زمن الدم

زمن الدم

ويسالونك عن الكتابة فزمن الدم

ان تدخل غرفتك فالليل،
مستانسا بوحدتك،
متالفا مع ذاتك او نافرا منها،
غاضبا او حانقا او راضيا،
لا يهم،
المهم ان تعرف كيف تظهر ما بداخلك على الورقه التي تنفتح امامك بيضاء منتظره الحرف الاول.
هذا الطقس السحري الغريب،
الذى تترجم به ما يعتمل داخلك من براكين او افكار او هواجس او الام،
فى عبارات تتراص جوار بعضها البعض،
هذا الفعل السحري المثير الذي افتقدة منذ زمن،
والذى صار بعيدا مني،
حتي لكانى لم اكتب ابدا،
ولم اجرب كتابة الكلمه جوار الكلمه حتي تصير جمله تتبعها جملة..
فثانية .
.
فغيرهما..
الي ما لا نهاية.

الان،
والان فقط،
اشعر بوخزه الم كلما فكرت فالسنوات التي مرت من دون ان اكتب بها حرفا،
وفى الان ذاته،
استغرب ممن يكتبون،
واتعجب من قدرتهم على الكتابة فظل ما يحدث حولنا،
من مجازر و بحور دم تراق جميع يوم،
اعرف ان الاشخاص يختلفون،
ولهم قدرات تتباين و تتفاوت و تختلف،
لكن ان تبدع فهذه الاجواء؟!
ان تمتلك القدره على التعبير عن ذاتك،
تحت ذلك العراء و الجدب و البور المحيط بنا من جميع جانب؟!
فهذا ما لا قدره بى عليه،
اعترف انها قدره تفوق طاقتي،
واشعر احيانا اننى من الذين يحتاجون ارضا ثابته – و لو قليلا – تحت اقدامهم،
ليمتلكوا القدره على الكتابة،
علي التفكير – و لو قليلا – فالمشهد،
فى خلفياتة و زواياة المختلفة،
لاتمكن من الاحاطه به،
قبل ان امتلك القدره على التعبير عنه.

لا اعرف عدد الكتاب الذين توقفوا عن الكتابة ففترات معينة من حيواتهم،
او بالاحرى،
لا اعرف عدد الكتاب الذين توقفوا لسنوات عن الكتابة بعدها عادوا اليها،
باعمال حديثة شكلت اعاده احياء لمكانتهم التي كادت ان تتوارى،
لكننى و جدت نفسي استعيد شخصيه نجيب محفوظ فالمرتين اللتين توقف فيهما عن الكتابة،
لاسباب ترتبط بجدوي الكتابة فحد ذاتها،
حسب قناعات محفوظ الشخصية،
وهو ما يذكرة محمد سلماوى فاحدي فقرات كتابة عن نجيب محفوظ،
مشيرا الى ان محفوظ توقف سبعه اعوام كاملة عن الكتابة بعد اندلاع ثوره 1952،
لانة لم يكن يعرف عن ماذا يكتب،
فالثوره التي حلم فيها طويلا للتخلص من حكم المستعمر و اعلان الاستقلال و تحقيق العداله الاجتماعية،
ها هي تتحقق،
فيثور الجيش “الوطني” و يعزل الملك “المتامر”،
ويتم اعلان الجمهوريه و توقيع اتفاقيه الجلاء،
واصدار قرارات ثوريه كانت مجرد احلام تراود “مراهقي” الثوار و قتذاك،
مثل مجانيه التعليم و الاصلاح الزراعى و غيرها.

ثمه تشابة ما بين اللحظه التي نحياها الان عربيا – و ليس مصريا فقط – و بين اللحظه التي تلت قيام ثوره 1952 و جعلت نجيب محفوظ يتوقف عن الكتابة.
تشابة عميق فالخلل الذي احدثتة التغيرات السياسية التي المت بالعالم العربي بعد اندلاع ثوارت سرعان ما انطفات او اطفئت او اخمدت او افسدت،
فى حالة نجيب محفوظ حققت الثوره بعضا من الاحلام،
فى حالتنا اليوم،
خيبت الثورات المسلوبه كثيرا من الامال،
كثيرا جدا.

كيف يمتلك المرء رفاهيه الكتابة فاللحظه التي لا يجد بها ارضا ثابته تحت قدميه،
كيف يجرؤ ان يفكر اصلا فالكتابة حينها؟
اعترف باننى احسد الكثيرين ممن يكتبون،
ممن يملكون القدره على تحويل جميع ذلك الخراب و الدمار الى شيء مقدس اسمه الابداع،
وبالعوده الى نجيب محفوظ،
اجدنى – ايضا – احسد الذين استطاعوا التغلب على سنوات التوقف عن الكتابة،
وعادوا من جديد باعمال اهم و ابرز مما سبقها،
محفوظ عاد بعد توقف سبعه اعوام كاملة بروايتة “اولاد حارتنا” التي نقلت اعمالة من مستوي الواقعيه الصريحه كما ف“الثلاثية”،
التى كان ربما كتبها قبل اندلاع الثورة،
الي مستوي احدث من الرمزيه التي لم تكن موجوده فاعمالة السابقة عليها،
وكانت المره الاخرى التي توقف بها محفوظ عن الكتابة فالعام 1987،
بعد انتهائة من روايه “قشتمر”،
واستمر ذلك التوقف سنوات حتي خرج علينا كاتبنا بكتاباتة المختلفة و المغايره تحت عنوان “اصداء السيره الذاتية”،
والتى شكلت بدورها مرحلة حديثة فادب محفوظ.

كثيرون من الكتاب يلتقون و يسال بعضهم بعضا: ما الجديد عندك؟
وكانة لا بد من جديد،
لا بد من الكتابة،
السؤال فحد ذاتة يستنكر ان لا يصبح هنالك جديدا،
فهم كتاب،
وعلي الكتاب ان يواصلوا الكتابة تحت اي ظرف،
علي الشاعر ان يكتب عما يحدث حوله،
علي الروائى ان يصوغ الحكايات للتعبير عما يحدث،
وعلي كاتب المسرح ان يحول خشبه المسرح الى مرأة تعكس الواقع الراهن،
وتسمع كثيرا نصائح من كتاب عالميين للكتاب الجدد لكي يستمروا فالكتابة،
فى الاسابيع الماضيه تواترت هنا او هنالك الاف النصائح: لكتابة الرواية،
لعدم كتابة الرواية،
للتحول من كتابة الشعر الى كتابة الرواية،
لعدم الالتزام بالقوالب الادبيه المعروفة و المزج بينها لخلق قوالب جديدة،
لشعرنه الرواية،
الخ.

اقولها بصدق،
نحن كذابون بالفطرة،
اقول جميع ما سبق،
وكاننى استنكر نصائح الكتاب لبعضهم البعض حين يصرون على القول بضروره الكتابة،
فيما انا شخصيا افعل الامر نفسة فكل مره يخبرنى بها احدهم بانه متوقف عن الكتابة،
اجدنى على الفور ابدا فالتحدث عن اهمية عدم الاستسلام لفترات الخمول و العزوف عن الكتابة،
وابدا فتشجيعة من جديد: فالكتابة تتطور بالممارسة،
بالاستمرار،
شخبط،
جرب،
لا تمل،
اكتب!،
فيما انا مستسلم تماما لانصراف الكتابة عنى او انصرافى عنها،
مرددا بينى و بين نفسي: “ما احنا ياما كتبنا،
اخدنا ايه؟!”

اعود الى الكتابة،
فليس سواها باق،
وامدح سنوات التوقف عنها،
كما امدح من يواظبون بداب عليها،
ويبقي الزمن هو الحكم الاخير،
هو من يحيي الكتابة،
وهو من يميتها.

زمن الدم 20160912 2895

 


زمن الدم