لا تعبر الجسر قبل ان تصل اليه

عترف باننى من رجال القلم الذين لم يهبطوا بالمظلات على الصحف‏..‏ بتاشيره من كبير او و زير او حتى سلطان او امير‏..‏

ولكننى ازعم اننى دخلت باب الصحافه و مشيت على بلاطها حافيا ارتدى حالى و احلامي و ارفع راس الكبرياء و الاصرار و الشمم..
وقد كتبت حكايتى مع الصحافه فاول فصل من كتابي: ايام فالقلب..
وهو مقدمه لكتاب اكبر و اشمل اسهر عليه الان..
وادعو الله ان يقدرنى على اتمامة فيما بقى لى من ايام على الدنيا..
اسمه:50 سنه صحافة..
والان الى اول سطور فهذا الكتاب الكبير:


فاجانى عم عبد العليم ساعى قسم صحافة..
عندما ذهبت لاخذ شهاده النجاح فثاني دفعه ليسانس اداب قسم صحافه سنه 1959 بان قال لي: يا عم عزت روح الاهرام بكره الصبح الساعة عشره عند الاستاذ توفيق بحري..
انت و اربعه زملاء لك هم: جيهان رشتي+ ليليان مرقص+ عبد المنعم سليم+ محمد فريد عزت..
وهم الخمسه الاوائل على القسم فالليسانس دون ترتيب..
هذه تعليمات دكتور خليل صابات بالاتفاق مع الاستاذ هيكل رئيس تحرير الاهرام.


……………..


كانت الدنيا دنيا..
وكان الفن فنا حقيقيا و اصيلا..
وكان الادب تزخر ساحتة بادباء عظام فحجم طة حسين و عباس العقاد و نجيب محفوظ..
وكان المسرح مسرحا مفتوحا لنشاهد على خشبتة ابداعات توفيق الحكيم و على احمد باعديد و محمود تيمور..
وكانت السينما المصرية ايامها تتربع على عرش السينما العربية فضلا عن تصنيفها عالميا بوصفها الثالثة على العالم بعد السينما الامريكية و الفرنسية..
وكان الناس فهذه الايام اكثر طيبه و اعظم خلقا و اقل غدرا..
وكان الرجل ايامها هو رجل المنزل و السيد المطاع..
ولم تكن المرأة كما هي الان..
قد تجبرت و تعنطظت و قالت للغادى و الرائج يا ارض اتهدى ما عليكى قدي..
بعد ان حمل الرجل عزالة و ترك لها الجمل بما حمل!


فهذا المناخ الطيب العطر الانفاس الرائع المحيا..
عشنا و كبرنا و تنفسنا حبا و ادبا و دينا و خلقا..
وتخرجنا فجامعة عظيمه هي جامعة القاهرة..
التى كانت ايامها الاولى على الجامعات العربية و العاشرة على جامعات العالم كله..


……………..


و اصبح الصباح..
وذهبت الى مبنى الاهرام القديم فشارع مظلوم فباب اللوق..
وسالت على مكتب الاستاذ توفيق بحرى سكرتير التحرير و كان ايامها ذا صولجان و نفوذ..
لاجد الرفاق جالسين فمكتبه..
سالنى عن اسمي..
ثم نظر فو رقه صغار امامه..
وقال: انت عزت السعدني..
قلت بادب شديد: ايوة انا..


لم يتكلم..
وانما اشار باصبعة لمساعدة رجاء عزيز سكرتير التحرير اشاره لم نفهمها..
ولكننا فهمنا جميع شيء..
عندما اصطحبنا رجاء عزيز الى البدروم..
حيث مطبعه جمع الحروف..
وكانت الاهرام و جميع الصحف المصرية ايامها يحملون حروفها على الات اللينوتيب و الانترتيب التي تصف الحروف بالرصاص السائل..
ليرصها عمال مهره على صفحات من حديد..


و امضينا قرابه الشهر او اكثر فالمطبعه بين الاحبار و الرصاص السائل و العمال بردائهم الازرق..
وانتظرنا ان يقول لنا احد كلمه واحده و لو حتى .
.
ولكن لم يحدث..
وانتظرنا ان يمنحونا اجرا..
ولكن لم يسال فينا مخلوق..
وقال لى زميلى عبد المنعم سليم: عشم ابليس فالجنة!


……………..


و تركتنى جيهان رشتى رفيقه دربى و عقلى المفكر..
وتركت الاهرام الى الجامعة..
وقالت لى قبل ان تذهب: انت يا عزيزى تضيع احلى سنوات عمرك بين الرصاص و الاحبار و العفاريت الزرق تقصد العمال بردائهم الازرق تعالى معى الى الجامعة سوف تصبح استاذا عظيما..
ولكننى قلت لها: هنا مكانى الذي خلقت له..
وتركتنى اذهب لتصبح فيما بعد اعظم عميده لكليه الاعلام!


و هرب عبد المنعم سليم الى اخبار اليوم بعد ان خطب عروسا رائعة من زهرات المنصورة..


اما انا فقد ذهبت الى الاهرام الاقتصادى مع رجاء عزيز سكرتير تحريرها..
وكان يراس تحريرها ايامها د.
بطرس بطرس غالى الذي اصبح فيما بعد امينا عاما للامم المتحدة..
وقد تعلمت منه الكثير,
ومازلت اذكر كلماتة لي:


> لا تصعد السلم مره واحده فتقع..
اصعدة درجه بعد درجه تصل!


> الانجليز يا عزيزى يقولون: لا تعبر الجسر..
قبل ان تصل اليه..
جاهد اولا و قاوم و لا تياس ابدا حتى تصل الى الجسر..
وعندئذ اعبره!


و عملت بنصيحه د.
بطرس غالي..
ولكن كان فانتظارى مفاجاه لم تكن فالحسبان..
ولكن هذا حكايه اخري.


لا تعبر الجسر قبل ان تصل اليه