افضل مواضيع جميلة بالصور

من استاذ الامام ابو حنيفة

ابو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي 80-150ه / 699-767م فقيه وعالم مسلم،
واول الائمة الاربعة عِندِ اهل السنة والجماعة،
وصاحب المذهب الحنفي فِي الفقه الاسلامي.
اشتهر بعلمه الغزير واخلاقه الحسنة،
حتي قال فيه الامام الشافعي: «من ارادِ ان يتبحر فِي الفقه فَهو عيال علي ابي حنيفة»،
ويعدِ ابو حنيفة مِن التابعين،
فقدِ لقي عدَدا مِن الصحابة مِنهم انس بن مالك،
وكان معروفا بالورع وكثرة العبادة والوقار والاخلاص وقوة الشخصية.
كان ابو حنيفة يعتمدِ فِي فقهه علي ستة مصادر هي: القران الكريم،
والسنة النبوية،
والاجماع،
والقياس،
والاستحسان،
والعرف والعادة.
ولدِ ابو حنيفة بالكوفة ونشا فيها،
وقدِ كَانت الكوفة احدي مدن العراق العظيمة،
ينتشر فيها العلماءَ اصحاب المذاهب والديانات المختلفة،
وقدِ نشا ابو حنيفة فِي هَذه البيئة الغنية بالعلم والعلماء،
فابتدا منذُ الصبا يجادل مَع المجادلين،
ولكنه كَان منصرفا الي مهنة التجارة،
فابوه وجده كَانا تاجرين،
ثم انصرف الي طلب العلم،
وصار يختلف الي حلقات العلماء،
واتجه الي دِراسة الفقه بَعدِ ان استعرض العلوم المعروفة فِي ذلِك العصر،
ولزم شيخه حمادِ بن ابي سليمان يتعلم مِنه الفقه حتّى مات حمادِ سنة 120ه،
فتولي ابو حنيفة رئاسة حلقة شيخه حمادِ بمسجدِ الكوفة،
واخذ يدارس تلاميذه ما يعرض لَه مِن فتاوى،
حتي وَضع تلك الطريقَة الفقهية الَّتِي اشتق مِنها المذهب الحنفي.
وقعت بالامام ابي حنيفة محنتان،
المحنة الاولي فِي عصر الدولة الاموية،
وسببها أنه وقف مَع ثورة الامام زيدِ بن علي،
ورفض ان يعمل عِندِ والي الكوفة يزيدِ بن عمر بن هبيرة،
فحبسه الوالي وضربه،
وانتهت المحنة بهروبه الي مكة عام 130ه،
وظل مقيما بها حتّى صارت الخلافة للعباسيين،
فقدم الكوفة فِي زمن الخليفة العباسي ابي جعفر المنصور.
اما المحنة الثانية فكَانت فِي عصر الدولة العباسية،
وسببها أنه وقف مَع ثورة الامام محمدِ النفس الزكية،
وكان يجهر بمخالفة المنصور فِي غاياته عندما يستفتيه،
وعندما دِعاه ابو جعفر المنصور ليتولي القضاءَ امتنع،
فطلب مِنه ان يَكون قاضي القضآة فامتنع،
فحبسه الي ان توفي فِي بغدادِ سنة 150ه،
ودفن فِي مقبرة الخيزران فِي بغداد،
وبني بجوار قبره جامع الامام الاعظم عام 375ه.

مولده ونسبه[عدل] ولدِ الامام ابو حنيفة بالكوفة سنة 80 مِن الهجرة النبوية،
الموافقة لسنة 699 مِن الميلاد،
علي رواية الاكثرين الَّتِي يكادِ يجمع عَليها المؤرخون.[1] وابوه: هُو ثابت بن النعمان بن زوطي بن ماه ،

وهُناك خلاف فِي تحديدِ انتماءه العرقي،
حيثُ تُوجدِ روايات متعددة،
مِنها أنه مِن اصل فارسي وهَذه الرواية متداولة ومعروفة والقول أنه مِن اصل نبطي[2]بابلي ،
عراقي منذُ القدم [3] ،

وهو ما اثبتته عدَدِ مِن الدراسات الاكاديمية التاريخية،
حيثُ ثبتت عروبته وانه مِن اصل عربي عِندِ المؤرخين العرب مِثل مصطفي جواد،
وناجي معروف وغيرهم،
ولقدِ الف الاستاذ ناجي معروف كتابا يثبت فيه عروبته وانتماءه الي اصل عربي بسندِ تاريخي،
يبطل كُل ما قيل عنه سابقا بانه غَير عربي،
في كتابه القيم عروبة الامام ابي حنيفة النعمان،
واستنادا الي مقولة: اهل مكة ادري بشعابها)،
تؤكدِ المصادر الحنفية،
انه عربي الارومة،
وان ثابت بن المرزبان،
من بني يحيي بن زيدِ بن اسد،
من عرب الازدِ الَّذِين هاجروا مِن اليمن وسكنوا ارض العراق بَعدِ أنهيار سدِ مارب جراءَ سيل العرم
نشا ابو حنيفة بالكوفة وتربي بها،
وعاش أكثر حياته فيها،
متعلما ومجادلا ومعلما،
ولم تبين المصادر حيآة ابيه وحاله وما كَان يتولاه مِن الاعمال،
ولكن قَدِ يستنبط مِنها شيء مِن احواله،
فقدِ يستفادِ مِنها أنه كَان مِن اهل اليسار والغنى،
وانه كَان مِن التجار،
وانه كَان مسلما حسن الاسلام.[7] ولقدِ روي ان عليا بن ابي طالب دِعا لثابت عندما راه بالبركة فيه وفي ذريته،
ويؤخذ مِن هَذا أنه كَان مسلما وقْت هَذه الدعوة،
وقدِ صرحت كتب التاريخ بان ثابتا ولدِ علي الاسلام،
وعلي ذلِك يَكون ابو حنيفة قَدِ نشا أول نشاته فِي بيت اسلامي خالص،
وذلِك ما يقرره العلماءَ جميعا الا مِن لا يؤبه لشذوذهم ولا يلتفت لكلامهم.[8] ولقدِ كَانت الكوفة وهي مولدِ ابي حنيفة احدي مدن العراق العظيمة،
بل ثاني مصريه العظيمين فِي ذلِك الوقت،
وفي العراق الملل والنحل والاهواء،
وقدِ كَان موطنا لمدنيات قديمة،
كان السريان قَدِ انتشروا فيه وانشاوا لَهُم مدارس بِه قَبل الاسلام،
وكانوا يدرسون فيها فلسفة اليونان وحكمة الفرس،
كَما كَان فِي العراق قَبل الاسلام مذاهب نصرانية تتجادل فِي العقائد،
وكان العراق بَعدِ الاسلام مزيجا مِن اجناس مختلفة وفيه اضطراب وفتن،
وفيه اراءَ تتضارب فِي السياسة واصول العقائد،
ففيه الشيعة،
وفي باديته الخوارج،
وفيه المعتزلة،
وفيه تابعون مجتهدون حملوا علم مِن لقوا مِن الصحابة،
فكان فيه علم الدين سائغا مورودا،
وفيه النحل المتنازعة والاراءَ المتضاربة.[9] فتحت عين ابي حنيفة فراي هَذه الاجناس،
ونضج عقله فانكشفت لَه هَذه الاراء،
وابتدا منذُ الصبا يجادل مَع المجادلين،
ولكنه كَان منصرفا الي مهنة التجارة،
ويختلف الي الاسواق ولا يختلف الي العلماءَ الا قلِيلا،
حتي لمح بَعض العلماءَ ما فيه مِن ذكاءَ وعقل علمي،
فضن به،
ولم يردِ ان يَكون كله للتجارة،
فاوصاه بان يختلف الي العلماءَ كَما يختلف الي الاسواق.
ويروي عَن ابي حنيفة أنه قال: مررت يوما علي الشعبي وهو جالس فدعاني،
فقال لي: «الي مِن تختلف؟»،
فقلت: «اختلف الي السوق»،
فقال: «لم اعن الاختلاف الي السوق،
عنيت الاختلاف الي العلماء»،
فقلت له: «انا قلِيل الاختلاف اليهم»،
فقال لي: «لا تغفل،
وعليك بالنظر فِي العلم ومجالسة العلماء،
فاني اري فيك يقظة وحركة»،
قال: «فوقع فِي قلبي مِن قوله،
فتركت الاختلاف الي السوق،
واخذت فِي العلم،
فنفعني الله بقوله».

توجهه الي طلب العلم[عدل] انصرف ابو حنيفة الي العلم بَعدِ نصيحة الشعبي،
وصار يختلف الي حلقات العلماء،
وكَانت حلقات العلم فِي ذلِك العصر ثلاثة انواع: حلقات للمذاكرة فِي اصول العقائد،
وهَذا ما كَان يخوض فيه اهل الفرق المختلفة،
وحلقات لمذاكرة الاحاديث النبوية وروايتها،
وحلقات لاستنباط الفقه مِن الكتاب والسنة،
والفتيا فيما يقع مِن الحوادث.
وقدِ ذكرت المصادر عدة روايات عَن ابي حنيفة تدل علي أنه عندما تفرغ لطلب العلم اتجه الي الفقه بَعدِ ان استعرض العلوم المعروفة فِي ذلِك العصر،
واختار اولا علم الكلام والجدل مَع الفرق،
ثم انصرف عنه الي الفقه.[11] وهَذه رواية قَدِ رويت مِن عدة طرق احداها عَن ابي يوسف صاحب ابي حنيفة ان ابا حنيفة سئل: «كيف وفقت الي الفقه؟»،
فقال: «اخبرك،
اما التوفيق فكان مِن الله،
وله الحمدِ كَما هُو اهله ومستحقه،
اني لما اردت تعلم العلم جعلت العلوم كلها نصب عيني،
فقرات فنا فنا مِنها،
وتفكرت عاقبته وموضع نفعه،
فقلت اخذ فِي الكلام،
ثم نظرت،
فاذا عاقبته عاقبة سوء ونفعه قلِيل،
واذا كمل الانسان فيه لا يستطيع ان يتكلم جهارا ورمي بِكُل سوء ويقال صاحب هوى،
ثم تتبعت امر الادب والنحو،
فاذا عاقبة امَره ان اجلس مَع صبي اعلمه النحو والادب،
ثم تتبعت امر الشعر،
فوجدت عاقبة امَره المدح والهجاء،
وقول الكذب وتمزيق الدين،
ثم تفكرت فِي امر القراءات،
فقلت: إذا بلغت الغاية مِنه اجتمع الي احداث يقرؤون علي،
والكلام فِي القران ومعانيه صعب،
فقلت: اطلب الحديث،
فقلت: إذا جمعت مِنه الكثير احتاج الي عمر طويل حتّى يحتاج الي،
واذا احتيج الي لا يجتمع الا الاحداث،
ولعلهم يرمونني بالكذب وسوء الحفظ فيلزمني ذلِك الي يوم الدين،
ثم قلبت الفقه،
فكلما قلبته وادرته لَم يزددِ الا جلالة،
ولم اجدِ فيه عيبا،
ورايت الجلوس مَع العلماءَ والفقهاءَ والمشايخ والبصراءَ والتخلق باخلاقهم،
ورايت أنه لا يستقيم اداءَ الفرائض واقامة الدين والتعبدِ الا بمعرفته،
وطلب الدنيا والاخرة الا به،
ومن ارادِ ان يطلب بِه الدنيا طلب بِه امرا جسيما،
وصار الي رفعة مِنها،
ومن ارادِ العبادة والتخلي لَم يستطع أحدِ ان يقول: تعبدِ بغير علم،
وقيل أنه فقه وعمل بعلم».[12][13] تثقف ابو حنيفة اذن بالثقافة الاسلامية كلها الَّتِي كَانت فِي عصره،
فقدِ حفظ القران علي قراءة عاصم،
وعرف قدرا مِن الحديث،
وقدرا مِن النحو والادب والشعر،
وجادل الفرق المختلفة فِي مسائل الاعتقادِ وما يتصل به،
وكان يرحل لهَذه المناقشة الي البصرة،
وكان يمكث بها احيانا سنة لذلِك الجدل،
ثم انصرف بَعدِ ذلِك الي الفقه،[14] واتجه الي دِراسة الفتيا علي المشايخ الكبار الَّذِين كَانوا فِي عصره،
ولزم واحدا مِنهم،
اخذ عنه وتخرج عَليه،
ولقدِ كَانت الكوفة فِي عهده موطن فقهاءَ العراق،
كَما كَانت البصرة موطن الفرق المختلفة ومن كَانوا يخوضون فِي اصول الاعتقاد،
وقدِ كَانت تلك البيئة الفكرية لَها اثرها فِي نفْسه،
حتي قال: «كنت فِي معدن العلم والفقه،
فجالست اهله ولزمت فقيها مِن فقهائهم».[15] ملازمته لشيخه حمادِ بن ابي سليمان[عدل]

مسجدِ الكوفة عام 1915م،
حيثُ تعلم ابو حنيفة وعلم الفقه الاسلامي
لزم ابو حنيفة حمادِ بن ابي سليمان،
وتخرج عَليه فِي الفقه،
واستقر معه الي ان مات،
وان حمادا قَدِ مات فِي سنة 120ه،
فكانه مات وابو حنيفة فِي الاربعين مِن عمره،
وعلي ذلِك فإن ابا حنيفة لَم يستقل بالدراسة الا وهو فِي سن الاربعين،
وقدِ بلغ اشده فِي الجسم والعقل معا،
وقدِ روي عَن ابي حنيفة أنه قال عَن صلته بشيخه حماد: «صحبته عشر سنين،
ثم نازعتني نفْسي الطلب للرياسة،
فاردت ان اعتزله،
واجلس فِي حلقة لنفسي،
فخرجت يوما بالعشي وعزمي ان افعل،
فلما دِخلت المسجدِ ورايته لَم تطلب نفْسي ان اعتزله،
فجئت وجلست معه،
فجاءه فِي تلك الليلة نعي قرابة لَه قَدِ مات بالبصرة وترك مالا،
وليس لَه وارث غَيره،
فامرني ان اجلس مكانه،
فما هُو الا ان خرج حتّى وردت علي مسائل لَم اسمعها مِنه،
فكنت اجيب واكتب جوابي،
ثم قدم فعرضت عَليه المسائل،
وكَانت نحوا مِن ستين مسالة،
فوافقني فِي اربعين وخالفني فِي عشرين،
فاليت علي نفْسي الا افارقه حتّى يموت،
فلم افارقه حتّى مات».[16][17][18] وقدِ ثبت ان ابا حنيفة لازمه ثماني عشرة سنة،
فقدِ روي عنه أنه قال: «قدمت البصرة فظننت اني لا اسال عَن شيء الا اجبت عنه،
فسالوني عَن اشياءَ لَم يكن عندي فيها جواب،
فجعلت علي نفْسي الا افارق حمادا حتّى يموت،
فصحبته ثماني عشرة سنة».[17][19][20] ويلاحظ مِن ذلِك ان ابا حنيفة تتلمذ عِندِ شيخه حمادِ وهو فِي سن الثانية والعشرين،
ولازمه حتّى سن الاربعين،
ثم استقل بالدرس والبحث،
وتولي حلقته بَعدِ ذلك،
وكان مَع ملازمته لشيخه حمادِ قَدِ لاقي غَيره مِن الفقهاءَ والمحدثين،
وكان يتتبع التابعين أينما كَانوا وحيثما ثقفوا.[21] جلس ابو حنيفة وهو فِي الاربعين مِن عمَره فِي مجلس شيخه حمادِ بمسجدِ الكوفة،
واخذ يدارس تلاميذه ما يعرض لَه مِن فتاوى،
وما يبلغه مِن اقضية،
ويقيس الاشياءَ باشباهها،
والامثال بامثالها،
حتي وَضع تلك الطريقَة الفقهية الَّتِي اشتق مِنها المذهب الحنفي.[22] فقهه واصول مذهبه[عدل]

جامع الامام ابي حنيفة عام 2008م
روي عَن الامام ابي حنيفة أنه قال: «اخذ بكتاب الله تعالى،
فان لَم اجدِ فبسنة رسول الله Mohamed peace be upon him.svg،
فان لَم اجدِ فِي كتاب الله ولا فِي سنة رسول الله Mohamed peace be upon him.svg اخذت بقول الصحابة،
اخذ بقول مِن شئت مِنهم وادع قول مِن شئت مِنهم،
ولا اخرج عَن قولهم الي قول غَيرهم،
فاذا انتهي الامر الي ابراهيم والشعبي وابن سيرين والحسن وعطاءَ وسعيدِ بن المسيب وعدَدِ رجالا فقوم اجتهدوا،
فاجتهدِ كَما اجتهدوا».[23] وقال سَهل بن مزاحم: «كلام ابي حنيفة اخذ بالثقة وفرار مِن القبح،
والنظر فِي معاملات الناس وما استقاموا عَليه وصلح عَليه امورهم،
يمضي الامور علي القياس،
فاذا قبح القياس امضاها علي الاستحسان،
ما دِام يمضي له،
فاذا لَم يمض لَه رجع الي ما يتعامل المسلمون به،
وكان يؤصل الحديث المعروف الَّذِي قَدِ اجمع عَليه،
ثم يقيس عَليه ما دِام القياس سائغا،
ثم يرجع الي الاستحسان ايهما كَان اوفق رجع اليه».[24] هَذه النقول وغيرها تدل علي مجموع المصادر الفقهية عِندِ الامام ابي حنيفة،
فهي: القران الكريم،
والسنة النبوية الشريفة،
والاجماع،
والقياس،
والاستحسان،
والعرف والعادة.[25] ولقدِ الف الامام المرتضي الزبيدي كتابا فِي ادلة المذهب الحنفي اسماه عقودِ الجواهر الحنيفة فِي ادلة مذهب الامام ابي حنيفة).
القران الكريم[عدل] القران الكريم عِندِ الامام ابي حنيفة هُو المصدر الاول والاعلي فِي مسائل الفقه،
لانه الكتاب القطعي الثبوت،
لا يشك فِي حرف مِنه،
وانه ليس يوازيه ولا يصل الي رتبته فِي الثبوت الا الحديث المتواتر،
لذلِك لا يري نسخ القران الكريم بخبر الاحادِ مِن السنة،
وإنما يعمل بها ما امكن،
والا ترك السنة الظنية للكتاب القطعي.[26] السنة النبوية[عدل] لا يجعل الامام ابو حنيفة السنة النبوية فِي رتبة واحدة،
بل يقدم مِثلا السنة القولية علي الفعلية،
لجواز ان يَكون الفعل خصوصية للنبي،
ويقدم السنة المتواترة علي خبر الاحادِ عِندِ التعارض وعدَم امكان الجمع بينهما،
بل أنه يترك العمل بخبر الاحادِ إذا خالف قاعدة شرعية ماخوذة مِن نص القران أو السنة.[27] الاجماع[عدل] فما اجمع عَليه اصحاب الرسول وما اختلفوا فيه لا يخرج عَن اقوالهم الي اقوال غَيرهم،
والاجماع: هُو اتفاق الائمة المجتهدين فِي عصر مِن العصور بَعدِ انتقال الرسول عَن الدنيا علي حكم شرعي،
والاجماع عِندِ الامام ابي حنيفة حجة معمول به.[28] القياس[عدل] وهو الحاق فرع باصل فيه نص بحكم معين مِن الوجوب أو الحرمة،
لوجودِ علة الحكم فِي الفرع كَما هِي فِي الاصل.
والامام ابو حنيفة يقدم السنة ولو كَان حديثا مرسلا علي القياس،
كَما يقدم الحديث الضعيف علي القياس.[29] الاستحسان[عدل] وهو طلب الاحسن للاتباع الَّذِي هُو مامور به،
وقدِ بان ان الاستحسان عِندِ الامام ابي حنيفة ليس اتباعا للهوي ولا حكَما بالغرض،
ولكنه اختيار اقوي الدليلين فِي حادثة معينة.[30] العرف والعادة[عدل] وهو ما استقر فِي النفوس مِن جهة العقول،
وتلقته الطباع السليمة بالقبول،
والاصل فِي اعتبار العرف دِليلا شرعيا قول ابن مسعود: «ما راه المسلمون حسنا فَهو عِندِ الله حسن»،
ويَكون العرف دِليلا حيثُ لا دِليل شرعي مِن الكتاب والسنة،
اما إذا خالف العرف الكتاب والسنة كتعارف بَعض التجار التعامل بالربا،
فَهو عرف مردودِ لانه محادِ للشريعة ومخالف لها.[31] تجارته[عدل] نشا ابو حنيفة فِي بيت مِن بيوت اهل اليسار والغنى،
فابوه وجده كَانا تاجرين،
ويغلب علي الظن ان تجارتهما كَانت فِي الخز وهو نوع مِن الاقمشة)،
وهي تجارة تدر علي صاحبها الخير الوفير،
واخذ ابو حنيفة عنهما هَذه التجارة،
فنشا أول نشاته يختلف الي السوق،
ولا يعكف علي الاستماع الي العلماء،
ثم اتجه الي العلم،
ولكنه لَم ينقطع عَن التجارة،
بل استمر تاجرا الي ان مات،
وكان لَه شريك يظهر أنه اعانه علي الاستمرار فِي طلب العلم وخدمة الفقه ورواية الحديث.[32] اتصف ابو حنيفة التاجر بصفات تجعله مِثلا كاملا للتاجر المستقيم،
فقدِ كَان ثري النفس لَم يستول عَليه الطمع الَّذِي يفقر النفوس،
ولعل منشا ذلِك أنه نشا فِي اسرة غنية فلم يذق ذل الحاجة،
وكان عظيم الامانة شديدا علي نفْسه فِي كُل ما يتصل بها،
وكان سمحا قَدِ وقاه الله شح نفْسه،
وكان بالغ التدين شديدِ التنسك عظيم العبادة يصوم النهار ويقُوم الليل.
فكان لهَذه الصفات اثرها فِي معاملاته التجارية،
حتي كَان غريبا بَين التجار،
وحتي شبهه كثِيرون فِي تجارته بابي بكر الصديق.
ويروي أنه قَدِ جاءته امرآة بثوب مِن الحرير تبيعه له،
فقال: «كم ثمنه؟»،
فقالت: «مئة»،
فقال: «هو خير مِن مئة،
بكم تقولين؟»،
فزادت مئة مئة حتّى قالت: «اربعمئة»،
قال: «هو خير مِن ذلك»،
قالت: «تهزا بي»،
قال: «هاتي رجلا يقومه»،
فجاءت برجل،
فاشتراه بخمسمئة.[33][34] ولقدِ كَان ابو حنيفة شديدِ الحرج فِي كُل ما تخالطه شبهة الاثم ولو كَانت بعيدة،
فان ظن اثما أو توهمه فِي مال خرج مِنه،
وتصدق بِه علي الفقراءَ والمحتاجين،
ويروي أنه بعث شريكه حفص بن عبدِ الرحمن بمتاع،
واعلمه ان فِي ثوب مِنه عيبا،
واوجب عَليه ان يبين العيب عِندِ بيعه،
فباع حفص المتاع ونسي ان يبين،
ولم يعلم مِن الَّذِي اشتراه،
فلما علم ابو حنيفة تصدق بثمن المتاع كله.[35][36][37][38] وقدِ كَانت تجارة ابي حنيفة تدر عَليه الدر الوفير،
ويروي أنه كَان يجمع الارباح عنده مِن سنة الي سنة،
فيشتري بها حوائج المشايخ والمحدثين واقواتهم وكسوتهم وجميع حوائجهم،
ثم يدفع باقي الدنانير مِن الارباح اليهم،
فيقول: «انفقوا فِي حوائجكم،
ولا تحمدوا الا الله،
فاني ما اعطيتكم مِن مالي شيئا،
ولكن مِن فضل الله علي فيكم».[39][40] كَما كَان ابو حنيفة حريصا ان يَكون مظهره كمخبره حسنا،
فكان كثِير العناية بثيابه،
يختارها جيدة،
حتي لقدِ كَان كساؤه يقُوم بثلاثين دِينارا،
وكان حسن الهيئة كثِير التعطر.[41] محنته الاولي وهربه الي مكة[عدل] عاش ابو حنيفة 52 سنة مِن حياته فِي العصر الاموي،
و18 سنة فِي العصر العباسي،
فَهو قَدِ ادرك دِولتين مِن دِول الاسلام.
ويروي أنه لما خرج زيدِ بن علي زين العابدين علي هشام بن عبدِ الملك سنة 121ه كَان ابو حنيفة مِن المؤيدين للامام زيد،
قال ابو حنيفة: «ضاهي خروجه خروج رسول الله Mohamed peace be upon him.svg يوم بدر»،
ويروي أنه قال فِي الاعتذار عَن عدَم الخروج معه: «لو علمت ان الناس لا يخذلونه كَما خذلوا اباه لجاهدت معه لانه أمام حق،
ولكن اعينه بمالي،
فبعث اليه بعشرة الاف دِرهم».[42] وانتهت ثورة الامام زيدِ بقتله سنة 132ه،
كَما قتل ابنه يحيي فِي خراسان،
وابنه عبدِ الله بن يحيي فِي اليمن.
ولقدِ كَان لزيدِ بن علي منزلة فِي نفْس ابي حنيفة،
وكان يقدره فِي علمه وخلقه ودينه،
وعده الامام بحق،
وامده بالمال،
ثم راه يقتل بسيف الامويين،
ثم يقتل مِن بَعده ابنه،
ثم مِن بَعده حفيده،
فاحنقه كُل ذلك.
كان يزيدِ بن عمر بن هبيرة والي الكوفة انذاك،
فارسل الي ابي حنيفة يُريدِ ان يجعل الخاتم فِي يده،
ولا ينفذ كتاب الا مِن تَحْت يدِ ابي حنيفة،
فامتنع ابو حنيفة عَن ذلك،
فحلف الوالي ان يضربه ان لَم يقبل،
فنصح الناس ابا حنيفة ان يقبل ذلِك المنصب،
فقال ابو حنيفة: «لو ارادني ان اعدِ لَه ابواب مسجدِ واسط لَم ادخل فِي ذلك،
فكيف وهو يُريدِ مني ان يكتب دِم رجل يضرب عنقه واختم أنا علي ذلِك الكتاب،
فوالله لا ادخل فِي ذلِك ابدا»،
فحبسه صاحب الشرطة،
وضربه اياما متتالية،
فجاءَ الضارب الي الوالي وقال له: «ان الرجل ميت»،
فقال الوالي: «قل له: تخرجنا مِن يميننا؟»،
فساله فقال ابو حنيفة: «لو سالني ان اعدِ لَه ابواب المسجدِ ما فعلت»،
ثم امر الوالي بتخلية سبيله،
فركب دِوابه وهرب الي مكة بَعدِ ان مكن لَه الجلادِ مِن اسباب الفرار،
وكان هَذا فِي سنة 130ه.
ولقدِ وجدِ فِي الحرم المكي امنا،
فعكف علي الحديث والفقه يطلبهما بمكة الَّتِي ورثت علم ابن عباس،
والتقي ابو حنيفة بتلاميذه فيها،
وذاكرهم علمه وذاكروه ما عندهم،
وظل مقيما بمكة حتّى صارت الخلافة للعباسيين،
فقدم الكوفة فِي زمن ابي جعفر المنصور.[43] محنته الثانية ووفاته[عدل] استقبل ابو حنيفة عهدِ العباسيين بارتياح،
فقدِ راي اضطهادِ الامويين لبني علي بن ابي طالب واهل بيت النبي محمد،
واستمر علي ولائه للدولة العباسية لمحبته لال البيت جميعا،
ولقدِ كَان الخليفة ابو جعفر المنصور يدنيه ويعليه ويرفع قدره ويعطيه العطايا الجزيلة،
ولكنه كَان يردها ولا يقبل العطاء،
ولم يعرف عَن ابي حنيفة أنه تكلم فِي حكم العباسيين حتّى نقم عَليهم ابناءَ علي بن ابي طالب،
واشتدت الخصومة بينهم،
وقدِ كَان ولاءَ ابي حنيفة لبني علي،
فكان طبيعيا ان يغضب لغضبهم،
وخصوصا ان مِن ثارا علي حكومة ابي جعفر هما محمدِ النفس الزكية بن عبدِ الله بن الحسن،
واخوه ابراهيم بن عبدِ الله بن الحسن،
وكان ابوهما عبدِ الله ممن اتصل بِه ابو حنيفة اتصالا علميا،
وقدِ كَان عبدِ الله وقْت خروج ولديه فِي سجن ابي جعفر،
ومات فيه بَعدِ مقتل ولديه.[44] كان موقف ابي حنيفة مِن خروج محمدِ النفس الزكية علي المنصور شديدا،
فقدِ كَان يجهر بمناصرته فِي دِرسه،
بل وصل الامر الي ان ثبط بَعض قوادِ المنصور عَن الخروج لحربه.[45] وكان هَذا العمل فِي نظر المنصور مِن اخطر الاعمال علي دِولته،
لان ابا حنيفة تجاوز فيه حدِ النقدِ المجردِ والولاءَ القلبي الي العمل الايجابي،
فارادِ المنصور ان يختبر طاعة ابي حنيفة وولاءه له،
وقدِ كَان يبني بغدادِ انذاك،
فارادِ ان يجعله قاضيا،
فامتنع ابو حنيفة،
فاصر المنصور علي ان يتولي لَه عملا ايا كَان،
فقبل ابو حنيفة ان يقُوم ببعض اعمال البناءَ مِن اعدادِ اللبن وما شابه ذلك،
فاستطاع بذلِك ان يغمض عنه عين المنصور.[46] كان ابو حنيفة بَعدِ مناوآة بني علي للمنصور وايذائه لَهُم وقْتله لرؤوسهم لا يرتاح الي حكومته،
وقدِ استطاع ان يدرا عنه اذاه،
وانصرف الي العلم،
ولكن كَان مِن وقْت لاخر يقول بَعض الاقوال،
او تَكون مِنه امور تكشف عَن رايه فيه وفي حكومته،
ومن ذلِك ان اهل الموصل كَانوا قَدِ انتفضوا علي المنصور،
وقدِ اشترط المنصور عَليهم أنهم إذا انتفضوا تحل دِماؤهم له،
فجمع المنصور الفقهاءَ وفيهم ابو حنيفة،
فقال: «اليس صح أنه عَليه السلام قال: «المؤمنون عِندِ شروطهم»،
واهل الموصل قَدِ شرطوا الا يخرجوا علي،
وقدِ خرجوا علي عاملي،
وقدِ حلت لِي دِماؤهم»،
فقال رجل: «يدك مبسوطة عَليهم،
وقولك مقبول فيهم،
فان عفوت فانت اهل العفو،
وان عاقبت فبما يستحقون»،
فقال لابي حنيفة: «ما تقول أنت يا شيخ السنا فِي خلافة نبوة وبيت امان؟»،
قال: «انهم شرطوا لك ما لا يملكونه،
وشرطت عَليهم ما ليس لك،
لان دِم المسلم لا يحل الا باحدِ معان ثلاثة،
فان اخذتهم اخذت بما لا يحل،
وشرط الله احق ان توفي به»،
فامرهم المنصور بالقيام فتفرقوا ثُم دِعاه وقال: «يا شيخ،
القول ما قلت،
انصرف الي بلادك ولا تفت الناس بما هُو شين علي أمامك فتبسط ايدي الخوارج».[47] لقدِ كَان ابو حنيفة يميل الي ابناءَ علي بن ابي طالب،
وكان ذلِك يبدو علي لسانه فِي حلقة دِرسه وبين تلاميذه،
وكان يجهر بمخالفة المنصور فِي غاياته عندما يستفتيه،
كَما كَان يمتنع عَن قبول العطاءَ مِن المنصور،
وكان ينقدِ القضاءَ نقدا مرا إذا وجدِ فيه ما يخالف الحق فِي نظره،
من غَير ان يلتفت الي ما يجره ذلِك النقدِ مِن ضياع روعه الاحكام.[48] وعندما دِعا ابو جعفر المنصور ابا حنيفة ليتولي القضاءَ امتنع،
فطلب مِنه ان يرجع اليه القضآة فيما يشَكل عَليهم ليفتيهم فامتنع،
فانزل بِه العذاب بالضرب والحبس،
او الحبس وحده علي اختلاف الروايات،[49] ويروي ان ابا جعفر حبس ابا حنيفة علي ان يتولي القضاءَ ويصير قاضي القضاة،
فابي حتّى ضرب مئة وعشرة اسواط،
واخرج مِن السجن علي ان يلزم الباب،
وطلب مِنه ان يفتي فيما يرفع اليه مِن الاحكام،
وكان يرسل اليه المسائل،
وكان لا يفتي،
فامر ان يعادِ الي السجن،
فاعيدِ وغلظ عَليه وضيق تضييقا شديدا.[50] وقدِ اتفق الروآة علي أنه حبس،
وانه لَم يجلس للافتاءَ والتدريس بَعدِ ذلك،
اذ أنه مات بَعدِ هَذه المحنة أو معها،
ولكن اختلفت الرواية: امات محبوسا بَعدِ الضرب الَّذِي تكادِ الروايات تتفق عَليه أيضا ام مات محبوسا بالسم فلم يكتف بضربه بل سقي السم ليعجل موته ام اطلق مِن حبسه قَبل موته فمات فِي منزله بَعدِ المحنة ومنع مِن التدريس والاتصال بالناس كُل هَذه الروايات رويت.[51] توفي ابو حنيفة فِي رجب وقيل فِي شعبان وقيل لاحدي عشرة ليلة خلت مِن جمادي الاولي سنة 150ه،
وقيل سنة 151ه،
وقيل سنة 153ه،
وقيل توفي فِي اليَوم الَّذِي ولدِ فيه الامام الشافعي،
وكَانت وفاته فِي بغداد،
ودفن فِي مقبرة الخيزران،
وقبره هُناك مشهور يزار،
وصح ان الامام لما احس بالموت سجد،
فمات وهو ساجد.[52] وقدِ اوصي ابو حنيفة ان يدفن فِي ارض طيبة لَم يجر عَليها غصب،
والا يدفن فِي ارض قَدِ اتهم الامير بانه غصبها،
حتي يروي ان ابا جعفر عندما علم ذلِك قال: «من يعذرني مِن ابي حنيفة حيا وميتا»،
وشيعت بغدادِ كلها جنازة فقيه العراق،
والامام الاعظم،
ولقدِ قدر عدَدِ مِن صلوا عَليه بخمسين الفا،
حتي لقدِ صلي ابو جعفر نفْسه علي قبره بَعدِ دِفنه.[53][54] مؤلفاته واسباب قلتها[عدل] لم يكن عصر الامام ابي حنيفة عصر تاليف وتدوين بالمعني المعروف فيما بَعد،
بمعني ان يخلو العالم الي نفْسه فيكتب أو يملي الاشياءَ الكثيرة،
فلم يكن ابو حنيفة قَدِ فرغ نفْسه للتاليف والاملاء،
فقدِ كَان يقُوم الليل حتّى يصبح،
فاذا اصبح صلي الصبح ثُم جلس يعلم الناس حتّى يضحي،
ثم ذهب الي بيته لحاجاته،
ثم يخرج الي السوق لينظر فِي شؤون تجارته ودنياه،
ويعودِ مريضا،
او يشيع ميتا،
او يزور صديقا،
وينام بَين الظهر والعصر،
ثم يجلس بَعدِ العصر لتعليم الناس والاجابة علي اسئلتهم الي الليل،
وهكذا.
والتدريس شغله عَن التاليف،
وهو فَوق ذلِك مرجع طلاب العلم وشداته،
يقصدونه مِن الكوفة والبصرة وداني البلادِ وقاصيها،
لذا لَم تكُن لابي حنيفة تاليف كثِيرة تتناسب مَع مكانته العلمية العظيمة.[55] ولقدِ ثبت عَن الامام ابي حنيفة أنه الف فِي علم الكلام كتابي “الفقه الاكبر” و”الفقه الاوسط”،
وكتاب “العالم والمتعلم”،
وكتاب “الرسالة” الي مقاتل بن سليمان صاحب التفسير،
وكتاب “الرسالة” الي عثمان البتي فقيه البصرة،
وكتاب “الوصية” وهي وصايا عدة لاصحابه.[56] كَما املي الامام ابو حنيفة وكتب الاحاديث النبوية الشريفة،
فقدِ اخذ احاديث كثِيرة مِن رواته الاعلام،
حتي جمع مِنه صناديق،
وانتخب الاثار الَّتِي قال بها مِن اربعين الف حديث،
وقدِ اخذ حديث الكوفة والعراق وغيرها،
غير أنه شغل عَن رواية الحديث بفقه الحديث وفهمه وجمع نصوصه.
وقدِ روي عَن يحيي بن نصر بن حاجب أنه قال: سمعت ابا حنيفة رحمه الله تعالي يقول: «عندي صناديق مِن الحديث ما اخرجت مِنها الا اليسير الَّذِي ينتفع به».
ولقدِ جمع حديث ابي حنيفة فِي سبعة عشر مسندا،
وكان ابو حنيفة أول مِن صنف فِي الحديث النبوي الشريف مرتبا علي ابواب الفقه.[57] فضله وثناءَ الناس عَليه[عدل] تبشير النبي محمدِ به[عدل] قال الامام جلال الدين السيوطي: «قدِ بشر Mohamed peace be upon him.svg بالامام ابي حنيفة فِي الحديث الَّذِي اخرجه ابو نعيم فِي الحلية عَن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: «لو كَان العلم بالثريا لتناوله رجال مِن ابناءَ فارس»».[58] واخرج الشيرازي فِي الالقاب عَن قيس بن سعدِ بن عبادة قال: قال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: «لو كَان العلم معلقا بالثريا لتناوله قوم مِن ابناءَ فارس».[59] ثناءَ بَعض العلماءَ عَليه[عدل]

قال وكيع بن الجراح وهو شيخ الامام الشافعي: «كان ابو حنيفة عظيم الامانة،
وكان يؤثر رضا الله تعالي علي كُل شيء،
ولو اخذته السيوف فِي الله تعالي لاحتملها».[60] وقال الامام الشافعي: سئل مالك بن انس: «هل رايت ابا حنيفة وناظرته؟»،
فقال: «نعم،
رايت رجلا لَو نظر الي هَذه السارية وهي مِن حجارة،
فقال أنها مِن ذهب لقام بحجته».[61][62] وقال الامام الشافعي: «من ارادِ الحديث الصحيح فعليه بمالك،
ومن ارادِ الجدل فعليه بابي حنيفة،
ومن ارادِ التفسير فعليه بمقاتل بن سليمان».[61] وقال: «من ارادِ ان يتبحر فِي الفقه فَهو عيال علي ابي حنيفة،
كان ابو حنيفة ممن وفق لَه الفقه».[63] وقال الامام احمدِ بن حنبل: «ان ابا حنيفة مِن العلم والورع والزهدِ وايثار الاخرة بمحل لا يدركه احد،
ولقدِ ضرب بالسياط ليلي للمنصور فلم يفعل،
فرحمة الله عَليه ورضوانه».[60] كَما كَان الامام احمدِ كثِيرا ما يذكره ويترحم عَليه،
ويبكي فِي زمن محنته،
ويتسلي بضرب ابي حنيفة علي القضاء.[64] وقال ابو بكر المروزي: سمعت ابا عبدِ الله احمدِ بن حنبل يقول: «لم يصح عندنا ان ابا حنيفة رحمه الله قال: القران مخلوق»،
فقلت: «الحمدِ لله يا ابا عبدِ الله،
هو مِن العلم بمنزلة»،
فقال: «سبحان الله هُو مِن العلم والورع والزهدِ وايثار الدار الاخرة بمحل لا يدركه فيه احد،
ولقدِ ضرب بالسياط علي ان يلي القضاءَ لابي جعفر فلم يفعل».[65] وقال عبدِ الله بن المبارك: «رايت اعبدِ الناس،
ورايت اورع الناس،
ورايت اعلم الناس،
ورايت افقه الناس،
فاما اعبدِ الناس فعبدِ العزيز بن ابي رواد،
واما اورع الناس فالفضيل بن عياض،
واما اعلم الناس فسفيان الثوري،
واما افقه الناس فابو حنيفة»،
ثم قال: «ما رايت فِي الفقه مِثله».[66] وعن محمدِ بن احمدِ بن يعقوب قال: حدثني جدي قال: املي علي بَعض اصحابنا ابياتا مدح بها عبدِ الله بن المبارك ابا حنيفة:[67] رايت ابا حنيفة كُل يوم يزيدِ نبالة ويزيدِ خيرا
وينطق بالصواب ويصطفيه إذا ما قال اهل الجور جورا
يقائس مِن يقايسه بلب فمن ذا تجعلون لَه نظيرا
كفانا فقه حمادِ وكَانت مصيبتنا بِه امرا كبيرا
فردِ شماتة الاعداءَ عنا وابدي بَعده علما كثِيرا
رايت ابا حنيفة حين يؤتي ويطلب علمه بحرا غزيرا
اذا ما المشكلات تدافعتها رجال العلم كَان بها بصيرا
كَما اثني الشيخ ابو زكريا السلماسي علي ابي حنيفة فقال:
ابو حنيفة النعمان اما ابو حنيفة فله فِي الدين المراتب الشريفة،
والمناصب المنيفة،
سراج فِي الظلمة وهاج،
وبحر بالحكم عجاج،
سيدِ الفقهاءَ فِي عصره،
وراس العلماءَ فِي مصره،
له البيان فِي علم الشرع والدين،
والحظ الوافر مِن الورع المتين،
والاشارات الدقيقة فِي حقيقة اليقين،
مهدِ ببيانه قواعدِ الاسلام،
واحكم بتبيانه شرائع الحلال والحرام،
وصار قدوة الائمة الاعلام،
سبق الكافة مِنهم الي تقرير القياس والكلام،
وغدا أماما تعقدِ عَليه الخناصر،
ويشير اليه الاكابر والاصاغر،
انتشر مذهبه فِي الافاق،
وعدِ مِن الافرادِ بالاتفاق،
فضله وافر،
ودينه ثابت،
وعلمه فِي مراده للمجدِ ثابت،
اسمه النعمان وابوه ثابت.[68] ابو حنيفة النعمان
وقال الامام ابو يوسف: «كانوا يقولون: ابو حنيفة زينة الله بالفقه والعلم،
والسخاءَ والبذل،
واخلاق القران الَّتِي كَانت فيه».
وقال الامام سفيان الثوري: «ما مقلت عيناي مِثل ابي حنيفة».
وقال يحيي بن سعيدِ القطان أمام الجرح والتعديل): «ان ابا حنيفة والله لاعلم هَذه الامة بما جاءَ عَن الله ورسوله».[69] وقال اسحاق بن ابي اسرائيل: ذكر قوم ابا حنيفة عِندِ ابن عيينة فتنقصه بَعضهم،
فقال سفيان: «مه كَان ابو حنيفة أكثر الناس صلاة،
واعظمهم امانة،
واحسنهم مروءة».[70] وقال صدقة المقابري: لما دِفن ابو حنيفة فِي مقابر الخيزران سمعت صوتا فِي الليل ثلاث ليال:[71] لقدِ زان البلادِ ومن عَليها أمام المسلمين ابو حنيفة
فما بالمشرقين لَه نظير ولا بالمغربين ولا بكوفة
وياتيكم باسنادِ صحيح كايات الزبور علي الصحيفة
اخلاقه وصفاته[عدل] اتصف ابو حنيفة بصفات تجعله فِي الذروة العليا بَين العلماء،
منها:
احدِ التابعين[عدل] يعدِ الامام ابو حنيفة تابعيا مِن التابعين،
قال ابو حنيفة: «لقيت مِن اصحاب رسول الله Mohamed peace be upon him.svg سبعة وهم: انس بن مالك،
وعبدِ الله بن جُزء الزبيدي،
وجابر بن عبدِ الله،
ومعقل بن يسار،
وواثلة بن الاسقع،
وعائشة بنت عمر،
وعبدِ الله بن انيس،
رضي الله عنهم».[72] وقدِ روي الامام جلال الدين السيوطي عَن الشيخ ولي الدين العراقي أنه قال: «الامام ابو حنيفة لَم يصح لَه رواية عَن أحدِ مِن الصحابة،
وقدِ راي انس بن مالك،
فمن يكتف فِي التابعي بمجردِ رؤية الصحابي يجعله تابعيا،
ومن لَم يكتف بذلِك لا يعده تابعيا».[73] ويروي عَن ابي حنيفة أنه قال: «سمعت انس بن مالك رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله Mohamed peace be upon him.svg يقول: «طلب العلم فريضة علي كُل مسلم»».[74] غزارة العلم[عدل]

تخطيط لاسم الامام ابي حنيفة النعمان ملحوق بدعاءَ الرضا عنه
كان الامام ابو حنيفة صاحب علم غزير،
وقدِ شهدِ لَه العلماءَ بذلك،
قال الامام محمدِ بن ادريس الشافعي: «من ارادِ ان يتبحر فِي الفقه فَهو عيال علي ابي حنيفة،
كان ابو حنيفة ممن وفق لَه الفقه».[63] وقال: «الناس عيال علي ابي حنيفة فِي القياس والاستحسان».[75] وقيل للقاسم بن معن بن عبدِ الرحمن بن عبدِ الله بن مسعود: «ترضي ان تَكون مِن غلمان ابي حنيفة؟»،
قال: «ما جلس الناس الي أحدِ انفع مِن مجالسة ابي حنيفة».[76] وروي عَن عبدِ الله بن المبارك أنه قال: «لولا ان الله عز وجل اعانني بابي حنيفة وسفيان،
كنت كسائر الناس».[76][77] الورع وكثرة العبادة[عدل] عرف عَن ابي حنيفة أنه كَان ورعا كثِير العبادة،
قال مسعر بن كدام: «دخلت ذَات ليلة المسجد،
فرايت رجلا يصلي فاستحليت قراءته،
فقرا سبعا فقلت يركع،
ثم قرا الثلث ثُم النصف،
فلم يزل يقرا القران حتّى ختمه كله فِي ركعة،
فنظرت فاذا هُو ابو حنيفة».[78][79] وقال يحيي بن نصر: «ربما ختم ابو حنيفة القران فِي رمضان ستين مرة».[80] وقال عبدِ الله بن المبارك: «قدمت الكوفة فسالت عَن اورع اهلها فقالوا: ابو حنيفة».[78] وقال يزيدِ بن هارون: «كتبت عَن الف شيخ حملت عنهم العلم،
ما رايت والله فيهم اشدِ ورعا مِن ابي حنيفة ولا احفظ للسانه».[75] وروي ابن اسحاق السمرقندي عَن القاضي ابي يوسف،
قال: «كان ابو حنيفة يختم القران كُل ليلة فِي ركعة».
وعن يحيي بن عبدِ الحميدِ الحماني عَن ابيه: أنه صحب ابا حنيفة ستة اشهر،
قال: «فما رايته صلي الغدآة الا بوضوء عشاءَ الاخرة،
وكان يختم كُل ليلة عِندِ السحر».[81][82] الهدوء والوقار[عدل] كان ابو حنيفة ضابطا لنفسه،
مستوليا علي مشاعره،
لا تعبث بِه الكلمات العارضة،
ولا تبعده عَن الحق العبارات النابية،
وكان يقول: «اللهم مِن ضاق بنا صدره،
فان قلوبنا قَدِ اتسعت له».
ويروي أنه قال لَه بَعض مناظريه: «يا مبتدع يا زنديق»،
فقال: «غفر الله لك،
الله يعلم مني خلاف ذلك،
واني ما عدلت بِه مذ عرفته،
ولا ارجو الا عفوه،
ولا اخاف الا عقابه»،
ثم بكي عِندِ ذكر العقاب،
فقال لَه الرجل: «اجعلني فِي حل مما قلت»،
فقال: «كل مِن قال فِي شيئا مِن اهل الجهل فَهو فِي حل،
وكل مِن قال فِي شيئا مما ليس فِي مِن اهل العلم فَهو فِي حرج،
فان غيبة العلماءَ تبقي شيئا بَعدهم».[83] وروي الحسن بن اسماعيل بن مجالدِ عَن ابيه،
قال: كنت عِندِ الرشيدِ اذ دِخل عَليه ابو يوسف،
فقال لَه هارون: «صف لِي اخلاق ابي حنيفة»،
قال: «كان والله شديدِ الذب عَن حرام الله،
مجانبا لاهل الدنيا،
وطويل الصمت دِائم الفكر،
لم يكن مهذارا ولا ثرثارا،
ان سئل عَن مسالة عنده مِنها علم اجاب فيها،
ما علمته يا امير المؤمنين الا صائنا لنفسه ودينه،
مشتغلا بنفسه عَن الناس لا يذكر احدا الا بخير»،
فقال الرشيد: «هَذه اخلاق الصالحين».[84] وعن بشر بن يحيى: سمعت ابن المبارك يقول: «ما رايت رجلا اوقر فِي مجلسه،
ولا احسن سمتا وحلما مِن ابي حنيفة،
ولقدِ كنا عنده فِي المسجدِ الجامع،
فوقعت حية مِن السقف فِي حجره،
فما زادِ علي ان نفض حجره،
فالقاها وما منا أحدِ الا هرب».[85] الاخلاص والتواضع[عدل] كان ابو حنيفة مخلصا فِي طلب الحق،
وكان لاخلاصه لا يفرض ان رايه هُو الحق المطلق الَّذِي لا يشك فيه،
بل كَان يقول: «قولنا هَذا راي،
وهو احسن ما قدرنا عَليه،
فمن جاءنا باحسن مِن قولنا فَهو اولي بالصواب منا».
وقيل له: «يا ابا حنيفة،
هَذا الَّذِي تفتي بِه هُو الحق الَّذِي لا شك فيه»،
فقال: «والله لا ادري لعله الباطل الَّذِي لا شك فيه».
وكان ابو حنيفة لاخلاصه فِي طلب الحق يرجع عَن رايه إذا ذكر لَه مناظره حديثا لَم يصح عنده غَيره ولا مطعن لَه فيه،
او ذكرت لَه فتوي صحابي كذلك.[86] قوة الشخصية[عدل] اتصف ابو حنيفة بقوة الشخصية،
والنفوذ والمهابة،
والتاثير فِي غَيره بالاستهواءَ والجاذبية وقوة الروح،
وقدِ وصف مجلس ابي حنيفة مَع اصحابه معاصره مسعر بن كدام،
فقال: «كانوا يتفرقون فِي حوائجهم بَعدِ صلآة الغداة،
ثم يجتمعون اليه فيجلس لهم،
فمن سائل ومن مناظر،
ويرفعون الاصوات لكثرة ما يحتج لهم،
ان رجلا يسكن الله بِه هَذه الاصوات لعظيم الشان فِي الاسلام».[87] صفته الشكلية[عدل] كان الامام ابو حنيفة اسمر اللون مَع ميل الي بياضه،
ربعة مِن الناس،
الي الطول اقرب،
جميل الصورة،
مهيب الطلعة،
طويل اللحية،
وقورا،
يتانق فِي ثوبه وعمامته ونعليه،
حسن المنطق،
حلو النغمة فصيحا،
كثير التطيب يعرف بِه إذا ذهب واذا جاء،
نحيفا “ما ابقي عَليه خوفه مِن الله تعالي وطول مراقبته وكثرة عبادته فضلا مِن لحم بله مِن شحم”.[88] قال ابو نعيم بن دِكين: «كان ابو حنيفة جميلا،
حسن الوجه،
حسن اللحية،
حسن الثوب».
وقال ابو يوسف: «كان ابو حنيفة ربعة مِن الرجال،
ليس بالقصير ولا بالطويل،
وكان احسن الناس منطقا،
واحلاهم نغمة،
وابينهم عما تُريد».
وقال عمر بن جعفر بن اسحاق بن عمر بن حمادِ بن ابي حنيفة: «ان ابا حنيفة كَان طويلا تعلوه سمرة،
وكان لباسا حسن الهيئة كثِير التعطر،
يعرف بريح الطيب إذا اقبل واذا خرج مِن منزله قَبل ان تراه».
وقال علي بن عبدِ الرحمن بن محمدِ بن المغيرة الكوفي بمصر: سمعت ابي،
يقول: «رايت شيخا فِي مسجدِ الكوفة يفتي الناس وعليه قلنسوة طويلة،
فقلت مِن هذا؟»،
قالوا: «ابو حنيفة».[89][90][91] شيوخه[عدل] شيوخ الامام ابي حنيفة كثِيرون لا يسع ذكرهم،
وقدِ ذكر مِنهم الامام ابو حفص الكبير اربعة الاف شيخ،
وقال غَيره: «له اربعة الاف شيخ مِن التابعين،
فما بالك بغيرهم؟»،
ومن شيوخه: الليث بن سعد،
ومالك بن انس أمام دِار الهجرة.[92] وقدِ روي الامام ابو حنيفة عَن كثِير مِن الشيوخ مِنهم: عطاءَ بن ابي رباح،
وهو اكبر شيخ لَه وافضلهم علي ما قال،
والشعبي،
وطاووس،
وجبلة بن سحيم،
وعدي بن ثابت،
وعبدِ الرحمن بن هرمز الاعرج،
وعمرو بن دِينار،
وابي سفيان طلحة بن نافع،
ونافع مولي ابن عمر،
والقاسم بن عبدِ الرحمن بن عبدِ الله بن مسعود،
ومحارب بن دِثار،
وعلقمة بن مرثد،
وعبدِ العزيز بن رفيع،
وحمادِ بن ابي سليمان وبه تفقه،
وسماك بن حرب،
وعبدِ الملك بن عمير،
وابي جعفر الباقر،
وابن شهاب الزهري،
ومحمدِ بن المنكدر،
وعطاءَ بن السائب،
وهشام بن عروة،
وخلق سواهم.[93] تلاميذه[عدل] حدث عَن الامام ابي حنيفة خلق كثِير مِنهم: ابو يوسف يعقوب بن ابراهيم،
وابو الهذيل زفر بن الهذيل العنبري،
وابراهيم بن طهمان عالم خراسان،
وابيض بن الاغر بن الصباح المنقري،
واسدِ بن عمرو البجلي،
واسماعيل بن يحيي الصيرفي،
والحسن بن زيادِ اللؤلؤي،
وحفص بن عبدِ الرحمن القاضي،
وابنه حمادِ بن ابي حنيفة،
وحمزة الزيات وهو مِن اقرانه،
وداودِ الطائي،
وعبدِ الله بن المبارك،
وعبدِ الله بن يزيدِ المقرئ،
ومحمدِ بن الحسن الشيباني،
ويوسف بن خالدِ السمتي،
وغيرهم كثِير.[94][95] انتشار المذهب الحنفي عَبر التاريخ[عدل]

اماكن انتشار المذهب الحنفي اللون الاخضر الفاتح فِي العالم
يسمي المذهب الحنفي مذهب اهل الراي،
وهو اقدم المذاهب الاربعة،
وصاحبه هُو الامام ابو حنيفة النعمان،
وقدِ نشا المذهب الحنفي بالكوفة موطن الامام ابي حنيفة،
ثم تدارسه العلماءَ بَعدِ وفآة شيخه ببغداد،
ثم شاع مِن بَعدِ ذلِك وانتشر فِي أكثر البقاع الاسلامية،
فكان فِي مصر والشام وبلادِ الروم والعراق وما وراءَ النهر،
ثم اجتاز الحدودِ فكان فِي الهندِ والصين،
حيثُ لا منافس لَه ولا مزاحم،
ويكادِ ان يَكون هُو المنفردِ فِي تلك الاصقاع الي الان.[96] ويقال لاصحاب المذهب الحنفي اهل الراي،
لان الحديث كَان قلِيلا بالعراق،
فاستكثروا مِن القياس ومهروا فيه.
وروي ان اصحاب ابي حنيفة الَّذِين دِونوا مذهبه اربعون رجلا مِنهم: ابو يوسف يعقوب بن ابراهيم،
وابو الهذيل زفر بن الهذيل العنبري،
وان أول مِن كتب كتبه اسدِ بن عمرو.[97] ايثار الحنفية بالقضاءَ فِي العصر العباسي[عدل] لما تولي هارون الرشيدِ الخلافة،
ولي القضاءَ ابا يوسف صاحب ابي حنيفة،
وذلِك بَعدِ سنة 170ه،
واصبحت تولية القضاءَ بيده،
فلم يكن يولي ببلادِ العراق وخراسان والشام ومصر الي اقصي عمل افريقية الا مِن اشار به،
وكان لا يولي الا اصحابه والمنتسبين الي مذهبه،
فاضطرت العامة الي احكامهم وفتاواهم،
وفشا المذهب فِي هَذه البلادِ فشوا عظيما،
حتي قال ابن حزم: «مذهبان انتشرا فِي بدء امرهما بالرئاسة والسلطان: الحنفي بالمشرق،
والمالكي بالاندلس».
ولم يزل هَذا المذهب غالبا علي هَذه البلادِ لايثار الخلفاءَ العباسيين بالقضاء،
حتي تبدلت الاحوال وزاحمته المذاهب الثلاثة الاخرى.
وبلغ مِن تمسكهم بِه فِي القضاءَ ان القادر بالله استخلف مَرة قاضيا شافعيا هُو ابو العباس احمدِ بن محمدِ البارزي الشافعي عَن ابي محمدِ بن الاكفاني الحنفي قاضي بغداد،
فشاع ان الخليفة نقل القضاءَ عَن الحنفية الي الشافعية،
فاشتهر ذلِك وصار اهل بغدادِ حزبين ثارت بينهما الفتن،
فاضطر الخليفة الي صرف البارزي،
واعادة الحنفية الي القضاء،
وذلِك فِي سنة 393ه.[98][99] انتشاره فِي المغرب وصقلية[عدل] كان الغالب علي افريقية السنن والاثار،
الي ان قدم عبدِ الله بن فروح ابو محمدِ الفاسي بمذهب ابي حنيفة،
ثم غلب عَليها لما ولي قضاءها اسدِ بن الفرات بن سنان،
ثم بقي غالبا عَليها حتّى حمل المعز بن باديس اهلها علي المذهب المالكي،
وهو الغالب الي اليَوم علي اهلها الا قلِيلا مِنهم يقلدون المذهب الحنفي.
وروي ان المذهب الحنفي ظهر ظهورا كثِيرا بافريقية الي قريب مِن سنة 400ه،
فانقطع ودخل مِنه شيء الي ما وراءها مِن المغرب قريبا مِن الاندلس ومدينة فاس.
كَما روي ان اهل صقلية حنفيون.[100] انتشاره فِي مصر[عدل] كان اهل مصر لا يعرفون المذهب الحنفي حتّى ولي الخليفة المهدي قضاءها لاسماعيل بن اليسع الكوفي سنة 146ه،
وهو أول قاض حنفي بمصر،
واول مِن ادخل اليها المذهب الحنفي،
وكان مِن خير القضاة،
الا أنه كَان يذهب الي ابطال الاحباس،
فثقل امَره علي اهل مصر وقالوا: «احدث لنا احكاما لا نعرفها ببلدنا»،
فعزله المهدي.[101] ثم فشا المذهب الحنفي فيها بَعدِ ذلِك مدة تمكن العباسيين،
الا ان القضاءَ بها لَم يكن مقصورا علي الحنفية،
بل كَان يتولاه الحنفيون تارة،
والمالكيون أو الشافعيون تارة اخرى،
الي ان استولي عَليها الفاطميون،
واظهروا مذهب الشيعة الاسماعيلية،
وولوا القضآة مِنهم،
فقوي هَذا المذهب بالدولة،
وعمل باحكامه،
الا أنه لَم يقض علي المذاهب السنية فِي العبادات،
لانهم كَانوا يبيحون للرعية التعبدِ بما يشاؤون مِن المذاهب.[102] ثم لما قامت الدولة الايوبية بمصر،
وكان مِن سلاطينها شافعية،
قضوا علي التشيع فيها،
وانشاوا المدارس للفقهاءَ الشافعية والمالكية.
وكان نور الدين الشهيدِ حنفيا،
فنشر مذهبه ببلادِ الشام،
ومِنها كثرت الحنفية بمصر،
وقدم اليها أيضا عدة فقهاءَ مِنهم مِن بلادِ المشرق،
فبني لَهُم صلاح الدين الايوبي المدرسة اليوسفية بالقاهرة،
وما زال مذهبهم ينتشر ويقوى،
وفقهاؤهم يكثرون بمصر،
الا فِي آخر هَذه الدولة.
واول مِن رتب دِروسا اربعة للمذاهب الاربعة فِي مدرسة واحدة هُو الصالح نجم الدين ايوب فِي مدرسته الصالحية بالقاهرة سنة 641ه.
ثم فشا هَذا النوع مِن المدارس فِي الدولتين التركية والجركسية،
وحدث فِي الاولي جعل القضآة اربعة،
فعادِ الحنفية الي القضاءَ بَعدِ انقطاعهم عنه مدة الفاطميين،
والاقتصار مدة الايوبيين علي نواب مِنهم ومن المالكية والحنابلة عَن القاضي الشافعي.[103] ثم لما فَتح العثمانيون مصر حصروا القضاءَ فِي الحنفية،
واصبح المذهب الحنفي مذهب امراءَ الدولة وخاصتها،
ورغب كثِير مِن اهل العلم فيه لتولي القضاء،
الا أنه لَم ينتشر بَين اهل الريف الوجه البحري والصعيدِ انتشاره فِي المدن ولم يزل كذلِك الي اليوم.[104] انتشاره فِي البلادِ الاسلامية الاخرى[عدل] اما بدء دِخول المذهب الحنفي فِي سائر البلادِ الاسلامية فكان فِي القرن الرابع الهجري،
وقدِ كَان المذهب الحنفي هُو الغالب علي اهل صنعاءَ وصعدة باليمن،
والغالب علي فقهاءَ العراق وقضائه،
وكان منتشرا بالشام،
تكادِ لا تخلو فيه قصبة أو بلدِ مِن حنفي،
وربما كَان القضاءَ مِنهم،
الا ان أكثر العمل فيها كَان علي المذهب الفاطمي فِي زمنه،
اي كَما كَان بمصر.
وكان المذهب الحنفي فِي أقليم الشرق أي خراسان وسجستان وما وراءَ النهر وغيرها،
الا فِي بلادِ مِنها كَان اهلها شافعية،
وكان اهل جرجان وبعض طبرستان مِن أقليم الديلم حنفية.
وكان غالبا علي اهل دِبيل مِن أقليم الرحاب الَّذِي مِنه الران وارمينية واذربيجان وتبريز،
وموجودا فِي بَعض مدنه بلا غلبة.
وكان غالبا علي اهل القري مِن أقليم الجبال،
وكثيرا فِي أقليم خوزستان المسمي قديما الاهواز،
وكان لَهُم بِه فقهاءَ وائمة كبار.
وكان باقليم فارس كثِير مِن الحنفية،
الا ان الغلبة كَانت فِي أكثر السنين للظاهرية،
وكان القضاءَ فيهم.
وكَانت قصبات السندِ لا تخلو مِن فقهاءَ حنفية،
كَما ان اهل سجستان كَانوا حنفية،
وكان ملوك بنجالة بالهندِ جميعا حنفية.[105] انتشاره فِي البلادِ الاسلامية فِي العصر الحالي[عدل] يغلب علي بلادِ المغرب العربي فِي المغرب والجزائر وتونس وطرابلس المذهب المالكي،
ولا تكادِ تجدِ فيها مِن مقلدي غَيره الا الحنفية بقلة،
وهم مِن بقايا الاسر التركية واكثرهم فِي تونس،
ومع قلة المقلدين للمذهب الحنفي فإن مِن السنن المتبعة عندهم ان يَكون نصف مدرسي جامع الزيتونة حنفية،
والنصف مالكية،
وإنما امتاز الحنفي بذلِك لكونه مذهب الاسرة المالكة سابقا.
ويغلب فِي مصر الشافعي والمالكي: الاول فِي الريف،
والثاني فِي الصعيد،
ويكثر الحنفي وهو مذهب الدولة سابقا والمتبع فِي الفتوي والقضاء،
والحنبلي قلِيل بل نادر.
ويغلب المذهب الحنفي فِي بلادِ الشام،
فيكادِ يشمل نصف اهل السنة بها،
بينما ربعهم شافعية،
والربع الاخر حنابلة.
ويغلب المذهب الشافعي علي فلسطين،
ويليه الحنبلي،
فالحنفي،
فالمالكي.
ويغلب فِي السودان المذهب المالكي.
والغالب علي الحجاز وتهامة: المذهبان الشافعي والحنبلي،
وفيهما حنفية ومالكية فِي المدن،
ويغلب فِي نجدِ المذهب الحنبلي،
ويغلب فِي عسير المذهب الشافعي،
واهل السنة فِي اليمن وعدن وحضرموت شافعية ايضا،
وقدِ يُوجدِ بنواحي عدن حنفية.
واهل السنة مِن اهل فارس اغلبهم شافعية وقليل مِنهم حنفية.
والغالب علي بلادِ الافغان المذهب الحنفي،
ويقل الشافعي والحنبلي.
وكان الغالب علي تركستان الشرقية المسمآة أيضا بالصينية المذهب الشافعي،
ثم تغلب المذهب الحنفي بمسعي العلماءَ الواردين اليها مِن بخارى.
والغالب علي بلادِ القوقاز وما والاها المذهب الحنفي،
وفيهم الشافعية.
والغالب فِي الهندِ المذهب الحنفي،
ومسلمو سريلانكا سرنديب أو سيلان وجزائر الفلبين والجاوة وما جاورها مِن الجزائر: شافعية،
وكذلِك مسلمو سيام،
وبها قلة مِن الحنفية ،

وهم النازحون اليها مِن الهنود.
ومسلمو الهندِ الصينية شافعية،
وكذلِك مسلمو استراليا.
والغالب علي مسلمي البرازيل المذهب الحنفي،
وفي البلادِ الامريكية الاخري تختلف مذاهب المسلمين

  • السم صحابي المذهب الحنفي
  • اجمل الحكم للامام ابو حنيفه
  • اساتذة الامام ابو حنيفه
  • ما راي الشيعه ب ابو حنيفه النعمان
  • من استاذ الحنفي
  • من كان استاذ الحنيفة
  • هل الامام ابو حنيفة استاذ الشافعي
السابق
حكاية عن المراة
التالي
طريقة عمل قاطو بحلوة الترك