الرياء محبط للعمل

الرياء محبط للعمل

الحمد لله،
والصلاة و السلام على رسول الله،
واشهد ان لا الة الا الله و حدة لا شريك له،
واشهد ان محمدا عبدة و رسوله،
وبعد:

فان اعظم الذنوب عند الله الشرك فيه سبحانه،
قال تعالى: ﴿ و من يشرك بالله فكانما خر من السماء فتخطفة الطير او تهوى فيه الريح فمكان سحيق ﴾ [الحج: 31]

 

وقال تعالى: ﴿ فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراؤون * و يمنعون الماعون ﴾ [الماعون: 4-7].

 

قال ابن القيم رحمة الله:

“وهذا الشرك بحر لا ساحل له،
وقل من ينجو منه،
فمن اراد بعملة غير التقرب الى الله تعالى فقد اشرك فارادته،
ونيته،
والاخلاص: ان يخلص لله فاقواله،
وافعاله،
ونيته،
وارادته،
فان هذي هي المله الحنيفية،
مله ابراهيم عليه السلام التي امر الله فيها عبادة كلهم،
ولا يقبل من احد غيرها،
وهي حقيقة الاسلام،
قال تعالى: ﴿ و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه و هو فالاخره من الخاسرين ﴾ [ال عمران: 85].
وهي مله ابراهيم التي من رغب عنها فهو من اسفة السفهاء”[1].
اه.

روي البخارى و مسلم فصحيحيهما من حديث جندب ابن عبد الله رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه و سلم قال: “من سمع سمع الله به،
ومن يرائى يرائى الله به”[2].

والرياء من الرؤية،
وهو ان يحب الانسان ان يراة الناس و هو يعمل العمل الصالح من اجل ان يمدحوه،
والفرق بينة و بين السمعة،
ان الرياء فيما يري من الاعمال التي ظاهرها لله و باطنها لغيرة كالصلاة و الصدقة،
اما السمعه فهي لما يسمع من الاقوال التي ظاهرها لله و القصد منها لغير الله،
كالقراءة،
والذكر،
والوعظ،
وغير هذا من الاقوال،
وقصد المتكلم ان يسمع الناس كلامة فيثنوا عليه و يقولوا: هو جيد فالكلام و المحاورة،
حسن الصوت فالقران،
اذ كان يحسن صوتة بالقران لاجل ذلك،
او بليغ فخطبتة اذا كان يحسن خطبتة لاجل ذلك..
وهكذا[3].

 

ومعني راءى الله به،
وسمع،
قال بعض اهل العلم: ان الله يفضحة يوم القيامة،
كما فمسند الامام احمد من حديث ابي هند الدارى رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه و سلم قال: “من قام مقام رياء و سمعة،
راءى الله فيه يوم القيامه و سمع”[4].

 

والرياء يحصل اما من اجل مدح الناس و ثنائهم،
او فرارا من ذمهم،
كان يحسن صلاتة حتي لا يقال: مسرع فصلاته،
او طمعا مما فايديهم،
ويشهد لذا ما رواة البخارى و مسلم فصحيحيهما من حديث ابي موسي الاشعري رضى الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الرجل يقاتل شجاعة،
ويقاتل حمية،
ويقاتل رياء،
اى هذا فسبيل الله؟
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا،
فهو فسبيل الله”[5].

 

“فقوله: (شجاعة): اي ليذكر و يشتهر بالشجاعة،
ويقاتل حمية: اي من اجل الاهل،
والعشيرة،
والصاحب،
ويحتمل ان يفسر القتال للحميه بدفع المضرة،
ويقاتل رياء: اي ليري مكانه،
فمرجع الذي قبلة الى السمعة،
ومرجع ذلك الى الرياء،
وكلاهما مذموم”[6].

 

والرياء هو الشرك الخفي،
روي ابن خزيمه فصحيحة من حديث محمود بن لبيد رضى الله عنه قال: خرج النبى صلى الله عليه و سلم فقال: “ايها الناس اياكم و شرك السرائر”،
فقالوا: يا رسول الله و ما شرك السرائر؟
قال: “يقوم الرجل فيصلي،
فيزين صلاتة جاهدا لما يري من نظر الناس اليه،
فذلك شرك السرائر”[7].

 

“وانما سمى الرياء شركا خفيا؛
لان صاحبة يخرج عملة لله،
وقد قصد فيه غيرة او شركة فيه،
وزين صلاتة لاجله،
والنيات و المقاصد و اعمال القلوب لا يعلمها الا الله سبحانة و تعالى”[8].

 

والرياء شرك اصغر،
روي الامام احمد فمسندة من حديث محمود بن لبيد رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه و سلم قال: “ان اخوف ما اخاف عليكم الشرك الاصغر”،
قالوا: و ما الشرك الاصغر يا رسول الله؟
قال: “الرياء،
يقول الله تعالى يوم القيامه اذا جزى الناس باعمالهم: اذهبوا الى الذين كنتم تراؤون فالدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟!”[9].
يعني انه يبطل اعمال المرائين،
وانة يحيلهم على الذين راءوهم فالدنيا فيقال: انظروا هل يثيبونكم،
اى اولئك الذين تزينتم عندهم و راءيتموهم فالدنيا،
هل تجدون عندهم ثوابا؟!
قال الشاعر:

وكل امرئ يوما سيعرف سعية
اذا حصلت عند الالة الحصائل

 

والرياء اسباب لدخول النار،
روي مسلم فصحيحة من حديث ابي هريره رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه و سلم قال: “ان اول الناس يقضي يوم القيامه عليه: رجل استشهد فاتى فيه فعرفة نعمة فعرفها،
قال: فما عملت فيها؟
قال: قاتلت فيك حتي استشهدت.
قال: كذبت،
ولكنك قاتلت؛
لان يقال: جريء،
فقد قيل،
ثم امر فيه فسحب على و جهة حتي القى فالنار،
ورجل تعلم العلم و علمه،
وقرا القران،
فاتى فيه فعرفة نعمة فعرفها،
قال: فما عملت فيها؟
قال: تعلمت العلم و علمته،
وقرات فيك القران،
قال: كذبت،
ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم،
وقرات القران ليقال: هو قارئ،
فقد قيل،
ثم امر فيه فسحب على و جهة حتي القى فالنار،
ورجل و سع الله عليه و اعطاة من اصناف المال كله،
فاتى فيه فعرفة نعمة فعرفها،
قال: فما عملت فيها؟
قال: ما تركت من سبيل تحب ان ينفق بها الا انفقت بها لك،
قال: كذبت،
ولكنك فعلت ليقال: هو جواد،
فقد قيل،
ثم امر فيه فسحب على و جهة بعدها القى فالنار”[10].

 

قال ابن رجب:

“اول من تسعر فيه النار من الموحدين العباد المراؤون باعمالهم،
واولهم العالم،
والمجاهد،
والمتصدق للرياء؛
لان يسير الرياء شرك،
ما نظر المرائى الى الخلق بعملة الا لجهلة بعظمه الخالق”[11].

 

وينبغى التنبة لامرين

الاول: ان سرور العبد عند ثناء الناس عليه و هو لا يقصد ذلك،
لا يقدح فاخلاصه،
ما دام بداة باخلاص،
وخرج منه مخلصا،
روي مسلم فصحيحة من حديث ابي ذر رضى الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم: ارايت الرجل يعمل العمل من الخير و يحمدة الناس عليه؟
قال: “تلك عاجل بشري المؤمن”[12].

 

قال ابن رجب:

“اذا عمل العمل لله خالصا بعدها القى الله له الثناء الحسن فقلوب المؤمنين بذلك ففرح بفضل الله و رحمته،
واستبشر بذلك لم يضيرة ذلك”[13].

 

الثاني: ان لا يترك المؤمن العمل من اجل الناس: قال شيخ الاسلام ابن تيميه رحمة الله: “ومن كان له و رد مشروع من صلاه الضحى،
او قيام ليل،
او غير ذلك،
فانة يصلية حيث كان،
ولا ينبغى له ان يدع و ردة المشروع لاجل كونة بين الناس اذا علم الله من قلبة انه يفعل سرا لله مع اجتهادة فسلامتة من الرياء،
ومفسدات الاخلاص”[14].

 

الخلاصة:

ان الرياء محبط للاعمال،
وسبب لمقت الله،
ولعنته،
وطرده،
وانة من كبائر المهلكات،
ومن الشرك الاصغر الذي لا يغفر لصاحبة اذا ما ت عليه،
بل يعذب بقدره،
قال تعالى: ﴿ ان الله لا يغفر ان يشرك فيه و يغفر ما دون هذا لمن يشاء و من يشرك بالله فقد افتري اثما عظيما ﴾ [النساء: 48].
فجدير بالمسلم ان يشمر عن ساعد الجد،
وان يجاهد نفسة بازالته،
واخلاص العمل لله فاقواله،
وافعاله،
وارادته،
وامورة كلها،
قال تعالى: ﴿ قل ان صلاتى و نسكى و محياى و مماتى لله رب العالمين * لا شريك له و بذلك امرت و انا اول المسلمين ﴾ [الانعام: 162-163][15].

 

والحمد لله رب العالمين،
وصلى الله و سلم على نبينا محمد،
وعلي الة و صحبة اجمعين

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/72267/#ixzz3PkN5CYvR


الرياء محبط للعمل