العشق حلها الزواج

 

حلها العشق الزواج 20160921 341

د.
عبد الناصر كعدان*

قد يتساءل البعض هل العشق مرض؟


كذا اعتبرة اجدادنا الاطباء العرب المسلمون كالرازى و ابن سينا و البغدادى و غيرهم.

اذا كيف اعتبروة ذلك؟
وما هي سبب و اعراض ذلك المرض و كيف يتم علاجه؟..

من اثناء هذي السطور سالقى الضوء على ذلك المرض حسب ما ذكرة الاطباء العرب المسلمون الاوائل.


لمحه تاريخيه عن مرض العشق:


اعتبر العشق على انه شكل مفرط من اشكال المحبة.
وفى الوقت الذي ينظر به الى الحب على انه اسمي عاطفه يتحلي فيها الانسان،
فقد اعتبر العشق انه عبارة عن حالة مرضيه تحدث نتيجة للمغالاه الشديده فالحب،
مما ينعكس هذا باثار سلبيه على شخصيه العاشق تتظاهر باضطرابات جسمية،
فضلا على الاضطرابات السلوكيه و التي كثيرا ما تدفع الشخص المصاب لان يرتكب تصرفات غير عقلانية.

لقد عالج الادباء العرب و منهم الشعراء ذلك المقال فشعرهم الغزلى بشكل خاص،
واعتبرة العديد منهم بانه المرض الذي لا يرجي شفاؤه.
من هذا مثلا قول ابن الفارض:

وضع الاسي(1)بصدري كفة قال ما لى حيله فذا الهوي

ومن هذا كذلك ما تذكرة كتب الادب عن محاوره جرت بين مصاب بالعشق ينشد علاجا لعشقة واحد الشعراء يسدية النصيحة:

ايا معشر العشاق بالله خبروا اذا حل عشق بالفتي ما يصنع؟

يدارى هواة بعدها يكتم سرة و يخشع فكل الامور و يخضع

وكيف يدارى و الهوي قاتل الفتي و فكل يوم قلبة يتقطع

فان لم يجد صبرا لكتمان سرة فليس له سوي الموت ينفع

سمعنا اطعنا بعدها متنا فبلغوا سلامي لمن كان للوصل يمنع

فى حين ان الاطباء المسلمين القدامى،
وعلي نحو مخالف للشعراء،
قد نظروا الى ذلك المرض على انه حالة مرضيه كغيرة من الامراض العبنوته او النفسيه كالصرع و الصداع و السوداء(2) له اسبابة المرضيه و علاماتة و اعراضة و علاجه.
فافاضوا فشرحة موضحين ان لهذا المرض علاجات مختلفة تطبق حسب حالة المريض و حسب درجه ثقافته،
بالاضافه لطبيعه الظروف المحيطه به.

ولعل اول من تكلم فمرض العشق من الاطباء هو الطبيب اليونانى ابقراط Hypocrites و الملقب بابي الطب.
حيث قال و اصفا اياه: “العشق طمع يتولد فالقلب و تجتمع به مواد من الحس.
فكلما قوي ازداد صاحبة فالاهتياج و اللجاج و شده القلق و كثرة السهر.
وعند هذا يصبح احتراق الدم و استحالتة الى السوداء،
ومن طغيان السوداء و فساد الفكر يصبح الفدامة(3) و نقصان العقل،
ورجاء ما لم يكن و تمنى ما لم يتم حتي يؤدى هذا الى الجنون.
فحينئذ قد قتل العاشق نفسه،
وربما ما ت غما.
وربما وصل الى معشوقة فيموت فرحا او اسفا.
وانت تري العاشق اذا سمع بذكر من يحب كيف يهرب دمة و يستحيل لونه.
وزوال هذا عمن هذي حالتة بلطف من رب العالمين،
لا بتدبير الادميين(4)”.

وقد وصف جالينوس Galen ذلك المرض بقوله: “العشق استحسان ينضاف الية طمع،
والعشق من قبل النفس،
وهي كامنه فالدماغ و القلب و الكبد.
والعاشق يمتنع عن الاكل و الشراب لاشتغال الكبد،
وعن النوم لاشتغال الدماغ بالتخيل و ذكر المعشوق و التفكير فيه،
فتكون كل مساكن النفس ربما اشتغلت فيه.
فمتي لم تشتغل به وقت الفراق لم يكن عاشقا(5)”.

اسباب مرض العشق:

يقول ابن سينا فذكر سبب ذلك المرض: “هذا مرض و سواسى شبية بالمالينخوليا(6) Melancholy ،

يصبح الانسان ربما جلبة الى نفسة بتسليط فكرتة على استحسان بعض الصور و الشمايل التي له،
سواء اعانتة على هذا شهوتة ام لم تعنه(7)”.

وقد اضاف بعضهم الى هذا بان ذلك المرض يعترى العزاب و البطالين من اهل الرعاع.
ويتحدث ابن هبل البغدادى عن اليه حدوث ذلك المرض فيقول: “العشق مرض يعرض من ادامه الفكر فاستحسان بعض الصور الحاصله فالخيال و ادامه النظر اليها و تحريك النفس شوقا الى استحضار ما هي مثاله،
ويساعد على هذا الحركات الشهوانيه فيعرض من هذا شيء من الجفاف و اليبس المؤدى الى المالينخوليا(8)”.
من حديث البغدادى ممكن لنا ان نفسر لماذا اتي مرض العشق بعد مرض المالينخوليا فالمؤلفات الطبيه العربية القديمة.

الاعراض و العلامات:

احلى سبط الماردينى فمخطوطتة الطبيه المسماه الرساله الشهابيه فالصناعه الطبيه اعراض و علامات مرض العشق قائلا: “وعلامتة غؤور العينين و جفافهما الا عند البكاء،
وغلظ الجفن من كثرة السهر و الابخره المتصاعده اليه.
ويعرف معشوقة بوضع اليد على نبضة و ذكر اسماء و صفات،
فاذا اختلف النبض عرف انه هو (9)”.

لقد اجمع اكثر الاطباء العرب المسلمون الذين تحدثوا عن مرض العشق ان اضطراب النبض هو من العلامات الهامه لتشخيص مرض العشق بل و حتي معرفه هويه المعشوق.
ومرد هذا يعود الى حكايه تروي عن ابن سينا و الذي الف رساله فالعشق كتبها لابن عبدالله الفقيه(10).

وملخص هذي الحكاية،
انة و قع احد الفتيان من ابناء امراء فارس فمرض عضال،
وقد عجز الاطباء فذلك الوقت عن معرفه ذلك المرض و بالتالي علاجه.
فكان الشاب ينحل و يضعف يوما بعد يوم،
وقد امتنع عن الاكل لانعدام الشهيه حتي هزل و لزم الفراش.
ولما عجز الاطباء عن ايجاد الدواء الشافى لمرض ذلك الفتى،
لجا اهلة لابن سينا يرجونة زياره المريض و النظر فحالتة بعد ان يئسوا تماما من شفائه.
وفور و صول ابن سينا الى بيت =المريض سال عن اعراض سقمة و ما ال الية حاله.
ثم دخل على الفتي و فحصة بعناية،
وجلس بجانب فراشة و وضع اصبعة على نبضه،
ثم طلب من احد الخدم ان يعدد كل احياء تلك البلد،
ولما وصل الخادم الى ذكر حى ما لاحظ ابن سينا ان نبض الفتي ربما تسرع.
وعندئذ طلب من الخادم ان يذكر اسماء العائلات التي كانت تقطن هذا الحي،
ولما اتي الخادم على ذكر اسم معين من تلك الاسماء شعر بان نبض الفتي ربما تسرع اكثر.
وهنا سال ابن سينا ان كان لتلك العائلة من فتيات فاجابوة نعم،
فقام من توة الى اهل الفتي و قال لهم لقد بان الاسباب =فزال العجب ان ابنكم عاشق احدي فتيات تلك العائلة،
وهذا هو المرض و علاجة بالزواج من تلك الفتاة.

هذه القصة الطريفه تفسر انه لماذا اكثر الاطباء العرب المسلمون الذين تحدثوا عن مرض العشق ربما اعتبروا اضطراب النبض لدي ذكر المعشوق هو من العلامات التشخيصيه لهذا المرض.
يقول ابن سينا فعلامات ذلك المرض: “وعلامتة غؤور العين و يبسها و عدم الدمع الا عند البكاء،
وحركة متصلة للجفن ضاحكه كانة ينظر الى شيء لذيذ او يسمع خبرا سارا او يمزح.
ويصبح نفسة كثير الانقطاع و الاسترداد فيصبح كثير الصعداء.
ويتغير حالة الى فرح و ضحك او الى غم و بكاء عند سماع الغزل و لاسيما عند ذكر الهجر و النوى.
وتكون كل اعضاؤة ذابله خلا العين،
فانها تكون مع غؤور مقلتها كبار الجفن سميكتة لسهره.
ويصبح نبضة نبضا مختلفا بلا نظام البته كنبض اصحاب الهموم،
ويتغير نبضة و حالة عند ذكر المعشوق خاصة و عند لقاءة بغتة.
ويمكن من هذا ان يستدل على المعشوق انه هو اذا لم يعترف به،
فان معرفه معشوقة احد سبيل علاجه.
والحيله فذلك ان تذكر اسماء كثيرة تعاد مرارا و تكون اليد على نبضه،
فاذا اختلف بذلك اختلافا عظيما و صار شبة المنقطع بعدها عاود و جرب هذا مرارا علمت منه اسم المعشوق.
ثم يذكر ايضا السكن و المساكن و الحرف و الصناعات و البلدان،
وتضيف كلا منها الى اسم المعشوق و يحفظ النبض،
حتي اذا كان يتغير عند ذكر شيء واحد مرارا جمعت من هذا خواص معشوقة من الاسم و الحرفه ما عرفته.
فانا ربما جربنا ذلك و استخرجنا فيه ما كان الوقوف عليه منفعه (11)”.

يمكن تلخيص اعراض و علامات مرض العشق كما ذكرها الاطباء المسلمون القدامى: النحول – قله الشهيه – غؤور العين مع سماكه الجفن – حب العزله مع الاسترداد و كثرة الصعداء – اضطراب النبض و خاصة تسرعة لدي ذكر المعشوق او اي شيء يتصل به.

المعالجة:

لقد اجمع الاطباء العرب المسلمون الذين تحدثوا عن مرض العشق ان اروع و انجع علاج لهذا المرض هو الجمع بين العاشق و المعشوق و هذا على نحو تبيحة الشريعة.

يقول سبط الماردينى فذلك: “العلاج لاشيء كالوصال لمن يتهيا على الوجة الشرعي،
والا اهين و قبح بفعله،
واشغالة ببعض العلوم العقليه و مجالس اهل الفضل بعدها استفراغ بعض السوداء.
ويكثر من صب الماء على الراس.
ويطعم البطيخ و القثاء و البقلة،
ويسقي الرايب الحامض،
ويؤمر ان ينام تحت الندى.
وذكروا ان النظر الى القمر عند امتلائة يمنع ذلك المرض.
وينصح بكثرة الاغتسال بالماء البارد ايضا.
ولا يعطي الحاجات الحارة من الادويه و الاغذيه و الاهوية(12)”.

مما سبق ممكن ان نذكر مقومات علاج مرض العشق على النحو الاتي:

اولا- محاوله الجمع بين العاشق و المعشوق بالزواج ان امكن،
وفى هذا يقول ابن هبل البغدادي: “العلاج لاشيء انفع من الجمع بين العاشق و معشوقة على و جة تبيحة الشريعة،
فانة يصلح و يبرا.
وان لم يكن فالنظر من بعيد،
والا فالتسويف(13)”.

ويوضح ابن سينا هذي الحقيقة بقوله: “ثم ان لم تجد علاجا الا تدبير الجمع بينهما على نحو يبيحة الدين و الشريعه فعلت،
وقد راينا من عاودتة السلامة و القوة،
وعاد الى لحمه.
وكان ربما بلغ الذبول و جاوزه،
وقاسي الامراض الصعبة المزمنه و الحميات الطويله بسبب ضعف القوه لشده العشق.
ولما احس بوصل من معشوقة بعد مطل معاوده فاقصر لمدة قضينا فيه العجب،
واستدللنا على طاعه الطبيعه لاوهام النفس(14)”.

ثانيا- نصح العاشق و تعنيفة على افعالة اذا كان من العقلاء.
يقول ابن سينا ايضا: “وان كان العاشق من العقلاء فان النصيحه و العظه له و الاستهزاء فيه و تعنيفة و التصوير لدية ان ما فيه انما هو و سوسه و ضرب من الجنون،
مما ينفع نفعه،
فان الكلام ناجع فمثل ذلك الباب(15)”.

ثالثا- اشغال العاشق ببعض العلوم العقليه و مجالس اهل الفضل،
او اشغالة ببعض الامور الدنيويه الثانية التي تصرف تفكير العشق عن كثرة التفكير بمعشوقه.
وقد تفنن الاطباء العرب فهذا المجال بابتكار الوسائل التي من شانها ان تحقق ذلك الغرض.
فمن هذي الامور ذكروا:

1-اشغال المريض ببعض العلوم العقليه و مجالس اهل الفضل،
وذلك اذا كان ممن عندة الاستعداد لذلك.
واذا كان من المتدينين فيمكن تسليتة باخبار الزهاد و العباد و المساكين.

2- اذا كان العاشق صاحب صنعه او عمل او شغل الزم بعملة او شغلة فلا شيء اضر عليه من البطاله و الفراغ.

3- طول السفر عن مكان اقامه المعشوق،
حيث ان هذا مما يولد النسيان مع مرور الزمن.

4- ذكر بعض الاطباء –كابن سينا- انه من الناس يسلية الطرب و السماع،
ومنهم من يزيد هذا من غرامه،
ويمكن ان يتعرف ذلك.

5- مما ينفع هؤلاء كذلك مجالس السرور و اللهو و الفرح،
والتنزة و كثرة النظر الى القمر.
وهذه كلها اعتبرت من الامور التي تصرف تفكير العاشق عن معشوقه.

رابعا- افراغ المره السوداء من الجسم و القضاء على مفاعلاتها السلبيه فالجسد،
وذلك بالتجفيف و التبريد.
لذا نصح الرازى بكثرة الاغتسال بالماء البارد،
وحذر من الحاجات الحارة من الادويه و الاغذية.
وايضا نصح بالنوم فالاماكن الباردة.

خامسا- الميل لتناول بعض الاغذيه التي لها صفه التبريد كالرايب الحامض و البطيخ و القثاء و البقله و غيرها من الاطعمة =التي تساعد على استفراغ المره السوداء و بالتالي تحقق غايه التبريد.

سادسا- اخيرا فقد نصح بعض الاطباء لمعالجه ذلك المرض بان تسلط بعض العجائز على العاشق،
بحيث يجتهدن فان ينقلن هوي العاشق الى غير هذا المعشوق بالتدريج،
ثم يقطعن صنيعهن قبل ان يتمكن الهوي الثاني.

مرض العشق و الطب الحديث:

فى نهاية ذلك البحث لابد لى من ان اشير الى مرض العشق من الوجهه الطبيه الحديثة.
فقد يتساءل البعض لماذا لا تبحث المؤلفات الطبيه الجديدة و لاسيما كتب الطب النفسي ما سمى قديما بمرض العشق؟

للجواب على هذا لابد لنا ان نعلم ان مرض العشق ممكن ان نعبر عنه حاليا على انه شكل من اشكال الشده العاطفيه Emotional stress التي يخضع لها المريض.
وهذه الشده العاطفيه و بحسب درجاتها ربما ينجم عنها مرضيات نفسيه مختلفة و هذا حسب شخصيه المريض و خلفيتة الاجتماعيه و ظروفة المحيطه به،
فضلا عن استعدادة الشخصي.
فبعض الذين يخضعون لشده عاطفيه شديده ربما يصابون بعصاب القلق Anxiety neurosis،
ومنهم من يصاب بحالة الارتكاس الهمودى Reactive depression ،

كما ربما يصاب بعض المرضي الذين عندهم اصلا شخصيه شبة فصاميه بحالات فصام Schizophrenia صريحة،
كما هو الحال فالفصام الشبابي او ما يسمي بفصام المراهقة.
من هذا نستنتج ان ما كان يعرف بمرض العشق هو عبارة عن احد اشكال الشده العاطفيه التي ربما تؤدى لحدوث اضطرابات نفسيه خطيره ممكن لها ان تؤدى فبعض الاحيان لحدوث خطر الانتحار،
وخاصة عند الذين اصيبوا بحالة الهمود الارتكاسي.


العشق حلها الزواج