روايه ’عبده الصفر’ للكاتب الفرنسي الان نادو الصفر الذي هو من و جهه نظر الرياضيين القدماء و اصحاب الفلسفه و المعتقدات الدينيه تعبير عن نفى العدد ،
وتصوير للاشيء و اللاكم ،
هو من و جهه نظر الكاتب الفرنسي الان نادو ’قد اخر ثوره حقيقيه فنظام الفكر الانسانى ،
كما يتضح من النصوص التي تنقلنا تباعا من قمم الزهد الى مراره العذاب و الاشراق الروحى و من غمرات الشك و تمزقاتة الى التصميم على بلوغ اليقين و الوصول الى لب الحاجات ،
ولو ادي السعى فالنهاية الى اللاشيء’ .
ذلك الكاتب الفرنسي الذي عمل فالسفاره الفرنسية فالعراق ،
جعل احداث روايتة تدور فالاسكندريه ،
ويستغرب و هو الذي نهل من الثقافه العربية – يستغرب – ذلك التصادم بين الحضارة العربية و الغربيه حيث النكران و النفور ،
وقد و اجة نادو اراء نقاد عديدين بان روايتة هي روايه تؤكد على الجانب التاريخى و الفلسفى ،
وهو يشعر انه لا يكتب روايه تاريخيه ،
رغم انه يتحدث عن جماعة فيثاغورث التي امنت على مدار الف عام بمعتقدة فالاعداد ،
وتحويل الحروف الى ارقام ،
وتجعل الاعداد متعلقه بعالم روحانى غيبى ،
وتستنهض علاقه باطنيه تربط الارقام و الاعداد بشواهد كونيه لدرجه الاعتقاد ان الاعداد من اساس تركيب النظام الكوني ،
خاصة و ان اصحاب الطرق الصوفيه و الزاهدين يرون فالاعداد و الارقام علاقه مع امور غيبيه كثيرة ،
لذا يستعملونها احيانا فاورادهم و عبادتهم و تحليلاتهم و تفسيرهم الباطنى لظواهر الحياة و الاخره و الكون .
للروايه مقدمه هي جزء منها ،
يتحدث بها الكاتب عن كشفة المقبره الكبري فالاسكندرية،
ويصف الاماكن و يكتشف بها محفوظات طائفه عبده الصفر ،
ويتبع هذا 25 و ثيقه تنبنى عليها تقنيه الروايه و بنائها ،
منها ما امتد لصفحات و منها ما كان صفحة واحده تبدا منذ ابحار فيثاغورس الى مصر ،
والذى و جدت بياناتة على رسم جدارى ،
الي مقتطفات من (اطلس الطرق البحريه فاليونان القديمة) و وصف به رحله فيثاغورس من ساموس الى مصر،
ووصولة الى نقراطيس و فيثاغورس ذلك ،
يري الكاتب انه ولد على الارجح بين 580 و 570 قبل الميلاد لاب صائغ و ام كانت تعتبر احلى النساء فساموس ،
وتلقن مبادئ المعرفه و العلم على يد فيريقيدس المعروف بالحكيم ؛
والذى الف كتاب بعنوان ’المغارة’ ،
اودعة تاملاتة فاصول الكون و مبادئة ،
ورغم ان الكثيرين يرون فالعمل الادبى ابداعا للغه و وصفها فقوالب تستهوى القارئ المتسرع او المتامل ،
وابداعا للفكر بنسيج موشي من العبارات و الجمل ،
ويصفون عملا ابداعيا بان لغتة حارة ،
او مركزه ،
موجزه ،
او مسهبه ،
بليغه او ركيكه ،
جميلة او ضحله ،
فان روايه الان نادو تسوق القارئ احيانا كثيرة الى افكار رياضيه و فلسفيه و وجوديه و كونيه ،
تصل حد الجفاف ،
وحد التساؤل هل ممكن ان يصبح ذلك السرد جزءا من النص الروائى ؟
وهل ممكن ان يصبح تناول هذي الموضوعات التي توصف بالجافة ،
والذهنيه ،
ان تكون ضمن عمل ابداعى ؟
وهل يتحول السرد الروائى كذا الى سرد اقرب الى عمل الرياضيات و الفيزياء و ينتفى منه حراره الاحداث و الاشخاص ؟
ان القضايا التي تشغل الان نادو هي قضايا الكون و الوجود و الاعداد ،
ورحله العالم التي من المستحيل الاحاطه فيها و بكنهها ،
لذا يظل التخوف و التاويل و الغموض يلف جميع شيء ،
ويضفى على الموجودات الحيه تساؤلات عديده ،
غامضه ،
بعيده ،
عميقه ،
لا اجابات شافيه ،
ويظل الجميع سائرون فالطريق المرسوم .
هل يتحمل السرد الروائى هذي العلاقات الجافة ،
وهل على الروائى ان يتمكن من فهم هذي العلائق الرياضيه و الفيزيائيه و الفلسفيه و ان يعبر عنها و يستعملها فنصوصة ؟
ام ان لكل روائى قدراتة و ادواتة ،
يقول الان نادو فو ثيقتة الاخرى ’توجة فيثاغورث الى سايس عن طريق القنوات و لم يكف طوال الطريق عن تامل الخاتم و مساءله نفسة : تري ما هو ذلك الانعكاس الغريب للقمر فمجرد حجر ؟
وكيف ممكن للعنصر الاكمد ان يبلغ هذي الدرجه من النفاذ و الصفاء ؟
وهل يعقل ان يصبح جسما ما ديا عاديا شاهدا على مسار الافلاك و مرأة للقبه السماويه ،
فترجع المادة من لدنها نور القمر حتي فغياب القمر ؟
افلا يعني هذا توسعا ان هذي المادة قادره فبعض اجزائها ان تنفتح على الكون باسرة و تضم فطوايا ظلماتها الحميمه اسرارا ثانية لابد من استجلائها فيوم من الايام ؟
او ليس التفسير الوحيد هو ان العالم المعدنى و الارضى هو اسوه بهذا الحجر ،
نسخه معيبه و مختزله عن العالم السماوى و صورتة المصغره .
.
فى ما بين اللامتناهى فالصغر و اللامتناهى فالكبر ،
ولان الواحد منهما انما هو مرأة للاخر لا بد توجد فحيز ما اجسام و سيطه و كيانات ساميه تربط بين الاثنين و تكون الممر الدائم بين ’المماثل’ و ’المغاير’ صور مجرده جالسه الى جانب الالهه هي النماذج و القوالب التي تشكل فبوتقتها الكل الاعظم ،
ولكن كيف الوقوف على هذي الصور التي لا تشخيص و لا وجود محسوسا لها؟’ استغرق فيثاغورس ففكرة فتملكة شعور غامر بان هذي الصور الازليه الثابته انما هي كامنه فصميم الواقع و فقلب الان ،
ويمكن للعقل فكل لحظه ان يكشف عنها طى الظواهر و جميع منا يتعامل معها رغما عنه .
واذا ما عميت عنها الابصار فما هذا الا لفرط صفائها ،
فهي شفافه للانظار و لكنها مفتوحه على العالم الاخر .
و تتابع الوثائق خطاب من مؤرخ و عالم اثار المانى حول العلاقات بين الديانه المصرية و النظريه الفيثاغوريه فالاعداد ،
ومقتطفات مترجمة الى اليونانيه من قصيده لاتينيه تروى دخول فيثاغورس المفترض فالهرم الاكبر،ونص لمؤلف يهودى من القرن الثالث بعد الميلاد يروى اقامه فيثاغورس فبابل و يبرز احتمال تاثرة بالديانه العبريه فتصورة التوحيدى للعالم ،
وروايتان تشهدان بنزول فيثاغورس الى الجحيم .
.
الي احدث الوثائق من مقتطفات و حواشى ،
وبقايا رسائل ،
ونصوص كاملة ،
ونصوص مجتزاه ،
وخطبة اخيرة لفيثاغورس على فراش الموت ،
ومحاورات ،
ويوميات ،
ورثاء ،
وروايه مؤرخين ،
وتقارير جواسيس .
جميع ما سبق مجرد مواد الوثائق التي هي من فتيات افكار و خيال الكاتب الفرنسي الان نادو فروايتة عبده الصفر ،
وهي ليست كالوثائق و المقتطفات التي ياخذها بعض كتاب الروايه العرب من بطون الكتب التراثيه ،
انما هي ابداع الكاتب ،
وتركز فبعضها على حقائق تاريخيه معروفة ،
وهي الفصول التي تضمنها عملة الروائى ابتداء من كشف المقبره الكبري فالاسكندريه الى الهجوم الذي شنة على المعبد جنود النصاري ف645 كما روي احداثة احدي شخصيات الروايه ،
وهو احدث ما كتبتة الطائفه ،
طائفه عبده الصفر .
و تظل فكرة الاعداد تلح على الكاتب ،
بل هي اساس العمل الذي بني عليه روايتة متاثرا من اجواء الشرق ،
ودراساتة فالتراث العربي ،
مزاوجا ثقافتة الغربيه ،
فى قدره على التحليل ،
مستخدما فاحيان كثيرة لغه جذابه حيث يصل الى الربط بين الاعداد و الاعتقاد بقوه فاعله تشدها جميعا الى الواحد الاحد .
.
يقول ’وتروى بعض الاساطير انه ابتعد ذات يوم عن صخب المدينه و ساحل النهر يبحث بين النباتات المائيه و اغصان القصب عن ركن هادئ يستحم به و يريح جسدة المنهوك ،
وما كاد يتجاوز و حل الضفه الفاتر و يتوغل فمياة النهر الثقيل المنعشه حتي اشرق عليه نور الوحى ،
فايقن ان كثرة الاعداد ليست البتة دليلا على تعدد الالهه ،
بل ان فاحكام نظامها ذاتة ما يوحى بوجود مبدا واحد هو صورة واحده لا شريك لها .
فالاعداد لا تنتشر فالخلاء انتشارا فوضويا لا ضابط له ،
بل هي تتوق جميعا الى الالتقاء فمحل مركزى قد يصبح هو ذاتة عصيا على الادراك .
ففى المنطق الداخلى للاعداد التسعه الاولي التي تحتوى ’بالقوة’ سائر الاعداد ،
ما يدعو للاعتقاد بوجود قوه فاعله تشدها جميعا الى ’الواحد الاوحد’ ،
وتسعي الى ردها الى عدد مطلق يتضمنها كافه .
او ليست الاعداد بمنطقها الداخلى ذلك دليلا على كمال النظام الالهى و تمامة ،
وفيها تتجلي اياتة و تكمن رمزيتة المجرده ،
ان اعضاء الطائفه ’عبده الصفر و عبدوه’ ،
اذ ان اكتشاف الصفر هو قمه الوعى بهذا العدد ،
ثم ما لبثوا ان فطنوا ان مجرد كشف الحجاب عن الصفر ياتى على كل امكانياتة ،
اذ متي عرف الصفر بدا جليا ان خصائصة الرئيسيه تكمن فانعدام سمكة و شفافيتة ،
وحول خصائص الصفر و التاكيد على انه اللاشيء ،
لابد من رمز يدل عليه ،
ولا خروج من العدم الى الوجود الا بعلامه تعطية معني و دلاله ،
فتعارفوا على النقطه (.) او الدائره الخاليه (0) ’واذا اقتصرنا على ما للنقطه من خاصيات هندسية و جدنا مطابقه لمعناها فيجوز بالفعل ان نحدد النقطه بانها تقاطع خطين مستقيمين هذان الخطان المستقيمان لا سمك لهما على الاطلاق .
لان القول بان الخط ذو عرض مهما صغر يحيله توا الى مسطح .
النقطه اذن كيان رياضى يسهل ادراكة و ان كان و هميا ما دام يستحيل اعطائة شكلا يكفينا ان نفترض النقطه بلا مساحه و بلا بعد حتي تطابق خصائصها خصائص الصفر ،
وهو المطلوب منها ان ترمز الية ،
فالنقطه خير ترجمان لطبيعه و وظيفه عدد حقيقتة انه بلا حقيقة .
والدائره هي الثانية تؤدى ذلك الغرض فالرمز الى (الكميه الصفر) فالعجله تضم فداخلها فراغا لا خصائص له هي شكل محض غير ذى مضمون لها حركة دائريه بلا بداية و بلا زمان تحدد فيها و تولد محيطا هو كذلك بلا غلظ فتتملك خلاء هي منشئتة و هو و حدة معطيها قوامها .
والنقطه و الدائره لا فرق بينهما فكلتاهما تنتزعان الى غايه واحده هي تصوير (العدم) .
.
فنحن نفترض ان الصفر بما يمتلكة من قدره على ان يلغى بالتدريج جميع الاعداد التي تمثل فمنطقة نفوذة .
.
انما يمتلك قوه حل و تذويب’ و اذا كان الصفر هو اللاكم و اللاشيء فلا بد ان له علاقه جوهريه بموت جميع شيء و العدم لكل شيء فلا تبقي الا حقيقة الموجد و هو الله.
- عبدة الصفر