لدي استفسار بخصوص حديث من احاديث الرسول عليه افضل الصلاة والسلام : لما ادخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة الجون ، ودنا منها ، قالت : اعوذ بالله منك . فقال : لقد عذت بعظيم , الحقي باهلك . فما صحة هذا الحديث ؟ وما سبب تعوذها من الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تعلم بانه رسول الله ؟ وهل الرسول صلى الله عليه وسلم طلقها من تعوذها فقط ، ام هناك حكم اخرى ؟
الحمد لله
اولا :
هذه القصة صحيحة ، وردت في احاديث عدة وسياقات يكمل بعضها بعضا :
فروى البخاري رحمه الله في صحيحه (5254) عن الامام الاوزاعي قال : سالت الزهري اي ازواج النبي صلى الله عليه وسلم استعاذت منه ؟
قال : اخبرني عروة ، عن عائشة رضي الله عنها : ( ان ابنة الجون لما ادخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها قالت : اعوذ بالله منك . فقال لها : لقد عذت بعظيم ، الحقى باهلك ) .
وروى البخاري ايضا في صحيحه (5255) عن ابى اسيد رضى الله عنه قال :
( خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى انطلقنا الى حائط يقال له الشوط ، حتى انتهينا الى حائطين ، فجلسنا بينهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اجلسوا ها هنا . ودخل وقد اتى بالجونية ، فانزلت في بيت في نخل في بيت اميمة بنت النعمان بن شراحيل ، ومعها دايتها حاضنة لها ، فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم قال : هبي نفسك لي .
قالت : وهل تهب الملكة نفسها للسوقة . قال : فاهوى بيده يضع يده عليها لتسكن . فقالت : اعوذ بالله منك . فقال : قد عذت بمعاذ . ثم خرج علينا ، فقال : يا ابا اسيد اكسها رازقيتين والحقها باهلها )
وروى ايضا رحمه الله (رقم/5256) عن عباس بن سهل عن ابيه وابى اسيد قالا : ( تزوج النبي صلى الله عليه وسلم اميمة بنت شراحيل ، فلما ادخلت عليه بسط يده اليها ، فكانها كرهت ذلك ، فامر ابا اسيد ان يجهزها ويكسوها ثوبين رازقيين ) ثياب من كتان بيض طوال.
وروى ايضا رحمه الله (رقم/5637) عن سهل بن سعد رضى الله عنه قال :
( ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم امراة من العرب ، فامر ابا اسيد الساعدي ان يرسل اليها ، فارسل اليها ، فقدمت فنزلت في اجم بني ساعدة ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاءها ، فدخل عليها ، فاذا امراة منكسة راسها ، فلما كلمها النبي صلى الله عليه وسلم قالت : اعوذ بالله منك. فقال : قد اعذتك منى . فقالوا لها : اتدرين من هذا ؟ قالت : لا . قالوا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليخطبك . قالت : كنت انا اشقى من ذلك . فاقبل النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ حتى جلس في سقيفة بني ساعدة هو واصحابه ، ثم قال : اسقنا يا سهل . فخرجت لهم بهذا القدح فاسقيتهم فيه ، فاخرج لنا سهل ذلك القدح فشربنا منه . قال : ثم استوهبه عمر بن عبد العزيز بعد ذلك فوهبه له ) ورواه مسلم ايضا (2007)، الاجم : الحصون .
ثانيا :
اختلف العلماء في اسم هذه المراة على اقوال سبعة ، ولكن الراجح منها عند اكثرهم هو : ” اميمة بنت النعمان بن شراحيل ” كما تصرح رواية حديث ابي اسيد . وقيل اسمها اسماء .
ثالثا :
لماذا استعاذت المراة الجونية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
يمكن توجيه ذلك ببعض الاجوبة الاتية :
1- قد يقال انها لم تكن تعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بدليل الرواية الاخيرة من الروايات المذكورة اعلاه ، وفيها : (. فقالوا لها : اتدرين من هذا ؟ قالت : لا . قالوا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليخطبك . قالت : كنت انا اشقى من ذلك )
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” وقال غيره : يحتمل انها لم تعرفه صلى الله عليه وسلم ، فخاطبته بذلك .
وسياق القصة من مجموع طرقها يابى هذا الاحتمال .
نعم سياتي في اواخر الاشربة من طريق ابي حازم ، عن سهل بن سعد – فذكر الرواية الاخيرة ، ثم قال : –
فان كانت القصة واحدة فلا يكون قوله في حديث الباب : ( الحقها باهلها ) ، ولا قوله في حديث عائشة : ( الحقي باهلك ) تطليقا ، ويتعين انها لم تعرفه .
وان كانت القصة متعددة – ولا مانع من ذلك – فلعل هذه المراة هي الكلابية التي وقع فيها الاضطراب ” انتهى.
“فتح الباري” (9/358)
2- ويذكر بعض اهل العلم ان سبب استعاذتها من النبي صلى الله عليه وسلم ما غرها به بعض ازواجه صلى الله عليه وسلم ، حيث اوهموها ان النبي صلى الله عليه وسلم يحب هذه الكلمة ، فقالتها رغبة في التقرب اليه ، وهي لا تدري ان النبي صلى الله عليه وسلم سيعيذها من نفسه بالفراق ان سمعها منه .
جاء ذلك من طرق ثلاثة :
الطريق الاولى :
يرويها ابن سعد في “الطبقات” (8/143-148)، والحاكم في “المستدرك” (4/39)، من طريق محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف في الحديث .
والطريق الثانية :
يرويها ابن سعد في الطبقات (8/144) بسنده عن سعيد بن عبد الرحمن بن ابزى قال: (الجونية استعاذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل لها : هو احظى لك عنده . ولم تستعذ منه امراة غيرها ، وانما خدعت لما رؤي من جمالها وهيئتها ، ولقد ذكر لرسول الله من حملها على ما قالت لرسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انهن صواحب يوسف ).
الطريق الثالثة :
رواها ابن سعد ايضا في “الطبقات” (8م145) قال : اخبرنا هشام بن محمد بن السائب ، عن ابيه ، عن ابي صالح ، عن بن عباس قال : ( تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم اسماء بنت النعمان ، وكانت من اجمل اهل زمانها واشبهم ، قال فلما جعل رسول الله يتزوج الغرائب قالت عائشة : قد وضع يده في الغرائب يوشكن ان يصرفن وجهه عنا . وكان خطبها حين وفدت كندة عليه الى ابيها ، فلما راها نساء النبي صلى الله عليه وسلم حسدنها ، فقلن لها : ان اردت ان تحظي عنده فتعوذي بالله منه اذا دخل عليك . فلما دخل والقى الستر مد يده اليها ، فقالت : اعوذ بالله منك . فقال: امن عائذ الله ! الحقي باهلك )
وروى ايضا قال : اخبرنا هشام بن محمد ، حدثني ابن الغسيل ، عن حمزة بن ابي اسيد الساعدي ، عن ابيه – وكان بدريا – قال : ( تزوج رسول الله اسماء بنت النعمان الجونية ، فارسلني فجئت بها ، فقالت حفصة لعائشة او عائشة لحفصة : اخضبيها انت وانا امشطها ، ففعلن ، ثم قالت لها احداهما : ان النبي، صلى الله عليه وسلم يعجبه من المراة اذا دخلت عليه ان تقول اعوذ بالله منك . فلما دخلت عليه واغلق الباب وارخى الستر مد يده اليها فقالت : اعوذ بالله منك . فتال بكمه على وجهه فاستتر به وقال : عذت معاذا ، ثلاث مرات . قال ابو اسيد ثم خرج علي فقال : يا ابا اسيد الحقها باهلها ومتعها برازقيتين ، يعني كرباستين ، فكانت تقول : دعوني الشقية ) .
وهذه الطرق قد يعضد بعضها بعضا ويستشهد بمجموعها على ان لذلك اصلا .
3- وذكر اخرون من اهل العلم ان سبب استعاذتها هو تكبرها ، حيث كانت جميلة وفي بيت من بيوت ملوك العرب ، وكانت ترغب عن الزواج بمن ليس بملك ، وهذا يؤيده ما جاء في الرواية المذكورة اعلاه ، وفيها : ( فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم قال : هبي نفسك لي . قالت : وهل تهب الملكة نفسها للسوقة . قال : فاهوى بيده يضع يده عليها لتسكن . فقالت : اعوذ بالله منك . فقال : قد عذت بمعاذ . ثم خرج علينا ، فقال : يا ابا اسيد اكسها رازقيتين والحقها باهلها )
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” ( السوقة ) قيل لهم ذلك لان الملك يسوقهم فيساقون اليه ، ويصرفهم على مراده ، واما اهل السوق فالواحد منهم سوقي . قال ابن المنير : هذا من بقية ما كان فيها من الجاهلية ، والسوقة عندهم من ليس بملك كائنا من كان ، فكانها استبعدت ان يتزوج الملكة من ليس بملك ، وكان صلى الله عليه وسلم قد خير ان يكون ملكا نبيا ، فاختار ان يكون عبدا نبيا ، تواضعا منه صلى الله عليه وسلم لربه ، ولم يؤاخذها النبي صلى الله عليه وسلم بكلامها ، معذرة لها لقرب عهدها بجاهليتها ” انتهى.
“فتح الباري” (9/358)
هذا ما تحصل ذكره من اسباب جاءت بها الروايات وكلام اهل العلم ، وكله يدل على كريم اخلاقه صلى الله عليه وسلم ، حيث لم يكن يرضى ان يتزوج من يشعر انها لا ترغبه ، وكان يابى صلى الله عليه وسلم ان يصيب احدا من المسلمين باذى في نفسه او ماله .
والله اعلم .
- من من زوجات الرسول التي طلقها
- من هي المرئه التي طلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم
- امراة طلقها زوجها ماذا يقال لها
- طلقها رسول الله
- قصة المراه التي طلقها النبي صل الله عليه وسلم
- من المراة التي طلقها رسول