اشعر بكره الله لي
وبركاته
اعاني من اضطراب نفسي حتى اثر في حياتي، واحس ان كل من حولي يكرهني، فانا انطوائي ولا اجيد التعامل مع الغير واهاب ان اعبر عما في نفسي، فارشدوني.
وشكرا.
الاخ الفاضل/ ا.م.ف حفظه الله.
وبركاته، وبعد:
فان هذا الشعور الذي لديك هو السبب فيما تعانيه من هذا الاضطراب، فانت تشعر انك مكروه مبغوض من الناس وان الناس يملونك ويملون حديثك ولا يرغبون في الجلوس معك، ولذلك تجد من نفسك كراهية في ان تخالطهم فتميل الى الانطواء والى التوحد والى البعد عن مخالطة الناس، وايضا فانت لا تقدر على التعامل الحسن مع الناس وانك ان عاملتهم فلربما اخطات ولربما فهم كلامك على غير وجهه، ولربما قمت ببعض التصرفات التي لا تحمد، فزادك ذلك ضعفا في هذا الامر، فاذن انت لديك ضعف في ثقتك في نفسك، وهذا الذي تجده في نفسك ايضا من عدم التعبير عن مكنونات صدرك وعدم الافصاح عن مشاعرك هو راجع الى هذا المعنى، فهذا الذي لديك هو نوع من الرهبة الاجتماعية التي تجعلك بعيدا عن الاختلاط بالناس، وسببها هو قلقك من ان تكون مخطئا او ان تقع في الاخطاء والتصرفات التي لا تحمد فتؤخذ عليك وتحسب على تصرفاتك، مضافا الى ذلك ما تجده في نفسك من الشعور بانك غير محبوب وغير مرغوب فزاد هذا الامر توكيدا في نفسك.
فان قلت: فما العلاج اذن وكيف اخرج من هذه الحالة الى حالة سليمة اجد فيها التعامل الطبيعي مع الناس واجد منهم الشعور العادي واجد القدرة على التعبير عما في نفسي وعن مكنونات صدري؟ فالجواب: الامر ممكن بحمد الله عز وجل والحل قائم، فما عليك الا بان تشمر عن ساعديك للعمل بهذه الخطوات وستجد باذن الله عز وجل انك قد خرجت مما تعانيه ولكن عليك اولا بالخطوة الاولى فاولها عنايتك:
1- الاستعانة الكاملة بالله جل وعلا، فلابد ان تحقق التوكل على الله وان تؤكد في نفسك قوة الاعتماد على ربك، فانت الان بحاجة الى لجوء عظيم الى الله جل وعلا، بحاجة الى ان ترفع يديك متضرعا متذللا مستكينا لربك تساله القوة والثبات والصلاح والمعافاة في الدين والدنيا؛ فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (<h=7022512>اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة امري، واصلح لي دنياي التي فيها معاشي، واصلح لي اخرتي التي اليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر)، ((<a=6002565>اني مسني الضر وانت ارحم الراحمين))[الانبياء:83]، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الجامع الكامل: (<h=7022073>رب اعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى الي، وانصرني على من بغى علي)، وليكن من دعائك: (<h=7022265>يا حي يا قيوم برحمتك استغيث اصلح لي شاني كله ولا تكلني الى نفسي طرفة عين). (<h=7022352>لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين)، فليكن هذا دابك وليكن هذا امرك وشانك مع الله تبارك وتعالى؛ لجوء واستعانة وتضرع واضطرار لرحمته لتجد المعونة ولتجد قول الله تعالى امامك: ((<a=6003220>امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء))[النمل:62].
2- عليك ان تدعم قوة الثقة في نفسك وان تجعل من تصرفاتك في نظرك تصرفات مقبولة، تصرفات عادية، فانت بحمد الله قادر على ذلك، ولكن اولا لابد ان تدعم هذه الثقة في نفسك بان تستمد ثقتك في نفسك من ثقتك بالله، فكيف يكون ذلك؟ يكون بالعمل الصالح، فان العمل الصالح يورث في النفس ثباتا ويورث في القلب رباطة جاش ويجعل الانسان ساكنا سديد النظر، فان تكلم تكلم ببصيرة وان نظر نظر عن بصيرة، وهذا هو الذي يورثه العمل الصالح، قال الله تعالى: ((<a=6001997>من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون))[النحل:97]، اذن فلابد من تقوى الله، فان اتقيت الله حصلت المخرج؛ قال تعالى: ((<a=6005218>ومن يتق الله يجعل له مخرجا * <a=6005219>ويرزقه من حيث لا يحتسب))[الطلاق:2-3]، وقال تعالى: ((<a=6005220>ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا))[الطلاق:4]، فعليك بالمحافظة على صلواتك المفروضة، عليك بان تبدا نظاما يعينك على العلاقات الاجتماعية السوية العادية الطبيعية.
3- لابد من مواجهة هذه الرهبة بما يضادها، فلتبدا بالحفاظ على صلاتك في الجماعة في الصف الاول، فان هذا سيعينك على ان تكون حاضرا بين الناس متلاصقا معهم متعاملا معهم تخالطهم وتسلم عليهم وتسال عن حالهم، مضافا الى ذلك ان استطعت المشاركة في بعض الانشطة النافعة المفيدة كالمشاركة في حلقة لتجويد للقران، لاسيما وانت ستؤدي القراءة امام افراد الحلقة وترفع صوتك تاليا كتاب الله، فسيعينك ايضا على التخلص من هذه الرهبة.
4- ايضا لابد من الصحبة الصالحة ولابد من ان تحرص على انتقاء صحبة تعينك على طاعة الله، صحبة تجد فيها الانس وتجد فيها المتعة في الرفقة، صحبة تعينك على طاعة الله، صحبة تدلك على مكارم الاخلاق، صحبة تعدل حتى من شعورك، فان الصحبة لها تاثير بالغ حتى قال صلى الله عليه وسلم: (<h=7022028>المرء على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل) اخرجه ابو داود في السنن، مضافا الى ذلك العلاقات الاجتماعية الاسرية الصالحة بحيث تخالط ارحامك وتسال عنهم ويكون لك زيارات لهم واذا جلست تكلمت دون ان يكون هناك تحرج من الكلام وكان لك ايضا اصغاء ومشاركة.
5- ان تحذر من ان يكون همك اثناء الجلوس ان تنظر الى تصرفاتك او الى هيئة جلوسك او الى كيفية نطقك بالكلمات، ولكن ليكن همك ان تفهم الاخرين ما تريد قوله وان تفهم عنهم ما يريدون ان يقولوه، فبهذا ينحصر ذهنك في هذين الامرين، ويكون كلامك باذن الله كلاما سديدا بعيدا عن الارتباك وبعيدا عن حصول الرجفة في الصوت او التشتت في الذهن، فاحرص على هذا وتدبره فانه يزيل عنك اشكالا عظيما باذن الله عز وجل.
6- عليك بان تنظر الى قدراتك التي وهبك الله تعالى، فانت بحمد الله صاحب نعم كثيرة وصاحب فضل من الله تعالى، حتى ان عملك ووظيفتك وتخصصك امر يطلبه كثير من الناس ويتمناه، اذن فلست بالمخفق في حياتك، بل ان بامكانك ان تحقق كثيرا من الخير وكثيرا من المجالات التي يتمناها الناس، فلا تنظر الى قدراتك على انها قدرات مهزولة او انها قدرات معدومة او ضعيفة، ولكن لتنظر الى نعم الله جل وعلا، ولتنظر الى هذه القدرات على انها منحة من الله جل وعلا وعليك ان تنميها وعليك ان تشكرها وايضا الا تزدريها، فكن بين امرين: الا تستهين بقدراتك حتى تصل الى مرحلة الضعف والا تعلو بها حتى تصل الى مرحلة الغرور، ولكن انزل هذه القدرات منزلة النعم التي وهبك الله تعالى اياك والتي لابد ان تشكرها وان تعمل على تثميرها وعلى الرقي بها في احسن المجالات وافضلها، وليكن من دابك ان تقرر القرار بعد جودة النظر، فاذا اقدمت على امر مهم فلا تقدم عليه الا وانت قد نظرت فيه وقد امعنت فيه ثم بعد ذلك يكون لك العزيمة الماضية على تنفيذه، واما الامور السهلة الميسورة فيكفي فيها القليل من النظر والحساب اليسير دون ان يكون هناك تشديد على النفس ودون ان يكون هناك مراقبة زائدة توصلك الى الاضطراب والشك والتردد.
7- الانتباه الى الخطرات والى الافكار التي ترد عليك، فلابد ان تواجه الافكار السلبية وان تستبدلها بالافكار الايجابية، ويمكنك ان تحقق قطع هذه الافكار بالاستعاذة بالله اولا ثم بعد ذلك بالانتباه الى ضرر هذه الافكار وسلبيتها على نفسك، ثم بمواجهتها ومضادتها وعدم الاستسلام لها.
فعليك ان تبذل وسعك وستجد باذن الله انك قادر على التعديل من وضعك والتحسين من حالك وفي اوجز وقت وايسره باذن الله، فعليك بالعمل كما قد عرفت من امور الخير فان الله جل وعلا مدح قوما فقال فيهم: ((<a=6004075>الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هداهم الله واولئك هم اولوا الالباب))[الزمر:18].
[/highlight]