المقالة نوع من الادب، هي قطعة انشائية، ذات طول معتدل تكتب نثرا، وتهتم بالمظاهر الخارجية للموضوع بطريقة سهلة سريعة، ولا تعنى الا بالناحية التي تمس الكاتب عن قرب. راى النور في عصر النهضة الاوروبية، واتخذ مفهومه من محاولات التي اطلق عليها اسم Essais، و”الفصل” (صيد الخاطر) كما عرفه العرب اقدم رائد للمقالة في الاداب العالمية، ذلك ان الفصل في الادب العربي قد ظهر قبل ظهور مقالات مونتاني امام هذا الفن غير مدافع بين الاوروبيين، فقد ظهر فن المقالة لاول مرة في فرنسا سنة1571م، ثم ظهر بعد ذلك ببضع عشرة سنة في كتابات فرانسيس بيكون، ثم اصبحت المقالة منذ ذلك الحين فنا انكليزيا شائعا بين قراء الانكليزية مع سبق الفرنسيين اليه.
مفهوم المقالة
يقول مونتاني في مقدمة كتابه (محاولات او تجارب) :[1]
يتضح في مقدمة كتاب ابن الجوزي صيد الخاطر انما كتب هذه الفصول ليسجل فيها خواطره التي اثارتها تجاربه وعلاقاته مع الاشياء. وهذه الخواطر ليست وليدة البحث والدرس العميق وانما هي خواطر انية تولد وتزول سريعا ان لم تدون لهذا سعى الى تدوينها في هذا الكتاب وسماه (صيد الخاطر) كما سمى فيما بعد احمد امين اشهر كتاب في المقالة الادبية في الادب العربي الحديث (فيض الخاطر) وهذا يعني ان مفهوم ابن الجوزي لفصول كتابه قريب من مفهوم مونتاني لفصوله فهو جسد فيها خواطره معلقا على هذا القول او ذاك ومصورا تجارب نفسه وعيوبها وما توصل اليه من افكار تتعلق بالدين والحياة والمجتمع.
يقول ابن الجوزي في مقدمة (صيد الخاطر):[2]
تاريخ المقالة
تجمع مراجع التاريخ الادبي على ان الكاتب الفرنسي ميشيل دي مونتين، هو رائد المقالة الحديثة في الاداب الاوروبية، ولهذا يقسم مؤرخو الادب تاريخ المقالة على طورين متباينين، يقف مونتين حدا فاصلا بينهما. والطور الاول هو الذي ظهرت فيه المحاولات المقالية في صورتها البدائية الفجة، حين كان تجارب مضطربة لا يحكمها ضابط ولا يحدها قانون، وذلك قبل ان تتطور الى صورتها الحديثة حين اخذت طريقها نحو النضج والتكامل، واتخذت لها قالبا اضحى مقررا معروفا فغدت فنا من فنون الادب المعرف بها، كالملحمة والقصيدة الغنائية والمسرحية والقصة والسيرة وما الى ذلك.
الكاتب الفرنسي مونتين هو اول من كتب المقالة في العالم، في كتابه محاولات الصادر في عام 1585، لكن العالم والاديب البغدادي ابن الجوزي سبق مونتين في كتابة المقالة بعدة قرون في كتابه صيد الخاطر الذي يتضمن قطعا نثرية قصيرة تدور حول شؤون الحياة والمجتمع والدين وهموم النفس.[3]
غير ان مقالات ابن الجوزي لم تترك اثرا يذكر في الكتاب الذين اتوا من بعده، ولم يشتهر كتابه كثيرا، وعندما ظهرت المقالة في الادب العربي في منتصف القرن التاسع عشر، كان ظهورها بتاثير المقالة الغربية ولما كان احتكاك مصرولبنان بالحضارة الغربية قبل احتكاك غيرها من البلدان العربية، صارت الاسبقية للمقالة في ادبيهما ومن ثم النضج من هنا برز في مصر ولبنان كتاب كبار بمقالة امثال الشيخ محمد عبده وطه حسين والعقاد والمازني واحمد امين ومصطفى لطفي المنفلوطي والرافعي وزكي نجيب محمود وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمه..الخ.
تطورها ترتبط المقالة ارتباطا وثيقا بعصر النهضة وما واكبها من نشاط فكري وثقافي وسياسي. فقد استدعت الصحافة مع كل عدد جديد عددا من المقالات. وكلما زاد ظهور الصحف اليومية والمجلات زاد الطلب على المقالات مما نشط حركة الكتابة وفسح المجال لظهور الكتاب. ولنا ان نتصور الدول العربية وقد استفاقت من غفوتها وتشكلت في دول ودويلات، فسارعت في انشاء الصحف والمجلات وشجعت النابهين على فعل ذلك، فتضخم عددها وعدد الكتاب ولا سيما حين رافق ذلك نشوء مصانع للورق وادوات الكتابة. ومن جهة اخرى شهدت المنطقة العربية نشاطا سياسيا وحركات حزبية استدعت الكتاب ان يصطفوا داعين ومؤيدين لاحزابهم وافكارهم ومقارعين لمناوئيهم وداعين للنهضة ومقاومة المستعمر. ولا يخفى اثر انتشار التعليم والوعي السياسي والثقافي في البلدان العربية، سواء اكان ذلك بازدياد عدد المدارس او بالاتصال بالغرب عن طريق البعثات او الهجرات، مما زاد في تلبية الطلب على الكتاب فنشطت سوق الكتابة في هيئة تفاعلية مضطردة تتمثل بزيادة الكتاب والقراء.
انواع المقالة
المقالة نوعان: المقالة الادبية او الذاتية التي تعنى بابراز شخصية كاتبها وتعتمد الاسلوب الادبي الذي يشع بالعاطفة ويستند الى الصور الفنية، والمقالة الموضوعية او العلمية التي تعنى بتجلية موضوعها بسيطا وواضحا وتحرص على التقيد بما يتطلبه الموضوع من منطق في العرض وتقديم المقدمات واستخراج النتائج، لكن كلتيهما تنبع من منبع واحد هو رغبة الكاتب في التعبير عن شيء ما وقد يكون هذا الشيء تاملاته الشخصية في الحياة والناس فيكتب مقالة ذاتية وقد يكون موضوعا من الموضوعات فيعمد الى المقالة الموضوعية.[4]