ملخص رواية قلب الظلام لجوزيف كونراد

ملخص لجوزيف كونراد قلب رواية الظلام 20160908 1869

يبدا جوزيف كونراد رحله ما رلو و يختتمها فداخل “قلب الظلام” على نهر “التايمز”،
وعلي متن مركب شراعى ذى مجاديف يسمي “نيلي”،
وذلك باستهلال موجز،
والذى – عن طريق استعمال رقيق للتصاوير،
وتوسل بارع للبيئه – يقدم لنا ما رلو (الشخصيه المحوريه فالرواية)،
ويهيؤنا للقضايا الجوهريه فالقصة.
وفى مغامره فريده يبتدئ كونراد الحكايه بشعور قوي مدهش تجاة الهدوء و السكون اللذان يسودان القصة كلها،
مع مقاطعات بين الحين و الاخر بواسطه القاص نفسة لوصف ما رلو،
او ليدون اقحاما موجزا بواسطه احد سامعيه،
وذلك مع عوده خاطفه الى المركب فنهاية الامر.
وعلي نهر “التايمز” كان النهار فكيفية الى النهاية فسكون هادئ و براعه نادرة،
وارتاح ذلك النهر العجوز فسكينه و اطمئنان؛
ومارلو نفسة كان يجلس جيدا دون حركة كما يجلس “الالة بودا”،
وبدت جميع اشرعه البارجات كانها و اقفه لم تبرح مكانها.
اما الرجال الذين هم على متن القارب جالسون،
والذين عليهم ان ينتظروا انقلاب حركة المد و الجزر،
فقد استكانوا بارتياح على متن القارب،
ومن بعدها اعدوا المكان لمارلو ليبدا فسرد حكايته.
وقبل ان يبدا ما رلو فسرد قصته،
حذر القاص سامعية انهم بصدد سماع واحد من تجارب ما رلو غير الحاسمة.
وهذه التجربه طبعا واحده من تجاربة الكثيرة غير الحاسمة،
وهو – اي ما رلو – الخبير الدعي،
بمحض الصدفة،
فى القفر السيكلوجي،
ولدية العديد الذي يود اذاعتة فيهم.
فهو القاص كذلك فروايات “اللورد جيم” (1900م)،
و”فرصة” (1913م)،
و”الشباب” (1902م).
وعلي سبيل ذلك الاستهلال شرع فسرد الحكايه حينما اسدل الليل استارة السوداء.
وهذه هي المقدمه الاولي للظلام.


و لعل كونراد يبدى اهتماما مستعظما لتاثيرات الضوء و مؤثراتة فهذا العمل الذي نحن على و شك الحديث عنه.
ففى المنظر الافتتاحى يصف كونراد السماء قائلا: “انها لضخامه معتدله لضوء غير ملوث،
والظلام الوحيد هو هذا الذي يخيم فوق “قريفسيند” و مدينه لندن،
وهنالك الكابه الحداديه التي تستولد السكون؛
والارض العاديه فلندن تفترض طبيعه متشائمه غير و اقعيه حين تغرب الشمس،
وذلك بعد ان تغيرت من بيضاء متوهجه الى حميراء رتيبه عديمه الاشعه و عديمه الحرارة،
كانها على و شك الخروج فجاءة،
بعد ان ضربت ضربا مستميتا بواسطه تلامسها مع الكابه المستولده فوق حشد من الناس.” و من غير سابق انذار يعلن ما رلو فهذا الصمت الذي اعد بحذر: “وهذا كذلك احد الامكنه المظلمه فالارض (برغم من انه لم يكن ذلك المكان يمثل الظلام العميق كما بدا لمارلو لاحقا مركز الارض،
ولكن النهاية الاقصي للعالم يمثل نهرا لونة كالرصاص،
وسماءا لونة كالدخان..”).


و يستعمل ما رلو هنا نفس اللغة،
التى يستعملها فو صف نهر “التايمز”،
فى تصوير النهر الاخر العظيم فالقصة و هو نهر الكونغو،
ويوحد بينهما باقرارة بان جميع الانهار و البحار تجرى فبعضها بعضا.
وعلي ذلك السبيل يربط ما رلو جميع البشر ببعضهم بعضا.
وهكذا يهيؤنا عن الكلاسيكيه المقلقه التي اكتسبها حين كان يشاهد المواطنين “يصرخون” و يرقصون على شواطئ نهر الكونغو،
وكذلك من التجارب التي تعلمها من الزعم فان العلاقه البعيده بين البشر ربما اثبتتها “اللحظه السامية”،
والتى احس فيها حين ما ت قبطانة الزنجي.
وكان ذلك الشعور يمثل الافتتاحيه التي تذكرنا – و الحديث هنا لمارلو – “ان “دولتنا المتحضرة”،
حيث الطبيعه عبارة عن نمط من انماط الهوله المهزومة،
والتى كانت فعصر ما يمثل الظلام و الهوله عينها،
وكنا ذات مره بربريين.” و فهذا الاستهلال يحاول ما رلو ان يغرس فنفس القارئ نوعا من الاحساس الجوانى للتضامن مع اهالى الكونغو،
وفى الان نفسة مع المستعمرين “المتحضرين”،
الذين لا يستطيعون مساعدتهم،
بل الارتباط بهم.
وهذا الشعور الذي يبدية ما رلو ما خوذ من و جهه راى الغزاه الرومان،
الذين ابدوا اسفهم للمواطنين الشباب الخلصاء و هم يرتدون التوجه (ثوب رومانى فضفاض)،
وكان الرجال يتبعون هذا عميا.


و فخضم هذي اللحظه الانعطافيه يحس ما رلو بهذا النزاع السيكلوجى فالتعاطفات عند بداية رحلتة الى افريقيا،
وبخاصة بعد تجارب العزله و سط البيض ف“حى البيض” فبروكسل،
وعلي متن سفينة.
ومن هنالك يشاهد القوارب على الشواطئ،
حيث يجدفها السود الصارخون و هم يتصببون عرقا،
والذين لم يكونوا فحاجة الى عذر فو جودهم هناك،
والذين هم ايضا كانوا بمثابه ارتياح عظيم لمارلو بمجرد مشاهدتهم.
ومن هنا لا نجد الغرابه فالارتياح او الاندهاش فمشاهدة صائدين يجدفون قواربهم،
او مواطنين محليين يستعملون سبل تنقلهم المائى ليعبروا فيها النهر من شاطئ الى اخر،
او يجدفون بمشقه و فاشد ما تكون المشقه عكس التيار من قريه الى اخرى،
او يبحرون فاتجاة التيار بسهوله ايه سهوله من مدينه الى اخرى،
الا اولئك الذين ينظرون الى الانسان الافريقى كحيوان مستوحش ينبغى السفر الى افريقيا لمشاهدتة و تصويرة مثلما يفعلون مع الحيوانات الثانية فالحدائق المحظوره المسورة.


و الحال هذه،
فان اول التقاء بين ما رلو و السكان المحليين كان فمحطه الشركة،
وكان انطباعة الابتدائى هو ارتعابة عن تعاستهم و بؤسهم.
وقد استعظمت هذي المشاهد القويه فتاثيرها بواسطه خلفيه عدوانيه سيئة،
ونشاط سخيف يمارسة المستعمرون – كتفجير الجرف من غير ذى جدوى (والذى يذكرنا بجنون رجال الحرب الفرنسيين و القصف العبثى للاعداء المحليين الوهميين على طول الساحل الافريقي) مخلفين و راءهم حفره و اسعه و الات صدئة،
وذلك فامر لا طائل تحته.
ومع ذلك،
قيدوا ما اسموهم ب”المجرمين” بالسلاسل حول اعناقهم،
حتي بدت ضلوعهم و مفاصلهم “كالعقد فحبل المسد”،
واستحالت الظلال السوداء للمرض و الجوع الى كابه للشجر مخضره كنار تلظى.
بيد ان الموت يقف فو ضع مضاد “للاستزعام”،
او الاسود المنبت المنفصل عن اصله،
وهو القروى المسؤول عن “المجرمين”،
وهو نتاج القوي الحديثة العاملة،
والذى – بوجهة السافل – يعتورة النسيان لماسى الاخرين الذين تحت سطوتة و جبروته،
ونجدة فخورا كان بثقتة المستعظمه المفرطة.
ونمط احدث مساو لذا القروى “المستزعم” هو صبى مدير المحطة،
الذى طعام و شبع بعدها شبع،
والذى سمح له المدير ان يعامل البيض – جهارا من غير مواربه – بوقاحه سمجه مستجلبة،
وهو الذي اذاع فينا بلهجه ازدراء جارحه بان “مستة (مستر) كورتز ربما قضي نحبه.” و على ذلك النحو،
ووسط خضم الاحداث و المشكلات و التعقيدات،
نجد ان السود عكس البيض: فهنالك المحاسب الشاذ جميع الشذوذ بلياقتة المبيضه بالنشا،
واكمام قميصة البيضاء،
وشعرة المعتني به؛
وهنالك ايضا طلائع التقدم الاخرين الذين يفتقرون السلاسل الفقارية.
وهؤلاء البيض يمرضون باستمرار،
ونسبة لجشعهم للعاج و حبهم للترقية،
لتجدنهم ينخرطون فمؤامرات مستديمه ضد بعضهم بعضا،
ثم انهم لمسؤولون عن تفجير الجرف من غير ذى جدوى،
وذلك فمحاكاه للعمل تهكمية.
انهم لمملوكون – كما يبدو لمارلو و هو يقف على جانب الجبل المطل على “الدمار المستوطن” – بواسطه شيطان ذى عين مترهلة،
مدعية،
ضعيفة،
والتى هي ميزه الحماقه الجشعه عديمه الشفقة.


ففى هذي الروايه يستغل كونراد مشاهد السود و البيض،
والضوء و الظلام بعده طرق.
فالظلام هو الليل،
المجهول،
الكتيم،
البدائي،
والشر.
ومع ذلك،
حين وصل الى افريقيا قلبت الوان البشره العلاقات المقبوله فالتضاد.
فالرجل الابيض – فوق جميع شيء – يسعي سعيا حثيثا و راء العاج،
واشباع رغباتة فحياة الرفاهيه الخلابة،
لانة يزعم تمثيل “الرجل الحضاري”،
والذى يعتبر جذور جميع الشرور فالظلام،
والتى تقلق مضاجع البيض،
حتي اخذ هؤلاء – ككورتز – يمثلوها،
ونحن هنا نسترعي الذاكره الى “حى البيض” بمدينه بروكسل،
كما بدا جليا لماذا طفق ما رلو عنصريا ضد المدينة،
ولا يستطيع التناسي،
بل التفكير بها على ذلك النحو و بهذا الاسلوب.


يبدا ما رلو روايتة عن طريقة و صولة الى افريقيا،
والتى هي نفس الطريقة التي فيها ذهب كونراد بنفسة الى الكونغو العام 1890م،
والاحداث هنا تماثل تماما و اقعيه كونراد.
ومثل ما رلو كان كونراد ربما عاد الى لندن بعد ست سنوات من الابحار فالشرق الاقصى: اولا كرفيق اول فسفينة،
ثم كقبطان.
وبعد فتره من التسكع و ضياع الوقت فالتبطل،
طفق يبحث عن عمل فسفينه اخرى،
وكان ذلك يعد عملا شاقا جميع المشقه فالارض.
ثم ان ذلك ليلخص شعور كونراد الشخصى فالتجربه المريره (الصعوبه فايجاد الوظائف التي تخصص فيها).
وان ذلك الاحباط لهو الذي يصيب المرء دوما حين يعجز عن العثور على عمل حسب التخصص الذي به تدرب.
ثم ان هذين القنوط و الياس هما اللذان دفعا كونراد ان يهجر مهنتة فالابحار فذلك الردح من الزمان،
ويروح متخبطا،
علي غير هدى،
فى احياء المدينه و ربما غشاة السام و الملل.
هكذا لم تعرف حياة كونراد هذي اي استقرار مهنى اونفسي،
او فاى مكان،
فهو كان ربما عاشها دائم التنقل،
وغالبا هربا من وضع ما ،
او بحثا عن شيء ما .
ومع هذا،
اخذت حلقات حياتة تتالف كلها من فصول الموت و المرض و الافلاس و الصراعات النفسيه و الترحال و محاوله الانتحار.
وفى اثناء فتره تسكعة هذي – مهما يكن من شيء – شرع كونراد يكتب روايتة الاولي “حماقه الماير” (1895م)،
ومن بعدها – و هو فالحادى و الثلاثين من عمرة – بدا ما اسماة فريدريك كارل “حياتة الثالثة”،
اى حياة الكاتب كونراد.(1) فما هي قصة حياتة الاولي و الثانية؟
هذه حكايه اخرى،
ولسوف نبينها بعد حين.


مهما يكن من امر،
فلجوزيف كونراد حياتين: اذ بدات هاتان الحياتين لجوزيف كورزينيوفسكى كبولندى و بحار،
حيث غير اسمه الى جوزيف كونراد،
لانة لم يكن يطيق النطق الخطا بواسطه الانكليز.
فقد ولد جوزيف كونراد العام 1857م فبيرديكزوف فاوكرانيا حاليا.
وقد ادرك و هو يافعا الروح العميقه للقوميه المكبوته فبولندا،
التى كانت تسيطر عليها روسيا،
والي حد ما ،
الامبراطوريه النمسويه و بروسيا لاكثر من 60 عاما،
حتي لم يبق لها وجود كامه فحقيقة الامر،
الا فقلوب و ادمغه الناس.
فقد تحدر كونراد من اسرة ارستقراطية،
وكان و الدة – ابولو كورزينيوفسكى – متمردا “متجيشا” ضد الحكم الروسي،
وكان مثاليا رومانسيا كذلك،
ومترجما بعدها انه كان كاتبا مسرحيا و شاعرا.
وبعد ميلاد جوزيف قصد و الدة قصيده “مهداه الى ابنة الذي ولد فالعام الخامس و الثمانين للاضطهاد الموسكوي”.
وفى العام 1861م انتقل ابولو و اسرتة الى و ارسو – حاضره بولندا – و فذلك الحين من الزمان قفزت حركة المقاومه الوطنية الى قمتها فالمصير المستميت للعصيان المسلح العام 1863م.
وقبل هذا الردح من الزمان،
مهما يكن من شيء،
اعتقل ابولو بسبب نشاطاتة التامرية،
ومع زوجة المريضه ايفيلينا بوبروفسكى و ابنهما البالغ من العمر و قتذاك اربع سنوات،
تم نفيهم الى فولوقدا فشمال شرقى روسيا.
وهنالك ما تت زوجه،
وعاني هو نفسة من اكتئاب مستديم،
مما تسبب فو فاتة باكرا،
وترك الطفل جوزيف البالغ من العمر حينذاك احدي عشره عاما ليترعرع فكنف،
او تحت رعاية،
عمة المحافظ الثري،
تاديوس بوبروفسكي.
وحين بلغ من العمر 16 عاما ذهب الى فرنسا ليبدا حياتة كربان سفينة،
لكنة تعرض لاحباطات مستمرة،
ووقع فيديون باهظة،
حتي تراكمت جميع هذي الحاجات و دفعتة الى ان يطلق النار على نفسة فمدينه ما رسية بعد اربع سنوات: اما الرصاصه – و يا للعجب – فقد اخترقت صدرة لتخرج من ظهرة مخطاه قلبه،
ومن غير ان تحدث ايه خسائر خطيرة.
وبعد شفائه،
قرر كونراد ان يبدا بداية حديثة بانتقالة الى انكلترا ليجرب حظة فالسفن البريطانية،
واخيرا – و بعد جهد جهيد – اصبح اول بولندى يمسى قبطانا فالخدمه التجاريه البريطانية.
ثم كان هذا فالسفن البريطانية،
حيث تعلم كونراد اللغه الانكليزيه و اتقنها،
حتي امسي بها سيدا لا يشق له غبار،
وبات يكتب فيها باسلوبة التطريزى المزركش و تعابيرة الرائقه الرقراقة.


و هو ما يزال طفلا يافعا كان كونراد يشارك و الدة فمزاجة الرومانسي،
وكان يحلم بالرحلات و المغامرات.
وفى كتابة “السيره الذاتية”،
الذى اخرجة للناس بعد عده سنوات لاحقة،
استذكر الاعجاب الذي كان يحملة و هو ما يزال طفلا غريرا ارعنا عن “قلب افريقيا الابيض”.
وبهذه العنصريه المقلوبه راسا على عقب،
تحدث كونراد عن تنبؤ طفولى غريب.
وكان هذا العام 1868م حين كان يربو على تسع سنوات من العمر،
وكان ينظر الى خارطه افريقيا،
ويضع اصبعة على مكان فارغ – اي منطقة شلالات ستانلي،
وكان يمثل لغز هذي القاره – و من بعدها قال لنفسة فنفسه،
وبتاكيد مطلق و تهور مدهش: “عندما اكبر لسوف اذهب الى هناك.” و اذ قرر منذ موئل طفولتة ان يكون بحارا و مغامرا،
ومن بعدها تحقق له ما اراد،
واضاف الى هذا ان اصبح كذلك كاتبا كما سنري لاحقا.
هكذا اعطي كونراد ذلك الحلم الطفولى عن الكونغو الى ما رلو،
وشرع يبحث عن قياده سفينه جديدة،
وايضا سمع عن شركة تجاريه تتاجر على نهر الكونغو،
وقرر ان يسافر الى هناك.
هذه هي نفس الفكرة التي امست تختلج فمخيله كونراد.
فبعد عودتة من الشرق الى لندن كان هنرى مورتون ستانلى مشغولا مشغوفا جميع الشغل و جميع الشغف بعملية اغاثه امين باشا – حاكم مديريه الاستوائيه فعهد الحكم التركي-المصري فالسودان (1821-1885م)،
والذى بات معزولا فاحراش الجنوب السوداني عقب انفجار الثوره المهديه (1881-1898م)،
واخذ يجد اعلاما مستعظما،
وصيتا ذائعا فبريطانيا.
فقد عثر ستانلى – الكاتب و الرحالة – على المبشر المسيحى المفقود الدكتور ديفيد ليفينغستون فادغال افريقيا العام 1871م.
ففى السبعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي توغل ستانلى فغابات افريقيا،
وتتبع لاول مره مجري نهر الكونغو،
حتي وصل الى قلب هذي القاره السوداء.
وكان استظهارة الامكانيات التجاريه فالمنطقة ربما ادي الى تاسيس مشروع تجارى ضخم،
وقاد فنهاية الامر الى تكوين “دوله الكونغو الحرة” – و فذكر عبارة الحره تنزف قلوبنا دما.
وحين نطق اولئك و هؤلاء بعبارة “الكونغو الحرة” كان عليهم ان يتحدثوا عنها باستحياء،
لانهم مسوا الناس و المنطقة بغير رفق و لا رافة،
وتركوا ما ضيا تعيسا لم يعد من الممكن تغييره.
فقد كانت المنطقة كلها تحت اجراءات و تمويل المستثمر الملك ليوبولد الثاني – ملك بلجيكا.
وفى بادئ الامر لم يبد الراسماليون البريطانيون رغبتهم فالاستثمار فهذه المنطقة،
مما نتج عن هذا اسفهم و ندمهم فنهاية الامر.
وكان الملك البلجيكى ربما خول لنفسة سلطات و صلاحيات السياده على هذي الدوله الجديدة،
والتى بقيت – مهما يكن من شيء – مستقله عن حكومة بلجيكا.
فقد قاد ستانلى الرحله الاولي للبلجيكيين الى ذلك الاقليم لتاسيس محطات تجاريه و مراكز ادارية،
و”لاثبات ان مواطنى الكونغو ممكن ان “يتاثروا بالحضارة”،
وان حوض الكونغو غنى فاكثر ما يصبح الغنى بحيث ممكن تسديد – من مواردة – قيمه الاستغلال”،
كما كتب هذا فسيرتة عن تجاربة “عبر القاره السوداء” العام 1878م،
وهو الكتاب الذي به كذلك اماط اللثام عن الاسترقاق فهذه القارة،
وكيف استحال النخاسون المواطنين الى شظايا مجتمع و فتات بشر.
ولكن هل تبلسم الكتابة جراح الماضي؟
كلا!
ومن يقرا التاريخ سيدرك اننا لم نطلق ذلك النقد اللاذع و السخريه الزاعقه الحارقه سدى.
وايضا كتب ستانلى عن نضالة فالبحث الحثيث عن امين باشا فتاليفة “فى افريقيا الاكثر سوادا”،
الذى نشر العام 1890م،
وهو العام الذي به ذهب كونراد الى الكونغو.
ما اذا كان كونراد ربما اطلع على هذين الكتابين ام لا،
الا انه لا ريب فان رغبتة فافريقيا ربما استعرت بواسطه تجارب ستانلى الدرامية،
واكتشافاتة الشهيرة.(2)


ايا كان الامر،
فحينما وصل كونراد الى الكونغو كان الاخير ربما اصبح من الممتلكات الخاصة للملك البلجيكى ليوبولد؛
اما “العمل الصالح المنجز باسم المسيحيه و التقدم” فقد تم نسيانة او تناسية و سط تزاحم المكتنزين الاوربيين.
وقد افرز ذلك التصارع المذموم،
وذاك التسابق المحموم حول الثروه و المال فالكونغو ما ممكن نعتة بالجشع و القساوه الاكثر قبحا،
ونشاطات النفاق و الرئاء فالاستغلال الاستعمارى فالقرن التاسع عشر من الميلاد،
والذى نعتة كونراد فموضوع له بعنوان “الجغرافيا و بعض الرحالة” ب”التسابق الاقذر للنهب الذي شوة تاريخ الضمير الانساني،
والاكتشاف الجغرافى الى الابد.” و لعل روايه “قلب الظلام” ليست مجرد روايه عادية،
بل سيره ذاتيه تجرى و قائها فمنطقة فضاؤها القسوه العابثه و العدم،
والرجاء الذي هو كسراب بقيعة،
حيث قضي الكاتب ردحا من الزمان هناك.
اذ ينطوى ذلك الكتاب على ضني فتجربه الكتابة المتمثله فانعكاس لذا الضي الذي تميزت فيه تجربه الحياة فمعسكرات اذلال المواطنين الكونغوليين بكل اهوالها التي تظهر عن نطاق الوصف،
وبخاصة ان الوصف فهذه الحال ليبدو مؤلما.
ومن هنا كذلك يرسم الكاتب صورا متنوعه ذات ملامح سياسية و قوميه و اجتماعية،
كانت بمنزله القضايا الشائكه فهذا الوطن المترامي الاطراف،
والتى دفعت المواطن الى السقوط فبئر عميقه من الاحباط و الياس،
حيث يموت البشر كما كانوا يموتون فالعصور الوسطى،
وسط الرعب و قرقره البؤس.


هذا،
فقد كانت رحله كونراد الى الكونغو قصيرة و ما سويه فالان نفسه.
اذ تدهورت صحتة ايما التدهور،
وشعر فاعظم ما يصبح الشعور بالوهم و الفشل.
فقد دخل هنالك فازمه شخصيه شديدة،
واصطدم بالاضمحلال الاخلاقى و العاطفي؛
وقد اثبت هذا فخبرتة الحديثة ككاتب.
ومن اثناء خالتة الروائية،
وجد كونراد و ظيفه كقبطان فباخره تابعة “للشركة البلجيكيه المجهوله للتجاره فالكونغو الحرة”،
والتى كانت ستاخذ الرحله الاكتشافيه بقياده الكسندر ديلكميون – و هو كان اخا لمدير الشركة فكنشاسا (محطه كونراد الرئيسة) – الى اقليم كاتنغا.
وفى بادئ الامر ابتهج كونراد المغامر بهذا المشروع،
لانة كما بدا له انه لسوف يصبح ربما ساهم فالاكتشاف الذي شرع به ستانلى فباطن افريقيا.
مهما يكن من الامر،
فحين وصل كونراد الى كنشاسا نشات هنالك عداوه مباشره بينة و بين مدير الشركة،
كميل ديلكميون.
فقد اخذ كونراد ينعتة باحتقار فالقصة و يلومة على الايام المؤجلة،
وعلي اخفاق فريق الانقاذ فالوصول الى كورتز فالوقت المناسب لانتشالة من براثن الموت.
وفى الحق،
يبدو ان ديلكميون ربما اشتاط غضبا من تاخير كونراد فالوصول الى العاصمه كنشاسا من مدينه ما تادي،
حيث ان الطريق الطويله تاخذ دوما اقل من عشرين يوما،
بينما استغرق كونراد 35 يوما،
وايضا استاء و غضب كونراد الاستياء كله و الغضب كله من استقبال ديلكميون البارد له.
وبرغم من ان الباخرة،
التى كان يقودها ربما اصابها عطب،
الا ان كونراد لم يبق فالمكان مدة ثلاثه اشهر مثلما فعل ما رلو،
ولكن – فالواقع – بعد يوم او يومين انطلق الى اعلي النهر مع كميل ديلكميون على متن باخره مختلفة تحمل اسم “ملك بلجيكا”،
وكان كونراد،
الذى كان زائدا عن العدد المقرر او المطلوب،
موجودا على متنها ليراقب و يتعلم الملاحه فالنهر من ربان ذى خبرة.


و كان ذلك السفر ما هو الا رحله روتينيه بالنسبة الى ديلكميون،
حيث انتهت فزمن قياسي،
وليس كما قطعها ما رلو فالرواية.
وكان اصطحاب الوكيل “كلين”،
والذى كان سقيما بالدسنتاريا فشلالات ستانلي،
وقضي نحبه فمجري اسفل النهر،
ما هو الا حدثا عارضا.
فلم يكن يحمل “كلين” شبها ل”كورتز” ابدا كما كان يزعم.
وابتنيت شخصيه كورتز،
فى حقيقة الامر،
علي رجل يدعي هوديستر،
وهو كان و كيلا ناجحا لشركة و رحالة،
ثم انه كان عضوا ف“نقابه مجرمى الفضيلة”،
الذين كانوا يستهجنون جميع الاستهجان الرق و العادات البربرية،
علاوه على انه كان منافسا ل”ديلكميون”.
وبالطبع و الطبيعة،
فقد سمع كونراد عنه من حديث القيل و القال فالمحطات.
وكان مقتلة العام 1892م،
اثناء تمرد العرب و السكان الاصليين حينما كان فرحله لتاسيس المصانع،
وقد نشر نبا و فاتة و اذيع عنه فالناس بكثرة فالصحف الانكليزية،
وفى هذا الحين كان كونراد يتواجد فلندن.
اذ لم يملك،
مهما يكن من شيء،
روحا غير شرعيه خادعه تفوق الحدود التي تسمح فيها الامال و الرغائب ككورتز،
ثم انه لم يكن من نمط البشر المؤلة و سط “المستوحشين” الذي مثلة كورتز،
هكذا كتب احد النقاد الادباء.


و حين مرض كونراد بالحمي و الدسنتاريا و لازم سرير المرض فاغلب الاوقات،
احيط علما بواسطه كميل ديلكميون بانه سوف لا يصبح على راس الباخره التي تقل الفرقه الاستكشافيه الى اقليم كاتنغا،
ثم انه لسوف لا يصبح قبطانا فباخره نهريه عادية،
وذلك كما كتب كونراد الى خالته: “ليس لى امل فالترقية،
ولا فزياده الاجر فالحين الذي به يبقي ديلكميون هنا،
بالاضافه الى ذلك،
انة لقد قال سوف لا يلتزم هنا ابدا بالعهود المبرمه فاوربا.” و بعد هذا الحين مباشره امسي كونراد سقيما فاشد ما يصبح السقم،
وغادر الكونغو عائدا الى بروكسل – حاضره بلجيكا – بشعور مرير من الاخفاق شديد.
ومن بعدها انتهت رحلتة الماسويه الى الكونغو بتفاصيل شخصية،
ولا شيء غير الرنين الكئيب،
وظاهريا من غير مواجهه او مقابله شخصيه رديئه الرداءه العظيمه ككورتز.


و فاثناء قصة الكونغو،
تعرض كونراد – بحال ما – الى تجربه استناره شبيهه بتلك التي تعرض لها ما رلو،
ودخل فعملية النمو عبر خيبه الامل و الهزيمة،
وهو نمط الهزيمه الذي ساقة الى حافه البقاء اي بقائة الشخصى و ليس بقاء الحضارة،
والذى انتج به فهم عريض و عميق بالبشر،
وبخاصة نواحيهم السويداء.


برغم من ان تجارب كونراد الشخصيه تمثل المادة الخام للقصة،
الا ان كونراد – فمحاولتة للتعبير عن تطورة من المثاليه الى خيبه الامل و الفهم الاعمق عن طريق السرد الخيالى – ربما شوة التجربه الفعليه بطرق عديدة.
اولا،
انة جعل ما رلو مستريبا من الوهله الاولى،
كما نراة فترددة و ريبتة فالمشروع فبروكسل،
وايضا ارتاي كونراد ففرصه الذهاب الى الكونغو حقائق مثاليه لتحقيق حلم الطفوله الذي ذكرناة لكم انفا.
فقد ذهب و هو ممتلئ بشوق مثالى و رمانسي.
ثانيا،
حاز ما رلو على دور اكثر اهمية و عملا فالقصة من كونراد،
الذى لم يكن اكثر من مراقب و مستمع للقيل و القال،
والذى قد و جد فكرة شخصيه كورتز من صحيفة.
وبتنصيب ما رلو قبطانا للباخره صيرة كونراد مسؤولا مباشرا لعملية انقاذ كورتز،
وايضا حياة جميع الاشخاص الذين على متن الباخرة،
وهكذا يعطى سرد الشخص الاول للقصة بواسطه ما رلو قوه عظيمه انية.
ثالثا،
انة ربما بالغ فتصاوير و تواصيف عزله و بدائيه اهل الكونغو.
وبارجاعهم الى عصر ما قبل التاريخ،
حتي اختفت مستوطنات كبار لتحل محلها قري السكان الاصليين و مراكز تجاريه صغار ضائعة،
والملاحه عبارة عن امر اكتشاف القناة الصحيحة،
واستشعار سبيل الفرد عبر المجري المائى المجهول،
حيث كان كونراد يدرك انه نهر مزدحم ايما الازدحام.
رابعا،
لقد اعطي كونراد رحلتة الى “قلب الظلام” (مثل ستانلى فرحلتة البحريه الانقاذية) نمطيه اسطورية،
وجعلها موضوعا للقياس للتنميه الروحية-العاطفيه لمارلو.


و ربما راي كثر من النقاد انها رحله الى النشاطات العقليه تحت عتبه الوعى مباشره عند ما رلو،
او الدووعى العام،
او – كما ارتاي البيرت جية قيرارد – رحله سيكلوجيه انثروبولوجيه “ليلية”.
وبهذه العبارة كان يعني قيرارد: “اسطوره متعلقه بالطراز البدائي،
وممسرحه فادب عظيم العظمه كلها منذ كتاب (قصة سيدنا) يونس (عليه الصلاة و السلام): و هي قصة رحله العزله الرئيسة،
التى تنطوى على تغير روحى عميق عند المسافر (فى هذي الرحله البحرية).
وفى شكلها الكلاسيكي،
فان الرحله لعبارة عن الهبوط الى الارض،
وتتبعها العوده الى الضوء.”


و عندما نعير الانتباة للواقع السطحى لقصة ما رلو،
او تفاصيلها البرانيه ينبثق المعني الجواني.
ومن ذلك المنطلق استطاع كونراد ان يخلط الاخلاق بالمغامره فرواياته،
وباسلوب فريد.
ففى توطئه لروايتة “زنجى نارسيسوس” (1897م) وصف كونراد اسلوبه،
وسرد اخلاقة الشخصيه فيما يختص بفن الرواية.
ويبدو ذلك الاسلوب و اضحا الوضوح كله فتصاوير الرحله اعلي النهر،
مع تركيز دقيق على تفاصيل العواطف و الافعال.
وهذا – بالمقابل – يسلط نوعا من الاضواء على ما يحدث فالان نفسة فجوانيه ما رلو،
وهو نفسة مضطر جميع الاضطرار ان يبدى انتباها مستمرا الى الواقع السطحى فنضالة للحفاظ على السفينه على سطح الماء و ابحارها اعلي النهر.
وهذا سينقذة من اغراءات البرية،
التى هو – ككورتز – عرضه لها.
ان الواقع السطحي لهو الذي ابقي ما رلو بعيدا عن اختيار البريه مع كورتز،
وليست قوه صوتة الداخلي،
ولا قيدة الداخلي،
وهو مقال رئيس فالقصة.
اذ لم يكن لكورتز و سائل ضبط النفس،
ولا عمل سريع ككورتز،
ولا عقيده روحية.
وكان تطرفة و اعتقادة مضادان للايمان الصادق،
والذى كان يعتقد ما رلو انه مرغوب فسبيل تبديد الظلام.
ومن اثناء قيام الروح الاخلاقيه و الاندفاع الجشع نحو المال و السلطة،
لم يستطع ما رلو التعاطى مع القوي البربريه و الحقود فجوانيته،
والتى تظهرها البريه الى الناس.
وكان دفاعة الوحيد هو الفصاحة،
التى لم تكن كافية،
كما شهدت الرؤوس على الاعمدة خارج منزله.
اذ ان الفصاحه توضح ان كورتز يحتاج الى و سائل ضبط النفس فسعية الحثيث و راء شهواتة المتباينة،
وايضا لان هنالك شيئا مرغوبا فجوانيتة – شيئا صغيرا،
والذى حين تتبين الحوجه الملحه له،
سوف لا تجد له و جودا تحت بلاغتة البارعة،
برغم من ان العبارات ليست ادوات لنقل المعاني فحسب،
بل هي اسلحه دفاعيه ايضا.


و على ذلك النحو،
يفتقد احد الربابنه المنبتين المحليين معايير ضبط النفس،
وبذلك يلقى حتفه.
وفى الحق،
لم يكن لاى شخص فالقصة سبل ضبط النفس،
الا الرجال الاكثر بربرية،
اى اكلى لحم البشر الذين هم يتضورون جوعا على متن الباخرة،
والذين ادهشوا ما رلو بحقيقة انهم يستطيعون ان يضبطوا انفسهم من التهام “الحجاج” بينهم بنهم.
فضبط النفس – اي ضبط النفس – ليس هو بالدووعي،
او الاشمئزاز،
او الصبر،
او الخوف،
او نوع من الشرف البدائي.
فليس هنالك خوف ممكن ان يقف فو جة الجوع،
ثم ليس هنالك صبر ممكن ان يهلك الجوع.
اما الاشمئزاز فانه غير موجود متي ما و جد الجوع،
اما قوي ما و راء الطبيعة،
والشعوذة،
والمعتقدات،
وكل ما ممكن ان تسمية المبادئ كلها اقل من القشره فالهواء الخفيف.
اذ يكلف المرء جميع قوتة الفطريه لكي يقاوم الجوع كليا.


على ايه حال،
فقد خلفت الروايه جدالا و اسعا و سط النقاد عن طبيعه “الظلام” بالتحديد.
فعدم و ضوح الرؤية الذي يصاحب الكلمه ربما ترك كذا عمدا من ناحية،
وهو الفشل من ناحيه اخرى.
فالظلام يعني اشياءا كثيرة: انه ليعني المجهول،
والدووعي،
وانة ليعني الظلام الاخلاقي،
والشر الذي ابتلع كورتز،
ثم انه ليعني الفراغ الروحى كما يراة فمركز البقاء،
ولكن – و فوق هذا كله – فانه اللغز ذاته،
اى لغز حياة الانسان الروحية.
ولابداء او استظهار جميع ذلك فان كميه محدده من عدم الوضوح لهى مطلوبة.
وهذا اللغز – كما يتخيلة كونراد – يمسى كبيرا جدا جدا لحدود القصة و ما رلو،
وذلك فمحاولاتة فتصوير الذي لا ممكن تصوره،
حيث يفقد السيطره على كلماتة و يجنح الى عدم المعني الواقعى حين يحاول ان يوضح جوهر تجربتة عن طريق الاقتراح،
وكانت النتيجة شعاعا باهتا غير مفهوم،
بل ضبابا من الصفات المبهمه التي تصبح كثيفه كلما اقتربنا الى القلب و الى كورتز معا.


و فكتابة “التقليد العظيم” انتقد بر ليفيز الروائى كونراد لعدم و ضوحة و استخدامة الطاغى للصفات بصورة غير دقيقه – فعلي سبيل المثال: استفاضتة فاستخدام مفردات ك“غامض؛
مبهم؛
ملغز”،
و”لا يتخيل؛
لا يتصور؛
لا يصدق”،
و”لا يوصف؛
لا يصح ذكره؛
رديء جدا”،
وتساءل ليفيز: “هل اضافت هذي الكلمات شيئا الى الطبيعه الاضطهاديه فالكونغو؟” فربما اضطرتة الحال الى استعمال هذي المفردات لانة حاول جاهدا ان يغوص فاعماق الاشياء،
حتي المجرده منها بما بها “قلب الظلام”،
وحينما راي ان الاسماء غير كافيه او غير كفيله بتبليغ الرساله اياها،
او المعاني التي يود توصيلها عمد الى الاستعاضه و الاستعانه بهذه الصفات القويه فمعانيها و مضامينها.
فمن الملاحظ انه من الناحيه الاسلوبيه و الكيفية الفنيه للسرد نجد ان هذي الروايه – و على عكس ما هو ما لوف فالروايات عاده – ان التواصيف جاءت مستكثرة على حساب السرد،
حتي بات الزمن السرمدى قصيرا جدا،
وكان يكفى بضع صفحات للوصول الى ما يريد النص الوصول اليه،
لولا تلك الوقفات الوصفيه الغزيره فالرواية،
التى ابطات و تيره السير السردى غير مرة،
مما جعل الروايه اقرب الى لوحه من الالوان و الزخارف ذات اللمسات النعتيه العميقه التي ممكن فصلها عن سيروره الاحداث،
لانها طغت و كادت ان تجعل السرد عبارات متقاطعة.


و مع ذلك،
تبقي شخصيه كورتز لغزيه فاقرب الاحوال كالظلام نفسه،
الذى يعيش فيه.
برغم من الاستعمال المركب للقصاص،
الا انه يعطى الحال الموضوعيه للقصة،
ثم انه ليضيف جوا من عدم الوضوح و القنوط فالوصول الى قلب الشيء،
ويترك القارئ على بعد معتبر من القصة.
وهذا بالضبط و الربط هي الحال مع نمو شخصيه كورتز.
فالقاص فالقصة – اي كونراد نفسة – يحططنا علما عما قال له المنفصل ما رلو عما قال له المهرج الروسي و بعض الناس عن كورتز.
لذا كانت الامال المبالغه التي يحملها ما رلو عن كورتز مبنيه فالاساس على اشاعات المحطة،
و لذا بقى كورتز بالنسبة لمارلو،
ولنا كلنا اجمعين اكتعين،
مجرد “اشاعة”،
او “كلمة”،
او بصورة اكثر قوه فنهاية الامر “صوتا”.
انة لم يكن شخصيه حقيقية.
وان كرتز – بالنسبة لمارلو – لهو المقال الرئيس لهذه الرحله النهرية،
لانة يعتقد ان كورتز هو الرجل الذي ممكن ان يشرح له درس الظلام.


و فهذه الخلال التي بها شرع ما رلو يتحدث الى كورتز،
كان كورتز نفسة ربما بات سقيما فاشد ما يصبح السقم،
وامسي مضطربا الاضطراب كله بحيث اصبح لا يستطيع ايضاح اي شيء،
ولا يقدر على ان يبين من امرة شيئا،
برغم من ان ما رلو كان ربما ادرك خلال رحلتة اعلي النهر انه بات من الامر الميؤوس ان يتحدث و يستمع الى كورتز على ايه حال.
وذلك لان حتميه ذلك الامر تقع عميقا تحت السطح،
وبعيده عن متناول فهمة و استيعابه،
وخارجه عن دائره قوتة الفضولية.
ومن هنا يدرك ما رلو انه لا يستطيع فهم اسرار الظلام و فك طلاسمه،
وان ثمن فهمه،
او التشبث فحل الغازه،
لهو من جنون الروح الذي يسيطر على كورتز.
ومن هنا كذلك يقرر ما رلو على انه من الاروع ان لا يغوص فاعماق الواقع السطحى ان اراد ان يبقي حيا،
ويبقى جسمة سليما من الاذى.


كذا لم يكد ما رلو ان يتجرا فالغوص تحت السطح ابدا،
وانة ربما حرمت عنه المعرفه الذاتيه عن كورتز،
الذى افلت من المازق و الموت،
وافلح فان يجرجر الى الوراء قدمة المترددة.
اما كورتز فان معرفتة الذاتيه و صرخه النصر “الرعب!
الرعب!” هما نصر متناقض: انه لتاكيد النصر الاخلاقى الذي يتحقق بعد عده هزائم،
وبواسطه انماط ارهابيه قميئة،
واكتفاءات سيئة.
ولكن فهذا النصر يتجسد فشل الانسانية،
لانة ليست هنالك فصاحه ممكن ان تذبل فاعتقاد احد من البشر فو اقع الامر،
وهذا هو الواقع اليومي للناس فبروكسل،
علي سبيل المثال – و الذي يبدو كانة ازدهاءات مفرطه من الحماقه لا تطاق او تحتمل فو جة الخطر الذي لا يستطيع الشخص ادراكه،
والذى هو – فحقيقة الامر – غير و اقعي.
وبالنسبة للبشر فان الظلام لهو الفوضي الجوانيه المكبوته فالاعماق،
والتى يستحيل – كما يختتم ما رلو – تفسيره،
ومن الاروع ان لا نتخيله.


غير ان الكتابة الروائيه لم تكن هم كونراد و شاغلة الوحيد،
فهو اضافه اليها كان كونراد اديبا مبدعا فكتابة القصة القصيرة،
وكاتبا بارعا ففن تاليف الحكايه القصيرة كذلك اكثر من ان يصبح روائيا.
فانة – فوق جميع شيء – لم يستطع ان يتعاطي مع توتر الروايه باكملها،
وذلك باستثناء روايه “نوسترومو” (1904م).
اما روايه “قلب الظلام” (1899م) – مهما يكن من شان – فبرغم من انها روايه صغار فحجمها،
حيث يبلغ تعداد كلماتها 38000 كلمة،
لا يبدو بها تخفيف التوتر.
فالمؤامره مرتبطه مع بعضها بعضا بدهشه ايه دهشة،
والحركة مزاج مشدود بين التاجيل من ناحية،
والتردد من ناحيه اخرى،
وتجنبت الروايه ما ممكن ان نسمية اخفاق كونراد العظيم،
اى عدم مقدرتة فاختلاق شخصيات حريمية مقنعة،
وذلك بالاحتفاظ بالمراتين الوحيدتين فالقصة فالصفوف الخلفية.


و فروايه “قلب الظلام” استعمل كونراد و صديقة الحميم ما دوكس فورد،
الذى تعاون معه فاعمال ثانية فالحين الذي به كتبت روايه “قلب الظلام”،
“نظريه الخيال” (Theory of fiction).
اذ يصف فورد،
صاحب كتاب “جوزيف كونراد: ذكري شخصية”،
هذه النظريه بانها فحال كتابة الروايه فقد اتفقا على ان ايه كلمه تكتب على الورقه – ايه كلمه تكتب على الورقه – ينبغى ان تحمل القصة الى الامام،
وكلما تقدمت القصة،
يجب ان تحمل القصة الى الامام بسرعه اكثر فاكثر،
وبكثافه اكثر فاكثر.
وتسمي هذي النظريه بالفرنسية (Progression d΄effet)،
حيث لا توجد لهاتين المفردتين ما يضاهيهما فاللغه الانكليزية.
وهذا طبعا صحيح فحال “قلب الظلام”،
والتى – برغم من تقلبات الزمان – تسير الروايه الى الامام باثر تراكمي،
ولحظه تتسارع كلما اقتربنا نحو القلب.
فقد شرع كونراد فتعلم الانكليزيه حين بلغ من العمر عشرين عاما.
وبرغم من اجادتة البارعه لها كان – و الحديث هنا لفورد – يزدريها كلغه لكتابة النثر،
معترفا بانه من المستحيل كتابة تعبير مباشر بالانكليزية،
وذلك لان جميع المفردات الانكليزيه عبارة عن الات للعواطف الباهته المثيرة.
فالمفرده الفرنسية تحمل معني واحدا،
اما الانكليزيه فتحمل اكثر من معنى.
لذا قال كونراد: “انة كان يفضل ان يصبح كاتبا روائيا فرنسيا،” و لكن جاءت الفرصه متاخره جدا جدا بحيث لم يكد يستطيع ان يغير حاله.
وفى الحكايه يسرد ما رلو القصة بالتسلسل المباشر غير المباشر،
والذى به يبدو ما رلو كانة يسرد الاحداث بتسلسل تاريخي،
لكنة – فحقيقة الامر – لا يفعل ذلك.
فالقصة لا تسير حسب تسلسل الاحداث،
بل حسب تسلسل افكار ما رلو.(3)


فروايه “قلب” الظلام”،
التى كتبت فالعام الاخير للقرن التاسع عشر من الميلاد،
تعتبر اول روايه فالقرن العشرين،
وذلك بمناخها المشبع بالشك و عدم الوضوح،
وضياع الثقه الاخلاقية،
وحوجتها فالاعتقاد و سط البريه الاخلاقية،
واكتشافها الى الدووعي،
وتوكيدها للحريه الفردية.
ولعل الجشع الاستعمارى و الاضطهاد الامبريالى فالقصة،
والفجوه الفسيحه بين رغبات الانسان الخيرة،
والمثل العليا من جانب،
وما يقوم فيه فعلا من جانب احدث يشى بمقاربه مرعبة،
وهذا ما اسماة ما رلو “احتلال الارض”،
والذى ما يزال مستمرا الى يومنا هذا،
وانة ليس بالشيء الحميد ابدا حين نمعن او نديم النظر فيه.
واحتلال الارض هنا يعني دوما اخذها عنوه و اقتدارا من الذين يحملون ملامح مختلفة،
او انوف مسطحه الى حد ما ،
او سحنات لا تشبة تلك التي عند الغاصبين.
فما الذي ممكن ان ينقذ ذلك الاستغلال؟
انة لهو الفكرة،
الفكرة فخلفيتها النبيلة،
وليس الادعاء الاستعطافي،
ولكن الفكرة الخيرة،
والاعتقاد غير الانانى فالفكرة،
ثم انه لهو الشيء الذي يمكنك ان تؤسسه،
وتسجد امامه،
وتقدم له قربانا.
فالامبراطوريتان البلجيكيه و البريطانيه ربما اندثرتا،
ولكن اخريات ربما حلت محلهما.
فقد حل محل العاج الابيض،
الذى كان يستخرج من اشجار بعينها فالكونغو،
النفط الاسود كمادة رئيسه للنهب،
وهنالك اخريات بالطبع.
فالتقدم – او بالاحري لنقل مزاعم التقدم – هواحد منها.
هذه الفكرة المقدسه التي تفضى الى القول بان جميع ما نفعلة عرضه للتحسين،
وان للبشر حركة الى الامام مستمرة،
ولا يزال الانسان يسيطر على المجتمع،
وبما انه بدا يفقد هذي السيطره قليلا قليلا،
وذلك حين اخذ الوعى ينتابنا عن كوارث ما نسمية التقدم و امسينا اكثر تواضعا فو جهها،
لم نغلق الابواب على مصاريعها بعد فو جة ما اسماة ما رلو بمراره “مزبله التقدم”.
فهنالك كثر من اناس خيرين – ككورتز – يودون تطبيق الفكرة،
ولكن ان الفجوه بين افكارهم من ناحية،
وما يفعلونة من ناحيه ثانية لمتسعة.
وان الظلام،
كما راة ما رلو فنهاية المطاف،
لمحيط بنا تماما،
وايضا انه لفى دواخلنا.
ثم ان المشكل لهو من ذا الذي يحمل معايير و سائل ضبط النفس الضرورية لحله.
لقد بدا ما رلو بداية اخلاقية،
وبمقاصد نبيلة،
ولكنة فنهاية الامر لم يستطع ان يحافظ على مثالياته،
وذلك حينما امتلك سلطة مطلقة.(4) الم نقل لكم ان السلطة لتفسد،
وان السلطة المطلقه لتفسد فسادا مطلقا (Power corrupts,
and absolute power corrupts absolutely)!
ومارلو هنا انسان يحمل تناقضات البشر،
عيوبهم و احزانهم،
خوفهم و بطشهم،
نهمهم و تحفظهم،
بل – و اكثر من ذلك – يحمل الى حد الافراط جميع تلك القدره على ان يصبح و حشا و حنونا فالوقت نفسه.


و من هنا نستطيع ان نقول ان جوزيف كونراد (1857-1924م) المذكور هنا،
ليس بالبطل الثورى الاسطوري،
بل اديبا روائيا.
وهو ذلكم الطفل البولندى الذي تربي على الطبيعه البولنديه الباردة،
وصعقة المجتمع الغربى منذ بداية حياتة الشبابية،
وعاش جميع نجاحاته،
انطلاقا من خيبتة و اخفاقة المؤكدين فمقتبل عمره،
حتي كادا ان يؤديان الى هلاكه.
ولكن من جحيم ذلك الفشل فبادئ الامر انطلق منتصرا ليمسى امثوله روائيه بين ليلة و ضحاها.
ولم يكن هذا كله بالصدفه بالطبع،
فلا ريب فان البارعين العظام لا بد ان يكونوا ربما مروا بتجارب مريره محبطه كادت ان تدمرهم نهائيا.
ومن الذين دفعهم الياس الى سوداويه حياتيه قادتهم الى محاولات الانتحار هو هذا الموسيقى الالمانى الذائع الصيت روبرت شومان (1810-1856م) و الاديب الفرنسي الالمعى فرانسوا رينية اوغست دى شاتوبريان (1768-1848م).
والمهم هنا ان كونراد قدم لنا اعمالا روائيه باشكال اخاذه يبلغ تعدادها 20 رواية.
اذ صار جزء منها اوبرا،
وعكفت شركات السينما ال كبار على تلفزه و افلمه بعضا منها،
حيث حققها مخرجون كثيرون (معظمهم من اصحاب الاسماء ال كبار فالسينما الامريكية).
فبالاضافه الى الاعمال التي ذكرناها سلفا – و التي سنذكرها لاحقا،
والتى سوف لا نذكرها هنا – كتب كونراد “حقير الجزر” (1896م)،
و”العميل السري” (1907م) و روايات اخريات.
فلا شك فان المقالات الرئيسه فاعمال كونراد – الذي اهتم،
اكثر ما اهتم اي روائى اخر،
بالكتابة عن المغامرات – تتركز حول الرحلات و النزاع،
وبخاصة ف“نوسترومو”،
و”اللورد جيم”،
و”قلب الظلام”،
و”زنجى نارسيسوس”.
واكثر اعمالة المقروءه ربما كتبت فالفتره الوسطى،
والتى تمتد بالتقريب فالفتره ما بين (1899-1911م).
ففى هذي الفتره كتب كونراد “الشباب”،
و”قلب الظلام”،
و”اللورد جيم”،
و”الفرصة”،
والتى بها يمثل تشارلى ما رلو الشخصيه المحورية.
وفى كثر من اعمالة حاول كونراد ان يتحري العلاقه بين الولاء للقيم الاجتماعيه من ناحية،
وبين الولاء للفرد من ناحيه اخرى،
لكنة لم يكد يستطيع ان يصل الى نتيجة مؤكدة.
ففى ببعض اعمالة – ك“اللورد جيم”،
و”نوسترومو”،
و”تحت العيون الغربية” (1911م) و قف الى جانب الولاء الى الفرد.
والفردية،
كما انضجها الفكر الانسانى الحديث،
والتجارب العملية فكنف الدوله الديمقراطيه الحديثة،
نقيض الانانيه و الانغلاق على الذات؛
فالفرد الانسانى الذي تنسب الفرديه له،
تواصلي و تبادلي،
او حامل لامكانيه التواصل و التبادل فمختلف مجالات الحياة،
ويمتاز بالمعرفه و العمل و الحب،
وهي حدود و جودة الانساني.


اما فروايه “نهاية الامل” (1902م)،
التى اعتبرها بعض النقاد اقل اعمالة بريقا،
فقد حاول كونراد ان يغوص فالازمات الاخلاقيه و النفسية،
ويتحري عده قضايا هامه بطرق فريدة،
ويوضح ان البشر ليس لهم سلطة على مصائرهم،
وهم فنهاية الامر تحت رحمه تقلبات القضاء و القدر فحيواتهم الدنيا.
اما روايتة “زنجى نارسيسوس” – و الزنجى هنا بمعناة العنصرى الاحتقارى – فهي من اروع اعمال كونراد ففتره حياتة الاولى.
فلولا عنوانها الطارد،
ربما كانت ربما قراها كثر من الناس و باستمرار اكثر مما يقدم عليها القراء الان.
وربما كان ذلك العنوان المقيت كذلك هو الذي دفع الناشر فالطبعه الامريكية الاولي ان يعيد نشرها باسم “اطفال البحر”.
وفى وقت ما كانت هذي الروايه هي اكثر مؤلفات كونراد قراءة،
وذلك نسبة لانها موجزه من ناحية،
ولان فيها عينات من المغامرات البحريه من ناحيه اخرى،
ولان فيها ميزات ادبيه من ناحيه ثالثة،
حيث كانت تسترعى انتباة كثر من الناس.
ففى هذي الروايه يعالج كونراد قضايا هامة،
وبخاصة مفاهيم العزله الانسانيه و التضامن الانساني،
فضلا عن مسائل العرق.
فبما ان الرابطه الجماعيه هامه و سط الناس فسبيل البقاء،
فقد استعان فيها قباطنه السفينه “نارسيسوس” من اجل البقاء،
الا ان الربان جيميس و يت المتحدر من اصول افريقيه ربما ادخل الربابنه الاخرين فازمه اجتماعيه انسانيه اخلاقية.
فمن جانب كان ينبغى على طاقم السفينه تضمين جيميس فمجتمع السفينة،
ومن جانب احدث بقى جيميس خارج اطار ذلك المجتمع الكبير نسبة لارثة الافريقي.
اذ كان عليهم حمايتة كاى فرد احدث من افراد الطاقم حتي لو ادي الامر الى عرض حيواتهم كلهم اجمعين ابتعين للخطر و الهلاك،
لكنهم – فالان نفسة – كانوا يبدون نوعا من الاشمئزاز منه،
لانة كان يمثل الموت بالنسبة لهم،
هذا من جانب.
ومن جانب اخر،
بسبب التفرقه العنصريه ضده.
والمهم هنا ان كونراد يدلنا الى مقدره لا شك بها على الغوص فدقيقة اهتزازات النفس و ارتجاجاتها،
وتذبذب الفكر بين شتي الاحتمالات و البدائل،
مع ارتباط متواصل على طول الروايات بالاوضاع السياسية و الاجتماعيه معا.
وتمثل هذي الاعمال فاقوى اعتباراتها فتنه التناسل و اللعب على الكلام،
النبش فالمناطق الخبيئه للعواطف الانسانيه و الاهواء الذاتية،
والتلذذ بالتناقضات الاجتماعيه و الموروثات الثقافية.


اما روايه “قلب الظلام”،
فلعمري لم نر تاليفا استكثر به الكاتب و تزيد فالعنصريه على ذلك النحو و بهذا الشكل او النمط.
فلا تكاد العنصريه السمجه تسيل فلعابه،
وتجرى فدمه،
وتخرج منه زفيرا،
وتتصبب منه عرقا حتي ظننا ان قلبة لسوف ينفطر كراهيه للانسان الافريقى الاسود.
الم تر كيف اشار الى الشجار الذي نشب بين مواطنين فالسوق الشعبى فالكونغو،
حيث ادي ذلك النزاع الى مقتل احدهما،
وكان النزاع المستميت ذلك – حسب روايه الكاتب – حول “دجاجة سوداء”!
فان فالاشاره الى الدجاجة،
وهي حيوان انثى،
لفيها احتقار الى جميع شيء انثي.
اما الازدراء و الاحتقار الحقيقين فيكمنان فسواد لون الدجاجة،
وكان جميع شيء اسود – انسان افريقى كان ام اي حيوان او “الظلام” – ليس بذى قيمة،
ولا يستحق ذلك الاقتتال و الموت فسبيله،
حتي لو كان حقا مسلوبا،
او عرضا منتهكا،
او معتقدا مدنسا.
ولعل استحضار ذلك النوع الفاقع من العنصريه فالعمل الادبى هو الذي قادنا الى نعتة ب”توحش عنصرية” الرجل الابيض فرواية.
وقد شاع ذلك النمط من العنصريه القميئه فعقابيل حذر و تجريم تجاره الرق عند الغرب فالقرن التاسع عشر من الميلاد،
واستعاض العنصريون البيض الجدد عن العنصريه الماديه بثانية ادبيه تمارس فالروايات و القصص و الصحافه و دور السينما،
وباسلوب سمج و قح لا يفوت على اولى الالباب.
وقد و جد اولئك و هؤلاء ديدنهم فالاسترخاص الاثنى فقوانين حريه التعبير و النشر.


و ان الطابع الشائع لدى روائيى العهد الاستعمارى لهو التمحور حول العرق و التباهى بالعنصريه الفضحاء.
ولعل الروائى رايدر هقارد كان واحدا من الذين ابدي سلوكا عنصريا متوحشا ضد الانسان غير الابيض،
وقد استبصرنا ذلك الاطار العرقى الذي ظل اولئك و هؤلاء يتحركون به حديثا.
الم ترك كيف كتب هقارد فروايتة “قصة الاسود الثلاثة” العام 1893م حين قال: “ان الثور لهو الحيوان الاكثر تحملا فالعالم،
باستثناء الزنجي!” تري كيف ضاهي الانسان الاسود بالحيوان؟
وكيف اعتبر انه من الامر الطبعى ان يقوم بالاعمال الشاقة،
وانة اكثر تحملا فارتياد المشاق و القيام بالشاق من الاعباء.
علينا هنا ان نتوقف مستهجنين و متنبهين الى البعد الاجتماعى و الاطار السياسى اللذان تمكنا هقارد من تمرير ذلك العمل و اذاعتة فالناس: رواسب العنصريه العالقه بالادب و النشر بعد حظر الرق قانونيا كما ابنا انفا.
ومع ذلك،
استمتعنا بمطالعه بعضا من تاليفاتة فايام الصبا و عند مقتبل الشباب – فعلي سبيل المثال: “مناجم الملك سليمان”،
و”الن كواترمين”،
و”هي”،
سواء اكان هذا كمقرر اكاديمى او فالاطلاع الذاتي.
علي ايه حال،
فازاء ذلك الفهم للرابط العضوى بين العنصريه و الامبرياليه اعتقد بعض من الناس ان العنصريه اسباب ازدهار الاستعمار،
ولئن ذهب البعض الاخر اعتقادا بان العنصريه اثر من اثار الاستعمار،
ووسيله من و سائل ابتكار السلطة و الاحتفاظ بها،
وغايه طبيعية للامبراطوريه البريطانية،
وكانت عاملا رائسا لاستقرارها النسبي.
والشيء نفسة ينطبق على الاستعمار الفرنسي و البلجيكى و الالمانى فعمر الاخير القصير فافريقيا و حكايات الرعب و الفزع و الموت و الدمار التي خلفها.


فقد حاولنا جاهدين – غير مجاهدين – الغوص فسيكلوجيه العنصريين القدامي و الجدد معا لنبحث عن سر جميع هذي الكراهيه للاخر المختلف،
فوجدنا ان العنصريين يكرهون انفسهم قبل الاخر،
وتبدو هذي الكراهيه بشكلها المقيت المستميت حين تقع اعينهم على الذين يشاركونهم الشبة و الملامح على الاقل – او فالحامض النووى فاغلب الاحايين – لا فالتفكير و التامل فالاشياء.
فبدلا من التخلص من انفسهم عن طريق الانتحار،
او ايه و سيله ثانية من و سائل هلك النفس الاماره بالسوء،
يتجابنون و يقدمون على اباده الاخر،
والتلذذ بهذه الابادة،
ويسدرون فالبغى و العدوان،
ويرتكبون الجرائم العظام ضد الانسانية،
ثم لتجدنهم يعجنون شيئا من حقدهم على الاغيار.
فلنري – على سبيل المثال – قاده النازيه و بغضهم للاخر،
وبخاصة اليهود و السود و المعاقين و اخوه يهواة و غيرهم.
اذ قسم النازيون فالمانيا الانسانيه الى مجموعتين: الاريون (عرق اهل الشمال)،
والذين اعتبروهم سيد الاعراق البشرية،
والاخر الذي اعتبروة من جنس العبيد،
وكانت نظريه العرق هي اساس ذلك التصنيف،
وزعموا ان الالمان هم الاريين،
وخلقوا لكي يحكموا العالم،
ويتسيدوا على الاخرين.
ويتميز العنصر الارى المثالى بطول القامة،
واشقرار الشعر،
والوسامه فالطلعة.
ولعل اغرب ما فهذه المساله ان قله قليلة من قاده النازيين انفسهم حملوا هذي الصفات المثاليه حسب اعتقادهم و ظنهم.
فالدكتور جون قوبيلز،
وزير الدعايه النازية،
قزما كان،
ثم كان لونة داكنا و اعرجا.
وكان هيرمان قورينغ اشقر الشعر،
ومع هذا كان بدينا شحيما و ربما امتلا لحما و شحما،
اما رودلف هيس – الرجل الثاني فالقياده بعد ادولف هتلر – فقد كان لونة داكنا،
وكان ملقبا ب”المصري”،
وكانت ملامح جوليوس سترايتشر – مبيد اليهود – يهودية،
ثم كان شعر ادولف هتلر اسودا.(5) و برغم من هذا كله،
لم تكن تقلق هذي التناقضات القاده النازيين ابدا.


على ايه حال،
بقى لنا ان نقول من نافله القول ان جوزيف كونراد فرواياتة ظل يغوص فحكايات المجتمع،
بواقعيتها و غرائبيتها،
وتعمق فو صف المشاعر البشرية،
والجشع البشرى الذي يسبر اغوار كيفية عمل الدوافع الانسانية: هي – باختصار شديد – رحله فالنفس البشريه ضمن اطار بيئه هذي النفس.
فلم يبتعد كونراد فجوهر مواضيعة عن الانسان و همومه،
ولكن – بالطبع – بطريقتة “الكونرادية” و اسلوبة “الكونرادي”.
هكذا نجد ان كونراد كان ربما خاطب مجموعة من القضايا التي كان يعانى منها العالم المرجعى الذي تحيل الية رواياته،
وتمتح منه حكاياتها؛
الا و هو المجتمع الانساني.
اذا،
فان روايه “قلب الظلام” بشخصياتها واحداثها،
التى تبدو احيانا متشابكة،
وفى احايين ثانية متداخلة،
لهى رحله فثنايا الحياة،
وكذلك ففكر كونراد ذاته.
هذه هي السمات التي اصطبغت رواياته،
والتى صنعت له شهره عالمية ظل ينعم فيها حتي رحيلة عن الدنيا العام 1924م.

المصادر و الاحالات

(1) Peters,
J G,
The Cambridge Introduction to Joseph Conrad; Cambridge University Press: Cambridge,
2006.


(2) انظر الدكتور عمر مصطفى شركيان،
النوبه فالسودان..
نضال شعب فسبيل العداله و المشاركه فالسلطة،
دار الحكمة،
لندن،
2006م.
ايضا انظر


March,
Z and Kingsnorth,
G W,
An Introduction to the History of East Africa; Cambridge University Press: Cambridge,
1965; Moorehead,
A,
The White Nile; Penguin Books Ltd: Harmondsworth,
1960; and Hazell,
A,
The Last Slave Market: Dr John Kirk and the Struggle to End the African Slave Trade; Constable and Robinson Ltd: London,
2011.


(3) فروايتة “انا احيا” (1957م) سلكت ليلى البعلبكى شكل البناء الروائى المجسد للعلائق و الخطابات و القيم للتعبير عن الفرديه و فروقها.
اما فروايه الكاتبه السورية سلوي النعيمى “شبة الجزيره العربية” (2012م) فيمكن تصنيف نصها ضمن التخييل الذاتى المتحرر من الحبكه و المعتمد على بنيه مفتوحة،
والذى يسمح بالانطلاق من الذات و تجاربها،
سواء اكانت معيشه ام متخيلة،
وهو ما يتيح للكاتبه ان تبتدع حكاياتها من دون تقيد بواقع او معيش.
غير ان الروائى العراقي محمود سعيد ربما اعتمد فروايتة “نطه الضفدع” (2012م) كيفية السرد التتابعى ذى الملامح الزمنيه “الكرونولوجية”.
وفى روايه “مزرعه الجنرالات” (2012م) للروائى المصري عبدالنبى فرج لم نكن امام روايه تتبع فبنيتها الزمن الخطى المتتابع،
او تتكئ على حدث مركزى تتفرع عنه خطوط اخرى،
ولكننا امام جمله من المقاطع السرديه التي تحاول ان تصنع تاريخا موازيا للقهر،
والسلطة عبر تعريتها و كشفها.
وفى روايتة “وشم و حيد” (2012م) للروائى المصري سعد القرش تنهض بنيه السرد على توظيف المرويات التراثية،
وتضفيرها فالمسار السردى للرواية،
وتعتمد البنيه السرديه كذلك على اليه التوالد الحكائي،
حيث تتناسل الحكايات بعضها من بعض،
وتتفرع موصوله جميعها بافق تخييلي

  • تلخيص رواية قلب الضلام
  • ملخص رواية قلب الظلام
  • ملخص رواية قلب الظلام لجوزيف كونراد
  • تلخص رواية قلب الظلام لجوزيف
  • رواية قلب الظلام العنصريه
  • تلخيص قصة قلب الضلام
  • ملخص رواية قلب الظلاب
  • ملخص كتاب قلب الظلام
  • مقال قصير عن قلب الظلام
  • تحليل شخصيات رواية قلب الظلام


ملخص رواية قلب الظلام لجوزيف كونراد