تعالى كلى

قوله تعالى : بعدها كلى من جميع الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يظهر من بطونها شراب مختلف الوانة به شفاء للناس ان فذلك لايه لقوم يتفكرون

قوله تعالى : بعدها كلى من جميع الثمرات و هذا انها انما تاكل النوار من الاشجار .

فاسلكي سبل ربك ذللا اي طرق ربك .

والسبل : الطرق ،

واضافها الية لانة خالقها .

اى ادخلى طرق ربك لطلب الرزق فالجبال و اثناء الشجر .

ذللا جمع ذلول و هو المنقاد ; اي مطيعه مسخره .

ف ذللا حال من النحل .

اى تنقاد و تذهب حيث شاء صاحبها ; لانها تتبع اصحابها حيث ذهبوا ; قالهابن زيد .

وقيل : المراد بقوله ذللا السبل .

يقول : مذلل طرقها سهلة للسلوك عليها ; و اختارة الطبرى ،

وذللا حال من السبل .

واليعسوب سيد النحل ،

اذا و قف و قفت و اذا سار سارت .

قوله تعالى : يظهر من بطونها شراب مختلف الوانة به شفاء للناس

فية تسع مسائل :

الاولي : قوله تعالى : يظهر من بطونها رجع الخطاب الى الخبر على جهه تكثير النعمه و التنبية على العبره فقال : يظهر من بطونها شراب يعني العسل .

وجمهور الناس على ان العسل يظهر من افواة النحل ; و ورد عن على بن ابي طالب – رضى الله عنه – انه قال فتحقيرة للدنيا : اشرف لباس ابن ادم بها لعاب دوده ،

واشرف شرابة رجيع نحله .

فظاهر ذلك [ ص: 123 ] انه من غير الفم .

وبالجمله فانه يظهر و لا يدري من بها او اسفلها ،

ولكن لا يتم صلاحة الا بحمى انفاسها .

وقد صنع ارسطاطاليس بيتا من زجاج لينظر الى طريقة ما تصنع ،

فابت ان تعمل حتي لطخت باطنالزجاج بالطين ; ذكرة الغزنوى .

وقال : من بطونها لان استحالة الاطعمة =لا تكون الا فالبطن .

الاخرى : قوله تعالى : مختلف الوانة يريد نوعياته من الاحمر و الابيض و الاصفر و الجامد و السائل ،

والام واحده و الاولاد مختلفون دليل على ان القدره نوعتة بحسب تنويع الغذاء ،

كما يختلف طعمة بحسب اختلاف المراعى ; و من ذلك المعني قول زينب للنبى – صلى الله عليه و سلم – : ( جرست نحلة العرفط ) حين شبهت رائحتة برائحه المغافير .

الثالثة : قوله تعالى : به شفاء للناس الضمير للعسل ; قال الجمهور .

اى فالعسل شفاء للناس .

وروى عن ابن عباس و الحسن و مجاهد و الضحاكوالفراء و ابن كيسان : الضمير للقران ; اي فالقران شفاء .

النحاس : و ذلك قول حسن ; او فيما قصصنا عليكم من الايات و البراهين شفاء للناس .

وقيل : العسل به شفاء ،

وهذا القول بين كذلك ; لان اكثر الاشربه و المعجونات التي يتعالج فيها اصلها من العسل .

قال القاضى ابو بكر بن العربي :من قال انه القران بعيد ما اراة يصح عنهم ،

ولو صح نقلا لم يصح عقلا ; فان مساق الكلام كله للعسل ،

ليس للقران به ذكر .

قال ابن عطيه : و ذهب قوم من اهل الجهاله الى ان هذي الايه يراد فيها اهل المنزل و بنو هاشم ،

وانهم النحل ،

وان الشراب القران و الحكمه ،

وقد ذكر ذلك بعضهم فمجلسالمنصور ابي جعفر العباسى ،

فقال له رجل ممن حضر : جعل الله طعامك و شرابك مما يظهر من بطون بنى هاشم ،

فاضحك الحاضرين و بهت الاخر و ظهرت سخافه قوله .

الرابعة : اختلف العلماء فقوله – تعالى – : به شفاء للناس هل هو على عمومة ام لا ; فقالت طائفه : هو على العموم فكل حال و لكل احد ،

فرويعن ابن عمر انه كان لا يشكو قرحه و لا شيئا الا جعل عليه عسلا ،

حتي الدمل اذا خرج عليه طلي عليه عسلا .

وحكي النقاش عن ابي و جره انه كان يكتحل بالعسل و يستمشي بالعسل و يتداوي بالعسل .

وروى ان عوف بن ما لك الاشجعى مرض فقيل له : الا نعالجك ؟

فقال : ائتونى بالماء ،

فان الله – تعالى – [ ص: 124 ] يقول : و نزلنا من السماء ماء مباركا بعدها قال : ائتونى بعسل ،

فان الله – تعالى – يقول : به شفاء للناس و ائتونى بزيت ،

فان الله – تعالى – يقول : من شجره مباركه فجاءوة بذلك كله فخلطة جميعا بعدها شربة فبرئ .

ومنهم من قال : انه على العموم اذا خلط بالخل و يطبخ فياتى شرابا ينتفع فيه فكل حالة من جميع داء .

وقالت طائفه : ان هذا على الخصوص و لا يقتضى العموم فكل عله و فكل انسان ،

بل انه خبر عن انه يشفى كما يشفى غيرة من الادويه فبعض و على حال دون حال ; ففوائد الايه اخبار منه فانه دواء لما كثر الشفاء فيه و صار خليطا و معينا للادويه فالاشربه و المعاجين ; و ليس ذلك باول لفظ خصص فالقران مملوء منه و لغه العرب ياتى بها العام كثيرا بمعني الخاص و الخاص بمعني العام .

ومما يدل على انه ليس على العموم ان ” شفاء ” نكره فسياق الاثبات ،

ولا عموم بها باتفاق اهل اللسان و محققى اهل العلم و مختلفى اهل الاصول .

لكن ربما حملتة طائفه من اهل الصدق و العزم على العموم .

فكانوا يستشفون بالعسل من جميع الاوجاع و الامراض ،

وكانوا يشفون من عللهم ببركة القران و بصحة التصديق و الايقان .

ابن العربي : و من ضعفت نيتة و غلبتة على الدين عادتة اخذة مفهوما على قول الاطباء ،

والكل من حكم الفعال لما يشاء .

الخامسة : ان قال قائل : ربما راينا من ينفعة العسل و من يضرة ،

فكيف يصبح شفاء للناس ؟

قيل له : الماء حياة جميع شيء و ربما راينا من يقتلة الماء اذا اخذة على ما يضادة من عله فالبدن ،

وقد راينا شفاء العسل فاكثر هذي الاشربه ; قال معناة الزجاج .

وقد اتفق الاطباء عن بكره ابيهم على مدح عموم منفعه السكنجبين فكل مرض ،

واصلة العسل و ايضا سائر المعجونات ،

علي ان النبى – صلى الله عليه و سلم – ربما حسم داء الاشكال و ازاح و جة الاحتمال حين امر الذي يشتكى بطنة بشرب العسل ،

فلما اخبرة اخوة بانه لم يزدة الا استطلاقا امرة بعود الشراب له فبرئ ; و قال : صدق الله و كذب بطن اخيك .

السادسة : اعترض بعض زنادقه الاطباء على ذلك الحديث فقال : ربما اجمعت الاطباء على ان العسل يسهل فكيف يوصف لمن فيه الاسهال ; فالجواب ان هذا القول حق فنفسة [ ص: 125 ] لمن حصل له التصديق بنبية – عليه السلام – ،

فيستعملة على الوجة الذي عينة و فالمحل الذي امرة بعقد نيه و حسن طويه ،

فانة يري منفعتة و يدرك بركتة ،

كما ربما اتفق لصاحب ذلك العسل و غيرة كما تقدم .

واما ما حكى من الاجماع فدليل على جهلة بالنقل حيث لم يقيد و اطلق .

قال الامام ابو عبدالله المازرى : ينبغى ان يعلم ان الاسهال يعرض من ضروب كثيرة ،

منها الاسهال الحادث عن التخم و الهيضات ; و الاطباء مجمعون فمثل ذلك على ان علاجة بان يترك للطبيعه و فعلها ،

وان احتاجت الى معين على الاسهال اعينت ما دامت القوه باقيه ،

فاما حبسها فضرر ،

فاذا و ضح ذلك قلنا : فيمكن ان يصبح هذا الرجل اصابة الاسهال عن امتلاء و هيضه فامرة النبى – صلى الله عليه و سلم – بشرب العسل فزادة الى ان فنيت المادة فوقف الاسهال فوافقة شرب العسل .

فاذا خرج ذلك عن صناعه الطب اذن هذا بجهل المعترض بتلك الصناعه .

قال : و لسنا نستظهر على قول نبينا بان يصدقة الاطباء بل لو كذبوة لكذبناهم و لكفرناهم و صدقناة – صلى الله عليه و سلم – ; فان اوجدونا بالمشاهدة صحة ما قالوة فنفتقر حينئذ الى تاويل كلام رسول الله – صلى الله عليه و سلم – و تخريجة على ما يصح اذ قامت الدلاله على انه لا يكذب .

السابعة : فقوله – تعالى – : به شفاء للناس دليل على جواز التعالج بشرب الدواء و غير هذا خلافا لمن كرة هذا من جله العلماء ،

وهو يرد علىالصوفيه الذين يزعمون ان الولايه لا تتم الا اذا رضى بجميع ما نزل فيه من البلاء ،

ولا يجوز له مداواه .

ولا معني لمن انكر هذا ،

روي الصحيح عنجابر عن رسول الله – صلى الله عليه و سلم – انه قال : لكل داء دواء فاذا اصيب دواء الداء برا باذن الله .

وروي ابو داود و الترمذى عن اسامه بن شريك قال : قالت الاعراب : الا نتداوي يا رسول الله ؟

قال : نعم .

يا عباد الله تداووا فان الله لم يضع داء الا وضع له شفاء او دواء الا داء واحدا قالوا : يا رسول الله و ما هو ؟

قال : الهرم لفظ الترمذى ،

وقال : حديث حسن صحيح .

وروى عن ابي خزامه عن ابية قال : سالت رسول الله – صلى الله عليه و سلم – فقلت : يا رسول الله ،

ارايت رقي نسترقيها و دواء نتداوي فيه و تقاه نتقيها ،

هل ترد من قدر الله شيئا ؟

قال : هي من قدر [ ص: 126 ]الله قال : حديث حسن ،

ولا يعرف لابي خزامه غير ذلك الحديث .

وقال – صلى الله عليه و سلم – : ان كان فشيء من ادويتكم خير ففى شرطة محجم او شربه من عسل او لذعه بنار و ما احب ان اكتوى اخرجة الصحيح .

والاحاديث فهذا الباب اكثر من ان تحصي .

وعلي اباحه التداوى و الاسترقاءجمهور العلماء .

روى ان ابن عمر اكتوي من اللقوه و رقى من العقرب .

وعن ابن سيرين ان ابن عمر كان يسقى و لدة الترياق .

وقال ما لك : لا باس بذلك .

وقد احتج من كرة هذا بما رواة ابو هريره قال : قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم – : دخلت امه بقضها و قضيضها الجنه كانوا لا يسترقون و لا يكتوون و لا يتطيرون و على ربهم يتوكلون .

قالوا : فالواجب على المؤمن ان يترك هذا اعتصاما بالله و توكلا عليه و ثقه فيه و انقطاعا الية ; فان الله- تعالى – ربما علم ايام المرض و ايام الصحة فلو حرص الخلق على تقليل هذا او زيادتة ما قدروا ; قال الله – تعالى – : ما اصاب من مصيبه فالارض و لا فانفسكم الا فكتاب من قبل ان نبراها .

وممن ذهب الى ذلك جماعة من اهل الفضل و الاثر ،

وهو قول ابن مسعود و ابي الدرداء رضوان الله عليهم .

دخل عثمان بن عفان على ابن مسعود فمرضة الذي قبض به فقال له عثمان : ما تشتكى ؟

قال ذنوبى .

قال : فما تشتهى ؟

قال : رحمه ربى .

قال : الا ادعو لك طبيبا ؟

قال : الطبيب امرضنى .

.
.
وذكر الحديث .

وسياتى بكمالة ففضل الواقعه ان شاء الله – تعالى – .

وذكر و كيع قال : حدثنا ابو هلال عن معاويه بن قره قال : مرض ابو الدرداء فعادوة و قالوا : الا ندعو لك طبيبا ؟

قال : الطبيب اضجعنى .

والي ذلك ذهب الربيع بن خثيم.
وكرة سعيد بن جبير الرقي .

[ ص: 127 ] و كان الحسن يكرة شرب الادويه كلها الا اللبن و العسل .

واجاب الاولون عن الحديث بانه لا حجه به ،

لانة يحتمل ان يصبح قصد الى نوع من الكي مكروة بدليل كى النبى – صلى الله عليه و سلم – ابيا يوم الاحزاب على اكحلة لما رمى .

وقال : الشفاء فثلاثه كما تقدم .

ويحتمل ان يصبح قصد الى الرقي بما ليس فكتاب الله ،

وقد قال – سبحانة و تعالى – : و ننزل من القران ما هو شفاء على ما ياتى بيانة .

ورقي اصحابة و امرهم بالرقيه ; على ما ياتى بيانة .

الثامنة : ذهب ما لك و جماعة اصحابة الى ان لا زكاه فالعسل و ان كان مطعوما مقتاتا .

واختلف به قول الشافعى ،

والذي قطع فيه فقوله الجديد : انه لا زكاه به .

وقال ابو حنيفه بوجوب زكاه العسل فقليلة و كثيرة ; لان النصاب عندة به ليس بشرط .

وقال محمد بن الحسن : لا شيء به حتي يبلغ ثمانيه افراق ،

والفرق سته و ثلاثون رطلا من ارطال العراق .

وقال ابو يوسف : فكل عشره ازقاق زق ; متمسكا بما رواة الترمذى عن ابن عمر قال : قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم – : فالعسل فكل عشره ازقاق زق قال ابو عيسي : فاسنادة موضوع ،

ولا يصح عن النبى – صلى الله عليه و سلم – فهذا الباب كبير شيء ،

والعمل على ذلك عند اكثر اهل العلم ،

وبة يقول احمد و اسحاق ،

وقال بعض اهل العلم : ليس فالعسل شيء .

التاسعة : قوله تعالى : ان فذلك لايه لقوم يتفكرون اي يعتبرون ; و من العبره فالنحل بانصاف النظر و الطاف الفكر فعجيب امرها .

فيشهد اليقين بان ملهمها الصنعه اللطيفه مع البنيه الضعيفه ،

وحذقها باحتيالها فتفاوت احوالها هو الله – سبحانة و تعالى – ; كما قال : و اوحي ربك الى النحل الايه .

ثم انها تاكل الحامض و المر و الحلو و المالح و الحشائش الضارة ،

فيجعلة الله – تعالى – عسلا حلوا و شفاء ،

وفى ذلك دليل على قدرتة .


تعالى كلى