دعاء القنوت في صلاة التراويح عند المالكية

الحمد لله الذي سهل سبيل الهداية،
واحاط السنه بما يناسبها من عناية،
والصلاة و السلام على من بعثة الله للعالمين بشيرا و نذيرا،
ورتب النجاه على طاعتة و اتباع هدية و التزام سنتة اولا و اخيرا،
وبعد:

فان للدعاء شانا عظيما و مكانه عاليه نوة فيها القران الكريم و صدحت فيها السنه المطهرة؛
قال تعالى: {وقال ربكم ادعونى استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين} [غافر: ٠٦]،
كما صح عن النبى صلى الله عليه و سلم انه قال: «الدعاء هو العبادة»[1]،
وهذا اللفظ يطول دعاء المساله و الطلب،
ودعاء الثناء و الحمد.

ونظرا لاقبال انفس المسلمين على الطاعات فشهر رمضان المبارك اكثر من غيره،
واتسامهم به بالجار الى الله سبحانة و التزامهم بالقنوت خاصة؛
فان ذلك الموضوع ستدور محاورة حول القنوت فرمضان،
وسيصبح استهلالة بتعريفه:

تعريف القنوت:

القنوت فاللغة: يتمحور معناة حول الطاعه و الخير فدين؛
يقول ابن فارس: (القاف و النون و التاء اصل صحيح يدل على طاعه و خير فدين،
لا يعدو ذلك الباب.

والاصل به الطاعة،
يقال: قنت يقنت قنوتا،
ثم سمى جميع استقامه فطريق الدين قنوتا،
وقيل لطول القيام فالصلاة قنوت،
وسمى السكوت فالصلاة و الاقبال عليها قنوتا؛
قال الله تعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238][2]).

وقد جاء القنوت بمعان لم يظهر بها عن معني الاستقامه على الدين و الانقياد لامر الله تعالى،
ومن ذلك:

القنوت: بمعني لزوم الطاعه مع الخضوع،
كما جاء فقوله تبارك و تعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238].

القنوت بمعني طول القيام فالصلاة،
ومنة ما جاء فحديث جابر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «اروع الصلاة طول القنوت»[3].

القنوت بمعني الانكباب على العبادة،
قال تبارك و تعالى: {ان ابراهيم كان امه قانتا} [النحل: 120].

وقد نظم المعاني التي ياتى فيها لفظ (القنوت) زين الدين العراقي – رحمة الله – بقوله:

ولفظ القنوت اعدد معانية تجد

مزيدا على عشر معاني مرضيه

دعاء،
خشوع،
والعبادة،
طاعة،

اقامتها،
اقرارة بالعبوديه

سكوت،
صلاة،
والقيام،
وطوله

كذاك دوام الطاعه الرابح النيه[4]

فاتضح تعدد المعاني اللغويه للقنوت و ان لم تظهر كلها عن الخيريه و الفضل و الطاعة.

اما القنوت فالاصطلاح الشرعى فيعني الدعاء حال القيام فالصلاة؛
وذلك لان الدعاء عامة اجل الطاعات و اخير العبادات – احري اذا كان فالصلاة،
وقيل: لانة يصبح فالقيام قبل الركوع او بعدة فسمى باسم لازمة و هو القيام[5]..
فالقنوت اذا الدعاء فمحل مخصوص من القيام فالصلاة[6].

ومن تيسير الله تعالى لامر القنوت و تبيينة لمعالم منهجه،
ان جعل فالقران الكريم و السنه المطهره من جوامع الدعاء ما به مؤتسي للمتبع و غنيه للداعى غير المبتدع،
فالاولي معرفه تلك الجوامع و امتثالها حتي لا يسقط الداعى فمهوي مخالفه السنة،
ويقع فالاثم من حيث اراد الطاعة.

ومن ابرز مخالفات القنوت فرمضان:

  • التطويل المخل فالدعاء،
    والتنافس فيه،
    وتكلف الابداع فمقاطعه،
    مع ان ادعية القنوت المرويه عن النبى صلى الله عليه و سلم و صحابتة رضى الله عنهم،
    كلها ادعية مختصرة جامعة؛
    ولهذا سعي بعض علماء السلف الى تحديد مقدار القنوت،
    ومن هذا ما ذكرة علاء الدين السمرقندى حين عدد احكام القنوت قائلا: و منها مقدار القنوت ذكر فالكتاب [انه] مقدار سورة: {اذا السماء انشقت} [الانشقاق: ١] او {والسماء ذات البروج} [البروج: ١][7].
    وقال علاء الدين الكاساني: (واما مقدار القنوت فقد ذكر الكرخى ان مقدار القيام فالقنوت مقدار سورة {اذا السماء انشقت} [الانشقاق: ١]،
    وكذا ذكر فالاصل؛
    لما روى عن النبى صلى الله عليه و سلم انه «كان يقرا فالقنوت اللهم انا نستعينك،
    اللهم اهدنا فيمن هديت،
    وكلاهما على مقدار هذي السورة».
    وروى انه صلى الله عليه و سلم «كان لا يطول فدعاء القنوت»)[8].

وعليه فان الامام يمنع من التطويل الذي يشق على المامومين.

ومن ابرز ادعية القنوت ما جاء عن الحسن بن على رضى الله عنهما قال: (علمنى رسول الله صلى الله عليه و سلم عبارات اقولهن فقنوت الوتر: «اللهم اهدنى فيمن هديت،
وعافنى فيمن عافيت،
وتولنى فيمن توليت،
وبارك لى فيما اعطيت،
وقنى شر ما قضيت،
فانك تقضى و لا يقضي عليك،
انة لا يذل من و اليت،
تباركت ربنا و تعاليت»)[9].

ان تطويل دعاء القنوت يؤدى الى غفله كثير من الداعين عن مقاصد الدعاء؛
لما ينتابهم من السامه و الاعياء لطول القيام و استمرار رفع الايدي.

  • الاعراض عن الادعية الماثوره فالقران و صحيح السنه و الاعتياض عنها بادعية مخترعة؛
    لا شك انه الت للثواب لما فالتزام السنه و مهيع السلف من البركة و الخيرية،
    ذلك ان عدم التزام الادعية النبويه و تجشم ابتكار ادعية غير معروفة،
    ينافى ما نصف عليه كثير من اهل العلم من ان قنوت الوتر فرمضان لا يزاد به على ما و رد فالسنه النبوية،
    يقول الامام النووي: (السنه فلفظ القنوت: «اللهم اهدنى فيمن هديت و عافنى فيمن عافيت و تولنى فيمن توليت و بارك لى فيما اعطيت و قنى شر ما قضيت فانك تقضى و لا يقضي عليك و انه لا يذل من و اليت تباركت ربنا و تعاليت».
    هذا لفظة فالحديث الصحيح باثبات الفاء ف«فانك» و الواو ف«وانة لا يذل»).

الي ان قال: (فان الفاظ الاذكار يحافظ بها على الثابت عن النبى صلى الله عليه و سلم)[10].

ثم عرض الخلاف حول الزياده على الماثور فالدعاء قائلا: (واعلم ان القنوت لا يتعين به دعاء على المذهب المختار،
فاى دعاء دعا فيه حصل القنوت،
ولو قنت بايه او ايات من القران العزيز و هي مشتمله على الدعاء حصل القنوت[11]،
ولكن الاروع ما جاءت فيه السنة[12].

ولو قنت بالمنقول عن عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – كان حسنا،
فقد روى انه قنت فالصبح بعد الركوع فقال: «اللهم اغفر لنا و للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات و الف بين قلوبهم و اصلح ذات بينهم و انصرهم على عدوك و عدوهم.
اللهم العن كفره اهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك و يكذبون رسلك و يقاتلون اولياءك،
اللهم خالف بين كلمتهم و زلزل اقدامهم و انزل بهم باسك الذي لا تردة عن القوم المجرمين.
اللهم انا نستعينك و نستغفرك و نثنى عليك و لا نكفرك و نخلع و نترك من يفجرك.
اللهم اياك نعبد و لك نصلى و نسجد و اليك نسعي و نحفد و نخشي عذابك و نرجو رحمتك ان عذابك الجد بالكفار ملحق»)[13].
قال النووي: (وقوله: «اللهم عذب كفره اهل الكتاب»؛
انما اقتصر على اهل الكتاب لانهم الذين كانوا يقاتلون المسلمين فذلك العصر،
واما الان فالمختار ان يقال: (عذب الكفرة) ليعم اهل الكتاب و غيرهم من الكفار،
فان الحاجة الى الدعاء على غيرهم اكثر و الله اعلم.
قال اصحابنا: – و الكلام للنووى – يستحب الجمع بين قنوت عمر رضى الله عنه و بين ما سبق،
فان جمع بينهما فالاصح تاخير قنوت عمر،
وفى و جة يستحب تقديمه.
وان اقتصر فليقتصر على الاول،
وانما يستحب الجمع بينهما اذا كان منفردا او امام محصورين يرضون بالتطويل)[14].

كما ان التنكيب عن مهيع السلف فالقنوت و غيرة مفض الى الغفله و التردد،
قائد الى الشك فالاستجابة،
خلافا لما داب عليه السلف من اليقين على تحققها،
تجسيدا لامر النبى صلى الله عليه و سلم: «ادعوا الله و انتم موقنون بالاجابة،
واعلموا ان الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل»[15].


و ما كانوا عليه من الرغبه فجوامع الدعاء تاسيا بالمصطفى صلى الله عليه و سلم؛
كما قالت عائشه رضى الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يستحب الجوامع من الدعاء و يدع ما سوي ذلك»[16].

وقد اثر عنهم النكير الشديد على المعتدين فالدعاء؛
لمنافاه عملهم صريح القران و صحيح السنة؛
قال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا و خفيه انه لا يحب المعتدين} [الاعراف: ٥٥]،
وقال النبى صلى الله عليه و سلم: «سيصبح قوم يعتدون فالدعاء»[17].

ولما سمع سعد بن ابي و قاص رضى الله عنه ابنة يقول فدعائه: (اللهم انني اسالك الجنه و نعيمها و بهجتها و هكذا و كذا..،
واعوذ بك من النار و سلاسلها و اغلالها و هكذا و كذا..
قال: «يا بني،
انى سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم،
يقول: «سيصبح قوم يعتدون فالدعاء»،
فاياك ان تكون منهم،
انك ان اعطيت الجنه اعطيتها و ما بها من الخير،
وان اعذت من النار اعذت منها،
وما بها من الشر»)[18].
وسمع ابن مغفل رضى الله عنه ابنة يقول: (اللهم انني اسالك القصر الابيض عن يمين الجنه اذا دخلتها،
فقال: اي بني،
سل الله الجنة،
وتعوذ فيه من النار،
فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: «انة سيصبح فهذه الامه قوم يعتدون فالطهور و الدعاء»)[19].

يقول ابن تيمية: (والمشروع للانسان ان يدعو بالادعية الماثورة،
فان الدعاء من اروع العبادات،
وقد نهانا الله عن الاعتداء فيه.
فينبغى لنا ان نتبع به ما شرع و سن،
كما انه ينبغى لنا هذا فغيرة من العبادات.
والذى يعدل عن الدعاء المشروع الى غيرة – و ان كان من احزاب المشايخ – الاقوى له ان لا يفوتة الاكمل الافضل،
وهي الادعية النبوية،
فانها اروع و اكمل باتفاق المسلمين من الادعية التي ليست كذلك،
وان قالها الشيوخ… و من اشد الناس عيبا من يتخذ حزبا ليس بماثور عن النبى صلى الله عليه و سلم،
وان كان حزبا لبعض المشايخ،
ويدع الاحزاب النبويه التي كان يقولها سيد بنى ادم و امام الخلق و حجه الله على عباده)[20].


و قال فموضع اخر: (المنصوص المشهور عن الامام احمد انه لا يدعو فالصلاة الا بالادعية المشحلوه الماثورة،
كما قال الاثرم: قلت لاحمد بماذا ادعو بعد التشهد؟

قال: بما جاء فالخبر.
قلت له: اوليس قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «ثم ليتخير من الدعاء ما شاء»[21]؟
قال: يتخير مما جاء فالخبر.
فعاودتة فقال: ما فالخبر…..)[22].

 

  • تكلف السجع،
    وقد كرهة السلف و نهوا عنه،
    خاصة ما كان منه على غير سجية،
    وقد جاء قول ابن عباس رضى الله عنهما لمولاة عكرمه فالنهى عن هذا صريحا: «انظر السجع من الدعاء فاجتنبه،
    فانى عهدت رسول الله صلى الله عليه و سلم و اصحابة لا يفعلون الا هذا الاجتناب»[23].
    وقال الغزالي: (المراد بالسجع هو المتكلف من الكلام،
    لان هذا لا يلائم الضراعه و الذلة،
    والا ففى الادعية الماثوره عن النبى صلى الله عليه و سلم عبارات متوازنه غير متكلفة)[24].

وقد يصبح التكلف فالسجع من موانع الاستجابه كما قال الامام القرطبي – عند ذكرة نوعيات الاعتداء فالدعاء: (ومنها ان يدعو بما ليس فالكتاب و السنه فيتخير الفاظا مفقره و عبارات مسجعه ربما و جدها فكراريس لا اصل لها و لا معول عليها،
فيجعلها شعارة و يترك ما دعا فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم،
وكل ذلك يمنع من استجابه الدعاء)[25].
ويقول ابن حجر: (الاعتداء فالدعاء يقع بزياده الرفع فوق الحاجة،
او بطلب ما يستحيل حصولة شرعا،
او بطلب معصية،
او يدعو بما لم يؤثر خصوصا ما و ردت كراهتة كالسجع المتكلف و ترك المامور)[26].
يقول ابن تيمية: (ينبغى للداعى اذا لم تكن عادتة الاعراب ان لا يتكلف الاعراب.
قال بعض السلف: اذا جاء الاعراب ذهب الخشوع،
وهذا كما يكرة تكلف السجع فالدعاء،
فاذا و قع بغير تكلف فلا باس به،
فان اصل الدعاء من القلب،
واللسان تابع للقلب.
ومن جعل همتة فالدعاء تقويم لسانة اضعف توجة قلبه….)[27].

  • تلحين الدعاء،
    وتطريب الصوت به،
    والمبالغه فترتيلة حتي يؤدي على هيئه قراءه القران،
    وذلك ممقوت؛
    لما ينطوى عليه من التكلف المنافى لطابع هذي الشريعه المباركة؛
    قال تعالى: {قل ما اسالكم عليه من اجر و ما انا من المتكلفين} [ص: 86] .

    قال الكمال بن الهمام: (مما تعارفة الناس فهذه الازمان من التمطيط و المبالغه فالصياح و الاشتهار لتحريرات النغم اظهارا للصناعه النغميه لا اقامه للعبودية،
    فانة لا يقتضى الاجابة،
    بل هو من مقتضيات الرد؛
    فاستبان ان هذا من مقتضيات الخيبه و الحرمان)[28].


    و قال: (ولا اري ان تحرير النغم فالدعاء كما يفعلة القراء فهذا الزمان يصدر ممن يفهم معني الدعاء و السؤال،
    وما ذاك الا نوع لعب،
    فانة لو قدر فالشاهد سائل حاجة من ملك ادي سؤالة و طلبة بتحرير النغم به من الخفض و الرفع و التطريب و الترجيع كالتغنى نسب البته الى قصد السخريه و اللعب؛
    اذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغني)[29].
    وقال بكر ابو زيد: (فتسمع فدعاء القنوت عند بعض الائمه فرمضان الجهر الشديد و خفض الصوت و رفعة فالاداء حسب مواضع الدعاء،
    والمبالغه فالترنم،
    والتطريب و التجويد،
    والترتيل،
    حتي لكانة يقرا سورة من كتاب الله – تعالى – و يستدعى بذلك عواطف المامومين؛
    ليجهشوا بالبكاء)[30].

فالمشروع للداعى ان يدعو بجوامع الدعاء من غير تكلف لسجع،
ولا تمطيط لتلحين.

فالمبالغه فرفع الصوت بالدعاء تخالف توجية القران العظيم،
وسمت الهدى النبوي؛
يقول ربنا عز و جل: {ولا تجهر بصلاتك و لا تخافت فيها و ابتغ بين هذا سبيلا} [الاسراء: 110]،
قال الامام البخارى ملعقا على هذي الاية: (اسمعهم و لا تجهر،
حتي ياخذوا عنك القران)[31].
وقال ابن جريج – رحمة الله: (يكرة رفع الصوت و النداء و الصياح بالدعاء،
ويؤمر بالتضرع و الاستكانة)[32].


و قال الالوسي: (وتري كثيرا من اهل زمانك يعتمدون الصراخ فالدعاء خصوصا فالجوامع حتي يعظم اللغط و يشتد و تستك المسامع و تشتد و لا يدرون انهم جمعوا بين بدعتين،
رفع الصوت فالدعاء و كون هذا فالمسجد)[33].

وقد انكر النبى صلى الله عليه و سلم على صحابتة رضى الله عنهم رفعهم اصواتهم بالتكبير،
فقال لهم: «اربعوا على انفسكم،
انكم لا تدعون اصم و لا غائبا،
انكم تدعون سميعا بصيرا،
وهو معكم،
والذى تدعونة اقرب الى احدكم من عنق راحلته»[34].

  • تحويل القنوت الى خطب و مواعظ بل و منابر للتزلف للامراء و الرؤساء و الكبراء،
    وهذا من الابتداع و التعدى فالدعاء؛
    اذ لم ينقل مثلة عن السلف،
    وان و رد عن بعضهم جوازة فخطب الجمعة لا فقنوت الوتر،
    الذى هو داخل الصلاة،
    ذلك ان الاصل اتيان الامام فدعاء القنوت بالادعية التي لها صفه العموم،
    وصيغه الجمع،
    الا اذا خص طائفه من المؤمنين و اقعين فكرب عظيم،
    او طائفه من المجرمين لشده عداوتهم و قوه محاربتهم للاسلام،
    فهذا مشروع بلا خلاف؛
    لما جاء عن ابي هريره رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه و سلم قال: «اللهم انج الوليد بن الوليد،
    وسلمه بن هشام،
    وعياش بن ابي ربيعة،
    والمستضعفين من المؤمنين،
    اللهم اشدد و طاتك على مضر و اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف»[35].
    ولما جاء عن عمر – رضى الله عنه – انه كان يقول: «..
    اللهم العن كفره اهل الكتاب الذين يكذبون رسلك و يقاتلون اولياءك،
    اللهم خالف بين كلمتهم و زلزل اقدامهم،
    وانزل بهم باسك الذي لا تردة عن القوم المجرمين»[36].
    وقد عقد ابن ابي شيبه فمصنفه: «باب فتسميه الرجل فالقنوت».
    وقال العراقي فسردة لفائدة حديث ابي هريره – رضى الله عنه: (فية حجه على ابي حنيفه فمنعة ان يدعي لمعين او على معين فالصلاة،
    وخالفة الجمهور فجوزوا هذا لهذا الحديث و غيرة من الاحاديث الصحيحة)[37].
    واذا خص الامام ما مومية بالدعاء فلا باس،
    لكن الاولي تعميم الدعاء.


    و ايا كان القول فالتخصيص فان هذا لا ينبغى ان يتخذ سنه مستمرأة فالصلاة[38].

وقد كتب عمر بن عبدالعزيز الى عاملة قائلا: (اما بعد،
فان ناسا من الناس ربما التمسوا الدنيا بعمل الاخرة،
وان من القصاص ربما احدثوا فالصلاة على خلفائهم و امرائهم عدل صلاتهم على النبى صلى الله عليه و سلم،
فاذا جاءك كتابي فمرهم ان تكون صلاتهم على النبيين و دعاؤهم على المسلمين عامة و يدعوا ما سوي ذلك)[39].

قال صاحب المهذب: (واما الدعاء للسلطان فلا يستحب،
لما روى انه سئل عطاء عن هذا فقال انه محدث،
وانما كانت الخطبة تذكيرا)[40].

قال النووى شارحا لذلك: (واما الدعاء للسلطان فاتفق اصحابنا على انه لا يجب و لا يستحب،
وظاهر كلام المصنف و غيرة انه بدعة،
اما مكروة و اما خلاف الاولى،
هذا اذا دعا له بعينه،
فاما الدعاء لائمه المسلمين و ولاه امورهم بالصلاح و الاعانه على الحق و القيام بالعدل و نحو ذلك،
ولجيوش الاسلام،
فمستحب بالاتفاق.
والمختار انه لا باس بالدعاء للسلطان بعينة اذا لم يكن مجازفه فو صفة و نحوها)[41].

قال ابن حجر: (وقد استثنى من الانصات فالخطبة ما اذا انتهي الخطيب الى جميع ما لم يشرع،
مثل الدعاء للسلطان مثلا.
بل جزم صاحب التهذيب بان الدعاء للسلطان مكروه.
وقال النووي: محلة اذا جازف،
والا فالدعاء لولاه الامر مطلوب.
ومحل الترك اذا لم يخف الضرر،
والا فيباح للخطيب اذا خشى على نفسه)[42].

  • الحرص المفرط على حضور الختمه و الدعاء المزعوم لختم القران،
    وهي بدعه فشت بين الناس..
    وقد اختلف العلماء فحكم التنادى لختم القران على قولين:

– قول بمشروعيه الدعاء لختم القران فصلاه التراويح او الوتر؛
وقد روى عن الامام احمد،
كما نقلة عنه ابن قدامه قائلا: (قال الفضل بن زياد: سالت ابا عبدالله فقلت: اختم القران،
اجعلة فالوتر او فالتراويح؟
قال: اجعلة فالتراويح حتي يصبح لنا دعاء بين اثنين،
قلت كيف اصنع؟
قال: اذا فرغت من احدث القران فارفع يديك قبل ان تركع،
وادع بنا و نحن فالصلاة و اطل القيام،
قلت: بم ادعو؟
قال: بما شئت،
قال: ففعلت بما امرنى و هو خلفى يدعو قائما و يرفع يديه.

وقال حنبل: سمعت احمد يقول فختم القران: اذا فرغت من قراءه {قل اعوذ برب الناس} [الناس: ١] فارفع يديك فالدعاء قبل الركوع،
قلت: الى اي شيء تذهب فهذا؟
قال: رايت اهل مكه يفعلونه،
وكان سفيان بن عيينه يفعلة معهم بمكة.


قال العباس بن عبدالعظيم: و ايضا ادركنا الناس بالبصره و بمكة،
ويروى اهل المدينه فهذا شيئا،
وذكر عن عثمان بن عفان)[43].

– قول بمشروعيه دعاء الختمة،
لكن بعد الفراغ من الصلاة،
لا داخلها،
وهذا لا اشكال فيه؛
لانة دعاء اثر قربه من اعظم القرب،
ولما و رد عن انس – رضى الله عنه: (انة كان اذا ختم القران جمع اهلة و دعا)[44].

يقول بكر ابو زيد فمقدمه بحثة النفيس (مرويات دعاء ختم القران): (وقد عهد من مدارك الشرع ان امور العباد التعبديه توقيفيه لا تشرع الا بنص نصبة الله على حكمة مسلم الثبوت و الدلالة..).

ثم طفق ينتقد ما روى فشان بالختمه و ضعفة كله،
سوي قول مجاهد (الرحمه تنزل عند ختم القران)[45].

وما ذكر عن انس رضى الله عنه انه كان اذا اراد ان يختم جمع اهلة و دعا[46].
ثم نقل رحمة الله قول الامام ما لك حين سئل عن الدعاء بعد ختم القران؟: (ما سمعت انه يدعو عند ختم القران و ما هو من عمل الناس)[47].

واتبع هذا بقول ابن رشد شارحا لكلام ما لك نفسه: (الدعاء حسن،
لكنة كرة ابتداع القيام له عند تمام القران،
وقيام الرجل مع اصحابة لذا عند انصرافهم من صلاتهم و اجتماعهم لذا عند خاتمه القران كنحو ما يفعل بعض الائمه عندنا من الخطبة على الناس عند الختمه فرمضان و الدعاء بها و تامين الناس على دعائه؛
وهي كلها بدع محدثات لم يكن عليها السلف)[48].

وقد كان الائمه يكرهون ما لم يشرع من البدع،
سواء تمحضت او كانت اضافية؛
ولهذا نجد ما لكا يجيب عندما سئل عن قيام الرجل بعد فراغة من الصلاة يدعو قائلا: (ليس ذلك بصواب و لا احب لاحد ان يفعله)[49].

زمن القنوت:

من اهل العلم من ذهب الى استحباب قنوت الوتر فالنصف الثاني من رمضان،
وهو مذهب الشافعى و روايه عن ما لك و احمد – رحمهم الله تعالى،
ومنهم من راي انه مسنون فالسنه كلها،
كما هو مذهب الحنابله و الحنفية.


يقول شيخ الاسلام ابن تيمية: (واما القنوت فالوتر فجائز و ليس بلازم،
فمن اصحابة – اي النبى صلى الله عليه و سلم – من لم يقنت،
ومنهم من قنت فالنصف الاخير من رمضان،
ومنهم من قنت السنه كلها،
والعلماء منهم من يستحب الاول كمالك،
ومنهم من يستحب الثاني كالشافعى و احمد فرواية،
ومنهم من يستحب الثالث كابي حنيفه و الامام احمد فرواية.
والجميع جائز،
فمن فعل شيئا من هذا فلا لوم عليه)[50].

وفى حديث ابي رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه و سلم: «كان يوتر فيقنت قبل الركوع»[51].
وقد تقدمت و صاتة صلى الله عليه و سلم لسبطة الحسن بن على رضى الله عنهما.

يقول ابن تيمية: (وحقيقة الامر ان قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ فالصلاة،
من شاء فعلة و من شاء تركه..
واذا صلى بهم قيام رمضان،
فان قنت فجميع الشهر،
فقد احسن،
وان قنت فالنصف الاخير،
فقد احسن،
وان لم يقنت بحال،
فقد احسن)[52].

ورغم ان العلماء اتفقوا على مشروعيه القنوت عند النوازل فصلاه الفجر[53]،
الا انهم اختلفوا فمشروعيتة فالوتر على ثلاثه مذاهب كما صرح بذلك ابن تيمية،
وبعضهم على اربع،
وهو الذي اعتمدته:

1 – كراهيه القنوت فالوتر: و هو القول المشتهر عند المالكية،
قال الامام ما لك: (وليس العمل على القنوت فرمضان؛
لا فاوله،
ولا فاخره،
ولا فنافلة،
ولا فالوتر اصلا)[54].
وحجتهم عدم ثبات دليل فذلك،
وقد ذكر ابن تيميه هذا،
فقال: (واما قنوت الوتر فللعلماء به ثلاثه اقوال: قيل: لا يستحب بحال،
لانة لم يثبت عن النبى صلى الله عليه و سلم انه قنت فالوتر)[55]،
وذكر باقى الاقوال.
قال ابن حجر: (قال الاثناء عن احمد: لا يصح به شيء عن النبى صلى الله عليه و سلم و لكن عمر كان يقنت)[56].
وقال ابن خزيمة: (ولست احفظ خبرا ثابتا عن النبى صلى الله عليه و سلم فالقنوت فالوتر)[57].

2 – سنيه القنوت فالنصف الاخير من رمضان: و ربما روى عن على و ابي بن كعب[58]،
والزهري[59].
يقول ابن تيمية: (وقيل: بل يقنت فالنصف الاخير من رمضان كما كان ابي بن كعب يفعل)[60].
وروي ابن و هب و ابن حبيب عن ما لك: (ان هذا مستحب فالنصف الاخر من رمضان،
فيقنت الامام؛
يلعن الكفرة،
ويؤمن من خلفه)[61].
وهو قول ابن نافع من المالكية[62].
والمشهور عند الشافعية[63].

وقد نصف عليه الامام احمد حين سالة ابو داود: (القنوت فالسنه كلها؟
قال: ان شئت.
قال: فما تختار؟
قال: اما انا فلا اقنت الا فالنصف الباقي،
الا ان اصلي خلف الامام فيقنت فاقنت معه)[64].
واستدلوا بما و رد فذلك عن ابن عمر رضى الله عنهما[65].

3 – سنيه القنوت فرمضان: و ذلك قول للمالكية،
حيث نقل محمد بن يحيي عن ما لك قوله: (يلعن الكفره فرمضان اذا اوتر الناس،
فصلي الركعتين،
ثم قام فالثالثة،
فركع،
فاذا رفع راسة من الركوع و قف يدعو على الكفره و يلعنهم و يستنصر للمسلمين،
ويدعو مع هذا بشيء خفيف غير كثير…)[66].
وهو قول للشافعية[67].

4 – سنيه القنوت فالوتر على مدار السنة: و ذلك قول ابن مسعود رضى الله عنه،
وابراهيم النخعي[68].
وقال ابو حنيفه و احمد: (يستحب القنوت فالوتر فجميع السنة)[69].
يقول ابن تيمية: (وقيل: بل يستحب فجميع السنة،
كما ينقل عن ابن مسعود و غيره،
ولان فالسنن ان النبى صلى الله عليه و سلم علم الحسن بن على – رضى الله عنهما – دعاء يدعو فيه فقنوت الوتر)[70].

وقال الشافعي: (يستحب فالنصف الاخر من شهر رمضان)[71].
وحجتهم فذلك و صاه النبى صلى الله عليه و سلم لسبطة المتقدمة.
وحديث ابي بن كعب رضى الله عنه: «ان النبى صلى الله عليه و سلم قنت فالوتر»[72]،
فضلا عما سبق ذكرة من قنوت عمر و غيرة من الصحابه رضى الله عنهم.

موضع القنوت من الركوع:

لقد اختلف العلماء فموضع القنوت على ثلاثه اقوال:

1 – القنوت قبل الركوع: و ربما روى عن عمر و على و ابن مسعود و ابي موسي و البراء بن عازب و ابن عمر و ابن عباس و انس و عمر بن عبدالعزيز رضى الله عنهم اجمعين[73].
وهو قول المالكيه و الحنفية[74].
واستدلوا بما رواة عبدالرحمن بن ابزي قال: (صليت خلف عمر بن الخطاب صلاه الصبح فسمعتة يقول بعد القراءه قبل الركوع: «اللهم اياك نعبد..»)[75].
وايضا بقول علقمة: (ان ابن مسعود و اصحاب النبى صلى الله عليه و سلم كانوا يقنتون فالوتر قبل الركوع)[76].
كما احتجوا باحاديث كلها ضعيفة[77].

2 – القنوت بعد الركوع: و ذلك القول يعضدة حديث ابي هريره رضى الله عنه: «ان النبى صلى الله عليه و سلم كان اذا اراد ان يدعو على احد،
او يدعو لاحد،
قنت بعد الركوع»[78].
وحكاة ابن المنذر عن ابي بكر و عمر و على و ابي – رضى الله عنهم – و سعيد بن جبير،
وهو الصحيح من مذهب الشافعية[79].
وايضا و جة عند الحنابلة[80].

3 – استنانة بعد الركوع و جوازة قبله،
وقد قال بهذا القول ايوب السختياني[81]،
وهو الصحيح من مذهب الحنابلة[82].


و ربما ثبت ان النبى صلى الله عليه و سلم قنت قبل الركوع[83]،
كما ثبت انه صلى الله عليه و سلم قنت بعد الركوع[84]،
فاذا قنت قبل الركوع ابتدا فيه بعد الفراغ من القراءه بلا تكبير[85].

وان كان الشيخ الالبانى رجح كونة قبل الركوع؛
حيث قال: (والخلاصه ان الصحيح الثابت عن الصحابه هو القنوت قبل الركوع فالوتر)[86].

افتتاح القنوت:

هل يفتتح القنوت بالثناء و الحمد و الصلاة على النبى صلى الله عليه و سلم ام لا؟

1 – قول بعدم سنيه افتتاح القنوت بالحمد و الثناء،
ودليلة حديث الحسن المتقدم،
اذ لم يرد به الثناء و الحمد و لا الصلاة على النبى صلى الله عليه و سلم و ان ذكر بعض العلماء اختتامة بالصلاة على النبى صلى الله عليه و سلم كما سياتي.
وكون الدعاء عباده و العبادات توقيفية،
اضافه الى انه لم يثبت نقل دال على افتتاح القنوت بغير دعائه.
وهذا قول الشيخ ابن باز[87].

2 – قول بسنيه ابتداء القنوت بالثناء و الحمد و الصلاة على النبى صلى الله عليه و سلم،
وهو مذهب الحنابلة،
ودليلة حديث فضاله ان النبى صلى الله عليه و سلم سمع رجلا يدعو فصلاتة فلم يحمد الله و لم يصل على النبى صلى الله عليه و سلم،
فقال: عجل هذا،
ثم قال: «اذا دعا احدكم فليبدا بتحميد ربة و الثناء عليه بعدها يصلى على النبى بعدها يدعو بما شاء»[88].

وبما ذكر من قنوت عمر – رضى الله عنه – فصلاه الصبح[89].
يقول الامام احمد: (يدعو بدعاء عمر: «اللهم انا نستعينك…» و بدعاء الحسن: «اللهم اهدنا فيمن هديت…»)[90] – و لان الاصل فالدعاء ابتداؤة بالحمد و الثناء و الصلاة على النبى صلى الله عليه و سلم.

يقول النفراوى فاطار تعدادة لاداب الدعاء: (ومنها: ابتداؤة بالحمد و الصلاة على النبى صلى الله عليه و سلم)[91].
وقال الصاوي: (ويندب ابتداؤة بالحمد و الصلاة على النبي)[92].
وقد رجح الامام النووى استحباب اختتام القنوت بالصلاة على النبى صلى الله عليه و سلم؛
لما و رد فاخر حديث الحسن بن على رضى الله عنهما من قوله: «وصلي الله على النبي»[93].

صفه التامين:

من السنه التامين على الدعاء،
وهو قول امين،
اى اللهم استجب،
فينبغى ان يفرق المؤمن بين مواضع التامين و التقديس و الاستعاذه و التنزية و الدعاء و الخبر،
قال معاذ القارى – رضى الله عنه – فقنوتة ذات مرة: «اللهم قحط المطر»،
فقالوا: «امين»،
فلما فرغ من صلاتة قال: «قلت: اللهم قحط المطر فقلتم: امين،
الا تسمعون ما اقول بعدها تقولون: امين»[94].


و التامين على الدعاء فالصلاة يصبح سرا فغير الفاتحة؛
اذ نصت الاحاديث على الجهر بالتامين بعد قراءتها جهرا،
كما فحديث و ائل بن حجر – رضى الله عنه – قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قرا {غير المغضوب عليهم و لا الضالين} [الفاتحة: ٧]،
فقال: «امين» و رفع فيها صوته»[95].
والاصل فالدعاء خفض الصوت و الاستكانه و التضرع؛
لقول الله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا و خفية} [الاعراف: ٥٥].

والله اعلم،
وصلي الله و سلم على نبينا محمد،
وعلي الة و اصح

الحمد لله الذي سهل سبيل الهداية،
واحاط السنه بما يناسبها من عناية،
والصلاة و السلام على من بعثة الله للعالمين بشيرا و نذيرا،
ورتب النجاه على طاعتة و اتباع هدية و التزام سنتة اولا و اخيرا،
وبعد:

فان للدعاء شانا عظيما و مكانه عاليه نوة فيها القران الكريم و صدحت فيها السنه المطهرة؛
قال تعالى: {وقال ربكم ادعونى استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين} [غافر: ٠٦]،
كما صح عن النبى صلى الله عليه و سلم انه قال: «الدعاء هو العبادة»[1]،
وهذا اللفظ يطول دعاء المساله و الطلب،
ودعاء الثناء و الحمد.

ونظرا لاقبال انفس المسلمين على الطاعات فشهر رمضان المبارك اكثر من غيره،
واتسامهم به بالجار الى الله سبحانة و التزامهم بالقنوت خاصة؛
فان ذلك الموضوع ستدور محاورة حول القنوت فرمضان،
وسيصبح استهلالة بتعريفه:

تعريف القنوت:

القنوت فاللغة: يتمحور معناة حول الطاعه و الخير فدين؛
يقول ابن فارس: (القاف و النون و التاء اصل صحيح يدل على طاعه و خير فدين،
لا يعدو ذلك الباب.

والاصل به الطاعة،
يقال: قنت يقنت قنوتا،
ثم سمى جميع استقامه فطريق الدين قنوتا،
وقيل لطول القيام فالصلاة قنوت،
وسمى السكوت فالصلاة و الاقبال عليها قنوتا؛
قال الله تعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238][2]).

وقد جاء القنوت بمعان لم يظهر بها عن معني الاستقامه على الدين و الانقياد لامر الله تعالى،
ومن ذلك:

القنوت: بمعني لزوم الطاعه مع الخضوع،
كما جاء فقوله تبارك و تعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238].

القنوت بمعني طول القيام فالصلاة،
ومنة ما جاء فحديث جابر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «اروع الصلاة طول القنوت»[3].

القنوت بمعني الانكباب على العبادة،
قال تبارك و تعالى: {ان ابراهيم كان امه قانتا} [النحل: 120].

وقد نظم المعاني التي ياتى فيها لفظ (القنوت) زين الدين العراقي – رحمة الله – بقوله:

ولفظ القنوت اعدد معانية تجد

مزيدا على عشر معاني مرضيه

دعاء،
خشوع،
والعبادة،
طاعة،

اقامتها،
اقرارة بالعبوديه

سكوت،
صلاة،
والقيام،
وطوله

كذاك دوام الطاعه الرابح النيه[4]

فاتضح تعدد المعاني اللغويه للقنوت و ان لم تظهر كلها عن الخيريه و الفضل و الطاعة.

اما القنوت فالاصطلاح الشرعى فيعني الدعاء حال القيام فالصلاة؛
وذلك لان الدعاء عامة اجل الطاعات و اخير العبادات – احري اذا كان فالصلاة،
وقيل: لانة يصبح فالقيام قبل الركوع او بعدة فسمى باسم لازمة و هو القيام[5]..
فالقنوت اذا الدعاء فمحل مخصوص من القيام فالصلاة[6].

ومن تيسير الله تعالى لامر القنوت و تبيينة لمعالم منهجه،
ان جعل فالقران الكريم و السنه المطهره من جوامع الدعاء ما به مؤتسي للمتبع و غنيه للداعى غير المبتدع،
فالاولي معرفه تلك الجوامع و امتثالها حتي لا يسقط الداعى فمهوي مخالفه السنة،
ويقع فالاثم من حيث اراد الطاعة.

ومن ابرز مخالفات القنوت فرمضان:

  • التطويل المخل فالدعاء،
    والتنافس فيه،
    وتكلف الابداع فمقاطعه،
    مع ان ادعية القنوت المرويه عن النبى صلى الله عليه و سلم و صحابتة رضى الله عنهم،
    كلها ادعية مختصرة جامعة؛
    ولهذا سعي بعض علماء السلف الى تحديد مقدار القنوت،
    ومن هذا ما ذكرة علاء الدين السمرقندى حين عدد احكام القنوت قائلا: و منها مقدار القنوت ذكر فالكتاب [انه] مقدار سورة: {اذا السماء انشقت} [الانشقاق: ١] او {والسماء ذات البروج} [البروج: ١][7].
    وقال علاء الدين الكاساني: (واما مقدار القنوت فقد ذكر الكرخى ان مقدار القيام فالقنوت مقدار سورة {اذا السماء انشقت} [الانشقاق: ١]،
    وكذا ذكر فالاصل؛
    لما روى عن النبى صلى الله عليه و سلم انه «كان يقرا فالقنوت اللهم انا نستعينك،
    اللهم اهدنا فيمن هديت،
    وكلاهما على مقدار هذي السورة».
    وروى انه صلى الله عليه و سلم «كان لا يطول فدعاء القنوت»)[8].

وعليه فان الامام يمنع من التطويل الذي يشق على المامومين.

ومن ابرز ادعية القنوت ما جاء عن الحسن بن على رضى الله عنهما قال: (علمنى رسول الله صلى الله عليه و سلم عبارات اقولهن فقنوت الوتر: «اللهم اهدنى فيمن هديت،
وعافنى فيمن عافيت،
وتولنى فيمن توليت،
وبارك لى فيما اعطيت،
وقنى شر ما قضيت،
فانك تقضى و لا يقضي عليك،
انة لا يذل من و اليت،
تباركت ربنا و تعاليت»)[9].

ان تطويل دعاء القنوت يؤدى الى غفله كثير من الداعين عن مقاصد الدعاء؛
لما ينتابهم من السامه و الاعياء لطول القيام و استمرار رفع الايدي.

  • الاعراض عن الادعية الماثوره فالقران و صحيح السنه و الاعتياض عنها بادعية مخترعة؛
    لا شك انه الت للثواب لما فالتزام السنه و مهيع السلف من البركة و الخيرية،
    ذلك ان عدم التزام الادعية النبويه و تجشم ابتكار ادعية غير معروفة،
    ينافى ما نصف عليه كثير من اهل العلم من ان قنوت الوتر فرمضان لا يزاد به على ما و رد فالسنه النبوية،
    يقول الامام النووي: (السنه فلفظ القنوت: «اللهم اهدنى فيمن هديت و عافنى فيمن عافيت و تولنى فيمن توليت و بارك لى فيما اعطيت و قنى شر ما قضيت فانك تقضى و لا يقضي عليك و انه لا يذل من و اليت تباركت ربنا و تعاليت».
    هذا لفظة فالحديث الصحيح باثبات الفاء ف«فانك» و الواو ف«وانة لا يذل»).

الي ان قال: (فان الفاظ الاذكار يحافظ بها على الثابت عن النبى صلى الله عليه و سلم)[10].

ثم عرض الخلاف حول الزياده على الماثور فالدعاء قائلا: (واعلم ان القنوت لا يتعين به دعاء على المذهب المختار،
فاى دعاء دعا فيه حصل القنوت،
ولو قنت بايه او ايات من القران العزيز و هي مشتمله على الدعاء حصل القنوت[11]،
ولكن الاروع ما جاءت فيه السنة[12].

ولو قنت بالمنقول عن عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – كان حسنا،
فقد روى انه قنت فالصبح بعد الركوع فقال: «اللهم اغفر لنا و للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات و الف بين قلوبهم و اصلح ذات بينهم و انصرهم على عدوك و عدوهم.
اللهم العن كفره اهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك و يكذبون رسلك و يقاتلون اولياءك،
اللهم خالف بين كلمتهم و زلزل اقدامهم و انزل بهم باسك الذي لا تردة عن القوم المجرمين.
اللهم انا نستعينك و نستغفرك و نثنى عليك و لا نكفرك و نخلع و نترك من يفجرك.
اللهم اياك نعبد و لك نصلى و نسجد و اليك نسعي و نحفد و نخشي عذابك و نرجو رحمتك ان عذابك الجد بالكفار ملحق»)[13].
قال النووي: (وقوله: «اللهم عذب كفره اهل الكتاب»؛
انما اقتصر على اهل الكتاب لانهم الذين كانوا يقاتلون المسلمين فذلك العصر،
واما الان فالمختار ان يقال: (عذب الكفرة) ليعم اهل الكتاب و غيرهم من الكفار،
فان الحاجة الى الدعاء على غيرهم اكثر و الله اعلم.
قال اصحابنا: – و الكلام للنووى – يستحب الجمع بين قنوت عمر رضى الله عنه و بين ما سبق،
فان جمع بينهما فالاصح تاخير قنوت عمر،
وفى و جة يستحب تقديمه.
وان اقتصر فليقتصر على الاول،
وانما يستحب الجمع بينهما اذا كان منفردا او امام محصورين يرضون بالتطويل)[14].

كما ان التنكيب عن مهيع السلف فالقنوت و غيرة مفض الى الغفله و التردد،
قائد الى الشك فالاستجابة،
خلافا لما داب عليه السلف من اليقين على تحققها،
تجسيدا لامر النبى صلى الله عليه و سلم: «ادعوا الله و انتم موقنون بالاجابة،
واعلموا ان الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل»[15].


و ما كانوا عليه من الرغبه فجوامع الدعاء تاسيا بالمصطفى صلى الله عليه و سلم؛
كما قالت عائشه رضى الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يستحب الجوامع من الدعاء و يدع ما سوي ذلك»[16].

وقد اثر عنهم النكير الشديد على المعتدين فالدعاء؛
لمنافاه عملهم صريح القران و صحيح السنة؛
قال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا و خفيه انه لا يحب المعتدين} [الاعراف: ٥٥]،
وقال النبى صلى الله عليه و سلم: «سيصبح قوم يعتدون فالدعاء»[17].

ولما سمع سعد بن ابي و قاص رضى الله عنه ابنة يقول فدعائه: (اللهم انني اسالك الجنه و نعيمها و بهجتها و هكذا و كذا..،
واعوذ بك من النار و سلاسلها و اغلالها و هكذا و كذا..
قال: «يا بني،
انى سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم،
يقول: «سيصبح قوم يعتدون فالدعاء»،
فاياك ان تكون منهم،
انك ان اعطيت الجنه اعطيتها و ما بها من الخير،
وان اعذت من النار اعذت منها،
وما بها من الشر»)[18].
وسمع ابن مغفل رضى الله عنه ابنة يقول: (اللهم انني اسالك القصر الابيض عن يمين الجنه اذا دخلتها،
فقال: اي بني،
سل الله الجنة،
وتعوذ فيه من النار،
فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: «انة سيصبح فهذه الامه قوم يعتدون فالطهور و الدعاء»)[19].

يقول ابن تيمية: (والمشروع للانسان ان يدعو بالادعية الماثورة،
فان الدعاء من اروع العبادات،
وقد نهانا الله عن الاعتداء فيه.
فينبغى لنا ان نتبع به ما شرع و سن،
كما انه ينبغى لنا هذا فغيرة من العبادات.
والذى يعدل عن الدعاء المشروع الى غيرة – و ان كان من احزاب المشايخ – الاقوى له ان لا يفوتة الاكمل الافضل،
وهي الادعية النبوية،
فانها اروع و اكمل باتفاق المسلمين من الادعية التي ليست كذلك،
وان قالها الشيوخ… و من اشد الناس عيبا من يتخذ حزبا ليس بماثور عن النبى صلى الله عليه و سلم،
وان كان حزبا لبعض المشايخ،
ويدع الاحزاب النبويه التي كان يقولها سيد بنى ادم و امام الخلق و حجه الله على عباده)[20].


و قال فموضع اخر: (المنصوص المشهور عن الامام احمد انه لا يدعو فالصلاة الا بالادعية المشحلوه الماثورة،
كما قال الاثرم: قلت لاحمد بماذا ادعو بعد التشهد؟

قال: بما جاء فالخبر.
قلت له: اوليس قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «ثم ليتخير من الدعاء ما شاء»[21]؟
قال: يتخير مما جاء فالخبر.
فعاودتة فقال: ما فالخبر…..)[22].

 

  • تكلف السجع،
    وقد كرهة السلف و نهوا عنه،
    خاصة ما كان منه على غير سجية،
    وقد جاء قول ابن عباس رضى الله عنهما لمولاة عكرمه فالنهى عن هذا صريحا: «انظر السجع من الدعاء فاجتنبه،
    فانى عهدت رسول الله صلى الله عليه و سلم و اصحابة لا يفعلون الا هذا الاجتناب»[23].
    وقال الغزالي: (المراد بالسجع هو المتكلف من الكلام،
    لان هذا لا يلائم الضراعه و الذلة،
    والا ففى الادعية الماثوره عن النبى صلى الله عليه و سلم عبارات متوازنه غير متكلفة)[24].

وقد يصبح التكلف فالسجع من موانع الاستجابه كما قال الامام القرطبي – عند ذكرة نوعيات الاعتداء فالدعاء: (ومنها ان يدعو بما ليس فالكتاب و السنه فيتخير الفاظا مفقره و عبارات مسجعه ربما و جدها فكراريس لا اصل لها و لا معول عليها،
فيجعلها شعارة و يترك ما دعا فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم،
وكل ذلك يمنع من استجابه الدعاء)[25].
ويقول ابن حجر: (الاعتداء فالدعاء يقع بزياده الرفع فوق الحاجة،
او بطلب ما يستحيل حصولة شرعا،
او بطلب معصية،
او يدعو بما لم يؤثر خصوصا ما و ردت كراهتة كالسجع المتكلف و ترك المامور)[26].
يقول ابن تيمية: (ينبغى للداعى اذا لم تكن عادتة الاعراب ان لا يتكلف الاعراب.
قال بعض السلف: اذا جاء الاعراب ذهب الخشوع،
وهذا كما يكرة تكلف السجع فالدعاء،
فاذا و قع بغير تكلف فلا باس به،
فان اصل الدعاء من القلب،
واللسان تابع للقلب.
ومن جعل همتة فالدعاء تقويم لسانة اضعف توجة قلبه….)[27].

  • تلحين الدعاء،
    وتطريب الصوت به،
    والمبالغه فترتيلة حتي يؤدي على هيئه قراءه القران،
    وذلك ممقوت؛
    لما ينطوى عليه من التكلف المنافى لطابع هذي الشريعه المباركة؛
    قال تعالى: {قل ما اسالكم عليه من اجر و ما انا من المتكلفين} [ص: 86] .

    قال الكمال بن الهمام: (مما تعارفة الناس فهذه الازمان من التمطيط و المبالغه فالصياح و الاشتهار لتحريرات النغم اظهارا للصناعه النغميه لا اقامه للعبودية،
    فانة لا يقتضى الاجابة،
    بل هو من مقتضيات الرد؛
    فاستبان ان هذا من مقتضيات الخيبه و الحرمان)[28].


    و قال: (ولا اري ان تحرير النغم فالدعاء كما يفعلة القراء فهذا الزمان يصدر ممن يفهم معني الدعاء و السؤال،
    وما ذاك الا نوع لعب،
    فانة لو قدر فالشاهد سائل حاجة من ملك ادي سؤالة و طلبة بتحرير النغم به من الخفض و الرفع و التطريب و الترجيع كالتغنى نسب البته الى قصد السخريه و اللعب؛
    اذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغني)[29].
    وقال بكر ابو زيد: (فتسمع فدعاء القنوت عند بعض الائمه فرمضان الجهر الشديد و خفض الصوت و رفعة فالاداء حسب مواضع الدعاء،
    والمبالغه فالترنم،
    والتطريب و التجويد،
    والترتيل،
    حتي لكانة يقرا سورة من كتاب الله – تعالى – و يستدعى بذلك عواطف المامومين؛
    ليجهشوا بالبكاء)[30].

فالمشروع للداعى ان يدعو بجوامع الدعاء من غير تكلف لسجع،
ولا تمطيط لتلحين.

فالمبالغه فرفع الصوت بالدعاء تخالف توجية القران العظيم،
وسمت الهدى النبوي؛
يقول ربنا عز و جل: {ولا تجهر بصلاتك و لا تخافت فيها و ابتغ بين هذا سبيلا} [الاسراء: 110]،
قال الامام البخارى ملعقا على هذي الاية: (اسمعهم و لا تجهر،
حتي ياخذوا عنك القران)[31].
وقال ابن جريج – رحمة الله: (يكرة رفع الصوت و النداء و الصياح بالدعاء،
ويؤمر بالتضرع و الاستكانة)[32].


و قال الالوسي: (وتري كثيرا من اهل زمانك يعتمدون الصراخ فالدعاء خصوصا فالجوامع حتي يعظم اللغط و يشتد و تستك المسامع و تشتد و لا يدرون انهم جمعوا بين بدعتين،
رفع الصوت فالدعاء و كون هذا فالمسجد)[33].

وقد انكر النبى صلى الله عليه و سلم على صحابتة رضى الله عنهم رفعهم اصواتهم بالتكبير،
فقال لهم: «اربعوا على انفسكم،
انكم لا تدعون اصم و لا غائبا،
انكم تدعون سميعا بصيرا،
وهو معكم،
والذى تدعونة اقرب الى احدكم من عنق راحلته»[34].

  • تحويل القنوت الى خطب و مواعظ بل و منابر للتزلف للامراء و الرؤساء و الكبراء،
    وهذا من الابتداع و التعدى فالدعاء؛
    اذ لم ينقل مثلة عن السلف،
    وان و رد عن بعضهم جوازة فخطب الجمعة لا فقنوت الوتر،
    الذى هو داخل الصلاة،
    ذلك ان الاصل اتيان الامام فدعاء القنوت بالادعية التي لها صفه العموم،
    وصيغه الجمع،
    الا اذا خص طائفه من المؤمنين و اقعين فكرب عظيم،
    او طائفه من المجرمين لشده عداوتهم و قوه محاربتهم للاسلام،
    فهذا مشروع بلا خلاف؛
    لما جاء عن ابي هريره رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه و سلم قال: «اللهم انج الوليد بن الوليد،
    وسلمه بن هشام،
    وعياش بن ابي ربيعة،
    والمستضعفين من المؤمنين،
    اللهم اشدد و طاتك على مضر و اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف»[35].
    ولما جاء عن عمر – رضى الله عنه – انه كان يقول: «..
    اللهم العن كفره اهل الكتاب الذين يكذبون رسلك و يقاتلون اولياءك،
    اللهم خالف بين كلمتهم و زلزل اقدامهم،
    وانزل بهم باسك الذي لا تردة عن القوم المجرمين»[36].
    وقد عقد ابن ابي شيبه فمصنفه: «باب فتسميه الرجل فالقنوت».
    وقال العراقي فسردة لفائدة حديث ابي هريره – رضى الله عنه: (فية حجه على ابي حنيفه فمنعة ان يدعي لمعين او على معين فالصلاة،
    وخالفة الجمهور فجوزوا هذا لهذا الحديث و غيرة من الاحاديث الصحيحة)[37].
    واذا خص الامام ما مومية بالدعاء فلا باس،
    لكن الاولي تعميم الدعاء.


    و ايا كان القول فالتخصيص فان هذا لا ينبغى ان يتخذ سنه مستمرأة فالصلاة[38].

وقد كتب عمر بن عبدالعزيز الى عاملة قائلا: (اما بعد،
فان ناسا من الناس ربما التمسوا الدنيا بعمل الاخرة،
وان من القصاص ربما احدثوا فالصلاة على خلفائهم و امرائهم عدل صلاتهم على النبى صلى الله عليه و سلم،
فاذا جاءك كتابي فمرهم ان تكون صلاتهم على النبيين و دعاؤهم على المسلمين عامة و يدعوا ما سوي ذلك)[39].

قال صاحب المهذب: (واما الدعاء للسلطان فلا يستحب،
لما روى انه سئل عطاء عن هذا فقال انه محدث،
وانما كانت الخطبة تذكيرا)[40].

قال النووى شارحا لذلك: (واما الدعاء للسلطان فاتفق اصحابنا على انه لا يجب و لا يستحب،
وظاهر كلام المصنف و غيرة انه بدعة،
اما مكروة و اما خلاف الاولى،
هذا اذا دعا له بعينه،
فاما الدعاء لائمه المسلمين و ولاه امورهم بالصلاح و الاعانه على الحق و القيام بالعدل و نحو ذلك،
ولجيوش الاسلام،
فمستحب بالاتفاق.
والمختار انه لا باس بالدعاء للسلطان بعينة اذا لم يكن مجازفه فو صفة و نحوها)[41].

قال ابن حجر: (وقد استثنى من الانصات فالخطبة ما اذا انتهي الخطيب الى جميع ما لم يشرع،
مثل الدعاء للسلطان مثلا.
بل جزم صاحب التهذيب بان الدعاء للسلطان مكروه.
وقال النووي: محلة اذا جازف،
والا فالدعاء لولاه الامر مطلوب.
ومحل الترك اذا لم يخف الضرر،
والا فيباح للخطيب اذا خشى على نفسه)[42].

  • الحرص المفرط على حضور الختمه و الدعاء المزعوم لختم القران،
    وهي بدعه فشت بين الناس..
    وقد اختلف العلماء فحكم التنادى لختم القران على قولين:

– قول بمشروعيه الدعاء لختم القران فصلاه التراويح او الوتر؛
وقد روى عن الامام احمد،
كما نقلة عنه ابن قدامه قائلا: (قال الفضل بن زياد: سالت ابا عبدالله فقلت: اختم القران،
اجعلة فالوتر او فالتراويح؟
قال: اجعلة فالتراويح حتي يصبح لنا دعاء بين اثنين،
قلت كيف اصنع؟
قال: اذا فرغت من احدث القران فارفع يديك قبل ان تركع،
وادع بنا و نحن فالصلاة و اطل القيام،
قلت: بم ادعو؟
قال: بما شئت،
قال: ففعلت بما امرنى و هو خلفى يدعو قائما و يرفع يديه.

وقال حنبل: سمعت احمد يقول فختم القران: اذا فرغت من قراءه {قل اعوذ برب الناس} [الناس: ١] فارفع يديك فالدعاء قبل الركوع،
قلت: الى اي شيء تذهب فهذا؟
قال: رايت اهل مكه يفعلونه،
وكان سفيان بن عيينه يفعلة معهم بمكة.


قال العباس بن عبدالعظيم: و ايضا ادركنا الناس بالبصره و بمكة،
ويروى اهل المدينه فهذا شيئا،
وذكر عن عثمان بن عفان)[43].

– قول بمشروعيه دعاء الختمة،
لكن بعد الفراغ من الصلاة،
لا داخلها،
وهذا لا اشكال فيه؛
لانة دعاء اثر قربه من اعظم القرب،
ولما و رد عن انس – رضى الله عنه: (انة كان اذا ختم القران جمع اهلة و دعا)[44].

يقول بكر ابو زيد فمقدمه بحثة النفيس (مرويات دعاء ختم القران): (وقد عهد من مدارك الشرع ان امور العباد التعبديه توقيفيه لا تشرع الا بنص نصبة الله على حكمة مسلم الثبوت و الدلالة..).

ثم طفق ينتقد ما روى فشان بالختمه و ضعفة كله،
سوي قول مجاهد (الرحمه تنزل عند ختم القران)[45].

وما ذكر عن انس رضى الله عنه انه كان اذا اراد ان يختم جمع اهلة و دعا[46].
ثم نقل رحمة الله قول الامام ما لك حين سئل عن الدعاء بعد ختم القران؟: (ما سمعت انه يدعو عند ختم القران و ما هو من عمل الناس)[47].

واتبع هذا بقول ابن رشد شارحا لكلام ما لك نفسه: (الدعاء حسن،
لكنة كرة ابتداع القيام له عند تمام القران،
وقيام الرجل مع اصحابة لذا عند انصرافهم من صلاتهم و اجتماعهم لذا عند خاتمه القران كنحو ما يفعل بعض الائمه عندنا من الخطبة على الناس عند الختمه فرمضان و الدعاء بها و تامين الناس على دعائه؛
وهي كلها بدع محدثات لم يكن عليها السلف)[48].

وقد كان الائمه يكرهون ما لم يشرع من البدع،
سواء تمحضت او كانت اضافية؛
ولهذا نجد ما لكا يجيب عندما سئل عن قيام الرجل بعد فراغة من الصلاة يدعو قائلا: (ليس ذلك بصواب و لا احب لاحد ان يفعله)[49].

زمن القنوت:

من اهل العلم من ذهب الى استحباب قنوت الوتر فالنصف الثاني من رمضان،
وهو مذهب الشافعى و روايه عن ما لك و احمد – رحمهم الله تعالى،
ومنهم من راي انه مسنون فالسنه كلها،
كما هو مذهب الحنابله و الحنفية.


يقول شيخ الاسلام ابن تيمية: (واما القنوت فالوتر فجائز و ليس بلازم،
فمن اصحابة – اي النبى صلى الله عليه و سلم – من لم يقنت،
ومنهم من قنت فالنصف الاخير من رمضان،
ومنهم من قنت السنه كلها،
والعلماء منهم من يستحب الاول كمالك،
ومنهم من يستحب الثاني كالشافعى و احمد فرواية،
ومنهم من يستحب الثالث كابي حنيفه و الامام احمد فرواية.
والجميع جائز،
فمن فعل شيئا من هذا فلا لوم عليه)[50].

وفى حديث ابي رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه و سلم: «كان يوتر فيقنت قبل الركوع»[51].
وقد تقدمت و صاتة صلى الله عليه و سلم لسبطة الحسن بن على رضى الله عنهما.

يقول ابن تيمية: (وحقيقة الامر ان قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ فالصلاة،
من شاء فعلة و من شاء تركه..
واذا صلى بهم قيام رمضان،
فان قنت فجميع الشهر،
فقد احسن،
وان قنت فالنصف الاخير،
فقد احسن،
وان لم يقنت بحال،
فقد احسن)[52].

ورغم ان العلماء اتفقوا على مشروعيه القنوت عند النوازل فصلاه الفجر[53]،
الا انهم اختلفوا فمشروعيتة فالوتر على ثلاثه مذاهب كما صرح بذلك ابن تيمية،
وبعضهم على اربع،
وهو الذي اعتمدته:

1 – كراهيه القنوت فالوتر: و هو القول المشتهر عند المالكية،
قال الامام ما لك: (وليس العمل على القنوت فرمضان؛
لا فاوله،
ولا فاخره،
ولا فنافلة،
ولا فالوتر اصلا)[54].
وحجتهم عدم ثبات دليل فذلك،
وقد ذكر ابن تيميه هذا،
فقال: (واما قنوت الوتر فللعلماء به ثلاثه اقوال: قيل: لا يستحب بحال،
لانة لم يثبت عن النبى صلى الله عليه و سلم انه قنت فالوتر)[55]،
وذكر باقى الاقوال.
قال ابن حجر: (قال الاثناء عن احمد: لا يصح به شيء عن النبى صلى الله عليه و سلم و لكن عمر كان يقنت)[56].
وقال ابن خزيمة: (ولست احفظ خبرا ثابتا عن النبى صلى الله عليه و سلم فالقنوت فالوتر)[57].

2 – سنيه القنوت فالنصف الاخير من رمضان: و ربما روى عن على و ابي بن كعب[58]،
والزهري[59].
يقول ابن تيمية: (وقيل: بل يقنت فالنصف الاخير من رمضان كما كان ابي بن كعب يفعل)[60].
وروي ابن و هب و ابن حبيب عن ما لك: (ان هذا مستحب فالنصف الاخر من رمضان،
فيقنت الامام؛
يلعن الكفرة،
ويؤمن من خلفه)[61].
وهو قول ابن نافع من المالكية[62].
والمشهور عند الشافعية[63].

وقد نصف عليه الامام احمد حين سالة ابو داود: (القنوت فالسنه كلها؟
قال: ان شئت.
قال: فما تختار؟
قال: اما انا فلا اقنت الا فالنصف الباقي،
الا ان اصلي خلف الامام فيقنت فاقنت معه)[64].
واستدلوا بما و رد فذلك عن ابن عمر رضى الله عنهما[65].

3 – سنيه القنوت فرمضان: و ذلك قول للمالكية،
حيث نقل محمد بن يحيي عن ما لك قوله: (يلعن الكفره فرمضان اذا اوتر الناس،
فصلي الركعتين،
ثم قام فالثالثة،
فركع،
فاذا رفع راسة من الركوع و قف يدعو على الكفره و يلعنهم و يستنصر للمسلمين،
ويدعو مع هذا بشيء خفيف غير كثير…)[66].
وهو قول للشافعية[67].

4 – سنيه القنوت فالوتر على مدار السنة: و ذلك قول ابن مسعود رضى الله عنه،
وابراهيم النخعي[68].
وقال ابو حنيفه و احمد: (يستحب القنوت فالوتر فجميع السنة)[69].
يقول ابن تيمية: (وقيل: بل يستحب فجميع السنة،
كما ينقل عن ابن مسعود و غيره،
ولان فالسنن ان النبى صلى الله عليه و سلم علم الحسن بن على – رضى الله عنهما – دعاء يدعو فيه فقنوت الوتر)[70].

وقال الشافعي: (يستحب فالنصف الاخر من شهر رمضان)[71].
وحجتهم فذلك و صاه النبى صلى الله عليه و سلم لسبطة المتقدمة.
وحديث ابي بن كعب رضى الله عنه: «ان النبى صلى الله عليه و سلم قنت فالوتر»[72]،
فضلا عما سبق ذكرة من قنوت عمر و غيرة من الصحابه رضى الله عنهم.

موضع القنوت من الركوع:

لقد اختلف العلماء فموضع القنوت على ثلاثه اقوال:

1 – القنوت قبل الركوع: و ربما روى عن عمر و على و ابن مسعود و ابي موسي و البراء بن عازب و ابن عمر و ابن عباس و انس و عمر بن عبدالعزيز رضى الله عنهم اجمعين[73].
وهو قول المالكيه و الحنفية[74].
واستدلوا بما رواة عبدالرحمن بن ابزي قال: (صليت خلف عمر بن الخطاب صلاه الصبح فسمعتة يقول بعد القراءه قبل الركوع: «اللهم اياك نعبد..»)[75].
وايضا بقول علقمة: (ان ابن مسعود و اصحاب النبى صلى الله عليه و سلم كانوا يقنتون فالوتر قبل الركوع)[76].
كما احتجوا باحاديث كلها ضعيفة[77].

2 – القنوت بعد الركوع: و ذلك القول يعضدة حديث ابي هريره رضى الله عنه: «ان النبى صلى الله عليه و سلم كان اذا اراد ان يدعو على احد،
او يدعو لاحد،
قنت بعد الركوع»[78].
وحكاة ابن المنذر عن ابي بكر و عمر و على و ابي – رضى الله عنهم – و سعيد بن جبير،
وهو الصحيح من مذهب الشافعية[79].
وايضا و جة عند الحنابلة[80].

3 – استنانة بعد الركوع و جوازة قبله،
وقد قال بهذا القول ايوب السختياني[81]،
وهو الصحيح من مذهب الحنابلة[82].


و ربما ثبت ان النبى صلى الله عليه و سلم قنت قبل الركوع[83]،
كما ثبت انه صلى الله عليه و سلم قنت بعد الركوع[84]،
فاذا قنت قبل الركوع ابتدا فيه بعد الفراغ من القراءه بلا تكبير[85].

وان كان الشيخ الالبانى رجح كونة قبل الركوع؛
حيث قال: (والخلاصه ان الصحيح الثابت عن الصحابه هو القنوت قبل الركوع فالوتر)[86].

افتتاح القنوت:

هل يفتتح القنوت بالثناء و الحمد و الصلاة على النبى صلى الله عليه و سلم ام لا؟

1 – قول بعدم سنيه افتتاح القنوت بالحمد و الثناء،
ودليلة حديث الحسن المتقدم،
اذ لم يرد به الثناء و الحمد و لا الصلاة على النبى صلى الله عليه و سلم و ان ذكر بعض العلماء اختتامة بالصلاة على النبى صلى الله عليه و سلم كما سياتي.
وكون الدعاء عباده و العبادات توقيفية،
اضافه الى انه لم يثبت نقل دال على افتتاح القنوت بغير دعائه.
وهذا قول الشيخ ابن باز[87].

2 – قول بسنيه ابتداء القنوت بالثناء و الحمد و الصلاة على النبى صلى الله عليه و سلم،
وهو مذهب الحنابلة،
ودليلة حديث فضاله ان النبى صلى الله عليه و سلم سمع رجلا يدعو فصلاتة فلم يحمد الله و لم يصل على النبى صلى الله عليه و سلم،
فقال: عجل هذا،
ثم قال: «اذا دعا احدكم فليبدا بتحميد ربة و الثناء عليه بعدها يصلى على النبى بعدها يدعو بما شاء»[88].

وبما ذكر من قنوت عمر – رضى الله عنه – فصلاه الصبح[89].
يقول الامام احمد: (يدعو بدعاء عمر: «اللهم انا نستعينك…» و بدعاء الحسن: «اللهم اهدنا فيمن هديت…»)[90] – و لان الاصل فالدعاء ابتداؤة بالحمد و الثناء و الصلاة على النبى صلى الله عليه و سلم.

يقول النفراوى فاطار تعدادة لاداب الدعاء: (ومنها: ابتداؤة بالحمد و الصلاة على النبى صلى الله عليه و سلم)[91].
وقال الصاوي: (ويندب ابتداؤة بالحمد و الصلاة على النبي)[92].
وقد رجح الامام النووى استحباب اختتام القنوت بالصلاة على النبى صلى الله عليه و سلم؛
لما و رد فاخر حديث الحسن بن على رضى الله عنهما من قوله: «وصلي الله على النبي»[93].

صفه التامين:

من السنه التامين على الدعاء،
وهو قول امين،
اى اللهم استجب،
فينبغى ان يفرق المؤمن بين مواضع التامين و التقديس و الاستعاذه و التنزية و الدعاء و الخبر،
قال معاذ القارى – رضى الله عنه – فقنوتة ذات مرة: «اللهم قحط المطر»،
فقالوا: «امين»،
فلما فرغ من صلاتة قال: «قلت: اللهم قحط المطر فقلتم: امين،
الا تسمعون ما اقول بعدها تقولون: امين»[94].


و التامين على الدعاء فالصلاة يصبح سرا فغير الفاتحة؛
اذ نصت الاحاديث على الجهر بالتامين بعد قراءتها جهرا،
كما فحديث و ائل بن حجر – رضى الله عنه – قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قرا {غير المغضوب عليهم و لا الضالين} [الفاتحة: ٧]،
فقال: «امين» و رفع فيها صوته»[95].
والاصل فالدعاء خفض الصوت و الاستكانه و التضرع؛
لقول الله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا و خفية} [الاعراف: ٥٥].

والله اعلم،
وصلي الله و سلم على نبينا محمد،
وعلي الة و اصحابة اجمعين.

:: البيان تنشر ملف شامل لشهر رمضان المبارك (رمضان..
حكم و احكام

– See more at: http://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=2156#sthash.CQNIoXBj.dpuf

  • دعاء القنوت عند المالكية
  • حجة المالكىة على قراءة القنوت
  • دعاء القنوت في صلاة التراويح عند المالكية
  • دعاء صلاة التراويح خفيف
  • قنوت اربك فرمدان
  • قنوت التراويح عندالمالكيه
  • قنوت الوتر في رمضان عند المالكية
  • متى يجب الدعاء في التراويح عند المالكية


دعاء القنوت في صلاة التراويح عند المالكية