( الاعراب اشد كفرا و نفاقا و اجدر الا يعلموا حدود ما انزل الله على رسولة و الله عليم حكيم و من الاعراب من يتخذ ما ينفق مغرما و يتربص بكم الدوائر عليهم دائره السوء و الله سميع عليم و من الاعراب من يؤمن بالله و اليوم الاخر و يتخذ ما ينفق قربات عند الله و صلوات الرسول الا انها قربه لهم سيدخلهم الله فرحمتة ان الله غفور رحيم ) .
هذه الايات الثلاث فبيان حال الاعراب منافقيهم و مؤمنيهم و الظاهر انها ربما نزلت هي و ما بعدين الى احدث السورة بعد و صول النبى – صلى الله عليه و سلم – و المؤمنين الى المدينه فهي بدء سياق جديد فتفصيل احوال المسلمين فذلك العهد ،
بدئ بذكر الاعراب من المنافقين لمناسبه ما قبلة و فصل عنه لانة سياق جديد مع ما بعدة .
( الاعراب اشد كفرا و نفاقا و اجدر الا يعلموا حدود ما انزل الله على رسولة ) بيان مستانف لحال سكان الباديه من المنافقين ; لانة مما يسال عنه بعد ما تقدم فمنافقى الحضر من سكان المدينه و غيرها من القري .
فالاعراب اسم جنس لبدو العرب ،
واحدة اعرابي ،
والانثى اعرابيه ،
والجمع اعاريب او العرب اسم جنس لهذا الجيل الذي ينطق بهذه اللغه ،
بدوة و حضرة ،
واحدة عربي .
وقد وصف الاعراب بامرين اقتضتهما طبيعه البداوه ( الاول ) ان كفارهم و منافقيهم اشد كفرا و نفاقا من امثالهم من اهل الحضر .
ولا سيما الذين يقيمون فالمدينه المنوره نفسها – لانهم اغلظ طباعا ،
واقسي قلوبا و اقل ذوقا و ادابا – كداب امثالهم من بدو سائر الامم – بما يقضون جل اعمارهم فرعى الانعام و حمايتها من ضوارى الوحوش و من تعدى امثالهم عليها و على نسائهم و ذراريهم ،
فهم [ ص: 8 ]محرومون من و سائل العلوم الكسبيه ،
والاداب الاجتماعيه ( الثاني ) انهم اجدر : اي احق و اخلق من اهل الحضر بالا يعلموا حدود ما انزل الله على رسولة من البينات و الهدي فكتابة و ما اتاة من الحكمه التي بين فيها تلك الحدود بسنن اقوالة و افعالة .
وفهم الفاظ القران اللغويه لا يكفى فعلم حدودة العملية .
كان اهل المدينه و ما حولها من القري يتلقون عنه – صلى الله عليه و سلم – جميع ما ينزل من القران وقت نزولة ،
ويشهدون سنتة فالعمل فيه ،
وكان يرسل العمال الى البلاد المفتوحه يقيمون بها و يبلغون القران ،
ويحكمون بين الناس فيه و بالسنه المبينه له فيعرف اهلها تلك الحدود التي حدها الله تعالى و نهاهم ان يعتدوها .
ولم يكن ذلك كله ميسورا لاهل البوادى ،
وهم ما مورون بالهجره ; لاجل العلم و النصره ; لان الاسلام دين علم و حضارة .
فالاعراب اجدر بالجهل من الحضر بطبيعه البداوه لا بضعف افهامهم ،
او بلاده اذهانهم او ضيق نطاق بيانهم ،
فقد كانوا مضرب الامثال فقوه الجنان ،
ولوذعيه الاذهان ،
وذرابه اللسان و سعه بيداء البيان ،
وعنهم اخذ رواه العربية اكثر مفردات العربية و اساليبها .
والجداره بالشيء ربما تكون طبعيه ،
وقد تكون باسباب كسبيه ،
من فنيه و شرعيه و ادبيه ،
وقد تكون باسباب سلبيه اقتضتها حالة المعيشه و البيئه ،
قيل : انها مشتقه من الجدار و هو الحائط الذي يصبح حدا للبستان او الدار ،
وقيل : من جدر الشجره ،
ويرادف الجدير بالشيء و الاجدر ،
الحقيق و الاحق ،
والخليق و الاخلق ،
وقد يستخدم افعل فكل منها للتفضيل مع التصريح بالمفضل عليه غالبا كحديث ( ( و الثيب احق بنفسها من و ليها ) ) و مع تركة للعلم فيه احيانا ،
ومنة قوله تعالى : ( و رضوان من الله اكبر ) ( 9 : 72 ) .
( و الله عليم حكيم ) و اسع العلم بامور عبادة و صفاتهم و احوالهم الظاهره من بداوه و حضارة و علم و جهل ،
والباطنه من ايمان و كفر ،
واخلاص و نفاق تام الحكمه فيما يحكم فيه عليهم ،
وما يشرعة لهم و ما يجزيهم فيه ،
من نعيم مقيم ،
او عذاب اليم .
روي احمد و اصحاب السنن .
ما عدا ابن ما جة .
والبيهقى فالشعب عن ابن عباس يرفعة ( ( من سكن الباديه جفا ،
ومن اتبع الصيد غفل ،
ومن اتي السلطان افتتن ) ) قال الترمذى ذلك حديث حسن غريب لا نعرفة الا من حديث الثورى .
وروي ابو داود و البيهقى عن ابي هريره مرفوعا ( ( من بدا جفا ،
ومن اتبع الصيد غفل ،
ومن اتي السلطان افتتن ،
وما ازداد احد من سلطانة قربا الا ازداد من الله بعدا ) ) و اسباب الاخير ان السلاطين قلما يرضون عمن يلتزم الحق و الصدق و النصح الصريح ،
وقلما ياتيهم و يزداد قربا منهم الا الذي يمدحهم بالباطل و يعينهم على الظلم و لو بالتاول لهم ،
وقد بينا ذلك المعني فتفسير ( و منهم الذين يؤذون النبى و يقولون هو اذن ) ( 61 ) .
( و من الاعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ) تقدم فالايه ( 90 ) ان بعض الاعراب [ ص: 9 ] جاءوا النبى – صلى الله عليه و سلم – معذرين لياذن لهم فالقعود عن غزوه تبوك ،
وذكر فهذه الايه حال الذين كانوا ينفقون بعض اموالهم فسبيل الجهاد رياء و تقيه فيعدون ما ينفقونة من المغارم و هي ما يلزمة المرء مما يثقل عليه فيلتزمة كرها او طوعا لدفع مكروة عن نفسة او عن قومة و ليس له به منفعه ذاتيه .
ولم يكن هؤلاء الاعراب المنافقون يرجون بهذه النفقه جزاء فالاخره ; لانهم لا يؤمنون بالبعث .
ولهذا قال الضحاك : يعني بالمغرم انه لا يرجو ثوابا عند الله و لا مجازاه و انما يعطى ما يعطى من الصدقات كرها .
وعن ابن زيد انما ينفقون رياء اتقاء ان يغزوا و يحاربوا و يقاتلوا و يرون نفقاتهم مغرما ( قال ) و هم بنو اسد و غطفان .
( و يتربص بكم الدوائر ) اي ينتظرون دوائر الزمان : اي تصاريفة و نوائبة التي تدور بالناس و تحيط بهم بشرورها ان تنزل بكم فتبدل قوتكم ضعفا ،
وعزكم ذلا ،
وانتصاركم هزيمه و كسرا ،
فيستريحوا من اداء هذي المغارم لكم ،
بالتبع للخروج من طاعتكم ،
والاستغناء عن اظهار الاسلام نفاقا لكم .
كانوا اولا يتوقعون ظهور المشركين و اليهود على المؤمنين ،
فلما يئسوا من هذا صاروا ينتظرون موت النبى – صلى الله عليه و سلم – و يظنون ان الاسلام يموت بموتة – صلوات الله و سلامة عليه و على الة – .
وهكذا يعلل الجاهل الضعيف نفسة الخبيثه بالامانى و الاوهام .
واذا كان منافقو المدينه الذين هم اجدر من هؤلاء الاعراب ان يعلموا ما فالاسلام من القوه الذاتيه ،
وما فاعتصام المؤمنين الصادقين فيه من القوه الحربيه ،
كانوا يتربصون بالمؤمنين الهزيمه من الروم فتبوك ،
وكانوا ان اصاب النبى – صلى الله عليه و سلم – مصيبه مما لا يخلو عنه البشر يفرحون و يقولون : ( ربما اخذنا امرنا من قبل ) ( 9 : 5 ) اي احتطنا لهذه العاقبه قبل و قوعها ،
فهل يستغرب كهذا التربص من الاعراب سكان الباديه الذين يجهلون ما ذكر ؟
( راجع تفسير الايات 50 – 45 ) من هذي السورة .
( عليهم دائره السوء ) دعاء عليهم بما يتربصونة بالمؤمنين ،
او خبر بحقيقة حالهم معهم ،
ومال الاحتمالين واحد ; لان الخبر فكلامة تعالى حق و مضمونة كمضمون الدعاء و اقع ما له من دافع ،
والدعاء منه عز و جل يراد فيه ما له و هو و قوع السوء عليهم و احاطتة بهم .
والسوء بالفتح فقراءه الجمهور : و هو مصدر ساءة الامر ضد سرة ،
وقراة ابن كثير و ابو عمرو هاهنا و فسورة الفتح بالضم و هو اسم لما يسوء ،
والاضافه : كرجل صدق و قدم صدق .
وتقديم الخبر يفيد الحصر : اي عليهم و حدهم الدائره السواي تحيط بهم دون المؤمنين الذين يتربصونها بهم ; فان هؤلاء لا عاقبه لهم تتربص بهم الا ما يسرهم و يفرحهم من نصر الله و توفيقة لهم ،
وما يسوء اعداءهم من خذلان و خيبةوتعذيب لهم فالدنيا قبل الاخره حتي باموالهم و اولادهم ،
كما تقدم فقوله تعالى : ( قل هل تربصون بنا الا احدي الحسنيين ) ( 52 ) و قوله (فلا تعجبك اموالهم و لا اولادهم ) ( 55 ) .
[ ص: 10 ] ( و الله سميع عليم ) لا يخفي عليه شيء من اقوالهم المعبره عن شعورهم و اعتقادهم فنفقاتهم اذا تحدثوا فيها فيما بينهم ،
واقوالهم التي يقولونها للرسول او لعمالة على الصدقات ،
او لغيرهم من المؤمنين مراءاه لهم ،
ولا من اعمالهم التي يعملونها و من نياتهم و سرائرهم التي يخفونها ،
فهو سيحاسبهم على ما يسمع و يعلم – اي على جميع قول و فعل – و يجزيهم فيه .
ولما ذكر حال هؤلاء الاعراب المنافقين عطف عليه بيان حال المؤمنين الصادقين منهم فقال .
( و من الاعراب من يؤمن بالله و اليوم الاخر ) ايمانا صادقا اذعانيا تصدر عنه اثارة من العمل الصالح .
قال مجاهد : هم بنو مقرن من مزينةوهم الذين قال الله فيهم ( و لا على الذين اذا ما اتوك لتحملهم ) ( 92 ) الايه .
وقال الكلبى : هم اسلم و غفار و جهينه و مزينه ،
وثم روايات ثانية فيهم و النص يشمل كل المؤمنين الصادقين منهم و من غيرهم من الاعراب و ربما ذكر من و صفهم ضد ما ذكرة فو صف من قبلهم فامر النفقه فسبيل الله فقال ( و يتخذ ما ينفق قربات عند الله و صلوات الرسول ) اي يتخذ ما ينفقة و سيله لامرين عظيمين اولهما القربات و الزلفي عند الله عز و جل ،
وثانيهما صلوات الرسول ،
اى ادعيتة ; لانة – صلى الله عليه و سلم – كان يدعو للمتصدقين و يستغفر لهم ،
ولم يثبت فالنص انتفاع احد بعمل غيرة الا الدعاء و ما يصبح المرء سببا به كالولد الصالح ،
والسنه الحسنه يتبع بها .
فهذا القصد فاتخاذ الصدقات ضد اتخاذ المنافقين اياها مغرما .
والقربات كالقرب جمع قربه ( بضم القاف ) و هي فالمنزله و المكانه .
كالقرب فالمكان و القربي فالرحم ،
والاصل فالكل واحد : و هو الدنو من الشيء مطلقا ،
فقصد القربه فالعمل هو الاخلاص و ابتغاء مرضاه الله و رحمتة و مثوبتة به ،
وجمعها باعتبار تعدد النفقات ففية ايماء الى اخلاصهم فكل فرد منها و الصلوات جمع صلاه و معناها ،
اواحد معانيها فاصل اللغه الدعاء ،
واطلاقها على العباده المخصوصه من اركان الاسلام شرعى و جهة ان الدعاء هو روحها الاعظم ; لانة مخ العباده و سرها الذي تتحقق فيه العبوديه على اكمل و جوهها و هو فالفاتحه فريضه ،
وفى السجود فضيله و ياتى قريبا بيان هذي الصلوات على المتصدقين فتفسير الايه : ( 103 ) .
وقد بين الله تعالى جزاء هؤلاء الاعراب على ما يشهد لهم فيه من صدق الايمان و اخلاص النيه فالانفاق فسبيل الله ،
وادائهم فيه حق الله ،
وهو قصد القربه عندة .
وحق الرسول و هو طلب دعائة لهم بقبول نفقتهم و اثابتهم عليها ،
فقال باسلوب الاستئناف المشعر بالاهتمام [ ص: 11 ] ( الا انها قربه لهم ) و هو اخبار بقبولة تعالى لنفقتهم .
مؤكد بافتتاحة باداه التنبية الداله على الاهتمام بما بعدين و هي ( الا ) و ب ( ان ) الداله على تحقيق مضمون الجمله ،
وبالجمله الاسميه فقوله تعالى : ( انها قربه ) راجع الى النفقه الماخوذه من قوله : ( ما ينفق ) فافراد القربه لانها خبر لضمير المفرد .
وقوله : ( سيدخلهم الله فرحمتة ) تفسير لهذه القربه ،
والمراد بالرحمه هنا الرحمه الخاصة بمن – رضى الله عنهم – و هي هدايه الصراط المستقيم و ما تنتهى الية من دار نعيم و معني ادخالهم بها ان يكونوا مغمورين بها و تكون هي محيطه بهم شامله لهم .
وهذا ابلغ من ك( يبشرهم ربهم برحمه منه ) ( 9 : 21 ) و السين فقوله : ( سيدخلهم ) لتاكيد الوعد و تحقيقة ،
وتقدم مثلة .
وعلله بقوله : ( ان الله غفور رحيم ) اي و اسع المغفره و الرحمه يغفر للمخلصين فاعمالهم ما يلمون فيه من ذنب او تقصير ،
ويرحم الصادقين فايمانهم فيهديهم فيه الى اقوى العمل و خير المصير .
وفى الايه من بلاغه الايجاز ما يدل على علو مقام هؤلاء الاعراب .
- الأعراب أشد كفرا
- الأعراب أشد كفرا ونفاقا
- دعا للبستان
- اية نزلت على العرب هم اشد كفرا
- انمااﻻعراب اشدكفرا
- انما الاعراب اشد كفرا ونفاقا
- ان عدة الاعراب اشد نفاقا وكفرا
- الاعراب اشد كفرا ونفاقا
- الاعراب اشد
- صورة الاعراب اشدكفرا