تعالى وبركاته.
مشكلتي هي كالتالي:
ام لا تريد من ابنتها ان تتزوج، اما اذا فكرت الام في تزويجها فليس لي بل لشخص ثري، لكن البنت ترفض ما تقرره امها وتصر على الزواج بي، وانا ايضا مقتنع بها كزوجة لي، ولم اعد اتحمل الانتظار مخافة الوقوع فيما يغضب الله لما نراه من مفاتن وما شابه ذلك، فبماذا تنصحونني?
الاجابة
الاخ الفاضل/ الهشام حفظه الله.
وبركاته وبعد،،،
فانك قد ذكرت عن هذه الام التي ترفض زواج ابنتها بك انها لا تريد تزويج ابنتها، وانها لو فكرت في تزويج ابنتها فانها تريد رجلا ثريا صاحب مال، فالواضح من هذا الكلام ان هذه الام تقف مانعا من زواج ابنتها بدون سبب معتبر، وبدون اي حجة سائغة، سوى انها تطلب الزوج الغني صاحب المال، وقبل التعليق على هذا الامر، فلابد ان نقرر امرين:
الاول: ان المعتبر في قبول الخاطب او رده هو الدين والخلق، كما قال صلى الله عليه وسلم: (اذا اتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه الا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد كبير) اضف الى ذلك ما ينبغي ان يراعى من قدرة الخاطب على انشاء بيت الزوجية والانفاق بالمعروف على زوجته، فاذا تحصلت هذه الامور لم يكن هنالك اي مانع من الموافقة على الخاطب وتزويجه بمن طلب.
الثاني: ان الفتاة اذا جاءها الرجل المناسب الذي تحققت الشروط الشرعية المطلوبة فيه، ورغبت فيه زوجا ورضيته لذلك، فلا يجوز لاي انسان ان يرفض تزوجيها به، بل يحرم ذلك ويمنع، وتعتبر الفتاة مظلومة شرعا سواء كان المانع لها هما الوالدان او غيرهما.
اذا ثبت هذا فان هذه الام اذا كانت قد منعت ابنتها من الزواج بك، مع رغبة الفتاة فيك وبدون اي مانع شرعي معتبر، فلا ريب انها تكون ظالمة لابنتها في هذا المنع، بل هي ظالمة لك ايضا بهذا الاعتبار، فان الله تعالى لا يبيح الظلم مطلقا، بل قد امر جل وعلا بالعدل والانصاف حتى مع الاعداء، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (اتقوا الظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة).
والمقصود انه يمكنك التوصل الى زواجك بهذه الفتاة بان تحاول اقناع بعض اهلها، كاخوتها او ابيها ان امكن ذلك، بحيث يقفون معك في هذا الامر، ويبذلون جهدهم في رد اعتراض هذه الام، خاصة وان الفتاة مصرة على الزواج بك وراغبة فيك، فان كانت الفتاة لم تصرح لامها ولاهلها بحقيقة رغبتها فيك، فعليها ان تفعل ذلك، وان توضح لهم بكل صراحة انها ترغب فيك زوجا؛ لانك ان شاء الله قد تحققت فيك الشروط المطلوبة من الخلق والدين، وخاصة اذا كنت متوسط الحال من الناحية المادية، فاذا وقفت هذه الفتاة هذا الموقف الواضح فان الغالب ان يؤثر موقفها هذا في اهلها، بحيث يضعف موقف امها، وتظهر امام الاهل بموقف المعارض لمصلحة الفتاة، ولمصلحة دينها وسعادتها في حياتها الزوجية.
وايضا فان من الحجج التي ينبغي ان تحتج بها هذه الفتاة على موقف امها الرافض بان تبين لاهلها ان فرصة الزواج الكريم الشريف قد لا تحصل في كل مرة، وحتى لو قدر وجود الزوج فان القليل منهم هم الذين يجمعون الدين والخلق المطلوبين، كما هو معلوم ومعروف من احوال الناس، فاذا وقفت الفتاة هذا الموقف الواضح فان الغالب ان يصير موقف الام موقفا ضعيفا لا وجه له، ولا اعتبار لدى عقلاء الناس له.
ولابد هنا من التنبيه ان هذه الفتاة المذكورة متى ما وقفت هذا الموقف الواضح من امها، فانها ربما تجد نوعا من الاذى وشيئا من المضايقة من امها او من بعض اهلها، فلابد ان يكون موقفك حينئذ هو الوقوف معها، بان تصبر حتى يتم الامر لكما، بحيث لا تتخلى عنها، وقد بذلت هذا الجهد وهذه المواجهة، بل عليك ان تكون واقفا معها ولا تخذلها في وقت هي قامت به في وجه امها لاجل الزواج بك.
فهذا كله اذا كانت امكانية الزواج من هذه الفتاة ممكنة بمثل هذا الاجراء والتصرف، اما اذا وصل الامر الى حد لا يمكن فيه تحقيق هذا الزواج او لا يتم الا بعد مدة طويلة جدا، فاننا نرى ان تحافظ على دينك، وان تتزوج فتاة اخرى تعينك على اعفاف نفسك، فان الخوف من الوقوع في الحرام يجعل الزواج واجبا على المسلم، كما هو مقرر في دين الله تعالى، بل الواجب حينئذ هو الزواج من اية فتاة صاحبة دين وخلق مرضيين، بحيث تحفظ نفسك وتحصن فرجك، غير اننا نوصيك والحالة كذلك بان تقوم باخبار الفتاة السابقة بقرارك هذا وبعزمك على الزواج من غيرها، بحيث لا يؤدي فعلك هذا الى تحطيم نفسها، وشعورها بانك خذلتها، ورميتها بلا عذر مقبول، بل يمكنك ايضاح هذا الامر لها عن طريق بعض قريباتك كاخواتك مثلا بحيث تتجنب الاتصال بها، وفي نفس الوقت تبلغها بحقيقة موقفك بكل جلاء ووضوح.
ولا ريب بانك لو فعلت هذا الامر لا تعد خائنا ولا قليل وفاء، بل انك والحالة كذلك قد فعلت الواجب شرعا الذي امر الله به ورسوله صلوات الله وسلامه عليه، مع ملاحظة انك بذلت وسعك لاجل الزواج من هذه الفتاة فلم يتيسر لك، ونساله جل وعلا ان يفتح لك ولها ابواب الخير، وان يجمع بينكما ما جمع بينكما بخير، وان يفرق بينكما ما فرق بينكما بخير، والحمد لله رب العالمين.
والله الموفق.
