علامات الساعة تمني الموت

 

علامات الساعة تمنى الموت

 

 

المصاعب و الفتن جزء لا يتجزا من طبيعه الحياة،
لا ممكن ان ينفك عنها،
ولن تخلو الحياة ابدا من الشدائد و الخطوب،
وما الموت و الحياة و ما بهما من المظاهر و الاحداث الا جزء من الاختبار الاعظم للوجود،
قال تعالى: { الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم ايكم اقوى عملا} (تبارك:2).

و لم تزل البلايا و الفتن تتنزل على الناس على قدر اختلاف دينهم: (يبتلي العبد على قدر دينه،
ذاك،
فان كان صلب الدين ابتلى على قدر ذاك،
وان كان فدينة رقه ابتلى على قدر ذاك) رواة احمد،
فالبلاء ثوب ارتدتة المجتمعات و الامم جميعها،
وهو اطراد يتماشي مع حقيقة الاختبار الذي قدرة الله تعالى على العباد ليري المصلح من المفسد.

علي ان هنالك حالة ثانية مغايره لتلك الحالة السننية،
حالة تزداد بها صور البلاء و تتنوع،
وتنهمر على الناس كالمطر،
فيصبح و قعها شديدا على النفوس،
حتي يصل الامر بالواحد اذا خير بين الحياة –برونقها و جمالها- و بين الممات –علي شدته- ان يختار الممات على البقاء،
علي نحو لا يتلاءم ما هو مطبوع فالجبله من حب الدنيا و كراهيه الموت،
وهذه قضية لابد من التوقف عندها،
وان نستجلى حقيقتها،
ونكشف سرها،
وذلك باعمال العقل تفكرا و تدبرا فعلامه من علامات الساعة التي ستكون احدث الزمان.

فلنتجة اذن الى كتب السنه لنجد خبر الصادق المصدوق –صلي الله عليه و سلم-،
والذى رواة ابو هريره رضى الله عنه،
ونصة كالاتي: (لا تقوم الساعة حتي يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتنى مكانه) متفق عليه.

ويحسن بنا ان نربط الحديث السابق باحاديث ثانية كى تكتمل الصورة،
وهي:

حديث ابي هريره رضى الله عنه ان رسول الله -صلي الله عليه و سلم- قال: (بادروا بالاعمال فتنا كقطع الليل المظلم،
يكون الرجل مؤمنا و يمسى كافرا،
او يمسى مؤمنا و يكون كافرا،
يبيع دينة بعرض من الدنيا) رواة مسلم.

وحديث انس بن ما لك رضى الله عنه،
ان رسول الله -صلي الله عليه و سلم- قال: (ياتى على الناس زمان،
الصابر فيهم على دينة كالقابض على الجمر) رواة الترمذى و احمد.

وحديث ابي ثعلبه الخشنى رضى الله عنه،
ان النبى –صلي الله عليه و سلم- قال: (ان من و رائكم ايام الصبر،
الصبر به كقبض على الجمر،
للعامل فيهم كاجر خمسين رجلا يعملون كعمله).
قالوا: يا رسول الله،
اجر خمسين منهم؟
فقال عليه الصلاة و السلام: (اجر خمسين منكم) رواة الترمذى و ابو داود و احمد.

وحتي نفهم سر المفاضله المعكوسه التي سيجريها الناس بين الحياة و الممات احدث الزمان،
علينا ان نعقد مقارنة بين الحال فالماضى و الواقع المعاصر: لقد كان الرعيل الاول متمسكا بالكتاب و السنة،
ملتفا حول النبى عليه الصلاة و السلام باعتبارة منبعا للتشريع و مبلغا للوحي،
وكان الناس يؤمنون بان الحاكميه لله فالامور كلها،
والا فلاح فالدنيا و نجاه فالاخره الا من اثناء المنهج الربانى و التشريع الالهي.

اما فزماننا اليوم،
فغربه للدين،
وضياع للهوية،
وانقلاب للموازين،
وتهميش للمنهج الرباني،
ومحاربه للاستقامة،
وتزيين للباطل و شرعنه له،
وهجمات شرسه بالليل و النهار لاقصاء الدين عن مناحى الحياة،
وتاسيس لمفاهيم حديثة تنطلق من ثنايا الحضارة الماديه المعاصرة،
واستغلال للقوه الاعلاميه و مؤسساتها العملاقة،
فى ترسيخ العلمنه و نقد الدين،
وظهور لدعاه على ابواب جهنم يزعمون الا سبيل للتقدم و الازدهار،
والنهضه و الاستقرار،
الا من اثناء القفز على “الموروث المقدس” و الاستقلال عنه،
واعتبارها نصوصا تجاوزها الزمن،
وانة ربما ان الاوان –بزعمهم- ان نفكر بعيدا عن المنطلقات الدينية،
واستبدالها بالتفسيرات العصريه التي تفرغ النصوص من محتواها.

وهذه الحال من الغربه ربما حذر النبى –صلي الله عليه و سلم- من و قوعها،
فقال عليه الصلاة و السلام: (بدا الاسلام غريبا،
وسيعود كما بدا غريبا،
فطوبي للغرباء) رواة مسلم.

ومن جمله الفتن المعاصرة: كثرة الشبهات و تعدد و سائل التغذيه لها،
ومساعدة و سائل الاتصال الجديدة لبروزها و ظهورها،
ومن ثم: و صولها الى قطاع كبير من الناس،
وسعى كثير من المرتزقه و باسم الدين ان يخالفوا اجماعات العلماء و اصول الشريعه كسبا للمال او تحقيقا للشهرة،
حتي بات المرء يحار مما تقذفة شرائط الاخبار و الاعلانات المبوبه من فتاوي عجيبة،
واراء غريبة،
يندي لها الجبين،
ويدهش لها الحكيم،
ويحار لها الحليم.

وبعد ان كان المسلك فامر الشبهات اماتتها و دفنها،
ما عاد يجدى هذا فظل ذلك الانتشار الاعلامي،
فاضطر العلماء اضطرارا الى الحديث عن امور كان يسوؤهم اظهارها للعلن نظرا لما تسببة من بلبله للناس،
واصبحت القنوات الاعلاميه و تحت شعار (مناقشه الاخر) تاتى بالمشككين فكل نوعيات الثوابت الدينيه بدءا بوجود الله،
ومرورا بقضايا التوحيد و البدعه و غير هذا من الامور،
ومثل ذلك الغزو الفكرى غير المعهود زلزل معتقد الكثيرين و اودي بهم الى الحيره و الضياع.

اما الشهوات فحدث عنها و لا حرج: ما تركت بلدا الا و دخلته،
ولا جهه الا استوطنتها،
فهي كالوباء فالهواء،
يدخل جميع بيت،
وساعدت التكنولوجيا على الانتشار المذهل لها،
وكثرت الشكايه من غلبه الشهوة و عدم القدره على ردها،
حتي باتت مجاهده النفس تتطلب عزيمه و اراده اكثر مما كان الحال عليه فالسابق،
وشتان بين (طهارة) الماضى (وقذراة) الحاضر،
وحار الاباء كيف يحصنون ابناءهم من اتون الشهوات و كيف يردعون سيولها المتتابعة،
ووسائل تاثيرها المدمره ،

ولسان حال الواحد منهم يقول:

متي يبلغ البنيان يوما تمامة اذا كنت تبنية و غيرك يهدم

ومن فتن ذلك الزمان: سياسات التنكيل و الاذلال التي تمارس على من قال لا الة الا الله،
ومحاربه من يسعون الى اصلاح المجتمعات و تربيتها من قبل بعض الديكتاتوريات المعاصره –والتى تساقط بعضها فربيع الثورات-،
ناهيك عن الزج باهل الاستقامه فالسجون،
ومساومتهم بكل الوسائل على ترك رسالتهم الشريفة،
وممارسه و سائل التعذيب و القمع من دون قانون يبرر او يسمح،
فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر.

وينتهى بنا المطاف الى الحديث عن فتنه ازهاق النفوس المحرمه و سفك الدماء المعصومة،
تاره باسم الدين،
ومن منطلق الغلو و التطرف،
ومفارقه الجماعة المسلمة،
واحيانا باسم شعارات ارضية،
كالقوميه و الوطنية،
ومحاربه الارهاب،
ومقاومه المحتل،
وكانت النتيجة: قتل الانفس بغير حق،
واستحلال الحرمات،
واشاعه الذعر فالمجتمعات،
والااثناء بالامن و الاستقرار،
والافعال الطائشه التي تنتهى بالخراب و الدمار،
تبعا لهذه الافكار المضللة،
والمباديء المنحرفة،
والافهام المعوجة،
والاراء الشاذة.

ولن تقف القاطره عند ذلك الحد،
بل الاشبة و من اثناء دراسه الاحاديث النبويه و فهم دلالات الفاظها،
ان مظاهر الفساد،
وانواع الفتن،
والوان التقلبات و التغيرات،
ستوغل فالبعد عن منهج الله،
وستتفاقم صورها على ذات الوتيرة،
وهي ثمره لتقصير المجتمعات فالتمسك بحبل النجاه الموصول بالسماء.

لاجل هذي الفتن و غيرها مما لا يتسع المقام لذكره،
لم يتردد من جاء ذكرة فالحديث الشريف فتفضيل الحياة على الممات؛
فلان يقبض الله روحة و هو على السلامة فالدين،
خير له من الموت على حال و هو لا يدرى كيف تكون نهايته،
وباى شيء يختم له،
وهل سيرزق الثبات على الدين؟

وقد استشرف عبد الله بن مسعود رضى الله عنه هذي الحقيقة،
وعبر عنها بصورة تجسد هذا الصراع المرير بين الاستمرار فالمقاومه و الاصطبار على الحق،
وبين مخاوف الفتنه فالدين،
فقد اثر عنه قوله: “سياتي عليكم زمان،
لو و جد به احدكم الموت يباع لاشتراه” ذكرة الامام الدانى فكتاب السنن الوارده فالفتن.

وفى تلك الحال من الفتن المتلاطمه كالبحر اللجي،
تكون المحافظة على جوهره الدين كالقبض على الجمر صعوبه و مجاهدة،
وعلي قدر المشقه يصبح الاجر،
فيكافيء الله سبحانة و تعالى الثابتين بمضاعفه الاجر،
بحيث يكون اجر الواحد منهم باجر عمل خمسين فرد،
ليس منا،
ولكن من الصحابه رضى الله عنهم،
وهذه المضاعفه ليس لها نظير فالسنة،
الامر الذي يدل على عظم ثواب العاملين فهذه الاحوال الصعبة.

يقول الامام القرطبي: “كان فالحديث اشاره الى ان الفتن و المشقه البالغه ستقع حتي يخف امر الدين،
ويقل العناية بامره،
ولا يبقي لاحد عناية الا بامر دنياة و معاشة نفسه،
وما يتعلق به،
ومن بعدها عظم قدر العباده ايام الفتنة،
كما اخرج مسلم من حديث معقل بن يسار مرفوعا: (العباده فالهرج كهجره الي)” و المقصود بالهرج: ايام الفتن و اختلاط الامور.

ولعل قائلا ان يقول: كان فى قول المصطفى -صلي الله عليه و سلم-: (يا ليتنى كنت مكانه)  يجعل فتمنى الموت مندوحة،
ومعلوم ما و رد فالنصوص من ذم ذلك المسلك،
كيف و ربما قال النبى –صلي الله عليه و سلم-: (لا يتمنين احدكم الموت لضر نزل به) متفق عليه،
ويندفع ذلك التعارض بمعرفه الدوافع التي تجعل الناس يتمنون الموت احدث الزمان،
فالظاهر انه ليس سخطا على مقدور،
ولا قنوطا من رحمه العزيز الغفور،
انما هو الخوف من الضعف و السقوط فاوديه الهلاك،
والله سبحانة و تعالى قال فكتابه: { و خلق الانسان ضعيفا} (النساء:28).

يوضح الامام ابن عبد البر هذا فيقول: ” ظن بعض الناس ان ذلك الحديث معارض لنهية -صلي الله عليه و سلم- عن تمنى الموت،
وليس كما ظن و انما ذلك خبر ان هذا سيصبح لشده ما ينزل بالناس من فساد الحال فالدين،
وضعفة و خوف ذهابه،
لا لضر ينزل بالمؤمن يحط خطاياه” و قول الامام و جيه،
ويدل على جواز الدعاء بالموت ان كان لمصلحه اسلامية،
وهو خوف الفتنه فدينه،
او شوقا الى لقاء الله تعالى،
ومما يستدل فيه تتمه الحديث الذي ينهي عن تمنى الموت،
وفيه: (فان كان لا بد فاعلا،
فليقل: اللهم احينى ما كانت الحياة خيرا لي،
وتوفنى اذا كانت الوفاه خيرا لي).

ونختم بلطيفه ذكرها الامام ابن حجر،
تتعلق بالمذكور فحديثابي هريره من تمنى الموت عند القبر،
يقول الحافظ: “ويؤخذ من قوله –صلي الله عليه و سلم-: (حتي يمر الرجل بقبر الرجل) ان التمنى المذكور انما يحصل عند رؤية القبر،
وليس هذا مرادا بل به اشاره الى قوه ذلك التمني،
لان الذي يتمني الموت بسبب الشده التي تحصل عندة ربما يذهب هذا التمنى او يخف عند مشاهدة القبر و المقبور،
فيتذكر هول المقام،
فيضعف تمنيه،
فاذا تمادي على هذا دل على تاكد امر تلك الشده عنده،
حيث لم يصرفة ما شاهدة من و حشه القبر،
وتذكر ما به من الاهوال،
عن استمرارة على تمنى الموت”.

ثم نقول: ربما اوصانا رسول الله –صلي الله عليه و سلم- بالثبات فمواجهه الفتن،
ولا فتنه اعظم من فتنه الدجال،
الذى يجرى الله على يدية من الخوارق ما يزلزل عقائد الناس و ثوابتهم،
ففى كهذه الفتنه جاءت النصيحه النبويه : (يا عباد الله اثبتوا) رواها الترمذى و ابن ما جة،
ولن يصلح امر ديننا و لا دنيانا الا بالصبر،
وهو العامل الاهم على الثبات،
نسال الله ان يجيرنا من الفتن ما ظهر منها و ما بطن.


علامات الساعة تمني الموت