حكم ابقاء المشتري بعض نقوده عند البائع لياخذها لاحقا لعدم وجود صرف او فكة عند البائع
سمعت فتوى لبعض العلماء، ان من اشترى شيئا مثلا بقيمة (10) دراهم، واعطى البائع مائة درهم، ليرجع له الباقي وهو (90) درهما، ولكن البائع ليس عنده صرف، فقال البائع للمشتري: ساعطيك الباقي بعد ساعة او غدا، فوافق المشتري على ان ياخذ الباقي من النقود بعد مدة ساعات او يوم، فافتى هذا العالم بان هذا لا يجوز وان هذا عقد جديد، وفيه ربا، لانه ليس يدا بيد.
ارجو بيان الحكم بتفاصيله، وتكييف هذا الحكم وادلته ومن قال به من الفقهاء، لاننا جميعا نقع في هذه المعاملة، وذلك لتسهيل الامور والثقة في الناس، وقد جرت اعرافنا على ذلك وخاصة عند الباعة الذين هم من اهل البلد ونعرفهم ونتعامل معهم وهم ثقة.
اليس قد تم التقابض كاملا في هذه العملية الشرائية، اعطانا البضاعة، واخذ حقه من النقود، ولكن بقي في ذمته مبلغ من المال لنا، الا يعد هذا الباقي في ذمته، دينا في رقبته، فيكف يكون ربا؟!!
ولكم جزيل الشكر والثناء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه، اما بعد:
فقد اختلف اهل العلم في هذه المسالة بين مانع ومجيز، وسبب اختلافهم في الحكم هو اختلافهم في التكييف الفقهي لها، فمن قال بجوازها كيفها على انها امانة اي ان المشتري يترك الباقي له من دراهمه امانة عند صاحب المتجر. ومن راى منعها كيفها على انها تجمع بين بيع وصرف.
ومن اصحاب الراي الاول وهو القول بالجواز: اللجنة الدائمة فقد اجابوا على السؤال التالي:
افيدكم باني صاحب بقالة، وقد واجهتني مشكلة في البيع، وهي اني احيانا اذا جاءني المشتري واشترى بعض الاشياء واعطاني مبلغا فيبقى له باقي، فاذا لم يكن لدي صرف اي بقي له عندي مبلغ يقول: غدا اتيك واخذ الباقي، مثال ذلك: ( اذا اشترى بملبغ 50 ريالا يعطيني 100، فلا اجد عندي 50 ريالا، فيقول: ابقها عندك الى وقت اخر)، فهذا يا سماحة الشيخ اخبرني بعض الناس انها صورة من صور الربا، وانا لا استطيع اقناع المشترين، فارجوا من سماحتكم تزويدي بفتوى خطية عاجلة لكي اكون على بصيرة..
فاجابت بما يلي:
ليس في ابقاء المشتري بعض نقوده عند البائع شيء من الربا؛ لان هذا من باب البيع وائتمان البائع على بقية الثمن، وليس من باب الصرف.
ومن اصحاب الراي الثاني وهو المنع : الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فقد اجاب في لقاء الباب المفتوح على السؤال التالي:
فضيلة الشيخ! ذكرت في شريط : الاسلوب الامثل في الدعوة: انك اذا اشتريت مثلا من صاحب بقالة بقيمة اربعين ريالا فاعطيته خمسين وبقي لك عشرة ريال فقلت: انه ربا نسيئة، ما هو الدليل على ذلك لان كثيرا من الناس وقع في ذلك؟
فاجاب بما يلي: هذه الصفقة بارك الله فيك جمعت بين بيع وصرف، الخمسين ريالا الان صارت عوضا لصرف وبضاعة فاما البضاعة فمعروف انه ليس بينها وبين الدراهم ربا، واما الصرف الذي هو باقي قيمة الخمسين فهو بيع نقد بنقد، فلا يجوز ان تفارقه حتى تاخذ منه ما بقي من الخمسين، وحل هذه المشكلة سهل بدلا من ان يقول: هذه الخمسين ويبقى عندك لي عشرة ريالات يذهب الى جاره ويصرف الخمسين ويعطيه اربعين….
والراجح ان شاء الله هو القول بالجواز، لان الصرف في مثل هذه الصفقة ليس مقصودا؛ ولان اهل العلم لم يتفقوا على امتناع اجتماع البيع والصرف في عقد واحد. ومن منع ذلك منهم علل المنع بالاختلاف في بعض الاحكام. وذهب المالكية الى جواز اجتماع البيع والصرف في نحو الدينار معللين ذلك بان قلة ما اجتمعا فيه تفيد ان اجتماعهما ليس مقصودا.
والله اعلم.