كثرة الموت

كثرة الموت 20160917 946




{ جميع نفس ذائقه الموت} (ال عمران: 185)،
هذه هي الحقيقة الابديه و القاعده الكليه التي ليس بها استثناء،
فالموت باب سيدخلة الجميع و يشربون كاسه،
ولم يجعل الله سبحانة و تعالى لاحد الخلد فالدنيا،
ولكنة اجل مكتوب،
وعمر محسوب،
وهذا الموت ربما افسد على اهل النعيم نعيمهم،
فالعاقل من التمس نعيما لا موت فيه.

واذا اجرينا مقارنة بين الطريقة التي كان الناس يموتون بها سابقا،
وبين ما ال الية الحال فايامنا هذه،
لوجدنا مفارقه تسترعى الانتباه،
ففى السابق كان الموت يحل بالناس لاسباب الحرب: طعنه برمح،
او ضربه بسيف،
او رميه بسهم،
او نزف لجراح،
وايضا لاسباب مرضيه و التاريخ يذكر لنا كيف كان الناس يعانون من امراض مزمنه تلزمهم الفراش اوقاتا متطاولة،
حتي ينتهى بهم المطاف الى مغادره الدنيا،
وثمه سبب ثانية تتفق مع ما سبق فسمه واحدة: ان الموت كان يحل بصاحبة شيئا فشيئا،
وقلما نسمع عن حلول الموت فجاه و بغتة.

بينما فالعصر الحاضر،
نلحظ تزايد حالات الموت الفجائى الذي لا يمهل صاحبه،
ونستطيع القول ان مظاهر و اسبابا حديثة ربما برزت الى الوجود،
وكلها ترتبط بظاهره الموت الفجائى و تسببه،
وسوف نتطرق اليها لاحقا.

اذن،
فالموت فجاه هو امر طاريء على تاريخ البشرية،
صحيح انه كانت له صور فالسابق،
الا انه لم يكن بمثل هذي الكثافه التي نراها هذي الايام،
فهل لهذه الظاهره المعاصره علاقه بالحديث عن اشراط الساعة و علاماتها؟

بالعوده الى السنه نجد ان تزايد حالات الموت الفجائى علامه اشار اليها النبى –صلي الله عليه و سلم- و بينها و وضحها تمام الوضوح،
والعمدة بها حديث انس بن ما لك رضى الله عنه ان النبى -صلي الله عليه و سلم- قال : (ان من امارات الساعة ان يخرج موت الفجاة)،
رواة الطبرانى و حسنة الالباني.

فقوله –صلي الله عليه و سلم-: (ان يخرج موت الفجاة) يدل على ان هذي الحالة كانت موجوده فالسابق و ان بشيء من القلة،
فلم تكن ظاهره عامة و لكن حالات معدوده ممكن و صفها بالندرة،
ثم يؤول الحال –بمقتضي الحديث السابق- الى بروز هذي الظاهره و تزايد حالاتها و تناميها بحيث يلحظها الجميع.

نعم: لقد كان موت الفجاه موجودا فالسابق،
ونمثل له بما نقلة الحافظ ابن حجر ففتح الباري،
من قول الامام البخاري:

اغتنم فالفراغ فضل ركوع* فعسي ان يصبح موتك بغتة


كم صحيح ما ت من غير سقم *ذهبت نفسة الصحيحة فلتة

ثم قال الحافظ بعدها: ” و كان من العجائب انه هو و قع له هذا او قريبا منه،
كما سياتى فذكر و فاته”.

وينسب الحافظ ايضا الى الامام النووى قوله ان جماعة من الانبياء و الصالحين ربما ما توا ايضا بغته و دون امهال.

ثم نعرج الى حديث احدث كثيرا ما يذكر فسياق الحديث عن موت الفجاة،
لربما يفهمة البعض على غير و جهه،
وهو حديث عبيد بن خالد السلمى رضى الله عنه ان النبى -صلي الله عليه و سلم-،
قال: (موت الفجاه اخذه اسف) رواة احمد و ابو داود.

اذا غضضنا الطرف عن الاختلاف اليسير فمساله و قف الحديث و رفعة فظل وجود عدد من العلماء الذين يصححونه،
فان وصف النبى –صلي الله عليه و سلم- لموت الفجاه بانه: (اخذه اسف) ربما تفهم بانها حالة تستوجب الذم،
فالاسف من حيث الاصل اللغوى هو الغضب،
ومنة قوله تعالى: {فلما اسفونا انتقمنا منهم} (الزخرف: 55).

وهذا يقودنا الى السؤال الاتي: هل موت الفجاه بحد ذاتة مذموم؟
او انه –كما يقال- اماره على سوء الخاتمة؟؟
فى الحقيقة ان هذي المساله بحاجة الى بيان و تفصيل،
فالنصوص الشرعيه من حيث الاصل لا تدل على ان الموت السريع دون معالجه السكرات التي يراها الناس فالمحتضرين ذات دلاله مذمومه بحيث يظن بصاحبها ظن السوء،
ليس الامر كذلك،
وهذا ما يشير الية كلام العلماء و له دلائل من الشرع،
فقد بوب الامام البخارى بابا فصحيحة و عنونة ب: ” باب موت الفجاه البغتة” و اورد بعدة حديث عائشه رضى الله عنها: ان رجلا قال للنبى -صلي الله عليه و سلم-: ان امي افتلتت نفسها،
واظنها لو تكلمت تصدقت،
فهل لها اجر ان تصدقت عنها؟
قال: (نعم) ،

والمقصود بالافتلات : الموت بغتة.

يعلق الامام بدر الدين العيني قائلا: ” ذلك باب فبيان حال الموت فجاة،
ولم يبينة –اى البخاري- اكتفاء بما فحديث الباب بانه غير مكروه،
لانة -صلي الله عليه و سلم- لم يخرج منه كراهيتة لما اخبرة الرجل بان امة افتلتت نفسها”.

والفيصل فالمساله ان الذم فموت الفجاه لا من حيث الاصل،
ولكن من حيث ما يترتب عليه،
فميت الفجاه لا تتاح له الفرصه فان يلقن الشهاده كما هو الحال للمحتضرين الاخرين،
وقد لا يصبح مستعدا للقاء الله،
بخلاف من تقدمت له الدلائل و ساق الله تعالى له من الشواهد على قرب مفارقتة للدنيا،
فاستعد للقاء خالقة و مولاه،
وليس ذلك بحاصل لمن يفجؤة الموت.

ثم ان الذين يموتون على ذلك النحو لا يتوقعون موتا و لا ينتظرونه؛
لعدم قيام اماراتة لديهم،
كمرض،
او كبر سن،
او جروح،
او نحو ذلك،
وبالتالي يصبح حرصهم على كتابة الوصيه و اعدادها اقل من غيرهم،
ولاجل هذي المعاني ممكن ان يقال: ان للموت -علي نحو غير مباغت- مزيه على من فجاة الموت،
وهذا المنحي ربما اشار الية العلماء فمعرض شرح الحديث السابق.

يقول ابن بطال: “والاسف: الغضب،
ويحتمل ان يصبح ذلك،
والله اعلم،
لما فموت الفجاه من خوف حرمان الوصية،
وترك الاعداد للمعاد،
والاغترار الكاذبة،
والتسويف بالتوبة”.

ويمكن النظر الى موت الفجاه من زاويه اخرى،
بان يقال: هو يختلف باختلاف متعلقه،
فان تعلق باهل الصلاح و التقوى،
كان رحمه من الله لاصحابه؛
اذ خفف عنهم سكرات الموت و صانهم من معالجه شدته،
وان تعلق باهل الفسق و الفجور كان نقمه من الله عليهم،
اذ لم يمهلهم حتي يتوبوا و يتداركوا امرهم،
وبذلك يصبح رحمه للصالحين،
ونقمه على الكافرين و الفاسقين،
والنظر الى المساله من ذلك المنظور و ارد على السنه الصحابه رضى الله عنهم،
فقد اثر عن عبدالله بن مسعود و عائشه رضى الله عنهما قولهم : “هو اسف على الفاجر،
وراحه للمؤمن”.

ومن معالم انتشار موت الفجاه فالعصر الحاضر ظهور عدد من الامراض المسببه له،
ولم تكن تعرف من قبل او لم يكن لها ذاك الانتشار،
كحدوث الجلطه الدماغية،
والسكته القلبية،
وهبوط الدوره الدموية،
وارتفاع نسبة البوتاسيوم فالدم او زياده معدل حموضته،
او حدوث ما يسمي بالرجفان البطيني،
وكلها امور تسبب الموت السريع لصاحبه،
والواقع يشهد بارتفاع معدل الوفيات عالميا بسبب هذي الاعراض دون تفريق بين صفوف الشباب و المتقدمين فالعمر؛
اذ لا علاقه لها بعامل السن.

ومن سبب موت الفجاه و لا شك: ما ابدعتة عقول البشريه من نوعيات الاسلحه الجديدة من قنابل و صواريخ و معدات حربية،
تقتل من الناس و تسفك من الدماء ما لم يكن فعصور السيوف و الرماح،
فضلا عن الاسلحه النوعيه ذات الدمار الشامل،
كالقنبله النوويه و القنبله الهيدروجينية،
وما اخبار هيروشيما و ناجازاكى عنا ببعيد،
حيث تسببت القنبلتان اللتان القيت فالمدينتين المذكورتين انفا الى حصد اروح ما يزيد عن ما ئه و اربعين الف شخص فغمضه عين،
وهي كارثة لم يمح عارها عن جبين التاريخ الانساني.

ومن الصور الجديدة لموت الفجاة: ما تسببة حوادث الطرق ،

وتعرض الناس لهذه المخاطر بسبب اهمال بعض السائقين و قيادتهم على نحو متهور،
فضلا عن الخسائر البشريه الحاصله جراء الاصطدام او تجاوز الطريق او انفجار العجلات،
وما يحصل احيانا من الاعطال الميكانيكيه فالسيارة،
ومثل ذلك الكلام ينسحب على و سائل النقل الثانية كالقطارات و الطائرات.

ويمكن ان يضاف الى ما سبق،
كثرة الزلازل فالاونه الاخيرة،
وما تسببة من اثار تدميريه و قتلي بالعشرات،
ومعلوم ان عددا ليس باليسير منها لا ممكن التنبؤ فيه من قبل هيئه الارصاد الجوية،
وقد لا تستمر تلك الزلال اكثر من عشرين او ثلاثين اخرى كما يذكر المختصون،
فحينها ممكن وصف ضحايا هذي الزلازل بان الموت ربما اخذهم بغتة.

هذا هو موت الفجاة،
وانسلال الروح على حين غرة،
فلا مقدمات و لا علامات،
ولا امارات و لا دلالات،
ولا امهال و لا اخطار،
فليحذر جميع الحذر المتهاونون الغافلون،
الذين غرهم طول الامل،
وغرهم بالله الغرور،
ولينتبة المسوفون للتوبة،
والمنشغلون بحطام الدنيا و متاعها،
ولا بد من المحاسبه الجاده للنفس و العوده الى الله تعالى،
قبل ان يفجا الموت،
ولات حين مندم،
قال الله تعالى: { ان تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت فجنب الله و ان كنت لمن الساخرين* او تقول لو ان الله هدانى لكنت من المتقين* او تقول حين تري العذاب لو ان لى كره فاكون من المحسنين} (الزمر:56-58).

وخاتمه الكلام ان ننوة على احاديث لم تصح عن النبى –صلي الله عليه و سلم- فالباب:

الاول: عن عائشه رضى الله عنها،
قالت: سالت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن موت الفجاة؟
فقال: ” راحه للمؤمن،
واخذه اسف للفاجر “،
رواة احمد و به عبيد الله بن الوليد – و هو الوصافي – متروك،
وعبد الله ابن عبيد الله بن عمير لم يسمع من عائشة،
ولكن الحديث صح من طرق ثانية موقوفا عليها رضى الله عنها.

واما الحديث الثاني فهو عن ابي امامه رضى الله عنه،
قال: كان النبى -صلي الله عليه و سلم- يتعوذ من موت الفجاة،
وكان يعجبة ان يمرض قبل ان يموت.
رواة الطبرانى فمعجمة الكبير قال الهيثمي: به عثمان بن عبدالرحمن القرشى و هو متروك.

والثالث: عن ابي هريره رضى الله عنه،
ان النبى -صلي الله عليه و سلم- مر بجدار او حائط ما ئل،
فاسرع المشي،
فسئل عن ذلك،
فقال: (انى اكرة موت الفوات)،
رواة احمد،
وفية ابراهيم بن اسحاق،
ضعفة غير واحد من الائمة،
وقال عنه البخاري: منكر الحديث،
وقال الدارقطني: متروك.


كثرة الموت