبت رياح ثلجية من البحر الى البلدة ،فاكتست هذه منظرا رماديا كئيبا وقد وقعت اسيرة سماء تكدست فيها غيوم سوداء تنبء بالمزيد من الثلج . واخيرا تلقت لوسي اخبارا من مايك . فوصلتها ثلاث رسائل دفعة واحدة بعد ان تاخرت في بريد افريقيا كالعادة في ذلك الوقت من السنة .
وفيما غمر الحماس والارتياح قلب لوسي ، ظلت كلير على قلقها فتقلبات مزاج اختها الجامح تزعجها ، لانها تدل على سرعة تاثرها . وتمنت كلير لو ان مايك يعود الى الوطن في وقت مبكر .
ومن بداية هذا الشهر ، اصبحت البحيرة السوداء ملكا لدنزل بلاك مما خلق هياجا في صحف لندن وشبكات التلفزة المحلية . وانطلاقا من ذلك ، اجتاح فرق تصوير وكالة كلير ، وحاول ان يقابلها ، لكنها طلبت منهم المغادرة ، بمنتهى البرودة ورفضت الاجابة عن اسئلتهم ورغم ذلك اذيع خبر عن الموضوع على التلفاز في ذلك المساء .
– لم لم تقابليهم ؟ فمن الروعة ان نراك على شاشة التلفاز!
فاجابت وقد رات موافقة ابيها واشمئزاز اخوتها :هذا يعد من اداب المهنة . فلا يجدر بي ان اتحدث عن زبائني .
واستطاعت كلير ان تودع قسما هاما من ارباحها في المصرف . في الواقع ، كانت ارباح الوكالة هذه السنة اوفر مما توقعت ، وبدت في الحالة المادية جيدة جدا . فقالت لابيها :
اظننا نستطيع ان نوظف احدا ليساعدني في المكتب على الاقل بدوام جزئي .
وافق ابوها قائلا: وحينها ترتاحين من العمل في المناسبات ، فانا اكره ان اراك متعبة بهذا الشكل .
هزت كتفيها بلا مبالاة واجابت : انا بخير .
– لا اريد ان ينتهي بك المطاف كالمسكينة هيلين شيرارد. فاجابت وعيناها الزرقاوان تنمان عن غضب عميق : لن يحدث ذلك فلا تقلق .
في الحقيقة ، يدفعها تعقلها الى الاحتراس من اي رجل ومنعة من اخضاعها لهذه التجربة ، لاسيما ان كان رجلا كدنزل بلاك .
في وقت لاحق من الاسبوع ، وقعت على مقال في الصحيفة عن النجمة التي مثلت في فيلم دنزل بلاك الاخير . كانت الصورة تبينها على نقالة ، في عيادة في لوس انجلوس ، وقيل انها تناولت جرعة مفرطة من الهيروين، حتى شارفت على الموت . ونقلا عن صديق مقرب تبدلت حالة الممثلة منذ انتهائها من تصوير فيلم دنزل بلاك .
واضاف الصديق : لايعود السبب الى المخدرات بل الى الحب فلم يرها كثيرا خلال الاشهر المنصرمة اما هو فقد انهى الفيلم وانهى معه علاقتهما مما جرح قلبها .
حدقت كلير في الصورة المبهمة ، وتراءى لها التعبير الماساوي على وجه الممثلة , وفي عينيها السوداوين الشبيهتين بالاشباح الم تبد هيلين على هذه الصورة مؤخرا ؟ ترى ماذا يفعل هذا الرجل في النساء اللواتي يغرمن به ؟
وفي عطلة نهاية الاسبوع ، استاجرت كلير الفيلم من متجر الافلام المحلي ، وشاهدته مرات عدة . سحرها الفيلم نفسه وجمال الممثلة ، وكان عليها ان تقر بمهارة دنزل في الاخراج ، فالتصوير جميل ، بل ساحر ومختلف عن اي فيلم شاهدته من قبل . اما المشاهد الحميمية ، فقد صورت برقة زادت جوها الحميمي . وقبل ان تخلد للنوم ، استلقت على السرير في الظلام وهي تفكر في الفيلم وفي دنزل بلاك . ولما شاهدت الفيلم ثانية ، استنتجت انه رجل ذكي ومعقد وخطير . وحين ارجعت الشريط الى صاحب المتجر ، سالته ان كان يملك افلاما اخرى لدنزل بلاك , فسلمها شريطا قضت الليلة التالية في مشاهدته ، مرات عدة ايضا . وبعد ذلك شاهدت كل افلامة في سلسلة سريعة ، وهي تحاول ان تكتشف شخصيته من خلال اسلوبه في الاخراج . وهي المرة الاولى التي تولي فيها مخرجا كل هذا الاهتمام ، او تحاول سبر اغواره من خلال نوعية العمل الذي يقدمة وادركت ان في افلامه ادلة موزعة هنا وهناك .
وفي عشية الميلاد ، اغلقت الوكالة مبكرا اي ما ان تجاوزت الساعة الرابعة بقليل . ثم شقت طريقها في الشوارع المكتظة بالمارة وراحت تسرق اللحظات الاخيرة بحثا عن هدايا الميلاد .
راحت تحدق في واجهة احد محال الملابس الداخلية الغالية الثمن ، حين احست بشخص يتوقف وراءها . ورفعت نظرها بشكل غريزي الى الواجهة الزجاجية لتشاهد صورة الغريب ، لكنها لم تر احد . واذا بصوت يرتفع من وراءها : مرحبا .
تصلبت ونظرت خلفها ، ولما عرفت ذلك الوجة سرت في جسمها قشعريرة باردة . وكيف لها الا تتعرف الى ذلك الشعر الاسود الناعم الذي يتدلى حتى الصدغ ، وهاتين العينين الرماديتين الثاقبتي النظر وهذا الفم القاسي .
وبقيت لثانية عاجزة عن الحركة لا بل مشلولة وكانها في كابوس تواجه خطرا تعجز الكلمات عن التعبير عنه ، وقد جمدها رعب كلي . وقفت تتفرس في هاتين العينين وهي تشعر ان قوة الارادة فيهما تكاد تحرقها .
وسالها بذلك الصوت الغامض العميق : لم تنسيني ، اليس كذلك ؟
في تلك اللحظة تمنت لو تستطيع ان تومئ براسها وتجيبه انها نسيته . لكنها لن تكون الا كذبة تعرف تمام المعرفة انه لن يصدقها .
على اي حال لم ينتظر اي اجابة بل تابع بهدوء : ماذا ستشترين ؟ القميص الابيض المحتشم ام ثوب النوم الفيكتوري الفضفاض الذي يزرر من الرقبة حتى القدمين ؟ فقد رايتك تنظرين اليهما . لماذا لا يدفعك الحماس مرة الى شراء ثوب مثير كهذا الثوب الاسود ؟ فباستطاعتي ان اتصورك فيه .
ثم ابتسم ابتسامة ساخرة عريضة زادتها ضيقا واحست بلون حارق يجتاح محياها .
طرفت عيناها ، وحاولت ان تتخلص من السحر الذي يطوقها فيما خفقات قلبها تزداد سرعة وانفاسها اضطرابا . وسرعان ما احست وكانها تستيقظ من سبات شتوي وبدا لها ان اعضاء جسدها كاملة اخذت تعمل تدريجيا بعدما توقفت مدة قصيرة .
وغمرها شعور قوي بالدوار ، جعلها تستشيط غضبا فردت عليه بحدة : لا اتسوق لنفسي ، بل ابتاع هدايا الميلاد!
لم تكن تثق ان باستطاعتها المحافظة على ادبها طيلة فترة حوارهما . ولذا كان عليها ان تبتعد عن التاثير الطاغي الذي يتملكها ما ان تقترب منه . وهكذا فعلت حتى كادت تصطدم بباب المتجر . فتبعها بدوره ، ورجلاه الطويلتان تسمحان له بمجاراتها من دون عجلة . ثم اضاف : لاختك الصغيرة الجميلة ؟
ولما سمعت انه مازال يذكر لوسي تملكها الاسف . وادركت باشمئزاز ان عليها ان تحول دون لقائه اختها مجددا . فاخر ماتريده هو ان يلحق الاذى بها لاسيما انها مازالت حساسة في الوقت الحالي . وقد يطيح هذا الرجل بعقلها ويجرحها كثيرا تماما كما فعل بهيلين والنجمة السينمائية . لكن كلير مستعدة لقتله ان هو اقدم على ايذا اختها .
توقفت عند باب المتجر وسالته :
انت لاتعيش في البحيرة السوداء اليس كذلك ؟ فقد سمعت ان البنائين باشروا عملهم قبل راس السنة.
فاجاب بجفاء :معلوماتك دقيقة جدا . من المدهش كم تنتشر الاشاعات في بلدة صغيرة . وبالحديث عن الاشاعات ، اود ان اشكرك لانك رفضت التحدث الى الصحافة . لقد اخبرني احد الصحافيين ويبدو ان اهتماماتهم قد خبت الان . ولكن ، في حال تعطشوا الى المزيد من المعلومات مجددا ساكون شاكرا لو حافظت على تكتمك . ففي الاشهر القليلة المقبلة ساكون مكبا على اعمالي ولا اريد ان اضيع الوقت مع وسائل الاعلام .
اومات ببرودة وقالت : افهم ذلك انما استنتج انك تلجا اليها حين تخدمك .
فاحتدت في عينيه نقطتين سوداوين واجاب : نعم ، فهي شر لابد منه .
– وبالحديث عن هذا عرفت من الصحافة انك فزت بجائزة عن فيلمك الاخير. .
كانت تنظر الى الاسفل في اثناء حديثها لكنها ظلت تراقبه من خلال اهدابها واردفت : اهنئك .
فراقبها هو الاخر وقد ضاقت عيناه وعلت السخرية محياه وقال : شكرا .
وازدادت كلير جراة في كلامها : من المؤسف ان نجمتك باتت متوعكة منذ انتهاء الفيلم!
واذا بها تلاحظ ملامح وجهه تشتد وفمه يقسو فيما عيناه الرماديتان يكسوهما الجليد ومالبث ان اشاح بوجهه بعيدا .
– من حسن حظي انني رايتك . فقد مررت بمكتبك منذ قليل ، املا ان تعثري لي على مكان اقيم فيه لستة اشهر او سنة ، بانتظار ان يجهز المنزل . تكفيني شقة ، اوحتى كوخ صغير.
فردت كلير باستمتاع : اخشى ان ما من مكان مناسب في سجلاتي في الوقت الحالي .لم لاتبحث على طول الشاطيء ، او ربما في نواحي يورك ؟
فرماها بنظرة قاسية وقال : احتاج الى السكن بالقرب من البحيرة السوداء طالما ان اعمال التجديد تجري هناك- عندئذ ابتسمت كلير ببرودة واجابت : حسنا ، اذا صادفت اي مكان فساعلمك . هل تقيم في فندق جيمي ستور مجددا .
ومضت عيناه :كلا ، اذا يبدو ان لاغرف شاغرة فيه . ففي الوقت الحالي، تقيم هيلين هناك ، ومامن غرف اضافية. لكنني اقيم هنا في البلدة.
بالكاد يعد هذا مفاجئا لاسيما بعدما سببه لهيلين !
فقالت والبرودة البارعة نفسها في صوتها ووجهها : انا متاكدة من انك ستكون مرتاحا تماماهناك ، والان علي ان اذهب الى اللقاء .

 
وفيما هي تستعد للذهاب ، تناهى اليها صوت لوسي ، فاحست بقلبها يقع كالحجر :
كلير، انتظري دقيقة ، كلير …
نظرت حولها وهي تعض شفتها ، واذا بلوسي تعبر الشارع ، وهي تتفادى السيارات بابواقها الصاخبة ، وتلتف حول حافلة ، راح سائقها يزعق فيها بغضب .
ولما وصلت اخيرا ، قالت بلهاث : انا محظوظة … لانني لمحتك … ايمكنك ان تقرضيني عشرة جنيهات ؟ لقد نفذت النقود مني ، ودفتر شيكاتي ليس بحوزتي ، لكني ساحرر لك شيكا ، ما ان نعود الى المنزل .
– حسنا .
وراحت كلير تبحث في سرعة في حقيبتها ، حتى وقعت على العملة المناسبة .
– اليك المال.
وان كانت تامل من السرعة ان تحول دون لقاء لوسي بدنزل بلاك ، فقد خاب املها . اذ رمقتة لوسي بنظرة مهذبة ، ثم عادت وتفرست فيه . وفجاة علا التورد وجنتيها :
انت السيد بلاك ، اليس كذلك ؟ مرحبا صرت اقرا عنك في الصحف بعد لقائنا في المرة الماضية . ولا اصدق انني لم اتعرف اليك حينها . لكن فكرة تواجد مخرج مشهور في غرينهاوي لاتصدق . فلم يخطر الامر في بالي ، كما ان كلير لم تتفوه بكلمة واحدة .
فتمتم وقد لوى فمه بسخرية : اختك امراة كتومة جدا .
ثم رمقها بنظرة جانبية تعمدت تجاهلها واضاف : وانا لا اود ان اثير اهتمام وسائل الاعلام في الوقت الحالي .
-لا طبعا . وافهمك جيدا .
وسالته بحماس : انت لا تعيش في البحيرة السوداء بعد ، اليس كذلك ؟
فاجابها : كلا ، لكني ابحث عن مكان اقيم فيه بصورة مؤقته في البلدة . فان كنت تعرفين مكانا ..
في البلدة ؟
وحاولت لوسي بجهد ان تفكر في اي اقتراح ، ثم اردفت :
اتقصد منزلا ؟ الاتستطيع كلير ان تعثر على منزل ؟
فرد :كلا ، للاسف .
وسرعان ما التمعت عينا لوسي وقالت :
وجدتها ! لي صديقة تملك منزلا ، وقد احالته شققا . وقد تكون احداها جاهزة للايجار في الوقت الحالي .اتريدني ان اسالها ان كانت مستعدة لاستقبالك ؟
ولما تاملته كلير، لاحظت انه لا يبدو متحمسا للفكرة .
وسالها ببطء : هل هذه الشقق مستقلة ؟ اعني ، الكل منها بابها الامامي ؟
– نعم ، وفي الواقع ، ليست الشقة كبيرة . بل تضم غرفة واسعة وحماما صغيرا.
ثم ابتسمت ابتسامة مشرقة واضافت :
ولكن في حال توافرت ، لن يضرك ان تلقي النظر عليها ، اليس كذلك ؟
فضحك واجاب لوسي : صحيح .
واجالت لوسي بصرها في الشارع العام :
ترى ، اين اجد الهاتف الاقرب ؟ قد اقع على واحد في مكتب البريد. ساتصل بجيني ، وان كانت الشقة شاغرة ، ساصطحبك اليها الان ، لتتفحص المكان . انتظرني هنا ، فلن اتاخر.
ولما اندفعت الى مكتب البريد ، قالت كلير بغضب :
لا اظنها فكرة جيدة . فهذا النوع من التسويات محفوف دائما بالمشاكل . فتمتم : اوافقك الراي ، لكنني لا اريد ان اقضي الاشهر المقبلة في فندق .وان لم يكن لديك حل افضل ، فقد اجدني مضطرا الى قبول عرض اختك . وبالمناسبة . هي تدخل البهجة الى القلب ، بالاضافة الى انها جميلة . احب وجنتيها ، وذلك الفم الممتلئ الواسع ، واحب جمالها المليء بالحيوية والنابض بالحياة.
وما كان من كلير الا ان عضت شفتها السفلى ، وقد غمرها فجاة شعور بالخوف على لوسي . فهي لا تريد ان تماثل نهايتها نهاية هيلين ، وتلك الممثلة المكسيكية الايرلندية ، فتمسي شاحبة ،وتفتقر للحيوية ، فيما حياتها حطام بحطام .
وتمتمت ببطء : بالطبع ، مازال امامك كوخي .
فحدق فيها وهو يرفع حاجبيه : ماذا ؟ ذلك الذي لاسقف له ؟
” لقد اصلحت السقف منذ اسابيع خلت . في الواقع ، انتهى معظم العمل الاساسي ، وجهزت المنزل بالتدفئة المركزية والاسلاك الكهربائية الجديدة.
بدا مندهشا وهو يسالها : اقمت بكل ذلك بنفسك ؟
فردت وقد فرغ صبرها : كلا ، لقد تلقيت مساعده من بناء اعرفه ، لقاء ثمن بخس ، نظرا الى انني دبرت له العديد من الاعمال . كما انعمت علي هذه السنة بارباح وفيرة ، واصبحت من الانشغال الى حد افتقرت فيه الى الوقت للعمل في الكوخ . لكن تم تجديد الديكور في بعض الغرف ، كما ان انابيب المياه صارت في حال سليمة .
فاجاب دنزل بلاك بنبرة تعكس تسلية واضحة :
الهذا لم يبادر البناء العمل في البحيرة السوداء ؟ الانه منشغل بالعمل لحسابك ؟
– لكنه ليس البناء نفسه . فالرجل الذي استخدمه لا يطالب باجر مرتفع . وهو يعمل مع اخيه ، وعلى الارجح لن يتمكن من تولي امر مشروع بحجم البحيرة السوداء ، فقد يستلزم ذلك منه سنوات .
– حسنا هل استطيع ان ارى كوخك ؟ الان ؟
– الان ؟ لكن الوقت متاخر والظلام يكاد يحل . اخشى ان عليك الانتظار حتى مابعد عطلة الميلاد .
– لكنني لا اريد الانتظار . اصحبيني الى هناك الان. – – لا استطيع..
وقبل ان تكمل جملتها ، رات لوسي تسرع نحوهما فقالت في عجلة :
لاتقل لاختي انك ستستخدم منزلي ، فانا … لا اريدها ان تعرف …وذلك .. لاسباب خاصة لا استطيع مناقشتها .
واحست بعيني دنزل بلاك الرماديتين الثاقبتين تحرقانها ، وتقران الافكار في عينيها ، فاشاحت بوجهها المتوهج . في الواقع ، لم تكن تريده ان يخبر لوسي خوفا من ان تعرف مكانه ، فتزوره كلما خطر لها ذلك . بل ارادت ان تبعد دنزل بلاك عن طريق لوسي قدر استطاعتها .
اجابها بنعومة : لن اخبرها ، ان رافقتني لرؤية الكوخ الليلة .
فاحست انها تريد صفعه وهتفت : هذا مستحيل ! عندها ، هزكتفيه استهجانا وقال : بالطبع ، المساله تتعلق بك ، اذا ، هل اخبر لوسي ؟
ونظرت اليه والشرر يتطاير من عينيها : هل تقوم بابتزازي ؟
فالتمعت عيناه بتسلية لا اثر للندم فيها :
اذا شئت . ففي عالمي ، تتعلمين ان تستعملي الاسلحة المتوفره كلها . انت تملكين ما اريده ، وفهمت انك لاتريدين ان تكتشف اختك مخططاتك لسبب معين ، لن اتكهن به الان . وكل ماعرضه عليك هو صفقة ، فما ردك ؟
باتت لوسي على بعد خطوات فقط ، لذا كان على كلير ان تفكر بسرعة وفي النهاية اومات ، ووجهها تكسوه حمرة الغضب . حسنا . اوافق على هذه الصفقة .
– اذا .مري بي بعد ساعة.
وقبل ان تتمكن من الرفض ، اقبلت لوسي لاهثة :
كانت ردة فعل جيني عنيفة , واخبرتني ان تحضر اليها توا . هناك شقتان شاغرتان ، ولكنهما في الطابق الاعلى ، يمكنك ان تحصل عليهما معا ، او على واحده منهما فقط . ولكن اخشى ان مامن مصعد ، وواضح ان السلالم كثيرة…
راته كلير يعبس بشدة ثم يهز راسه :
السلالم كثيرة ؟ كلا ، اخشى ان لامجال لاستئجار الشقة اذا . ولكنني اشكرك لتكبد كل هذا العناء يالوسي ، واجدني مضطرالى الرفض . على اي حال ، لاتقلقي ساجد مكانا اخر . والان علي الذهاب . اراكما لاحقا ، من دون شك .
وقبل ان تستوعب لوسي ماحدث ، كان قد رحل ، فالتفتت الى كلير بخيبة امل :
اه ، يالهي ، ستحزن جيني بشدة لانه لن ياتي . فقد كانت متحمسة جدا ، نظرا الى انها تهوى الافلام ، وتعتقد انه مخرج . ولما اتصلت بها ، اخبرتني انها ستجهز المكان .
– اذا من الافضل ان تتصلي بها مجددا ، لتوفر على نفسها هذه المشقة .
فتنهدت لوسي بعمق وقالت : نعم ، يجدر بي ذلك .
وفيما كانت لوسي تعود ادراجها الى مكتب البريد ، هتفت كلير : اراك بعد قليل .
ثم ذهبت في الاتجاه المعاكس . كان عليها ان تستقل سيارتها وتترك المنزل قبل ان تعود اليه لوسي ، والا اضطرت الى الاجابة عن اسئلة ليس في نيتها ان تجيب عليها. فما كان منها الا ان مشت سريعا ، وهي تقطب جبينها بغضب .
انها ملزمة بتاجير الكوخ ، كي يقيم فيه دنزل بلاك فترة له ان يحدد مدتها . وهذا اخر ماتتمناه . ولكنه بطريقة او باخرى ، احبط مناورتها . واحست كلير انه غالبا ما ينجح في مساعيه . لكنها في المستقبل ستراقبه عن كثب ، ولن تجعله يلحق بها الخسارة مجددا .
انتهى الفصل الثانى

 

  • رواية البحيرة السوداء الفصل 9
  • البحيرة السوداء
  • منشست ينيت اكبرن كرر
السابق
التوتر ليلة الدخلة
التالي
التقابض الحكمي عن طريق الهاتف