افضل مواضيع جميلة بالصور

تعليق الطلاق على شرط الموت

 


باب تعليق الطلاق بالشروط

قوله: «تعليق الطلاق بالشرط» يعني ترتيبه على شيء حاصل، او غير حاصل، اي: يحصل في المستقبل بان او احدى اخواتها، فاذا قال: ان كنت كلمت زيدا فانت طالق، هذا على شيء حاصل، واذا قال: ان كلمت زيدا فانت طالق، فهذا على شيء غير حاصل، يعني علق طلاقه اما على شيء كان، واما على شيء يكون.
وتعليق الطلاق بالشروط هل هو معتبر او لاغ؟ يقول بعض العلماء: انه لاغ، وان الطلاق المعلق بالشرط واقع في الحال، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد» [(72)]، ولم يات الطلاق معلقا، لا في القران، ولا في السنة، وعلى هذا فاذا علقه وقع في الحال، والغي الشرط.
ولو قال قائل بعكس ذلك؛ اي: انه لا يقع ابدا بناء على حديث: «من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد» لكان له وجه، والفرق بين هذا القول والقول الاول ان القول الاول يلغي الشرط فقط، وهذا يلغي الجملة كلها.
لكن اكثر العلماء يرون ان تعليق الطلاق بالشروط صحيح؛ لعموم الحديث: «المسلمون على شروطهم الا شرطا احل حراما او حرم حلالا» [(73)]، وهذا وان كان فيه شيء من الضعف، لكنه فيما يظهر مجمع على معناه في الجملة، وهو قول الجمهور وهو الصحيح.
واعلم ان تعليق الطلاق بالشروط ينقسم الى ثلاثة اقسام:
الاول : ان يكون شرطا محضا فيقع به الطلاق بكل حال.
الثاني : ان يكون يمينا محضا فلا يقع به الطلاق، وفيه كفارة يمين.
الثالث : ان يكون محتملا الشرط المحض واليمين المحض، فهذا يرجع فيه الى نية المعلق.
وهذا هو الصحيح في هذه المسالة وهو الذي تقتضيه الادلة، وهو اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله، اما المذهب فانهم يجعلون تعليق الطلاق بالشروط تعليقا محضا بدون تفصيل.
مثال التعليق المحض ان يقول: اذا غربت الشمس فانت طالق، فاذا غربت طلقت؛ لانه علقه على شرط محض.
ومثال اليمين المحض: ان يقول: ان كلمت زيدا فامراتي طالق، وهو يقصد الامتناع من تكليم زيد، فهذا يمين محض؛ لانه لا علاقة بين كلامه زيدا وتطليقه امراته.
مثال ما كان محتملا للامرين: ان يقول لزوجته: ان خرجت من البيت فانت طالق، فيحتمل انه اراد الشرط، بمعنى ان امراته اذا خرجت طابت نفسه منها، ووقع عليها طلاقه، وحينئذ يكون مريدا للطلاق؛ فاذا خرجت من البيت طلقت، فكانه يقول: اذا خرجت من البيت اصبحت امراة غير مرغوب فيك عندي، فانا اكرهك، فحينئذ يقع الطلاق؛ لانه شرط محض.
الاحتمال الثاني: ان لا يكون قصده ايقاع الطلاق، بل هو راغب في زوجته ولو خرجت، ولا يريد طلاقها، لكنه اراد بهذا ان يمنعها من الخروج، فعلقه على طلاقها تهديدا، فاذا خرجت في هذه الحال فانها لا تطلق؛ لان هذا يراد به اليمين، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى» [(74)]، وجعل الله عز وجل التحريم يمينا؛ لان المحرم يريد المنع او الامتناع من الشيء، فدل هذا على ان ما قصد به الامتناع وان لم يكن بصيغة القسم فان حكمه حكم اليمين.
واعلم انه لم يرد عن الصحابة رضي الله عنهم شيء في حكم الحلف بالطلاق؛ لانه غير موجود في عصرهم، لكن ورد عنهم الحلف بالنذر، بان يقول الانسان: لله علي نذر ان لا البس هذا الثوب، او يقول: ان لبست هذا الثوب فلله علي نذر ان اصوم سنة، وهذا النذر عند الصحابة جعلوا حكمه حكم اليمين، فاذا كانوا جعلوا النذر الذي يقصد به المنع حكمه حكم اليمين، مع ان الوفاء بالنذر واجب، فلان يجعلوا الطلاق الذي هو مكروه حكمه حكم اليمين اذا قصد به المنع من باب اولى، وهذا قياس بعدم الفارق فهو من القياس الجلي؛ لان القياس الجلي هو الذي نص على علته، او ثبتت علته باجماع او قطع فيه بنفي الفارق.
مسالة: اذا علق طلاق امراته على شرط، فهل له ان ينقضه قبل وقوع الشرط او لا؟ مثاله: ان يقول لزوجته: ان ذهبت الى بيت اهلك فانت طالق، يريد الطلاق لا اليمين، ثم بدا له ان يتنازل عن هذا، فهل له ان يتنازل او لا؟
الجمهور يقولون: لا يمكن ان يتنازل؛ لانه اخرج الطلاق من فيه على هذا الشرط، فلزم كما لو كان الطلاق منجزا.
وشيخ الاسلام يقول: ان هذا حق له فاذا اسقطه فلا حرج؛ لان الانسان قد يبدو له ان ذهاب امراته الى اهلها يفسدها عليه، فيقول لها: ان ذهبت الى اهلك فانت طالق، ثم يتراجع ويسقط هذا.
ولكن اذا علقه على شرط بناء على سبب تبين عدمه، فهل يعتبر الشرط او يلغو؟ مثال ذلك: اذا قال لزوجته: ان ذهبت الى اهلك فانت طالق، ظنا منه ان اهلها قد ركبوا دشا وانهم عاكفون عليه، فخشي على امراته فقال ذلك، ثم تبين ان اهلها لم يركبوه، فهل تطلق اذا ذهبت اليهم؟ لا تطلق؛ لانه قال ذلك بناء على سبب تبين عدمه، فلا حرج ان تذهب.

لا يصح الا من زوج ………………………..
قوله: «لا يصح الا من زوج» لا يصح تعليق الطلاق الا من زوج؛ لان غير الزوج لا يملك ابتداء الطلاق، فلا يملك تعليقه، وكيف يعلق طلاق امراة لم يتزوجها؟! وقال الله عز وجل : {{ياايها الذين امنوا اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن}} [الاحزاب: 49] فجعل الطلاق بعد النكاح، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «لا طلاق لابن ادم فيما لا يملك» [(75)]، ولان الطلاق اطلاق قيد موجود، والمراة قبل ان يتزوجها مطلقة، وعلى هذا فاذا قال شخص: ايما امراة اتزوجها فهي طالق فتزوج لم تطلق؛ لانه علق الطلاق قبل ان يتزوج.
ولو قال: ان تزوجت فلانة فهي طالق فتزوجها لم تطلق، ولو قال: ان تزوجتك يخاطب امراة فانت طالق فتزوجها لم تطلق، وهذا ظاهر فيما اذا لم يتعلق به حق الغير، فاما ان تعلق به حق الغير، مثل ان يتزوج امراة بشرط انه ان تزوج عليها امراة فهي طالق، كان تخاف ان يتزوج عليها، فقالت: اشترط عليك الا تتزوج علي، وان تزوجت علي امراة فهي طالق، فظاهر كلام الاصحاب: انه لا يقع الطلاق؛ لانه تعليق للشيء قبل ان يملكه، وحصل بذلك ارضاء الزوجة، فان تزوجها فانها لا تطلق، ولو ثارت الاولى عليه فلا يلزمه ان يطلقها؛ لان الاصل ان الزوجة الاولى لا تملك منعه التزوج، فلا تجبره على ذلك، ولا حق لها ايضا ان تطلب الطلاق ان لم يطلق الزوجة الجديدة.

فاذا علقه بشرط لم تطلق قبله، ولو قال: عجلته، …………
قوله: «فاذا علقه بشرط لم تطلق قبله، ولو قال: عجلته» اذا علق الزوج الطلاق على الشرط، فله ثلاث حالات:
الاولى: ان يبقى على ما شرط، فالامر ظاهر يبقى على ما هو عليه.
الثانية : ان يحب تعجيل الطلاق فما تطلق؛ لانه تلفظ بصيغة الطلاق على وجه معلق فلا يمكن ان يكون منجزا، وهذا هو المذهب، ولكن نقول له: اذا كنت تريد ان تتخلص منها بسرعة فطلقها طلاقا غير الاول الذي علقته، لكن ان جاء وقت الشرط وهي رجعية طلقت ثانية؛ لان الرجعية يقع عليها الطلاق، ولو لم نقل بوقوع الطلاق اذا جاء وقته لكان هذا هو معنى التعجيل.
والقول الثاني: انه يتعجل؛ لانه زاد على نفسه تضييقا كما لو اقر على نفسه بالاغلظ، وكما لو عجل الدين قبل حلول اجله فاذا قال: عجلته تعجل ويلغى الشرط وتطلق.
الثالثة: اذا قال: انا اريد ان الغي الطلاق كله، ففيه قول في المذهب ان له ذلك؛ قياسا على ان الانسان اذا قال لعبده: اذا جاء راس الشهر فانت حر فان له ان يرجع، فاذا جاز ان يرجع في العتق، وهو اشد نفوذا من الطلاق واحب الى الله، فلان يجوز ذلك في الطلاق من باب اولى، وشيخ الاسلام رحمه الله في هذه المسالة قال: ان كان التعليق من باب المعاوضة فله الرجوع، مثل ان يقول: ان اعطيتني الفا فانت طالق، فله الرجوع ما لم تعطه؛ لانه ما تم العوض، وهذا وان كان له وجه من النظر الا اننا لا نفتي به، اما اذا كان شرطا محضا مثل ان يقول: اذا جاء العيد فانت طالق؛ فانه لا يملك الرجوع، ولا ابطاله، ولا ابطال التعليق.

وان قال: سبق لساني بالشرط، ولم ارده وقع في الحال، وان قال: انت طالق، وقال: اردت ان قمت، لم يقبل حكما،………..
قوله: «وان قال: سبق لساني بالشرط، ولم ارده وقع في الحال» اي: اذا قال: انت طالق ان قمت، ثم قال: سبق لساني بالشرط وانا ما اردته، وهذا يقع دائما، فالانسان ربما اذا راى احدا يفعل شيئا نطق بما يفعل هذا الشخص، وسبق الكلام على اللسان كثير، بل ربما يكتب شيئا واذا كلمه انسان كتب كلامه الذي يقول، وهو لا يريده، فسبق اللسان وسبق القلم امر واقع، فاذا قال: انا اردت بقولي: انت طالق ان قمت، يعني انت طالق الان وسبق لساني بالشرط، فقلت: ان قمت، يقع في الحال، فما الفرق بين هذا وما سبق من انه لو قال: عجلت هذا الشرط ما يتعجل، وهنا نقول: تطلق في الحال؟ الفرق بينهما ظاهر: انه هناك قصد الشرط، وهنا لم يقصده، فهو هنا يقول: انا ما قصدت الشرط، وانما سبق لساني به فنقول: اذن تطلق في الحال؛ والتعليل لانه اقر على نفسه بما هو اغلظ فاخذ به.
قوله: «وان قال: انت طالق، وقال: اردت ان قمت، لم يقبل حكما» هذه مسالة مهمة اذا قال: انت طالق، ثم قال: اردت ان قمت، او ان كلمت زيدا، فادعى انه نوى الشرط بقلبه، يقول المؤلف: «لم يقبل حكما» وعلم منه انه يدين فيما بينه وبين الله، فاذا صدقته المراة فلا طلاق، الا ان حاكمته عند المحكمة وقال القاضي: انت ما قلت: ان قمت، وانا احكم عليك بالظاهر، والقاضي انما يقضي بنحو ما يسمع، فتطلق زوجتك، اما اذا صدقته المراة، وقالت: نعم، الرجل اراد ان قمت، ولكن لم يتكلم به، فان قوله يكون مقبولا، والمرافعة حرام، لكن ان غلب على ظنها انه كاذب فانه يجب عليها ان ترفعه للحاكم، وان ترددت فهي مخيرة، والاولى ان تتركه؛ لان الطلاق مكروه.
وكذلك لو دخل على زوجته وقال: انت طالق، ثم بعد ذلك قال: انا قلت: انت طالق؛ لان فلانا حدثني انك تكلمين فلانا بالهاتف، ولما تبين انك لم تكلميه فلا طلاق، نقول: لا يقبل حكما، لكن فيما بينه وبين الله يدين، اما لو قيل له: ان زوجتك تغازل فلانا، فقال: هي طالق، ثم تبين انها لم تغازله فيقبل قوله لوجود قرينة تدل على ذلك.
وكذلك ايضا لو سال مفتيا، وقال له: لو طلقت زوجتي بلفظ كذا وكذا، فقال له المفتي: تبين منك زوجتك، فاقر بانه ابان زوجته بناء على الفتوى فما تبين؛ لانه انما اقر بناء على فتوى، لا على ما في نفسه وقلبه.
فتبين ان السبب يخصص العموم ويقيد المطلق، فاذا قال: انت طالق بناء على سبب من الاسباب فانها لا تطلق، ثم ان كان السبب مقرونا بالكلام قبل حكما، وان لم يكن مقترنا بالكلام لم يقبل حكما.

وادوات الشرط: ان، واذا، ومتى، واي، ومن، وكلما، وهي وحدها للتكرار، وكلها، ومهما ……………………
قوله: «وادوات الشرط» اداة كل شيء ما توصل اليه، فادوات الشرط ما توصل الى الشرط وتستعمل فيه.
واعلم ان هذا الذي ذكره المؤلف ليس حصرا، لكن مراده ادوات الشرط التي تستعمل في الغالب؛ لان هناك ادوات غير التي ذكر المؤلف.
الاولى: قوله: «ان» بدا بها لانها ام الباب، والنحويون يجعلون لكل باب اما، فان واخواتها الام ان، وكان واخواتها الام كان، وادوات الشرط الام ان، والاستفهام الام الهمزة، وعلامة الام كثرة الاستعمال وسعته؛ لان بعض الادوات تكون متفقة في شيء من الاشياء، لكن لا تستعمل في بعض الاشياء، وتكون الام مختصة بخصائص دون غيرها، مثل: «كان» تختص بخمسة امور لا تشاركها فيها غيرها من اخواتها، و«ان» تختص بامور تاتينا ان شاء الله تعالى ما تشاركها فيها غيرها من الادوات.
وقوله: «ان» مثل ان يقول: انت طالق ان قمت، او ان قمت فانت طالق، فلا فرق بين ان يؤخر الشرط، او يقدم.
الثانية: قوله: «واذا» بان يقول لزوجته: اذا قمت فانت طالق، او انت طالق اذا قمت.
الثالثة : قوله: «ومتى» مثل متى قمت فانت طالق، او انت طالق متى قمت.
الرابعة : قوله: «واي» بتشديد الياء، بخلاف «اي» المخففة المسكنة، فليست من ادوات الشرط، مثل ان يقول: اي امراة تقوم منكن فهي طالق، وهل هي للزمان، او للمكان، او للعاقل، او لغير العاقل؟ بحسب ما تضاف اليه، فاي امراة تقوم، هذه للعاقل، اي سيارة تركبها لغير العاقل، واي وقت تزورني اكرمك، للزمان، واي مكان تنزل فانت مقرب، هذه للمكان، والمراد بها هنا في باب الشروط العاقل، وكذلك الزمان، والمكان.
الخامسة: قوله: «ومن» بفتح الميم وسكون النون، احترازا من «من» فان «من» حرف جر، و«من» هنا شرطية، مثل ان يقول: من قامت فهي طالق، فاي امراة تقوم تكون طالقا.
السادسة: قوله: «وكلما» تدخل على الفعل، مثل ان يقول: كلما قمت فانت طالق.
قوله: «وهي وحدها للتكرار» اي «كلما» وحدها دون سائر الادوات للتكرار، فهذا من خصائصها، فاذا قال لزوجته: كلما قمت فانت طالق، فقامت تطلق، ثم قامت ثانية تطلق، ثم قامت ثالثة تطلق، بخلاف «ان» مثلا، فلا تفيد التكرار، فاذا قال لها: ان قمت فانت طالق، ثم قامت طلقت، فاذا قامت ثانية لم تطلق.
وادوات الشرط تنقسم باعتبار التكرار الى قسمين: ما يفيد التكرار، وما لا يفيد التكرار، والذي يفيد التكرار «كلما» فقط، ومعنى التكرار انه كلما تكرر الشرط وقع الطلاق.
و «كلما» ما عدها النحويون من ادوات الشرط الجازمة، لكنها من ادوات الشرط غير الجازمة.
قوله: «وكلها» يعني كل ادوات الشرط المذكورة.
السابعة: قوله: «ومهما» مثالها: مهما فعلت كذا فانت طالق.

بلا لم او نية فور، او قرينة للتراخي، ومع لم للفور الا ان مع عدم نية فور او قرينة،……………….
قوله: «بلا لم، او نية فور، او قرينة للتراخي» هل هذه الادوات للفورية او للتراخي؟ نقول: حسب نيته، ان نوى الفورية فهي للفورية، وان نوى التراخي فهي للتراخي، فاذا قال: ان قمت فانت طالق، فهل المراد ان قمت الان، او ان قمت في اي وقت؟ حسب نيته، ان كان يريد ان قمت الان فهي اذا قامت فيما بعد لم تطلق، وان كان يريد ان قمت في اي وقت، ففي اي وقت تقوم فيه تطلق، كذلك لو وجد قرينة تدل على ان المراد الان او في هذه الحال عمل بها، مثل ان يقال له: بيت فلان عنده زواج، لكن فيه الات تصوير، فقال لها: ان ذهبت الى بيت فلان فانت طالق، فالقرينة تدل على انها اذا ذهبت في هذه الحال، فتكون للفورية، اما فيما بعد فهي لا زالت تذهب الى جيرانها، او الى اقاربها، ولا يقول شيئا.
فان لم توجد قرينة ولا نية يقول المؤلف:
«ومع لم للفور» فاذا لم يوجد نية ولا قرينة فان هذه الادوات مع «لم» للفور، وبدون «لم» للتراخي.
قوله: «الا ان مع عدم نية فور او قرينة» فانها تكون للتراخي حتى مع «لم» .
مثال ذلك: اذا لم تقومي فانت طالق، فنقول: ما قصدك؟ هل الان او فيما بعد؟ فان قال: ما لي نية، ولا توجد قرينة، فتكون للتراخي.
مثال اخر: اي امراة منكن لم تقم فهي طالق، ننظر اذا لم تكن ما عنده نية فالمراد الان، لوجود لم.
كذلك كلما لم تقومي فانت طالق، هذه تكون للفور لوجود لم، ومع عدم «لم» تكون للتراخي، فاذا قال لها: اذا قمت فانت طالق، وما عنده لا نية ولا قرينة فتكون للتراخي، فمتى ما قامت طلقت.
فاذا قال: ان لم تقومي فانت طالق فانها تكون للتراخي؛ لان «ان» لا تتاثر ب «لم» ؛ لانها هي الام، واذا كانت هي الام فلا بد ان نعطيها شيئا تتميز به عن سائر الادوات، فلهذا «لم» لا تؤثر فيها.
والخلاصة ان هذه الادوات فيها مبحثان:
الاول : هل هي للتكرار، او تصدق بفعل الشيء مرة واحدة؟
الجواب : «كلما» للتكرار، والباقي لغير التكرار، ومعنى التكرار انه اذا قال: كلما قمت فانت طالق، فقامت مرة طلقت، ثم قامت الثانية طلقت، ثم قامت الثالثة طلقت، واذا قال: ان قمت فانت طالق فقامت مرة طلقت، ثم قامت ثانية لا تطلق.
الثاني : هل هي للفور او للتراخي؟ بمعنى انه اذا قال: ان قمت فانت طالق مثلا، فهل المراد ان قمت الان او مطلقا؟ نقول: نرجع الى شيئين: النية والقرينة، فاذا كان له نية للفورية فهي للفور، واذا كان هناك قرينة تدل على الفورية فانها تكون للفور، فاذا لم يكن كذلك، ونوى التراخي، او قامت قرينة تدل على التراخي، فهو للتراخي، فاذا لم يكن شيء لا نية فورية، ولا قرينة، ولا نية تراخ، ولا قرينة، فتكون للتراخي، الا مع «لم» فانها للفور ما عدا «ان» .
فصارت «ان» اذا لم يوجد نية فور، او قرينة للتراخي مطلقا، اما غير «ان» فاذا لم يوجد نية ولا قرينة ان اقترنت بها «لم» فهي للفور، وان لم تقترن فهي للتراخي.
وهذا التفصيل مهم؛ لانه ينبني عليه اشياء تاتينا فيما بعد، وهو ايضا مقتضى اللغة العربية، اما بالنسبة للعرف فالظاهر ان الناس لا يفرقون، فلا يفرق العامي بين ان يقول لزوجته: متى لم تقومي فانت طالق، وبين قوله: ان لم تقومي فانت طالق، لكن في اللغة العربية هو هذا الذي ذكره الفقهاء رحمهم الله، فيفرقون بين «ان» وغيرها، ولكن لاحظ ان هذا التفريق ايضا قبله مرحلتان وهما النية والقرينة، والغالب انه لا بد ان يوجد نية او قرينة، لكن لو فرض ان احدا ارسل هذه الكلمة، ولم يقصد شيئا فاننا نقول له: «ان» للتراخي مطلقا، وما سواها للتراخي الا مع «لم» فتكون للفور، وما سياتي امثلة وتطبيق، ولكن اهم شيء ان يعرف الانسان القاعدة، فاذا عرف القاعدة سهل عليه التطبيق.

فاذا قال: ان قمت، او اذا، او متى، او اي وقت، او من قامت، او كلما قمت فانت طالق فمتى وجد طلقت، وان تكرر الشرط لم يتكرر الحنث، الا في كلما، وان لم اطلقك فانت طالق؛ ولم ينو وقتا، ولم تقم قرينة بفور، ولم يطلقها، طلقت في اخر حياة اولهما موتا، ………………
قوله: «فاذا قال: ان قمت» يعني فانت طالق.
قوله: «او اذا» يعني اذا قمت فانت طالق.
قوله: «او متى» يعني متى قمت فانت طالق.
قوله: «او اي وقت» يعني اي وقت قمت فانت طالق.
قوله: «او من قامت» يعني فهي طالق.
قوله: «او كلما قمت فانت طالق، فمتى وجد طلقت» اي: متى وجد الشرط وهو القيام طلقت.
قوله: «وان تكرر الشرط لم يتكرر الحنث الا في كلما» يعني ان وجد القيام منها عدة مرات لم يتكرر الطلاق، الا في «كلما» لانها للتكرار.
قوله: «وان لم اطلقك فانت طالق، ولم ينو وقتا، ولم تقم قرينة بفور، ولم يطلقها، طلقت في اخر حياة اولهما موتا» اذا قال: ان لم اطلقك فانت طالق، «ان» لا تؤثر عليها «لم» فنقول: هل نيتك ان لم اطلقك اليوم؟ فان قال: قصدي ان لم اطلقك اليوم فانت طالق، فان طلقها اليوم طلقت، وان لم يطلقها، فاذا غابت الشمس من ذلك اليوم طلقت.
كذلك ايضا اذا قامت القرينة على ان المعنى اذا لم اطلقك الان لغضبه، فاذا مضى جزء من الوقت يمكنه ان يقول فيه: انت طالق، فلم يقل طلقت؛ لان هنا قرينة تدل على انه اراد الفورية، لكن اذا لم يكن هناك قرينة ولا نية وقال: ان لم اطلقك فانت طالق تحمل على مدى الحياة، فتطلق في اخر حياة اولهما موتا، فان مات قبلها طلقت في اخر حياته، فتطلق اذا بقي على خروج روحه اقل من قوله: انت طالق؛ لانه ما دام عندنا زمن يتسع لقوله: انت طالق فيمكن ان يطلق فيه، لكن اذا لم يبق على خروج روحه الا اقل من قوله: انت طالق، فحينئذ تطلق.
والسبب ان الزوج اذا ذهبت حياته ولم يطلق يجب ان تطلق، وهي ايضا اذا ماتت انقطعت علاقته منها، ولا يمكن ان يقع عليها طلاق، ولهذا نقول: تطلق في اخر حياة اولهما موتا.

ومتى لم، او اذا لم، او اي وقت لم اطلقك فانت طالق، ومضى زمن يمكن ايقاعه فيه ولم يفعل طلقت، وكلما لم اطلقك فانت طالق، ومضى ما يمكن ايقاع ثلاث مرتبة فيه طلقت المدخول بها ثلاثا، وتبين غيرها بالاولى، وان قمت فقعدت، او ثم قعدت، او ان قعدت اذا قمت، او ان قعدت ان قمت فانت طالق؛ لم تطلق، حتى تقوم ثم تقعد،………..
قوله: «ومتى لم، او اذا لم، او اي وقت لم اطلقك فانت طالق، ومضى زمن يمكن ايقاعه فيه ولم يفعل طلقت» لان الادوات ما عدا «ان» مع «لم» للفورية، فاذا قال: متى لم اطلقك فانت طالق، ومضى زمن يمكنه ان يقول فيه: انت طالق ولم يفعل طلقت؛ لانه صدق عليه انه لم يطلقها.
قوله: «وكلما لم اطلقك فانت طالق، ومضى ما يمكن ايقاع ثلاث مرتبة فيه طلقت المدخول بها ثلاثا» كان قال: كلما لم اطلقك فانت طالق، فمضى زمن يمكن ايقاع ثلاث مرتبة تطلق ثلاثا؛ لان «كلما» تفيد التكرار.
وحينئذ اذا قال مثل هذه الصيغة نقول: من الاحسن ان تقول مباشرة: انت طالق؛ لانه اذا قال: انت طالق، صار الطلاق رجعيا؛ لانها تطلق واحدة فقط فلا يقع عليها الثلاث؛ لانه يقول: كلما لم اطلقك فانت طالق، فاذا قال: انت طالق فقد بر في يمينه، اما اذا لم يفعل فكلما مضى زمن يمكن ان يقول: انت طالق طلقت، ثم الزمن الثاني انت طالق طلقت، ثم الزمن الثالث انت طالق طلقت؛ لان «كلما» تفيد التكرار.
فان قال قائل: لماذا لا تقولون: انه لما وقع الطلاق عليها باول جزء صدق عليه انه طلقها، فلا تلحقها الطلقتان الاخريان؟
فالجواب: ان الظاهر من كلامه «كلما لم اطلقك»، اي: باللفظ، ومعلوم ان مدلول الكلام مقصود.
قوله: «وتبين غيرها بالاولى» لان غير المدخول بها اذا طلقها مرة بانت، ولا يلحقها طلاقه ثانية؛ لانه لا عدة لها، فلو ان رجلا قال لزوجته التي لم يدخل بها: انت طالق، ثم قال حالا: انت طالق، فالثانية لا تقع؛ لانها بانت منه بالاولى، فلا يلحقها طلاق.
قوله: «وان قمت فقعدت، او ثم قعدت، او ان قعدت اذا قمت، او ان قعدت ان قمت فانت طالق لم تطلق حتى تقوم، ثم تقعد» هذه عدة مسائل:
الاولى: قال: ان قمت فقعدت فانت طالق، ما تطلق حتى تقوم وتقعد، والفاء تدل على الترتيب باتصال، فلو قعدت ثم قامت ما تطلق.
الثانية : قال: ان قمت ثم قعدت ايضا ما تطلق حتى تقوم ثم تقعد، لكن ثم للتراخي كما قال ابن مالك رحمه الله:
والفاء للترتيب باتصال
وثم للترتيب بانفصال
الثالثة : قال: ان قعدت اذا قمت، فتطلق اذا قامت ثم قعدت، كانه قال: ان قعدت من قيام فانت طالق، فلا تطلق حتى تقوم ثم تقعد.
الرابعة : قال: انت طالق ان قعدت ان قمت، كذلك ما تطلق حتى تقوم ثم تقعد.
اما المسالتان الاوليان فظاهر الترتيب فيهما؛ لانه قال: ان قمت فقعدت، والثانية قال: ان قمت ثم قعدت.
واما المسالتان الاخريان فالترتيب فيهما؛ لان القاعدة انه اذا اجتمع شرط في شرط فان المتاخر منهما متقدم زمنا؛ لان هذا شرط علق على شرط، والمعلق عليه لا بد ان يتقدم المعلق، فقوله: ان قمت ان قعدت المتاخر لفظا هو القعود، فيكون هو المتقدم زمنا، قال الشاعر:
ان تستغيثوا بنا ان تذعروا تجدوا
منا معاقل عز زانها كرم
والاستغاثة تكون بعد الذعر، فلهذا اذا جاء شرط في شرط فان المتاخر لفظا متقدم زمنا، فاذا قال: ان قمت ان قعدت فالقعود قبل القيام، وكذلك ان قمت اذا قعدت، فالقعود قبل القيام، وان قال: ان اكلت ان شربت فانت طالق مثله، يتقدم الشراب؛ فان قيل: الا يحتمل ان قوله: «ان اكلت ان شربت» انه على تقدير العطف، يعني ان اكلت وان شربت فانت طالق؟ نقول: نعم لا بد من وجود اكل وشرب، لكن ايهما الاسبق؟ فالمتاخر لفظا وهو الشرب هو الاسبق.

وبالواو تطلق بوجودهما، ولو غير مرتبين، وباو بوجود احدهما.
قوله: «وبالواو تطلق بوجودهما» فان قال: انت طالق ان قمت وقعدت، تطلق بوجودهما.
قوله: «ولو غير مرتبين» سواء تقدم القعود او القيام.
قوله: «وباو بوجود احدهما» ان قمت او قعدت فانت طالق، فانها تطلق بوجود احدهما؛ لان «او» لاحد الشيئين.
ذكر في الروض[(76)] مسالة غريبة قال: «وان علق الطلاق على صفات فاجتمعت في عين، كان رايت رجلا فانت طالق، وان رايت اسود فانت طالق، وان رايت فقيها فانت طالق، فرات رجلا اسود فقيها طلقت ثلاثا» ؛ لانها صدق عليها انها رات رجلا، وانها رات اسود، وانها رات فقيها، فتطلق لاجتماع الصفات الثلاث في عين واحدة؛ تغليبا للصفة.
وقيل: لا تطلق؛ لان الايمان ترجع الى العرف، والعرف ان الانسان اذا قال: ان رايت رجلا، وان رايت اسود، وان رايت فقيها يقتضي تعدد الاشخاص، فاذا وجد ما يدل على انه اراد التعدد عمل به، وهذا هو الصحيح.
* * *
فصل

اذا قال: ان حضت فانت طالق طلقت باول حيض متيقن، واذا حضت حيضة تطلق باول الطهر من حيضة كاملة، وفي: اذا حضت نصف حيضة تطلق في نصف عادتها.
هذا الفصل ذكر فيه المؤلف تعليق الطلاق بالحيض، باوله وباخره وباثنائه؛ وكان شيخنا[(77)] رحمه الله اذا وصلناها تجاوزناها؛ لانه يقول: كلها امثلة لكن نحن نقرؤها؛ لانه ربما تعرض مسالة مهمة.
قوله: «اذا قال: ان حضت فانت طالق طلقت باول حيض متيقن» مع ان هذا الطلاق حرام وبدعة، لكن المذهب يرون ان الطلاق البدعي يقع، وسبق ان الصحيح انه لا يقع.
قوله: «واذا حضت حيضة تطلق باول الطهر من حيضة كاملة» واضح؛ لانه قال: اذا حضت حيضة.
قوله: «وفي: اذا حضت نصف حيضة تطلق في نصف عادتها» [(78)].
* * *
فصل

اذا علقه بالحمل فولدت لاقل من ستة اشهر طلقت منذ حلف، وان قال: ان لم تكوني حاملا فانت طالق حرم وطؤها قبل استبرائها بحيضة في البائن،…………………………………
قوله: «اذا علقه بالحمل فولدت لاقل من ستة اشهر طلقت منذ حلف» اذا قال: ان كنت حاملا فانت طالق فولدت لاقل من ستة اشهر طلقت منذ حلف؛ لاننا تيقنا انها كانت حاملا عند قوله: ان كنت حاملا فانت طالق؛ لماذا نقول: انها طلقت منذ حملت؟ لان اقل الحمل ستة اشهر، وانتبه لقوله: «منذ حلف» فهذا من باب التجوز؛ لان هذا المذكور تعليق محض وليس يمينا؛ لانه علقه على الحمل، والحمل ليس من فعلها حتى نقول: انه يريد به اليمين.
قوله: «وان قال: ان لم تكوني حاملا فانت طالق حرم وطؤها قبل استبرائها بحيضة في البائن» في الاولى قال: ان كنت حاملا، وهنا قال: ان لم تكوني حاملا، ففي الاول اثبات وفي الثاني نفي، فاذا قال: ان لم تكوني حاملا فانت طالق، نقول: ما يجوز ان تطاها حتى تحيض اذا كانت بائنا، اما اذا كانت رجعية فلا حرج؛ لانه يجوز ان يطاها وتكون رجعة، لكن اذا كانت بائنا فهذه اخر طلقة فنقول: لا تطاها؛ لانك لو وطئتها اشتبه علينا الامر، فقد تكون الان غير حامل فتطؤها وهي بائن.
والى متى لا يطؤها؟ الجواب: حتى تحيض، فاذا حاضت عرفنا انها لم تكن حاملا حين قوله: ان لم تكوني حاملا فانت طالق.

وهي عكس الاولى في الاحكام، وان علق طلقة ان كانت حاملا بذكر، وطلقتين بانثى فولدتهما طلقت ثلاثا، وان كان مكانه: ان كان حملك، او ما في بطنك لم تطلق بهما.
قوله: «وهي عكس الاولى في الاحكام» قال في الروض[(79)]: «فان ولدت لاكثر من اربع سنين طلقت؛ لانا تبينا انها لم تكن حاملا، وكذا ان ولدت لاكثر من ستة اشهر وكان يطا؛ لان الاصل عدم الحمل» نقول: هذه المسالة عكس الاولى في الاحكام؛ لانها عكسها في الصورة، فالاولى ان كنت حاملا، والثانية ان لم تكوني حاملا، فيكون المدار على اربع سنين؛ لانه اكثر مدة الحمل؛ فاذا مضى اربع سنين ولم تضع الحمل ثم وضعته بعد الاربع علمنا ان الطلاق قد وقع؛ لانه لا يمكن على راي الفقهاء ان يزيد الحمل على اربع سنوات، واذا ولدت لاكثر من ستة اشهر وهو يطا مع انه يحرم عليه اذا كانت بائنا فانها في هذه الحال لا تطلق؛ لاننا ما علمنا انها لم تكن حاملا، اذ ان الرجل يطا وقد ولدت لاكثر من ستة اشهر.
والاصل عدم الحمل فان ولدت لاقل من ستة اشهر لم تطلق مطلقا سواء كان يطا ام لم يكن يطا؛ لانه يقول: ان لم تكن حاملا وقد تيقنا انها حامل؛ لان اقل الحمل ستة اشهر.
قوله: «وان علق طلقة ان كانت حاملا بذكر، وطلقتين بانثى فولدتهما طلقت ثلاثا» قال: ان كنت حاملا بذكر فانت طالق طلقة، وان كنت حاملا بانثى فانت طالق طلقتين؛ لان الولد احب اليه من الانثى، لكن المراة ولدت تواما يعني ولدت ذكرا وانثى تطلق ثلاثا؛ لان الذكر له طلقة، والانثى لها طلقتان.
قوله: «وان كان مكانه: ان كان حملك، او ما في بطنك لم تطلق بهما» .
ان قال: ان كان حملك ولدا فانت طالق طلقة، وان كان حملك انثى فانت طالق طلقتين، فولدت ذكرا وانثى فلا تطلق؛ لان حملها لم يكن واحدا؛ بل كان ذكرا وانثى، وهو يقول: ان كان حملك ذكرا، وان كان حملك انثى، بخلاف قولهم: ان كنت حاملا بذكر وان كنت حاملا بانثى، وهذه من دقائق العلم التي ما ينتبه لها الا طلبة العلم.
* * *
فصل

اذا علق طلقة على الولادة بذكر، وطلقتين بانثى، فولدت ذكرا ثم انثى حيا او ميتا طلقت بالاول، وبانت بالثاني، ولم تطلق به، وان اشكل كيفية وضعهما فواحدة.
قوله: «اذا علق طلقة على الولادة بذكر، وطلقتين بانثى، فولدت ذكرا ثم انثى حيا او ميتا» اذا علق طلقة على الولادة بذكر وطلقتين بانثى، بان قال: ان ولدت ذكرا فانت طالق طلقة، وان ولدت انثى فانت طالق طلقتين، فولدت ذكرا ثم انثى.
قوله: «طلقت بالاول وبانت بالثاني ولم تطلق به» طلقت بالاول؛ لانها ولدت ذكرا، وبانت بالثاني؛ لانها لما ولدت الذكر الاول وطلقت شرعت في العدة، والعدة ما بين الاول والثاني دقائق، فلما ولدت الثاني انتهت عدتها فبانت بالثاني، واذا بانت لا تلحقها الطلقة؛ لانها وقعت عليها وهي بائن من زوجها.
مثال ذلك: رجل قال لزوجته: ان ولدت ذكرا فانت طالق طلقة، وان ولدت انثى فانت طالق طلقتين، فولدت اولا ذكرا فتطلق؛ لانها ولدت ذكرا فحل عليها الطلاق، فاذا ولدت انثى بعده لم تطلق لكنها تبين بالانثى؛ لانها انتهت عدتها بولادة البنت، فصادف الطلاق امراة بائنا، والمراة البائن لا يقع عليها الطلاق.
قوله: «وان اشكل كيفية وضعهما فواحدة» اذا قال: ما ادري هل وضعت الذكر اولا، او الانثى، او جميعا؟ فانها تكون واحدة لان الواحدة متيقنة وما زاد عليها فمشكوك فيه.
* * *
فصل

اذا علقه على الطلاق ثم علقه على القيام، او علقه على القيام ثم على وقوع الطلاق، فقامت، طلقت طلقتين فيهما، وان علقه على قيامها ثم على طلاقه لها فقامت فواحدة، وان قال: كلما طلقتك او كلما وقع عليك طلاقي فانت طالق فوجدا، طلقت في الاولى طلقتين وفي الثانية ثلاثا.
قوله: «اذا علقه على الطلاق ثم علقه على القيام، او علقه على القيام ثم على وقوع الطلاق، فقامت، طلقت طلقتين فيهما» بان قال: ان طلقتك فانت طالق، ثم علقه على القيام مرة ثانية، فقال: ان قمت فانت طالق، فقامت فانها تطلق طلقتين، اما الاولى فواضحة، واما الثانية فلانه قال: ان طلقتك فانت طالق، فلما قامت وقع عليها الطلاق فتطلق طلقتين.
وقوله: «فيهما» اي في الصورتين، واحدة بقيامها، واخرى بتطليقها الحاصل بالقيام في الصورة الاولى.
قوله: «وان علقه على قيامها ثم على طلاقه لها فقامت فواحدة» اذا علق الطلاق على القيام، ثم علقه على طلاقه لها فقامت «فواحدة» اي: فتطلق واحدة بقيامها، ولم تطلق بتعليق الطلاق؛ لانه لم يطلقها.
قوله: «وان قال: كلما طلقتك او كلما وقع عليك طلاقي فانت طالق فوجدا، طلقت في الاولى طلقتين وفي الثانية ثلاثا» [(80)].
* * *
فصل

اذا قال: اذا حلفت بطلاقك فانت طالق، ثم قال: انت طالق ان قمت طلقت في الحال، لا ان علقه بطلوع الشمس ونحوه؛ لانه شرط لا حلف، وان حلفت بطلاقك فانت طالق، او ان كلمتك فانت طالق، واعاده مرة اخرى طلقت واحدة، ومرتين فثنتان، وثلاثا فثلاث.
قوله: «اذا قال: اذا حلفت بطلاقك فانت طالق، ثم قال: انت طالق ان قمت طلقت في الحال، لا ان علقه بطلوع الشمس ونحوه؛ لانه شرط لا حلف» اذا قال لها: اذا حلفت بطلاقك فانت طالق، ثم قال: انت طالق ان قمت تطلق؛ لان قوله: «انت طالق ان قمت» حلف.
واذا قال: اذا حلفت بطلاقك فانت طالق، ثم قال: اذا طلعت الشمس فانت طالق، لا تطلق؛ لان قوله: «اذا طلعت الشمس فانت طالق» شرط محض، فلا تطلق الا اذا طلعت الشمس، وقد سبق ان تعليق الطلاق بالشروط ينقسم الى ثلاثة اقسام:
1 حلف محض.
2 شرط محض.
3 ما يحتملهما، اي: الشرطية واليمين.
فاذا قال: اذا طلعت الشمس فزوجتي طالق، فهذا شرط محض، فاذا طلعت الشمس تطلق.
واذا قال: ان كلمت زيدا فزوجتي طالق، فهذا حلف محض، فلا تطلق، ولكن يكفر كفارة يمين.
واذا قال: ان كلمت فلانا فانت طالق، فهذا يحتمل ان يكون شرطا ويحتمل ان يكون يمينا، فان قصد منعها فهو يمين، وان قصد وقوع الطلاق عليها بتكليم زيد فهو شرط يقع به الطلاق.
وهذا الكلام من الفقهاء رحمهم الله تعالى يدل دلالة واضحة على ان ما اختاره شيخ الاسلام رحمه الله من ان الطلاق المعلق يقصد به اليمين احيانا، فيكون له حكم اليمين.
وعلى المذهب فيما اذا قال: «ان حلفت بطلاقك فانت طالق، ثم قال: انت طالق ان قمت» تطلق، واذا قامت تطلق ثانية؛ لان القسم السابق في تعليق الطلاق بالشروط بناء على القول الراجح، وليس على المذهب؛ لان المذهب يعتبرون كل الطلاق المعلق بالشروط شرطا محضا يوقعون به الطلاق، وهذا يدل دلالة واضحة على ان ما ذهب اليه شيخ الاسلام ابن تيمية هو الحق؛ لانهم اقروا بالتفريق بين اليمين والشرط.
قوله: «وان حلفت بطلاقك فانت طالق، او ان كلمتك فانت طالق واعاده مرة اخرى طلقت واحدة» قال صاحب الروض[(81)]: «لان اعادته حلف وكلام» فاذا قال: ان حلفت بطلاقك فانت طالق، ثم قال: ان حلفت بطلاقك فانت طالق تطلق؛ لان ما علق به الطلاق وجد.
وكذلك اذا قال: ان كلمتك فانت طالق ثم قال: ان كلمتك فانت طالق تطلق؛ لانه كلمها بالكلمة الاخيرة؛ ولهذا لو قال: اردت التوكيد فانه يقبل.
قوله: «ومرتين فثنتان، وثلاثا فثلاث» اذا قال لها: ان كلمتك فانت طالق لا تطلق، ثم قال: ان كلمتك فانت طالق تطلق واحدة، ثم قال: ان كلمتك فانت طالق تطلق ثانية، ثم قال: ان كلمتك فانت طالق تطلق ثالثة؛ لانه كلمها، واذا قال رابعة: ان كلمتك فانت طالق لا يقع عليها شيء؛ لانها بانت بالثلاث.
* * *
فصل

اذا قال: ان كلمتك فانت طالق فتحققي، او قال: تنحي، او اسكتي؛ طلقت، وان بداتك بكلام فانت طالق، فقالت: ان بداتك به فعبدي حر، انحلت يمينه ما لم ينو عدم البداءة في مجلس اخر.
قوله: «اذا قال: ان كلمتك فانت طالق فتحققي، او قال: تنحي، او اسكتي طلقت» اذا قال: اذا كلمتك فانت طالق، ثم قال: افهمي طلقت، او قال: تنحي، او اسكتي فانها تطلق؛ لانه كلمها.
قوله: «وان بداتك بالكلام فانت طالق، فقالت: ان بداتك به فعبدي حر انحلت يمينه» اذا قال ذلك، وقال: الحمد لله، فلا طلاق ولا عتاق؛ لانه لم يبداها بكلام، وهي لم تبداه ايضا.
قوله: «ما لم ينو عدم البداءة في مجلس اخر» فاذا نوى ذلك فهو على ما نوى.
* * *
فصل

اذا قال: ان خرجت بغير اذني، او الا باذني، او حتى اذن لك، او ان خرجت الى غير الحمام بغير اذني فانت طالق، فخرجت مرة باذنه، ثم خرجت بغير اذنه، او اذن لها ولم تعلم، او خرجت تريد الحمام وغيره، او عدلت منه الى غيره طلقت في الكل.
قوله: «اذا قال: ان خرجت بغير اذني او الا باذني، او حتى اذن لك، او ان خرجت الى غير الحمام بغير اذني فانت طالق فخرجت مرة باذنه، ثم خرجت بغير اذنه» اذا استاذنته في الخروج واذن لها لا تطلق، ثم رجعت وخرجت من اليوم الثاني تطلق؛ لانه اذن لها في مرة واحدة.
وقيل: لا تطلق الا اذا نوى انه انما اذن لها هذه المرة، فهو على نيته والا فلا تطلق؛ لانه في اذنه لها في اول مرة انحلت يمينه، وهذا اصح؛ لانه احلها، الا اذا قال: اذنت لك في هذه المرة فقط فهو على ما نوى.
قوله: «او اذن لها ولم تعلم» تطلق؛ لانه قال: ان خرجت الا باذني، والان حين خروجها هو اذن، لكن ما علمت هي، اذا قد حنثته فتطلق، وهذا مبني على مسالة: هل ينعزل الوكيل قبل العلم او لا ينعزل؟ وفيه خلاف.
قوله: «او خرجت تريد الحمام وغيره او عدلت منه الى غيره طلقت في الكل» هذه في صورة، وهي ما اذا قال: اذا خرجت الى غير الحمام، فاذا خرجت تريد الحمام وغيره طلقت في الكل، لماذا وهو يقول: ان خرجت لغير الحمام، وهي هنا خرجت وجمعت بين الاثنين؟ يقولون: لانها لما قصدت غير الحمام بخروجها صدق عليها انها خرجت الى غير الحمام.

لا ان اذن فيه كلما شاءت، او قال: الا باذن زيد، فمات زيد ثم خرجت.
قوله: «لا ان اذن فيه كلما شاءت» فاذا قال لها: اذنت لك في الخروج كلما شئت انحلت اليمين في كل وقت.
قوله: «او قال: الا باذن زيد فمات زيد ثم خرجت» اذا مات زيد انحلت اليمين؛ لانه معلق على اذنه، واذنه بعد موته مستحيل، وكذلك اذا مات زوجها وقد علق خروجها باذنه بانت بموته.
* * *
فصل

اذا علقه بمشيئتها بان او غيرها من الحروف لم تطلق حتى تشاء، ولو تراخى، فان قالت: قد شئت ان شئت، فشاء لم تطلق، وان قال: ان شئت وشاء ابوك او زيد، لم يقع حتى يشاءا معا، وان شاء احدهما فلا، وانت طالق او عبدي حر ان شاء الله وقعا،………………………..
قوله: «اذا علقه بمشيئتها بان او غيرها من الحروف لم تطلق حتى تشاء ولو تراخى» اذا قال لها: انت طالق ان شئت، فلم تشا الا متراخيا، نقول: متى شاءت طلقت نفسها، بل متى شاءت طلقت حتى وان لم تلفظ بالطلاق؛ لانه علق ذلك بالمشيئة، وهذا في الحقيقة لا باس به، لا نقول: انه حرام، ولكن خلاف الاولى؛ لانه اذا علقه بالمشيئة فلو غضبت امراة على زوجها بادنى شيء، قالت: طلقتك بالثلاث، هذا هو المعلوم في الغالب، لذلك لا ينبغي ان تجعل الطلاق الذي هو من اخطر الامور معلقا بمشيئة امراة ناقصة العقل والدين، نعم اذا رايت هناك سببا يقتضي ان تعلقه بمشيئتها، مثل ان تراها متبرمة متعبة من الحياة معك، تقول لها: انت لست مكرهة، متى شئت طلقي نفسك، فهذا قد نقول: انه غرض صحيح.
قوله: «فان قالت: قد شئت ان شئت، فشاء لم تطلق» لانه علقه على مشيئتها هي فلا يصح ان تردها، فيبقى الشرط معلقا كما كان.
قوله: «وان قال: ان شئت وشاء ابوك، او زيد لم يقع حتى يشاءا معا، وان شاء احدهما فلا» اي: قال: تحبين ان اطلقك؟ فقالت: نعم، فقال: ان شئت وشاء ابوك فانت طالق، فشاءت هي وابى الاب، او شاء الاب ولم تشا هي لا تطلق؛ لانه علقه على مشيئة الاثنين، فان قال: ان شئت وشاء القاضي، فشاءت ولم يشا القاضي لم تطلق.
قوله: «وانت طالق او عبدي حر ان شاء الله وقعا» هذا تعليق بمشيئة الله عز وجل، واتى بذكر العتق استطرادا، فاذا قال: انت طالق ان شاء الله، فهل يقع او لا يقع؟ منهم من قال: ان هذا تعليق على مستحيل، والتعليق على المستحيل مستحيل، فلا يقع الطلاق ابدا؛ ووجه كونه مستحيلا: اننا لا نطلع على مشيئة الله الا بعد وقوع ما يقع، فانت لا تعلم ان الله اراد لك شيئا الا اذا وقع، وقبل وقوعه لا تدري ان الله شاءه ام لا.
ومنهم من قال: انه اذا قال: انت طالق ان شاء الله وقع الطلاق بكل حال؛ لانه لما قال: انت طالق علمنا ان الله قد شاءه؛ اذ ان الانسان لا يتكلم الا بمشيئة الله، فاذا قال: انت طالق ان شاء الله، قلنا: قد شاء الله ان تطلق، وعلمنا ان الله شاء ذلك من وقوعه، من قوله: انت طالق، ونحن نعلم ان الله تعالى اذا وقع الفعل من العبد فان مقتضاه لا بد منه، والقولان متقابلان تماما.
والقول الثالث وسط فان اراد بقوله: ان شاء الله؛ اي ان شاء الله ان تطلقي بهذا القول فان الطلاق يقع؛ لاننا نعلم ان الله تعالى يشاء الشيء اذا وجد سببه، وان اراد بقوله: ان شاء الله، اي: في طلاق مستقبل فانه لا يقع حتى يوقعه مرة ثانية في المستقبل، وهذا هو الصواب.
فان قال: اردت التبرك وما اردت التعليق، مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «وانا ان شاء الله بكم لاحقون» [(82)] يعني باهل المقابر، ونحن لاحقون بهم قطعا، فقيل: المراد التبرك، فاذا قال: اردت التبرك يقع، لكن هل في هذا بركة بالنسبة للمراة؟ قد يكون، وقد لا يكون، لكن نقول: ارادة التبرك معناها التحقيق؛ لان المريد للتبرك اراد ان يتحقق الامر ببركة الله عز وجل.

وان دخلت الدار فانت طالق ان شاء الله طلقت ان دخلت، وانت طالق لرضا زيد او لمشيئته طلقت في الحال، فان قال: اردت الشرط قبل حكما، وانت طالق ان رايت الهلال، فان نوى رؤيتها لم تطلق حتى تراه، والا طلقت بعد الغروب برؤية غيرها.
قوله: «وان دخلت الدار فانت طالق ان شاء الله طلقت ان دخلت» فاذا دخلت الدار علمنا ان الله تعالى شاء دخولها وشاء طلاقها؛ لانه حصل المعلق عليه.
قوله: «وانت طالق لرضا زيد او لمشيئته طلقت في الحال» «لرضا» اللام للتعليل، والعلة تسبق المعلل، فاذا قال: انت طالق لرضا زيد، صار معناه انت طالق؛ لان زيد رضي بطلاقك.
وكذلك اذا قال: انت طالق لمشيئة زيد، فالمعنى انت طالق لان زيدا شاء ان تطلقي فتطلق في الحال.
قوله: «فان قال: اردت الشرط قبل حكما» يعني اردت بقولي: «انت طالق لرضا زيد» انت طالق ان رضي زيد، فانه يقبل حكما، يعني لو رفع الامر للقاضي وقال الزوج: اني اردت بذلك الشرط، وجب على القاضي ان يقبل قوله؛ لان قوله محتمل غاية الاحتمال.
وقوله: «حكما» اي: عند الحاكم اذا ترافعا، اما اذا لم يترافعا وصدقته فلا حاجة للترافع.
قوله: «وانت طالق ان رايت الهلال، فان نوى رؤيتها لم تطلق حتى تراه، والا طلقت بعد الغروب برؤية غيرها» .
اذا قال: انت طالق ان رايت الهلال، ظاهر اللفظ ان راته هي بنفسها فلا تطلق حتى تراه، فان راه غيرها لم تطلق، وعلى هذا فان كان نظرها قاصرا لا ترى الهلال الا في الليلة الرابعة، فانها تطلق في الليلة الرابعة، اما اذا اراد بقوله: «ان رايت الهلال» يعني ان ثبت دخول الشهر فانها تطلق برؤية غيرها.
* * *
فصل

وان حلف لا يدخل دارا او لا يخرج منها فادخل او اخرج بعض جسده، او دخل طاق الباب، او لا يلبس ثوبا من غزلها فلبس ثوبا فيه منه، او لا يشرب ماء هذا الاناء فشرب بعضه لم يحنث، وان فعل المحلوف عليه ناسيا او جاهلا حنث في طلاق وعتاق فقط،………………
قوله: «وان حلف لا يدخل دارا او لا يخرج منها فادخل او اخرج بعض جسده» فانه لا يحنث، مثاله: قال: والله لا ادخل هذه الدار، فادخل بعض جسده، مثل راسه، يعني انحنى بظهره حتى دخل راسه من الباب فانه لا يحنث؛ لانه ما دخل، وكذلك لو قال: والله لا اخرج من هذا البيت ثم اخرج بعض جسده لم يحنث؛ لانه لم يخرج، هذا التعليل، اما الدليل فلانه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يخرج راسه الى عائشة رضي الله عنها وهو معتكف، وهي في حجرتها فترجله[(83)]، والمعتكف ممنوع من الخروج من المسجد، فدل هذا على ان اخراج بعض الجسد لا يكون اخراجا.
قوله: «او دخل طاق الباب» دخل كله لكن تحت طاق الباب، فانه لا يحنث، سواء بدخول او بخروج؛ لانه ما انفصل من المكان، والعبرة بالعرف، وهذا في منزلة بين المنزلتين، فهو لم يخرج ولم يدخل.
قوله: «او لا يلبس ثوبا من غزلها فلبس ثوبا فيه منه» فاذا حلف لا يلبس ثوبا من غزلها، فلبس ثوبا فيه من غزلها فانه لا يحنث؛ لان البعض ليس كالكل، وهذا فيه بعض من غزلها، وليس فيه كل الغزل.
قوله: «او لا يشرب ماء هذا الاناء فشرب بعضه لم يحنث» قال: والله لا اشرب ماء هذا الاناء فشرب بعضا منه، فانه لا يحنث؛ لان البعض ليس كالكل، وقد سبق لنا ان ما كان ايجابا فانه يشمل الجميع، والنفي يثبت حتى في البعض، لكن لو قال: والله لا اشرب ماء هذا النهر وشرب بعضه يقول العلماء: انه يحنث لاستحالة تعلقه بالكل، فغير معقول ان يشرب الانسان كل النهر، فلما تعذر حمله على الكل ثبت الحكم في بعضه، وهذه قرينة ظاهرة، فكل يعرف انه اذا قال: والله ما اشرب ماء هذا النهر انه لا يقصد شرب مائه كله، فالمهم انه يفرق بين ما يمكن ان يراد به الكل، وبين ما لا يمكن، فالذي لا يمكن ان يراد به الكل يحمل على البعض، فلو قال: والله لا اكل الخبز، واكل خبزا يحنث؛ اذ يستحيل ان ياكل خبز الدنيا كلها، لكن لو قال: والله لا اكل هذه الخبزة فاكل بعضها ما يحنث.

، وان فعل بعضه لم يحنث الا ان ينويه، وان حلف ليفعلنه لم يبر الا بفعله كله.
قوله: «وان فعل المحلوف عليه ناسيا او جاهلا حنث في طلاق وعتاق فقط» اذا فعل المحلوف عليه ناسيا، مثل ان يقول: والله لا اكلم فلانا، فنسي فكلمه فلا شيء عليه؛ لان الحنث على اسمه، يعامل معاملة الاثم، وفعل ما ياثم به على وجه النسيان لا شيء فيه؛ لقوله تعالى: {{ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطانا}} [البقرة: 286] ، فهذا الرجل قال: والله لا اكلم فلانا فكلمه ناسيا، نقول له: لا شيء عليك، ولكن هل تبقى يمينه او تنحل؟ تبقى يمينه لكنه لا يحنث، بمعنى اننا لا نلزمه بالكفارة.
وكذلك لو فعله جاهلا قال: والله لا البس هذا الثوب، فلبس ثوبا يظنه غيره، فتبين انه المحلوف عليه فليس عليه الحنث، لكن متى علم وجب عليه خلعه، ويمينه باقية.
كذلك لو فعله مكرها، مثل ما لو اكره على ان يفعل المحلوف عليه ففعل، فانه لا حنث عليه، ولكن اليمين باقية.
وكذلك لو فعله نائما قال: والله لا البس الغترة اليوم، ونام وبجانبه غترة فلبسها، فليس عليه شيء؛ لانه نائم، ولهذا فان المحرم لو غطى راسه وهو نائم فلا شيء عليه، لكن متى استيقظ وجب عليه ازالته او يحنث.
وقوله: «حنث في طلاق وعتاق فقط» يعني وفي غيرهما لا يحنث، في طلاق مثل ان يقول: ان لبست هذا الثوب فزوجتي طالق، فنسي ولبسه تطلق زوجته، وكذلك لو قال: ان لبست هذا الثوب فزوجتي طالق ولبسه جاهلا انه الثوب الذي علق الطلاق عليه فان زوجته تطلق؛ لان الطلاق حق ادمي، وحق الادمي ما يعذر فيه بالجهل والنسيان، هذا هو السبب.
وكذلك العتق لو قال: ان لبست هذا الثوب فعبدي حر فلبسه ناسيا او جاهلا عتق العبد؛ والعلة فيه ما سبق انه حق ادمي لا يعفى فيه بالجهل والنسيان، وليت المؤلف ذكر شيئا ثالثا وهو الاكراه.
والصواب في هذه المسالة: انه لا حنث عليه لا في الطلاق ولا في العتق؛ لان لدينا قاعدة ممن له الحكم، وهو الله تبارك وتعالى، فقد قال في قول المؤمنين: {{ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطانا}} [البقرة: 286] : «قد فعلت»[(84)]، وقال تعالى: {{وليس عليكم جناح فيما اخطاتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم}} [الاحزاب: 5] حتى اليمين اذا حلف الانسان وهو لم يعقدها لم تكن شيئا، قال الله تعالى: {{لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان}} [المائدة: 89] ، وعلى هذا فلا تطلق زوجته بذلك، ولا يعتق عبده بذلك، وهذا هو اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.
كذلك لو حلف على شيء يظن انه كذا وليس كذلك؛ فانه لا حنث عليه الا في الطلاق والعتق، مثل ان يقول: ان كان فلان قادما فزوجتي طالق، وظنه انه لم يقدم، فالمذهب ان الزوجة تطلق.
والصواب: انها لا تطلق؛ لان حكمه حكم اليمين، وقد ثبت ان رجلا قال للرسول عليه الصلاة والسلام لما قال: «خذ هذا فتصدق به» ، فقال الرجل: اعلى افقر مني يا رسول الله، فوالله ما بين لابتيها اهل بيت افقر مني[(85)]، حلف على هذا، وهل هو قد فتش البيوت؟! ما فتش، ولكنه حلف على ظنه، وكذلك في القسامة اولياء المقتول يحلفون على القاتل، وان كانوا لم يروه بناء على غلبة ظنهم.
وكذلك ايضا لو حلف على شيء مستقبل يظن وقوعه فلم يقع، مثل ان يقول: والله ليقدمن زيد غدا، ثم لم يقدم فلا شيء عليه؛ لانه حين قال: والله ليقدمن غدا لا يريد الالتزام ولا الالزام، وانما يخبر عما في قلبه، سواء قدم ام لم يقدم، حتى وان لم يقدم، لو سئل لقال: نعم انا اظن انه سيقدم، وانا ما حلفت على شيء الا واظن وقوعه، وما زلت اظن وقوعه حتى غربت الشمس.
وكذلك لو كان طلاقا فقال: علي الطلاق ليقدمن زيد غدا، فلم يقدم وقصده الخبر، وليس قصده الزام زيد بالقدوم، ولا ان يلتزم بمجيئه به، فانه لا حنث عليه، هذا هو الصواب في هذه المسالة، وهو ان الاصل ان العبادات مبنية على غلبة الظن، ولا يكلف الله نفسا الا وسعها.
قوله: «وان فعل بعضه لم يحنث الا ان ينويه» ان حلف على شيء لا يفعلنه، ولكنه فعل بعضه لم يحنث الا ان ينويه، فان نواه حنث؛ لان الايمان مبنية على النية.
مثال ذلك قال: والله لاكلن هذه الخبزة فاكل بعضها فانه لا يحنث الا اذا نوى جزءا منها، اي: قصده مجرد طعمها؛ وكذلك لو كان هناك قرينة كما تقدم لنا في مسالة الحلف على شرب ماء النهر، فاذا كان هناك نية تدل على انه اراد البعض، او قرينة تدل على انه اراد البعض عمل بها.
قوله: «وان حلف ليفعلنه لم يبر الا بفعله كله» حلف ليفعلن هذا الشيء فما يبر الا بفعله كله، مثل ان يقول: والله لاكتبن باب الطلاق من زاد المستقنع، فكتب سطرين ثم قال: ما انا بكاتب، نقول: يحنث؛ لانه لا يبر الا بفعله كله.
واعلم ان ما ذكره المؤلف هنا تحكم فيه النية فاذا نوى شيئا حكم به؛ لان اول ما نرجع في الايمان الى نية الحالف كما سياتي ان شاء الله.

[72] سبق تخريجه ص(13).
[73] علقه البخاري بصيغة الجزم في الاجارة/ باب اجر السمسرة، ووصله ابو داود في القضاء/ باب المسلمون على شروطهم (3594)، والحاكم (2/92) عن ابي هريرة رضي الله عنه. واخرجه الترمذي في الاحكام/ باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس (1352) عن كثير بن عبد الله المزني عن ابيه عن جده، وقال: حسن صحيح.
واخرجه الدارقطني (3/27 28)، والحاكم (2/49 50) عن عائشة وانس رضي الله عنهما بلفظ: «المسلمون عن شروطهم ما وافق الحق»؛ وصححه النووي في المجموع (9/464)، والالباني في الارواء (1303).
[74] سبق تخريجه ص(17).
[75]اخرجه احمد (2/189)، وابو داود في الطلاق/ باب في الطلاق قبل النكاح (2190)، والترمذي في الطلاق/ باب ما جاء لا طلاق قبل النكاح (1181)، وابن ماجه في الطلاق/ باب لا طلاق قبل النكاح (2047) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح» وصححه الالباني في الارواء (1751).
[76]الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (6/575).
[77]الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله (ت 1376ه).
[78] قال في الروض: «تطلق طاهرا في نصف عادتها؛ لان الاحكام تتعلق بالعادة، فتعلق بها وقوع الطلاق، لكن اذا مضت حيضة مستقرة تبينا وقوعه في نصفها؛ لان النصف لا يعرف الا بوجود الجميع». الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (6/559).
[79]الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (6/562).
[80] قال في الروضة: ان وقعت الاولى والثانية رجعيتين؛ لان الثانية طلقة واقعة عليها، فتقع بها الثالثة (6/569).
الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (6/573). [81] [82] اخرجه مسلم في الجنائز/ باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لاهلها (974) (103) عن عائشة رضي الله عنها.
[83] اخرجه البخاري في الحيض/ باب غسل الحائض راس زوجها وترجيله (295)، ومسلم في الطهارة/ باب جواز غسل الحائض راس زوجها وترجيله… (297) عن عائشة رضي الله عنها.
[84] اخرجه مسلم في الايمان/ باب بيان انه سبحانه وتعالى لم يكلف الا ما يطاق (126) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[85] اخرجه البخاري في الصوم/ باب اذا جامع في رمضان… (1936)، ومسلم في الصيام/ باب تحريم الجماع في شهر رمضان… (1111).

  • هل يسقط يمين الطلاق المعلق بوفاة الزوج
السابق
كلمات على قافية ضلوع
التالي
كلمات عن الصمت الحزين