هل الذي يغضب بسرعة يضحك بسرعة ايضا ؟ وماهو الحد الفارق بين السوي والمريض في سرعة الانفعالات او حجمها ؟
وفي الجواب على هذه التساؤلات يمكننا القول ان الناس يختلفون في سرعة استجاباتهم الانفعالية وفي حجمها وفي طرق التعبير عنها .. كما يختلف الجنسين في ذلك ، ويلعب العمر دورا في شكل الاستجابات الانفعالية .. حيث نجد فرقا واضحا بين انفعالات الاطفال والبالغين والكهول . ويمكن للعوامل الوراثية والتكوينية ان تحدد درجة السلوك الانفعالي ، اضافة للعوامل التربوية والثقافية والاجتماعية وتجارب الحياة المتنوعة التي يتعرض لها الانسان .
وفي دراسة الانفعالات وتصنيف اشكال التعبير الانفعالي نجد ان هناك خمسة نماذج اساسية من اشكال التعبير الانفعالي .. وعلى سبيل المثال في حالة التعبير عن الغضب نجد في المجموعة الاولى بعضا من الناس يرفع صوته او يجادل الشخص الذي اغضبه بحدة . وفي الثانية يحاول الشخص ان يوضح ويشرح اسباب غضبه بهدوء وروية.
اما الاشخاص في المجموعة الثالثة فهم يحاولون ان لايغضبوا لانهم يعتقدون ان ذلك خطا او غير مقبول او مناسب. وفي المحموعة الرابعة يقولون ان غضبهم غير مهم ولايفصحون عنه ولايظهروه . وفي المجموعة الاخيرة الخامسة يقول الانسان لنفسه انه ليس غاضبا اصلا وهو يتنصل من هذه الانفعالات ويبرر ذلك بانه لايوجد هناك مايستحق الغضب او يستدعيه .
وهكذا نجد النماذج التالية :
1- تعبير واضح وشديد عن الانفعال
2- تعبير هادئ ومنطقي عن الانفعال
3- هروب من التعبير الانفعالي
4- ضبط شديد للتعبير الانفعالي ومظاهره
5- تنصل من الانفعالات
وبالطبع هناك تداخل بين هذه الاساليب وهي تمتزج احيانا وتتعدل وتصبح اكثر مرونة .. وفقا لشخصية الانسان وظروفه واحواله ..
غير ان معظم الناس تتكرر اساليبهم التعبيرية السابقة الذكر في تعبيرهم عن معظم الانفعالات الاساسية مثل الحزن او التضايق ، والخوف والقلق ، وايضا مشاعر الفرح والسعادة والمشاعر الدافئة كالحب والعطف ، اضافة لمشاعر الكره والغضب والقرف وغيرها ..
وهكذا قد يكون صحيحا الى حد ما ان نقول ” ان الذي يغضب بسرعة .. يضحك بسرعة ايضا ” ، على اعتبار ان اسلوبه التعبيري سريع وحاد ويظهر ذلك في حال الغضب والضحك معا ، وهو يستجيب للمثيرات الانفعالية المتنوعة وحتى المتعاكسة في نوعها بشكل مشابه . لان هذا هو اسلوبه في التعبير عن الانفعالات .
وعمليا فان الحياة اليومية وتنوع المواقف فيها التي يتعرض لها الانسان ، وما تتطلبه من مرونة وتكيف مستمرين ، تجعل الانسان الناضج والناجح اكثر مرونة في طرق واساليب تعبيره الانفعالية . وهو يضطر احيانا ان يضبط نفسه وان يكتم انفعالا معينا ، مع انه في مواقف اخرى يكون اكثر سرعة او حدة في تعبيراته الانفعالية .
والحقيقة ان الاساليب التعبيرية الخمسة السابقة الذكر ليس فيها اسلوب واحد صحيح او صحي .. بل هي جميعها اساليب مفيدة وسليمة .. حيث تعتمد الصحة النفسية الى حد كبير على ضرورة المرونة وعلى اكتساب القدرات التعبيرية المتنوعة بدلا عن التطرف والجمود في اشكال التعبير .. مما يضفي على الشخصية غنى وتنوعا يتناسب مع الحياة العملية الواقعية ومع ضرورات التكيف .
وفي الحالات المرضية نجد ان سرعة الغضب يمكن ان تكون جزءا من حالات الاكتئاب او القلق او اضطرابات الشخصية العدوانية او احد اعراض الادمانات . كما ان التغيرات السريعة في المزاج من حالة الغضب الى حالة الفرح او البكاء تصف بعض الحالات النفسية مثل اضطراب الهوس الاكتئابي واضطراب المزاج الدوري ، اضافة لبعض الاضطرابات العضوية التي تؤثر على الحالة النفسية المزاجية الانسان مثل التسممات المختلفة وحالات الخرف الشيخي وغير ذلك .
ويتم تفريق التغيرات المزاجية الطبيعية عن المرضية من خلال شدة الانفعالات ودرجتها ومدتها ، اضافة الاعراض الاخرى المرافقة مثل فقدان النوم وازدياد النشاط وتسارع الافكار والتفكير الخيالي كما في بعض الحالات النفسية الشديدة مثل الهوس ، حيث يرافق الغضب الشديد اعراض التهيج وازدياد الفرح والمرح والجراة ولمدة عدة اسابيع .. يعود بعدها المزاج والسلوك الى الحالة الاعتيادية ولاسيما اذا تلقى المريض العلاج المناسب .
ولابد من الاشارة الى ان الانفعالات تلعب دورا رئيسيا في تكوين الانسان النفسي . وكثير من الاضطرابات النفسية والعقد النفسية واضطرابات السلوك والاضطرابات الجسمية نفسية المنشا ( كالصداع والام البطن والضعف الجنسي ) تجد تفسيرها في اختناق التعبير الانفعالي الصحيح والمناسب ، وفي الكبت المدمر للانفعالات الانسانية الطبيعية ، وفي التواء التعبير الانفعالي الصحيح . ويقوم العلاج النفسي على بحث واستثارة الانفعالات المختلفة المرضية والتعرف عليها ثم التعبير عنها ومناقشتها دون خوف شديد او قلق معطل ، وفي جو علاجي يسوده الامان والطمانينة . وهذا مايعرف بالتبصر والوعي الذاتي الانفعالي والعقلي .. وكل ذلك يساهم في اعادة التوازن النفسي للانسان ويحفظ طاقاته النفسية دون تعطيل او شلل .
ومن المعروف انه عندما يحكي الانسان عما في قلبه ويعبر عن مشاعره وانزعاجاته لصديقه العزيز او قريبه فان في ذلك راحة وشفاء .. وبالطبع قد لاتكفي مثل هذه الاساليب التعبيرية البسيطة وهذا التنفيس الانفعالي مالم تترافق مع وعي وتبصر، ولكن فيها فوائد واضحة .
وفي الدعوات الاخلاقية والدينية والانسانية المتنوعة نجد الدعوة الى تهذيب النفس وضبط شرورها ونوازعها السيئة وانفعالاتها المدمرة اوالسلبية مثل الكره والانانية والحسد والغيرة واحتقار الاخر .. ونجد ايضا التاكيد على الصبر وضبط النفس والرحمة والعطاء وان لانكون من قساة القلوب .. وكل ذلك يرقى بالانسان وحياته وانفعالاته الى درجات سامية متالقة ومفيدة في الحياة .. وهي لاتتعارض مع ضرورات التعبير المناسب والصحيح عن الانفعالات والاحاسيس والمشاعر، بل تتكامل معها وصولا الى الصحة النفسية والانفعالية ، والتي يسعى الجميع نحوها .
- التعبير الشفهي النفسي